عوامل تقوية الإيمان
د. نوال العيد
د. نوال العيد
من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وتوافرت الأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال السلف الصالح على هذا المعنى قال تعالى: (لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ)(وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) وقوله:(أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) وقوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً).
وقال عمير بن حبيب الخطمي وهو من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم -، الإيمان يزيد وينقص. قيل له: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحانه فتلك زيادته، وإذا غفلنا ونسينا فذلك نقصانه.
وقال أبو الدرداء: إن من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه، وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد الإيمان أم ينقص، وإن من فقه الرجل أن يعلم نزعات الشيطان أنى تأتيه.
وكان عمر بن الخطاب يقول لأصحابه: هلموا نزداد إيماناً فيذكرون الله عز وجل.
وقال خيثمة بن عبد الرحمن : الإيمان يسمن في الخصب، ويهزل في الجدب، فخصبه العمل الصالح، وجدبه الذنوب والمعاصي.
وقيل لبعض السلف: يزداد الإيمان وينقص. وقال: نعم. يزداد حتى يصير أمثال الجبال، وينقص حتى يصير أمثال الهباء، ذكر كل ما تقدم شيخ الإسلام في مجموع الفتوى (7/224).
وسأقدم في ذكر عوامل تقويته آيةً في كتاب الله حوت صفات كاملي الإيمان قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا..) ]سورة الأنفال: 4،3،2[وتأمل ـ رحمك الله ـ استهلال الآية بأداة الحصر "إنما" وقد أفاد ابن القيم في إعلام الموقعين (2/155) وختمها حصر الكمال بـ "أولئك هم المؤمنون حقاً" يقول أبو السعود في تفسيره (4/4) "(أولئك) إشارة إلى من ذكرت صفاتهم الحميدة من حيث إنهم متصفون بها، وفيه دلالة على أنهم متميزون بذلك عمن عداهم أكمل تميز، منتظمون بسببه في سلك الأمور المشاهدة، وما فيه من معنى البعد للإيذان بعلو رتبتهم وبعد منزلتهم في الشرف. (هم المؤمنون حقاً) لأنهم حققوا إيمانهم بأن ضموا إليه ما فضل من أفاضل الأعمال القلبية والقالبية. وحقاً صفة لمصدر محذوف أي أولئك هم المؤمنون إيماناً حقاً، لأنهم جمعوا بين الإسلام والإيمان بين الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة بين العلم والعمل بين أداء حقوق الله وحقوق عباده، وقدم تعالى أعمال القلوب لأنها أصل أعمال الجوارح، وأفضل منها".
· وإليك عوامل تقويته:
"الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" جاء في قراءة ابن مسعود "فرقت قلوبهم" فإذا ذكر الله وجلت فحصل لها اضطراب لما تخافه من دونه، وتخشى من فوات نصيبها منه، فالرجل إذا ذُكر حاصل بسبب من الإنسان، وإلا فنفس ذكر الله يوجب الطمأنينة، لأنه هو المعبود لذاته، والخير كله منه قال تعالى: (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {15/49} وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ)" وقال: (اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وقال علي ـ رضي الله عنه ـ "لا يرجون عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، فالخوف الذي يحصل عند ذكره هو بسبب من العبد وإلا فذكر الرب نفسه يحصل الطمأنينة والأمن، فما أصابك من حسنة فمن الله، وما أصابك من سيئة فمن نفسك، كما قال ذلك المريض الذي سئل كيف تجدك؟ فقال: أرجو الله، وأخاف ذنوبي، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم -: "ما اجتمعا في قلب عبد مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف" ولم يقل بذكر الله توجل القلوب كما قال "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" فذكره بالذات يوجب الطمأنينة، والوجل عارض بسبب ما في نفس الإنسان من التقصير في حقه والتعدي لحده، فهو كالزبد مع ما ينفع الناس، الزبد يذهب جفا، وما ينفع الناس يمكث في الأرض، فالخوف مطلوب لغيره ليدعو النفس إلى فعل الواجب وترك المحرم، وأما الطمأنينة بذكره وفرح القلب به ومحبته فمطلوب لذاته، ولهذا يبقى معهم هذا في الجنة فيلهمون التسبيح كما يلهمون النفس.
قال شيخ الإسلام في النبوات (1/84). ولذا جاء في تفسير هذه الآية أنه الرجل يريد أن يظلم ويهم بمعصية، فينزع عنها. وهذا كقوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) وقوله: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) انظر: الدار المنثور (4/12).
حتى إذا أطاع العبد ربه رجاه أن يتقبل عمله، وخاف منه في قصور عمله وعدم الإتيان به على وجهه وعلى ما أرداه منه ربه، وقد أخرج الترمذي في سننه (5/327)، وابن ماجه في السنن (2/1404) عن عائشة زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت: سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن هذه الآية (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) قالت عائشة: "هم الذين يشربون الخمر ويسرقون، قال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/304) .
والخوف من الله يورث العبد الهداية والعلم والرضا، قال تعالى: (هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) وقال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) وقال: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ).
ولا يتصور أن ينفك مؤمن عن خوفه من ربه وإن ضعف، ويكون ضعفه بحسب ضعف إيمانه ومعرفته.والخوف من الله يكون بمعرفة أسمائه وصفاته، وبمعرفة كثرة ذنوب العبد وجنايته على نفسه.
فأخوف الناس لربه أعرفهم بربه وبنفسه ولذلك قال ـ صلى الله عليه وسلــم-: "والله أني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية" أخرجه البخاري (5/2263).
ولا شك أن معرفة أسماء الله وصفاته أساس إيمان العبد يقول: ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الفوائد (156): "فاحمل بنيانك على قوة أساس الإيمان، فإذا تشعث شيء من أعالي البناء وسطحه كان تداركه أسهل عليك من خراب الأساس، وهذا الأساس أمران: صحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته. والثاني: تجريد الانقياد له ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون ما سواه. فهذا أوثق أساس أسس العبد عليه، وبحسبه يعتلي البناء ما شاء، فاحكم الأساس، واحفظ القوة، ودم على الحمية، واستفرغ إذا زاد بك الخلط، والقصد القصد وقد بلغت المراد، وإلا فما دامت القوة ضعيفة والمادة الفاسدة موجودة والاستفراغ معدوم فاقرأ السلام على الحياة فإنها قد آذنتك بسرعة التوديع.. فيا من آمن بأن ربه سميع، كيف يسمعك وأنت تغتاب وتكذب وتنم وتسمع الحرام، أما آن لسمعك ولسانك أن يتقي ربه، ويامن يؤمن بأن ربه بصير كيف يبصرك على حرام وباطل وفي أماكن يبغضها، أما آن لك أن تقلع، وأين إيمانك بأنه معك، وأنه يراك، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، لحظاتك وخطراتك مطلع عليها، شديد العقاب، يغار أن تنتهك محارمه، وتضيع أوامره، جبار متكبر حي قيوم لا تخفى عليه خافية (ما غرك بربك الكريم)
فواعجباً كيف تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن إجابته، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تتعامل مع غيره، وأنتعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه والإنابة إليه!! وأعجب من هذا، علمك أن لا بد لك منه وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض وفيما يبعدك عنه راغب!!
وبعد هذه الفقرة اجلس مع نفسك جلسة محاسبة ( ولتنظر ما قدمت لغد) وانظر إلى كثرة ذنبك مع إحسانه إليك، خيره إليك نازل وشرك إليه صاعد، فاقلع عن ما يغضبه واقبل على ما يرضيه .
واقرأ في أسمائه وصفاته، وأنصحك هنا بكتب جيدة في بابها هي:
التوحيد وإثبات صفات الرب لمحمد بن خزيمة
والقواعد المثلى في أسماء الله وصفاته الحسنى
وشرح العقيدة الواسطية كلاهما للشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمهم الله ـ أجمعين
وكتاب صفات الله عز وجل الورادة في الكتاب والسنة لعلوي السقاف ـ حفظه الله .
(وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا)
اعلم أن القلب والبدن محتاج إلى ينمو أن ويزيد حتى يكتمل ويصلح، فكما أن البدن محتاج إلى أن يزكى بالأغذية المصلحة له، والحمية عما يضره فلا ينمو إلا بإعطائه ما ينفعه، ومنع ما يضره، فكذلك القلب لا يزكو ولا ينمو ولا يتم صلاحه إلا بذلك، ولا سبيل له إلى الوصول إلى ذلك إلا من القرآن،وإن وصل إلى شيء منه من غيره فهو يسير لا يحصل له به تمام المقصود. قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا).