شَرْحُ
العـَقِيـدَةِ الـوَاسِطِـيَّةِ
لشيخِ الإسلام
أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيميَّة
تأليف
العلاَّمة محمد خليل هرَّاس
ضبط نصه وخرَّج أحاديثه
علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف
العـَقِيـدَةِ الـوَاسِطِـيَّةِ
لشيخِ الإسلام
أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيميَّة
تأليف
العلاَّمة محمد خليل هرَّاس
ضبط نصه وخرَّج أحاديثه
علوي بن عبدالقادر السَّقَّاف
المقـدمة
إنَّ الحمد لله؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسِنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ لـه، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبده ورسوله.
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمَّد e، وشر الأمور محدثَاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
ثمَّ إنَّ من نعم الله على هذه الأمة أن أكمل لها دينها، وأتمَّ عليها نعمته، ورضي لها الإسلام دينًا.
وإنَّ رسول الله e ما قُبِضَ إلا وقد تركها على المحجَّةِ البيضاء؛ ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وما ترك خيرًا يقرِّبها إلى الجنة ويُبْعِدها عن النار؛ إلا ودلَّها عليه، ولا شرًّا إلا وحذرها منه؛ ليَهْلِكَ من هلك عن بيِّنَةٍ ويَحْيَا من حَيَّ عن بيِّنة.
وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ أن نرجعَ عند الاختلاف ونتحاكَمَ عند النزاع إليه وإلى رسوله e فقال عزَّ من قائل:
) فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (([1]).
وعلى هذا النَّهج سار سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومَن سلك نهجَهم وخطى خطاهُم.
أهميَّة العقيدة السلفية بين العقائد الأخرى:
إن أهمية دراسة العقيدة السلفيَّة تنبع من أهمية العقيدة نفسها، وضرورة العمل الجاد الدّؤوب لإعادة الناس إليها، وذلك لأمور:
أولاً: أنه بها تتوحَّد صفوف المسلمين والدُّعاة، وعليها تجتمع كلمتهم، وبدونها تتفكَّك؛ ذلك أنها عقيدة الكتاب والسنة والجيل الأول من الصحابة، وكل تجمُّع على غيرها مصيره الفشل والتفكُّك.
ثانيًا: أن العقيدة السلفية تجعل المسلم يعظِّم نصوص الكتاب والسنة، وتعْصِمُه من ردِّ معانيها، أو التّلاعب في تفسيرها بما يوافق الهوى.
ثالثًا: أنها تربط المسلم بالسَّلف من الصحابة ومَن تبعهم، فتزيده عزَّة وإيمانًا وافتخارًا، فهم سادةُ الأولياء، وأئمَّة الأتقياء، والأمر كما قال ابن مسعود رضي الله عنه:
((إن الله نظرَ في قلوب العباد، فوجَد قلبَ محمّدٍ e خيرَ قلوب العباد، فاصطفاهُ لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد e، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيِّه، يقاتِلون على دينه، فما رَأى المسلمون حسنًا فهو عند الله حسنٌ، وما رأوْهُ سيِّئًا فهو عند الله سيئ))([2]).
أو كما رُوِيَ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:
((مَن كان مستنًّا؛ فليستنَّ بمَن قد مات، أولئك أصحاب محمّد e؛ كانوا خيرَ هذه الأمة؛ أبرَّها قلوبًا، وأعمقَها علمًا، وأقلَّها تكلُّفًا، قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيِّه e، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد e كانوا على الهدى المستقيم، والله ربِّ الكعبة))([3]).
رابعًا: تميُّزُهَا بالوضوح؛ حيث إنها تتَّخذ الكتاب والسنة منطلقًا في التصوُّر والفهم، بعيدًا عن التأْويل والتعطيل والتَّشْبيه، وتنجي المتمسِّك بها من هَلَكةِ الخوض في ذات الله، وردِّ نصوص كتاب الله وسنَّة نبيِّه e، ومن ثَمَّ تكسب صاحبها الرِّضا والاطمئنان لقدر الله، وتقدير عِظَمِ الله، ولا تكلِّف العقل التَّفكير فيما لا طاقة له به من الغيبيَّات؛ فالعقيدة السلفيَّة سهلةٌ ميسَّرة، بعيدة عن التّعقيد والتّعجيز.
أهميَّة ((العقيدة الواسطية)) بين العقائد السّلفيّة:
إن ((العقيدة الواسطية)) لشيخ الإسلام ابن تيميّة من أكثر العقائد السلفية سهولة ويسرًا، مع وضوحٍ في العبارة، وصحَّةٍ في الاستدلال، واختصارٍ في الكلمات, وقد وُضِعَ لها القَبول في الأرض، فتلقَّفها طلاب العلم ودرسوها وتدارَسوها ثم درَّسوها، وحفظوها جيلاً بعد جيل، وهي بحقٍّ من أجمع وأخصر ما كُتِب في عقيدة أهل السنة والجماعة.
أما لماذا سُمِّيَت بـ((العقيدة الواسطية))؟ فهذا سؤال يجيب عليه مؤلِّفها وواضعها شيخ الإسلام رحمه الله، فيقول:
((قدم عليَّ من أرض واسطٍ بعض قضاة نواحيها ـ شيخٌ يقال لـه: رضي الدين الواسطي، من أصحاب الشافعي ـ، قدِم علينا حاجًّا، وكان من أهل الخير والدِّين، وشكا ما الناس فيه بتلك البلاد وفي دولة التَّتر؛ من غلبة الجهل والظلم، ودُروس([4]) الدِّين والعلم، وسألني أن أكتب له عقيدة تكون عمدةً له ولأهل بيته، فاستعفيتُ من ذلك، وقلتُ: قد كتب الناس عقائد متعدِّدة، فخذ بعض عقائد أئمة السُّنّة. فألحَّ في السؤال، وقال: ما أحبُّ إلا عقيدة تكتبها أنت. فكتبت لـه هذه العقيدة وأنا قاعدٌ بعد العصر، وقد انتشرت بها نسخٌ كثيرة؛ في مصر والعراق، وغيرِهما))([5]).
ومن توفيق الله وقدره أن كان هذا الرجل من واسط، فسميت العقيدة الواسطية.
وهي ـ أيضًا ـ كما قال شيخ الإسلام في أولها: ((بل هم ـ يعني: أهل السنة والجماعة ـ وسطٌ في فرق الأمة؛ كما أن الأمة هي الوسط في الأمم، فهم وسطٌ في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التّعطيل الجهميّة وأهل التّمثيل المشبّهة، وهم وسطٌ في باب أفعال الله بين الجبريّة والقَدَريّة وغيرهم.. إلخ))؛ فهي ـ إذن ـ واسطيّة وسطيّة.
أهميّة شرح الشيخ هرّاس لـ((العقيدة الواسطيّة))بين شروحها:
يمتاز شرح العلاّمة محمّد خليل هرَّاس لـ((العقيدة الواسطية))بالوضوح والاختصار، وكما قال الشيخ عبد الرزاق عفيفي: إنه:
((من أنفس الشروح، وأوضحها بيانًا، وأخصرها عبارة)). اهـ
فالشيخ رحمه الله لم يترك كلمة في العقيدة إلا وشرحها ووضَّحها ـ في الغالب الأعم ـ، واستشهد في مواضع كثيرة بالقرآن الكريم، وبأحاديث المصطفى e، وبأقوال الصحابة والمفسرين، وبأقوال السلف؛ كالإمام أحمد، والبخاري، ونُعَيْم بن حماد.. وغيرهم ممَّن جاء بعدهم واقتفى أثرهم؛ كشيخ الإسلام في مواضع أخرى من كتبه، وتلميذيه ابن القيّم والذهبي، وبالمتأخرين؛ كالشيخ عبد الرحمن بن سعدي، ومحمد بن مانع؛ كما أنه ذكر مقالات الفرق، وردّ على شبههم؛ كالجهميّة، والقدريّة، والجبريّة، والمعتزلة، والأشاعرة.. وغيرهم، وبيَّن ضلال أئمتهم في القديم؛ كغيلان الدمشقي، وبشر المَريسي.. وغيرهما، ثم مَن بعدهما؛ كالرازي, والغزالي، ثم رافع راية التجهُّم في عصرنا هذا المدعو زاهد الكوثري، كل ذلك في هذا الشرح الصغير، السهل الميسَّر.
فحُقَّ لهذا الشرح أن يكون من أنفس الشروح، وأخصرها، ولا يعرف حقيقة ذلك إلا من طالعه، ودرسه، وتدارسه، واطَّلع على غيره من الشروح.