من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.08.08 17:30
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتّقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
أيّها المسلم
طرُق الخير عديدة والأعمال الصّالحة كثيرة، والموفَّق من وفّقه الله لفعل الخير.
أخي المسلم
وعندما تعجز عن الخير، وتضعُف نفسك عنه، إمّا عجزًا أو كسلاً، فاحرِص أن تكفَّ عن النّاس أذاك، احرِص على أن يسلمَ الناس من شرّ لسانك ومن شرّ يدك، احرص أن لا تكونَ عونًا للإجرام وأهله، فالنبيّ لمّا ذكر طرقَ الخيرِ لأحدِ الصّحابة ويبدِي عندَ كلّ طريقٍ عجزَه، قال: "تمسِك عن الشّرّ، فذاك صدقة منك على نفسِك"[29]، فإذا عجزتَ عن فعل الخيرات فلا تعجَز من أن تكفَّ عن فعلِ السيئات وتمتنع من أذى المسلمين، فـ"المسلِم من سلِم المسلمون من لسانه ويدِه، والمؤمن من أمِنه الناس على دمائهم وأموالهم"[30]
فكفُّك الأذى وامتناعُك عن الأذى وإعراضك عن إلحاقِ الضّرر بالمسلمين صدقةٌ منك على نفسك، فإمّا خيرًا تفعله، وإمّا تكفّ عن الشرّ، وتترك الناسَ وشأنَهم، وتشتغِل بما ينفعُك، وتلهو بذلك عن تتبّع عيوبِ النّاس والاشتغال بما يضرّهم أو السّعي بينهم بالنّميمة أو اغتيابهم أو رميهم بما هم برآء منه، فأمسك لسانَك عمّا لا ينفع، "وهل يكبّ الناسَ في النار على وجوهِهم ـ أو قال: ـ على مناخِرهم إلا حصائدُ ألسنتهم"[31]. وكم كلمةٍ قالت لصاحبها: دعني، وكم من كلمة أوبَقت صاحبها في عذاب الله.
أيّها المسلم
هذا شهرُ رجب أحدُ الأشهر الحرم، هذا الشّهر هو أحد الأشهر الحرم التي قال الله فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماوات وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة:36]، وقول النبيّ: "ورجبُ مضَر الذي بين جمادَى وشعبان"[32].
ليس لهذا الشهر خصوصيّةٌ بعمرةٍ تؤدَّى فيه، ولا بصيامِ بعض أيّامه، ولا بإحياءِ بعض لياليه، ولا بصدقةٍ لأجل الشهر، كلّ هذه الأمور لا أصلَ لها في الشّرع، فلا يشرَع لنا أن نعتقدَ أنّ عمرةً في رجب لها مميّزات عن غيرها، ولا أن نعتقدَ أن صيامَ بعضه أو كلِّه أو أحد أيامه له فضل على غيره، ولا نعتقد أنّ قيامَ بعض ليالي الشّهر أو ليلة أو كلّ لياليه لها فضل، ولا أنّ صيامَ بعض أيامه له فضل، فلا صيامَ لأيّ يوم من رجب متميّز عن غيره، ولا قيام أي ليلة من ليالي رجب متميّزة عن غيرها من الليالي، ولا عمرة في رجب، ولا صدقة في رجب. كلّ هذه الأمور لا دليلَ عليها من كتاب الله ولا من سنّة رسول الله ، ولو كان خيرًا لسبقنا إليه محمّد وصحابتُه الكرام.
إذًا فمن خصَّ رجب بعمرةٍ فيه أو خصَّه بصيام بعضِ أيامه أو خصَّه بإحياء بعض لياليه أو خصَّه بصدقةٍ فيه زاعمًا أنّ لها فضلاً عن سائر الشهور، فنقول: هذا من البِدع التي ما أنزل الله بها مِن سلطان.
واعلَموا ـ رحمَكم الله ـ أنّ
أحسَنَ الحديثِ كِتاب الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمّد ، وشرّ الأمورِ محدثاتُها، وكلّ بدعةٍ ضلالَة، وعَليكم بجمَاعة المسلمين، فإنّ يدَ الله على الجماعَة، ومن شذّ شذّ في النّار.
وصَلّوا ـ رحِمكم الله ـ عَلى نبيّكم محمّد كمَا أمرَكم بذلك ربّكم، قالَ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك عَلى عبدِك ورَسولِك مُحمّد, وارْضَ اللهمَّ عن خلفائِه الرّاشدين...
---------------------
[1] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: أمور الإيمان (9)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها (35) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[2] أخرجه مسلم في الطهارة (233) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] أخرجه البخاري في مواقيت الصلاة، باب: الصلوات الخمس كفارة (528)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا (667) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه.
[4] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابا من الإيمان (38)، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (760) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان (37)، ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (759) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[6] أخرجه البخاري في التوحيد، باب: قول الله تعالى: يريدون أن يبدلوا كلام الله (7492)، ومسلم في الصيام، باب: فضل الصيام (1151) عن أبي هريرة، وعند مسلم: عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.
[7] أخرجه البخاري في الحج، باب: قول الله تعالى: فلا رفث (1819)، ومسلم في الحج، باب: في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة (1350) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[8] أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان (720) عن أبي ذر بنحوه.
[9] أخرجه البخاري في الأدب، باب: من بسط له في الرزق بصلة الرحم (5986)، ومسلم في البر والصلة، باب: صلة الرحم (2557) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
[10] أخرجه البخاري في المظالم، باب: لا يظلم المسلم المسلم (2442)، ومسلم في البر والصلة، باب تحريم الظلم (2580) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه.
[11] أخرجه مسلم في الزكاة، باب: أن اسم الصدقة يقع على كل نوع (1006) عن أبي ذر رضي الله عنه نحوه.
[12] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: التحريض على الصدقة والشفاعة فيها (1432)، ومسلم في البر والصلة، باب: استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام (2627) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[13] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، باب: فضل الإحسان إلى البنات (2631) عن أنس رضي الله عنه بنحوه.
[14] أخرجه البخاري في الأدب، باب: فضل من يعول يتيما (6005) عن سهل بن سعد رضي الله عنه، ومسلم في الزهد والرقائق، باب: الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم (2983) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[15] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة (54)، ومسلم في الوصية، باب: الوصية بالثلث ( 1628) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
[16] أخرجه مسلم في الزكاة، باب: فضل النفقة على العيال والمملوك (994) عن ثوبان رضي الله عنه بنحوه.
[17] أخرجه مسلم في والوصية، باب: ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (1631) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[18] أخرجه البخاري في الزكاة، باب: الصدقة من كسب طيب (1410)، ومسلم في الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (1014) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[19] أخرجه البخاري في الجهاد، باب: من أخذ بالركاب ونحوه (2989)، ومسلم في الزكاة، باب: أن اسم الصدقة يقع على كل نوع (1009) واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[20] أخرجه البخاري في الجهاد، باب: من أخذ بالركاب ونحوه (2989)، ومسلم في الزكاة، باب: أن اسم الصدقة يقع على كل نوع (1009) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[21] أخرجه البخاري في العتق، باب: أي الرقاب أفضل؟ (2518)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الإعمال (84) عن أبي ذر رضي الله عنه.
[22] أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب: من حبسه العذر عن الغزو (2839) عن أنس رضي الله عنه، ومسلم في الإمارة، باب: ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر (1911) عن جابر رضي الله عنه.
[23] أخرجه أحمد (4/230، 231)، والترمذي في الزهد، باب: ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر (2325)، وابن ماجه في الزهد، باب: النية (4228) من حديث أبي كبشة الأنصاري رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وهو في صحيح سنن الترمذي (1894).
[24] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، باب: استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء (2626) عن أبي ذر رضي الله عنه.
[25] أخرجه البخاري في الأدب، باب: كل معروف صدقة (6021) عن جابر رضي الله عنه، ومسلم في الزكاة، باب: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع (1005) عن حذيفة رضي الله عنه.
[26] أخرجه البخاري في الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب فضل المنيحة (2631) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[27] أخرجه مسلم في الإيمان، باب: إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة (131) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[28] أخرجه البخاري في المساقاة، باب: فضل سقي الماء (2363)، ومسلم في السلام، باب: فضل سقي البهائم المحترمة وإطعامها (2244) عن أبي هريرة رضي الله عنه، لكن فيه أن رجلا بينا يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش... أما قصة البغي فليس قول النبي : ((إنّ في كلّ كبدٍ رطبة أجر))، وقد أخرجها البخاري في أحاديث الأنبياء (3467)، ومسلم في السلام (2245) من حديث أبي هريرة أيضا.
[29] أخرجه البخاري في العتق (2518)، ومسلم في الإيمان (84) عن أبي ذر رضي الله عنه بنحوه.
[30] أخرجه أحمد (2/379)، والترمذي في الإيمان (2627)، والنسائي في الإيمان (4995) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (180)، والحاكم (22)، وهو في صحيح سنن الترمذي (2118)، والجزء الأول منه في الصحيح من حديث عبد الله بن عمرو وأبي موسى وجابر رضي الله عنهم.
[31] أخرجه أحمد (5/231)، والترمذي في الإيمان، باب: ما جاء في حرمة الصلاة (2616)، وابن ماجه في الفتن، باب: كف اللسان في الفتنة (3973) من حديث معاذ رضي الله عنه، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الحاكم (2/447)، والألباني في صحيح سنن الترمذي (2110).
[32] أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب: ما جاء في سبع أرضين (3197)، ومسلم في القسامة، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال (1679) عن أبي بكرة رضي الله عنه.
منقول من هنـــــــــــــــا
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 12.08.08 16:21 عدل 1 مرات