الإهتمام بصلاح القلوب
للشيخ العلاّمة الإمام
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
رحمه الله وغفر له ولجميع المسلمين
1307 - 1376 هـ
* * * * * * *
الحمد لله الذي أصلح بلطفه الصالحين، وخَلَعَ عليهم خِلَعَ الإيمان واليقين، وحفظهم بعنايته مِمَّا يقبح ويشين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مالك يوم الدين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين.
اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنَّ مدار التقوى على إصلاح القلوب، فقد قال صلى الله عليه وسلم: « إنَّ في الجسد مُضْغَة إذا صَلحَتْ صَلح الجسد كله وإذا فَسدَتْ فَسد الجسد كله، ألاَ وهي "القلب" »(1).
فمتى صلح القلب بالإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وصحح ذلك بالمعرفة وحسن الاعتقاد ثم توجه القلب إلى ربه بالإنابة والقصد وحسن الانقياد - فإن الجوارح كلها تستقيم على طريق الهدى والرشاد.
فصلاح الجوارح ملازم لصلاح القلوب ، فاغتنموا رحمكم الله إصلاحها بحسن النية في كل مطلوب ، فإن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ، ولكن ينظر ما أكنته القلوب.
فأخلصوا الأعمال لله في كل ما تأتون وما تذرون، وأنيبوا إلى ربكم واطمعوا في رحمته لعلكم ترحمون.
فالعمل اليسير مع الإخلاص خير من الكثير مع الرياء، والثمرات الطيبة إنما تحصل لمن حقق النية واتقى.
فمن أصلح باطنه أصلح الله له الأحوال، وسدده في الأقوال والأفعال ، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }. الأحزاب:70-71.
وسَلُوا مولاكم أن يُطهر قلوبكم مِن الغِّلِ والحقد، ومِن الكِبْر والتعاظم على العباد والحسد، فقد قال-صلى الله عليه وسلم : « لا يُؤمنُ أحدكم حتى يُحِب لأخيه ما يُحب لنفسه »(2).
« ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة مَن وَلاَّه الله أمركم، ولزوم جماعة المسلمين ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم »(3).
« لا تَحَاسدوا ولا تَنَاجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، بحسب امرئ مِن الشَّر أنْ يَحْقِرَ أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه » (4) .
طوبى لمن أخلص لله في أقواله وأفعاله، ورجا فضله في حاله ومآله، وطهر قلبه من البغضاء والعداوة للمسلمين، وتعاون معهم في أمور الدنيا والدين.
وَوَيْلٌ لمن تعلق قلبه بأحد من المخلوقين، أو امتلأ مِن الغل والحقد على المؤمنين.
أما الأول فإنه يسعى في علو الدرجات، وأما الآخر فإنه يتردى في مهاوي الهلكات.
اللهم يا مصلح الصالحين أصلح فساد قلوبنا.
ويا من بيده خزائن كل شيء أسعفنا بمطلوبنا.
ويا مَن يغفر الذنوب جميعًا اغفر ذنوبنَا واستر عوراتنَا وعيوبنَا إنك أنت الجواد الكريم.
{ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا } الإسراء:25.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .
* * * *
تخريج الأحاديث:
1- أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
2- أخرجه البخاري (13)، ومسلم (45) من حديث أنس رضي الله عنه.
3- أخرجه الترمذي (2658)، وابن ماجة (230)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (6766).
4- أخرجه البخاري (6066) بنحوه، ومسلم (2564) واللفظ له، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
.
.
المصدر:
الخطبة رقم ( 32 ) من كتاب
:: الفواكه الشهية في الخطب المنبرية ::
تأليف العلامة الإمام عبد الرحمن بن ناصر السعدي
رحمه الله وجزاه الله خيراً
نقلا عن