خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    تـفـريـغ خطبة الجمعة ((مـنـزلــة الـعـلــم)) للشيخ [خالد بن عبد الرحمن المصري]

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية تـفـريـغ خطبة الجمعة ((مـنـزلــة الـعـلــم)) للشيخ [خالد بن عبد الرحمن المصري]

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 15.05.08 18:32

    إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهدِه الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
    ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون))
    ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ))
    ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
    وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))
    أما بعد ، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
    عباد الله ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى ، فإن تقوى الله هي زاد المسلم في هذه الدنيا ، والله عز وجل قد قال في كتابه : ((وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى))
    والله عز وجل لم يجعل تقيًا جاهلًا ، إنما تأتي التقوى من العبد كلما ازداد علمًا بالله تبارك وتعالى ، فكلما ازداد العبد علمًا ، علمًا نافعًا ، فيه الإخلاص ، كلما زادت تقواه ، وكلما زاد قربه من الله عز وجل
    لذا ، فإن الله لم يتخذ جاهلًا وليًا ، هكذا قال بعض أئمتنا - رحمة الله عليهم جميعًا -.
    لذلك يا عباد الله فإن الله عز وجل أمر عباده بالعلم النافع ، فقال تبارك وتعالى : ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)) ، فابتدأ الله عز وجل بالعلم ، ثم قال : ((وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِك)) .
    قال البخاري في صحيحه : باب العلم قبل العمل .
    ثم قال البخاري : قال الله تبارك وتعالى : ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِك))
    بوّب عليه إمام أهل السنة في زمانه الإمام البخاري ، فقال : بابٌ العلم قبل العمل.
    ولذلك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الناس في العلم الشرعي على ثلاث مراتب ، فقال صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه البخاري ومسلم ، واللفظ أقرب لمسلم ، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    (إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل غيثٍ أصاب أرضًا ، فكان منها أرضًا طيّبة قَبِلت الماء ، وأنبتت العشب ، فشرب الناس ، وسقوا ، ورعوا ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، ولم تنبت ، فشرب الناس منها ، وكان منها قيعان ، لم تمسك ماءًا ، ولم تنبت كلئًا ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، فعلِم ، وعلّم ، ومثل من لم يرفع به رأسًا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
    وهذا الحديث الذي أخرجه الإمامان البخاري ومسلم - رحمة الله عليهما – من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - جعل النبي صلى الله عليه وسلم ما بعثه الله عز وجل به من الهدى والعلم كمثل المطر ، إن هذا المطر إذا امتنع من الأرض ، هلكت الزروع ، وهلكت الثمار ، وإذا هلكت الزروع والثمار ، هلك معها بنو آدم ، وهلك الحيوان.
    لذلك فإن الأمة إذا لم تجد العلم فيهم ، فإن هلكتهم سريعة ، كهلكة الأرض إذا مُنع عنها المطر.
    انظر إلي تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، شبّه العلم ، شبّه القرآن والسنة بالمطر الذي ينزل على الأرض.
    إن هذا المطر مخلوقٌ ، سخّره الله عز وجل ، يسوقه الله حيث شاء ، فربما وقع هذا المطر علي أرض طيبة ، أرض لا مرض فيها ، أرضٌ تقبل هذا المطر وتتفاعل معه بإذن الله عز وجل ، فإذا ما نزل المطر علي أرض طيبة ، وعلى تربة صالحة ، استفادت التربة من هذا المطر ، فماذا فعلت ؟ أخذت هذا المطر ، ونبت العشب ، ونبت الكلأ ، وحُفظ الماء ، فشرب الناس ، وانتفعوا بهذا الزرع ، ونفع الله به ، وسقوا بهائمهم ، وشربوا ، وعمّ النفع ، لمّا وقع هذا المطر علي أرض طيبة.
    هذه الأرض الطيبة ، هو القلب الذي أسقط وأنزل الله عز وجل عليه العلم ، فإذا كان القلب صالحًا ، تقيًا ، ورعًا ، يخشى الله ، واليوم الآخر ، هيّأ الله عز وجل هذا القلب لأن يقبل العلم النافع.
    لذلك خير الناس هم أهل العلم ، هم ورثة الأنبياء ، هم الذين جعل الله عز وجل فيهم وراثة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -.
    لذلك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله) قال بعض أهل الحديث وبعض العلماء : إذا رأيت الرجل يحمل علم الشريعة ، فاعلم أنه من العدول ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله).
    لذلك يا عباد الله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رغّب الأمة في هذا العلم النافع ، ووصّى عليه الصلاة والسلام .. وصّى عليه الصلاة والسلام بالشباب وبالمسلمين ، على وجه العموم والخصوص ، فيحدثنا أبو موسى الأشعري أيضًا - رضوان الله عليه - قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (سيأتيكم أقوام يطلبون العلم ، فعلموهم ، وأكرموهم).
    وكان أبو موسى - رضي الله عنه - إذا جاءه الشباب يطلبون منه الحديث ، كان يقول لهم : (مرحبًا ، مرحبًا بوصية رسول الله ، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعلمكم ، وأن نوسع لكم في المجالس ، وأن نكرمكم).
    هكذا يا عباد الله ، هذا العلم يرفع الله به أقوامًا ، فقال الله عز وجل : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ)) وهذا رفع لكل المسلمين ، فكل من وحّد الله عز وجل ، وصدّق الأنبياء ، وعلم أنه لا إله إلا الله ، فله من الرفعة بقدر ما في قلبه من الإسلام ، فالله عز وجل [ذكر] الرفعة لعموم المسلمين ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ )) حتى العاصي ، حتى الذي يشرب الخمر ، والذي يزنى ، وهو مؤمن وموحد بالله ، لا نكّفره ، ولكننا نخشى عليه النار ، ونرجو الله له الهداية ، ولا نُنزل مسلمًا جنةً ولا نارًا ، ولا نكّفر مسلمًا بكبيرة ما لم يستحلها
    المقصود : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ )) فكل مؤمن ، وكل مسلم ، شهد بالوحدانية ، له من الرفعة بقدر ما في قلبه من الإسلام.

    لكنّ الله عز وجل جعل الرفعة على دربين :
    رفعة عامة ، وهى لكل المسلمين ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ))
    ورفعة خاصة ، فقال : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات)) ، فالله عز وجل خص من يحمل العلم برفعة لم يجعلها لغيره ، بل جعل الله تبارك وتعالى لأهل العلم رفعة خاصة ، أن الله يرفعهم درجات بالعلم الذي تعلموه ، رُبّ رجل يقوم الليل ، ويصوم النهار ، ويَجِد ويجتهد في العبادة ، لكنه ليس بعالم ، فإذا مات انقطع عمله ، وانقطعت عبادته ، لكن أهل العلم ، ورثة الأنبياء ، العلماء ، إذا مات الرجل فيهم ، أو إذا مات الرجل منهم ، يبقى علمه ، ويصل أجر العلم إليه في قبره ميتًا ، ولو مكث آلاف السنين ، فشتان بين عابد مات ووضع في قبره وانقضى عمله ، وبين عالم سخره الله كرمًا منه وفضلًا ، ينشر العلم ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويقول كلمة الحق ، ويسطر علمه في كتبه ، وينشر علمه في الدنيا ، فإذا مات هذا يجعل الله عز وجل عمله باقيا ، كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقةٍ جارية ، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له).
    انظر يا عبد الله ، وانظر وتأمّل ، لو عُرض لك وخيرت بين أن تُغدق عليك الأموال في وقت معين ثم تنقطع ، أم أن تُغدق عليك الأموال طيلة الدهر وأبد الآباد ، ماذا كنت تختار ؟
    ليكن حرصك على العلم كحرصك على دنياك ، بل وأشد.
    لذلك يا عباد الله ، مات العلماء الكبار أمثال : الإمام الشافعي ، والإمام أحمد ، والبخاري ، والإمام أبو حنيفة ، وقبلهم .. أو وبعد أبى حنيفة الإمام مالك ، مات هؤلاء العلماء ، ولكنّ ذكرهم على كل لسان ، وشرفهم على كل لسان يذكرهم إلي ما يشاء الله عز وجل.

    فيا عباد الله ، هكذا خص الله عز وجل أقوامًا بشيء من الخير لم يخصه جل وعلا لغيرهم ، فقال الله تبارك وتعالى : ((وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات)).
    وقال الله عز وجل - واصفًا أهل العلم الذين عندهم العلم النافع - فقال الله تبارك وتعالى : ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْل)) أمّن هو قانت خاشع متعبد مخلص لله ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْل)) آخر الليل ، أطراف الليل ، هذا عالم بربه يعلم أن ربه ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ، كما جاء في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال : (ينزل ربنا إلي السماء الدنيا) وأنت إذا جاءك مثل هذا الحديث فقل : سمعنا وأطعنا ولا يعلم كيف الله إلا الله.
    لذلك لما جاء بعض الأمراء وسأل بعض أئمة السلف الصالح - وهو الإمام عبد الله بن المبارك - فقال له : كيف ينزل ربنا ؟ فقال له عبد الله : رحم الله الأمير ، لا يقال لأمر الله كيف ، ينزل بلا كيف.
    وأهل السنة يقولون : إن الله خلق لك روحًا بين جنبيك ، وأنت عاجز عن كيفيتها ، فمن عجز عن كيفية روحه التي بين جنبيه ، فهو عن كيفية ربه أشد عجزًا.
    الله جل وعلا ينزل إلي السماء الدنيا ، وإياك أن تتوهم أن معنى نزول الله أن يصير الله محصورًا بين العرش والسماء الأولى ، هذا جهل ، الله فوق العرش ، في الثلث الأخير ، وقبله ، وبعده ، لكنه ينزل ويزداد قربًا يليق بجلاله إلي سماء الدنيا هذه.

    الذي نراه (ينزل ربنا إلي السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ، فيقول : هل من داعٍ فأستجيب له ، هل من مستغفرٍ فأغفر له ، فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
    فيصف الله عز وجل أهل العلم فيقول : ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْل)) أطراف الليل ، ساعات الليل ((سَاجِدًا وَقَائِمًا)) ساجدًا لله عز وجل ، وقائمًا مصليًا له تبارك وتعالى ، ماذا يريد هذا العالم ؟ انظر يا عبد الله ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَة)) يحذر الآخرة ، يحذر من عذاب الله عز وجل ، ويحذر من نقمة الله عز وجل ، قال : ((يَحْذَرُ الآخِرَةَ ، وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه ، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ؟ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)).
    هؤلاء هم العلماء ، العلماء الربانيون ، الذين يجتهدون في الليل عبادة ، وتضرعًا ، ويجتهدون بالنهار دعوة وبلاغًا.
    ((الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ ، وَيَخْشَوْنَهُ ، وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ)) هم أهل العلم ، جزاهم الله عن الإسلام خيرًا ، من أحبهم فحبه علامة على صدقه ، ومن أبغضهم أبغضه الله.

    ولذلك ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يحمل هذا العلم ، فقال صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أهل السنن ، والإمام أحمد - قال عليه الصلاة والسلام : (نضّر الله امرءًا سمع منا حديثًا ، فوعاه ، فأداه كما سمعه).
    انظر يا عبد الله ، إذا أردت أن تدخل في هذا الحديث ، يتحقق لك ذلك بمجرد أن تحفظ ولو حديثًا واحدًا ، انظر ماذا يقول (نضر الله امرءًا).
    قال أهل العلم : النضرة في الوجه : البهاء ، والسرور ، والنور ، يعترى وجه العالم ، لا ترى عالمًا مظلم الوجه قط ، إذا رأيت ذلك فاعلم أنه قصد العلم لغير الله.
    ولذلك ماذا قال (نضر الله امرءًا) الله جل وعلا وصف عباده هناك ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة)) وجوه يومئذ - أي يوم القيامة - ناضرة : وجوه عليها البهاء ، والنور ، والصفاء ، إلي ربها ناظرة : ينظرون إلي الله جل وعلا ، نضرت وجوههم ، فنظرت أعينهم إلي الله.
    ________________________________________________________

    قامت على تفريغها إحدى الأخوات ، فلا تنسوها من الدعاء جزاها الله خيرًا .
    شبكة سحاب

    __________________

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تـفـريـغ خطبة الجمعة ((مـنـزلــة الـعـلــم)) للشيخ [خالد بن عبد الرحمن المصري]

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 15.05.08 18:33


    فقال صلى الله عليه وسلم : (نضر الله امرءًا) جعل وجهه نضرًا ، جعل وجهه منورًا.
    قال العلماء : علامة أهل الحديث أن تجد الرجل منهم ناضر الوجه.
    (نضر الله امرءًا) دعا لك بالخير (سمع منا حديثًا ، فوعاه ، فأداه كما سمعه ، فرُبّ حامل فقهٍ إلي من هو أفقه منه) رُبّ رجلٍ يحمل علمًا يبثه في الناس ، فيجعل الله عز وجل من الناس من هو أعلم منه.
    هؤلاء شيوخ الإمام البخاري ، كعلي بن المديني ، لا يُذكر ، ولا يكاد يُعرف عند عامة الناس ، مع أنه هو الذي علّم الإمام البخاري ، ولكن الله له في خلقه شئون ، لا يُسأل عن تفضيله ، يفضل من يشاء ، هو أعلم بما في القلوب ، فجعل الله هذا الرجل - التلميذ - جعله الله عز وجل إمامًا للأمة ، فلا تكاد تجد مسلمًا إلا وهو يعرف الإمام البخاري عليه رحمة الله.
    إذن يا عباد الله ، هذه الأرض التي قبلت الماء ، وأنبتت العشب الكثير ، وحفظت الماء ، ونفع الله به ، الذين يتعلمون العلم النافع ، علم الشرع ، كتاب الله ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا فضل من الله لا يُعطاه كل أحد ، بل يخص الله بذلك من أحبه الله من خلقه ، مصداق ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إنما أنا قاسم ، والله يعطي ، ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
    أيها المسلمون ، إن العلم واجب على كل مسلم ، ولكنّ وجوب العلم يختلف بحسب احتياج الناس ، فليس المقصود أن يصير كل واحدٍ من المسلمين من العلماء ، هذا محال ، بل أن الصحابة - رضي الله عنهم - كان منهم الأعراب الذين يعلمون من العلم ما يحتاجونه ، لكنّ الواجب عليك يا عبد الله أن تتعلم من العلم ما تحتاجه ، إذا كنت تاجرًا فتتعلم أحكام الشرع في التجارة ، حتى لا تقع في الربا ، ولا تقع في البيوع المحرمة ، وإذا كنت صاحب مال وعندك الغِنى أن تتعلم أحكام الزكاة ، وإذا كنت مستطيعًا للحج لزمك أن تتعلم أحكام الحج ، وإذا دخل رمضان لزمك أن تتعلم أحكام الصوم ، فالعلم ليس على رتبة واحدة ، بل إن الله عز وجل أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يزداد من العلم وهو ما هو في العلم عليه الصلاة والسلام ، هو من أعلم الخلق بالله ، ومع ذلك أمره الله فقال : ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْما)) فأمر الله عز وجل نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يزداد من العلم.

    إذن لا تقل : أنا رجلٌ فلاح لا علاقة لي بالعلم ، لا ، أنت تزرع الأرض فكيف تعلمت الزراعة ؟ لأنك وجدت فيها ما يقيم حياتك ، فالله عز وجل لن يعذر أحدًا جَهِل دينه وهو قادرٌ على أن يتعلمه.
    لذلك انظر ، كما دعا لمن يحمل العلم ، دعا على الجهلة الذين يتركون من العلم ما أوجب الله عليهم أن يتعلموه ، ففي السنن ومسند الإمام أحمد ، من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أن رجلاً احتلم - أصابه احتلام ، جنابة ، خرج منه المني بشهوة وهو نائم - فقد وجب عليك الغسل إذا خرج منك المني بشهوة فقد وجب عليك الغسل باتفاق العلماء ، أن رجلاً احتلم علي عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء إلي جماعة من الصحابة ، فقال : إني قد احتلمت ، وقد اُصيب بشجةٍ في رأسه - فيه جرح في رأسه - والماء إذا وصل إلي الجرح أضر ، فاستفتى هؤلاء الجلوس : هل تجدون لي من رخصة ؟ هل تجدون لي من رخصة أن أترك الغسل ؟ قالوا : لا ، فأمروه أن يغتسل.
    لماذا جاء الرجل ؟ جاء لأنه قد علم أنه لو اغتسل سيهلك ، أو سيضر ، ففكر كيف يطيع الله عز وجل ، لا يترك الاغتسال ويخشى على نفسه ، ماذا فعل ؟ ذهب ليستفتي أهل العلم ، وظنّ أن هؤلاء من أهل العلم ، فأمروه بالاغتسال ، فرجع الرجل وهو يعلم أنه سيُضر ، ولكنّ أمر الله كان أحب إليهم من أنفسهم ، رجع واغتسل كما أمره من ظن أنهم من العلماء ، فماذا حصل ؟ ما أن وصل الماء إلي جرحه حتى مات - عليه رضوان الله - مات وهو حريص علي أمر ربه تبارك وتعالى ، فلما أُعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ماذا قال ؟ (قتلوه ، قتلهم الله ! ألا سألوا إذا جهلوا ؟! فإنما شفاء العي السؤال ، إنما كان يكفيه أن يتيمم) كان يكفيه أن يتيمم لأن الله جل وعلا يقول : ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيما)).

    المقصود ، انظر يا عبد الله ، هناك دعا لمن يبلغ العلم ، وهنا دعا على الجاهل الذي ترك ما أوجب الله عليه أن يتعلمه ، دعا عليه بأن الله يقتله ، إيش معنى يقتله ؟ أن يهلكه ، قال : (قتلوه ، قتلهم الله) دعا عليهم بالهلاك.
    لذلك ، فإن الله عز وجل لن يعذرك بجهلك إذا تركت العلم وأنت تقدر على أن تتعلم الضروري من أمره.
    ولذلك ، فإن من العلم ما هو نافع ، وهو العلم الذي يُقصد به وجه الله ، والعلم الذي يُرجى به اليوم الآخر ، العلم ليس تجارة ، العلم إخلاص ، العلم [حفظ] لهذا الدين ، ولذلك كان السلف يتشددون إذا جاء بعضهم واستفاد شيئًا من المال بسبب العلم ، حتى أن بعضهم سُئل عن بعض الأئمة - ولا أذكر اسمه - فقال ثقة ، تركنا حديثه لأنه كان يكتب الحديث على دراهم يأخذها ، رجل ثقة صالح ، تركنا حديثه لأنه كان يأخذ مالاً على كتابة الحديث ، ولما سئل ذلك الإمام قال : إني رجل معوز ، أنا رجل فقير ، الأئمة كانوا يجعلون علمهم لله تبارك وتعالى ، ولما جاء خليفة المسلمين وأرسل عطية للإمام أحمد ، فأبى الإمام أحمد أن يقبل العطية ، فقيل : تصدق بها يا أبا عبد الله ، فقال الإمام أحمد : أنتم أعلم بصدقاتكم ، إذا أردتم أن تتصدقوا تصدقوا أنتم. قال عبد الله : ولما أتحفنا خليفة المسلمين بمال ، أبَى أبِي أن يأخذه - رفض الإمام أحمد أن يأخذ المال - قال [فجددنا] هذا الذي نسيمه الآن - الفُرن - الذي يُخبز فيه ، جددوا لهم هذا الذي يُسمى في لهجتنا - فرن - للخبيز ، قال عبد الله : وكان أبي يخبز معنا ، قال : فلما بنيناه من مال الخليفة ، أقام أبي جدارًا بيننا وبينه ، ولم يخبز به حتى مات.

    أولئك الذين قصدوا بعلمهم وجه الله ، ولذلك حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ العلم رجل لا يقصد به وجه الله ، فقال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم ، قال : (لا تعلموا العلم ...) أو قال - روايتان - : (من تعلم العلم ليجاري به العلماء ، ويماري به السفهاء ، ولتُصرف وجوه الناس إليه ، من فعل ذلك فالنار) هذا من العلم الذي لا ينفع ، إذا لم يظهر أثر العلم عليك بالتقوى فلا خير في علم لا ينفع صاحبه.
    ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بالله من علم لا ينفع ، وكان يقول : (سلوا الله علمًا نافعًا ، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع) سلوا الله علمًا نافعًا ، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع.

    هؤلاء الذين يقرؤون القرآن في المآتم ، وعلى المقابر ، ويأخذون مالاً ليملئوا بطونهم سُحتًا ، هؤلاء تعلموا القرآن لكنهم ما قصدوا بالقرآن وجه الله ، ما تعلموا القرآن لوجه الله ، إن الرجل الذي يبيع دينه بعرض من الدنيا مسكين وإن غُني ، وإن الرجل الذي يحفظ علمه غني وإن كان فقيرًا.
    لذلك ، فإن العلم يستلزم على صاحبه أن يظهر عليه العمل ، إذا رأيت الرجل يحمل علمًا ولا يظهر عليه العمل في أقواله ، وأفعاله ، وسلوكه ، فاعلم أنه من الذين يتاجرون بالعلم.

    ومن لوازم العلم ، أن الله افترض على أهله أن يقولوا كلمة الحق ، وإن أُضروا ، وأن لا يجاملوا ، ولا يداهنوا أحدًا ، فإذا رأيت الرجل لا يقول كلمة الحق - بحكمة وموعظة حسنة وبلين كما أمر الله ((فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا)) - فإذا رأيت الرجل لا يقول كلمة الحق ، فاعلم أنه لم يُخلص علمه لله.
    ولذلك ، تأتي فتاوى لا علم فيها ، والذي يُفتي على علم ، ويعلم أنه مُخطئ ، ولكنه تدور في نفسه أمور من الرجاء لمخلوق ، أو خوف من المخلوق.
    وقد رأينا العلماء الذين قصدوا وجه الله ، أبقى الله علمهم ، ورأينا غيرهم ممن داهن ، وممن غيّر ، ولفّ ودار ، مات هو والذي يرجوه.

    ومن مسائل زماننا التي ذلّ فيها - أو ذل فيها بعضهم - ما طلع علينا في هذه الأيام أن امرأة داعية ، في بلاد أميركا ، في ولاية تُسمى فيرجينيا ،امرأة داعية ، ولها نشاط ، ولها بعض الكتب ، هذه المرأة ابتدعت بدعة خرقت بها عمل المسلمين منذ زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى زماننا ، هذه المرأة أعلنت أنها ستخطب وتصلي الجمعة بالمسلمين في ولاية فيرجينيا ، وقد حصل ذلك ، وخطبت تلك المسكينة ، وصلّت إمامًا بالمسلمين في تلك الولاية ، وهذا أمر لا نعبأ به ، لولا أننا وجدنا في بلادنا بعض من ينتسبون إلي العلم - وهم من كُبراء القوم في ظاهر الأمر ، وينتسبون إلي العلم ، ويتكلمون بفتوى المسلمين - اُستفتي في ذلك ، فماذا قال ذلك الشيخ عفا الله عنه ؟ قال : لا بأس بذلك ، إذا رأوا ذلك من المصلحة ، وإذا اتفقوا على ذلك في بلادهم ، أما في بلادنا فإن هذا لا ينفع.

    هذا المسكين يقول : إذا رأوا ذلك مما يصلح في بلادهم ... وهل دين الله جل وعلا موكول إلي رؤية الناس ؟! وهل دين الله جل وعلا وأحكام الله تنفع في قطرٍ ولا تنفع في قطر ؟! لو أنهم رأوا أن ميراث الرجل كميراث المرأة ، هل نقول أن هذا مما يخصهم ، وإذا رأوا ذلك فلا حرج ؟! لا ، هؤلاء العلماء كان من الواجب عليهم - إذا كانوا يخشوا ربهم - أن يقولوا كلمة الحق ، لا ذاك المسكين الذي قد [ناسبناه] عندما قال ذات يوم - وأخذ قلنسوة الأزهر ، ووضعها علي رأس قسيس ، وأخذ ما علي رأس القسيس ووضعه علي رأسه - وقال : إن شئت فقل شيخ ، أو شيخان ، وإن شئت فقل قسيس ، أو قسيسين !
    لا أعرف الشعر ، ولا أضبطه ، المهم ، هؤلاء كان من الواجب عليهم إذ أنعم الله عليهم بشيء من العلم ، ألا يفتنوا المسلمين في دينهم ، وألا يجعلوا فتاواهم عرضة لرضاء فلان أو رضاء فلان ، فإن الجميع ميت ، الحاكم والمحكوم ، والرئيس والمرؤوس ، وإنما يبقى لك عند الله كلمة الحق والثبات على الدين.
    لذلك هذه المرأة الداعية هل هي أعلم من أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - ؟ التي كانت تستدرك على كبار علماء الصحابة ، حتى جاء بعض العلماء - واسمه الإمام الزركشي - وألّف كتابًا وسمّاه : الإصابة فيما استدركته عائشة على الصحابة ، كانت تستدرك وتصحح لهم أخطاءهم ، وكانوا يرجعون إليها ، هل أمّت المسلمين في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ وهل سمح لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهى الإمامة العالمة ، التقية الصدّيقة ، أن تُصلى بالمسلمين إمامًا ؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
    إن العلم إنما ينفع صاحبه بإخلاص وثبات وعزيمة ، وفق الله الجميع لما فيه رضاه ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

      الوقت/التاريخ الآن هو 27.11.24 0:57