بسم الله الرحمن الرحيم
ردٌّ على صوفي
ردٌّ على صوفي
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فقد اطلعت على كتابٍ سمَّاه صاحبه " التعلق الصوري ، والتعلق المعنوي بالجناب النبوي المحمدي صلى الله عليه وسلم " اسم مؤلف الكتاب الأستاذ الدكتور / عاطف بن قاسم أمين المليجي في آخر الكتاب عباراتٌ سيئة يظهر أنَّها مقتبسةٌ من عبارات الغارقين في التصوف من أصحاب وحدة الوجود ؛ الذين يزعمون أنَّ النبيَّ محمداً صلى الله عليه وسلم هو أصل الوجود ؛ بل ويجعلون له صفات الخالق وقد كتب صاحب الكشف عن الصوفية لأول مرة تأليف محمود عبد الرؤوف القاسم كتب تسعة عشر صفحة تحت عنوان الحقيقة المحمدية كتب فيها عدة صلوات عن الصوفية يصفون فيها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بأوصاف الألوهية كقول الحلاَّج في ص263 : " هو الأول في الوصلة ؛ وهو الآخر في النبوة ، والباطن في الحقيقة ، والظاهر بالمعرفة ... الحق ما أسلمه إلى خلقه ؛ لأنَّه هو وإنِّي هو وهو هو " انتهى ، وانظر أيضاً الملاحظات من كتاب الكشف عن الصوفية في ص164 رقم 2 حيث يجعلون محمداً هو الله ، وله جميع صفاته الحسنى .
اللهمَّ إنَّا نبرأ إليك من هذا الباطل الموغل في البطلان ؛ الذي تردُّه السنَّة ، والقرآن ، فالله تعالى يقول : ) قل إنَّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليَّ أنَّما إلهكم إلهٌ واحد ([ الكهف : 110 ] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : (( لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ؛ إنَّما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله )) رواه البخاري .
واسمع أيضاً لما يقوله أحمد التيجاني في الصلاة الغيبية في الحقيقة الأحمدية ص 275 : " فإنَّها برزت من الغيب من غير إنشاء أحد ؛ اللهمَّ صلِّ وسلم على عين ذاتك العلية بأنواعٍ كمالاتك البهية في حضرة ذاتك الأبدية على عبدك القائـم بك منك لك إليك بأتمَّ الصلـوات الزكيـة المصلِّي في محراب عين هاء الهوية التالي السبع المثاني بصفاتك النفسية ؛ الداعي بك بإذنك لكافة الشؤون العلية ؛ المفيض على كافـة من أوجدته بقيومية سرك المدد الساري في كلية أجزاء موهية فضلك المتجلي عليه في محراب قدسك ، وأنسك بكمال ألوهيتك في عوالمك في برِّك وبحرك " اهـ .
ومن صلوات أحمد بن إدريس الإدريسي " الصلاة الخامسة ؛ اللهمَّ صلِّ على الذات الكنـه قِبْلة وجوه تجليات الكنه ؛ عين الكنه في الكنه ؛ الجامع لحقائق كنه الكنه " .
وقال أيضاً : " الصلاة السادسة ؛ اللهمَّ صلِّ على أمِّ الكتاب كمالات كنه الذات عين الوجود المطلق الجامع لسائر التقييدات صورة ناسوت الخلق معاني لاهوت الحق .. " إلى آخر المصدر نفسه ص 275 – 276 .
إنَّني والحمد لله لم أكتب هذه العبارات الكفرية السيئة ؛ التي لايصح أن توصف إلاَّ بأنَّها هلوسة وجنون ممن يدَّعون بأنَّهم وصلوا إلى ما لم يصل إليه غيرهم ، وما وصلوا إلاَّ إلى الكفر الأفضع حيث وصفوا المخلوق البشري بصفات الرب الجليل والإله العظيم ؛ الذي وصف نفسه بقوله : ) وما قدروا الله حقَّ قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطوياتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمَّا يشركون ([ الزمر : 67 ] وقال جلَّ من قائل : ) يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أوَّل خلقٍ نعيده وعداً علينا إنَّا كنَّا فاعلين ([ الأنبياء : 104 ] وقال عن جميع خلقه : ) إن كلُّ من في السماوات والأرض إلاَّ آتي الرحمن عبدا $ لقد أحصاهم وعدَّهم عدَّا $ وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ([ مريم : 93- 95 ] وأخبر عن الرسل أنَّهم قالوا لأممهم : ) إن نحن إلاَّ بشرٌ مثلكم ، ولكنَّ الله يمنُّ على من يشاء من عباده ، وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلاَّ بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ([ إبراهيم : 11 ] وقال عن عبده ورسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم معلماً له ، وموجهاً له : ) قل إنَّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليَّ أنَّما إلهكم إلهٌ واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويلٌ للمشركين ([ فصلت : 6 ] وقال عنه : ) وما محمدٌ إلاَّ رسولٌ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرَّ الله شيئا ([ آل عمران : 144 ] وقال : ) ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنَّهم ظالمون ([ آل عمران : 128 ] .
إنَّ من يعتقد عقيدة الصوفية المارقة أصحاب وحدة الوجود الذين يجعلون للمخلوق صفات الخالق فإنَّه يعتبر قد أشرك بالله شركاً أكبر ، وخرج من الإسلام بإعطائه للمخلوق صفات الخالق جلَّ شأنه وعزَّ سلطانه ، وتعالت صفاته .
واسمع إلى مؤلف كتاب التعلق الصوري والتعلق المعنوي بالجناب النبوي المحمدي صلى الله عليه وسلم في الفصل الرابع ص39 : " يقول العارف بالله الإمام عبد الكريم الجيلي : ( اعلم وفقنا الله وإيَّاك للوقوف ببابه ، والعكوف بجنابه ؛ أنَّ الله تعالى لمَّا أحبَّ نبيه الخاتم صلى الله عليه وسلم جعله شفيعاً لخلقه إليه يوم القيامة ، وليس لأحدٍ من الخلق عموم الشفاعة سواه ) " وأقول نعم هذه الشفاعة في فصل القضاء التي يعتذر عنها آدم ، فمن دونه من الرسل أولي العزم ، فإذا وصلت إليه كما في البخاري ومسلم قال : (( فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز وجل ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب أمتي يا رب )) فيأمر الله بفصل القضاء ، وتكون أمته أوَّل أمة يقضى بينها ؛ لهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنَّهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأعطيناه من بعدهم )) رواه مسلم.
لهذا يقول الجيلي : " وسرُّ ذلك أنَّ الأنبياء لم يبعثوا إلى كافة الخلق ، وإنَّما بعث إلى كافَّة الخلق محمدٌ صلى الله عليه وسلم فهو مقدمهم وراعيهم ، وكلُّ راعٍ مسؤولٌ عن رعيته ، فأوجب الله تعالى عليه الشفاعة لهم والقيام بمصالحهم دنيا وأخرى " وأقول لقد أخطأ في هذا المقطع ثلاثة أخطاء ، وذلك بسبب المبالغة والغلو الممقوت فقوله : " فهو مقدمهم وراعيهم " أمَّا كونه مقدمهم فلاشك في ذلك فإنَّ له لواء تحشر تحته جميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وهو أفضل الرسل ، وأعلاهم عند الله منزلة ، وأكرمهم عنده مقاما ، وأفضلهم عنده جاهاً .
وأمَّا كونه : " راعيهم وكلُّ راعٍ مسؤولٌ عن رعيته ، فأوجب الله تعالى عليه الشفاعة لهم والقيام بمصالحهم دنيا وأخرى " فأقول أنَّ الشفاعة لم تكن واجبةً عليه ، وإنَّما محبته لنفع الآخرين وما رآه من حاجة الناس إلى ذلك هو الذي دفعه إلى فعل الشفاعة ؛ مع ما أعطاه الله من الفضل الذي جعله يكون أهلاً لذلك .
ثانياً : أمَّا كونه مسؤولاً عن رعيته ؛ فهذا قولٌ غير صحيح ، فالله تعالى قال لنبيه : ) فذكر إنَّما أنت مذكر $ لست عليهم بمسيطر ([ الغاشية : 21 – 22 ] وقال تعالى : ) فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلاَّ البلاغ ([ الشورى : 48 ] .
ثالثاً : في قوله : " والقيام بمصالحهم دنيا وأخرى " هذا أيضاً باطلٌ فلم يوجب الله عليه القيام بمصالحهم الدنيوية والأخروية ، ولكن بيَّن لهم ، وعلَّمهم ما يجب لله عليهم ، وما يجب لبعضهم على بعض من الأحكام والشرائع ؛ أمَّا أمور الدنيا فكلُّ واحدٍِ مكلف أن ينظر في مصلحة نفسه ، وأهل بيته ، ويعمل الأسباب المؤدية إلى ذلك ، وقد ورد : (( أنَّ رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال أما في بيتك شيء قال بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء قال ائتني بهما فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذين قال رجل أنا آخذهما بدرهم قال من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا قال رجل أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما فذهب الرجل يحتطب ويبيع فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خير لك من أن تجىء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع )) رواه ابن ماجة وأبو داود في سننه واللفظ له ، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يوجِّه الذي لايحسن أن يتصرف .
أمَّا كونه صلى الله عليه وسلم يكون كما قال الجيلي : " فأوجب الله تعالى عليه الشفاعة لهم والقيام بمصالحهم دنيا وأخرى " فهذا لم يقله أحدٌ من أهل العلم المعتبرين .
ثمَّ قال عبد الكريم الجيلي : " فلمَّا كان واسطة الجميع في البداية لأجل الظهور كان واسطتهم في النهاية لأجل النعيم المقيم ، فليس في الأزل والأبد وسيلةٌ ولا واسطةٌ ، ولاعلةٌ لوجودك ووجود كلِّ خيرٍ لك ، ولكل موجود أحدٌ سواه " وأقول هذا تعبيرٌ من تعبيرات أصحاب وحدة الوجود عليهم من الله ما يستحقون ؛ كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم أصل الخليقة ، وعلتها ، وسبب وجودها ؛ وهو مولودٌ بين أبوين من قريش في وقتٍ محدد ، ومكانٍ محدد ، وبيئةٍ محددة ؛ أرسله الله جلَّ شأنه إلى العباد ليدلهم على توحيد الله ، ويأمرهم بأن يفردوا ربهم بالعبادة ، ويبيِّن لهم كيفية العبادة التي أوجبها عليهم أنزل عليه القرآن كتاباً مهيمناً على الكتب كلَّها ، وأوحى إليه السنة ، فجَّرها على لسانه ، وبيَّنها بعمله ، فقال جلَّ من قائل : ) هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين ([ الجمعة : 3 ] وقال تعالى : ) قل إنَّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليَّ أنَّما إلهكم إلهٌ واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولايشرك بعبادة ربه أحدا ( وقال سبحانه : ) الله خالق كلِّ شيءٍ وهو على كلِّ شيءٍ وكيل ([ الزمر : 63 ] وقال : ) أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأرض وهو يطعـم ولايطعـم قل إني أمرت أن أكون أوَّل من أسلـم ولاتكـوننَّ من المشركين ([ الأنعام : 14 ] وقال سبحانه : ) وما خلقت الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدون $ ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون $ إنَّ الله هو الرزاق ذو القوة المتـين ([ الذاريات : 56 – 59 ] .