الأسباب الدافعة إلى عدم الاعتراف بالحق ، والتمادي على الباطل ، للعلامة المعلمي رحمه الله .
--------------------------------------------------------------------------------
قال العلاّمةُ الشيخُ عبدُ الرّحمنِ بنُ يحي المعلميّ العُتميّ اليماني رحمه الله [1] ، متكلّمًا عن الأسبابِ الدّافعةِ إلى عدم الإعتراف بالحقّ بعد علمِه و تبيُّنِه ، و عن بواعثِ التّمادي على الباطلِ :
(( الدّينُ على درجاتٍ : كفٌّ عمّا نهُي عنه ، و عملٌ بما أُمر به ، و اعترافٌ بالحقّ ، واعتقادٌ له وعلمٌ به . ومخالفةُ الهوى للحقِّ في الكفّ واضحةٌ ، فإنّ عامَّة ما نهي عنه شهواتٌ و مستلذّاتٌ ، و قد لا يشتهي الإنسانُ الشّيءَ مِنْ ذلكَ لذاته ، ولكنّه يشتهيهِ لعارضٍ . و مخالفةُ الهوى للحقّ في العمل واضحةٌ ، لما فيه من الكُلفة و المشقّةِ .
و مخالفةُ الهوى للحقِّ في الإعترافِ بالحقّ من وجوهٍ: [2]
الأوّلُ : أنْ يرى الإنسانُ أنّ اعتراف بالحقّ يستلزمُ اعترَافَه بأنّه كان على باطلٍ [3] ، فالإنسان يَنشأُ على دينٍ أو اعتقادٍ أو مذهبٍ أو رأيٍ يتلقّاهُ من مربّيهِ ومعلّمهِ على أنّه حقٌّ ، فيكون عليه مدّةً ، ثمّ إذا تبيّن له أنّه باطلٌ شقَّ عليه أن يعترفَ بذلكَ ، وهكذا إذا كان آباؤه أو أجداده أو متبوعُه على شيءٍ ، ثمّ تبيّن له بطلانُه ، و ذلك أنه يرى أنّ نقصَهم مستلزمٌ لنَقصِه ، فاعترافُه بضلالهم أو خطأِهم إعترافٌ بنقصه ، حتى أنّك لترى المرأةَ في زماننا هذا إذا وقفتْ على بعض المسائلِ التي كان فيها خلافٌ بين أمّ المؤمنين عائشةَ و غيرِها منَ الصّحابة ، أخذتْ تحامي عن قولِ عائشةَ ، لا لشيءٍ ، إلا لأنّ عائشَةَ امرأةٌ مثلُها ، فتتوهّمُ أنّها إذا زعمت أنّ عائشة أصابتْ و أنّ مَنْ خالفها من الرّجالِ أخطأوا ، كان في ذلك إثباتُ فضيلة لعائشة على أولئك الرّجال ، فتكون تلك الفضيلةُ فضيلةً للنّساء على الرّجال مطلقًا ، فينالها حظٌّ من ذلك ، و بهذا يلوحُ لك سرُّ تعصّبِ العربي للعربي ، و الفارسي للفارسي ، و التركي للتركي ، وغير ذلك .حتى لقد يتعصّبُ الأعمى في عصرنا هذا للمَعَرّي ! .
الوجهُ الثّاني : أنْ يكونَ قدْ صارَ لهُ في الباطلِ جاهٌ و شهرةٌ و معيشةٌ ، فيشقُّ عليه أن يَعترفَ بأنّه باطلٌ فتذهبُ تلك الفوائدُ .
الوجه الثالثُ : الكِبْرُ ، يكونُ الإنسان على جهالةٍ أو باطلٍ ، فيجيءُ آخَرُ فيبيّنُ له الحُجّةَ ، فيرى أنّه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافُه بأنّه ناقصٌ ، و أنّ ذلك الرّجلَ هو الذي هداهُ ، ولهذا ترى من المنتسبينَ إلى العلم من لا يشقُّ عليه الإعترافُ بالخطأ إذا كان الحقُّ تبيّنَ له ببحثه و نظره ، و يشقُّ عليه ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّنَ له .
الوجهُ الرابعُ : الحسدُ ، و ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّن الحقَّ فيرى أنّ اعترافَه بذلك الحقِّ يكون اعترافًا لذلك المُبيِّنِ بالفضل و العلم و الإصابةِ ، فيَعْظُم ذاك في عيون النّاس ، ولعلّه يتبَعه كثيرٌ منهم ، و إنّ لتجدُ [4] منَ المنتسبينَ إلى العلم من يحرصُ على تخطئةِ غيره من العلماءِ و لو بالباطل ، حسدًا منه لهم ، ومحاولةً لحطِّ منزلتهم عندَ النّاسِ . ))
--------------------------
[1] : في كتابه : " القائدُ إلى تصحيحِ العقائدِ " [ بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله و نشر المكتب الإسلامي ، ط 3 ، 1404 ]
[2] : أي : عدم اعتراف صاحب الهوى بالحقّ يكون من أسباب . [ أبو حاتم ]
[3] : كذا في الأصل ، ولعلّ الصوّاب : أن يرى الإنسان أنّ اعترافه بالحقّ ... [ أبو حاتم ]
[4] : كذا ، و الصّواب : و إنّك لتجد ... [ أبو حاتم ] .
يتبع .....
--------------------------------------------------------------------------------
قال العلاّمةُ الشيخُ عبدُ الرّحمنِ بنُ يحي المعلميّ العُتميّ اليماني رحمه الله [1] ، متكلّمًا عن الأسبابِ الدّافعةِ إلى عدم الإعتراف بالحقّ بعد علمِه و تبيُّنِه ، و عن بواعثِ التّمادي على الباطلِ :
(( الدّينُ على درجاتٍ : كفٌّ عمّا نهُي عنه ، و عملٌ بما أُمر به ، و اعترافٌ بالحقّ ، واعتقادٌ له وعلمٌ به . ومخالفةُ الهوى للحقِّ في الكفّ واضحةٌ ، فإنّ عامَّة ما نهي عنه شهواتٌ و مستلذّاتٌ ، و قد لا يشتهي الإنسانُ الشّيءَ مِنْ ذلكَ لذاته ، ولكنّه يشتهيهِ لعارضٍ . و مخالفةُ الهوى للحقّ في العمل واضحةٌ ، لما فيه من الكُلفة و المشقّةِ .
و مخالفةُ الهوى للحقِّ في الإعترافِ بالحقّ من وجوهٍ: [2]
الأوّلُ : أنْ يرى الإنسانُ أنّ اعتراف بالحقّ يستلزمُ اعترَافَه بأنّه كان على باطلٍ [3] ، فالإنسان يَنشأُ على دينٍ أو اعتقادٍ أو مذهبٍ أو رأيٍ يتلقّاهُ من مربّيهِ ومعلّمهِ على أنّه حقٌّ ، فيكون عليه مدّةً ، ثمّ إذا تبيّن له أنّه باطلٌ شقَّ عليه أن يعترفَ بذلكَ ، وهكذا إذا كان آباؤه أو أجداده أو متبوعُه على شيءٍ ، ثمّ تبيّن له بطلانُه ، و ذلك أنه يرى أنّ نقصَهم مستلزمٌ لنَقصِه ، فاعترافُه بضلالهم أو خطأِهم إعترافٌ بنقصه ، حتى أنّك لترى المرأةَ في زماننا هذا إذا وقفتْ على بعض المسائلِ التي كان فيها خلافٌ بين أمّ المؤمنين عائشةَ و غيرِها منَ الصّحابة ، أخذتْ تحامي عن قولِ عائشةَ ، لا لشيءٍ ، إلا لأنّ عائشَةَ امرأةٌ مثلُها ، فتتوهّمُ أنّها إذا زعمت أنّ عائشة أصابتْ و أنّ مَنْ خالفها من الرّجالِ أخطأوا ، كان في ذلك إثباتُ فضيلة لعائشة على أولئك الرّجال ، فتكون تلك الفضيلةُ فضيلةً للنّساء على الرّجال مطلقًا ، فينالها حظٌّ من ذلك ، و بهذا يلوحُ لك سرُّ تعصّبِ العربي للعربي ، و الفارسي للفارسي ، و التركي للتركي ، وغير ذلك .حتى لقد يتعصّبُ الأعمى في عصرنا هذا للمَعَرّي ! .
الوجهُ الثّاني : أنْ يكونَ قدْ صارَ لهُ في الباطلِ جاهٌ و شهرةٌ و معيشةٌ ، فيشقُّ عليه أن يَعترفَ بأنّه باطلٌ فتذهبُ تلك الفوائدُ .
الوجه الثالثُ : الكِبْرُ ، يكونُ الإنسان على جهالةٍ أو باطلٍ ، فيجيءُ آخَرُ فيبيّنُ له الحُجّةَ ، فيرى أنّه إن اعترف كان معنى ذلك اعترافُه بأنّه ناقصٌ ، و أنّ ذلك الرّجلَ هو الذي هداهُ ، ولهذا ترى من المنتسبينَ إلى العلم من لا يشقُّ عليه الإعترافُ بالخطأ إذا كان الحقُّ تبيّنَ له ببحثه و نظره ، و يشقُّ عليه ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّنَ له .
الوجهُ الرابعُ : الحسدُ ، و ذلك إذا كان غيرُه هو الذي بيّن الحقَّ فيرى أنّ اعترافَه بذلك الحقِّ يكون اعترافًا لذلك المُبيِّنِ بالفضل و العلم و الإصابةِ ، فيَعْظُم ذاك في عيون النّاس ، ولعلّه يتبَعه كثيرٌ منهم ، و إنّ لتجدُ [4] منَ المنتسبينَ إلى العلم من يحرصُ على تخطئةِ غيره من العلماءِ و لو بالباطل ، حسدًا منه لهم ، ومحاولةً لحطِّ منزلتهم عندَ النّاسِ . ))
--------------------------
[1] : في كتابه : " القائدُ إلى تصحيحِ العقائدِ " [ بتحقيق الشيخ الألباني رحمه الله و نشر المكتب الإسلامي ، ط 3 ، 1404 ]
[2] : أي : عدم اعتراف صاحب الهوى بالحقّ يكون من أسباب . [ أبو حاتم ]
[3] : كذا في الأصل ، ولعلّ الصوّاب : أن يرى الإنسان أنّ اعترافه بالحقّ ... [ أبو حاتم ]
[4] : كذا ، و الصّواب : و إنّك لتجد ... [ أبو حاتم ] .
يتبع .....