خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    أدب السّؤال للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية أدب السّؤال للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 06.07.08 19:25

    أدب السّؤال
    للشيخ
    صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
    -حفظه الله تعالى-
    [شريط مفرّغ]



    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي هدانا للخيرات وجنبنا سبل المنكرات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وحبيبه وخليله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    فأسأل الله جلّ وعلا أن يجعلني وإياكم ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر، وهذه الثلاث هي عنوان السعادة، من وُفّق إليها فقد أوتي خيرا كثيرا؛ من إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب استغفر، ومن حيزت له هذه الثلاث فقد حيز له خير الدّنيا والآخرة، أسأل الله جلّ وعلا أن يجعلنا وإيّاكم من أهلها.
    هذه الكلمة موضوعها عن: أدب السّؤال. والسؤال هذا المقصود به سؤال أهل العلم أو سؤال المعلّمين عمّا يحتاجه الناس.
    وإلاّ فإنّ عموم لفظها يشمل سؤال الرّب جلّ وعلا بالدعاء؛ لأنّ سؤال الله جلّ وعلا له أدب وله أحكام ينبغي للعبد أن يحيط بها وأن يكون مراعيا لها؛ لأنّ كثيرا من أسباب ردّ إجابة السؤال أنْ يكون السؤال فيه اعتداء؛ يعني من الله جل وعلا أن يكون السؤال فيه اعتداء، أو يكون السؤال على غير المشروع أو أن يكون السائل لم يحسن المسألة فقد قال عمر رضي الله عنه في سؤال الله جلّ وعلا: إني لا أحمل همّ الإجابة ولكن أحمل همّ الدعاء فإذا وفقت إلى الدعاء جاءت الإجابة.
    موضوعنا عن أدب السّؤال الذي هو سؤال أهل العلم، والحاجة ماسّة إلى معرفة آداب سؤال أهل العلم، ما طريقة سؤالهم، وعمّا يُسألون، وكيف يكون السؤال، وكيف تتلقى الإجابة؟ وما ينبغي للمسلم من توقير أهل العلم وعدم الإلحاح عليهم بالمسائل ونحو ذلك من الآداب.
    وأهل العلم فيما مضى قد دونوا كثيرا من هذه الآداب في مصنفاتهم في ”أدب العلم والتعلم“ وفي ”أدب الطالب مع شيخه“ وفي ”حقوق أهل العلم بعامة“ والله جلّ وعلا قال في محكم كتابه ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ﴾[التوبة:71]، قال (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) يعني بعضهم يحبّ بعضا وينصر بعضا ويُقيل عثرة بعض، ومن أكثر أهل الإيمان حقا في الوَلاية والمحبة والنُّصرة أهل العلم؛ لأنهم لما شهد الله جلّ وعلا لهم به هم أخصب أهل الإيمان لأنّ الله قرنهم بنفسه وملائكته بالشهادة له بالتوحيد حيث قال جلّ وعلا ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[آل عمران:18]، فأولوا العلم من الناس هم الصفوة كما قال أيضا سبحانه ﴿يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة:11] فالله جلّ وعلا رفع المؤمنين على الناس جميعا رفعهم درجات، ورفع أهل العلم من المؤمنين على أهل الإيمان عموما درجات، فهم الخاصة وهم الصفوة؛ لأنّ معهم من فهم كلام الله جلّ وعلا وفهم سنّة رسول الله  ما جعل قلوبهم أكثر نورا من قلوب غيرهم؛ لأنّ النور بالعلم، والنور إنما هو بفقه القرآن والسنة ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ﴾[المائدة:15]، من فقه القرآن وفقه السنة كان أعظم نورا في القلب وكان أعظم حقا لحقوق أهل الإيمان.
    الملاحظ أنّ الحريص على الخير من الناس يسأل أهل العلم، يسألهم في مسائل فقهية فيما يواجهه، أو يسألهم في مسائل اجتماعية فيما يواجهه من مشاكل في بيته أو في عمله أو نحو ذلك، ويسأل المتعلمُ المعلمَ، لكن وجدنا كثيرا من الأسئلة قد خرجت عما ينبغي من مراعاته من توقير أهل العلم من مراعاتهم وعدم الإخلال بحقهم، فتجد أن من الناس من يخوض في سؤاله أهلَ العلم أمورا لا ينبغي أن يخوض فيها.
    وأصل كثرة السؤال وكثرة المسائل قد جاء النهي عنها فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي  قال «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» قال: أهل العلم قوله (كثرة مسائلهم) يعني عما لم يقع وعما لم يأت بيانه في الكتاب المُنَزَّل، ولهذا جاء في الصحيح أنّ النبي  قال «إنّ أشدّ المسلمين بالمسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم على المسلمين فحرّم عليهم لأجل مسألته»، وقد قال جلّ وعلا ﴿لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا﴾[المائدة:101]، والأحاديث التي جاءت في النهي عن كثرة السؤال متعددة وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد  ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قُبض كلها في القرآن. قد قال جلّ وعلا ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ﴾[البقرة:222]، ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾[البقرة:186]، إلى آخر هذه المسائل، مجموع ما سأل أصحاب رسول الله  الذين هم منه مقربون إنما هي ثلاث عشرة مسألة وكلها في القرآن، وقد كان الصحابة من توقيرهم للنبي  ومن كراهتهم لكثرة المسائل يحبون أن يأتي الرجل من البادية ومن خارج المدينة حتى يسأل النبي  فيستفيدوا من السؤال ومن الجواب، وقد جاء أيضا في الحديث الصحيح: «إنّ الله كره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال» وقد قال أيضا الحجاج بن عامر الثُّمالي أن رسول الله  قال: «إياكم وكثرة السؤال» فالأحاديث دالة على أن كثرة الأسئلة لأهل العلم إنما ذلك داخل في المكروه إلا ما يحتاج إليه العبد فيما يأتي بضوابطه، والله جلّ وعلا أمر المؤمنين بأنْ يسألوا إذا جهِلوا، وقد قال سبحانه وتعالى لما أنكر كفار قريش أن يكون الرسول بشرا رجلا، وقالوا: إن الرسول يجب أن يكون ملكا. قال سبحانه وتعالى في سورة النحل ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43)بِالْبَيِّنَ اتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[النحل:43-44]، هذه الآية أمر الله جلّ وعلا فيها أهل الشرك كفار قريش وغيرهم أن يسألوا أهل الذكر؛ يعني أهل الكتاب عما إذا كان الرسول الذي جاءهم بشر أم هو ملك؟ فإذا كان الرّسول الذي جاءهم بشرا فاقبلوا رسالة محمد  لأنّه بشر قد خلت من قبله الرّسل، وقد وصف أهل الكتاب بأنهم أهل الذّكر؛ لأن الكتاب الذي أنزله الله جلّ وعلا هو الذكر، وأعلى الذكر القرآن كما قال سبحانه ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر:9]، وهنا في هذه الآية قال جلّ وعلا (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43)بِالْبَيِّنَ اتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) قال العلماء: هذه الآية نازلة في سؤال أهل الكتاب ولكنّ عموم لفظها يشمل سؤال أهل القرآن وأهل السنة؛ لأنهم أحق ببيان ما نزل الله جلّ وعلا، ولهذا قال (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي في تفسيره عند هذه الآية: وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأنّ أعلى أنواع العلم؛ العلم بكتاب الله المنزّل، فإنّ الله جلّ وعلا أمر من لم يعلم بالرّجوع إلى أهل العلم وأهل الذكر في جميع الحوادث، وفي ضمن ذلك تعديل لأهل العلم وتزكية لهم حيث أمر الله جلّ وعلا بسؤالهم وأنه بذلك يخرج الجاهل من التبعة.
    إذن الأصل موجود في كتاب الله وأنّ المرء إذا جهل شيئا ولم يعلم حكمه فإنه يسأل عنه أهل العلم، وإذا سأل عنه أهل العلم -أهل الكتاب والسنـة الذين رسـخت قدمـهم في ذلـك- فإنّ تبعته في ذلك تزول؛ لأنه قد سأل مَنْ أمر الله جلّ وعلا أن يسأل، فمن جهل شيئا وسأل عن حكمه فأفتي من ثبت، فإنّ تبعته قد زالت وقد برىء من التبعة، فإذا امتثل ما أفتى به فيكون قد زال عنه المحذور؛ لأنّه امتثل ما أمر الله جلّ وعلا به في قوله ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾( ).
    سؤال أهل العلم وسؤال أهل الذكر له أحوال، الناس يحتاجون إلى أن يسألوا ولابد، ولكن هذا السؤال من حيث هو له أحوال:
     حالٌ من جهة السائل.
     وحالٌ من جهة المسؤول.
    فالسائل ينبغي له أن يراعي -تأدبا وحتى يصل المسؤول إلى الجواب الموافق للحقّ إن شاء الله- يجب على السائل أنْ يراعي آدابا وأن يراعي أشياء منها:
    من تلك الأشياء التي يجب أن يراعيها السائل أن تكون مسألته واضحة غير ملتبسة –يعني أن يتبيّن المسألة قبل أن يسأل- والملاحظ أنّ من المسلمين مَنْ إذا جاء على باله مسألة أو واجهته مشكلة فإنه يأتي أهل العلم ويسألهم مباشرة دون أن يستحضر ويستعد لتفاصيل هذه المسألة، أو مباشرة يرفع الهاتف ويسأل العالم عما عرض له دون أن يستحضر ما اتّصل بهذه المسألة، فإذا استوضح المسؤول أتى العالمَ وسأله عن بعض التفاصيل قال: والله ما أعرف هذا فلان أوصاني، هذا كذا، لا أدري.
    فلابدّ للسائل أن يستحضر تفاصيل المسألة قبل أن يسأل؛ لأنّ السؤال تسأل فيه عن حكم الله جلّ وعلا الذي إذا أدركته؛ يعني أدركت الحكم فقد برئت من التبعة، والمسؤول - العالم الذي يسأل - لابد أن تكون المسألة عنده واضحة وإلا فكيف يجيب على شيء ليس بواضح.
    ولهذا ينبغي للسائل أوّلا أن يستحضر السؤال جيدا وأن يعدّ له في عبارة ملخصّة، لا تظنّ أنّ المسؤول، المفتي، طالب العلم الذي تأهّل للجواب لا تظنّ أن الذي يتصل عليه واحد فقط أو اثنين، اليوم مع الهاتف صار الذي يتصل من الداخل أو الخارج بأهل العلم عشرات الآلاف في السنة مثلا، وفي اليوم الواحد قد يتصل عشرين أو ثلاثين، فلهذا كان من الأدب الذي ينبغي مراعاته أن يستحضر السائل ضيق وقت المفتي، ضيق وقت المجيب على السؤال، فعليه أنْ يُعدّ السؤال بعبارة واضحة لا لَبْس فيها ولا غموض، ويجتهد في أن يعين المفتي على وقته، وحتى تكون المسألة أنفع؛ يعني لا تظن أن هذا الذي أجابك أو ردّ عليك بالهاتف من أهل العلم أنه لك وحدك، بل اعتقد أنّ الذي يسأل أهل العلم في اليوم عشرات الناس يسألون في كل وقت، فلابدّ من رعاية الحال والتأدبّ معهم في اختصار المسألة، وتقبّل الجواب بحسب ما أورد، فإذا كانت المسألة واضحة كان الجواب واضحا، ولهذا ترى أنّ أسئلة جبريل عليه السلام للنبي  دليل على وضوح المسألة وما ينبني على وضوح المسألة من وضوح الجواب، قال جبريل عليه السلام للنبي : «أخبرني عن الإسلام» سؤال ملخص وواضح، «أخبرني عن الإيمان»، «أخبرني عن الإحسان؟» وعن أشراط الساعة قال«وما أمارتها» ونحو ذلك، فوضوح السؤال وقلة ألفاظه باستحضار تفاصيله ووضوح السؤال قبل أن تسأل هذا من الآداب التي ينبغي مراعاتها، وكثيرا ما تكون الإجابة غير واضحة؛ لأنّ السائل لم يحسن السؤال، فلو أحسن السائل الاستعداد للسؤال فسأل لكانت الإجابة واضحة.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: أدب السّؤال للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 06.07.08 19:26

    من الآداب التي ينبغي مراعاتها في السؤال أنْ لا يسأل السائل أهل العلم عن شيء يعرف جوابه: بعض طلبة العلم، أو الذي لديهم إطلاع لديهم معرفة، يكون قد بحث المسألة وعرف ما فيها من الأقوال ونحو ذلك، فيأتي ويسأل، فإذا سأل وأجيب بجواب موافق لأحد الأقوال أتى باعتراضات، يقول: هذا ما دليله؟ هذا الدليل قُدح فيه بكذا، أو وجّه بكذا، قال بعض أهل العلم فيه كذا، ونحو ذلك. ففرق ما بين أن تسأل لتستفيد أو لتعلم وأنت لا تعلم وما بين أن تناظر.
    والعالم أو المعلم ليست وظيفته ولم يفتح لك المجال لتناظره، ابتدئ له وقُل: أنا أريد أن أناظرك في المسألة الفلانية.
    ما معنى المناظرة؟ معناها أجادلك فيها تعرف ما عندي وأعرف ما عندك حتى نصل إلى الحق، وهذا غير مطلوب مع عدم رعاية الأدب مع أهل العلم؛ لأن في ذلك بعض التّعدي على حق أهل العلم إلا إذا أفصحت له بأنك تريد أن تبحث معه هذه المسألة، فإذا أذن لك بالبحث فإنه عند ذاك تخرج المسألة من كونها استفتاء وسؤال وجواب إلى مسألة بحث واستفصال، وهذا أيضا يكون عند المتعلمين في مجالس العلم، فإنه يكون عنده معرفة بالجواب ولكن يسأل ليختبر -بعض الأحيان- أو ليعلم غيره بأنه سأل سؤالا جيدا ونحو ذلك.
    وهذا الوقت الآن تقاصر عن أن نسأل عن شيء قد علمنا، فلنسأل عن شيء لم نعلمه، فلهذا كان مما ينبغي التأدب فيه أن لا تسأل عن شيء إلا عن شيء لم تعلمه، وذلك لأنّ الله جلّ وعلا قال (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) إنْ كنت تعلم فلا تسأل؛ لأنه قد جاء عندك العلم ووقت المفتي أو العالم أو طالب العلم ينبغي أن يُصرف في أشياء كثيرة والواجبات الآن يتقاصر عنها وقت الكثيرين، فكيف بالاستطراد ونحو ذلك.
    من الآداب التي ينبغي مراعاتها أيضا في السؤال: أنْ لا تذكر للعالم قول غيره، بعض الناس يسأل أهل العلم بالهاتف -والهاتف الآن قرّب وأكثر من إشكالات الأسئلة- يسأل واحد وبعده يسأل الثاني وبعده يسأل الثالث والرابع، فهو يضطرب في المسألة، ثم بعد ذلك يذهب إلى شيء غير جيّد وهو أنه يذهب إلى أسهل تلك الأقوال، وهذا لا ينبغي، فإنه الذي ينبغي في السؤال أن تبحث عمّن تثق بعلمه ودينه في ذلك، كما قال أهل العلم: ينبغي للمستفتي أنْ يسأل من يثق بعلمه ودينه. فإذا وثقتَ بعلم فلان ودينه فإنّك تسأله ولا تسأل غيره؛ لأنك إذا سألت غيره فإنه قد يكون عنده من الجواب غير ما يكون عند الأول فتقع أنت في حيرة.
    وفي حالٍ لك أن تسأل غير من سألت أولا، وذلك فيما إذا كان جوابه مشكل من جهة الدليل؛ إذا كان عند المرء معرفة ببعض الأدلة ونحو ذلك فأشكل عليه الجواب من جهة الدليل فإنّ له أن يسأل غيره لأنه ما اقنع بالجواب لا من جهة عدم مناسبته لحاله أو من جهة صعوبة الجواب أو أنه لا يناسب أو يريد أن يبحث عمن يخفف له؟ لا؛ ولكن من جهة أنه استشكل هل هذا حكم الله جلّ وعلا وحكم رسوله  في المسألة أم لا؟ لفهمه من بعض الأدلة والأحاديث خلاف ذلك.
    فإذن من الآداب ألاّ تسأل أكثر من عالم في المسألة لأنّ كثرة الأسئلة هذه:
    أولا: تضيق وقت العلماء.
    والثاني: أنه يوقع ذلك السائل في إشكالات، وكثير من الذين سألوا يقولون: احترنا ما ندري، هذا يقول كذا وهذا يقول كذا. نقول: أنت الذي أخطأت أوّلا حيث سألت أكثر من عالم، سل من تثق بعلمه ودينه وخذ بفتواه وتبرأ أمام الله جلّ وعلا؛ لأن الله جلّ وعلا أمرك بأن تسأل أهل الذكر وقد امتثلت بسؤال أهل الذكر، فلا تزد على نفسك ثقلا وحملا.
    من الآداب: أيضا أن لا تسأل حين تسأل بإلغاز في السؤال، مثلا هناك من يسأل ويقول: فلان من الناس حصل له كذا وكذا. وهو يريد أن يخرج عن مسألته بخصوصه إلى مسألة مشابهة، وهو يظن -هذا السائل- أنه إنْ أجيب على تلك فمسألته مثل تلك المسألة، فيقول مثلا: فلان لو حصل عليه كذا وكذا. ومسألته في الواقع تختلف عن تلك ولكنه يظن أنّ هذه وتلك سواء، فحتى لا يظن العالم أنّه هو الذي وقع في المسألة وهو الذي يحتاج إلى الجواب فإنه يعمم.
    سؤال أهل العلم ليس فيه عيب بل هو شرف ويدل على حرص السائل على الخير ورغبته في إبراء ذمته وأن يكون متخففا من التبعة حين يلقى ربه جلّ وعلا، فحين تسأل لا تسأل أهل العلم بإلغاز، سَلْ عما وقع بوضوح ولا حرج في ذلك، فقد سألت بعض الصحابيات النبي  عن المرأة إذا رأت الماء؛ عن المرأة إذا احتلمت ماذا يكون حكمها؟ والحياء لا يكون في السؤال؛ لأنّ الحياء محمود ولكن فيما إذا كان الحياء يبعدك عن معرفة حكم في الدين فإنّ ذلك غير محمود كما جاء في الحديث.
    فإذن من الآداب التي ينبغي لنا أن نُراعيها أن تسأل السؤال الذي تحتاجه، وأنْ لا تظن أنّك إذا ألغزتَ بالسؤال وأجاب أنّ الجواب مطابق على مسألتك، لو قلت له المسألة بوضوح والسؤال أو الحادثة التي تريد أن تسأل عنها بوضوح يكون الجواب مختلفا تماما، فلا تكن ملغزا في سؤال أهل العلم؛ لا عن مسألة فقهية ولا عن أشخاص ولا عن أحوال، بل ينبغي أن يكون السؤال واضحا وذلك من توقير أهل العلم ومن السعي للوصول إلى الجواب الصحيح، أما أن نعمي على أهل العلم حتى نحصل منهم على جواب، فإن هذا لا يوافقه ما ينبغي من توقير أهل العلم، وأيضا لا تبرأ به أنت لأنك أوقعت العالم في الجواب، ولو عرف السؤال على حقيقته ومرادك منه لربما أجاب بجواب آخر، فأنت لا تبرأ.
    ولهذا نرى أن كثيرا من الإشكالات التي حصلت في تضارب أقوال بعض أهل العلم في بعض المسائل إما الفقهية أو المسائل الواقعة أو الاجتماعية أو نحو ذلك، إنما جاء من جهة من يسأل بسؤال ملغز معمى، أو يكون المراد وراءه وليس في ظاهره، وهذا لا ينبغي؛ لأنّ الله جلّ وعلا أمرنا بأمر واضح فتعدى هذا الأمر تعدى لما ينبغي من الأدب في السؤال.
    من الآداب التي ينبغي مراعاتها في السؤال أن يكون السائل يسأل لنفسه وأن لا يسأل لغيره: يأتي كثير من الأسئلة يكون فيها سائل يقول: أحد الأقارب أوصاني يسأل عن كذا وكذا. أو يقول: لو حصل لفلان -صديق لي في العمل- حصل معه كذا وكذا وأوصاني لأسأل له. لم هو لا يسأل؟ يختلف الحال لأنّ المفتي أو العالم لابدّ أن يستفصل، لابدّ أن يسأل؛ ما الذي حصل؟ هل حصل كذا وكذا؟ فإذا كان السائل غير من حصلت له المسألة فإنه لا يكون ذلك معينا على الجواب إلاّ فيما كان السّؤال مختصرا وكان المانع من سؤال السائل هيبة العالم أو الاستحياء، كما فعل علي رضي الله عنه حيث كان رجلا مذّاءً -يعني كثير المذي- فاستحيا أن يسأل رسول الله  لمكان ابنته -يعني لأجل أنّ فاطمة رضي الله عنها زوج علي- فخشي أن يسأل وهاب أن يسأل واستحيا على رضي الله عنه أن يسأل في مثل هذا السؤال الذي له تعلق بالزوجة فأوصى المقداد أن يسأل النبي  عن هذه المسألة وهي كثرة المذي، فسأله فأجابه النبي  ثم نقل الجواب إلى علي رضي الله عنه.
    إذن الأصل أن لا يسأل المرء إلا فيما يخصه؛ لأنّ الجواب يختلف بحسب السائل وبحسب عرض السؤال، والناقل ليس دائما ينقل الصورة على حقيقتها، وكثيرا ما يحصل من الأجوبة ما ليس فيه دقة من جهة عرض السائل.
    من الآداب المرعية في السائل أنه إذا سأل أهل العلم في الهاتف أو في غير الهاتف فلا يُسَجِّل الجواب مكتوبا أو على جهاز التسجيل إلا بإذن العالم: وقد مرّ عليّ بعض الإخوة مرة أنْ سجّل لأحد أهل العلم جوابا ليس كما ينبغي، وهذا راجع إلى أنّ العالم يجيب على قدر الاستفتاء، ولو أستحضر العالم أنّ هذا يسجل وأن الجواب سيسمعه آخرون لكان جوابه غير الجواب الأول...
    فمن عدم توقير أهل العلم وعدم رعاية حقهم بل من الافتئات على حقهم أن تسجل جواب أهل العلم بالهاتف أو كتابة ثم تنشره دون إذنه؛ لأنه هو الذي له الحق في أن تنشر فتواه على الملأ أو لا تنشر أو لا تسجل، فالسائل سأل فيما يخصه، فهل أذن العالم لك أن تسجل السؤال والجواب بالهاتف؟ لم يأذن، فإذا أردت أن تسجل فتستأذنه في البداية وتقول: أحسن الله إليك أنا محتاج للجواب مسجلا على الشريط والآن أريد أن أسجله. فإذا أذِن تكون أنت قد أتيت بما ينبغي من الأدب، ولم تكن ممن لا يوقرون أهل العلم أو يجعلون الأمر غير واضح لهم؛ فيستغل بعض الفرص فيسجل عليهم ما لا يرغبون في تسجيله، لهذا مرة من المرّات حصل مثل هذا ولما سئل قال: أبدا ما قلت كذا وكذا على تفاصيله، بل المسألة فيها تفصيل بنحو ما. السؤال والجواب في التسجيل واضح، لِمَ قال العالم إنّ المسألة فيها تفصيل؟ لأنّه استحضر من المسألة الآن فيه أخذ ورد معنا ذالك فيه إشكال لكنه ظن حين سأله السائل بالهاتف أنها لا يعدو عن اهتمام السائل بنفسه.
    إذن مما ينبغي من توقير أهل العلم -وقد أمرنا بتوقيرهم كما جاء في الأثر عن عدد من التابعين أمرنا بتوقير أهل العلم- ومن توقيرهم أن لا تفتئت عليهم بتسجيل أو كتابة وتنشر إلا بعد إقراره، حتى ما تسمعه منه في درس بشرح مسائل، لابد من تعرضه عليه فيقر أن ينشر أو يصور أو ينسخ أو يسجل إلى آخر ذلك، لابد من ذلك لأن ما يصلح للقليل قد لا يصلح للكثير؛ لأن الكثير يعني الأمة أو الناس تختلف طبقاتهم، قد يرعى العالم حين يتكلم الحاضرين؛ يرعى حال الذين أمامه، هذا لو استحضر أنه سيُنشر على الناس فيطلع عليه فئات من الناس وبعقول مختلفة لكان جوابه يختلف عن الجواب الأول، وبهذا ترون أن بعض الأسئلة التي يسأل فيها أهل العلم بالهاتف يكون الجواب مختلفا عما لو سئلوا مثلا في برنامج نور على الدرب، فيكون الجواب هناك في تفصيل وفيه دليل وفيه تعليل ونحو ذلك لأنه سينشر على الملأ، لكن الجواب لك يكون على حسب الحال يصلح هذا أو لا يصلح، يجوز أو لا يجوز، السنة كذا –باختصار-؛ لأنّ الوقت يضيق عن أن يفصل لكل أحد.
    هذه من بعض الآداب المتعلقة بالسائل.
    لعلنا نضيف من الآداب المتعلقة بالسائل أنْ لا يسأل السائل عن أشياء لا يفهمها إلا الخاصة ويثير السؤال أمام العامة -أمام الملأ-: يعني في مثل هذه المحاضرة يأتي سؤال قد لا يعلم معناه ولا يفهم جوابه إلا فئة قليلة من طلبة العلم، فلم تسأل أمام الناس؟ كذلك إذا حضرت في مجلس عند بعض أهل العلم فإنّ المجلس يحضر فيه العامي والمتوسط المثقف المتعلم طالب العلم فلا تسأل العالم أو طالب العلم عن سؤال إنما هو للخاصة يعني ليس العامة، وقد قال علي رضي الله عنه: حدّثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله. وقد بوب البخاري في (كتاب العلم) من صحيحه بقوله: (باب من خصّ بالعلم قوما دون آخرين كراهيةَ أن يقصر فهمهم عنه فيقعوا في أشد منه)، مثال ذلك أن يأتي -في مثل هذا الجمع المبارك ممن هم حريصون على الخير والأجر والثواب- يأتي ويسأل عن بعض المسائل الدقيقة في العقيدة، الناس يُطلب منهم المسائل العامة فيما يجب عليهم من العقيدة؛ لكن لا ينبغي أن تسأل عن المسائل الدقيقة أمام من لا يفهم الجواب فيما لو أجاب المسؤول عن السؤال، مثلا الكلام على بعض أحاديث الصفات التي قد لا يفهمها البعض، مثلا الكلام على بعض الآراء في مواقف يوم القيامة والاختلاف فيها ونحو ذلك، والكلام على بعض دقائق المسائل في الفقه واختلاف أهل العلم فيها هذا يقول كذا وهذا يقول كذا، العامة إنما يحتاجون قولا واحدا بدليله يمشون عليه، ولكن السؤال الخاص إنما يكون لأجل هذا السائل ولمن هم في طبقته، ولهذا ينبغي أن تُفرق فرقا مهما بين السؤال والبحث -بين السؤال الذي تحتاج معه إلى جواب وبين بحث المسألة- فتارة يكون السائل يريد بحث المسألة في المقام ويعرضها بصيغة سؤال، وهذا غير مناسب، ولهذا نقول لا تسل عن أشياء لا يفهمها إلا الخاصة فمن أدب السؤال أن تسأل بما يناسب الحال بما يناسب المقام، وألاّ تسأل عن أشياء لا يستوعب الجواب عليها أكثر الحاضرين.
    من الآداب أيضا أنك إذا سألت فأجبت أو سمعت علما فإنّك تستفصل فيه أو تسترجع فيه حتى تفهمه: لأنّ بعض أهل العلم قد يكون جوابه سريعا، مثلا تسأل أنت وقد أتيت بأدب السؤال؛ فراعيت السؤال وأتيت بكلمات واضحة وتأنيت فيه واستوضحت الصورة والمسألة، فأوضحت على العالم فيكون الجواب سريعا، يكون جواب العالم ربما سريعا، فهنا ينبغي لك أنْ لا تأخذ ما علق بذهنك في هذه الحال بل إذا كان عندك اشتباه فتستفصل منه أو تسترجعه في الجواب حتى تفهمه، قد روى البخاري في صحيحه عن ابن أبي مُليكة أنه قال: كانت عائشة رضي الله عنها لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه. وقد بوب عليه البخاري أيضا في (كتاب العلم) من صحيحه.
    فالأدب الذي كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم أنهم إذا سمعوا شيئا يَستشكل عليهم فإنهم يراجعون حتى يفهموا، حتى لا ينقلوا للناس نقلا خاطئا أو حتى لا يعلم بشيء غير واضح.
    فإذن هذا ينبغي للسائل إذا أجيب ولم يتضح له جواب أن لا يترك السؤال على الجواب الذي هو غير واضح فيذهب يعمل بشيء غير واضح، بل يسترجع ولا بأس أن يقول: ما فهمت الجواب. أو يقول: هل كذا أو كذا. فيستوضح حتى يكون الجواب واضحا قارًّا في ذهنه.
    من الآداب التي ينبغي للسائل مراعاتها أن يكون لبقا مع أهل العلم متأدبا معهم، وأن يكون لأهل العلم هيبة في صدره وتوقيرا في قلبه: فإنّك إذا زدت في احترام العالم وشعر بذلك منك فإنه يزيدك من العلم والجواب لأنك قد تحققت بالزيادة؛ يعني أصبحت متأهلا للزيادة؛ لأنّ دليل تأهّل طالب العلم للتفصيل في الجواب والاستفادة الكاملة من العالم أن يكون متأدبا معه، ما يأتي مثلا ويستعمل كلمات غير جيّدة أو كلمات فيها جفاء، بل يتأدب ويتحيّن الفرصة الجيّدة للعالم فيسأله.
    هنا تنتبه إلى أنّ أوقات العالم تختلف، فهناك وقت قد يكون مناسبا لك لا يكون مناسبا له، فيكون الجواب الذي جاءك بحسب حاله هو، قد يكون مستعجلا، قد يكون وراءه أمر، قد يكون وقت الصلاة قرب فيريد أن يستعد بوضوء أو نحوه، قد يكون وقت نومه، قد يكون عنده ما يشغله، قد يكون في البيت شيء أهمّه، قد يعالج في ذهنه مسألة من المسائل التي في المجتمع أو التي يريد أن يبذل فيها بعض الشيء فيكون ذهنه منشغلا، فينبغي أن تراعي حال العالم حيث تسأله فتقول له هل هذا وقت مناسب للسؤال أو أرجئ السؤال إلى وقت آخر، فإذا قال: أرجئه إلى وقت آخر. فيكون هذا زيادة في أدبك وأجر لك ويكون قد راعيت وتأدبت، وإذا أتى وقت آخر وسألته يكون مهيأ نفسه لأنْ يفصّل لك ويجيب المسألة بما ينبغي، فالمتصل دائما هذا وارد هو المرتاح، وأما المتصل به فلا يُدرى حاله، فهذا يظن أنه ينبغي له أن يقول العالم له كذا وكذا، وأن يرحب به بأعظم ترحيب وأن يفصل له أعظم تفصيل، لا يدري ما حال المتصل به، أحوال الناس في بيوتهم أو في أعمالهم مختلفة وقد يكون الذّهن منشغلا بتلك الحال فقد يكون وقد يكون، فينبغي أن يراعي ذلك وأن لا يظنّ أنّ المسؤول أو طالب العلم إذا سُئل أنه دائما ذهنه في نفس المستوى وفي نفس التأهيل بأن يجيب دائما جوابا مفصلا بأدلته إلى آخره، لهذا لو تذهب وترى في المدوّنة مثلا التي دُونت فيها أسئلة مالك وبعض أصحابه والأجوبة، وكذلك أسئلة الشافعي، وكذلك أسئلة أصحاب أحمد لأحمد، لا تجد الأجوبة متفقة من حيث التفصيل وعدمه، فتجد بعض أصحاب أحمد -لو رأيت المسائل المختلفة عن أحمد- تجده يسأله سائل فيكون الجواب: لا يصلح هذا، أكرهه. وفي مسائل أخر تجد أنه يفصّل، لِمَ في موضع اختصر وفي موضع فصّل؟ نحن نقرأ الكتاب لا نستحضر الحال التي سُئل فيها ذاك السؤال والحال التي سُئل فيها السؤال مرّة أخرى، وإنما نقول: لِمَ فصل في موضع وفي موضع لم يفصل وإنما أجاب بإجابة مختصرة؟ واقع الحال وواقع العالم النفسي والذهني والزمني والمكاني يفرض عليه أشياء كما سيأتي أيضا، ولهذا ينبغي أن يراعى ذلك في حال سؤال أهل العلم.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: أدب السّؤال للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 06.07.08 19:26

    ابن عباس رضي الله عنهما حَبْر الأمة في القرآن وحِبْرها؛ يعني كثير العلم في كتاب الله جل وعلا بدعوة النبي ، مكث زمانا طويلا تردّد في نفسه مَن المقصود بالمرأتين في قول الله جلّ وعلا ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[التحريم:4]، من المرأتان؟ قال ابن عباس: تردد ذلك في نفسي زمنا طويلا، وهِبت أن أسأل عمرا لأنّ عمر كان يحب ابن عباس وكان يقدمه في المجالس ويباهي به كبار الصحابة لما يظن ويلمح فيه من علم وتُؤدة وأدب وفهم عنده في الكتاب والسنة. قال ابن عباس: هبت أن أسأل عمر عن المرأتين اللّتين تظاهرتا على رسول الله . قال: حتى كان منصرفه مرّة من الحج فصحبته فقال لي: يا ابن عباس قرّب لي وَضوءا -يعني ماء-. فلما قرّبت له الوضوء قلت له في أثنائه يا أمير المؤمنين مَن المرأتان اللتان قال فيهما الله جل وعلا (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)؟ قال: فأجابني عمر فقال: عائشة وحفصة. وكان ابن عباس ربما توسد بردته في يوم حار عند باب أحد الأنصار ليستفيد منه علما، سمع عنده حديث عن النبي  فأراد أن يتثبّت منه أو أراد أن يأخذه منه مباشرة، فيأتي فيطرق الباب فيقولون هو قائل -يعني نائم- أو هو في الدّار أو مثل ما يقول أحدنا اليوم هو مشغول أو نحو ذلك فانتظر، انتظر حتى خرج فلما خرج قال: يا ابن عمّ رسول الله  منذ متى وأنت هنا؟ فقال ابن عباس: منذ كذا وكذا. وكان يتوسد البردة وتسفي الريح التراب عليه تذللا في العلم واحتراما لأهل العلم، فلما رآه على هذه الحال انشرح صدر المسؤول أن يجيبه عما أراد وعظُم في نفسه، فكان ابن عباس إذا سأل أُجيب غير كثير ممن هم في طبقته من الصحابة رضي الله عن الجميع، ولهذا قال كلمته المشهورة: ذللتُ طالبا فعززت مطلوبا. يعني لمّا كنت طالبا كنت أذلّ لمن أستفيد منه ولكن لما أحتاج الناس إلي عززت مطلوبا؛ لأنه صار عندي من العلم ما ليس عند غيري. ( )
    وقد قال ابن عباس لبعض الأنصار -وكان صديقا له- اذهب بنا يا أخي إلى صحابة رسول الله  نسألهم عن العلم ونستفيد منهم، فقال: ذاك الأنصاري يا ابن عباس أتظنّ النّاس سيحتاجون إليك وهؤلاء صحابة رسول الله  الكبار بين ظهرانيهم. قال: فتركت العلم والسؤال وذهب ابن عباس يسأل. ذهب كبار الصحابة فأتى زمن ابن عباس فيه هو من كبار صحابة رسول الله ، فاحتاج الناس إلى علمه وأصبح يجيب الناس بما فتح الله جلّ وعلا عليه ومنّ عليه من العلم، الشاهد من ذلك أنّ السائل والمتعلم يحتاج إلى أدب وهو مراعاة أهل العلم وأن لا يضيق بالعالم إذا لم يفتح له صدره دائما، بشر هو ، أحيانا يكون على حال وأحيانا يكون على حال أخرى؛ وهذا لعله من أسباب عدم إكثار الصحابة سؤال النبي  تأدبا معه وتوقيرا له عليه الصلاة والسلام وحتى يكون ذلك أبلغ في الأدب معه عليه الصلاة والسلام.
    هذا من جهة أدب السائل.
    أما العالم فأيضا يحتاج إلى أن يكون -أو طالب العلم- معه أدب في الجواب، وأهل العلم يعلمون ذلك وهم الذين يعلمون غيرهم في ذلك، فإنْ كان من بعض طلبة العلم أو المنتسبين إلى العلم أو أهل العلم من لم يكن للسائل حفيّا أو اشتد على السائل أو وبّخه فلا يغضب السائل ويأتي -كما هو حاصل اليوم- يذهب ويقول فلان من المشايخ سألته ونهرني وقال لي كذا وكذا ليش نحن جَايِّين نطلب منه شيئا ونحو ذلك، هذا لا ينبغي لأنّ حال المسؤول ينبغي لك أن تعذره؛ لأنّه خاصة في هذا الزمن ليس في زمن الرياض أو المملكة منذ خمسين سنة، الذين هم في الرياض كلهم خمسة آلاف أو أربعة آلاف، الواحد يسأل سؤالا واحدا في اليوم، وقد يمر أيام ما أحد سأل لوضوح الأمور، الآن الهاتف كل لحظة يشتغل، والمسجد هذا سائل والثاني والثالث، والرسائل التي تحتاج إلى جواب، ونحو ذلك من المشكلات العظام أيضا التي تحتاج إلى علاج، وما أشبه ذلك.
    فلابد أن نكون ملتمسين عذرا لأهل العلم ولطلبة العلم، لابد، وإذا كنا غير ملتمسين للعذر فإن هذا غير جيد في حقنا ومن ترك مراعاة الأدب؛ أدب السؤال وأدب الجواب.
    أيضا العلماء يختلفون بعضهم يكون سهل الجواب، وبعضهم يكون غير سهل الجواب، وهذا راجع إلى طبيعته؛ طبيعته التي جعله الله جل وعلا عليها، فإذن السائل ينبغي له أن يلتمس العذر، وأن يتأدب وأن يوقر العالم ويستفيد من علمه بقدر ما يحب العالم وأن لا يقصيه في أموره.
    من الأدب المهم أيضا -أدب السائل- أن لا يحرج السائلُ العالمَ أو طالب العلم مثال ذلك مثلا أسئلة مرّت جاءني في أحد المحاضرات سؤال يقول: أسألك بالله وبوجهه وأقسم عليك أن تجيب على هذا السؤال. طيب المسؤول قد يكون له نظر في أنّه لا تناسب إجابة هذا السؤال على العامة، فأنت الآن أحرجته شرعا لأنّ من السنة إبرار المقسم؛ فإذا أقسم عليك أحد بالله فإنه من السنة أن تجيبه «من سألكم بالله فأجيبوه» فالآن أحرجته، هو يرى المصلحة الشرعية السؤال لا يعرض ولا يجيب عليه وأنت تحرجه شرعا في أن يجيبه، وهذا من غاية ما يكون من عدم رعاية الأدب وعدم احترام أهل العلم وطلبة العلم؛ لأنّك تريد أنت الإجابة لغرض في نفسك، ومثل هذا الذي يكون معه إقسام وسؤال بالله غالبا بل الأكثر والجلّ لا يكون هو الذي يريد أن ينتفع لنفسه، وإنما يريد أن يكون هذا جوابا لأشياء تتعلق بالمجتمع أو بالأمة بالرأي العام ونحو ذلك، يريد أن ينتشر الجواب عن ذلك، العالم أو طالب العلم قد يترك جواب بعض المسائل لغرض شرعي صحيح يرعاه، وقد يرعى من المصالح الشرعية ما لا يستبينه السائل، فإذا حرّج السائلُ طالب العلم في مثل هذا التحريج كان هذا في غاية ما يكون من الإساءة، فإما أن يجيب عليه العالم فيقع عدم المصلحة الشرعية، وإما أن يرتكب النهي، فبذلك يوقع العالم أو طالب العلم في الحرج في أي المفسدتين أدنى حتى يرتكبها هل يرتكب مفسدة الجواب أو مخالفة إبرار المقسم ونحو ذلك.
    المسائل التي يُسأل عنها تنقسم إلى:
     مسائل في التوحيد والعقيدة.
     ومسائل فقهية.
     ومسائل اجتماعية.
    المسائل التي في العقيدة: تارة تكون غايتها بالبحث والفائدة، وتارة تكون لها مِساس بموقف سيكون في الواقع:
    تارة يكون البحث في مسائل التوحيد والعقيدة لغرض إفادة السائل؛ السائل يبحث عما يريد أن يستفيده، مثلا مسألة في التوحيد، معنى الشهادتين، واستفصال حول باب من أبواب كتاب التوحيد، أو مسألة من مسائل الصفات أو الإيمان بالقدر أو ما أشبه ذلك.
    وهناك أسئلة يسأل لكي ينبني على هذا السؤال شيئا من التصرفات في نفسه أو في من معه سواء في داخل هذه البلاد أو في خارجها، فهنا ينبغي للسائل بل يجب عليه أن يبين للعالم الذي يسأله غرضه من السؤال وألا يدلس عليه؛ فيقول هذا السؤال لشخصي أو يقول هذا السؤال أريد أن أرسله إلى بلد كذا وكذا لكي ينتفع منه بعض من سألنا من هناك، مثلا أسئلة جاءت من الجزائر يختلف الجواب، أسئلة جاءت من مصر يختلف الجواب، إذا كان السؤال تبعثه من نفسك بنفسك يختلف جوابه عما إذا كان سينبني عليه عمل أمة، ينبني عليه عمل في المجتمع، يترتب عليه مصلحة أو مفسدة إلى آخره؛ لأنّ الحكم الشرعي الفرق بين العالم وطالب العلم والدّارس، الفرق بين المفتي والباحث أنّ المفتي يبني فتواه على أشياء كثيرة؛ يرعى النصوص ويرعى كلام أهل العلم ويرعى القواعد الشرعية ويرعى ما أمر الله جلّ وعلا به من الأصول وما نهى الله جلّ وعلا عنه، فيرعى أشياء كثيرة غير المسألة الموجودة في الكتاب، فقد يجد السائل المسألة موجودة في الكتاب موجودة في كتاب من الكتب ويذهب يطبقها على الواقع لا ليس الأمر كذلك، ولو كان الأمر لما احتاج أهل العقول أن يطلبوا العلم على أهل العلم وإنما يقرؤون ويُكتفى بقراءتهم، ولهذا قال بعض من تقدّم: لا تأخذ العلمَ عن صَحَفِي ولا القرآن عن مُصْحفي. (لا تأخذ العلمَ عن صَحَفِي) يعني عمن يقرأ في الصحف، والنسبة إلى الصحف صَحَفي وليس صُحُفي؛ لأنّ النسبة تكون إلى الصَّحيفة على وزن فعيلة وليست النسبة إلى الجمع؛ لأنّ القاعدة اللغوية أن النسبة تكون إلى المفرد لا إلى الجمع، فقال: لا تأخذ العلمَ عن صَحَفِي ولا القرآن عن مُصْحفي. يعني بَسْ الذي قرأ القرآن من مصحف وحفظ من المصحف لا تأخذ عنه القرآن، لابدّ أن يكون قد قرأ القرآن على شيخ أخذه عنه؛ لأنه هناك أشياء لا يدركها بقراءته في المصحف، كذلك العلم هناك أشياء لا يدركها بقراءته للكتب، ولهذا عاب بعض أهل العلم بعض الفحول في مسائل لأنهم اقتصروا على ما قرؤوا:
    أخطأ ابن حزم في مسائل في الحج ما السبب؟ أنه قرأها وما حجّ ورأى المشاعر ورأى ما فيه الناس.
    شيخ الإسلام ابن تيمية كتب منسكا من المناسك على ما هو موجود عنده في الكتب، ثم لما حجّ غيّر رأيه في مسائل كثيرة.
    كذلك ابن القطان مثلا -أحد علماء الحديث المعروفين- لكنه لم يأخذ علم الحديث عن رواية وعن أهل العلم وإنما كان -ذكر ذلك الذهبي- كان أكثر أخذه لذلك عن طريق القراءة ووقع في أشياء كثيرة لا يقع فيها أمثاله من أهل العلم.
    إذن هناك فرق بين أن يكون السؤال لحاله تخصك أنت، أو أن يكون السؤال لحالة عامة في مسائل العقيدة والتوحيد.
    وكذلك في مسائل الفقه: إذا كان السؤال شخصي هذا له حال، وإذا كان السؤال ستنشره وسيبني عليه عمل أناس كثير هذا ينبغي أن توضحه للعالم حتى يتحرى في جوابه الأنفع للأمة، ولهذا بعض أهل العلم يفتي بفتاوى خاصة لفلان من الناس ويأتي هذا ويقول أفتاني الشيخ بكذا وكذا، فيذهب على أن الشيخ هذه فتواه وإذا سئل العالم يقول لا هذه فتوى ما أفتيت بها يعني للعامة وإنما أفتى بها لمسألة خاصة.
    الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله -إمام هذه الدعوة عجّل الله له المثوبة ورفع درجته في الجنة- أفتى في بعض المسائل في مسألة معروفة في الطلاق مرة واحدة فقط مدونة موجودة، مرة واحدة وفي بقيتها يفتي على غير هذه الفتوى، في تلك المرة هل نأخذها ونجعلها قاعدة؟ لا؛ لأنه رأى من حال السائل وحال السؤال ما يجعله يفتي بتلك الفتوى.
    فإذن العالم قد يخصّ في حالة معينة بفتوى لو قيل له إنها ستنتشر لا يفتي بتلك الفتوى، وهذا مما ينبغي للسائل أن يرعاه، فيكون الأدب في ذلك أن تخبر العالم أنّ هذا السؤال خاص بي في مسائل التوحيد والعقيدة، أو أنّه سيبعث إلى بلد كذا وكذا وينتشر، أو نتدارسه نحن والإخوان وسنرتب عليه كذا وكذا في عمل في إنكار منكر إلى آخره، فهذا يختلف.
    وبعض السائلين -وحصل مرارا، وأنا أدركت بعض هذه الأشياء مع الأسف- أنه يعتقد من الذكاء أن يُبهم السؤال ويستغفل العالم فيسأله حتى يقع في جواب، هو ما أوضح له الصورة، فيقول: مثلا إذا حصل من واحد أنه قال كذا وكذا فهل يكون مرتدا أم لا؟ هل يكون مبتدعا أم لا؟ هل يكون فاسقا أم لا؟ بعض العلماء خاصة بعد ما مرت تجارب يستفصل أو قد لا يجيب على السؤال، وبعضهم قد يجيب على ظاهره باعتبارها مسألة علمية عامة، لو سئل عن تنزيلها في الواقع ربما اختلف جوابه، فهذا من المهم أن تتبيّنه قبل السؤال، وأنْ لا تلغز أو تبهم وتظن أن هذا من الذكاء أو أنك أخذت منه جوابا، في الواقع أنت تأثمت بما ستنقل وتأثمت بوضع العالم، وقد حصل كما رأى بعضكم كثير من الاختلاف في الفتاوى في فترة مضت، هذا ينقل كذا وهذا ينقل كذا، وكثير منها راجع إلى أنّ السائل ما أعطى العالم الحقيقة في ما وراء كلمات سؤاله، إنما سأل سؤال عام ذلك ظنّ أنها مسألة علمية وما استفصل منه فأجاب على أنها مسألة علمية، فهذا ما راعى الآداب والتفريق بين المسألة العلمية وتطبيقها في الواقع، فلهذا أخذ هذا الجواب وحصل من الاختلاف والآراء المتضاربة ما حصل لأجل هذه المسائل.
    إذن إذا كانت المسألة عقدية أو كانت المسألة فقهية فلابدّ أن ترعى الأدب فيها، وأن تفرق حين تسأل السؤال بين أن تكون شخصية أو عامة، وأن تبين ذلك للعالم الذي تسأله.
    أحوال السّؤال

    السّؤال له أحوال، سؤال المسجد -بعد المحاضرة- يختلف عن سؤال المسجد بعد ما ينصرف العالم من الصلاة، يختلف عن السؤال في الجامعة، يختلف عن السؤال في درس يلقيه العالم، يختلف عن السؤال فيما إذا كان راكبا سيارته -يسمع بسرعة ويجيب-، فهذا السائل يأتي راغبا -ما شاء الله- والمسؤول يأتي يريد أن ينتهي؛ مثلا ألقى محاضرة زمنها كذا وكذا فهو يريد أن يكون الجواب على نحو ما، يأتي يسأل سؤالا هكذا عرضا ويأتيه الجواب فيأخذ هذا الجواب وهو صادق في أنّ العالم أجابه، لكن غير صادق في أنّ العالم فهم ما أراده بأبعاده وما وراء كلمات السؤال، ولهذا ينبغي أن نفرق -رعاية للأدب وإبراء للذمة- بين أحوال؛ السؤال سؤال المسجد بعد محاضرة له حال، سؤال المسجد بعد الإمامة له حال، سؤال بعد درس من الدروس في مجلس من مجالس العلم في الفقه أو في التوحيد له حال في الإجابة والاستفصال والرد إلى آخره، سؤال الجامعة، سؤال الهاتف له حال، سؤال السيارة له حال وغير ذلك من الأحوال.
    وقد ذكر لي بعض كبار السن أنه أراد مرة أن يسأل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله سؤالا في السيارة فأجابه الشيخ قائلا: إنّ السيارة ما فيها فتاوى إذا رُحنا إلى البيت فادخل واسأل أو إذا كنا في المسجد ادخل واسألني فيه. لماذا؟ لأنه راكب معه في السيارة فيعرض له أشياء هذا مرّ وهذا يسلّم وهذا... والمفتي ينقل عن الله جلّ وعلا وموقع عن رب العالمين حينما يجيب يقول: هذه فتوى الله جلّ وعلا في المسألة. ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ﴾[النساء:176]، هذا كلام الله جلّ وعلا، هذا حكم الشرع، فالمسألة عظيمة، ولهذا كثير من السلف هاب السؤال وردّ السائل وتردد، وتردد وقال: لا أدري. كثيرا، الإمام مالك رحمه الله كان يسأل ويجيب لا أدري وهو أبو عبد الله مالك بن أنس رحمه الله، أتاه سائل من مِصْرٍ بعيد قال: يا أبا عبد الله أتيتك من بلد كذا وكذا من أبناء لك أو إخوان لك يحبونك وحملوني أربعين مسألة، فقال مالك سَل فسأل المسألة الأولى فقال الإمام مالك: لا أدري، والثانية: لا أدري، والثالثة: لا أدري، أجاب عن سبع مسائل أو قيل أربع مسائل، وفي ثلاث وثلاثين أو ست وثلاثين مسألة قال: لا أدري.
    لو عالم يأتي ويقول اليوم هذا؛ لا أدري ولا أدري، سيقال: هذا ما عنده خبر ما عنده علم. قد يكون الحال غير مناسب قد يكون يريد أن يؤدب السائل وقد وقد... فقال هذا للإمام مالك: يا أبا عبد الله أتيتك من كذا وكذا وكلهم ينتظرون جوابا أأذهب إليهم وأقول: مالك يقول في ثلاث وثلاثين مسألة لا أدري. قال: قل لهم إنّ مالكا لا يدري. ما أبردها على القلب. لماذا؟ لأنه إذا أجاب يجيب عن الله جلّ وعلا، هذا حكم الكتاب والسنة، وهي مسألة تجلّ لها القلوب، ولهذا نهينا عن كثرة المسائل، وهذا مما ينبغي لنا أن نتركه –كثرة السؤال-؛ هذا سؤال كذا، سؤال كذا، سؤال كذا، في مكان واحد مائة سؤال مائتين سؤال، ذهن المسؤول يكلّ ويتعب وقد يضعف في آخره، ولهذا يأتي بالمسائل الكبيرة والكبيرة، ولا أحد يقدر يحلها؛ لا أدري، فالمسؤول بشر، العالم بشر، طالب العلم بشر، فينبغي أن يُراعى الحال وأن لا تكثر المسائل.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: أدب السّؤال للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 06.07.08 19:28

    جاء في النصوص -ونختم بهذا حتى لا نطيل عليكم- جاء النهي عن كثرة المسائل وقد قال العلماء كثرة المسائل الناس تجاهها على أحوال؛ يعني على أقوال:
     من الناس -وهو قول طائفة من المنتسبين لأهل الحديث- مَن لم يسأله وقالوا يكفينا ما عندنا من النصوص ولا نحتاج أن نسأل؛ لأنه نهينا عن السؤال، ويأخذون بعموم ما ورد في النهي عن المسألة والنهي عن كثرة المسائل «وإياكم والمسائل» «وإياكم والأغلوطات» ونحو ذلك مما جاء في الأحاديث، فأخذوا به على ظاهره فلم يسألوا، وهؤلاء أدى بهم ذلك إلى ألاّ يكونوا فقهاء وأن يكون فهمهم للشريعة قاصرا أو على غير السّداد، كما ذكر ذلك ابن رجب رحمه الله تعالى، هذا صنف، قالوا لا تسل عندك النصوص عندك الكتب ما يحتاج لأنّ السؤال منهي عنه وكثرة المسائل معيبة، فعندك إذا احتجت دور من الكتب وإذا لم تحتاج فلا تسل، وهذا الحال أو الفعل غير صواب.
     والفعل الثاني أو الحال الثاني: حال أهل الرأي الذين شقّقوا المسائل وسألوا عن أشياء لم تقع، وافترضوا أحوالا لم تقع في زمانهم، منها أشياء لم تقع ولن تقع أبدا؛ لأنها خيال أو لا يمكن أن تتصور إلا في الذهن أما في الواقع لا تتصور، ومنها أشياء تخيلوها ووقعت، ووقوع البعض لا يعني أنّ ما شققوه أنه مأذون به، -بالمثال يتضح الحال- بعض فقهاء أهل الرأي من الحنفية وغيرهم لهم كتب فيها الطريقة التالية: أرأيت إن كان كذا فمثلا يبدأ الكتاب، الوقف هو كذا، أرأيت إن كان كذا، فالجواب كذا، يعني أنه يسأل العالم مائة سؤال مائتين ثلاثمائة سؤال، كلها تشقيق للمسائل، فيه أشياء واقعة في أشياء غير واقعة، وبإيراد الحيل في هذه المسائل، وابن عمر رضي الله عنهما أتاه رجل يسمع حديثه، فقال ابن عمر من السنة تقبيل الحجر، قال الرجل لابن عمر: أرأيت إن هناك ثَم زحام؟ قال: من السنة تقبيل الحجر الأسود. قال: أرأيت إن غُلبت عنه؟ قال: من السنة تقبيل الحجر الأسود. قال: أرأيت إن لم يمكني تقبيله. قال: دع أرأيت في اليمن -هو كان من أهل اليمن- من السنة تقبيل الحجر الأسود. فإذا تمكنت من تطبيق السنة فطبق ما تمكنت، لا تكثر من أرأيت إن حصل كذا أرأيت إن حصل كذا، وهذا يحرمه كثيرون يظنون العلم بكثرة السؤال، يسأل عن أشياء لا يعلم عن حكمها يسأل ويسأل، لا، العلم بالتعلم وإنما السؤال كاشف للعلم وليس أساسا في العلم لأنّ الله جلّ وعلا يقول ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾،( ) فإذا استشكلت فاسأل، إذا كنت لا تعلم فسل، وأما كل شيء تسأل عنه في موقع واحد تسأل عشرين ثلاثين سؤال، هذا غير محمود.
    فإذن هذا القسم وهو السؤال عن أشياء لم تقع وكثرة المسائل باقٍ في النهي عنه فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم سؤال عن أشياء لم تقع.
     القسم الثالث وهو حال فقهاء الأمة فقهاء أهل الحديث ومن تابعوا حال السلف في ذلك: وهم الذين يسألون عن معاني الكتاب والسنة وعما يدخل في دلالاتهم من الفقه، هذا السؤال المحمود الذي من بحث عنه فهو الذي يرضى قوله وعمله تسأل عن معنى آية تسأل عن معنى حديث استشكلته فتسأل عن ذلك فهذا لا يدخل ضمن المنهي عنه، النبي  قال «من نوقش الحساب عذب» فقالت عائشة: يا رسول الله أليس الله جلّ وعلا يقول ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ(7)فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾[الانشقاق:8]، قال رسول الله  «ذلك العرض، ومن نوقش الحساب عذّب» (العرض) يعني أن يعرض عليه أن يحاسب بمعنى تعرض عليه، عملت كذا وكذا وسترتها عليك وعملت كذا وكذا وأثيبك عليها وهكذا، هذا عرض للمسائل، وأما المناقشة فإنّ معها العذاب لأنّ الله جلّ وعلا لا يناقش الحساب أحدا إلاّ عذبه كما قال عليه الصلاة والسلام «من نُوقش الحساب عُذّب»، هذا القسم محمود سؤاله، وهو الذي فعله أهل العلم ويفعلونه مع مشايخهم؛ يسألون عن أشياء تخصهم في دينهم؛ يستفتون، أو يسألون عن معاني الكتاب والسنة، ويسألون لرجاء نفعهم.
    من المسائل التي ينبغي أيضا أن تراعى في أدب السؤال ما يخص الذين يسألون أهل العلم في عقب المحاضرات أو الندوات: السائل الذي أَرسل السؤال في الورقة طبعا يضيق المقام أن تعرض جميع الأسئلة بعد محاضرة أو بعد ندوة لكن هو يحتاج إلى الجواب، وهذا الذي يفرز الأسئلة ينبغي أن يكون متأدبا مع العالم في السؤال، وأحيانا لا يرعى الأدب في ذلك بأن تُحجب بعض الأسئلة وتُعرض بعض الأسئلة، الأسئلة التي فيها مخالفة لرأي هذا الذي يفرز لا يعرضها والتي توافق رأيه يعرضها، هولم يؤتمن على هذا!! اُئتمن على أنّ المسألة التي تفيد السائل وتناسب الحال وله أن يقيم الحال حال المسجد يرعى المصلحة ويدرأ المفسدة أو ينظر لرغبة الشيخ أو العالم فيما يسأل عنه وما لا يسأل عنه هذا لابد منه، طيب، لكن أن يكون هو يختار ما يريده ويلغي ما لا يريده، هذا نوع من عدم الأدب مع أهل العلم في السؤال، وسببوا إشكالات كثيرة، فيأتي هذا ويستدعي عالم أو يطلب من عالم فيسأله عن أشياء هو يريدها، أو تأتي الأسئلة فيبعد بعض الأسئلة التي جوابها يعلم أن العالم يجيب هذا الجواب لكن هذا الجواب غير مرضي عنه، يعني أنت حكم على أهل العلم في أجوبتهم؟ هذا يسبب فرقة في الأمة ويسبب أشياء من عدم رعاية وتوقير أهل العلم.
    الذي ينبغي من الأدب للذين يسألون أهل العلم أن يسألوا الأسئلة النافعة، سواء كانت توافق ما عنده أو لا توافق؛ لأنّ العالم هو الذي سيجيب بما دلت عليه النصوص -إذا كان راسخا في العلم- والهوى بعيد عن أهل العلم، وهذا من تزكية الله جلّ وعلا لهم، ولهذا لا ينبغي لهذا الذي يفرز الأسئلة أن ينتقي على رغبته بل يسأل ويقول للعالم قبل أن يأتي الأسئلة إذا جاءت: ما الأسئلة التي تحب أن تعرض وما التي لا تحب أن تعرض؟ فيقول له الأسئلة التي فيها كذا وكذا لا تعرضها؛ لأنه قد لا يناسب عرضها أمام الناس في مسجد، منهم من يكون خالي الذهن أصلا عن بحث هذه المسألة، يأتي تعرض فيطلع على شيء هو في غنية عن أن يطلّع عليه.
    إذن هذه المسألة بحاجة أن ترعى في الندوات والمحاضرات أن يكون الذي يفرز الأسئلة يرعى ما يرغبه العالم فيما يعرض وفيما لا يعرض، وألاّ يتحكم هو؛ لأنّ تحكمه يسبب بعض عدم رعاية توقير أهل العلم، لهذا نجد أنّ بعض المشايخ يعتذر عن بعض الندوات ويعتذر عن بعض المحاضرات، لمَ؟ لأنّه يخشى أن تأتي أسئلة لا يناسب الجواب عليها أمام العامة، مثل ما ذكرنا السلف ما أجابوا على كل سؤال في كل مقام، وإنما يختلف الجواب بحسب اختلاف الحال، يفصل في موضع، لا يفصل في موضع، يمتنع عن الجواب في موضع، إلى آخر ذلك.
    النبي عليه الصلاة والسلام كان يتكلم فأتاه رجل فسأله: متى الساعة؟ فلم يجبه عليه الصلاة والسلام وأكمل حديثه، ثم سأله: متى الساعة؟ وأكمل حديثه ثم قال: متى الساعة، فأجابه النبي  عن السؤال ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا(42)فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا﴾[النازعات:42-43] ما يعلمها عليه الصلاة والسلام ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾[الأعراف:187] جلّ وعلا، فلما ألحّ في المسألة كره النبي  ذلك منه وقال «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»، هذا الجواب غير السؤال –صحيح؟- لأنّ السؤال كان بـ(متى) عن الزمن النبي  أجابه بقوله «إذا وسد» بعلامة من العلامات، وأشراط الساعة معلومة.
    كذلك في قول الله جلّ وعلا لما سأل النبيَّ عليه الصلاة والسلام الناسُ عن الأهلّة كان الجواب ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[البقرة:189]، الصحابة –يعني بعضهم- سألوا وقالوا لمَ يبدأ الهلال في أوّل الشهر رفيعا ثم يكبر ثم يكبر حتى يستتم؟ يعني هل هم يفهمون وضع الأرض ووضع القمر لو فصل لهم إلى آخره لو فصل لهم؟ لن يفهموا ذلك، سألوا سؤالا لا تستوعب الجواب عليه عقولُهم فكان الجواب (قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) أجيبوا بشيء غير السؤال بما ينفعهم؛ وهو أنّ الأهلّة هذه مواقيت، لم يبدو كذا ثم يكون كذا، هذا عُدل عن الجواب عنه وفي هذا أصل شرعي في أنّ العالم قد يعدل عن الجواب إلى شيء آخر، ويأتي بعض الناس ويقول هذا هروب من الجواب، الشيخ ما أجاب هرب من الجواب، ليس هروبا من الجواب لأنّه لا يريد أن يجيب لخوفه من الجواب ونحو ذلك، لا، العالم مربي يربي الناس ويجيب بالأصلح لهم لما يرعى فيه المصلحة ويدرأ المفسدة.
    هذه بعض ما يتعلق بالآداب التي ينبغي مراعاتها حين السؤال.
    وأسأل الله جلّ وعلا أن ينفعني وإيّاكم بما سمعنا وأن يجعلنا من المتأدبين الذين يريدون وجه الله والدّار الآخرة، وأسأله جلّ وعلا أن ينفعنا بعلمائنا، وأن يجعلنا من المتعاونين معهم على البرّ والتقوى والمتأدبين معهم والذّابين عنهم قول أهل السوء، وأسأله سبحانه لي ولكم العفو العافية والمعافاة الدائمة في الدّنيا والآخرة، وأن يختم علينا هذا الشهر الكريم بقبول وغفران، وألاّ يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحب ويرضى، هذا وصلى الله وسلم وبارك على من علمنا الخير وأدبنا أحسن تأديب نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
    وأشكر لكم حسن هذا الاستماع وحسن الإقبال، وأسأله سبحانه أن يجعلنا جميعا ممن غفر له أول ذنبه وآخر ذنبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
    الأسئلة:
    1- كيف ،وفق بين النهي عن كثرة السؤال وبين قول ابن عباس: أوتيته –عن العلم- بلسان سَؤول وقلب عقول؟ وأحسن الله إليكم.
    الحمد لله، ذكرنا أن الأحوال ثلاثة: حال الممتنع عن السؤال، وحال من يفرع المسائل التي لم تقع، وحال من يسأل عن علم الكتاب والسنة.
    ابن عباس في أسئلته كان يسأل عن علم الكتاب والسنة عن معاني النصوص، وقول النبي عليه الصلاة والسلام «فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم» هذا حمل على وجهين:
    الأول أن يكون هذا النهي عن كثرة المسائل في حال تنزل القرآن، كما قال جل وعلا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾[المائدة:101]، فحين يُنزّل القرآن لا تسل، [وُجه] الصحابة بهذا التعليل، وكثرة المسائل حين ينزل القرآن هذه غير جيدة بل منهي عنها؛ لأنه ربما سيأتي الحكم في فترة من التشريع لاحقة، فيكون كثرة السؤال استعجال للأحكام ولو أبديت لأساءتهم، ابن عباس رضي الله عنهما أوتي العلم بكثرة السؤال؛ لكن سؤال عن معاني النصوص سؤال عن السنة عن الحديث وليس سؤالا وليس سؤالا عن المسائل التي لم تقع أو تشقيق للمسائل، لهذا ذكرنا لكم أن الأحوال ثلاثة:
    حال من لم يسأل مطلقا وهذا مذموم.
    وحال من شقق المسائل كصنيع أهل الرأي وهذا جاء نهي السلف عنه.
    وحال من سأل عن فقه الكتاب والسنة وهذا هو المحمود وهو صنيع الصحابة وصنيع أهل العلم بعدهم.
    2- فضيلة الشيخ حديث «من سأل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار» هل المقصود بالعلم هنا عموم العلم أو العلم الشرعي؟
    المقصود بهذا العلم الشرعي؛ لأنه إذا أطلقت نصوص العلم في الكتاب والسنة فإنما يراد به أنفع العلوم وهو العلم الشرعي، «فمن سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة» وقد جاء في بعض الأحاديث وحمله أهل العلم على أن هذا الوعيد في حالة من تعينت عليه الإجابة فامتنع وبامتناعه لا يظهر العلم في الأمة.
    أما إذا كان مكفيا فإنه له أن يحيل الجواب على غيره وقد جاءت عائشة إلى بعض الصحابة وسأله فقال اذهب إلى فلان ثم ذهب إلى الثاني فقال اذهب إلى فلان والثالث حتى سبعة والسابع أرجعه إلى الأول فقال ذهبت إلى فلان وفلان وفلان وكلهم يحيل إلى الآخر حتى أحال السابع إليك، فقال الآن إذن فأجابه.
    فإذن قوله (من سئل عن علم فكتمه) هو العلم الذي يجابهه عينية وفرض على من سئل أما إذا كان مكفيا فإن له أن لا يجيب إحالة للجواب على غيره.
    3- السؤال الأخير فضيلة الشيخ يقول: كثيرا ما تعرض لأحدنا مشكلة ما ويبحث عن جوابها في كتب الفتاوى، فهل يكتفي بقضية مشابهة لما يريد أن يسأل عنه أم لابد أن يسأل العلماء؟ والله يحفظكم ويرعاكم.
    الذي في الفتاوى على قسمين:
    منه ما يمكن أن ينطبق على حالته.
    ومنه ما لا يمكن أن ينطبق على الحالة.
    الذي ينطبق على الحالة مثل مسائل لا تتعلق إجابتها باختلاف الواقع والحال، هذا إنما يعلمه المفتي؛ يعني مثل مسألة في الصلاة سئل الشيخ فلان عن رجل إمام ترك ركعة من الصلاة سها فيها ثم سُبِّح به إلى آخره، فهذا إذا حصل منك الحال فهي مشابهة لها فتعمل بمقتضى الفتوى، سئل مثلا عن حكم التصوير، سئل عن حكم صلة الرحم ونحو ذلك، سئل عن الوتر سئل عن القنوت هذه تنطبق على الناس في أي وقت وفي أي زمان.
    لكن هناك أشياء متعلقة باختلاف الأزمنة متعلقة برعاية قواعد، هذه لا تطبقها لأنه إذا طبقتها على غير زمنها فإنه قد يكون في ذلك إخلالا، هذا حصل كثيرين طبقوا فتاوى في وقت ما على غيره، فصار في ذلك إخلال بمراد العالم حين أفتوى بتلك الفتوى؛ لأن الفتوى لها حال، مثلا فتوى تتعلق بالجهاد، فتوى تتعلق بالتكفير، فتاوى تتعلق بموقف المسلم من غيره، فأجاب العالم بإجابة لاشك أنه قد رعى الحال التي في ذلك الزمن، أفتى فتاوى في الجهاد يختلف عما إذا كان الحال حال أخرى؛ مثلا شيخ الإسلام ابن تيمية له فتاوى تتعلق بجهاد التتار، هل تأتي وتطبق بما ورد في جهاد التتار على غير تلك الصورة وأنت تلحق الصورة المتأخرة بتلك الصورة المتقدمة؟ لاشك أن هذا يحتاج للإلحاق إلى عالم راسخ في العلم يقول المناط في هذه الحال في هذا الزمن هو المناط في ذلك الحال.
    ولهذا عند الأصوليين مناط الحكم يختلف باختلاف الحال، وعندهم قاعدة يعبر عنها بعض أهل العلم بقوله [بساط] الحال مؤثر في الفتوى حال الفتوى، حال الاستفتاء، حال الناس مؤثر في الفتوى، كذلك مثل ما ذكرنا اختلاف الأزمنة مؤثر في الأزمنة، الأحكام واحدة لكن الفتوى تختلف؛ لأنه يكون إعمال قاعدة قد ترجح شيء على شيء، وهذا واضح فيما لو رعاه طالب العلم لوجد لذلك مأخذا أوظاهرة.
    فإذن المسائل التي تقرأ؛ تقرأ في الفتاوى تختلف بعضها يمكن أن يطبق وبعضها لابد فيه من المناط؛ من تحقيق المناط، لهذا عند الأصوليين هناك شيء يسمى تخريج المناط، وهناك شيء يسمى تحقيق المناط؛ تحقيق المناط يعني أن يحقق العالمُ أمر مناط الحكم في الواقعة هو كذا وكذا، فإذا حقق العالم المناط جاءت الفتوى، ولهذا العبارة المشهورة أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، والعلة تارة تكون علة قياس وتارة تكون علة قواعد، وهذا لاشك أنه يحتاج إلى عمق في القواعد وفي الأصول وهذا إنما هو لأهل العلم.
    فإذن القارئ يستفيد من الفتاوى في معرفة أحكام لم يطلع عليها يعمل بها في نفسه، إذا حكم في مسألة مختلفة، لا، لا يلحق هذه بهذه، إذا كانت عين المسألة يعمل بها في نفسه في القنوت في الصلاة في الزكاة إلى آخره في الحج لا بأس.
    لكن إذا كانت هذه مثل هذه، ووش الفرق؟ العالم عنده ربما فرق لم يخطر على بال القارئ.
    ولو خاض في المسألة بالعقل لما كان فرق بين عالم وغيره، والله أعلم.
    
    فرّغ هذه المادة:
    www.alsalafia.com
    وحاول تنظيمها: سالم الجزائري

    منقول : من هنـــــــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 3:34