رسالة
أوثق عرى الإيمان
للشيخ
سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب
من كتاب
مجموع الرسائل
تحقيق
د. الوليد بن عبدالرحمن بن محمد آل فريان
***
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
أوثق عرى الإيمان
للشيخ
سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب
من كتاب
مجموع الرسائل
تحقيق
د. الوليد بن عبدالرحمن بن محمد آل فريان
***
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
يخطيء من يظن أن التودد لأعداء الله والسعي في تقريبهم سوف يجلب محبتهم، ويدفعهم إلى أن يبادلوه حباً بحب.يقول الله تعالى في كتابه الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ {118}هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ {119}إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} ([1]).فمن ينتظر منهم الرضى أو ينشده كمن يؤمل من السراب الخادع ماءا، والثقة بودهم وهم كبير وغفلة عن وقائع التأريخ المتكررة في كل زمان ومكان.ولذلك جاءت النصوص الكثيرة تأمر بمقاطعتهم وعداوتهم مهما تظاهروا بالمحبة الكاذبة، التي طالما اصطادوا الناس بشباكها.وفي الوقت نفسه دعت إلى توثيق الصلات بين المسلمين، وإشاعة المحبة والمودة في مجتمعهم، ونبذ أشكال الاختلاف والفرقة، بل اعتبرت المحبة جزءًا أساسياً من الإيمان، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا"([2]).غير أنها وهي تتمتع بالأهمية البالغة في صياغة المجتمعات، وتنعكس آثارها على الكثير من جوانب الحياة، لم تنل ما تستحقه من العناية الموازية لدورها، والمكافئة لأهميتها. فكان من نتائج هذا التجاهل المزري أن خفتت جذوتها، وتقهقرت في النفوس والقلوب، وفقدت المصداقية عند الغالبية من الناس حتى أصبحت المحبة في الله تعالى في نظر كثير من الناس من ضروب الخيال، وأباطيل القصص والأخبار.وليس هذا بالغريب في ظل انحراف عام لازال يخيم بظلامه، وينشر دسائسه في كل مكان.ولكن الغريب حقاً، أن تسري غاشية المرض إلى فئات من الناس ممن يملكون علماً أو عاطفة دينية ويتقلدون شيئاً من أمر المسلمين أو هكذا يخيل إلينا.من أجله يصاب المؤمن بالحزن والأسى، وتتزايد في ذهنه خواطر الشك والارتياب، وقد يندفع تحت وطأة هذه الظروف إلى النظر في موقفه من الأشخاص الذين ربما حمل في قلبه لهم محبة واحتراماً وقتاً من الأوقات.تلك حقائق ساطعة تصدمك بكل أسف أينما اتجهت، إلا أنه من الواجب تلمس أسباب هذه الكارثة، ومحاولة البحث عما يمكن أن يساهم في إزالتها، أو يخفف من خطرها؛ إذ هي من أشد معوقعات الدعوة، والسلاح الذي كثيراً ما يشهر في وجوه الدعاة والمصلحين لعرقلة نشاطهم أو إجهاضه.
ومن السذاجة أن نتوقع من ظالم مستبد أو مفسد خئون، أن يمد يده لإنقاذ الدعاة من مأزقهم أو يساعد على تجاوز هذه الأزمة بسلام.
هناك مجموعة من الوسائل لعل من أيسرها القول: بأنه لابد من إعادة النظر في أساليب التربية والتوجيه، لتكتسب صورتها الإسلامية الخالصة من شوائب التقليد والتبعية.وفي تقديري أنه يتعين علينا أيضاً التسليم بارتباط هذه المشكلة بتراكمات طويلة مكتظة بالأخطاء والممارسات الشائنة. من أهمها: الجهل، وافتقاد الناس للقدوة المتمثلة لأخلاق الإسلام في سلوكها وتعاملها إلى جانب ضعف الإيمان.
ولو حاولنا تتبع كل سبب على حدة لأمكننا الخروج بالنتائج التالية :
أولاً: أن الجهل الفاضح بأخلاق الإسلام ومثله العليا، وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وشمائله، وسيرة أصحابه والتابعين لهم بإحسان، ممن التزموا بالشريعة وطبقوها تطبيقاً واعياً وأميناً. حال بين البعض وبين القدرة على التعامل على وفق الشريعة ومبادئها الكريمة وأخلاق الإسلام الفذة.
حتى وإن بلغوا مبلغاً كبيراً في معرفة الأحكام الشرعية. وهذا من الحصاد المرير للقراءة العمياء الباهتة، ونتيجة مؤلمة للمناهج الدراسية السائدة التي تعنى بالأحكام النظرية، وتنسى غرس الأخلاق والشمائل.