كيف نستفيد
من الكتب الحديثية الستة
محاضرة في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
عبد المحسن بن حمد العباد
بسم الله الرحمن الرحيم
من الكتب الحديثية الستة
محاضرة في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
عبد المحسن بن حمد العباد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، أرسله بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهرَه على الدِّين كلِّه، فبلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونَصح الأمَّةَ، اللَّهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه، ومَن سلَك سبيلَه واهتدى بِهُداه إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فهذه لَمحاتٌ يسيرةٌ في الاستفادة من كتب الحديث الستة وهي؛ صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وجامع الترمذي، وسنن ابن ماجة.
فأقول: إنَّ أعظمَ نعمة أنعم اللهُ تعالى بها على أمّة محمد أن بَعث فيها رسولَه الكريم محمداً عليه أفضل الصلاة وأتَمّ التسليم، ليُخرجهم به من الظلمات إلى النور، فقام بهذه المهمة خيرَ قيام، وأدَّى ما أرسله الله تعالى به على التمام والكمال، فما ترك خيراً إلاَّ دلَّ الأمّة عليه ورغّبها فيه، وما ترك شرّاً إلاَّ حذَّرها منه ونَهاها عنه، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
وكان التوفيقُ حليفَ صحابته الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم؛ إذ اختارهم الله تعالى لصحبته، وشرَّف أبصارَهم في الحياة الدنيا بالنَّظر إلى طلعته، ومتَّع أسماعَهم بسماع حديثه الشريف مِن فمه الشريف صلوات الله وسلامه عليه، فتَلَقَّوا عنه القرآن، وكلَّ ما صدر عنه مِن قول أو فعل أو تقرير، وأدّوه إلى مَن بعدهم على التمام والكمال، فصاروا بذلك أسبقَ الناس إلى كلِّ خير، وأفضلَ هذه الأمّة التي هي خير الأمم. ثمَّ بعد أن انقرض عصر الصحابة بدأ تدوينُ الحديث وجمعه بأسانيده إلى رسول الله ، وتتابع التأليفُ في تدوين السنة حتى جاءت المائة الثالثة التي ازدهر فيها التأليف، وكان مِن أهمِّ المؤلفات التي أُلِّفت في السُّنَّة على الإطلاق؛ صحيح الإمام أبي عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري رحمه الله، المولود سنة (194هـ) والمتوفى سنة (256هـ)، وصحيح الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجّاج النيسابوري، المولود سنة (204هـ) - وهي السنة التي توفي فيها الإمام الشافعي رحمه الله - والمتوفى سنة (261هـ)، ثمَّ سنن الأئمة الأربعة: أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى سنة (275هـ)، وأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي المتوفى سنة (303هـ)، وأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي المتوفى سنة (279هـ)، وأبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني المتوفى سنة (273هـ).
وهذه الكتبُ هي التي اشتهرت بالكتب الستة، وقد لَقيت عنايةً خاصةً واهتماماً كبيراً من العلماء فيما يتعلق بمتونها ورجالها.
وأوَّلُ هذه الكتب صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري رحمه الله، وهو أصَحُّ الكتب المؤلَّفة في الحديث على الإطلاق، ويليه في الصحة صحيحُ الإمام مسلم رحمه الله، وهذان الكتابان لقيا عنايةً فائقةً، وذلك لعناية مؤلِّفِيهما بجمع كثير مِمَّا صَحَّ عن رسول الله ، ولَم يسْتوعبَا كلَّ صحيح، ولَم يلتزِمَا ذلك، بل يوجدُ خارج الصحيحين أحاديثُ كثيرةٌ صحيحة، ولكن الذي في الصحيحين جملةٌ كبيرة من الحديث الصحيح الثابت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وما اتَّفقَ عليه الشيخان البخاري ومسلم - رحمهما الله - هو أعلى درجة مِمَّا انفرد به أحدهما، وعلى ذلك فإنَّ درجات الصحيح بالنسبة لما رواه البخاري ومسلم أو لَم يَرْوِيَاه سبعُ درجات:
الأولى: ما اتفق عليه البخاري ومسلم، والثانية: ما انفرد به البخاري، والثالثة: ما انفرد به مسلم، والرابعة: ما كان على شرط البخاري ومسلم ولم يخرِّجاه، والخامسة: ما كان على شـرط البخاري ولم يُخرِّجه، والسادسة: ما كان على شرط مسلم ولم يخرّجه، والسابعة: ما لم يكن في الصحيحين وليس على شرطهما وهو صحيح.
فهذه درجاتٌ سبع للحديث الصحيح، وأعلاها كما تقدم ما اتفق عليه البخاري ومسلم، وأحسنُ كتاب أُلِّف في ذلك كتاب "اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان" للشيخ محمد فؤاد عبد الباقي المتوفى سنة (1388هـ)، وقد رتَّبه وفقاً لترتيب الإمام مسلم، وأمّا النص الذي يثبته فمن صحيح البخاري، حيث يختار أقربَ لفظ في صحيح البخاري يوافق ما في صحيح مسلم فيثبته، وإنَّما أتى به على ترتيب مسلم؛ لأنَّ الإمام مسلماً رحمه الله يجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد في مكان واحد فيسردها، ويذكر حديثاً يعتبره أصلاً ثمَّ يأتي بالطرق الأخرى والأسانيد ويذكر الإضافات والنقصَ والفروقَ التي بينها وبين الحديث الذي اعتبره أصلاً، فيثبت الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي لفظَ الحديث عند البخاري في موضعه من صحيح مسلم ثمَّ يقول: أخرجه البخاري في كتاب كذا، باب كذا، ويذكر رقم الكتاب ورقم الباب، وإنَّما لم يثبته على ترتيب البخاري؛ لأنَّ البخاريَّ يُقطِّع الأحاديث ويفرّقها في أبواب متعددة للاستدلال بها على ما يترجم به من المسائل، لأنَّه أراد أن يكون كتابه كتاب رواية ودراية، وقد بلغ مجموع الأحاديث في كتاب "اللؤلؤ والمرجان"
(1906) حديث.