إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهدِه الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون))
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ))
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))
أما بعد ، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
عباد الله ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى ، فإن تقوى الله هي زاد المسلم في هذه الدنيا ، والله عز وجل قد قال في كتابه : ((وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى))
والله عز وجل لم يجعل تقيًا جاهلًا ، إنما تأتي التقوى من العبد كلما ازداد علمًا بالله تبارك وتعالى ، فكلما ازداد العبد علمًا ، علمًا نافعًا ، فيه الإخلاص ، كلما زادت تقواه ، وكلما زاد قربه من الله عز وجل
لذا ، فإن الله لم يتخذ جاهلًا وليًا ، هكذا قال بعض أئمتنا - رحمة الله عليهم جميعًا -.
لذلك يا عباد الله فإن الله عز وجل أمر عباده بالعلم النافع ، فقال تبارك وتعالى : ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)) ، فابتدأ الله عز وجل بالعلم ، ثم قال : ((وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِك)) .
قال البخاري في صحيحه : باب العلم قبل العمل .
ثم قال البخاري : قال الله تبارك وتعالى : ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِك))
بوّب عليه إمام أهل السنة في زمانه الإمام البخاري ، فقال : بابٌ العلم قبل العمل.
ولذلك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الناس في العلم الشرعي على ثلاث مراتب ، فقال صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه البخاري ومسلم ، واللفظ أقرب لمسلم ، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل غيثٍ أصاب أرضًا ، فكان منها أرضًا طيّبة قَبِلت الماء ، وأنبتت العشب ، فشرب الناس ، وسقوا ، ورعوا ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، ولم تنبت ، فشرب الناس منها ، وكان منها قيعان ، لم تمسك ماءًا ، ولم تنبت كلئًا ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، فعلِم ، وعلّم ، ومثل من لم يرفع به رأسًا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث الذي أخرجه الإمامان البخاري ومسلم - رحمة الله عليهما – من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - جعل النبي صلى الله عليه وسلم ما بعثه الله عز وجل به من الهدى والعلم كمثل المطر ، إن هذا المطر إذا امتنع من الأرض ، هلكت الزروع ، وهلكت الثمار ، وإذا هلكت الزروع والثمار ، هلك معها بنو آدم ، وهلك الحيوان.
لذلك فإن الأمة إذا لم تجد العلم فيهم ، فإن هلكتهم سريعة ، كهلكة الأرض إذا مُنع عنها المطر.
انظر إلي تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، شبّه العلم ، شبّه القرآن والسنة بالمطر الذي ينزل على الأرض.
إن هذا المطر مخلوقٌ ، سخّره الله عز وجل ، يسوقه الله حيث شاء ، فربما وقع هذا المطر علي أرض طيبة ، أرض لا مرض فيها ، أرضٌ تقبل هذا المطر وتتفاعل معه بإذن الله عز وجل ، فإذا ما نزل المطر علي أرض طيبة ، وعلى تربة صالحة ، استفادت التربة من هذا المطر ، فماذا فعلت ؟ أخذت هذا المطر ، ونبت العشب ، ونبت الكلأ ، وحُفظ الماء ، فشرب الناس ، وانتفعوا بهذا الزرع ، ونفع الله به ، وسقوا بهائمهم ، وشربوا ، وعمّ النفع ، لمّا وقع هذا المطر علي أرض طيبة.
هذه الأرض الطيبة ، هو القلب الذي أسقط وأنزل الله عز وجل عليه العلم ، فإذا كان القلب صالحًا ، تقيًا ، ورعًا ، يخشى الله ، واليوم الآخر ، هيّأ الله عز وجل هذا القلب لأن يقبل العلم النافع.
لذلك خير الناس هم أهل العلم ، هم ورثة الأنبياء ، هم الذين جعل الله عز وجل فيهم وراثة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -.
لذلك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله) قال بعض أهل الحديث وبعض العلماء : إذا رأيت الرجل يحمل علم الشريعة ، فاعلم أنه من العدول ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله).
لذلك يا عباد الله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رغّب الأمة في هذا العلم النافع ، ووصّى عليه الصلاة والسلام .. وصّى عليه الصلاة والسلام بالشباب وبالمسلمين ، على وجه العموم والخصوص ، فيحدثنا أبو موسى الأشعري أيضًا - رضوان الله عليه - قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (سيأتيكم أقوام يطلبون العلم ، فعلموهم ، وأكرموهم).
وكان أبو موسى - رضي الله عنه - إذا جاءه الشباب يطلبون منه الحديث ، كان يقول لهم : (مرحبًا ، مرحبًا بوصية رسول الله ، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعلمكم ، وأن نوسع لكم في المجالس ، وأن نكرمكم).
هكذا يا عباد الله ، هذا العلم يرفع الله به أقوامًا ، فقال الله عز وجل : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ)) وهذا رفع لكل المسلمين ، فكل من وحّد الله عز وجل ، وصدّق الأنبياء ، وعلم أنه لا إله إلا الله ، فله من الرفعة بقدر ما في قلبه من الإسلام ، فالله عز وجل [ذكر] الرفعة لعموم المسلمين ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ )) حتى العاصي ، حتى الذي يشرب الخمر ، والذي يزنى ، وهو مؤمن وموحد بالله ، لا نكّفره ، ولكننا نخشى عليه النار ، ونرجو الله له الهداية ، ولا نُنزل مسلمًا جنةً ولا نارًا ، ولا نكّفر مسلمًا بكبيرة ما لم يستحلها
المقصود : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ )) فكل مؤمن ، وكل مسلم ، شهد بالوحدانية ، له من الرفعة بقدر ما في قلبه من الإسلام.
لكنّ الله عز وجل جعل الرفعة على دربين :
رفعة عامة ، وهى لكل المسلمين ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ))
ورفعة خاصة ، فقال : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات)) ، فالله عز وجل خص من يحمل العلم برفعة لم يجعلها لغيره ، بل جعل الله تبارك وتعالى لأهل العلم رفعة خاصة ، أن الله يرفعهم درجات بالعلم الذي تعلموه ، رُبّ رجل يقوم الليل ، ويصوم النهار ، ويَجِد ويجتهد في العبادة ، لكنه ليس بعالم ، فإذا مات انقطع عمله ، وانقطعت عبادته ، لكن أهل العلم ، ورثة الأنبياء ، العلماء ، إذا مات الرجل فيهم ، أو إذا مات الرجل منهم ، يبقى علمه ، ويصل أجر العلم إليه في قبره ميتًا ، ولو مكث آلاف السنين ، فشتان بين عابد مات ووضع في قبره وانقضى عمله ، وبين عالم سخره الله كرمًا منه وفضلًا ، ينشر العلم ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويقول كلمة الحق ، ويسطر علمه في كتبه ، وينشر علمه في الدنيا ، فإذا مات هذا يجعل الله عز وجل عمله باقيا ، كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقةٍ جارية ، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له).
انظر يا عبد الله ، وانظر وتأمّل ، لو عُرض لك وخيرت بين أن تُغدق عليك الأموال في وقت معين ثم تنقطع ، أم أن تُغدق عليك الأموال طيلة الدهر وأبد الآباد ، ماذا كنت تختار ؟
ليكن حرصك على العلم كحرصك على دنياك ، بل وأشد.
لذلك يا عباد الله ، مات العلماء الكبار أمثال : الإمام الشافعي ، والإمام أحمد ، والبخاري ، والإمام أبو حنيفة ، وقبلهم .. أو وبعد أبى حنيفة الإمام مالك ، مات هؤلاء العلماء ، ولكنّ ذكرهم على كل لسان ، وشرفهم على كل لسان يذكرهم إلي ما يشاء الله عز وجل.
فيا عباد الله ، هكذا خص الله عز وجل أقوامًا بشيء من الخير لم يخصه جل وعلا لغيرهم ، فقال الله تبارك وتعالى : ((وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات)).
وقال الله عز وجل - واصفًا أهل العلم الذين عندهم العلم النافع - فقال الله تبارك وتعالى : ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْل)) أمّن هو قانت خاشع متعبد مخلص لله ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْل)) آخر الليل ، أطراف الليل ، هذا عالم بربه يعلم أن ربه ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ، كما جاء في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال : (ينزل ربنا إلي السماء الدنيا) وأنت إذا جاءك مثل هذا الحديث فقل : سمعنا وأطعنا ولا يعلم كيف الله إلا الله.
لذلك لما جاء بعض الأمراء وسأل بعض أئمة السلف الصالح - وهو الإمام عبد الله بن المبارك - فقال له : كيف ينزل ربنا ؟ فقال له عبد الله : رحم الله الأمير ، لا يقال لأمر الله كيف ، ينزل بلا كيف.
وأهل السنة يقولون : إن الله خلق لك روحًا بين جنبيك ، وأنت عاجز عن كيفيتها ، فمن عجز عن كيفية روحه التي بين جنبيه ، فهو عن كيفية ربه أشد عجزًا.
الله جل وعلا ينزل إلي السماء الدنيا ، وإياك أن تتوهم أن معنى نزول الله أن يصير الله محصورًا بين العرش والسماء الأولى ، هذا جهل ، الله فوق العرش ، في الثلث الأخير ، وقبله ، وبعده ، لكنه ينزل ويزداد قربًا يليق بجلاله إلي سماء الدنيا هذه.
الذي نراه (ينزل ربنا إلي السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ، فيقول : هل من داعٍ فأستجيب له ، هل من مستغفرٍ فأغفر له ، فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
فيصف الله عز وجل أهل العلم فيقول : ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْل)) أطراف الليل ، ساعات الليل ((سَاجِدًا وَقَائِمًا)) ساجدًا لله عز وجل ، وقائمًا مصليًا له تبارك وتعالى ، ماذا يريد هذا العالم ؟ انظر يا عبد الله ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَة)) يحذر الآخرة ، يحذر من عذاب الله عز وجل ، ويحذر من نقمة الله عز وجل ، قال : ((يَحْذَرُ الآخِرَةَ ، وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه ، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ؟ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)).
هؤلاء هم العلماء ، العلماء الربانيون ، الذين يجتهدون في الليل عبادة ، وتضرعًا ، ويجتهدون بالنهار دعوة وبلاغًا.
((الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ ، وَيَخْشَوْنَهُ ، وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ)) هم أهل العلم ، جزاهم الله عن الإسلام خيرًا ، من أحبهم فحبه علامة على صدقه ، ومن أبغضهم أبغضه الله.
ولذلك ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يحمل هذا العلم ، فقال صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أهل السنن ، والإمام أحمد - قال عليه الصلاة والسلام : (نضّر الله امرءًا سمع منا حديثًا ، فوعاه ، فأداه كما سمعه).
انظر يا عبد الله ، إذا أردت أن تدخل في هذا الحديث ، يتحقق لك ذلك بمجرد أن تحفظ ولو حديثًا واحدًا ، انظر ماذا يقول (نضر الله امرءًا).
قال أهل العلم : النضرة في الوجه : البهاء ، والسرور ، والنور ، يعترى وجه العالم ، لا ترى عالمًا مظلم الوجه قط ، إذا رأيت ذلك فاعلم أنه قصد العلم لغير الله.
ولذلك ماذا قال (نضر الله امرءًا) الله جل وعلا وصف عباده هناك ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة)) وجوه يومئذ - أي يوم القيامة - ناضرة : وجوه عليها البهاء ، والنور ، والصفاء ، إلي ربها ناظرة : ينظرون إلي الله جل وعلا ، نضرت وجوههم ، فنظرت أعينهم إلي الله.
________________________________________________________
قامت على تفريغها إحدى الأخوات ، فلا تنسوها من الدعاء جزاها الله خيرًا .
شبكة سحاب
__________________
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون))
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ))
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا))
أما بعد ، فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
عباد الله ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تبارك وتعالى ، فإن تقوى الله هي زاد المسلم في هذه الدنيا ، والله عز وجل قد قال في كتابه : ((وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى))
والله عز وجل لم يجعل تقيًا جاهلًا ، إنما تأتي التقوى من العبد كلما ازداد علمًا بالله تبارك وتعالى ، فكلما ازداد العبد علمًا ، علمًا نافعًا ، فيه الإخلاص ، كلما زادت تقواه ، وكلما زاد قربه من الله عز وجل
لذا ، فإن الله لم يتخذ جاهلًا وليًا ، هكذا قال بعض أئمتنا - رحمة الله عليهم جميعًا -.
لذلك يا عباد الله فإن الله عز وجل أمر عباده بالعلم النافع ، فقال تبارك وتعالى : ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ)) ، فابتدأ الله عز وجل بالعلم ، ثم قال : ((وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِك)) .
قال البخاري في صحيحه : باب العلم قبل العمل .
ثم قال البخاري : قال الله تبارك وتعالى : ((فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِك))
بوّب عليه إمام أهل السنة في زمانه الإمام البخاري ، فقال : بابٌ العلم قبل العمل.
ولذلك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الناس في العلم الشرعي على ثلاث مراتب ، فقال صلى الله عليه وسلم ، فيما رواه البخاري ومسلم ، واللفظ أقرب لمسلم ، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم ، كمثل غيثٍ أصاب أرضًا ، فكان منها أرضًا طيّبة قَبِلت الماء ، وأنبتت العشب ، فشرب الناس ، وسقوا ، ورعوا ، وكان منها أجادب أمسكت الماء ، ولم تنبت ، فشرب الناس منها ، وكان منها قيعان ، لم تمسك ماءًا ، ولم تنبت كلئًا ، فذلك مثل من فقه في دين الله ، فعلِم ، وعلّم ، ومثل من لم يرفع به رأسًا ، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث الذي أخرجه الإمامان البخاري ومسلم - رحمة الله عليهما – من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - جعل النبي صلى الله عليه وسلم ما بعثه الله عز وجل به من الهدى والعلم كمثل المطر ، إن هذا المطر إذا امتنع من الأرض ، هلكت الزروع ، وهلكت الثمار ، وإذا هلكت الزروع والثمار ، هلك معها بنو آدم ، وهلك الحيوان.
لذلك فإن الأمة إذا لم تجد العلم فيهم ، فإن هلكتهم سريعة ، كهلكة الأرض إذا مُنع عنها المطر.
انظر إلي تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، شبّه العلم ، شبّه القرآن والسنة بالمطر الذي ينزل على الأرض.
إن هذا المطر مخلوقٌ ، سخّره الله عز وجل ، يسوقه الله حيث شاء ، فربما وقع هذا المطر علي أرض طيبة ، أرض لا مرض فيها ، أرضٌ تقبل هذا المطر وتتفاعل معه بإذن الله عز وجل ، فإذا ما نزل المطر علي أرض طيبة ، وعلى تربة صالحة ، استفادت التربة من هذا المطر ، فماذا فعلت ؟ أخذت هذا المطر ، ونبت العشب ، ونبت الكلأ ، وحُفظ الماء ، فشرب الناس ، وانتفعوا بهذا الزرع ، ونفع الله به ، وسقوا بهائمهم ، وشربوا ، وعمّ النفع ، لمّا وقع هذا المطر علي أرض طيبة.
هذه الأرض الطيبة ، هو القلب الذي أسقط وأنزل الله عز وجل عليه العلم ، فإذا كان القلب صالحًا ، تقيًا ، ورعًا ، يخشى الله ، واليوم الآخر ، هيّأ الله عز وجل هذا القلب لأن يقبل العلم النافع.
لذلك خير الناس هم أهل العلم ، هم ورثة الأنبياء ، هم الذين جعل الله عز وجل فيهم وراثة الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -.
لذلك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله) قال بعض أهل الحديث وبعض العلماء : إذا رأيت الرجل يحمل علم الشريعة ، فاعلم أنه من العدول ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله).
لذلك يا عباد الله ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رغّب الأمة في هذا العلم النافع ، ووصّى عليه الصلاة والسلام .. وصّى عليه الصلاة والسلام بالشباب وبالمسلمين ، على وجه العموم والخصوص ، فيحدثنا أبو موسى الأشعري أيضًا - رضوان الله عليه - قال : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (سيأتيكم أقوام يطلبون العلم ، فعلموهم ، وأكرموهم).
وكان أبو موسى - رضي الله عنه - إذا جاءه الشباب يطلبون منه الحديث ، كان يقول لهم : (مرحبًا ، مرحبًا بوصية رسول الله ، أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعلمكم ، وأن نوسع لكم في المجالس ، وأن نكرمكم).
هكذا يا عباد الله ، هذا العلم يرفع الله به أقوامًا ، فقال الله عز وجل : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ)) وهذا رفع لكل المسلمين ، فكل من وحّد الله عز وجل ، وصدّق الأنبياء ، وعلم أنه لا إله إلا الله ، فله من الرفعة بقدر ما في قلبه من الإسلام ، فالله عز وجل [ذكر] الرفعة لعموم المسلمين ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ )) حتى العاصي ، حتى الذي يشرب الخمر ، والذي يزنى ، وهو مؤمن وموحد بالله ، لا نكّفره ، ولكننا نخشى عليه النار ، ونرجو الله له الهداية ، ولا نُنزل مسلمًا جنةً ولا نارًا ، ولا نكّفر مسلمًا بكبيرة ما لم يستحلها
المقصود : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ )) فكل مؤمن ، وكل مسلم ، شهد بالوحدانية ، له من الرفعة بقدر ما في قلبه من الإسلام.
لكنّ الله عز وجل جعل الرفعة على دربين :
رفعة عامة ، وهى لكل المسلمين ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ))
ورفعة خاصة ، فقال : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات)) ، فالله عز وجل خص من يحمل العلم برفعة لم يجعلها لغيره ، بل جعل الله تبارك وتعالى لأهل العلم رفعة خاصة ، أن الله يرفعهم درجات بالعلم الذي تعلموه ، رُبّ رجل يقوم الليل ، ويصوم النهار ، ويَجِد ويجتهد في العبادة ، لكنه ليس بعالم ، فإذا مات انقطع عمله ، وانقطعت عبادته ، لكن أهل العلم ، ورثة الأنبياء ، العلماء ، إذا مات الرجل فيهم ، أو إذا مات الرجل منهم ، يبقى علمه ، ويصل أجر العلم إليه في قبره ميتًا ، ولو مكث آلاف السنين ، فشتان بين عابد مات ووضع في قبره وانقضى عمله ، وبين عالم سخره الله كرمًا منه وفضلًا ، ينشر العلم ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويقول كلمة الحق ، ويسطر علمه في كتبه ، وينشر علمه في الدنيا ، فإذا مات هذا يجعل الله عز وجل عمله باقيا ، كما في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقةٍ جارية ، أو علم يُنتفع به ، أو ولد صالح يدعو له).
انظر يا عبد الله ، وانظر وتأمّل ، لو عُرض لك وخيرت بين أن تُغدق عليك الأموال في وقت معين ثم تنقطع ، أم أن تُغدق عليك الأموال طيلة الدهر وأبد الآباد ، ماذا كنت تختار ؟
ليكن حرصك على العلم كحرصك على دنياك ، بل وأشد.
لذلك يا عباد الله ، مات العلماء الكبار أمثال : الإمام الشافعي ، والإمام أحمد ، والبخاري ، والإمام أبو حنيفة ، وقبلهم .. أو وبعد أبى حنيفة الإمام مالك ، مات هؤلاء العلماء ، ولكنّ ذكرهم على كل لسان ، وشرفهم على كل لسان يذكرهم إلي ما يشاء الله عز وجل.
فيا عباد الله ، هكذا خص الله عز وجل أقوامًا بشيء من الخير لم يخصه جل وعلا لغيرهم ، فقال الله تبارك وتعالى : ((وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات)).
وقال الله عز وجل - واصفًا أهل العلم الذين عندهم العلم النافع - فقال الله تبارك وتعالى : ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْل)) أمّن هو قانت خاشع متعبد مخلص لله ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْل)) آخر الليل ، أطراف الليل ، هذا عالم بربه يعلم أن ربه ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ، كما جاء في الصحيحين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال : (ينزل ربنا إلي السماء الدنيا) وأنت إذا جاءك مثل هذا الحديث فقل : سمعنا وأطعنا ولا يعلم كيف الله إلا الله.
لذلك لما جاء بعض الأمراء وسأل بعض أئمة السلف الصالح - وهو الإمام عبد الله بن المبارك - فقال له : كيف ينزل ربنا ؟ فقال له عبد الله : رحم الله الأمير ، لا يقال لأمر الله كيف ، ينزل بلا كيف.
وأهل السنة يقولون : إن الله خلق لك روحًا بين جنبيك ، وأنت عاجز عن كيفيتها ، فمن عجز عن كيفية روحه التي بين جنبيه ، فهو عن كيفية ربه أشد عجزًا.
الله جل وعلا ينزل إلي السماء الدنيا ، وإياك أن تتوهم أن معنى نزول الله أن يصير الله محصورًا بين العرش والسماء الأولى ، هذا جهل ، الله فوق العرش ، في الثلث الأخير ، وقبله ، وبعده ، لكنه ينزل ويزداد قربًا يليق بجلاله إلي سماء الدنيا هذه.
الذي نراه (ينزل ربنا إلي السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ، فيقول : هل من داعٍ فأستجيب له ، هل من مستغفرٍ فأغفر له ، فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.
فيصف الله عز وجل أهل العلم فيقول : ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْل)) أطراف الليل ، ساعات الليل ((سَاجِدًا وَقَائِمًا)) ساجدًا لله عز وجل ، وقائمًا مصليًا له تبارك وتعالى ، ماذا يريد هذا العالم ؟ انظر يا عبد الله ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَة)) يحذر الآخرة ، يحذر من عذاب الله عز وجل ، ويحذر من نقمة الله عز وجل ، قال : ((يَحْذَرُ الآخِرَةَ ، وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّه ، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ؟ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)).
هؤلاء هم العلماء ، العلماء الربانيون ، الذين يجتهدون في الليل عبادة ، وتضرعًا ، ويجتهدون بالنهار دعوة وبلاغًا.
((الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ ، وَيَخْشَوْنَهُ ، وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ)) هم أهل العلم ، جزاهم الله عن الإسلام خيرًا ، من أحبهم فحبه علامة على صدقه ، ومن أبغضهم أبغضه الله.
ولذلك ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يحمل هذا العلم ، فقال صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أهل السنن ، والإمام أحمد - قال عليه الصلاة والسلام : (نضّر الله امرءًا سمع منا حديثًا ، فوعاه ، فأداه كما سمعه).
انظر يا عبد الله ، إذا أردت أن تدخل في هذا الحديث ، يتحقق لك ذلك بمجرد أن تحفظ ولو حديثًا واحدًا ، انظر ماذا يقول (نضر الله امرءًا).
قال أهل العلم : النضرة في الوجه : البهاء ، والسرور ، والنور ، يعترى وجه العالم ، لا ترى عالمًا مظلم الوجه قط ، إذا رأيت ذلك فاعلم أنه قصد العلم لغير الله.
ولذلك ماذا قال (نضر الله امرءًا) الله جل وعلا وصف عباده هناك ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَة)) وجوه يومئذ - أي يوم القيامة - ناضرة : وجوه عليها البهاء ، والنور ، والصفاء ، إلي ربها ناظرة : ينظرون إلي الله جل وعلا ، نضرت وجوههم ، فنظرت أعينهم إلي الله.
________________________________________________________
قامت على تفريغها إحدى الأخوات ، فلا تنسوها من الدعاء جزاها الله خيرًا .
شبكة سحاب
__________________