موت الدماغ وأحكامه الشرعية
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
معنا في هذا الدرس ثلاث مسائل من النوازل، المسألة الأولى: موت الدماغ وأحكامه الشرعية، المسألة الثانية: حكم نقل الأعضاء، المسألة الثالثة: حكم سحب أجهزة الإنعاش عند موت الدماغ ونحوه.
ونبدأ بالمسألة الأولى وهي مرتبطة بالمسألة الثانية بل إن المسألة الثانية حكمها متفرع عن حكم المسألة الأولى، وهاتان المسألتان موت الدماغ ونقل الأعضاء من النوازل المشكلة، وقد حصل فيها اضطراب ليس على مستوى كبار العلماء، بل على مستوى المجامع الفقهية. فنجد على سبيل المثال أن مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي يرى أن موت الدماغ أنه موت حقيقة بينما لا يرى ذلك مجمع الرابطة، وقرار هيئة كبار العلماء في ذلك فيه إجمال، فيما يتعلق بنقل الأعضاء.
ولهذا فإن هذه المسألة من النوازل المشكلة في هذا العصر، وتحتاج إلى دقة نظر وفهم، وتصور دقيق لواقع المرضى بعد النزول في الميدان ومراقبة أحوال المرضى الذين حُكِم عليهم بأنهم قد توفوا دماغيا فتحتاج هذه النوازل إلى تصور دقيق قبل النظر الشرعي، ثم تحتاج إلى تحرير للمصطلحات، لأن الموت الذي يعنيه العلماء وفقهاء الشريعة، يختلف عن الموت الذي يعنيه الأطباء، وهذا يؤكد على ما ذكرناه في أول الدورة، من أنه عند النظر في النوازل لا بد من تحرير المصطلحات ومن التصور الدقيق للمسألة، إذ أن أكبر الإشكالات التي تواجه الفقيه عند النظر في النوازل هو الفهم والتصور الصحيح والدقيق لها، إذ أن التصور إذا كان غير دقيق، فيترتب على ذلك أن يكون الحكم على هذه النازلة غير دقيق كذلك.
هذه النازلة من أحسن المراجع فيها رسالة دكتوراه عندنا في قسم الفقه بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بعنوان "حكم نقل الأعضاء في الفقه الإسلامي" للشيخ يوسف الأحمد، وقد نزلت في الأسواق قريبا، وقد استقصى فيها الباحث استقصى النظر في هذه المسألة وتفرغ أياما لمراقبة أحوال المرضى والاتصال بالأطباء وسؤالهم، وكذلك أيضا الرجوع للمجلات العالمية المحكمة في هذه الموضوعات، وإنما أشرت لهذا المرجع نظرا للاضطراب الذي أشرت إليه حتى على مستوى المجامع الفقهية كما سنبين ذلك إن شاء الله.
نبدأ أولا بالمسألة الأولى: وهي موت الدماغ ووجه العلاقة بين مسألة موت الدماغ ونقل الأعضاء. نحن قلنا إن بينهما ارتباطا وعلاقة وثيقة، فما وجه هذا الارتباط؟ وما وجه هذه العلاقة؟
نقول: إن الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان كالكبد والقلب والرئتين هذه الأعضاء لا يمكن نقلها من الأحياء؛ لأن نقلها من الأحياء، يعتبر قتلا لهم، ولا يمكن نقلها من عموم الموتى؛ لأن هذه الأعضاء تتلف خلال دقائق إذا توقف عنها الدم، بخلاف الميت دماغيا، فإنه يتنفس بواسطة جهاز التنفس، وقلبه ينبض، فلا تزال هذه الأعضاء تتروى بالدم، ويمكن حينئذ أخذها وهي بحالة جيدة، ولهذا فإن الركن الأساس في نقل الكبد والقلب وغيرها من الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان هو وجود الميت دماغيا، الذي يمكن النقل منه.
ويرى الأطباء أن المصدر الوحيد لأخذ الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان هو الميت دماغيا، وإذا خرجنا بنتيجة وهي أن الموت الدماغي ليس موتا حقيقيا فإن هذا يساوي عند الأطباء، يساوي إغلاق باب التبرع بالقلب والكبد، ونحوها من الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان. ومن هنا تتبين خطورة هذا الموضوع، إذا قلنا إن الموت الدماغي ليس موتا حقيقيا بالمعنى الشرعي، فمعنى ذلك أن هذا يغلق باب التبرع بالأعضاء. فإذا مسألة موت الدماغ هي منعطف كبير في موضوع نقل الأعضاء، ومن هنا يتبين الارتباط الوثيق بين هاتين المسألتين.
قبل أن نبين هل موت الدماغ هو موت حقيقي بالمعنى الشرعي أم لا، نريد أن نحرر مصطلح الموت، ما معنى الموت؟ الموت شرعا: هو مفارقة الروح للبدن، هذه هي حقيقة الموت، متى ما فارقت الروح بدن الإنسان حصل الموت والوفاة، وهذا المعنى للموت هو الذي تقتضيه الأدلة من الكتاب والسنة، وتتابع على ذكره أهل العلم. قال النووي -رحمه الله-: الموت هو مفارقة الروح، قال ابن القيم: الموت، هو مفارقة الروح للبدن، وهكذا عرفه الحافظ ابن حجر، وتتابع على هذا جمع من أهل العلم على تعريف الموت بمفارقة الروح للبدن. ولكن مفارقة الروح للبدن هي أمر غيبي غير مشاهد، كيف نعرف بأن روح هذا الإنسان قد فارقت بدنه؟
ذكر الفقهاء علامات لذلك، علامات للموت أي لمفارقة الروح للبدن. ومن العلامات التي ذكرها الفقهاء انقطاع التنفس، وإحداد البصر أي غيبوبة سواد العينين، وانفراج الشفتين فلا ينطبقان، وارتخاء القدمين فلا ينتصبان، وميل الأنف وانخساف الصدغين، وانفصال الكفين، وامتداد جلدة الوجه. ولم يذكر توقف القلب لوضوحه، لأنه أمر معلوم وواضح، يعني لا نجد في كتب الفقه توقف القلب لكن لم يذكر ذلك لوضوحه.
ثم إن الفقهاء قد ذكروا أنه لا يثبت موت الإنسان إلا بعد تحقق العلم اليقيني بالموت، فلا يحكم على أحد بالموت بالشك أو غلبة الظن، بل لا بد من اليقين، ولهذا نجد أن الفقهاء ينصون على ذلك. قال الموفق ابن قدامة: إذا تيقن موته أغمضت عيناه إلى آخره. وقال ابن القيم -رحمه الله-: إذا شك هل مات مورثه فيحل ماله أو لم يمت لم يحل له المال حتى يتيقن موته، فنجد أن الفقهاء ينصون على أنه لا بد من تيقن الموت، فلا يعتبر في ذلك الشك أو غلبة الظن.
أما علامات الموت عند الأطباء، فالعلامات الأساسية عندهم: توقف القلب، وتوقف التنفس، وتوقف الجهاز العصبي، ونشاط الدماغ، وتحدث تغيرات بعد الوفاة، أولا: يحدث ارتخاء، الارتخاء الأولي للعضلات، وكذلك أيضا برودة الجسم، نتيجة لتوقف العمليات الحيوية الكيميائية المولدة للحرارة، وكذلك أيضا يحدث تغير للون الجلد والأنسجة، ثم يعقب ذلك التيبس وهو يعقب ارتخاء العضلات التيبس بجسم الميت. ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التعفن بعد التيبس وهو نهاية التغيرات التي تحدث بالجثة بعد الوفاة، ويؤدي ذلك إلى انتفاخ الجثة وخروج السوائل وتغير الرائحة. يقول الأطباء بأن الارتخاء هو أول ما يكون بعد الوفاة مباشرة ويستمر من نصف ساعة إلى ساعتين، ثم يبدأ الجسم بالتيبس التدريجي ويكتمل التيبس بعد مضي ثماني ساعات.
وأما علامة إحداد البصر فالذي يحصل للميت هو ذهاب لزوجة العين ويبقى الجفن على حاله، فإذا فاضت روحه والجفن مفتوحا بقي كذلك، وإذا فاضت روحه والجفن نازلا بقي على حاله، ولهذا تجد بعض الأموات عيناه شاخصتان مفتوحتان، وبعضهم ليستا كذلك يكون قد أغمض عينيه، وعلى حسب الحال التي يموت عليها. هذه علامات الوفاة وإنما ذكرناها لعلاقتها بهذه النازلة، وهي الموت دماغيا.
الميت دماغيا حاله في الحقيقة ظاهرها يدل على الحياة، فالميت دماغيا قلبه ينبض والدورة الدموية تعمل عنده، وجميع أعضاء البدن ما عدا الدماغ تقوم بوظائفها، كالكبد والكلى، والبنكرياس والجهاز الهضمي والنخاع الشوكي وغير ذلك، كل هذه الأجهزة تعمل لدى الميت دماغيا، وتقوم بوظائفها، إنما فقط الذي تعطل عنده هو الدماغ، ولذلك فإن الميت دماغيا يتبول ويتغوط، ويتعرق يخرج منه العرق، وحرارة جسمه ربما تكون مستقرة كحرارة الحي، أي سبع وثلاثين درجة تقريبا، وربما تضطرب إما بارتفاع أو انخفاض، وهذا يدل على الحياة في بدنه، وقد يصاب بالرعشة، وقد يصاب بخفقان القلب وبارتفاع الضغط وبانخفاضه، بل قد يتحرك حركة يسيرة كحركة أطراف اليدين أو القدمين.
وقد ذكر أخونا الشيخ يوسف في كتابه في رسالة الدكتوراه التي أشرت إليها أنه وقف على حالات ورأى فيها، حالات المتوفين دماغيا، كيف أن حرارة الجسم عندهم مستقرة على سبع وثلاثين، معلوم أن الميت يبرد جسمه، ورأى بعض المتوفين دماغيا وهو يتعرق ويتحرك؛ ولهذا فإنه عند عملية استئصال أعضائه لنقلها إلى إنسان آخر يخدر يأتي طبيب التخدير ويحقنه بدواء، ويبقى طبيب التخدير في مكان لمراقبة المريض في نبضه، وضغطه وغير ذلك، فإذا انخفض الضغط عنده حقنه بدواء يرفع الضغط، فيستجيب بدن الميت دماغيا لذلك. ومع هذا الوصف الذي سمعتم، ظاهر هذا أنه لا زال حيا، إنما فقط تعطل الدماغ عنده.
وحتى لو سلمنا جدلا بأن هذه الأوصاف المذكورة أنها لا تدل على الحياة، فأقل ما يمكن أن توصف به أنها محل شك وتردد، ومحل خلاف، فمن الناس من يراه من أهل الحياة، ومن الناس من يراه من الأموات، وإذا كان كذلك فلا يُحكم بموته، وقد نقلنا كلام الفقهاء بأنه لا يحكم بوفاة الإنسان حتى يتيقن موته، والأصل هو بقاء الحياة، ولا ننتقل عن هذا الأصل إلا بيقين.
يتبع
.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
معنا في هذا الدرس ثلاث مسائل من النوازل، المسألة الأولى: موت الدماغ وأحكامه الشرعية، المسألة الثانية: حكم نقل الأعضاء، المسألة الثالثة: حكم سحب أجهزة الإنعاش عند موت الدماغ ونحوه.
ونبدأ بالمسألة الأولى وهي مرتبطة بالمسألة الثانية بل إن المسألة الثانية حكمها متفرع عن حكم المسألة الأولى، وهاتان المسألتان موت الدماغ ونقل الأعضاء من النوازل المشكلة، وقد حصل فيها اضطراب ليس على مستوى كبار العلماء، بل على مستوى المجامع الفقهية. فنجد على سبيل المثال أن مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي يرى أن موت الدماغ أنه موت حقيقة بينما لا يرى ذلك مجمع الرابطة، وقرار هيئة كبار العلماء في ذلك فيه إجمال، فيما يتعلق بنقل الأعضاء.
ولهذا فإن هذه المسألة من النوازل المشكلة في هذا العصر، وتحتاج إلى دقة نظر وفهم، وتصور دقيق لواقع المرضى بعد النزول في الميدان ومراقبة أحوال المرضى الذين حُكِم عليهم بأنهم قد توفوا دماغيا فتحتاج هذه النوازل إلى تصور دقيق قبل النظر الشرعي، ثم تحتاج إلى تحرير للمصطلحات، لأن الموت الذي يعنيه العلماء وفقهاء الشريعة، يختلف عن الموت الذي يعنيه الأطباء، وهذا يؤكد على ما ذكرناه في أول الدورة، من أنه عند النظر في النوازل لا بد من تحرير المصطلحات ومن التصور الدقيق للمسألة، إذ أن أكبر الإشكالات التي تواجه الفقيه عند النظر في النوازل هو الفهم والتصور الصحيح والدقيق لها، إذ أن التصور إذا كان غير دقيق، فيترتب على ذلك أن يكون الحكم على هذه النازلة غير دقيق كذلك.
هذه النازلة من أحسن المراجع فيها رسالة دكتوراه عندنا في قسم الفقه بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بعنوان "حكم نقل الأعضاء في الفقه الإسلامي" للشيخ يوسف الأحمد، وقد نزلت في الأسواق قريبا، وقد استقصى فيها الباحث استقصى النظر في هذه المسألة وتفرغ أياما لمراقبة أحوال المرضى والاتصال بالأطباء وسؤالهم، وكذلك أيضا الرجوع للمجلات العالمية المحكمة في هذه الموضوعات، وإنما أشرت لهذا المرجع نظرا للاضطراب الذي أشرت إليه حتى على مستوى المجامع الفقهية كما سنبين ذلك إن شاء الله.
نبدأ أولا بالمسألة الأولى: وهي موت الدماغ ووجه العلاقة بين مسألة موت الدماغ ونقل الأعضاء. نحن قلنا إن بينهما ارتباطا وعلاقة وثيقة، فما وجه هذا الارتباط؟ وما وجه هذه العلاقة؟
نقول: إن الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان كالكبد والقلب والرئتين هذه الأعضاء لا يمكن نقلها من الأحياء؛ لأن نقلها من الأحياء، يعتبر قتلا لهم، ولا يمكن نقلها من عموم الموتى؛ لأن هذه الأعضاء تتلف خلال دقائق إذا توقف عنها الدم، بخلاف الميت دماغيا، فإنه يتنفس بواسطة جهاز التنفس، وقلبه ينبض، فلا تزال هذه الأعضاء تتروى بالدم، ويمكن حينئذ أخذها وهي بحالة جيدة، ولهذا فإن الركن الأساس في نقل الكبد والقلب وغيرها من الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان هو وجود الميت دماغيا، الذي يمكن النقل منه.
ويرى الأطباء أن المصدر الوحيد لأخذ الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان هو الميت دماغيا، وإذا خرجنا بنتيجة وهي أن الموت الدماغي ليس موتا حقيقيا فإن هذا يساوي عند الأطباء، يساوي إغلاق باب التبرع بالقلب والكبد، ونحوها من الأعضاء التي تتوقف عليها حياة الإنسان. ومن هنا تتبين خطورة هذا الموضوع، إذا قلنا إن الموت الدماغي ليس موتا حقيقيا بالمعنى الشرعي، فمعنى ذلك أن هذا يغلق باب التبرع بالأعضاء. فإذا مسألة موت الدماغ هي منعطف كبير في موضوع نقل الأعضاء، ومن هنا يتبين الارتباط الوثيق بين هاتين المسألتين.
قبل أن نبين هل موت الدماغ هو موت حقيقي بالمعنى الشرعي أم لا، نريد أن نحرر مصطلح الموت، ما معنى الموت؟ الموت شرعا: هو مفارقة الروح للبدن، هذه هي حقيقة الموت، متى ما فارقت الروح بدن الإنسان حصل الموت والوفاة، وهذا المعنى للموت هو الذي تقتضيه الأدلة من الكتاب والسنة، وتتابع على ذكره أهل العلم. قال النووي -رحمه الله-: الموت هو مفارقة الروح، قال ابن القيم: الموت، هو مفارقة الروح للبدن، وهكذا عرفه الحافظ ابن حجر، وتتابع على هذا جمع من أهل العلم على تعريف الموت بمفارقة الروح للبدن. ولكن مفارقة الروح للبدن هي أمر غيبي غير مشاهد، كيف نعرف بأن روح هذا الإنسان قد فارقت بدنه؟
ذكر الفقهاء علامات لذلك، علامات للموت أي لمفارقة الروح للبدن. ومن العلامات التي ذكرها الفقهاء انقطاع التنفس، وإحداد البصر أي غيبوبة سواد العينين، وانفراج الشفتين فلا ينطبقان، وارتخاء القدمين فلا ينتصبان، وميل الأنف وانخساف الصدغين، وانفصال الكفين، وامتداد جلدة الوجه. ولم يذكر توقف القلب لوضوحه، لأنه أمر معلوم وواضح، يعني لا نجد في كتب الفقه توقف القلب لكن لم يذكر ذلك لوضوحه.
ثم إن الفقهاء قد ذكروا أنه لا يثبت موت الإنسان إلا بعد تحقق العلم اليقيني بالموت، فلا يحكم على أحد بالموت بالشك أو غلبة الظن، بل لا بد من اليقين، ولهذا نجد أن الفقهاء ينصون على ذلك. قال الموفق ابن قدامة: إذا تيقن موته أغمضت عيناه إلى آخره. وقال ابن القيم -رحمه الله-: إذا شك هل مات مورثه فيحل ماله أو لم يمت لم يحل له المال حتى يتيقن موته، فنجد أن الفقهاء ينصون على أنه لا بد من تيقن الموت، فلا يعتبر في ذلك الشك أو غلبة الظن.
أما علامات الموت عند الأطباء، فالعلامات الأساسية عندهم: توقف القلب، وتوقف التنفس، وتوقف الجهاز العصبي، ونشاط الدماغ، وتحدث تغيرات بعد الوفاة، أولا: يحدث ارتخاء، الارتخاء الأولي للعضلات، وكذلك أيضا برودة الجسم، نتيجة لتوقف العمليات الحيوية الكيميائية المولدة للحرارة، وكذلك أيضا يحدث تغير للون الجلد والأنسجة، ثم يعقب ذلك التيبس وهو يعقب ارتخاء العضلات التيبس بجسم الميت. ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التعفن بعد التيبس وهو نهاية التغيرات التي تحدث بالجثة بعد الوفاة، ويؤدي ذلك إلى انتفاخ الجثة وخروج السوائل وتغير الرائحة. يقول الأطباء بأن الارتخاء هو أول ما يكون بعد الوفاة مباشرة ويستمر من نصف ساعة إلى ساعتين، ثم يبدأ الجسم بالتيبس التدريجي ويكتمل التيبس بعد مضي ثماني ساعات.
وأما علامة إحداد البصر فالذي يحصل للميت هو ذهاب لزوجة العين ويبقى الجفن على حاله، فإذا فاضت روحه والجفن مفتوحا بقي كذلك، وإذا فاضت روحه والجفن نازلا بقي على حاله، ولهذا تجد بعض الأموات عيناه شاخصتان مفتوحتان، وبعضهم ليستا كذلك يكون قد أغمض عينيه، وعلى حسب الحال التي يموت عليها. هذه علامات الوفاة وإنما ذكرناها لعلاقتها بهذه النازلة، وهي الموت دماغيا.
الميت دماغيا حاله في الحقيقة ظاهرها يدل على الحياة، فالميت دماغيا قلبه ينبض والدورة الدموية تعمل عنده، وجميع أعضاء البدن ما عدا الدماغ تقوم بوظائفها، كالكبد والكلى، والبنكرياس والجهاز الهضمي والنخاع الشوكي وغير ذلك، كل هذه الأجهزة تعمل لدى الميت دماغيا، وتقوم بوظائفها، إنما فقط الذي تعطل عنده هو الدماغ، ولذلك فإن الميت دماغيا يتبول ويتغوط، ويتعرق يخرج منه العرق، وحرارة جسمه ربما تكون مستقرة كحرارة الحي، أي سبع وثلاثين درجة تقريبا، وربما تضطرب إما بارتفاع أو انخفاض، وهذا يدل على الحياة في بدنه، وقد يصاب بالرعشة، وقد يصاب بخفقان القلب وبارتفاع الضغط وبانخفاضه، بل قد يتحرك حركة يسيرة كحركة أطراف اليدين أو القدمين.
وقد ذكر أخونا الشيخ يوسف في كتابه في رسالة الدكتوراه التي أشرت إليها أنه وقف على حالات ورأى فيها، حالات المتوفين دماغيا، كيف أن حرارة الجسم عندهم مستقرة على سبع وثلاثين، معلوم أن الميت يبرد جسمه، ورأى بعض المتوفين دماغيا وهو يتعرق ويتحرك؛ ولهذا فإنه عند عملية استئصال أعضائه لنقلها إلى إنسان آخر يخدر يأتي طبيب التخدير ويحقنه بدواء، ويبقى طبيب التخدير في مكان لمراقبة المريض في نبضه، وضغطه وغير ذلك، فإذا انخفض الضغط عنده حقنه بدواء يرفع الضغط، فيستجيب بدن الميت دماغيا لذلك. ومع هذا الوصف الذي سمعتم، ظاهر هذا أنه لا زال حيا، إنما فقط تعطل الدماغ عنده.
وحتى لو سلمنا جدلا بأن هذه الأوصاف المذكورة أنها لا تدل على الحياة، فأقل ما يمكن أن توصف به أنها محل شك وتردد، ومحل خلاف، فمن الناس من يراه من أهل الحياة، ومن الناس من يراه من الأموات، وإذا كان كذلك فلا يُحكم بموته، وقد نقلنا كلام الفقهاء بأنه لا يحكم بوفاة الإنسان حتى يتيقن موته، والأصل هو بقاء الحياة، ولا ننتقل عن هذا الأصل إلا بيقين.
يتبع
.