خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 10:56


    [b]تبديد كواشف العنيد

    في

    تكفيره لدولة التوحيد



    رد على كتاب الكواشف الجلية
    في
    تكفير الدولة السعودية
    ( لأبي محمد المقدسي )

    - عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اسمع وأطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع " رواه مسلم
    - لما حبس ابن سيرين- التابعي المعروف- في السجن ، قال له السجان: إذا كان الليل فاذهب إلى أهلك ، فإذا أصبحت فتعال . فقال ابن سيرين: لا والله ، لا أعينك على خيانة السلطان . ( تاريخ بغداد ( 5/334) )
    - قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز – رحمه الله --: فالعداء لهذه الدولة عداء للحق عداء للتوحيد .

    تقديم

    الشيخ العلامة / صالح الفوزان الشيخ/ عبد المحسن العبيكان الشيخ/ عبدالله العبيلان










    إعداد


    عبدالعزيز بن ريس الريس


    شعبان 1424هـ




    مقدمة الشيخ صالح الفوزان





    الحمد لله على عظيم فضله وسابغ إحسانه ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ، ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين .


    أما بعد:

    فإن كتاب " تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد " رد على الكواشف الجلية لأبي محمد المقدسي ، وهذا الرد للشيخ : عبدالعزيز بن ريس الريس قد تأملته فوجدته رداً شافياً ولله الحمد يلجم هذا الحاقد بحجر ، ويرد كيده في النحر فجزاه الله خيراً على ما أبدى من الحق ودحر من الباطل . ونفع بعلمه وعمله .
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

    كتبه

    صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان

    عضو هيئة كبار العلماء
    في
    12 / 10 / 1425هـ

    مقدمة الشيخ عبدالمحسن العبيكان

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي جعله رحمة للعالمين وقدوة للمهتدين صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الغر الميامين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
    أما بعد :
    فقد اطلعت على كتاب " تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد " الذي قام بتأليفه صاحب الفضيلة الأخ الشيخ عبدالعزيز بن ريس الريس فوجدته كتاباً قيماً ونافعاً يرد فيه المؤلف على أصحاب المنهج التكفيري ويفند مزاعمهم ، فنسأل الله الكريم لنا وله التوفيق والسداد والإعانة من رب العباد والسير على نهج خير هادٍ صلى الله عليه وسلم ، ونسأله الإخلاص في القول والعمل والله من وراء القصد وهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .

    كتبه الفقير إلى عفو ربه
    عبدالمحسن بن ناصر آل عبيكان
    25 / 10 / 1425هـ

    مقدمة الشيخ عبدالله العبيلان

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
    وبعد:
    فإن حكمة الله بحفظ الدين اقتضت اجتماع المسلمين في هذه البلاد المباركة على كتاب الله وسنة رسوله ، وقامت المملكة العربية السعودية في وقت كان العالم منشغلاً فيه بالحروب العظيمة في أوربا وآسيا وهو ما يُعرف بالحرب العالمية الثانية ، والتي حصدت ما يزيد على عشرين مليون إنساناً ، وكانت الدول العربية والإسلامية تحت الاستعمار الأوروبي بعد سقوط الدولة العثمانية ، وبلادنا في ذلك الوقت لم تعرف ما يسمى بالحضارة : كالطائرات والكهرباء والسيارات وغيرها ، فكان أهلها كما سمى الله المؤمنين بالأميين ، فلم تتلوث قلوبهم وعقولهم بثقافة المستعمر كما حدث لغيرهم ، فترتب على هذا ظهور الدين ، عقيدة وشريعة ، وانتشار أنوار النبوة ، بعدما اقشعرت الأرض ، وأظلمت السماء ، وظهر الفساد في البر والبحر من ظلم الفجرة وذهبت البركات ، وقلت الخيرات ، وشكا الكرام الكاتبون والمعقبات إلى ربهم من تفشي الشرك بجميع مظاهره ، وكثرة الفواحش وغلبة المنكرات . ولم يقتصر النور على أهل هذه البلاد ، بل امتد ليصل إلى كثير من الخلق ، المجاور والبعيد ، وكان الأمر كما قال عبدالله بن المبارك – رحمه الله -:
    لولا الأئمة لم تأمن لنا سبل وكان أضعفنا نهباً لأقوانا
    فأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، وأمن الحاج على نفسه وماله بعد أن كان يتعرض للنهب والسلب ، وصار الناس يفدون إلى هذه البلاد ، وغدت مأوى للمضطهدين في دينهم وطالبي العلم الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إن الله فتح على أهلها كنوز الأرض فصار الناس يفدون إليها طلباً للرزق . وكان من الحكمة الموافقة لسنة الله في مدافعة الخلق بعضهم ببعض أن تبرم العقود لحماية جماعة المسلمين ومصالحهم من شر بعض القوى المتنفذة في ذلك الوقت قال تعالى ) وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً(
    ومن هنا نعلم أن الملك عبدالعزيز – رحمه الله – كان سابقاً لعصره في عقد هذه المعاهدات ، وإلا فإن الجميع كان يطمع في خيرات هذه البلاد ، البعيد والقريب ، وهذا لا يضر في الدين طالما أن المقصود منه تبادل المصالح الدنيوية ، قال تعالى عن لوط – عليه السلام – ) لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ( وقد أقره على ذلك علماء عصره.
    أما ما يتعلق بأمر الحكم بغير ما أنزل الله كما هو الواقع في أكثر بلاد المسلمين فإن المخالف إذا لم يسلم بما نُقل عن السلف من التفريق بين المقرّ بحكم الله لكن خالفه ، وبين المبدل من تلقاء نفسه ، وقول المخالف أن ما يجري في هذا العصر من الحكم بغير ما أنزل الله أمرٌ حادث لم يكن عند الأوليين ، فيقال له: فإنه حادث بكل أبعاده ، فإن نظام الحكم اليوم في أغلب الأقطار الذي يشرع فيه: مجلس الشعب أو ما يعرف بالبرلمان وقد اختارهم الشعب عن طريق الانتخاب ، والرئيس أو الحاكم صلاحياته معروفة ، تتعلق غالباً برسم سياسات الدولة العامة مثل العلاقات مع الدول الأخرى وغيرها ، فإن لم نأخذ بالنقول عن السلف ، فإن التكفير سيشمل المجتمع كله مع ظهور شعائر الإسلام فيه ولا أظن عاقلاً فضلاً عن العالم يقرّ هذا ، إلا من قَصَر مفهومَ الإسلام على الحدود، وما يتعلق بواجبات الحاكم وهذا لا يقوله إلا من فنى في الحاكمية ولم ير من شُعب الإيمان سواها .
    وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إفلاس أهل هذا الفكر من العلم بالمنهج النبوي في هداية الناس و عليهم أن يعلموا أنهم ليسوا أوصياء على الخلق ، بل كما قال تعالى )إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ ( وقال تعالى ) قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ ( وقال تعالى ) وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ( قرأت كتاب أخينا الكريم الشيخ عبدالعزيز بن ريس الريس " تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد "، فإذا هو قد كشف شبهات ذاك الدّعي للعلم ، ونصح في الدفاع عن المملكة العربية السعودية وما قامت عليه من عقيدة وشريعة وبرّأ أهلها أن يكونوا اجتمعوا على الكفر وتحاكموا إليه ، وأقام الحجج السلفية العليّة ، وقمع أفكار الخوارج الدنيّة ، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ، وصلى الله على نبيه محمد وآله وصحبه وسلم .
    كتبه ليلة الإثنين
    22 / 11 / 1425هـ
    عبدالله بن صالح العبيلان
    [/b]

    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 10:57

    بسم الله الرحمن الرحيم





    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد ،،،

    فإن العدل والإنصاف من غير إفراط ولا تفريط يحبه الله ويرضاه قال تعالى )وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( . وإن الإفراط والغلو في الشرع محرم أشد من حرمة التفريط والجفا ؛ لذا غلظت الشريعة أمر الخوارج وأهل البدع بما لم تغلظ مثله في العصاة من أهل الشهوات ، وإن لهذا حكماً من أهمها أن الغلو والإفراط تقبله كثير من النفوس المتعاطفة دينياً ؛ لأنه مصبوغ بصبغة الدين والغيرة عليه، ما لم يكن المرء محصناً بالعلم أو بعدم الخروج عن أقوال كبار أهل العلم .

    وقد حذر ربنا سبحانه من الغلو المؤدي إلى ترك الحق فقال ) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقّ ( وإن من كتب الغلو والإفراط كتاب " الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية " لمؤلفه أبي محمد المقدسي ( عصام البرقاوي ) . ووصفي له بالغلو والإفراط دعوى أدعوك إلى النظر في برهانها ، وهو ما حوته دفتا هذا الكتاب – الذي بين يديك – من أدلة وحجج وحقائق ، ونقل عن أهل العلم الماضين والمعاصرين .

    فإن ما دعا إليه وقرره مؤلف كتاب الكواشف الجلية من طعن وتكفير صريح لعلمائنا كالإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والإمام محمد بن صالح العثيمين وغيرهما من أئمة أهل السنة – رحم الله حيهم وميتهم – ، والتكفير لولاتنا – وفقهم الله لهداه – بل والتحريض على القتال والإفساد في بلاد الحرمين (السعودية ) – حرسها الله – من أعظم الإجرام لجمعه بين الإفساد الديني والدنيوي[1] ؛ لذا كان من الضروري الرد على هذا الكتاب لبيان ما فيه من الشنائع والعظائم والقول الإفك الذي قد ينطلي على بعض أهل السنة – حماهم الله ووقاهم من كل شبهة وشهوة – لا سيما الشباب الذين يريد الأعداء جعلهم وقوداً لكل فتنة مستغلين في ذلك عواطفهم وحماستهم الدينية وقلة العلم عند أكثرهم ولا سيما بعد أن ابتلينا بهذه الشبكات العنكبوتية (الانترنت ) التي صارت متنفساً للمغرظين ووسيلة لعرض شبهاتهم على المسلمين .

    فلما كان هذا الكتاب مرجعاً لأكثر المغرر بهم فكرياً من التكفيرين ، وصار يتناقله طائفة من الجاهلين العاطفيين ، ويبثون ما فيه من سموم بين المسلمين استعنت بالله رب العالمين للرد عليه نصحاً وخوفاً على الموحدين أن ينطلي على بعضهم شيء من شبهاته المتهافتة التي يزخرفها لهم شياطين الإنس والجن غروراً ، وأسميت هذا الرد "تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد" وقسمته على ما يلي :

    1- تكفير مؤلف الكتاب أبي محمد المقدسي (عصام البرقاوي ) للإمامين عبدالعزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين – رحمهما الله - .

    2- كشف شبهاته الخمس في تكفير الدولة السعودية – حرسها الله - .

    3- مناقشة بعض كلامه المنثور في كواشفه .

    4- الموقف الشرعي من الحكام .

    5- موقف علماء السنة والأدباء والمفكرين من الدولة السعودية وحكامها .

    6- الخاتمة .



    أسأل الله أن يجعل هذا الرد هداية للضالين ووقاية للمهتدين ونصرة للتوحيد والموحدين ، ومن الحق الذي إذا قذف على الباطل دمغه كما قال تعالى ) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (.

    وقبل استهلال الرد فإني أحمد الله على ما منّ به من تقديم الشيخ العلامة صالح الفوزان وفضيلة الشيخ عبدالمحسن العبيكان وفضيلة الشيخ عبدالله العبيلان –حفظهم الله- لهذا الكتاب وأشكرهم على هذا التقديم وما أفادوه من توجيه علماً أني قد أثبت في الحاشية تعليقات للعلامة الفوزان مع عزوها إليه ..ومما لا أنساه أنني لما عرضت هذا الرد على شيخنا صالح الفوزان ذكر أنه لازال يترقب رداً على كتاب الكواشف للمقدسي ، فالحمد لله الذي وفقني للرد عليه






    الأول / تكفير مؤلف الكتاب " الكواشف الجلية " (أبي محمد المقدسي عصام البرقاوي ) للإمام عبدالعزيز بن باز والإمام محمد بن صالح العثيمين – رحمهما الله - :



    إن معرفتك بشيء من حال مؤلف كتاب الكواشف الجلية أبي محمد المقدسي ( عصام البرقاوي ) مهم وضروري لأن العلم دين لا يؤخذ من كل أحد ، روى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه عن الإمام التابعي محمد بن سيرين أنه قال: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .

    وإن من أظهر أمارات أهل البدع وقوعهم وطعنهم في علماء السنة . وعلى هذا تواردت كلمات السلف واجتمعت .

    قال الإمام أبو عثمان الصابوني ( المتوفى عام 449هـ ): وإحدى علامات أهل السنة: حبهم لأئمة السنة، وعلمائها، وأنصارها، وأوليائها، وبغضهم لأئمة البدع الذين يدعون إلى النار، ويدلون أصحابهم على دار البوار ، وقد زين الله سبحانه قلوب أهل السنة ونورها بحب علماء السنة ، فضلاً منه جل جلاله ا.هـ[2]

    قال أبو زرعة – رحمه الله -: إذا رأيت الكوفي يطعن على سفيان الثوري وزائدة فلا تشك أنه رافضي ، وإذا رأيت الشامي يطعن على مكحول والأوزاعي فلا تشك أنه ناصبي ، وإذا رأيت الخراساني يطعن على عبدالله بن المبارك فلا تشك أنه مرجئ ، واعلم أن هذه الطوائف كلها مجمعة على بغض أحمد بن حنبل ؛ لأنه ما من أحد إلا وفي قلبه منه سهم لا برء له ا.هـ[3]

    قال نعيم بن حماد: إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل فاتهمه في دينه ، وإذا رأيت البصري يتكلم في وهب بن جرير فاتهمه في دينه ، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتهمه في دينه ا.هـ[4]

    قال أبو جعفر محمد بن هارون المخرمي الفلاس: إذا رأيت الرجل يقع في أحمد بن حنبل فاعلم أنه مبتدع ضال ا.هـ[5]

    وقال أبو حاتم الرازي: إذا رأيت الرازي وغيره يبغض أبا زرعة فاعلم أنه مبتدع ا.هـ[6] وقال – أيضاً - : علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ا.هـ[7]

    فهدي أهل السنة أنهم يزنون غيرهم بموقفهم من علماء السنة الأثريين في زمانهم ، فإن كان معادياً لهم بدّعوه ولا كرامة ، وهجروه وحذروا منه لأن الوقيعة والتنقص لعلماء السنة تنقص للسنة ، فهم حماتها وحراسها الذابون عنها .

    وهكذا حال هذا المقدسي العنيد (عصام البرقاوي ) فإنه سب وطعن في علمائنا الكبار كابن باز وابن عثيمين – رحمهما الله – في عدة مواضع من كتابه ( الكواشف ) ، من ذلك أنه قال[8]: وتعرف على كذب هذه الدولة الخبيثة ( يعني السعودية ) التي أفسدت على الناس دينهم وشوهت توحيدهم ، وتعرف على كذب وضلال سدنتها من علماء السلاطين ا.هـفها هو يصف علماءنا ومنهم ابن باز وابن عثيمين والفوزان بأنهم كذبة وضلال ، ومرة أخرى وصف توحيدهم بأنه توحيد ممسوخ ، وفي موضع آخر رماهم بأنهم علماء سوء . وفي كلامه على السعودية وفتنة الحرم نص على اسم الشيخ عبدالعزيز ابن باز



    [1] قال الشيخ العلامة صالح الفوزان معلقاً: ولماذا خص الدولة السعودية من بين الدول العربية هل هي أسوؤها ، أو لأنها العين الباصرة للعالم الإسلامي ، أو لأنه مدفوع من قبل أعداء هذه الدولة حسداً وبغياً .


    [2] كتاب عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص110 .


    [3] طبقات الحنابلة (1/199-200) .


    [4] تاريخ بغداد (6/348) ، تاريخ دمشق (8/132) .


    [5] تقدمة الجرح والتعديل ص308-309 ، وتاريخ دمشق (5/294) .


    [6] تاريخ بغداد (10/329) وتاريخ دمشق (38/31) .


    [7] السنة للالكائي (1/179) .


    [8] لا تستغرب عدم العزو إلى الصفحات ؛ لأنه ليس للكتاب صف معتمد ، بل هو موجود في الانترنت وتتغير صفحاته بتغير الصف الذي ينزله كل أحد لذلك لم يضع المؤلف للفهارس صفحات ، وإنما اكتفى بالعناوين .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 10:58

    ، ونقل كلاماً لجهيمان في جرحه وطعنه للشيخ ابن باز فأقره ولم ينكره .

    وصرح في موضع آخر باسم ابن باز أيضاً وابن عثيمين – رحمهما الله – فقال: ويقودونهم ويجعلون منهم شياهاً وأنعاماً أليفة مطيعة بهذا الستار الكثيف الذي اتّخذوه من هؤلاء الأحبار والرهبان ليجعلوا من بلدهم بلد التوحيد وبلد العلم والعلماء، تأمّلوا، المشايخ في كلّ مكان، هذا الشيخ ابن باز. وذاك ابن عثيمين وهناك غيره وغيره كلّهم مع الدولة، ويعملون عند الدولة ويدافعون عن الدولة… فماذا تريدون إنّه الإسلام والتوحيد… !!! وهكذا تُضلل الشعوب - ثم قال - بقي أن يعرف الموحد الموقف من هؤلاء العلماء الضالّين المجادلين عن الحكومات النائمين في أحضانها والراضعين من ألبانها… فاسمع هداك الله للحق الذي نعتقده وندين الله به ولا يهمّنا معه لومة لائم أو طعن طاعن أو كذب مفتري… الحق أن يُهجروا ولا يطلب العلم عندهم ولا يستفتون ابتداءً، لأن هذا العلم كما يقول بعض السّلف: دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم، بل الواجب وعظهم وهجرهم حتى يرتدعوا ويقلعوا عن مداهنة السلاطين والركون إليهم والجدال عنهم… - ثم قال - أمّا إذا أصرّوا وبقوا على حالهم الممسوخ الممقوت ذاك، فالواجب هجرهم، وعدم التعامل معهم، أو استفتائهم ا.هـ

    فإذا كان هذا موقفه من علماء السنة في زمانه فهو مبتدع ضال ولا كرامة ، فكيف إذا عرفت أنه لم يقف عند هذا الحد الجائر ، بل تجاوزه إلى تكفيرهم وجعلهم أشد من اليهود والنصارى ؛ لأنهم مرتدون خارجون عن الدين الإسلامي بالكلية فقال في رسالة له بعنوان " زل حمار العلم في الطين " [1]: فلقد قرأت في جريدة الرأي الأردنية بتاريخ 16 صفر 1417هـ الموافق 2/7/1996م خبراً بعنوان ( هيئة كبار العلماء بالسعودية تشجب حادث التفجير ) وجاء في الخبر ( شجبت هيئة مجلس كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في بيان نقلته صحف المملكة أمس حادث التفجير في الخبر ... – ثم قال – فأقول: قد فضح الله أمركم وكشف ستركم يا علماء الضلالة .. ووالله لقد جاء علينا يوم كنا نكف ألسنتنا عن الخوض فيكم ، ونربأ بأنفسنا عن الانشغال بكم ، خوفاً من تهميش صراعنا والانحراف عن نهج دعوتنا .. وكنا نكتفي بتحذير الشباب من ضلالاتكم.. حتى كفرنا من كفرنا لتركنا الخوض في تكفيركم .. وقد كنا نأمل أن تراجعوا أو تغيروا أو تبدلوا أو تتوبوا أو تستحيوا .. ونعرض عنكم متمثلين بحديث النبي صلى الله عليه وسلم :"دعهم لا يتحدث الناس محمداًُ يقتل أصحابه " ولكنكم يا للأسف لم تزدادوا إلا عماية وطغياناً وانحرافاً عن الحق وانسلاخاً عن التوحيد ، وانحيازاً إلى الطواغيت وإلى الشرك والتنديد .. – ثم قال – فمصيركم إن لم تتوبوا وتصلحوا وتبينوا مصير من قال الله تعالى فيه ) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (ا.هـ

    فعلماء السنة والتوحيد ابن باز وابن عثيمين والفوزان والغديان وآل الشيخ – رحم الله حيهم وميتهم – انسلخوا من التوحيد وهم كفار عنده ، لكنه لم يظهر تكفيرهم مراعاة للمصلحة كما راعى النبي صلى الله عليه وسلم المصلحة في عدم قتل المنافقين " حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه " فقبحه الله وقبح كل من يدافع عنه بعد معرفته بحاله الساقطة ، وإن إحاطة القارئ السني علماً بما تقدم كافٍ في عدم الاعتداد بعلم و نقل و قدح هذا المقدسي العنيد ، فإن العلم دين لا يؤخذ من الأفاك المشين .



    وإليك شيئاً عن حال أبي محمد المقدسي أنقله من موقع من كانت له به صحبة ومجالسة (إحسان العتيبي)[2] ، فقد ذكر عنه أشياء موبقة هذا بعضها :

    1- أنه كان لا يصلي خلف المسلمين ، بل كان يستخفي في الحمامات حتى ينتهي الناس .

    2- لا يرى جواز الصلاة خلف الحذيفي والسديس .

    3- يرى استحلال أموال الشرط ، وفعلاً قد سرق سلاح ومال أحد الشرط المسلمين .

    4- يرى جواز انتهاك أعراض نساء المسلمين لأنهن إماء ، وهذا راجع لتكفيره لهن .



    وبعد تقديم شيخنا العلامة صالح الفوزان – وفقه الله – لهذا الكتاب طلب مني أن أبحث عن المزيد من معلومات عن هذا المقدسي لاسيما في مجال العلم الشرعي ، فبلغني أن الشيخ عبدالله السبت – وفقه الله – ذو معرفة به فهاتفته فتجاوب معي – جزاه الله خيراً – وأرسل إليّ هذه الترجمة المحتوية ما يدل على جهل ورقة دين المقدسي وأن رياح الشبهات تعصف به يمنة ويسرة – نسأل الله العافية - .







    وهذا نص كلام الشيخ عبدالله السبت – جزاه الله خيراً -



    بسم الله الرحمن الرحيم

    الأخ الكريم الشيخ/عبدالعزيز الريس –وفقه الله – آمين

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,,,

    أسأل الله جل وعلا أن يصلكم خطابي هذا وأنتم ومن تحبون على خير ما تودون .

    وبعد:

    إشارة إلى ما جرى بيننا من كلام حول (المقدسي) وانحرافاته ، وحيث إنه كان يعيش في أول أيامه في الكويت رأيت أن أكتب ما أذكره حوله :

    فأقول :

    كان يعيش في فترة صباه في الكويت وكان يعمل في مكتبة الصحابة عند قؤاد الرفاعي بداية انطلاقة مكتبة ومطبعة الصحابة ، وبعدها ترك العمل لديه واتجه للعمل الحر ، ثم سكن بالصباحية منطقة في الكويت ، وبعد حوالي سنة أي بالتحديد سنة 1986 ذهب لأفغانستان والتحق بالمعسكرات التكفيرية هناك وتدرب مع الجماعات التكفيرية ، وبعد عودته للكويت ظهر بفكر جديد ومغاير لما كان عليه بالسابق حتى بدأت عليه علامات التقية من إظهار معتقده، فكان يقول قولاً ثم ينظر ماذا يرد المقابل ، فإذا وافقه أظهر له ما كان يعتقده ، وإذا لم يوافقه قال: كنت أمزح معاك . وهكذا بدأ متغيراً ، وكان من قبل ذلك درس عند محمد سرور في منطقة خيطان وكان تحت جماعته كما اعترف بكتابه ( إعداد القادة الفوارس في بيان فساد المدارس ) وذكر ذلك في رده على محمد سرور ( مرفق نموذج ) حيث ألف كتاباً ولم ينشره فيما أعلم وهو لدي بخط اليد ، اعترض فيه على محمد سرور بشأن رده على جماعة التوقف ، واتهم في الكتاب سرور بأن له مذهبين .

    ألف كتاب ( ملة إبراهيم ) وعرض الكتاب على الشيخ أبي بكر الجزائري أبان زيارته للكويت في ذلك الوقت فقال الشيخ عن الكتاب هذا فكر الخوارج ثم ألف كتاباً آخر بعنوان ( الكواشف الجلية في بيان كفر الدولة السعودية ) وتسمى باسم أبو البراء العتيبي ، وهو يقول أنه عتيبي ولا أظنه إلا شركسي من مسلمي الاتحاد السوفيتي المهاجرون إلى الديار الفلسطينية لأنه شكله لا يدل إلا على ذلك والعلم عند الله .

    ثم تطور الفكر إلى استحلال الأموال فقام باعتراف صديقه بسرقة أحد المؤسسات بالكويت ثم الفرار إلى الأردن حيث بنا له بيتاً وتزوج بالثانية حتى تم اعتقاله من قبل الجهات الأردنية وأصبح علماً في المخابرات الأردنية وسجن حوالي 7 سنوات ، ثم أفرج عنه ثم سجن ثم أفرج عنه .

    وأخيراً بالأمس برأته المحكمة من تهمة الانتماء لجماعة الزرقاوي ، وتبرئته من الانتماء للتكفيريين أمرها عجيب فهو شيخ المدعو الزرقاوي ، والمشكلة أن الذين يحرضون الناس على الخروج والثورة لا يحاكمون بل أحياناً يتركون لإضلال الشباب !

    وكان هو صديق الزرقاوي حسب قول جريدة الشرق الأوسط في عدد الثلاثاء ممكن ترجع لها .

    هذا باختصار ما أعرفه عنه وإذا أردت المزيد فممكن بالسؤال تجد الجواب ، والحمد لله رب العالمين .





    وبعد كتبت إلى الشيخ عبدالله السبت ما نصه:



    إلى فضيلة الشيخ / عبدالله بن خلف السبت - أدامه الله ناصراً للسنة –

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ............ أما بعد :

    فأشكركم على ما تفضلتم به من معلومات عن هذا المفتون أبي محمد المقدسي – كفى الله المسلمين شره - ، وهذه بعض الأسئلة أحب أن تتكرموا بالإجابة عليها:

    س1: ما حالة أبي محمد المقدسي علمياً ؟ وهل طلب العلم على أحد لما كان بالكويت ؟



    [1] موجودة في مكتبته في منبر التوحيد والجهاد .


    [2] إحسان العتيبي معروف في كثير من المواقع الإسلامية وله أتباع فالعهدة عليه فيما نقلت .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 10:59





    س2: ما آثاره السلبية على الإخوة بالكويت خصوصاً والعالم الإسلامي عموماً ومنه السعودية؟

    س3: هل تظنون أنه هو الذي قام بتأليف الكواشف الجلية أم ماذا ؟



    أرجو أن تبسطوا الإجابة فلعل إجابتكم تكون مرجعاً أساسياً عن هذا المفتون .

    وجزاكم الله خيراً




    ثم أرسل إلي إجابة الأسئلة الثلاثة وهذا نص كلامه :



    بسم الله الرحمن الرحيم

    الأخ الكريم الشيخ/ عبدالعزيز الريس وفقه الله آمين

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته :

    أما بعد،،،

    ففيما يخص ( المقدسي ) أحب أن أذكر بعض ما أعرفه إضافة لما سبق ذكره .

    أولاً:

    1- فيما أعلم أن الرجل لم يطلب العلم عند المشايخ في الكويت بل غاية ما تعلمه من محمد سرور ، أما المشايخ المعروفون خاصة حملة العقيدة السلفية فلا يعلم له طلب عليهم .

    2- بعد أن عاد من أفغانستان اتصل مباشرة ببقايا جماعة جهيمان في الكويت وهؤلاء لا يطلبون العلم بل عامة ما لديهم هو الكلام في الحكام ، والحديث في التهييج العام ، وهم للأسف في موضوع الولاء والبراء غارقون في تأييدهم ونصرتهم للإخوان المسلمين ويحاربون السلفيين بتهمة العمالة للأنظمة.

    3- فالرجل إذن ليس بطالب علم حتى وإن علمه الذي تلقاه من محمد سرور وغيره إنما علم السياسة الهوجاء الذي لا تصلح به الأمة .



    وخلاصة القول أن هؤلاء القوم ممن عرفوا بهذه الأفكار ليسوا طلاب علم ، بل حفظوا مجموعة نصوص وأخذوا منها ما يريدون دون رجوع لأهل العلم .

    وهذه سمة ظاهرة لهم سواء جماعات التكفير في مصر أو غيرها أو حتى جماعة جهيمان .



    ثانياً:

    أما آ ثار هذا الضال في الكويت فهو ضعيف لأمور منها:

    1- أنه خرج من الكويت منذ فترة بعيدة قبل ظهور الفكر التكفيري وبروزه.

    2- أن محيطه كان في الشباب الفلسطينيين خاصة ، ولأنه فلسطيني لم يستطيع الإعلان كما يعلن غيره من الكويتيين .

    3- والأهم أن الخط السلفي المرتبط بالعلماء قوي في الكويت والحمد لله فعامة مناطق الكويت تعج بإخواننا السلفيين من خطباء ومدرسين وهذا يعيق انتشار هذه الأفكار ، ولذلك حتى القطبيين من الكويتيين وجماعة ( الحركة العلمية ) لا يصرحون بمذهبهم في الخروج والتكفير علنا ً وإنما يضلون الناس في اللف والدوران وأبرز مقال على ذلك ما ذكره حاكم المطيري قبل أسبوع في محطة الجزيرة حول الحكام .

    وهذا هو أسلوبهم في اللف والدوران .

    فالسلفية ظاهرة في الكويت والحمد لله ولها رجالها وهم كثير .

    4- لكن لا شك أن لهم تأثيراً على بعض الشباب وإني أعتقد أن تأثيره في السعودية ضعيف وإنما ارب من المنهاج القطبي ومشايخهم هم الذين يقولون وينسبون القول لمثل هذا وغيره . وإلا فهو نكرة .



    ثالثاً:

    وأما كتاب ( الكواشف الجلية ) فإني أول ما اطلعت عليه عند نشره في أفغانستان ، وكان إجماع من قرأه في ذلك الوقت في تلك البلاد أن هذا من تأليف مجموعة مشايخ من السعودية وغيرها .

    ولم تظهر نسبته إلى ( المقدسي ) إلا متأخراً .

    ومن يتعمق في نصوص الكتاب يظهر له بوضوح أن الكاتب أكثر من شخص كما هو الحال في كتاب ( معالم الانطلاقة الكبرى ) الذي نشر تلك الفترة ، وكل من اطلع على أسلوب الكتاب واطلع على كتب المدعو (المقدسي) الأخرى يتجلى له الفرق بين العبارتين .

    لذلك أني أجزم أن الكتاب صنع في غير بشاور التي نشر فيها وكتّابه من أهل الجزيرة وهذا المجزم عندي قديماً قبل ظهور هذه الفتنة .

    كما جزمت قديماً بأن كتاب ( رفع الالتباس ) الذي نسب إلى جهيمان ليس له.

    إن أسلوب ( الكواشف ) أسلوب إحصائيات وأرقام بينة برجل ضليع بأخبار أهل نجد وهذه المعلومات ليست متوفرة للمقدسي ولا حتى لمحمد سرور ذلك الوقت .

    فالخلاصة أن هذا الكتاب كتبه أبناء الجزيرة ممن يحقدون على الدولة ولعل من يتابع القناة الفضائية ونشرات ( فقيه ) ومن يقرأ الكتاب يدرك الاندماج بين الاثنين .

    هذا ما تيسر لي في هذا الأمر ، والله أسأل أن يعين أهل الحق لكشف أهل الأهواء فإن كشف عوارهم من الجهاد في سبيل الله .

    والله الهادي للحق

    كتبه محبكم

    أبو معاوية / عبد الله السبت







    وبلغني أيضاً أن الشيخ فيصل بن خالد السعيد[1] – وفقه الله – له معرفة خاصة بالمقدسي ، فكتب إلي كلاماً طويلاً أجتز منه ما يهم في موضوعنا:

    قال - حفظه الله -:

    بسم الله الرحمن الرحيم

    من فيصل بن خالد السعيد إلى الشيخ الفاضل عبدالعزيز الريس

    هذا ما استطعت جمعه وتذكره في عجالة بعد اتصال الأخ والشيخ الفاضل فيصل قزار:

    مقدمة

    أبو محمد المقدسي عصام بن طاهر البرقاوي، من ( برقة ) فلسطين فضاء نابلس، عاش في الكويت، لازم في بدايته ( محمد بن سرور زين العابدين[2] ) وبرز في الجماعة حتى أصدروا بياناً بطرده كما أخبرني ( عصام ) بذلك بسبب فتواه المخالفة للجماعة وهي حرمة دخول جامعة الكويت المختلطة .

    لازم بعد ذلك شباب من بقايا جماعة ( جهيمان ) في الكويت، وبرز فيهم، وأكثر من تأليف الرسائل في هذه المرحلة فألف " الكواشف " " وملة إبراهيم " و " الديمقراطية دين " و " ومرجئة العصر " و " إعداد القادة الفوارس وغيرها كثير . حتى طردوه بسبب سرعته في التكفير بمجرد المخالفة له في أي قضية شرعية يطرحها، فانقلب عليهم ووسمهم برسالة صغيرة بأنهم ( يعني بقايا جهيمان ) طواغيت صغار . حتى بقى مع أفراد من غلاة التكفير فأصبحوا لا يصلون في مساجد المسلمين ويصلون الجمعة في الصحراء .

    قصص من لسانه إلى أذني :

    1- قلت له ذات يوم ونحن في الكويت: بلغني أنك تكفر العسكر بمجرد اللبس العسكري، كيف ذلك! وفلان صاحبك ومريدك إذ ذاك (ع س) ضابط في الجيش، فقال لي: أن هذا كذب وافتراء وظلماً افتروا عليَ – فإنه عندي قد يكون الرجل كافراً وهو يلبس الغترة والعقال والدشداشة . قلت له: أنا لا أفهم هذا الكلام ، أنت تكفر العسكري بمجرد لبسه وإلا لا ؟فقال: لا أنا لا أكفر العسكري بمجرد لبسه حتى يصرح بما يعتقد ويتبين منه ذلك. وبعد أيام قلائل واجهت شاباً كان على صلة به واسمه (وع) فأخبرته بالذي جرى بيني وبين ( عصام ) فقال: لا تصدقه ونراه كذاب وكثير اللف والدوران . فقال لي: قل ( لعصام ) إيش قصة العسكري السكران الذي وجدتموه أنت و (وع) - يعني نفسه – و(خ ب)، فقلت له أخبرني القصة ، فقال: كنت يوماً في أوائل أيام التحرير في الكويت أنا يعني (وع) و(خ ب) و(عصام ) في سيارتي فوجدنا سيارة على حافة الطريق متوقفة وباب السائق مفتوح فتوقفنا



    [1] وهو معروف عند طلبة العلم في الكويت ، وعدله الشيخ علي بن حسن بن عبدالحميد وزكاه الشيخ فيصل القزار . ووصفه بالصدق الشيخ الكويتي سالم الطويل .

    إن من يوثق من الثقات يكون ثقة يقبل خبره ولو كان واحداً كما قال تعالى ) إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ( فمفهوم المخالفة أن خبر الثقة الواحد يقبل وتبرأ الذمة به كما أفاده ابن كثير في تفسيره .


    [2] هو صاحب مجلة السنة المكفر لدولة التوحيد ( السعودية ) والواصف علماءها كابن باز وابن عثيمين بأنهم عبيدُ عبيدٍ لرجل نصراني بوش ( والد الرئيس الأمريكي الحالي ) ، قال محمد سرور في مجلته مجلة السنة : هذا وللعبودية طبقات هرمية اليوم: فالطبقة الأولى: يتربع على عرشها رئيس الولايات المتحدة ( جورج بوش ) وقد يكون غداً كلينتون . والطبقة الثانية: هي طبقة الحكام في البلدان العربية . وهؤلاء يعتقدون أن نفعهم وضررهم بيد بوش ، ولهذا فهم يحجون إليه ويقدمون إليه النذور والقرابين . والطبقة الثالثة: حاشية الحكام العرب ، من الوزراء ووكلاء الوزراء وقادة الجيش والمستشارين ، فهؤلاء ينافقون لأسيادهم ويزينون لهم كل باطل دون حياء ولا خجل ولا مروءة . والطبقة الرابعة والخامسة والسادسة: كبار الموظفين عند الوزراء ، هؤلاء يعلمون أن الشرط الأول من أجل أن يترفعوا ، النفاق والذل وتنفيذ كل أمر يصدر إليهم ا.هـ[2] ويقرر محمد سرور زين العابدين في هذه المسألة وهي التكفير فيقول (مجلة السنة العدد الثالث والعشرين ص29-30 .) : وصنف آخر يأخذون ولا يخجلون ، ويربطون مواقفهم بمواقف ساداتهم ... فإذا استعان السادة بالأمريكان انبرى العبيد إلى حشد الأدلة التي تجيز هذا العمل ...، وإذا اختلف السادة مع إيران الرافضة تذكر العبيد خبث الرافضة ا.هـ[2] ثم قال عنهم في عدد مجلته السادس والعشرين بع ذكره للكلام السابق: لقد كان الرق في القديم بسيطاً لأن للرقيق سيداً مباشراً ، أما اليوم فالرق معقد ولا ينقضي عجبي من الذين يتحدثون عن التوحيد وهم عبيد عبيد عبيد عبيد العبيد ، وسيدهم الأخير نصراني ا.هـ

    وليعلم أن لمحمد سرور جماعة كما صرح بذلك هو نفسه للشيخ العلامة مقبل الوادعي – رحمه الله – ، وقد نشر هذا الشيخ مقبل في بعض أشرطته وكتبه (انظر كتاب " القطبية هي الفتنة فاعرفوها " ص185) وقد رد على هذه المجلة العدناني في كتابه " القطبية " – جزاه الله خيراً - ، وذكر مؤاخذات موبقة أخرى فليراجع ، فإنه مفيد ، وصدق شيخنا صالح الفوزان – حفظه الله – الذي سماها بمجلة البدعة لا السنة .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:00

    ونزلت أنا و(خ ب) فوجدنا عسكرياً غارق في السكر ورائحة الخمر تفوح منه، فأخبرنا ( عصام ) الجالس في السيارة الخبر فقال: عسكري! هاتوا محفظة النقود التي معه وهاتوا ( جفير ) السلاح الذي معه .

    إلى هنا انتهت قصة (وع) لي، فاتصلت (بعصام) فقلت له: تعال أريدك ضروري، فجاءني فقلت له الخبر وكنا جالسين في سيارتي الصغيرة فاستشاط غضباً حتى أخذت السيارة وهي واقفة تتحرك يميناً وشمالاً، ويقول: فلان أخبرك – يعني (وع) – هذا مختل عقلياً ويعالج في مستشفى الأعصاب وو...

    قلت له: هدئ ولا تكثر الصراخ، إيش ما يكون (وع) هو صاحبك ومشى معك، المهم حصل وإلا ما حصل ؟

    أخيراً وبعد جدل طويل وتجريح بـ(وع) قال: نعم حصل. قلت له: ما المبرر الشرعي لأخذ ماله وسلاحه؟ قال: هم أخذوه. قلت: بناء على أمرك لهم وفتواك إياهم .

    فقال: لأنه طاغوت كافر. فقلت له: ألم تقل لي قبل أيام أنك لا تكفر العساكر باللبس العسكري . فقال: أنا كفرته لأمر آخر .

    قلت: كيف توصلت للأمر الآخر وهو سكران لا يدري ما يقول . فقال: كفرته باللبس العسكري ولقرينة السكر .

    فقلت: ومتى كان السكر قرينة للكفر ، وأتيته بقصص الصحابي الذي شرب الخمر وشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بحب الله ورسوله، فكثر صراخه وعلا صوته ... ا.هـ

    2- التقيت معه مرة في الأردن فقلت له: إيش تشتغل؟ فقال: شغال على أموال ( السيخ والنصارى ) يعني سرقة أموالهم. وقال لي: لا تخاف ما نأخذ من ربعك شيء. ويقصد بربعي المسلمين الأردنيين .

    فقلت له من باب المحاججة: أليس الكافر عندك حلال الدم والعرض والمال؟ فقال: الكافر المحارب للمسلمين وليس أي كافر [1].

    فقلت: ماشي بعيارة أوضح متى تستحل ماله! هل هو عندك حلال الدم والعرض؟ قال: نعم .

    قلت: ليش ما تأخذ نسائهم مع أموالهم . فقال: العرض مشكلة. أين نضعها إذا أخذناها، ثم أخاف أن تحمل وتصبح أم ولد فكيف نتصرف معها بعد ذلك

    3 - أقسم لي مرة ونحن في الأردن بأن أبو قتادة الفلسطيني المقيم في بريطانيا حالياً، بأنه يعمل لصالح المخابرات البريطانية. بعد أحداث حصلت في باكستان حيث مزق أبو قتادة وأصحابه جوازات بلدانهم العربية لأنها تعتبر بيعة للطواغيت، فلما ضيق عليهم في باكستان هرب أبو قتادة[2] بجواز بريطاني .

    4- قلت له مرة: لم لا تعرض رسالة " إعداد القادة الفوارس ..." على المشايخ مثل ابن باز؟ فقال لي: إلّي يحلق لحيته، يروح إلى الحلاقين يستفتيهم في حكم حلق اللحية !!!

    5- قلت له مرة: أفكر في السكن في السعودية في مكة إيش رأيك؟ فقال لي: السعودية وأمريكا نفس الشيء، بس ممكن علشان مكة أحسن شوي .

    أقواله في العلماء:

    1- قال للشيخ سالم بن سعد الطويل في مناظرة معه هاتفية بأن الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – ضال مضل .

    2- أعطاني رسالة مسودة لم تطبع في ذلك الوقت بعنوان " الرد الميسور على محمد سرور "، وقد أعطيت الرسالة للشيخ علي حسن عبدالحميد للاطلاع عليها وتصويرها قبل أن أرجعها إلى ( عصام ) وكان فيها شتم قبيح للشيخ ابن باز والعثيمين – رحمهم الله تعالى –

    رأيي الشخصي فيه:

    1- معجب بنفسه ورأيه جداً جداً جداً ولا يرى الناس شيء .

    2- سريع الغضب وشديد في غلظة .

    3- يظهر دائماً إدمانه لقراءة كتب وفتاوى أئمة الدعوة النجدية [3]-رحمهم الله تعالى – وأنه الوحيد الذي يفهم كلامهم جيداً، وأنه الوحيد الذي خدم علمهم، وهو لا يختار من كلامهم إلا ما يناسب هواه .

    4- كثير الكذب والتدليس والتورية. فإلى عهد قريب ينكر نسبة " الكواشف الجلية " إليه .



    والله الهادي إلى سواء السبيل





    وفي هذا كفاية لمن أراد الله له الهداية في معرفة حال هذا المقدسي.


    الثاني/ كشف شبهاته الخمس في تكفيره الدولة السعودية – حرسها الله - :



    إنه لا يستغرب تكفير المقدسي العنيد لدولة السعودية الرافعة لراية التوحيد إذا عرف تكفيره لأئمة السنة في هذا الزمن ومنهم الإمام ابن باز وابن عثيمين – رحمهما الله – كما تقدم إثبات تكفيره لهما ولآخرين من علماء السنة ، لكن لأن هناك من تأثر بكلامه فكفروا العلماء – وإن كانوا قلة – وكفروا الدولة السعودية – وإن كانوا أكثر – وهم في ذلك يتحججون بالعلم الشرعي واتباع الدليل ، وهي في الواقع الذي ليس له من دافع شبهات بعضها فوق بعض إذا سلط عليها نور الوحي وفرقانه بانت لكل ذي بصيرة أراد الله له الهداية ، وقبل إيراد شبهاته الخمس والرد عليها أقدم ببعض المهمات المتعلقة بالتكفير :

    مهمات في التكفير :

    الأولى / أن التكفير حق لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يصح لأحد أن يصف شيئاً بأنه كفر إلا بدليل واضح وبرهان ساطع . قال ابن تيمية ‌‌‌- رحمه الله – : فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم ، وإن كان ذلك المخالف يكفرهم ؛ لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب بمثله ، كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى ، وكذلك التكفير حق الله تعالى فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله ا.هـ[4]
    وقال ابن القيم في النونية :


    الكفر حـق الله ثم رسولـه بالشرع يثبت لا بقــــــــــــول فلان



    من كان رب العالمين وعبده قـد كفراه فذاك ذو الكفران [5]

    فبهذا تدرك حق الإدراك أن الأصل في كل أمر أنه ليس كفراً إلا بدليل فإن لم يستطع مدعي الكفر إثبات الكفر فإن الأمر يرجع لأصله وهو عدم كونه كفراً .

    الثانية / أن من المهمات والضروريات التفريق بين الأعمال الظاهرة التي لا تحتمل إلا الكفر الأكبر (تضاد الإيمان من كل وجه ) كقتل النبي وإهانة المصحف ونحو ذلك ، والأعمال التي تحتمل الكفر وغيره (لا تضاد الإيمان من كل وجه ) .فإن النوع الأول يكفر صاحبه مطلقاً إذا توافرت في حقه الشروط وانتفت الموانع .أما النوع الثاني فلا يكفر إلا بعد سؤاله واستبانة حاله فإن كان مريداً الاحتمال الكفريّ فهو كافر وإن لم يكن مريداً الاحتمال الكفريّ فليس كافراً ،وقد درج العلماء على هذه القاعدة قولاً وفعلاً .

    قال الشافعي : في هذا الحديث – حديث حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب قومه في مكة يخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم -مع ما وضحنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنّه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنّه لم يفعله شاكاً في الإسلام وأنّه فعله ليمنع أهله ، ويحتمل أن يكون زلّة لا رغبة عن الإسلام ، واحتمل المعنى الأقبح ،كان القول قوله فيما احتمل فعله ، وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن لم يقتله ا.هـ[6] فهنا الشافعي يقرر أنّ الكفر لا يكون في الأعمال المحتملة (لا تضاد الإيمان من كل وجه ) إلا بعد السؤال .



    [1] هذه طريقتهم يتكلمون كلاماً عاماً مجملاً صحيحاً ليضللوا غيرهم وليخفوا بدعهم وتكفيرهم ، لذا لما استمر معه في النقاش أبان بأنه يرى هؤلاء الكفار الموجودين في بلاد المسلمين من الهنود والسيخ وغيرهم كفاراً محاربين حلال الدم والمال والعرض !!! لذا مَن لا يعرف التكفيريين والحزبيين إذا سمع كلامهم العام المجمل دافع عنهم وظنهم تراجعوا .


    [2] لأخينا الشيخ الفاضل عبدالمالك رمضاني – حفظه الله – كتاب مفرد في الرد على أبي قتادة الفلسطيني التكفيري واسمه " تخليص العباد من وحشية أبي القتاد الداعي إلى قتل النسوان وفلذات الأكباد " .


    [3] يتمسك بهذا ضعفاء النفوس ليطعنوا في دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – ودونهم في إثبات هذه الفرية خرط القتاد ، فإن كلمات هذا الإمام وكلمات بقية أئمة الدعوة النجدية كثيرة في التحذير من التكفير بغير حق والتفريق بين كفر النوع والعين ومعرفة حق ولاة الأمور وحفظ لأهل الأمان من الكفار أمانهم .

    ومن لطيف ما بلغني أن أحد الفضلاء استدعى رجلاً مفتوناً يتكلم في الإمام ابن تيمية فلما سأله عن سبب هذا الطعن قال: إن التكفيريين يتمسكون بكلامه ويستشهدون به . يريد بذلك إظهار غيرته على البلاد ليستعطف غيره ، لكن رد عليه رداً مقنعاً مسكتاً فقال: إنهم يتمسكون ويتعمدون على القرآن فهل نلغي القرآن ؟ !! فما وسع هذا المفتون إلا أخرس .


    [4] الرد على البكري ص259 ، وانظر مجموع الفتاوى (3/245) ومنهاج السنة (5/92،244 ) ، وانظر الفصل لابن حزم (3/248،249).


    [5] وانظر مختصر الصواعق ص494 .


    [6] كتاب الأم (4/250) .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:01

    قال الإمام ابن تيمية : فإن التكفير لا يكون بأمر محتمل ا.هـ[1] وقال : وكذلك تكذيب الرسول بالقلب وبغضه وحسده والاستكبار عن متابعته أعظم إثماً من أعمال ظاهرة خالية عن هذا كالقتل والزنا والشرب والسرقة وما كان كفراً من الأعمال الظاهرة كالسجود للأوثان وسب الرسول ونحو ذلك فإنما ذلك لكونه مستلزماً لكفر الباطن ، وإلا فلو قدّر أنّه سجد قدام وثن ولم يقصد بقلبه السجود له بل قصد السجود لله بقلبه لم يكن ذلك كفراً ا.هـ[2] .

    وقال ابن القيم : أما كفر العمل فينقسم إلى ما يضاد الإيمان وإلى ما لا يضاده ا.هـ[3]

    قال ابن رجب: وكذلك ألفاظ الكفر المحتملة تصير بالنية كفراً ا.هـ[4] فمعنى هذا أنّه لا يكفر مطلقاً إلا إذا أراد الاحتمال الكفري وهذا لا إشكال فيه . قال محمد ناصر الدين الألباني : ومن الأعمال أعمال قد يكفر بها صاحبها كفراً اعتقادياً ، لأنها تدل على كفره دلالة قطعيةً يقينية بحيث يكون فعله هذا منه مقام إعرابه بلسانه عن كفره، كمثل من يدوس المصحف ، مع علمه به ، وقصده له ا.هـ[5]



    وقد عمل بالإستفصال في المكفرات العملية المحتملة جمع من أهل العلم منهم :

    1- الإمام أحمد بن حنبل . قال ابن القيم: فائدة : في الفنون ، سئل أحمد بن حنبل عن رجل سمع مؤذناً يقول: أشهد أن محمداً رسول الله . فقال: كذبت ،هل يكفر ؟ فقال :لا ،لا يكفر لجواز أن يكون قصده تكذيب القائل فيما قال ، لا في أصل الكلمة فكأنه قال : أنت لا تشهد هذه الشهادة كقوله ) والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ( ا.هـ[6] .

    2- ابن قدامة المقدسي . في كتابه المغني[7] لم يكفر الممتنعين عن دفع الزكاة في عهد الصحابة لاحتمال أن يكون بخلاً لا إنكاراً لوجوبها .

    3- اللجنة العلمية للإفتاء بالسعودية برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز . قالت في إحدى الفتاوى : ولا يجوز الطواف بالقبور بل هو مختص بالكعبة المشرفة ، ومن طاف بها يقصد بذلك التقرب إلى أهلها كان ذلك شركاً أكبر وإن قصد بذلك التقرب إلى الله فهو بدعة منكرة فإن القبور لا يطاف حولها ولا يصلى عندها ولو قصد وجه الله ا.هـ[8] .

    4- الشيخ محمد بن إبراهيم .قال : وأما الذبح الذي يوجد أثره في داخل الحجرتين فلا يخلو من أمرين : أحدهما :أن يكون لله . والثاني : أن يكون لصاحب القبر . فإن كان لله فهو معصية ولا يجوز لأنه وسيلة إلى الذبح لصاحب القبر والوسائل لها حكم الغايات في المنع …وأما إذا كان لصاحب القبر فهو شرك أكبر ا.هـ[9]

    وقال لما سئل عن رجل سب دين رجل: لم يظهر لنا ما يوجب على سعدٍ إقامةَ الحد ؛ إذ إنه لم يصرح بسب الإسلام ، وإنما سب دين ذلك الرجل ، وهذا يحتمل أنه أراد أن تدين الرجل رديء ، والحدود تدرأ بالشبهات ، وبهذا تكون إحالة المذكور إلى قاضي المستعجلة لتقرير التعزير اللازم عليه وجيهاً ،أما سجنه فإنه يكتفى بما مضى له في السجن ا.هـ[10] .

    5- محمد ناصر الدين الألباني . قال في حكم الذبح عند القبر : وهذا إذا كان الذبح هناك لله تعالى – يعني فهو بدعة -، وأما إذا كان لصاحب القبر كما يفعله بعض الجهال فهو شرك صريح وأكله حرام وفسق ا.هـ[11] .

    6 - الشيخ محمد بن صالح العثيمين . قال في حكم المستهزئين بالملتزمين: ثم إن كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة والاستهزاء بالشريعة كفر ، أما إذا كانوا يستهزئون بهم يعنون أشخاصهم وزيهم ، بقطع النظر عما هم عليه من اتباع للسنة ، فإنهم لا يكفرون بذلك، لأن الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه، بقطع النظر عن عمله وفعله ، لكنه على خطر عظيم ا.هـ[12] .

    فإن قيل: قد بان أن الأعمال غير المحتملة ( تضاد الإيمان من كل وجه ) يكفر المتلبس بها مطلقاً إذا توافرت في حقه الشروط وانتفت عنه الموانع وأن الأعمال المحتملة ( لا تضاد الإيمان من كل وجه ) لا يكفر المتلبس بها إلا إذا أراد الاحتمال الكفري وتوافرت في حقه الشروط وانتفت عنه الموانع .لكن ما الضابط في التفريق بين الأعمال المحتملة وغير المحتملة ؟

    فالجواب أن الضابط في ذلك الشرع المطهر فما كفر به الشرع مطلقاً من غير استفصال كفر به ولم يكن محتملاً، وما استفصل فيه الشرع صار محتملاً . فمما كفر به الشرع من غير استفصال الاستهزاء بالدين كما قال تعالى : ) وقالوا إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ( فالسب وقتل النبي وإهانة المصحف من باب أولى إذ هي أعظم من الاستهزاء فمن ثم لا يستفصل فيها . ومما استفصل فيه الشرع ولم يكفر به بمجرد فعله ، فعل حاطب بن أبي بلتعة إذ قال رسول الله : (يا حاطب ما هذا) ؟ قال: لا تعجل علي ،إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسهم ، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ، ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام ، فقال رسول الله e :" إنه صدقكم " رواه الجماعة إلا ابن ماجه . فلما كان فعل حاطب محتملاً لم يكفره رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مباشرة بل سأله: (يا حاطب ما هذا ؟ ).

    الثالثة / كلّ من وقع في الكفر فلا يقع الكفر عليه ولا يوصف به إلا بعد توافر الشروط الأربع وانتفاء الموانع الأربع ؛ كالعلم المقابل للجهل ، والاختيار المقابل للإكراه ، وكتقصّد النّطق بكلمة الكفر لا أن يكون وقع منه خطأ من باب سبق اللسان ، وكالتأويل غير السائغ المقابل للتأويل السائغ.

    وقد أطال الأئمة في تقرير هذا الأصل ومن أشهر من وضحه وأبانه أبو العباس ابن تيمية وابن القيّم – رحمهما الله –، فمما قاله ابن تيمية في بيان الفرق بين النوع والعين في كلام الله ورسوله وأهل العلم: وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم ، ثم إنهم يرون من الأعيان الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافراً ، فيتعارض عندهم الدليلان ، وحقيقة الأمر أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع ، كلما رأوهم قالوا : من قال كذا فهو كافر ، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله ، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين ، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع ، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه .

    فإن الإمام أحمد – مثلاً – قد باشر الجهمية الذين دعوه إلى خلق القرآن ونفي الصفات وامتحنوه وسائر علماء وقته وفتنوا المؤمنين والمؤمنات الذين لم يوافقوهم على التجهم بالضرب والحبس والقتل والعزل عن الولايات وقطع الأرزاق ورد الشهادة وترك تخليصهم من أيدي العدو ؛ بحيث كان كثير من أولي الأمر إذ ذاك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم : يكفرون كل من لم يكن جهمياً موافقاً لهم على نفي الصفات مثل القول بخلق القرآن – ثم قال – ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم ؛ فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من قولها وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب .

    ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه واستغفر لهم وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية الذين كانوا يقولون : القرآن مخلوق ، وإن الله لا يرى في الآخرة – ثم قال – أو يحمل الأمر على التفصيل .

    فيقال: من كفّره بعينه –يعني الإمام أحمد- فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير وانتفت موانعه ومن لم يكفره بعينه فلانتفاء ذلك في حقه هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم . والدليل على هذا الأصل : الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار ا.هـ[13]

    وقال: فهذا الكلام يمهد أصلين عظيمين - ثم قال – والأصل الثاني : أن التكفير العام – كالوعيد العام – يجب القول بإطلاقه وعمومه . وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار : فهذا يقف على الدليل المعين ، فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه ا.هـ[14] .

    إلا أنه ينبغي أن يتنبّه إلى أنّ السبّ والاستهزاء لا يعذر فيه قائله بالجهل كما أفاد ذلك ابن حزم وابن تيمية لأنّه لا يعقل أن يعبد إلهاً يحبّه حب تعبّدٍ ثمّ يستهزئ به ويسبّه .



    [1] الصارم المسلول (3/963 ) .


    [2] مجموع الفتاوى (14 /120) .والساجد للصنم وقع في فعل كفري وهو كافر بالإجماع كما حكاه القاضي عياض في كتابه الشفا سواء كان سجوده بدافع المال أم لا .


    [3] كتاب الصلاة ص55 .


    [4] فتح الباري (1/114) .


    [5] حاشية التحذير من فتنة التكفير ص72 .


    [6] البدائع (4/42 ) .


    [7] (4/9) .


    [8] رقم (9879 ) .


    [9] الفتاوى (1/131 ) ، وبنحو هذا التفصيل قال في الصلاة عند القبور (1/132 ) .


    [10] الفتاوى (12/186) .


    [11] أحكام الجنائز ص259 .


    [12] المجموع الثمين ( 1/ 65 ) .


    [13] مجموع الفتاوى (12/487) .


    [14] (12/497) .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:02

    الرابعة/ أن التكفير للأعيان لا يكون في المسائل المتنازع فها بين أهل السنة أنفسهم ، وأن الخلاف مانع من تكفير المعين . قال الإمام محمد بن عبدالوهاب: أركان الإسلام خمسة ، أولها الشهادتان ، ثم الأركان الأربعة ، فالأربعة إذا أقر بها وتركها تهاوناً ، فنحن وإن قاتلناه على فعلها ، فلا نكفره بتركها ، والعلماء: اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ، ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم ، وهو الشهادتان ا.هـ [1]

    وقال النووي في كتابه " رياض الصالحين "في تفسير ( بواحاً ) أي ظاهراً لا يحتمل تأويلاً .

    وتنازعُ أهل العلم تأويلٌ يمنع التكفير ؛ لأن للمكفر أن يأخذ قول العلماء الآخرين بما أن الخلاف سائغ بين أهل السنة وهم من أهل السنة . وقد نص على أن الكفر لا يكون في المتنازع فيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين في مواضع من اللقاء المفتوح .

    قال الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- في " شرح القواعد المثلى": "وكثير من الناس- اليوم- ممن ينتسبون إلى الدين وإلى الغيرة في دين الله- عز وجل- تجدهم يكفّرون من لم يكفّره الله- عز وجل- ورسوله بل- مع الأسف- إن بعض الناس صاروا يناقشون في ولاة أمورهم، ويحاولون أن يطلقوا عليهم الكفر، لمجرد أنهم فعلوا شيئا يعتقد هؤلاء أنه حرام، وقد يكون من المسائل الخلافية ، وقد يكون هذا الحاكم معذوراً بجهله، لأن الحاكم يجالسه صاحب الخير وصاحب الشر، ولكل حاكم بطانتان، إما بطانة خير، وإما بطانة شر، فبعض الحكام- مثلا- يأتيه بعض أهل الخير ويقولون: هذا حرام، ولا يجوز أن تفعله، ويأتيه آخرون، ويقولون: هذا حلال ولك أن تفعله! ولنضرب مثلاً في البنوك، الآن نحن لا نشك بأن البنوك واقعة في الربا الذي لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - آكله، وموكله، وشاهديه، وكاتبه، وأنه يجب إغلاقها واستبدال هذه المعاملات بالمعاملات الحلال، حتى يقوم- أولاً- ديننا ثم اقتصادنا- ثانياً-... فالتعجيل في تكفير الحكام المسلمين في مثل هذه الأمور خطأ عظيم، ولابد أن نصبر فقد يمكن أن يكون الحاكم معذوراً ! فإذا قامت عليه الحجة وقال: نعم هذا هو الشرع، وأن هذا الربا حرام ، لكن أرى أنه لا يصلح هذه الأمة في الوقت الحاضر إلا هذا الربا ! حينئذ يكون كافراً لأنه اعتقد أن دين الله في هذا الوقت غير صالح للعصر ، أما أن يشبّه عليه ويقال:- هذا حلال- يعنى: الفقهاء قالوا كذا! ولأن الله قال- كذا- !! فهذا قد يكون معذوراً، لأن كثيراً من الحكام المسلمين الآن يجهلون الأحكام الشرعية - أو كثيراً من الأحكام الشرعية- فأنا ضربت هذا المثل حتى يتبين أن الأمر خطير، وأن التكفير يجب أن يعرف الإنسان شروطه قبل كل شيء ا.هـ

    ومثله التفسيق لا يكون فيما تنازع فيه علماء السنة، فمن رأى أن علة جريان الربا في الأصناف الأربعة الطعم والكيل أو الوزن ، فليس له أن يفسق العامي المقلد لعالم معتبر في التعليل بالادخار زيادة على الطعم والكيل أو الوزن إذا تبادل على وجه الزيادة فيما هو مطعوم غير مدخر.

    ومما يؤكد هذا أن الحدود تدرأ بالشبهات ، فالتكفير من باب أولى يدرأ عن المعين بشبهة الخلاف ، والله أعلم.

    الخامسة / إن التسرع في تكفير أفراد المسلمين جناية على النفس والدين لا يصدر ممن يخشى الله حق خشيته ، قال الشوكاني – رحمه الله – : اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار ، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما ، هكذا في الصحيح وفي لفظ آخر في الصحيحين وغيرهما:" من دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه " أي رجع ، وفي لفظ في الصحيح :" فقد كفر أحدهما" ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير – ثم قال – فإن الإقدام على ما فيه بعض البأس لا يفعله من يشح على دينه ، ولا يسمح به فيما لا فائدة فيه ولا عائدة ، فكيف إذا كان يخشى على نفسه إذا أخطأ أن يكون في عداد من سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كافراً ا.هـ[2]

    وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن : والتجاسر على تكفير من ظاهره الإسلام من غير مستند شرعي، ولا برهان مرضي يخالف ما عليه أئمة العلم من أهل السنة والجماعة، وهذه الطريقة هي طريقة أهل البدع والضلال ومن عدم الخشية والتقوى فيما يصدر عنه من الأقوال والأفعال ا.هـ [3]

    هذا التشديد الشرعي هو في تكفير الأفراد ، فكيف بتكفير الجماعات والدول ؟ لا شك أن الأمر فيه أخطر لما يترتب عليه من سفك الدماء وإزهاق الأنفس وزعزعة الأمن وإضعاف القيام بالدين .

    ومما ينبغي تذكره ما بين حين وآخر أن التكفير من الألفاظ الشرعية فالمتكلم به متكلم باسم الدين وموقع عن رب العالمين ، فيا ويل من تفوه فيه بلا علم، وإنما بالحماسة المفرطة .

    قال ابن القيم : وقد حرم الله سبحانه القول عليه بغير علم في الفتيا والقضاء ، وجعله من أعظم المحرمات ، بل جعله في المرتبة العليا منها ، فقال تعالى ) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ( فرتب المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش ، ثم ثنى بما هو أشد تحريماً منه وهو الإثم والظلم ، ثم ثلث بما هو أعظم تحريماً منهما وهو الشرك به سبحانه ، ثم ربع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم ، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وفي دينه وشرعه ، وقال تعالى ) وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ا.هـ[4]



    فوا عجباً لمن علم جهل نفسه بالأحكام الشرعية العملية اليومية كالصلاة وما يتعلق بها من أركان وواجبات ومستحبات وأحكام سجود السهو والتلاوة والصيام وما يتعلق به من مفسدا ت وواجبات ومستحبات ، والبيوع وما يتعلق به من شروطه وشروط فيه ، والتميز بين البيع الصحيح والفاسد، ثم تراه في التكفير مندفعاً متبجحاً بتسرعه وتكفيره للحكام والعلماء ، أمَا وقف مع نفسه وذكرها بصعوبة وخطورة ما يقترف وأن الحماسة والعجلة والأصحاب لن ينفعوه يوم القيامة قال تعالى ) وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ( وقال ) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ( .

    أليس أحدنا إذا احتاج إلى معرفة أحكام الشرع في نفسه كمسائل الطلاق والحيض والبيوع سأل العلماء الربانيين وأخذ عنهم ولا يلتفت إلى خلاف من خالفهم ؟ فإذا كان الحال كذلك في عامة مسائل الشرع ، فلماذا إذاً ندع أقوال العلماء الأجلاء في مسائل عظام كالتكفير إلى قول غيرهم ؟ أليس هذا نوعاً من الهوى الخفي .

    قال الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين: ومن العجب أن أحد هؤلاء لو سئل عن مسألة في الطهارة أو البيع ونحوهما لم يفت بمجرد فهمه واستحسان عقله ، بل يبحث عن كلام العلماء ويفتي بما قالوه ، فكيف يعتمد في هذا الأمر العظيم الذي هو أعظم أمور الدين وأشدها خطراً على مجرد فهمه واستحسانه ؟ فيا مصيبة الإسلام من هاتين الطائفتين ، ويا محنته من تينك البليتين، ونسألك اللهم أن تهدينا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ا.هـ[5]

    وقال الشيخ سليمان بن سحمان: والعجب كل العجب من هؤلاء الجهال الذين يتكلمون في مسائل التكفير ، وهم ما بلغوا في العلم والمعرفة معشار ما بلغه من أشار إليهم الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين في جوابه الذي ذكرناه قريباً من أن أحدهم لو سئل عن مسألة في الطهارة أو البيع ونحوهما لم يفت بمجرد فهمه واستحسان عقله ، بل يبحث عن كلام العلماء ويفتي بما قالوه ، فكيف يعتمد في هذا الأمر العظيم الذي هو أعظم أمور الدين وأشدها خطراً على مجرد فهمه واستحسان عقله ؟ ا.هـ[6]



    وبعد إيراد هذه المهمات الخمس في التكفير ، إليك ما توهمه دليلاً مبرراً لتكفير الدولة السعودية – حرسها الله -:



    * الأمر الأول / زعمه أن الدولة السعودية تحكم بغير ما أنزل الله:

    إن الحكم بغير ما أنزل الله ذنب عظيم وسبب رئيس من أسباب محق البركة وتسلط الأعداء على المسلمين ، ويكفي في شناعته أن الله وصفه بالكفر فقال ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( وقد فسره علماء القرون المفضلة بأنه كفر أصغر ، ومع ذلك فكل ما هو كفر أصغر فهو شنيع في شرع الله ، وقد تسلط المقدسي العنيد على هذه الدولة السعودية بالتكفير لزعمه أنها تحكم بغير ما أنزل الله ، وقبل إيراد كلامه أمهد بثلاثة تمهيدات :

    -التمهيد الأول / العهود والمواثيق مع الدول الأخرى ( كافرة أو مسلمة ) ليس من ترك الحكم بما أنزل الله :



    [1] الدرر السنية (1/102) .


    [2] كتاب السيل الجرار (4/578) .


    [3] الرسائل والمسائل النجدية (3/20) .


    [4] أعلام الموقعين (1/38) .


    [5] بواسطة كتاب منهاج أهل الحق والاتباع لابن سحمان ص77 .


    [6] منهاج أهل الحق والاتباع ص 80 .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:03

    فالعهود والمواثيق ( الصلح ) نوعان :

    الأول / صلح جائز يجب إنفاذه وإتمامه وهو ما خلا عن ما حرم الله .

    قال تعالى ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ( قال ابن كثير: قوله تعالى ) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ( قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: يعني بالعقود: العهود . وحكى ابن جرير الإجماع على ذلك ، قال: والعهود: ما كانوا يتعاهدون عليه من الحلف وغيره ا.هـ[1]

    وقال تعالى ) فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ ( وأخرج مسلم عن حذيفة قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل ، قال: فأخذنا كفار قريش ، قالوا: إنكم تريدون محمداً؟ فقلنا: ما نريده ، ما نريد إلا المدينة ، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر ، فقال:" انصرفا نفي لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم "

    الثاني / صلح محرم ، وهذا لا يجوز التزامه ولا إنفاذه لأنه مما حرم الله .

    قال ابن قدامة : والشروط في عقد الهدنة تنقسم قسمين: صحيح: مثل أن يشترط عليهم مالاً ، أو معونة المسلمين عند حاجتهم إليهم ، أو يشترط لهم أن يرد من جاءه من الرجال مسلماً أو بأمان فهذا يصح – ثم قال – أن النبي صلى الله عليه وسلم شرط ذلك في صلح الحديبية ، ووفى لهم به ، فرد أبا جندل بن سهيل وأبا بصير – ثم قال – لكن لا يجوز هذا الشرط إلا عند شدة الحاجة إليه ، وتعين المصلحة فيه ، ومتى شرط لهم ذلك لزم الوفاء به بمعنى أنهم إذا جاءوا في طلبه لم يمنعهم أخذه ، ولا يجبره الإمام على المضي معه ، وله أن يأمره سراً بالهرب منهم ومقاتلتهم ، فإن أبا بصير لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وجاء الكفار في طلبه قال له النبي صلى الله عليه وسلم:" إنا لا يصلح في ديننا الغدر وقد علمت ما عاهدناهم عليه ، ولعل الله أن يجعل لك فرجاً ومخرجاً " فلما رجع مع الرجلين قتل أحدهما في طريقه ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم وأنجاني الله منهم . فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلمه بل قال:" ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال " فلما سمع ذلك أبو بصير لحق بساحل البحر ، وانحاز إليه أبو جندل بن سهيل ومن معه من المستضعفين بمكة ، فجعلوا لا تمر عليهم عير لقريش إلا عرضوا لها فأخذوها وقتلوا من معها، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم تناشده الله والرحم أن يضمهم إليه ولا يرد إليهم أحداً جاءه ففعل – ثم قال – الثاني: شرط فاسد مثل أن يشترط رد النساء أو مهورهن ا.هـ[2]

    فلاحظ أن للإمام أن يصالح على ترك واجب إذا ترتب على هذا مصلحة راجحة ؛ لذا النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية لم يتم عمرته ورد أبا بصير وأبا جندل ، ولم ينصرهما مع وجوب هذا كله في الشرع من جهة الأصل .

    قال ابن القيم: ومنها ( أي فوائد صلح الحديبية ): أن مصالحة المشركين ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للمصلحة الراجحة ، ودفع ما هو شر منه ، ففيه دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما ا.هـ[3] وفي حال ضعف المسلمين يكون هذا أظهر والحاجة إليه أمس .



    - التمهيد الثاني/ الحكم فيما لا نص فيه ليس من ترك الحكم بما أنزل الله :

    دلت الشريعة في أكثر من نص أن الحكم فيما لا يخالف نصاً ليس من الحكم بغير ما أنزل الله ، بل من الاتفاق والتصالح المرغوب شرعاً . قال تعالى ) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ( وقال تعالى ) يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ( ولقد ضلت الخوارج الأولى وظنت أن التحاكم في مثل هذا من الحكم بغير ما أنزل الله فضللهم علماء السنة ، ومناظرة حبر الأمة ابن عباس – رضي الله عنهما – للخوارج خير شاهد على هذا فإنه استدل عليهم بهاتين الآيتين.

    قال الشاطبي – رحمه الله - : ويمكن أن يكون من خفي هذا الباب مذهب الخوارج في زعمهم أن لا تحكيم استدلالاً بقوله تعالى ) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ( فإنه مبني على أن اللفظ ورد بصيغة العموم ، فلا يلحقه تخصيص ، فلذلك أعرضوا عن قول الله تعالى ) فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا ( وقوله ) يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ (. وإلا فلو علموا تحقيقاً قاعدة العرب في أن العموم يراد به الخصوص لم يسرعوا إلى الإنكار ، ولقالوا في أنفسهم: لعل هذا العام مخصوص؟ فيتأولون وفي الموضع وجه آخر مذكور في موضع غير هذا – ثم قال – فمثل هذه الاستدلالات لا يعبأ بها ، وتسقط مكالمة أهلها ، ولا يعد خلاف أمثالهم ، وما استدلوا عليه من الأحكام الفروعية أو الأصولية، فهو عين البدعة ، إذ هو خروج عن طريقة كلام العرب إلى اتباع الهوى ا.هـ[4]

    قال شيخنا عبدالعزيز ابن باز – رحمه الله – لما سئل : ما حكم سن القوانين الوضعية؟ وهل يجوز العمل بها؟ وهل يكفر الحاكم بسنه لهذه القوانين؟ : أما القوانين التي تخالف الشرع فلا يجوز سنها ، فإذا سن قانوناً يتضمن أنه لا حد على الزاني أو لا حد على شارب الخمر ، فهذا قانون باطل، وإذا استحله الوالي كفر لكونه استحل ما يخالف النص والإجماع ، وهكذا كل من استحل ما حرم الله من المحرمات المجمع عليها ، فهو يكفر بذلك ا.هـ[5] فمجرد الحكم لا يكون كفراً إلا إذا استحل .

    وقال في رسالة ( حكم من درس القوانين الوضعية أو تولى تدريسها): القسم الثاني: من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها ليحكم بها أو ليعين غيره على ذلك ، مع إيمانه بتحريم الحكم بغير ما أنزل الله ، ولكن حمله الهوى أو حب المال على ذلك ، فأصحاب هذا القسم لا شك فساق وفيهم كفر وظلم وفسق ، لكنه كفر أصغر وظلم أصغر وفسق أصغر لا يخرجون به من دائرة الإسلام ، وهذا القول هو المعروف بين أهل العلم وهو قول ابن عباس وطاووس وعطاء ومجاهد وجمع من السلف والخلف كما ذكر الحافظ ابن كثير والبغوي والقرطبي وغيرهم ، وذكر معناه العلامة ابن القيم في كتاب " الصلاة " وللشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن – رحمه الله – رسالة جيدة في هذه المسألة مطبوعة في المجلد الثالث من مجموع الرسائل الأولى ا.هـ[6]

    وقال شيخنا محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: النظم التي تقرر وهي لا تخالف الشرع فإن طاعة ولي الأمر فيها واجبة ، ومن عصى وخالف فهو آثم ا.هـ[7] وقد سمعت شيخنا صالحاً الفوزان – حفظه الله – يقرر نحو هذا .

    وما تقدم في التمهيد الأول يستدل به ههنا .



    - التمهيد الثالث/ إن ترك الحكم بما أنزل الله على شناعته وسوئه ليس كفراً أكبر ، وإنما هو أصغر[8] كما صرح بذلك سادات الأمة من علماء السنة – كما سيأتي - ، وكونه أصغر لا أكبر ليس معناه التساهل به؛ لأنه لو لم يكن من قبحه إلا وصف الشريعة له بأنه كفر لكفى ، فإليك الأدلة وأقوال علماء الأمة ومنهم الإمامان عبدالعزيز ابن باز ومحمد ناصر الدين الألباني – رحمهما الله - في تقرير كونه كفراً أصغر لا أكبر .

    اتفق العلماء على أن مِنْ الحكم بغير ما أنزل الله كفراً مخرجاً من الملة كأن يكون جحوداً أو استحلالاً - على ما سيأتي تفصيله – ومنه ما ليس كفراً كأن يظلم الأبُ أحدَ ابنيه ولا يعدل بينهما فإنه بهذا يكون قد حكم بينهما بغير ما أنزل الله إذ الحكم بين الأبناء من جملة الحكم فإن كان عدلاً فهو بما أنزل الله وإن كان ظلماً فهو بغير ما أنزل الله ، قال ابن تيمية :"وكل من حكم بين اثنين فهو قاضٍ سواءً كان صاحب حربٍ أو متولي ديوان أو منتصباً للاحتساب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى الذي يحكم بين الصبيان في الخطوط فإن الصحابة كانوا يعدُّونه من الحكام … ا . هـ[9]

    والحكم بغير ما أنزل الله حالاتٌ ، لكن هناك حالةٌ كثُر الكلام فيها وهي إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله هوىً وشهوةً بأن يضع قوانين من نفسه أو يتبنى قوانين وُضعت قَبله وهو مع هذه الحالة معترفٌ بالعصيان والخطيئة فهل مثلُ هذا يُعد كفراً مخرجاً من الملَّة أم لا ؟ وقبل ذكر أدلة كل طائفة أحرِّر محل النزاع وهو يتلخص فيما يلي:

    1-أن يجحد الحاكمُ حكمَ الله سبحانه وتعالى ومعنى الجحود أنه يكذِّب وينكر أن هذا حكم الله عز وجل وهذا كفرٌ بالاتفاق قال تعالى ) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً… ( وقال سبحانه ) فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ… ( وكفرُ الجحود نوعان : كفرٌ مطلقٌ عامٌّ وكفرٌ مقيَّدٌ خاص . والخاص المقيَّد :أن يجحد فرضاً من فروض الإسلام أو تحريم محرم من محرماته … ا . هـ [10]

    والفرق بين التكذيب والجحود من وجهين :

    أ‌- أن كفر الجحود تكذيب اللسان مع علم القلب .



    [1] التفسير (3/7) .


    [2] المغني ( 13/161) .


    [3] زاد المعاد ( 3/306) .


    [4] الاعتصام (1/303) .


    [5] مجموع فتاوى ومقالات (7/119) .


    [6] مجموع فتاوى ومقالات (2/326) .


    [7] شريط أهداف الحملات الإعلامية ضد حكام علماء بلاد الحرمين .


    [8] قال الشيخ العلامة صالح الفوزان معلقاً: ليس كفراً أكبر مطلقاً وإنما هو قد يكون أصغر .


    [9] مجموع الفتاوى ( 18/170 ) .


    [10] أفاده ابن القيم في المدارج (1/367 ) .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:04

    أ‌- أن كفر الجحود مصحوب بالعناد .[1]

    2- أن يجوِّز الحاكم الحكم بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى :- وهذا هو الاستحلال وهو كفرٌ بالاتفاق ، قال ابن تيمية : والإنسان متى حلَّل الحرام - المجمع عليه أو حرَّم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء وفي مثل هذا نزل قوله تعالى على أحد القولين ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( ، أي هو المستحلُّ للحكم بغير ما أنزل الله . ا.هـ [2]

    وقال :" وبيان هذا أن من فعل المحارم مستحلاً لها فهو كافرٌ بالاتفاق فإنه ما آمن بالقرآن مَنْ استحلَّ محارمه ـ ا.هـ[3] .

    وقال :" ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافرٌ فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافرٌ … ا . هـ[4] ، ومما يدل على أن الاستحلال كفرٌ أيضاً ما يلي:

    أ- قوله تعالى ) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ… (

    قال ابن حزم :" وبحكم اللغة التي نزل بها القرآن أن الزيادة في الشيء لا تكون البتة إلا منه لا من غيره فصحَّ أن النسيء كفرٌ وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله تعالى فمن أحلّ ما حرم الله تعالى وهو عالمٌ بأن الله تعالى حرمه فهو كافرٌ بذلك الفعل نفسِهِ … ا . هـ[5].

    ب- قوله تعالى ) وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ(

    قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن :" كيف حكم على أن من أطاع أولياء الشيطان في تحليل ما حرم الله أنه مشرك وأكـد ذلك بإن المؤكدة … ا.هـ[6] .

    ج- قوله تعالى ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ… (

    قال ابن كثير : إنهم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم ، بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وتحليل الميتة والدم والقمار … إلى قوله من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأقوال الفاسدة ا . هـ [7]

    وقال ابن جرير: يقول تعالى ذكره أم لهؤلاء المشركين بالله شركاء في شركهم وضلالتهم شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله يقول ابتدعوا لهم من الدين ما لم يُبحِ الله لهم ابتداعه . ا . هـ[8]

    لذا درج جماعةٌ من العلماء [9]على ذكر الآية من الأدلة على تحريم البدع – التي هي تشريع أمور جديدة يزعم صاحبها أنها من الدين ليُتعبد الله بها - ومن هذا يتبين خطأ المستدلين بالآية على تكفير من شرع أحكاماً غير حكم الله ووجه خطأ استدلالهم أن الآية كفرت من جمع بين وصف التشريع والزعم أنه من الدين وهذا هو المسمى بالتبديل - كما سيأتي- أما التشريع وحده دون زعم أنه من الدين فلم تحكِ الآية كفره فتنبه .

    3-أن يسوِّي الحاكم حكم غير الله بحكم الله جل جلاله : وهذا كفرٌ مخرجٌ من الملّة كما قال تعالى ) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ(وقال ) لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء ٌ(وقال ) هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (وقال ) فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً (.

    4-أن يفضِّل حكم غير الله على حكم الله سبحانه وتعالى : وهذا كفرٌ مخرجٌ من الملَّة إذ هو أولى من الذي قبله فهو تكذيبٌ لكتاب الله سبحانه وتعالى قال الله تعالى ) وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (.

    5- أن يحكم بغير ما أنزل الله على أنه حكم لله ، وهذا كفر أكبر بالإجماع قال تعالى ) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ( فجمعوا بين التشريع وزعمه من الدين فهذا يسمى تبديلاً .

    وبعد تحرير ما أظنُّه مورد النـزاع انتقل إلى ما كثُر فيه الخلاف وهو إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل الله هوىً وشهوةً بأن يضع قوانين من نفسه أو يتبنَّى قوانين وضعت قبله مع اعترافه بالعصيان ومخالفة أمر الرحمن سبحانه فهل مثل هذا الحاكم يصير كافراً مرتداً عن الدين ؟ سأورد المسألة على وجه المناظرة ليسهل تصورها من حيث الدليل ومن لا يكفر في هذه المسألة أصفه ( بالمفسِّق ) ومن يكفِّر أصفه ( بالمكفِّر ) .



    قال المفسِّق : إن الأصل في المعاصي والذنوب عدم الكفر إلا بدليل شرعي خاص، فإن ذكرت دليلاً يدل على التكفير ولم أستطع الإجابة عليه، فليس لي إلا المصير إلى قولك ويكفيك في إثبات الكفر دليلٌ واحدٌ صحيحٌ من جهة الثبوت والدلالة ، وإن لم تصح أدلتك إما من جهة الثبوت أو من جهة الدلالة ، فإنه يلزمك الرجوع إلى الأصل وهو عدم التكفير مع اتفاقنا أنه واقعٌ في ذنبٍ خطير؛ حسب هذا الذنب خطورة تسمية الشريعة صاحبه كافراً تنازع الناس في إخراجه من الملة .

    قال المكفِّر : عندي أدلةٌ كثيرة متنوعةٌ من الكتاب والسنة والإجماع والعقل دالةٌ على أن الكفر أكبر ولكن لتكن طريقتنا في المباحثة دراسة كلِّ دليلٍ وحده ، فإن سلَّمتَ بصحة دلالة دليلٍ واحدٍ من حيث الثبوت والدلالة فليتوقف البحث لأن المقصود قد حصل . وقد ذكرتَ أن دليلاً واحداً يكفي لإثبات ما أريد .

    قال المفسِّق : هات الأدلة مستعيناً بالله .

    قال المكفِّر: الدليل الأول قوله تعالى ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (

    وجه الدلالة: أن الله حكم على الذي لم يحكم بما أنزل الله بأنه الكافر فرتَّب وصفه بالكافر على مجرد الحكم بغير ما أنزل الله دون نظرٍ لاعتقاد فدلَّ على أن علَّة هذا الحكم كونه لم يحكم بما أنزل فحسب ولا يصحُّ لك أن تحمل وصف الكافر هنا على الكفر الأصغر لأن الحافظ الإمام ابن تيمية حكى بعد الاستقراء لنصوص الشريعة أن الكفر المعرَّف لا ينصرف إلا إلى الأكبر[10]، ثم ذكر هو وغيره أن الأصل في الكفر إذا أطلق انصرف إلى الأكبر إلا بدليل إذ الأصل في اللفظ إذا أُطلق في الكتاب والسنة انصرف إلى مسماه المطلق وحقيقته المطلقة وكماله [11].

    قال المفسِّق : لقد ذكرت في ثنايا كلامك حججاً ثلاثاً :

    1- أن الشارع علَّق الحكم بمجرد التحكيم دون النظر للاعتقاد .

    2- أن اللفظ إذا أُطلق في الشريعة انصرف إلى كماله إلا بدليل .

    3- أن ابن تيمية استقرأ لفظ الكفر في الشريعة وتبين له أنها لا تنصرف إلا إلى الأكبر دون الأصغر .

    والجواب على الحجة الأولى يكون بما يلي :

    أ‌- لا أخالفك أن الشارع علّق الحكم بوصف( الكافر ) على مجرد التحكيم بغير ما أنزل الله لكنني أقول بأن الكفر هنا أصغر لا أكبر للأدلة التالية:

    1- أن الأخذ بعموم الآية يلزم منه تكفير المسلمين في أي حادثةٍ لم يعدلوا فيها بين اثنين حتى الأب مع أبنائه بل والرجل في نفسه إذا عصى ربه ؛ لأن واقعه أنه لما عصى ربه لم يحكم بما أنزل الله في نفسه[12] ووجه هذا اللازم أن لفظة ( مَنْ ) عامةٌ تشمل كل عالم[13] ( وما ) عامة تشمل كل ما ليس بعالم ومن لم يعدل بين بنيه داخلٌ في عموم (من ) ومسألته التي لم يعدل فيها داخلةٌ في عموم ( ما) .

    فالنصوص الدالة على عدم كفر مثل هذا وكل عاصٍ تكون صارفةً للآية من الأكبر إلى الأصغر لأجل هذا أجمع العلماء على عدم الأخذ بعموم هذه الآية، إذ الخوارج هم المتمسكون بعمومها في تكفير أهل المعاصي والذنوب ولم يلتفتوا إلى الصوارف من الأدلة الأخرى .

    قال ابن عبد البر : وقد ضلَّت جماعة من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة في هذا الباب فاحتجوا بآيات من كتاب الله ليست على ظاهرها مثل قوله تعالى ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (. ا . هـ [14].



    [1] راجع المدارج ( 1/366 ) ونوا قض الإيمان الإعتقادية (2/60 ) .


    [2] مجموع الفتاوى (3/267) .


    [3] الصارم المسلول (2/971 ) .


    [4] منهاج السنة ( 5/130 ) .


    [5] الفِصَل (3/204 ) .


    [6] الرسائل والمسائل النجدية (3/46 ) وبنحو هذا فسَّره ابن كثير في تفسيره ( 3/329)


    [7] التفسير ( 7/198 ) .


    [8] التفسير ( 25/14 ) .


    [9] كما فعله ابن تيمية في مواضع منها في أوائل كتاب الاستقامة (1/5) والاقتضاء (2/582) .


    [10] انظر الاقتضاء ( 1/211 ) وشرح العمدة قسم الصلاة (82) .


    [11] انظر مجموع الفتاوى (7/668 ) والرسائل والمسائل النجدية ( 3/7) وشرح العمدة قسم الصلاة لابن تيمية ص 82 .


    [12] قال ابن حزم في الفصل ( 3/ 234): فإن الله عز وجل قال : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، ومن لم يحكم بما أنز الله فأولئك هم الفاسقون ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون . فليلزم المعتزلة أن يصرحوا بكفر كل عاص وظالم وفاسق لأن كل عامل بالمعصية فلم يحكم بما أنزل الله ا.هـ


    [13] درج كثير من العلماء أن يعبر بكلمة (عاقل ) بدل (عالم)لكن عالم أدق لأن (مَنْ ) أطلقت على الله ، فالله يوصف بالعلم ولا يوصف بالعقل .قال الخطابي في كتاب شأن الدعاء ص113 :وفي أسمائه العليم ومن صفته العلم ، فلا يجوز قياساً عليه أن يسمى عارفاً لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك لا يوصف بالعاقل ..ا.هـ .


    [14] التمهيد (17/16) .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:05

    وقال :أجمع العلماء على أن الجور في الحكم من الكبائر لمن تعمَّد ذلك عالماً به … ا . هـ[1]

    وقال محمد رشيد رضا :" أما ظاهر الآية لم يقل به أحدٌ من أئمة الفقه المشهورين . بل لم يقل به أحدٌ قط " ا . هـ[2] فلعلَّه لا يرى الخوارج أيضاً متمسكين بظاهر الآية لكونهم لا يكفِّرون بالصغائر وظاهر الآية تشمل حتى الصغائر .

    وقال الآجري: ومما يتبع الحرورية من المتشابه قول الله عز وجل ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( ويقرءون معها ) ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ( فإذا رأوا الإمام الحاكم يحكم بغير الحق قالوا: قد كفر ، ومن كفر عدل بربه فقد أشرك، فهؤلاء الأئمة مشركون ، فيخرجون فيفعلون ما رأيت ؛ لأنهم يتأولون هذه الآية ا.هـ[3] .

    وقال الجصاص :" وقد تأولت الخوارج هذه الآية على تكفير من ترك الحكم بما أنزل الله من غير جحود . ا هـ[4]

    وقال أبو حيان :" واحتجت الخوارج بهذه الآية على أن كل من عصى الله تعالى فهو كافرٌ وقالوا هي نص في كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر ا.هـ[5]

    انظر – يا رعاك الله – توارد كلمات علماء الأمة في ذم الأخذ بعموم الآية وأنه مذهب الخوارج ، فكن حذراً.

    2- أنه ثبت عن ترجمان القرآن تفسير الآية بالكفر الأصغر دون الأكبر وليس لنا أن نخالفه

    قال المكفِّر : لا أسلِّم لك صحة الاستدلال بأثر ابن عباس لا من حيث السند ولا المتن .

    أما من حيث السَّند فإن ما جاء عن ابن عباس صريحاً في إرادة الكفر الأصغر لا يثبت كقوله " كفرٌ لا ينقل عن الملة " فإن هذا الأثر رواه ابن نصر[6] من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن رجلٍ عن طاووس عن ابن عباس به ، وفي إسناده رجل مُبهمٌ فهو من أنواع المجهول ورواية المجهول ضعيفةٌ لا يُحتجُ بها وكقوله – رضي الله عنهما –" ليس بالكفر الذي تذهبون إليه " فقد رواه ابن نصر[7] من طريق ابن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباسٍ به وهشام بن حجير قد ضعفه يحيى القطان وابن معين وغيرهما . فعلى هذا يكون الأثر ضعيفاً وكقوله – رضي الله عنهما – " كفرٌ دون كفرٍ " فقد أخرجه الحاكم من طريق ابن عيينة عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس به وهذا الأثر ضعيفٌ لضعف هشام بن حجير .

    وأما ما ثبت عن ابن عباس في تفسير الآية كقوله " هي به كفرٌ " كما رواه عبد الرزاق[8] عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس به فليس صريحاً في الأصغر ، إذ قد يُحمل على الأكبر ومثل هذا ما أخرجه الطبري في تفسيره من طريق سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس قوله " هي به كفرٌ وليس كفراً بالله وملائكته وكتبه ورسله ".

    قال المفسِّق : ما ذكرته من البحث الإسنادي أنا مسلِّمٌ به ولم يكن اعتمادي على هذه الآثار الضعيفة في تثبيت هذا القول عن ابن عباس وإنما مُعتَمدي ما يلي : أن هذين الأثرين الصحيحين عن ابن عباس محتملان للكفر الأصغر أو الأكبر ، فرجحت احتمال إرادة الأصغر لثلاثة أمور:

    أ - أن أصحاب ابن عباس كطاووس صرَّحوا بأن المراد بالآية كفر لا ينقل عن الملة بإسناد صحيح رواه ابن نصر[9] وابن جرير في تفسيره . فهذا يغلِّب جانب احتمال إرادة الكفر الأصغر فيصير من باب الظن الغالب وهو كافٍ للاستدلال فإن أقوال أصحاب الرجل توضِّح قوله بل قد يُعلُّ ويُضعَّف قول الرجل إذا كان أصحابه على خلاف قوله كما فعل يحيى بن سعيد في تضعيف قولٍ لابن مسعود لأن أصحابه على خلافه[10].

    ب - أنني لا أعرف أحداً من العلماء الماضين جعل قولا آخر لابن عباس بناءً على هذه الرواية وإنما من جعل منهم لابن عباس قولا آخر اعتمد على ما روي عنه من أنه فسر الآية بالجحود وإسناده ضعيفٌ ثم أيضاً مما يقوِّي عدم إرادة ابن عباس الكفر الأكبر أن فتنة الخوارج في زمانه وكانوا متمسكين بهذه الآية في التكفير وكانت له معهم مناظراتٌ فتفسير الآية بالكفر الأكبر لا فائدة منه في الرد عليهم فتنبه هُديت الرُّشد .

    ج- أن الرواية الضعيفة التي فيها التصريح بأنه كفر دون كفر ليس ضعفها شديداً ، فإنه قد وثق بعض أهل العلم هشام بن حجير فيعتضد بها في بيان معنى الآثار الصحيحة وأن المراد بها كفر أصغر .[11]

    قال المكفِّر : لقد أجبت على الحجة الأولى فما جوابك على الحجة الثانية ؟

    قال المفسِّق : إنك تجعل الأصل في الكفر أنه للأكبر إلا بدليل يصرفه عن ذلك ، وقد ذكرتُ لك الدليل الصارف من الأكبر إلى الأصغر وهو فهم الصحابي أولاً .

    وثانياً كل دليل يدل على عدم كفر من ظلم بين اثنين ولم يعدل بل ومن ظلم مطلقاً غيره وأيضاً ما ذكر ابن عبد البر من الإجماع على أن الجور في الحكم ليس كفراً بل كبيرةٌ من كبائر الذنوب .

    قال المكفِّر : ما جوابك على الحجة الثالثة ؟

    قال المفسِّق : الجواب من وجهين :

    أ – أن استقراء ابن تيمية كان على لفظة ( الكفر ) وهي مصدرٌ والذي ورد في الآية ليس مصدراً وإنما اسم فاعل وفرق بينهما إذ المصدر يدل على الحدث وحده أما اسم الفاعل فهو يدل على الحدث والفاعل[12] أفاده بمعناه العلَّامة محمد بن صالح العثيمين [13] .

    ومما يدل على أن استقراءه راجع إلى المصدر دون اسم الفاعل أنه هو نفسه جعل الآية من الكفر الأصغر قال – رحمه الله -:" وإذا كان من قول السلف :إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق ، فكذلك في قولهم : إنه يكون فيه إيمان وكفر ، ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملّة ، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( قالوا : كفروا كفراً لا ينقل عن الملة ، وقد أتبعهم على ذلك أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة ا.هـ[14] .

    ب - على فرض أن استقراء ابن تيمية يشمل اسم الفاعل فسُيقال إن استقراء ابن تيمية قاصر ناقص ليس تاماً لكون هذه الآية جاءت معرَّفةً وأريدَ بها الكفر الأصغر دون الأكبر لما سبق من الأدلة .

    وبعد الإجابة على حججك الثلاث وإثبات أن الآية محمولةٌ على الكفر الأصغر ألفت نظرك – يا صاحبي – إلى أن الآية قد يُراد بها الكفر الأكبر وذلك في حق من بدل حكم الله بحكم غيره وبعض الناس لا يعرف معنى كلمة بدل فيظنها تشمل كل من حكم بغير حكم الله و كلمة بدَّل في كلام أهل العلم هو أن يضع حكماً غير حكم الله زاعماً انه حكم الله أما من وضع حكماً غير حكم الله ولم يزعم أنه حكم الله فليس مبدلاً .

    قال ابن العربي :" وهذا يختلف: إن حكم بما عنده على أنه من عند الله فهو تبديل له يوجب الكفر … ا .هـ[15] وبمثله قال القرطبي [16] وإليه أشار الإمام ابن تيمية فقال: ولفظ الشرع يقال في عرف الناس على ثلاثة معان: " الشرع المنزل " وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهذا يجب اتباعه ، ومن خالفه وجبت عقوبته . والثاني " الشرع المؤول" وهو آراء العلماء المجتهدين فيها كمذهب مالك ونحوه . فهذا يسوغ اتباعه ولا



    [1] التمهيد (5/74-75 ) .


    [2] تفسير المنار (6/406) .


    [3] الشريعة ص27.


    [4] أحكام القرآن ( 2/534 ) .


    [5] البحر المحيط ( 3/493 ) .


    [6] تعظيم قدر الصلاة رقم ( 573 ) .


    [7] رقم ( 569 ) .


    [8] التفسير ( 1/186) رقم (713) .


    [9] كتاب تعظيم قدر الصلاة رقم (574) .


    [10] انظر الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 22 .


    [11] قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في تعليقه على كلام الشيخ الألباني: احتج الألباني بهذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما وكذلك غيره من العلماء الذين تلقوه بالقبول لصدق حقيقته على كثير من النصوص ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " ومع ذلك فإن قتاله لا يخرج الإنسان من الملة لقوله تعالى ) وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ( إلى أن قال) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ( لكن لما كان هذا لا يرضي هؤلاء المفتونين بالتكفير صاروا يقولون: هذا الأثر غير مقبول ، ولا يصح عن ابن عباس ، فيقال لهم: كيف لا يصح ؟ وقد تلقاه من هو أكبر منكم وأفضل وأعلم بالحديث وتقولون لا يقبل ؟!

    فيكفينا أن علماء كشيخ ا؟لإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما وغيرهما تلقوه بالقبول ، ويتكلمون به وينقلونه ، فالأثر صحيح ، ثم هب أن الأمر كما قلتم أنه لا يصح عن ابن عباس فلدينا نصوص أخرى تدل على أن الكفر قد يطلق ولا يراد به الكفر المخرج عن الملة كما في الآية المذكورة ، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم:" اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب ، والنياحة على الميت " وهذه لا تخرج عن الملة بلا إشكال ، لكن كما قال الشيخ الألباني – وفقه الله – في أول كلامه : قلة البضاعة من العلم ، وقلة فهم القواعد الشرعية العامة هي التي توجب هذا الضلال ، ثم شيء آخر نضيفه إلى ذلك وهو سوء الإرادة التي تستلزم سوء الفهم ؛ لأن الإنسان إذا كان يريد شيئاً لزم من ذلك أن ينتقل فهمه إلى ما يريده ثم يحرف النصوص على ذلك ، وكان من القواعد المعروفة عند العلماء أنهم يقولون : استدل ثم اعتقد ، ولا تعتقد ثم تستدل فتضل ، فالمهم أن الأسباب ثلاثة :

    الأولى: قلة البضاعة من العلم الشرعي .

    الثانية: قلة الفقه في القواعد الشرعية العامة .

    الثالثة: سوء الفهم المبني على سوء الإرادة ا.هـ انظر تعليق الشيخ ابن عثيمين في كتاب " فتنة التكفير للشيخ الألباني " ص24 – 25 .


    [12] قال الشيخ العلامة صالح الفوزان معلقاً: هو قول الأصوليين .


    [13] قال: وأما القول الصحيح عن شيخ الإسلام فهو تفريقه – رحمه الله – بين الكفر المعرفة ب ( ال ) وبين " كفر " منكراً ، فأما الوصف فيصلح أن نقول فيه " هؤلاء كافرون " أو هؤلاء الكافرون " ، بناء على ما اتصفوا به من الكفر الذي لا يخرج من الملة ، ففرق بين أن يوصف الفعل ، وأن يوصف الفاعل ا.هـ ( فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة ص227 .


    [14] مجموع الفتاوى (7/312 ) وانظر فتح الباري لابن رجب (1/ 126)


    [15] أحكام القرآن ( 2/624 ) .


    [16] التفسير ( 6/191 ) .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:06

    يجب ولا يحرم ، وليس لأحد أن يلزم عموم الناس به ، ولا يمنع عموم الناس منه . والثالث " الشرع المبدل " وهو الكذب على الله ورسوله أو على الناس بشهادات الزور ونحوها ، والظلم البين فمن قال إن هذا من شرع الله فقد كفر بلا نزاع . كمن قال : إن الدم والميتة حلال – ولو قال هذا مذهبي – ونحو ذلك ا.هـ[1]

    فلاحظ أنه جعل الشرع المبدل الكذب على الله بزعم أنه من شرع الله لا تغيير الحكم مطلقاً .

    وما رواه مسلم سبباً لنزول هذه الآية من حديث البراء بن عازب هو تبديلٌ إذ زعم اليهود أنهم يجدون حد الزنى في كتابهم التحميم والواقع أن حد الزنى في كتابهم الرجم لكنهم غيروه إلى التحميم مدعين أن التحميم حكم الله المنزل فالآية إما أن تحمل على الأصغر كما سبق أو على الأكبر في حق المبدل قال ابن تيمية :" والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء ، وفي مثل هذا نزل قوله على أحد القولين ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله ا.هـ[2] .



    فائدة / كثيراً ما يذكر أهل العلم في كلامهم لا سيما الإمام أحمد بن تيمية – رحمه الله – أن من لم يلتزم هذا فهو كافر . فظن بعضهم أنه يريد المداومة على ترك الواجب أو المداومة على فعل الحرام ، ويسمون هذا غير ملتزم، وهذا الظن خاطئ ، وخطوة من خطوات الشيطان ليجعلهم على فكر الخوارج في مرتكب الكبيرة ، ورد هذا الظن من أوجه :

    1/ بيان معنى ( عدم الالتزام ) من كلام أهل العلم لا سيما الإمام أحمد بن تيمية – رحمه الله - ، وأنه لا يرادف الترك المستمر كما يتصوره بعضهم قال – رحمه الله -: وتكفير تارك الصلاة هو المشهور المأثور عن جمهور السلف من الصحابة والتابعين . ومورد النزاع هو فيمن أقر بوجوبها والتزم فعلها ولم يفعلها ا.هـ[3]

    لاحظ قوله " التزم فعلها ولم يفعلها " يفيد أن معنى الالتزام غير معنى المداومة على الفعل فقد يكون الرجل ملتزماً لها لكنه لا يفعلها ، فالالتزام الذي ينبني على تركه الكفر أمر عقدي قلبي لا فعلي ؛ لذا لما أراد ابن تيميه التعبير بالالتزام الفعلي قيده بوصف ( الفعلي ) ثم لم يجعله مكفراً لذاته بل لأمر آخر عقدي فقال – بعد النقل المتقدم -: أن لا يجحد وجوبها ، لكنه ممتنع من التزام فعلها كبراً أو حسداً أو بغضاً لله ورسوله ، فيقول: اعلم أن الله أوجبها على المسلمين ، والرسول صادق في تبليغ القرآن ، ولكنه ممتنع عن التزام الفعل استكباراً أو حسداً للرسول ، أو عصبية لدينه ، أو بغضاً لما جاء به الرسول ، فهذا أيضاً كفر بالاتفاق ، فإن إبليس لما ترك السجود المأمور به لم يكن جاحداً للإيجاب ، فإن الله تعالى باشره بالخطاب ، وإنما أبى واستكبر وكان من الكافرين ا.هـ فلاحظ أنه لم يجعل ترك الالتزام الفعلي مكفراً لذاته ، بل لما احتف به اعتقاد كفري ، وهو الكبر والحسد أو بغض الله ورسوله .

    فبهذا يتبين بجلاء أن ترك الالتزام ليس تركاً للفعل بل ترك للاعتقاد ، فإن قيل: ما معنى ( عدم الالتزام ) ؟

    فيقال: معناه عدم اعتقاد الإيجاب على النفس . قال في معجم لغة الفقهاء (86): والالتزام في عرف العلماء واصطلاح الفقهاء: الإيجاب على النفس أو الإذعان ا.هـ[4]

    2/ يلزم على قولهم أن من المكفرات عند أهل السنة الإصرار على المعصية تركاً لواجب أو فعلاً لمحرم فأين هو من كلامهم ؟ بل إن كلامهم المسطور في كتب المعتقد أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله [5]، وذلك رد على الخوارج المكفرين بارتكاب الكبائر .

    3/ يلزم على قولهم أن المصر على المعصية بفعل المحرم أو ترك الواجب كافر. وهذا مخالف لما ثبت عن ابن عباس أنه قال: لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار . أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير في تفسيرهما لسورة النساء.

    4/ أنه لا دليل من الكتاب والسنة على التكفير بمجرد الإصرار على الذنب، والتكفير حق لله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا مدخل للعواطف ولا للحماسات فيه ، بل النصوص دلت على عدم تكفير المصر كحديث صاحب البطاقة وغيره .

    لذا المرجو التنبه لخطوة الشيطان هذه وألا ينساق وراءها .

    قال المكفر: إن هناك أثراً ثابتاً عن علقمة ومسروق أنهما سألا عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – عن الرشوة ، فقال: من السحت . قال: فقالا: أفي الحكم؟ قال: ذاك الكفر . ثم تلا هذه الآية ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( أخرجه الطبري في تفسيره . فهذا يفيد التكفير بمجرد الحكم بغير ما أنزل الله .

    قال المفسق: إنك لو تأملت أثر ابن مسعود ولو قليلاً لعلمت أنه لا يدل على ما تريد ولا ممسك لك به ، وذلك لوجهين:

    1- أن الأخذ بظاهره على ما تظن يقتضي الكفر الأكبر لمن أخذ الرشوة ليحكم بغير ما أنزل الله في مسألة واحدة . وهذا الظاهر لا تقول به ، وقطعاً غير مراد للإجماعات التي سبق نقلها عن ابن عبدالبر وغيره من أن هذا قول الخوارج دون غيرهم .

    2- أن ابن مسعود لم يبين أي الكفر المراد : الأكبر أو الأصغر . أما أثر ابن عباس فصريح في إرادة الأصغر دون الأكبر فلا يصح جعل الخلاف بين الصحابة بما هو مظنون ، فإن الأصل عدم خلافهم لقلته بينهم .

    قال المكفِّر : إنّك – يا أخي – أوردت كلام العلماء من الصحابة ومن بعدهم على أنّ هذا كفر أصغر وهؤلاء العلماء يتكلمون في واقع غير واقعنا إذ تنحية شرع الله كلية لم يوجد إلا مؤخراً فلا يصح تنزيل كلامهم على واقعنا فتنبه .

    قال المفسق : إذا كنت - يا أخي – لا ترى الاستدلال بالآية وكلام السلف على مسألتنا المطروحة لكونها حادثة ، فكذلك لا يصح تمسكك بالآية ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون َ( دليلاً على تكفير من وقع في هذه الأزمان المتأخرة من الحكم بغير ما أنزل الله بجعل قانون وضعي وهو الذي نبحثه فكن يقظاً ، لأن هذه الآية بفهم الصحابة والتابعين حتى على قولك محمولة على من خالف في بعض الوقائع فهي لا تخرج عن الكفر الأصغر.

    قال المكفِّر : عندي دليل ثانٍ وهو قوله تعالى ) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ… (

    وجه الدلالة / أن الأصل في النفي هنا أن ينصرف إلى أصل الإيمان فمن ثم يكون الحاكم بغير ما أنزل الله بمجرد تحكيمه كافراً كفراً أكبر لأن الإيمان قد نفي عنه . إلا أن يكون هناك دليل يدل على أن المنفي كمال الإيمان الواجب كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " متفق عليه من حديث أنس واللفظ لمسلم وأنا لا أعلم دليلاً يصرفه إلى كماله الواجب .

    قال المفسِّق : جزاك الله خيراً على هذا التأصيل القويم وعندي أكثر من دليل يدل على أن الإيمان المنفي هنا كماله الواجب لا أصله من ذلك :-

    1/ سبب نزول الآية وهو ما رواه الشيخان عن عبد الله بن الزبير أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة … إلخ ، وفيه أن الأنصاري لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب ثم قال أن كان ابن عمتك … إلخ ، فقال ابن الزبير : والله إني لأحسب هذه الآية ما نزلت إلا في ذلك ) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ... (

    وجه الدلالة / أنه وجد في نفس الأنصاري البدري حرج ولم يسلم تسليماً لحكم رسول الله ومع ذلك لم يكفر ، ويؤكد عدم كفره أن الرجل بدري والبدريون مغفورة لهم ذنوبهم كما في حديث علي في قصة حاطب لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال :اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " [6] والكفر الأكبر لا يغفر ، فدل هذا على أن البدريين معصومون من أن يكفروا ، نص عليه ابن تيمية [7]. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يطالبه بالإسلام .

    2/ ما رواه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري قال بعث على بن أبي طالب وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة فقسمها بين أربعة فقال رجل يا رسول الله: اتق الله فقال " ويلك ألست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا لعلَّه أن يكون يصلي "، قال خالد: وكم من مصلٍ يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم "الحديث . وجه الدلالة: أن هذا الرجل اعترض على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرض به ويسلِّم ، ووجد في نفسه حَرَجاً ولم يكفِّره الرسول صلى الله عليه وسلم ، وامتنع عن قتله خشية أن يكون مصلياً ولو كان واقعاً في أمرٍ كفريٍّ لم تنفعه صلاته لأن الشرك



    [1] (3/268)


    [2] مجموع الفتاوى ( 3/ 267) وانظر (7/70-71).


    [3] الفتاوى (20/97) .


    [4] ثم تبين لي بعد تقديم المشايخ أن عدم الالتزام هو ترك الفعل لدافع عقدي كفري كالإباء والآستكبار مع الإيجاب على النفس . وقد فصلت هذا في كتابي (البرهان المنير في دحض شبهات أهل التكفير)3/3/1427هـ


    [5] قال الشيخ العلامة صالح الفوزان معلقاً: يستثنى من ذلك ترك الصلاة متعمداً فإنه يكفر كما صحت به الأدلة .


    [6] رواه الستة إلا ابن ماجه قال ابن تيمية في المنهاج (4/ 331 ) : وهذه القصة مما اتفق أهل العلم على صحتها ،وهي متواترة عندهم ، معروفة عند علماء التفسير ، وعلماء الحديث ، وعلماء المغازي والسير والتواريخ ،وعلماء الفقه وغير هؤلاء ا.هـ .


    [7] مجموع الفتاوى (7/ 490) .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:07

    والكفر الأكبرين يحبطان الأعمال ، فلا تنفع الصلاة معهما ، وأيضاً مما يدل على أن الرجل لم يقع في أمر كفري عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خالداً أراد أن يحيله على أمر كفري خفي في القلب فلم يرتض هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان قوله كفراً لتمسك به خالد بن الوليد ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس .. " لأن هذا القول –المدعى أنه مكفر – قد ظهر منه ، ومما يوضح أن هذه الكلمة ليست كفراً أنه ثبت في الصحيحين عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم جئنه يناشدنه العدل في بنت أبي قحافة ، ولم يكن هذا منهن كفراً.

    3/ ما روى الشيخان عن أنس بن مالك أن ناساً من الأنصار قالوا يوم حنين حين أفاء الله على رسوله من أموال هوازن ما أفاء فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالاً من قريش المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشاً وسيوفنا تقطر من دمائهم " وفي رواية لما فُتحت مكة قسم الغنائم في قريش فقالت الأنصار إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دمائهم … "

    وجه الدلالة / أن هؤلاء استنكروا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدوا في أنفسهم حرجاً ولم يكفِّرهم صلى الله عليه وسلم .

    لذا قال ابن تيمية: والمقصود هنا أن كل ما نفاه الله ورسوله من مسمى أسماء الأمور الواجبة كاسم الإيمان والإسلام والدين والصلاة والصيام والطهارة والحج وغير ذلك فإنما يكون لترك واجبٍ من ذلك المسمى ومن هذا قوله تعالى ) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ( فلما نفى الإيمان حتى توجد هذه الغاية دل على أن هذه الغاية فرض على الناس، فمن تركها كان من أهل الوعيد … ا. هـ [1].

    وقال ابن تيمية : فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن ، وأما من كان ملتزماً لحكم الله ورسوله باطناً وظاهراً ، لكن عصى واتبع هواه ، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة . وهذه الآية ) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ... ( مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله ، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله. وقد تكلم الناس بما يطول ذكره هنا ، وما ذكرته يدل عليه سياق الآية .ا.هـ[2]

    قال المكفِّر : دع عنك الاستدلال بهذا الدليل فإن عندي دليلاً ثالثاً ألا وهو قوله تعالى ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (

    وجه الدلالة: أنهم صاروا منافقين لكونهم يريدون التَّحاكم إلى الطاغوت وجعل إيمانهم مزعوماً.

    قال ابن الجوزي :" والزَّعم والزُّعم لغتان وأكثر ما يُستعمل في قول ما لا تتحقق صحته. ا.هـ [3].

    قال المفسِّق : إن هذه الآية عاريةُ الدلالة عن تكفير الواقعِ في الحكم بغير ما أنزل الله ، وذلك يتضح من أوجه :

    الوجه الأول : أن الآية محتملةٌ لأمرين :

    1- أن إيمانهم صار مزعوماً لكونهم أرادوا الحكم بالطاغوت وهذا ما تمسكت به .

    2-أن من صفات أهل الإيمان المزعوم – المنافقين – كونهم يريدون التحاكم للطاغوت ومشابهة المنافقين في صفةٍ من صفاتهم لا توجب الكفر[4] ، فعلى هذا من حكم بغير ما أنزل الله فقد شابه المنافقين في صفةٍ من صفاتهم وهذا لا يوجب الكفر إلا بدليل آخر كمن شابه المنافقين في الكذب لم يكن كافراً فمن ثمَّ إذا توارد الاحتمال في أمرٍ بين كونه مكفِّراً أو غير مكفِّر لم يكفر بهذا الأمر لكون الأصل هو الإسلام فالنـتيجة أنه لا يصح تمسكك بالآية في التكفير لكونها من المحتمل .

    الوجه الثاني : أن هؤلاء يريدون الحكم بالطاغوت وليست إرادتهم هذه إرادةً مطلقةً بل هي إرادةٌ تنافي الكفر به الكفر الاعتقادي ومن لم يعتقد وجوب الكفر بالطاغوت فلا شك في كفره الكفر الأكبر قال تعالى ) فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى (

    قال ابن جرير :" يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إلى الطاغوت يعني إلى من يعظمونه ويصدرون عن قوله ويرضون بحكمه من دون حكم الله وقد أمروا أن يكفروا به يقول وقد أمرهم أن يكذبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكمون إليه فتركوا أمر الله واتبعوا أمر الشيطان" ا. هـ[5]

    فإن أبيت إلا أن تحملها على مطلق الإرادة فيُقال إن الإرادة هنا محتملةٌ لما قلتَ وقلتُ والكفر لا يكون في الأمور المحتملة - كما سبق -

    قال المكفِّر : إليك الدليل الرابع قال تعالى ) وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (

    وجه الدلالة: أن طاعة غير الله في الأحكام الوضعية شرك .

    قال المفسِّق : لماذا أراك – يا أخي – نسيت ؟ قد سبق بيان أن هذه الآية راجعةٌ إلى التحليل والتحريم ثم إياك أن تنسى مرةً ثانيةً فتستدلَّ بقوله تعالى ) )أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) ( فقد سبق الكلام عنها وأن المراد بها من جمع بين التشريع وزعم أن هذا من الدين الذي مؤداه إلى التحليل والتحريم وهو المسمى بالتبديل .

    قال المكفِّر : الدليل الخامس قوله تعالى ) وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (

    قال المفسِّق : انتظر - يا أخي – هل هؤلاء الذين يحكمون بغير ما أنزل الله يقولون هذا حكم الله حتى يكونوا مشاركين له في وضع حكمه سبحانه وتعالى ؟ إن كانوا كذلك فقد سبق أن هذا كفرٌ لا شك فيه وإن لم يكونوا كذلك فلا يصح الاستدلال عليهم بالآية . فتأمل!

    قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:" هذا يشمل الحكم الكوني القدري والحكم الشرعي الديني فإنه الحاكم في خلقه قضاءً وقدراً وخلقاً وتدبيراً والحاكم فيهم بأمره ونهيه وثوابه وعقابه …ا. هـ [6].

    فحكم الله الكوني واقع سواءً كان الله سبحانه محباً له أو غير محبٍ كالإرادة الكونية وهذا بلا شك لا أحد يشاركه فيه ومن اعتقد أن أحداً يشارك الله في هذا فقد وقع في الشرك الأكبر إذ إنه سوى غير الله بالله في أمرٍ خاصٍ بالله وهو شرك في الربوبيَّة أما الحكم الشرعي ، فإن أريد به التحليل والتحريم فهذا لاشك كفرٌ كما سبق ، وإن أريد مخالفة أمر الله مع الاعتراف بالخطأ فهذا لاشك أنه ليس كفراً كما هو الحال في باقي الذنوب ، وإلا كنا كالخوراج مكفرين بالذنوب فلأجل هذا – يا صاحبي – لا يصح لك الاستدلال بهذه الآية .

    قال المكفِّر : الدليل السادس قوله تعالى ) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ( وجه الدلالة: أن هؤلاء الذين وضعوا أحكاماً وضعية نازعوا الله في أمر خاصٍ به سبحانه فيكون شركاً أكبر .

    قال المفسِّق : القول في هذا الدليل هو القول نفسه في الدليل الذي قبله إذ الحكم هنا يشمل الكوني القدري والشرعي الديني قال ابن تيمية :" وقد يجمع الحكمين – أي الكوني والشرعي – مثل ما في قوله تعالى ) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ( ا. هـ[7]

    وقال الشاطبي :" ويمكن أن يكون من خفيِّ هذا الباب مذهب الخوارج في زعمهم أن لا تحكيم استدلالاً بقوله تعالى ) إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ (فإنه مبنيٌّ على أن اللفظ ورد بصيغة العموم فلا يلحقه تخصيصٌ فلذلك أعرضوا عن قوله تعالى ) فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا ( وقوله )يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ( وإلا فلو علموا تحقيقاً قاعدة العرب في أن العموم يُراد به الخصوص لم يسرعوا إلى الإنكار ولقالوا في أنفسهم : لعلَّ هذا العام مخصوصٌ فيتأولون … ا. هـ [8].

    قال المكفِّر: الدليل السابع قوله تعالى ) اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ (

    وجه الدلالة : أن أهل الكتاب لما أطاعوا علماءهم وعبَّادهم وصفهم الله بأنهم اتخذوهم أرباباً من دون الله .

    قال المفسِّق : أن طاعة هؤلاء لا تخرج عن حالتين:

    الأولى : طاعتهم في معصية الله بدون تحليل ولا تحريم وهذا ليس كفراً قطعاً وإلا للزم منه تكفير أهل الذنوب والمعاصي لأنهم أطاعوا هواهم في معصية الله سبحانه وتعالى .

    الثانية : طاعتهم في التحليل والتحريم وهذا لاشك أنه كفر مخرجٌ من الملة كما سبق ذكره في تحرير محل النزاع[9].

    قال المكفِّر : الدليل الثامن قوله تعالى ) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ (

    وجه الدلالة: أن هؤلاء تحاكموا لغير الله سبحانه وتعالى فخالفوا ما أمر الله جل وعلا به .قال المفسِّق : لست أختلف معك ولو بقيد أنملة أن هؤلاء الحاكمين بغير ما أنزل الله آثمون وواقعون في ذنبٍ عظيمٍ وأنهم من أسباب هزيمة أمتنا وضعفها لكن ليس لي أن أحكم عليهم بكفرٍ إلا بدليلٍ ؛



    [1] مجموع الفتاوى ( 7/37 ) وانظر (22/ 530) والقواعد النورانية ص61 .


    [2] المنهاج (5/131) .


    [3] زاد المسير (2/120 ) .


    [4] انظر جامع البيان في تفسير القرآن ( 5/99) .


    [5] ( 5/96 ) .


    [6] كتاب تيسير الكريم الرحمن .


    [7] مجموع الفتاوى ( 2/413 ) .


    [8] الاعتصام (1/303) .


    [9] هذا ملخص ما قرره أبو العباس ابن تيمية ( 7/70 ) مجموع الفتاوى .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:08

    لأن التكفير حقٌ لله سبحانه – كما هو متقرِّرٌ - وغاية ما في هذا الدليل أنه يجب عليهم الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيه الحكم بكفرهم مطلقاً عند ترك ذلك .

    قال المكفِّر :لا تظن – يا أخي – أن البحث انتهى فلا زالت عندي أدلةٌ من السنة والإجماع والعقل.

    الدليل التاسع : سبب نزول قوله تعالى ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ( قال الشعبي: كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي نتحاكم إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة وقال المنافق نتحاكم إلى اليهود لعلَّمه أنهم يأخذون الرشوة ، فاتفقا أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه فنزلت الآية ) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ([1].

    قال المفسِّق : إن هذا الأثر لا يصح الاستدلال به لا من جهة الإسناد ولا المتن ولعلَّي أكتفي ببيان ضعف السند وهو واضحٌ فإن الشعبي تابعي فمن ثم يكون الأثر منقطعاً وهو من أنواع الضعيف .

    قال المكفِّر : هناك سبب نزول آخر وهو أن رجلين اختصما فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر إلى كعب بن الأشرف ثم ترافعا إلى عمر فذكر له أحدهما القصة فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلَّم أكذلك قال نعم فضربه بالسيف فقتله "

    قال المفسِّق : إن هذا الأثر لا يصح أيضاً بل هو أشد ضعفاً من الذي قبله إذ هو من طريق الكلبي عن أبي صالح باذام عن ابن عباس به[2] فقد جمع هذا السند بين كذاب ومتروك وانقطاع .

    قال المكفِّر : هناك سبب نزول[3] عن ابن عباس قال كان أبو بردة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون إليه فتنافر إليه أناسٌ من المسلمين فأنزل الله تعالى ) .. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ (الآية .

    قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح[4].

    وقال الحافظ : إسناده جيد[5].

    وقال الشيخ مقبل الوادعي[6]: شيخ الطبراني ما وجدت ترجمته لكنه قد تابعه إبراهيم بن سعيد الجوهري عند الواحدي ا . هـ

    فبهذا يتبين صحة إسناده فما قولك فيه ؟

    قال المفسِّق : قد سلمت بصحة هذا الأثر لكن لم أسلِّم بدلالته على ما نحن فيه وذلك لما يلي:

    1/ أن هؤلاء الذين أتوا أبا بردة منافقون كما يدل عليه سياق الآيات فمن ثم تكون الآية ذاكرة صفة من صفاتهم وليس تحاكمهم هو السَّبب في كونهم يزعمون بل هم يزعمون الإيمان من قبل التحاكم فعليه من شابه المنافقين في صفةٍ لم يكن منافقاً إلا بإثبات أن هذه الصفة مكفرةٌ بنص خارجيٍّ آخر فأين هو ؟

    2/ أن هؤلاء النفر يريدون التحاكم إلى غير ما أنزل الله وإرادتهم هذه ليست مطلقةً بل إرادةٌ تنافي الكفر بالطاغوت الذي يعد الكفر به ركناً من أركان الإيمان ، ولا شك أن من لم يَرَ وجوب الكفر بالطاغوت فهو كافر – كما سبق- .

    3/ أن استدلالك بهذا الأثر يلزم منه لازمٌ لا تقول به أنت وهو أن تكفِّر من لم يحكم بما أنزل الله ولو في مسالةٍ واحدةٍ .

    قال المكفر : الدليل العاشر: ما رواه الخمسة وغيرهم عن البراء بن عازب ولفظه عند أبي داود والنسائي قال:" لقيت – وعند النسائي أصبت – عمي ومعه راية ، فقلت له أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله " وعند الترمذي وابن ماجه ورواية للنسائي أنه " خاله " . ، وأخرجه النسائي والطحاوي من حديث معاوية بن قرة عن أبيه وفيه " وأصفى ماله " ففي هذا الحديث ما يفيد صراحة بأن الرجل قتل كافراً لأنه أخذ ماله وهذا بمجرد عمل عمله ، فكيف بمن يحكم بغير ما أنزل الله ، ويضع له محاكم ، ويلزم الناس بالرجوع إليها ؟ أو بمن يضع الربا ويحميه ؟ وهكذا...

    قال المفسق : إن هذا الحديث من رواية معاوية بن قرة عن أبيه عن جده صحيح ، صححه الإمام يحيى بن معين[7]- وكفى به من إمام – لكن ثبوت الحديث لا يكفي لثبوت الدعوى بل لابد من ثبوت الدلالة –أيضاً- والدعوى التي ادعيتها – يا أخي – لا يدل عليها الحديث ألبته ، وذلك أن الحديث في حق من استحل محرماً ، فإن هذا الرجل المتزوج بامرأة أبيه قد استحل فرجها بعقد الزواج ، وفرق بين الزنى بامرأة الأب وتزوجها ، فإن الزنى بها حرام وليس كفراً أما التزوج بها فهو كفر من جهة استحلال فرج محرم ؛ لأن الزواج معناه جعل فرجها حلالاً وهذا بخلاف الزنى.

    قال أبو جعفر الطحاوي: وهو أن ذلك المتزوج ، فعل ما فعل ذلك ، على الاستحلال ، كما كانوا يفعلون في الجاهلية ، فصار بذلك مرتداً ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل به ما يفعل بالمرتد ا.هـ[8]

    قال المكفِّر : الدليل الحادي عشر: هو إجماع العلماء على كفر من حكم بغير ما أنزل الله وجعله قانوناً

    وقد حكى الإجماع الحافظ ابن كثير فقال:" وفي ذلك كله مخالفةٌ لشرائع الله المنـزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه ؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ا. هـ[9]

    قال المفسِّق : إن معرفتنا بحال التتر وواقع الياسق معين على فهم هذا الإجماع المحكي وذلك أنهم وقعوا في التبديل الذي هو التحليل والتحريم

    قال ابن تيمية :"إنهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين ثم منهم من يرجح دين اليهود أو دين النصارى ومنهم من يرجح دين المسلمين ا.هـ[10]

    وقد بين ابن تيمية كيف أنهم يعظمون جنكز خان ويقرنونه بالرسول صلى الله عليه وسلم - ثم قال - :" ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام باتفاق جميع المسلمين أن من سوغ (أي جوز ) اتباع غير دين الإسلام فهو كافر وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب ا.هـ

    ومما يدل على أن الإجماع الذي حكاه ابن كثير راجعٌ إلى التحليل والتحريم ما قاله ابن كثير نفسه :" ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلِكِهِمْ جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارةٌ عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيه كثير من الأحكام أخذه من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير . ا .هـ[11]

    وقال أحمد بن علي الفزاري القلقشندي : ثم الذي كان عليه جنكيز خان في التدين وجرى عليه أعقابه بعد ه الجري على منهاج ياسة التي قررها ، وهي قوانين ضمنها من عقله وقررها من ذهنه ، رتب فيها أحكاماً وحدد فيها حدوداً ربما وافق القليل منها الشريعة المحمدية وأكثره مخالف لذلك سماها الياسة الكبرى ….ا.هـ[12] .

    فمن كلام ابن كثير وشيخه أبي العباس ابن تيمية وغيرهما يتضح أن الإجماع المحكيَّ فيمن وقع في التحليل والتحريم أي تجويز حكم غير حكم الله إذ جعلوا الياسق كدين الإسلام موصلاً إلى الله ومسألتنا المطروحة فيمن حكم بغير ما أنزل الله مع الاعتراف بالعصيان لا مع القول بأنه جائز لا محظور فيه أو بأنه طريق للرضوان .

    ثم تنبه – أيها القارئ – إلى قول ابن كثير : فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه ا.هـ هؤلاء جمعوا بين التحاكم إلى الياسق وتقديمه على شرع الله، فليس ذنبهم مجرد التحكيم الذي هو عمل بل قارنه الاعتقاد وهو التقديم .

    قال المكفِّر : قد تذكرت دليلاً من كتاب الله وهو قوله تعالى ) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (.

    قال المفسِّق : إضافةُ الشيء إلى الجاهلية أو وصفه به لا يدل على الكفر فمن ثم لا يكون كفراً إلا بدليلٍ خارجي دالٍ على الكفر ويوضح ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لأبي ذر " إنك امرؤٌ فيك جاهلية " متفق عليه وقال في حديث أبي مالك الأشعري عند مسلم " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن … "



    [1] أخرجه الطبري ( 5/97 ) .


    [2] كما علقه الواحدي في أسباب النزول ص 107 – 108 والبغوي في معالم التنـزيل ( 2/242 ) .


    [3] رواه الطبراني في الكبير ( 124/5 ) والواحدي في أسباب النزول ص106- 107 .


    [4] مجمع الزوائد ( 7/6 ) .


    [5] الإصابة ( 7/18 ) .


    [6] بعد أن أورده في الصحيح من أسباب النزول ص 69 .


    [7] زاد المعاد (5/15) واحتج بالحديث الإمام أحمد كما نقله ابن القيم في روضة المحبين (1/374) وصححه ابن القيم في الإعلام ( 2/346) .


    [8] شرح معاني الآثار ( 3/149) وانظر الاختيارات الفقهية ص360 .


    [9] كتاب البداية والنهاية ( 13/128 ) .


    [10] مجموع الفتاوى ( 28/523) . وانظر ما يوضح حالهم لك أكثر (28 / 520- 527) .


    [11] التفسير ( 3/131) .


    [12] الخطط (4/ 310 -311) ، وهذا القلقشندي من أعيان القرن الثامن . وتنبه –أيها القارئ – كيف أنه وصفه بأنه دين عندهم وما كان كذلك فهو خارج محل النزاع لأن مثل هذا كفر بالإجماع وهو التبديل .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:08

    قال أبو عبيد القاسم بن سلام " ألا تسمع قوله ) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ( تأويله عند أهل التفسير أن من حكم بغير ما أنزل الله وهو على ملة الإسلام كان بذلك الحكم كأهل الجاهلية ، وإنما هو أن أهل الجاهلية كذلك كانوا يحكمون ا . هـ[1] .

    قال المكفِّر : سلَّمت لك بما ذكرتَ ولكن بحكم العقل هذا الرجل الذي ينحِّي الشرع ويحكم بأحكام الإفرنج ألا يكون كافراً لكونه وقع في كفر الإعراض وفعله هذا يدل على استحلاله؟ وإلا لماذا يترك أحكام رب الأرباب ؟

    قال المفسِّق : إنك تريد تكفير هذا المسلم لكونك تصف فعله بأنه كفرُ إعراض . وأرجو قبل وصفك فعله بأنه كفر إعراض أن تكون مستحضراً لضابط كفر الإعراض الذي هو الإعراض بالكلية عن أصل الدين أو ترك جنس العمل[2].

    وعلى هذا من ترك الحكم بما أنزل الله لم يقع في كفر الإعراض لأنه لم يترك جنس العمل أما إلزامك لمن ترك الحكم بما أنزل الله بأنه مستحلٌ لذلك فهذا إلزامٌ غير صحيح وإن كان محتملاً ولا يدفع الدين اليقيني بالكفر المحتمل لأن من دخل الدين بيقين لم يخرج إلا بيقينٍ مثله فأين هو ؟ ثم هذا يفتح باباً في تكفير أهل المعاصي . فكل من يستعظم معصية يحكم على صاحبها بأنه كافر لأنه مستحل لهذه المعصية إذ فعل هذه المعصية عظيم لا تكون عند ه إلا من مستحل لها .

    قال المكفر : ألا ترى أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا العرب الذين امتنعوا عن الزكاة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلوهم مرتدين وذلك لكونهم جماعة امتنعوا عن شريعة من شرائع الدين ومثل هذا يقال في الجماعة التاركين للحكم بشريعة الله سبحانه .

    قال المفسق : قد اختلف العلماء في حكم هؤلاء هل هم كفار أم غير كفار على قولين هما روايتان عن أحمد –رحمه الله – ، وإن كنت أوافقك أنهم كفار ، وهذا ترجيح ابن تيمية لكن ليس كفرهم لأجل كونهم جماعة إذ القتال جماعة وقع من الخوارج ولم يكفروا باتفاق الصحابة، ووقع من خيار الأمة في الفتن ولم يكفروا والله يقول ) وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ( فأثبت الإيمان مع وجود القتال جماعة . وليس الكفر أيضاً من أجل الترك المجرد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكفر أبا جميل الذي لم يدفعها بخلاً وإنما الكفر لأجل عدم التزام هذا الحكم الذي سببه عدم الإقرار بوجوبه، إذ من الممتنع أن يقر أحد بوجوب حكم ثم يتركه ويصر على تركه حتى تحت التهديد بالقتل فمثل هذا لا يكون إلا من غير مقر بوجوبها – كما سيأتي من كلام ابن تيمية – فبهذا يكون القتل دليلاً على عدم إقراره بهذا الحكم لا أنه السبب في تكفيره فتأمل .

    وتنبه أن هذا مطرد في كل حكم شرعي . قال ابن تيمية : ولا يتصور في العادة أن رجلاً يكون مؤمناً بقلبه ، مقراً بأن الله أوجب عليه الصلاة، ملتزماً لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، يأمره ولي الأمر بالصلاة فيمتنع ، حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمناً في الباطن قط لا يكون إلا كافراً، ولو قال أنا مقر بوجوبها غير أني لا أفعلها كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه ا.هـ [3]

    وقال – رحمه الله - : فإن كان مقراً بالصلاة في الباطن، معتقداً لوجوبها يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل ولا يصلي، هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام ، ولا يعرف أن أحداً يعتقد وجوبها ويقال له : إن لم تصل وإلا قتلناك وهو يصر على تركها مع إقراره بالوجوب ، فهذا لم يقع قط في الإسلام . ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل: إن لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها ، ولا ملتزماً بفعلها، فهذا كافر باتفاق المسلمين ا.هـ [4].

    فإذا تبين أن تهديد المصر على ترك الطاعة بالقتل وإصراره بعد ذلك على عدم فعل الطاعة دليل على عدم إقراره ، فمن ثم يقال: لو أن أحداً قوتل على فعل طاعة ولم يفعلها لا لأجل ذات الطاعة وإنما من أجل خوفه ممن هو أقوى منه فهذا لا يكفر لأن القتال هنا ليس دليلاً على عدم إقراره بوجوبها إذ هو مقر لكنه خائف من غيره الذي هو أقوى منه وهذا مغاير لمن ترك لذات الطاعة نفسها وليس هناك سبب آخر إذ هذا الصنف كافر لأنه دليل على عدم إقراره بوجوبها . ومثل هذا يقال فيمن ترك الحكم بما أنزل الله وقوتل على ذلك فهم صنفان:

    الأول/ تارك لذات الحكم وهو مصر على الترك مع مقاتلته على الحكم بما أنزل الله فهذا كافر –ولا كرامة – لأنه دليل على عدم إقراره بوجوبها .

    الثاني / تارك الحكم بما أنزل الله خوفاً من غيره إذ هو وإن كان حاكماً إلا أنه محكوم من جهة من هو أقوى منه فمثل هذا لا يدل قتاله على أنه غير مقر بالوجوب . والله أعلم .

    قال المكفر : لكن –يا أخي – قد سمعت غير واحد ، بل وقرأت لبعضهم يقول بأن من قال بأن الحكم بغير ما أنزل الله كفره أصغر لا أكبر إلا إذا استحل فهو مرجئ .

    قال المفسق : إن التنابز بالألقاب ووصف الآخرين بأوصاف أهل البدع سهل يستطيعه كل أحد وإنما الأمر العسر وهو الذي عليه المعول إبانة البرهان على هذه الدعاوى إذ كيف يقال ذلك وقد فسر الآية بالكفر الأصغر ابن عباس وأصحابه والأئمة كأحمد وغيره ؟

    ثم مما يزيدك يقيناً على وهاء هذا الوصف الخاطئ أن أكبر إمامين من أئمة أهل السنة في هذا العصر على هذا القول :

    أما الأول / فالإمام العلامة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز .

    والثاني / الإمام ناصر السنة وقامع البدعة محمد ناصر الدين الألباني.

    فقد نشرت جريدة الشرق الأوسط في عددها (6156 ) بتاريخ (12/5/1416هـ ) لسماحة المفتي عبد العزيز بن باز مقالاً قال فيه :" اطلعت على الجواب المفيد القيم الذي تفضل به صاحب الفضيلة الإمام محمد ناصر الدين الألباني –وفقه الله- المنشور في جريدة الشرق الأوسط وصحيفة المسلمون الذي أجاب به فضيلته من سأله عن تكفير من حكم بغير ما أنزل الله من غير تفصيل ، فألفيتها كلمة قيمة قد أصاب فيها الحق ،وسلك فيها سبيل المؤمنين ، وأوضح –وفقه الله- أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يكفر من حكم بغير ما أنزل الله بمجرد الفعل من دون أن يعلم أنه استحل ذلك بقلبه ، واحتج بما جاء في ذلك عن ابن عباس –رضي الله عنهما – وغيره من سلف الأمة . ولا شك أن ما ذكره في جوابه في تفسير قوله تعالى ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (، ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (، ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( هو الصواب ، وقد أوضح –وفقه الله – أن الكفر كفران أكبر وأصغر ،كما أن الظلم ظلمان ، وهكذا الفسق فسقان أكبر وأصغر ، فمن استحل الحكم بغير ما أنزل الله أو الزنا أو الربا أو غيرهما من المحرمات المجمع على تحريمها فقد كفر كفراً أكبر ، ومن فعلها بدون استحلال كان كفره كفراً أصغر وظلمه ظلماً أصغر ، وهكذا فسقه ."

    وأجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في فتوى رقم (5741) على سؤال أورد إليك نصه وجوابه :

    س: من لم يحكم بما أنزل الله هل هو مسلم أم كافر كفراً أكبر وتقبل منه أعماله ؟

    ج: قال تعالى ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ( وقال تعالى)وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (وقال تعالى ) وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (لكن إن استحل ذلك واعتقده جائزاً فهو كفر أكبر ، وظلم أكبر ، وفسق أكبر يخرج من الملة ، أما إن فعل ذلك من أجل الرشوة أو مقصد آخر وهو يعتقد تحريم ذلك ؛ فإنه آثم يعتبر كافراً كفراً أصغر ، وفاسقاً فسقاً أصغر لا يخرجه من الملّة ؛كما أوضح ذلك أهل العلم في تفسير الآيات المذكورة .[5]

    وقال سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز – رحمه الله -: من حكم بغير ما أنزل الله فلا يخرج عن أربعة أمور:

    1- من قال: أنا أحكم بهذا – يعني القانون الوضعي – لأنه أفضل من الشريعة الإسلامية فهو كافر كفراً أكبر .

    2- ومن قال: أنا أحكم بهذا؛ لأنه مثل الشريعة الإسلامية ، فالحكم بهذا جائز وبالشريعة جائز ، فهو كافر كفراً أكبر .

    3- ومن قال: أنا أحكم بهذا ، والحكم بالشريعة الإسلامية أفضل ، لكن الحكم بغير ما أنزل الله جائز، فهو كافر كفراً أكبر .

    4- ومن قال: أنا أحكم بهذا ، وهو يعتقد أن الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز ، ويقول: الحكم بالشريعة أفضل ، ولا يجوز الحكم بغيرها ، ولكنه متساهل ، أو يفعل هذا لأمر صادر من حكامه فهو كافر كفراً أصغر لا يخرج من الملة ، ويعتبر من أكبر الكبائر . ا.هـ[6]قال المكفِّر:سابقاً والمفسِّق حاضراًجزاك الله خيراً فقد اتضح لي الحق وأنا راجع عن قولي السابق ، فقد قال الله تعالى ) وَمَا كَانَ



    [1] الإيمان ص 45 .


    [2] راجع التسعينية لابن تيمية (2/ 674 ) ومدارج السالكين (1/366) ومنهاج أهل الحق لابن سحمان ص64-65 . وكون ترك جنس العمل كفراً قد حكى الإجماع عليه خمسة من علماء الدين ، والكتاب والسنة دالان على ذلك ، وهؤلاء الخمسة هم : الآجري في كتاب الشريعة (2/611) والحميدي والشافعي كما نقله ابن تيمية عنهما في الفتاوى (7/209) وأبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الإيمان ص18-19 وابن تيمية نفسه في مجموع الفتاوى (14/ 120) وانظر كتابي الإمام الألباني وموقفه على الإرجاء .


    [3] مجموع الفتاوى (7/ 615) .


    [4] مجموع الفتاوى (22/ 48) .وانظر كتاب الصلاة لابن القيم ص63 .


    [5] اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو : عبد الله بن غديان نائب رئيس اللجنة :عبد الرزاق عفيفي الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز وانظر للاستزادة مجموع فتاوى ومقالات ابن باز(3/990-992 ) وما نقلته مجلة الفرقان عن الشيخ ابن باز العدد (82، 94) وانظر الفتاوى لابن باز (2/325- 331) .


    [6] قضية التكفير بين أهل السنة وفرق الضلال ص72 – 73 .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:09

    لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (

    وبعد هذه المناظرة التي أردت منها بيان حكم المسألة بالدليل الصحيح ثبوتاً ودلالةً أسأل الله أن يقرَّ أعيننا برجوع حكام المسلمين إلى الشرع المطهَّر المحكم فإن به عزهم دنيا وأخرى قال تعالى ) وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ( .





    وبعد هذه التمهيدات الثلاث حان وقت الرد على بعض كلام المقدسي العنيد في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله :



    أولاً / رد كلامه في تكفير الدولة السعودية لانضمامها لهيئة الأمم المتحدة :

    إن أعظم شبهة اعتمدها المقدسي ( عصام البرقاوي ) في تكفيره لدولة التوحيد أنها منظمة لهيئة الأمم المتحدة ، وأخذ يبدئ ويعيد أن هذا من التحاكم بغير ما أنزل الله ، وأنه ينافي الكفر بالطاغوت ، فقال تحت عنوان " السعودية والطواغيت الدولية العالمية : محكمة (الكفر) الدولية تلك المحكمة التي مقرها مدينة لاهاي بهولندا والتي تطبق قواعد وأحكام القانون الدولي في حل النزاعات الدولية عن طريق التسوية القضائية…هل تكفر بها الحكومة السعودية؟؟.هل تتبرّأ من قوانينها، لتحقق التوحيد الذي هو حق الله على العبيد؟؟ أم أنّها تتحاكم إلى طاغوتها (نظامها وقانونها) وتؤمن به؟؟ الجواب على هذا واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار، ولا يجادل فيه إلا منافق خبيث يدافع عن هذه الدولة الكافرة فيتعامى عن كل ما يقدح فيها.. أو جاهل نائم غافل لا يعرف ما يدور حوله. من المعلوم طبعاً أنّ السعودية عضو في هيئة الأمم المتحدة...ا.هـ

    إن من يعرف فكر المقدسي وجرأته على التكفير لا يستغرب صدور أضعاف هذا الكلام منه فضلاً عن مثل هذا القول ، لكن المستغرب أن تسمع ببغاوات يرددون قوله ويغررون الناس به شرقاً وغرباً، بل الأشد استغراباً أن هذا المقدسي العنيد لا يطرد حكمه التكفيري هذا على كل دولة تريد الانضمام إلى هيئة الأمم المتحدة ، فإنه أقر بأن دولة طالبان أرادت الانضمام إلى هيئة الأمم المتحدة ، ورفضت الهيئة ولم يكفر دولة طالبان بهذا ، بل أثنى عليها وذكر أن لها محاسن

    فإليك نص كلامه: " أما بالنسبة لأوضاع أفغانستان والهجرة إليها على وجه الخصوص فالأمور لا تزال غير متضحة عندي ، وإن كان أكثر إخواننا الذين سافروا إلى هناك يثنون على الأوضاع الدينية الداخلية هناك ويرون أن هذه الفترة هي أحسن ما مرت به أفغانستان على المستوى الداخلي ويذكرون أن الطالبان جادون ويسددون ويقاربون في محاربة الشرك والنهي عن عبادة القبور هذا ما ينقله لنا بعض إخواننا الثقات هناك وهم مصدقون لدينا ونحن نذكره لك ؛ مع تحفظنا بل وإنكارنا على سياسات وعلاقات الطالبان الخارجية المتناقضة من التكالب على مقعد في الأمم المتحدة الكافرة ، والحرص على خطب ود واعتراف الدول الطاغوتية فيما يسمى بالعالم الإسلامي والعربي والتي لا تمت إلى الإسلام بصلة وكان الأولى بالطلبة أن لا يعترفوا هم أصلا بهذه الدول ؛ فضلاً عن أن ينتظروا اعتراف تلك الدول الطاغوتية بهم ، فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ، والإسلام يعلو ولا يعلى.. ا.هـ[1]

    فانظره لم يكفر دولة طالبان مع يقينه أنها طلبت الانضمام لهيئة الأمم المتحدة لأجل ما نقل إليه من أنها تعتني بالتوحيد ونبذ الشرك . إذاً ما باله يكفر دولة التوحيد ( السعودية ) لانضمامها إلى هيئة الأمم مع يقينه لا ظنه أنها ممن تحارب الشرك وتدعو إلى التوحيد ؛ لأنه ممن عاش فيها ورأى بنفسه دعوتها إلى التوحيد وحرب الشرك ؟! ألا يدل هذا على أن الرجل يزن بميزانيين، وأن دافعه ليس دينياً بل سياسياً نابعاً عن حسد وظلم ، وإلا لو كان دافعه دينياً لكفر دولة طالبان كتكفير الدولة السعودية ؛ لأن مناط تكفيره لآل سعود موجود في دولة طالبان وهو إرادة الانضمام لهيئة الأمم المتحدة ، بل وكان تكفيره لطالبان أولى لأن علمه بما عندهم من التوحيد بالنقل ، أما الدولة السعودية فعلمه بالمشاهدة لمعيشته فيها برهة من الزمان .

    وإن أمثال هذه الحقائق كافية في إسقاط الرجل وعدم الثقة به ، بل وعدم الاشتغال بالرد عليه ، لكن لما كان لا يزال يوجد أناس مغرر بهم كان من المهم رد فريته في تكفير الدولة السعودية لأجل انضمامها لهيئة الأمم المتحدة ،ليعرفوا حقيقة الحال وحقيقة حكمه الشرعي .

    والرد عليه من أوجه :

    أ/أن هيئة الأمم المتحدة هيئة ذات أنظمة وقرارات وعهود ومواثيق انضمت إليها أكثر دول العالم ، ومنها الدولة السعودية – حرسها الله ورعاها ، وقد نشأت إبان الحرب العالمية الثانية ، والهدف الرئيس من إنشائها تقريب وجهات النظر بين الأمم ، وتضييق الثغرات التي قد تنشأ بين الدول ، والتي من شأنها إن استمرت أن تشكل خطراً على السلم والأمن الدوليين إلى جانب تحقيق السلام ، ومنع اللجوء إلى استخدام القوة كحل للمشكلات العالمية .

    وقد جاء نص مقاصد هيئة الأمم المتحدة في الميثاق ، وذلك على النحو الآتي:

    أولاً: حفظ السلم والأمن الدولي: ورد هذا الهدف في أجزاء متفرقة من الميثاق . فقد بدأت الفقرة الأولى من الديباجة " نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا : أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف " وذكرت الديباجة " وأن نضم قوانا كي نحافظ على السلم والأمن الدوليين "

    وفي الميثاق نصت الفقرة الأولى من المادة الأولى على هذا الهدف ، إذ نصت على الآتي " حفظ السلم والأمن الدوليين ، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم والعمل على إزالتها ، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم ، وتتذرع بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم وتسويتها ا.هـ[2]

    وقد نص الملك فيصل – رحمه الله – في كلمته التي ألقاها في هيئة الأمم المتحدة على هذا الهدف فكان مما قال: اليوم يتجه مؤتمرنا التاريخي هذا الذي اشتركت فيه دول عديدة نحو تأسيس ودعم السلام العالمي . لقد شهد هذا اليوم إكمال ما يمكن أن يسمى بميثاق العدل والسلام بعد عمل شاق ومناقشات طويلة ومداولات . الهدف هو خلق منظمة ذات فعالية قصوى للمحافظة على السلام والعدل في عالم المستقبل . هذا الميثاق لا يمثل الكمال الذي تتوق إليه الدول الصغرى ، لكنه بلا شك أفضل ما يمكن أن تتفق عليه خمسون دولة ا.هـ [3]

    وقد نص على هذا – أيضاً – صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز – وفقه الله لهداه - في كلمة ألقاها في الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة مرور أربعين عاماً على تأسيس الأمم المتحدة فقال: فإن المملكة العربية السعودية وهي تدين بالدين الإسلامي تضطلع بدور دولي متميز لأن سياستها الخارجية تسير على أساس أن المبادئ الأساسية التي ارتكزت عليها هذه المنظمة والأهداف النبيلة التي من أجلها وضع ميثاقها فيها تأكيد لما تقرره الشريعة الإسلامية من تنظيم للعلاقات بين الدول . – ثم قال – إذا كان الهدف الرئيسي للأمم المتحدة والذي قامت فلسفة الميثاق على أساس تحقيقه هو إقرار السلام والأمن الدوليين ا.هـ[4].

    وبما أن الغلبة في هذه الهيئة للكفار فإن بها أنظمة لا توافق الشرع ؛ فلذا عارضت السعودية بعض الأنظمة ، ولم توافق على كل ما فيها – كما تقدمت الإشارة إلى هذا بإقرار من المقدسي نفسه .

    وإليك جملة من العهود والمواثيق التي لم تقبلها الدولة السعودية – حرسها الله – :

    1- لم توافق المملكة العربية السعودية على الاتفاقية التي تنص على القضاء على جميع أشكال التميز ضد المرأة . قال طلال محمد نور عطا: تحفظت المملكة العربية السعودية على هذه الاتفاقية ، ولا تلزم نفسها بما يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ا.هـ[5]

    وهذا ما لم يبينه المقدسي العنيد وكتمه عناداً أو جهلاً ، وجعل هذا الميثاق من أسباب تكفير دولة التوحيد كما في كتابه الكواشف .2- لم توافق المملكة العربية السعودية على المادة السادسة عشرة في حقوق الإنسان القائلة " للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج الحق بالتزوج بدون قيد بسبب الدين " فقالت دولة التوحيد في مذكرة



    [1] الهجرة لأفغانستان من موقعة في الشبكة العنكبوتية .


    [2] كتاب هيئة الأمم المتحدة منذ النشأة حتى اليوم ص43-44 ، تأليف طلال محمد نور عطار .


    [3] مجلة الفيصل العدد (106) ربيع الآخر 1406هـ السنة التاسعة وكان مما قال: إن الحكومة العربية السعودية تنضم إلى الأمم المتحدة في تصريحها القائل بأن مبادئ السلم والعدالة والحق يجب أن تسود أنحاء العالم ، وأن العلاقات الدولية يجب أن تقوم على هذه المبادئ وإن من دواعي اغتباطي العظيم ، أن أقول: إن هذه المبادئ تطابق تعاليم الدين الإسلامي الذي يعتنقه 400 مليون مسلم في العالم ، وهي التعاليم التي اتخذت الحكومة السعودية منها دستوراً تسير على هديه ا.هـ ( كتاب المملكة العربية السعودية والسعودية والمنظمات الدولية ص42-43 ) وقال الملك فهد – وفقه الله لهداه - : ونحن – أيها الأخوة المواطنون – نعمل في المحيط الدولي الشامل داخل دائرة هيئة الأمم المتحدة وفروعها ومنظماتها نلتزم بميثاقها وندعم جهودها ونحارب أي تصرف شاذ يسعى لإضعافها وتقليص قوة القانون الدولي لتحل محله قوة السلاح ولغة الإرهاب ا.هـ وأضاف خادم الحرمين الشريفين: ولقد كانت تصرفاتنا وستبقى تعكس إحساسنا بالانتماء إلى المجموعة الدولية كأسرة واحدة مهما اختلفت مصالحها، وتصور إيماننا بمبادئ السلام المبني على الحق والعدل ، ونعتقد أن الأمن الدولي ، والاستقرار السياسي مرتبطان بالعدالة الاقتصادية ومنبعثان منها ا.هـ المملكة العربية السعودية والمنظمات الدولية ص48 .


    [4] المرجع السابق .


    [5] حاشية كتابه المملكة العربية السعودية والمنظمات الدولية ص181 .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:10

    أرسلتها إلى الأمم المتحدة : إن زواج المسلم من امرأة وثنية وغير مؤمنة بوجود الله أمر حرمه الإسلام ، وأيضاً زواج المسلم من كتابية يهودية أم مسيحية أباحه الإسلام ، أما زواج غير المسلم بمسلمة فغير مباح .[1]

    3- لم توافق دولة التوحيد على المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي أعطت كل شخص حرية تغيير دينه .[2]

    4- أن المملكة العربية السعودية لم تنظم إلى المعاهدتين الدوليتين: الأولى الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . والثانية المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنية ، بسبب احتواء كل من هاتين المعاهدتين على مواد لا تساير تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة . [3]

    فإذا كانت هذه حال الدولة السعودية مع هيئة الأمم المتحدة ، من أنها لا تقبل الأنظمة التي تخالف الشريعة الإسلامية باعتراف قادات هذه الدولة – وفقهم الله لما فيه هداه - ، وبتطبيقهم لها عملياً ، وذلك بأن يتحفظوا على الأنظمة والقرارات المخالفة للشريعة الإسلامية .

    إذا كان هكذا حال الدولة مع هيئة الأمم المتحدة فلماذا – يا منصفون – يشنع عليها ويكفرها ؟!

    أليس من حقها أن تشكر بدل أن تكفر ، من أجل امتناعها عن القرارات المخالفة للشريعة ؟

    أليس من حقها أن تؤازر وتساند على اعتزازها وحدها من بين جميع الدول الإسلامية بشريعة الإسلام وتحفظها على كل ما يخالفه؟ لكن واأسفاه كيف استطاع المقدسي العنيد وأمثاله أن يحجبوا هذه المحامد ويقلبوا المحاسن مساوئ .

    ب/ أن المصلحة تقتضي انضمام الدولة السعودية لهذه الهيئة حماية لنفسها من أعدائها الكفار

    بل وبعض الدول الإسلامية المخالفة للمعتقد السلفي، فإنهم يتربصون بدولة التوحيد الدوائر لدوافع متعددة معلومة، ومن أوضح البراهين حرب الخليج الأولى، فدولة تهجم وأخرى عن أنيابها تكشر .

    ومن المتقرر شرعاً أن للضعف أحكاماً مغايرة لحالة القوة ، وبنود صلح الحديبية خير شاهد ودليل على هذا .

    وقد ذكر الشيخ المؤرخ إبراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن في كتابه التاريخي "تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان " كتب معاهدات مع بريطانيا ظاهرها الرضا بالضيم فقال: سادساً : يتعهد ابن سعود كما تعهد آباؤه من قبل أن يتحاشى الاعتداء على أقطار الكويت والبحرين ومشايخ قطر وسواحل عمان التي هي تحت حماية الحكومة البريطانية ، ولها صلات عهدية مع الحكومة المذكورة ، وأن لا يتدخل في شؤونها وتخوم الأقطار الخاصة بهؤلاء ستعين فيما بعد . وجرى توقيعها في 18 صفر من هذه السنة الموافق 26 ديسمبر 1915 ، ولا ريب أن هذه الاتفاقية جائرة ... وقد انتقدها الكتاب فقال عنها الضليع فؤاد حمزة لما أشرف عليها أنها معاهدة جائرة . وقال عنها الماهر الذكي حافظ وهبة المشهور بحرية الفكر ورجاحة العقل واستقلال الرأي ما نصه: تجلى قصر نظر مستشاري ابن سعود بما يجري في العالم والاستفادة من الفرص ولكن يقال عنها أن الظروف والأحوال ذلك الوقت دعت إلى توقيعها . ولما خلى ابن سعود وصحبه الذين فيهم الشرف والدين والقوة غير أنهم لا يعرفون لغة السياسة وأساليب الاستعمار ولا يصدقون بالظفر لغير الصارم البتار واستشارهم كعادته أجابوه بأننا في حال ضعف وخصمنا قوي جبار ، فنراها تنفعنا بإذن الله في الحال ولا تضرنا إذا كنا في حالة منعة وقوة ، ويمكن تعديلها فيما بعد ، فالعبرة بالقوة في كل وقت وحال ، فقم وتوكل على الله ووقعها ، كما أنه أدرك بأنه لا يبيع ولا يتخلى ولا يرهن من نيته حسن الجوار ، وتسهيل طرق الحجاج . فما أحسن نتائج هذه الآراء والأفكار ، ولنا أسوة في صلح الحديبية ، أضف إلى ذلك أنها لغت بعد سبع سنوات وعدلت فيما بعد ذلك لما فتح الله له الحجاز واعترفت له بريطانيا بالاستقلال التام يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد . ا.هـ[4]



    ج/ أنه لو قدر جدلاً أن الانضمام إلى هيئة الأمم المتحدة من الحكم بغير ما أنزل الله لما كفرت الدولة السعودية بفعلها ؛ لأنه تقدم بيان أن الحكم بغير ما أنزل الله على شناعته وكونه سبباً للضعف وتسلط الأعداء، إلا أنه لا يخرج من الملة ، وبهذا كان يفتي شيخنا عبدالعزيز بن باز والشيخ الألباني – رحمهما الله – كما تقدم.

    فعلى هذا لا يصح لهذا المقدسي العنيد أن يكفر بالحكم بغير ما أنزل الله بلاد التوحيد؛ لأنه ليس موجوداً ولو كان موجوداً فالتكفير به من المتنازع فيه، والمسائل المتنازع فيها لا يكفر بها عيناً كما تقدم تقريره من كلام أهل العلم.


    تنبيهان /


    الأول/ لو كان الانضمام إلى هيئة الأمم المتحدة من الحكم بغير ما أنزل الله لرأيت علماءنا كالشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ سعد العتيق والشيخ عبدالعزيز ابن باز والشيخ محمد العثيمين – رحمهم الله – أنكروه وبينوا حرمته بل نص على جوازه بعضهم فقد سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين:


    بعض الناس يقول إن الانضمام إلى الأمم المتحدة تحاكم أيضاً إلى غير الله سبحانه وتعالى ، فهل هذا صحيح ؟


    فأجاب: هذا ليس بصحيح ، فكل يحكم في بلده بما يقتضيه النظام عنده، فأهل الإسلام يحتكمون إلى الكتاب والسنة ، وغيرهم إلى قوانينهم ، ولا تجبر الأمم المتحدة أحداً أن يحكم بغير ما يحكم به في بلاده ، وليس الانضمام إليها إلا من باب المعاهدات التي تقع بين المسلمين والكفار ا.هـ[5]


    ولما رددوا ما بين حين وآخر أن الدولة السعودية – حرسها الله – تحكم بما أنزل الله ، وزكوها بهذا – كما سيأتي النقل عن بعضهم - .




    الثاني / إن من أشهر من كفر في هذه الأيام لأجل الانضمام إلى هيئة الأمم المتحدة أسامة بن لادن – هداه الله – وذلك بمرأى ومسمع ملايين من خلق الله فقال في كلمته التي ألقاها في شهر ذي الحجة من عام 1423هـ: فهؤلاء الحكام قد نقضوها من أساسها بموالاتهم للكفار وبتشريعهم للقوانين الوضعية ، وإقرارهم واحتكامهم لقوانين الأمم المتحدة الملحدة ، فولايتهم قد سقطت شرعاً منذ زمن بعيد فلا سبيل للبقاء تحتها – ثم قال – إن الحكام الذين يريدون حل قضايانا ومن أهمها القضية الفلسطينية عبر الأمم المتحدة أو عبر أمر الولايات المتحدة، فما حصل بمبادرة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في بيروت ووافق عليها جميع العرب والتي باع فيها دماء الشهداء ، وباع فيها أرض فلسطين إرضاء ومناصرة لليهود وأمريكا على المسلمين . هؤلاء الحكام قد خانوا الله ورسوله ، وخرجوا من الملة – ثم قال – ويجب على المسلمين كذلك أن يتبرؤوا من هؤلاء الحكام الطواغيت، ولا يخفى أن التبرئ من الطاغوت ليس من نوافل الأعمال، وإنما هو أحد ركني التوحيد، فلا يقوم الإيمان بغيرهما ا.هـ





    وإن لأسامة بن لادن أموراً أخرى موبقة تدل على تأثره وتنفسه بنفس التكفيريين :

    1/ أنه كفر علماءنا ، وكل من لم يوافق على عملية تفجير البرجين بنيويورك في 11 سبتمبر ؛ لأن هذه الفعلة لا تجوز شرعاً وتفسد أكثر مما تصلح فقال: إن هذه الأحداث قد قسمت العالم بأسره إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط كفر أعاذنا الله وإياكم منه ا.هـ أليس هذا تكفيراً صريحاً؟

    2/ أنه أيد التفجيرات التي حصلت في بلاد السعودية، وبالتحديد في العليا، وعد المفجرين من الشهداء ، واعترف بأنه من المحرضين لهم فقال: حرضنا الأمة لإخراج هذا العدو المحتل الغاصب لأرض الحرمين فاستجاب من استجاب من الشباب ، فكان منهم هؤلاء الشباب خالد السعيد وعبدالعزيز المعثم ورياض الهاجري ومصلح الشمراني نرجو الله سبحانه أن يتقبلهم شهداء وقد رفعوا رأس الأمة عالياً ، وأماطوا جزءاً عظيماً من العوامل الذي لبسنا بسبب خذلان وتواطؤ الحكومة السعودية مع الحكومة الأمريكية لإباحة بلاد الله وإباحة بلاد الحرمين لهم ، فنحن ننظر إلى هؤلاء الشباب كأبطال عظام ومجاهدين اقتدوا برسولنا عليه الصلاة والسلام ، فنحن حرضنا وهم استجابوا فنرجوا الله أن يتقبلهم ، وأن يلهم أهلهم الصبر ، وأن يجعلهم من الشفعاء الذين يشفعون في أهلهم ويشفعون فينا ، وأن يتقبلهم ويرحمهم ا.هـ وفي كلمته التي ألقاها في شهر ذي الحجة عام 1423هـ أشار إلى إقرارها وتأييدها .3/ أنه قدح في أهل علم دولة التوحيد ( السعودية) منذ قيام مؤسسها الملك عبدالعزيز – رحمه الله – إلى يومنا هذا . ولا يخفاك أن من هؤلاء الشيخ سعداً العتيق والشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبدالله بن حميد والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمهم الله رحمة واسعة - ، ثم جعل فتوى علمائنا من هيئة كبار العلماء في جواز الاستعانة بالقوات الأمريكية لرد العدو الباغي صدام فتوى مداهنة ، ومن أشهر هؤلاء المفتين سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمهما الله – فقال: وأما علماء السوء ووزراء البلاط وأصحاب الأقلام



    [1] مذكرة الحكومة السعودية إلى منظمة الأمم المتحدة حول تطبيق حقوق الإنسان في المملكة عملاً بالشريعة الإسلامية . نشر في العدد الأول من المجلة العربية ص182 ، وانظر كتاب موقف المملكة العربية السعودية من القضايا العالمية في هيئة الأمم المتحدة ص98 .


    [2] المرجع السابق .


    [3] موقف المملكة العربية السعودية من القضايا العالمية في هيئة الأمم المتحدة ص98 .


    [4] (2/198) .


    [5] مجلة الدعوة – العدد 1608 – 10 جمادى الأولى 1418هـ - 11 سبتمبر 1997م .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:11

    المأجورة وأشباههم فكما قيل: لكل زمن دولة ورجال . فهؤلاء رجال الدولة الذين يحرفون الحق ويشهدون بالزور حتى في البلد الحرام في البيت الحرام ولا حول ولا قوة إلا بالله . ويزعمون أن الحكام الخائنين ولاة أمر لنا ولا حول ولا قوة إلا بالله . يقولون ذلك من أجل تثبيت أركان الدولة ، فهؤلاء قد ضلوا سواء السبيل فيجب هجرهم والتحذير منهم – ثم قال – كما حصل يوم أن أباح الملك بلاد الحرمين للأمريكيين ، فأمر علمائه فأصدروا تلك الفتوى الطامة التي خالفت الدين واستخفت بعقول المسلمين والمؤيد لفعله الخائن في تلك المصيبة العظيمة ، والأمة اليوم إنما تعاني ما تعانيه من مصائب وخوف وتهديد من جراء ذلك القرار المدمر وتلك الفتوى المداهنة ا.هـ

    وقبل هذا عد الملك عبدالعزيز – رحمه الله – كرزاي العرب والرياض ، وعاب على العلماء الذين يدعون الناس لوضع أيديهم بأيدي حكامهم ، ومن هؤلاء الحكام الملك عبدالعزيز – رحمه الله - .

    أليس من هؤلاء العلماء سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ سعد العتيق والشيخ ابن حميد والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين – رحمهم الله - علماً أن فتوى علمائنا بجواز الاستعانة بالقوات الأمريكية فتوى صائبة أثبت الأيام صحتها، وذلك أنه لما هجم علينا العدو الذي لا قبل لنا بمواجهته لما لديه من قوة وناصرته دول مجاورة فكشرت عن أنيابها، وأظهرت عداوتها رأى حكامنا وعلماؤنا – جزاهم الله خيراً – أن يستعينوا بكافر على من هو أشد إفساداً منه مقابل شيء من حطام الدنيا لإبقاء ما هو أكثر من الدنيا، وإبقاء ما هو أهم وهو الدين والتوحيد والأمن في الأعراض والأوطان، وحقاً رد الله الباغي وبقينا على إقامة توحيد الله ودينه، وحفظنا في أوطاننا وأعراضنا وأنفسنا . فلله الحمد رب العالمين، ولولا فضل الله ورحمته ثم استعانتنا بهذا الكافر مقابل شيء من حطام الدنيا الزائل لرد هذا العدو الباغي، لكنا على حالة لا تحمد لا من جهة الدين – الذي هو الأهم -، ولا من جهة الأعراض والأنفس .

    فبالله عليكم لو تمكن منا حزب البعث الكافر الذي يقول شاعرهم ملخصاً عقيدتهم:

    آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثانِ

    لو تمكن هذا الحزب هل تظنون راية التوحيد ترفع، أو أن السنة تنشر وتشرع، أم أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تحكم ؟

    قاتل الله الحماسة المفرطة كم أفسدت، وكم كانت ستفسد ثم لو قدر أن علماءنا أخطأوا في فتوى الاستعانة – وهذا تنزلاً وإلا والله فقد أصابوا فيها الحق كله – فإنها مسألة اجتهادية لا يصح التشنيع من أجلها، فلماذا يشنع ابن لادن الجاني فيها على العلماء أولياء الله ؟!

    4/ أنه كتب رسالة إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – فأظهر فيها شيئاً من تطاوله المصحوب بجهل في حق هذا الإمام العلامة – عليه رحمة الله – وإليك طرفاً من الرسالة :

    قال ابن لادن – عليه من الله ما يستحق –: وكأنكم لم تكتفوا بإباحة بلاد الحرمين الشريفين لقوات الاحتلال اليهودية والصليبية ، حتى أدخلتم ثالث الحرمين في المصيبة بإضفائكم الصبغة الشرعية على صكوك الاستسلام التي يوقعها الخونة والجبناء من طواغيت العرب مع اليهود إن هذا الكلام خطير كبير ، وطامة عامة لما فيه من التدليس على الناس والتلبيس على الأمة ... إن الفتاوى السابقة لو صدرت عن غيركم لقيل بتعمد صاحبها ما تضمنته من الباطل ، ويترتب عليها من آثار وأخطار ، ولكنها لما صدرت منكم تعين أن يكون سبب الخلل فيها غير ذلك من الأسباب التي لا ترجع إلى نقص علمكم الشرعي ، ولكن لعدم إدراك حقيقة الواقع ، وما يترتب على مثل هذه الفتاوى من آثار مما يجعل الفتوى حينئذ غير مستوفاة الشروط ومن ثم لا يصح إطلاقها مما يتحتم على المفتي عندئذ أن يتوقف عن الفتوى أو يحيلها إلى المختصين الجامعين بين العلم بالحكم الشرعي والعلم بحقيقة الواقع ا.هـ[1]

    وقال: فقد سبق لنا في هيئة النصيحة والإصلاح أن وجهنا لكم رسالة مفتوحة في بياننا رقم (11) وذكرناكم فيها بالله ، وبواجبكم الشرعي تجله الملة والأمة ، ونبهناكم فيها على مجموعة من الفتاوى والمواقف الصادرة منكم ، والتي ألحقت بالأمة والعاملين للإسلام من العلماء والدعاة أضراراً جسيمة عظيمة ... ولذا فإننا ننبه الأمة على خطورة مثل هذه الفتاوى الباطلة وغير مستوفية الشروط ، وندعوها إلى الرجوع في الفتوى إلى أولئك الذين جمعوا بين العلم الشرعي والاطلاع على الواقع ... كما نكرر دعوتنا لكم أيها الشيخ للخروج من خندق هؤلاء الحكام الذين سخروكم لخدمة أهوائهم وتترسوا بكم ضد كل داعية، وروموا بكم في وجه كل مصلح ... كما نعظكم بحال أولئك الذين قال الله فيهم إنهم ) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (. أيها الشيخ في ختام هذه الرسالة نقول لكم: إذا أنتم لم تستطيعوا أن تتحملوا تبعات الجهر بالحق والصدع به، ومناصرة أهله ضد هؤلاء الحكام ، فلا أقل من أن تتنحوا عن المناصب الرسمية التي لوثكم بها هذا النظام ا.هـ [2]



    ومع وجود هذه الطوام المهلكة عند ابن لادن إلا أنه لا يزال هناك من هو مغتر به ويهتف وينادي باسمه، لكن – ولله الحمد – ليس العبرة في تمييز المحق من المخطئ مهاتفات ونداءات الدهماء، وإنما العبرة ما يقرره العلماء .

    لذا إليك طرفاً من كلامهم ليطمئن أهل الإيمان ويهتدي ممن لا يزال شاكاً متردداً إن أراد الله به خيراً:



    بعض أقوال العلماء في أسامة بن لادن:

    قال الإمام بن باز – رحمه الله- : أما ما يقوم به الآن محمد المسعري وسعد الفقيه وأشباههما من ناشري الدعوات الفاسدة الضالة فهذا بلا شك شر عظيم ، وهم دعاة شر عظيم ، وفساد كبير ، والواجب الحذر من نشراتهم، والقضاء عليها ، وإتلافها ، وعدم التعاون معهم في أي شيء يدعو إلى الفساد والشر والباطل والفتن ؛ لأن الله أمر بالتعاون على البر والتقوى لا بالتعاون على الفساد والشر ، ونشر الكذب ، ونشر الدعوات الباطلة التي تسبب الفرقة واختلال الأمن إلى غير ذلك .

    هذه النشرات التي تصدر من الفقيه ، أو من المسعري أو من غيرهما من دعاة الباطل ودعاة الشر والفرقة يجب القضاء عليها وإتلافها وعدم الالتفات إليها ، ويجب نصيحتهم وإرشادهم للحق، وتحذيرهم من هذا الباطل، ولا يجوز لأحد أن يتعاون معهم في هذا الشر ، ويجب أن ينصحوا ، وأن يعودوا إلى رشدهم ، وأن يدَعوا هذا الباطل ويتركوه .

    ونصيحتي للمسعري والفقيه وابن لادن وجميع من يسلك سبيلهم أن يدَعوا هذا الطريق الوخيم ، وأن يتقوا الله ويحذروا نقمته وغضبه ، وأن يعودوا إلى رشدهم ، وأن يتوبوا إلى الله مما سلف منهم ، والله سبحانه وعد عباده التائبين بقبول توبتهم ، والإحسان إليهم ، كما قال سبحانه : ) قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (وقال سبحانه : ) وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (والآيات في هذا المعنى كثيرة أهـ[3] .









    فتوى المحدث الشيخ مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله - :

    في لقاء مع علامة اليمن الشيخ مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله- في جريدة الرأي العام الكويتية بتاريخ 19/12/1998 العدد : 11503 قال الشيخ مقبل -رحمه الله- : أبرأ إلى الله من بن لادن فهو شؤم وبلاء على الأمة وأعمــاله شر ا.هـ.

    و في نفس اللقاء :

    السائل : الملاحظ أن المسلمين يتعرضون للمضايقات في الدول الغربية بمجرد حدوث انفجار في أي مكان في العالم ؟

    أجاب الشيخ مقبل : أعلم ذلك ، وقد اتصل بي بعض الأخوة من بريطانيا يشكون التضييق عليهم، ويسألون عما إذا كان يجوز لهم إعلان البراءة من أسامة بن لادن ، فقلنا لهم تبرأنا منه ومن أعماله منذ زمن بعيد ، والواقع يشهد أن المسلمين في دول الغرب مضيق عليهم بسبب الحركات التي تغذيها حركة الإخوان المفلسين أو غيرهم ، والله المستعان .

    السائل : ألم تقدم نصيحة إلى أسامة بن لادن ؟

    أجاب الشيخ : لقد أرسلت نصائح لكن الله أعلم إن كانت وصلت أم لا، وقد جاءنا منهم أخوة يعرضون مساعدتهم لنا وإعانتهم حتى ندعو إلى الله ، وبعد ذلك فوجئنا بهم يرسلون مالا ويطلبون منا توزيعه على رؤساء القبائل لشراء مدافع ورشاشات ، ولكنني رفضت عرضهم ، وطلبت منهم ألا يأتوا إلى منزلي ثانية ، وأوضحت لهم أن عملنا هو دعوي فقط ولن نسمح لطلبتنا بغير ذلك ا.هـ وقال الشيخ مقبل – رحمه الله - في كتاب (تحفة المجيب) من تسجيل بتاريخ 18 صفر1417 هـ تحت عنوان (من وراء التفجيرات في أرض الحرمين؟): وكذلك إسناد الأمور إلى الجهال، فقد روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم



    [1] في البيان رقم (11) الذي أصدرته هيئة النصيحة والإصلاح التابع لابن لادن .


    [2] البيان رقم (12) .


    [3] مجلة البحوث الإسلامية العدد 50 ص 7- 17 .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:12

    :" إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتّى إذا لم يبق عالمًا اتّخذ النّاس رءوسًا جهّالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا ".

    كما يقال: العالم الفلاني ما يعرف عن الواقع شيئًا، أو عالم جامد، تنفير، كما تقول مجلة "السنة" التي ينبغي أن تسمى بمجلة "البدعة"، فقد ظهرت عداوتها لأهل السنة من قضية الخليج.

    وأقول: إن الناس منذ تركوا الرجوع إلى العلماء تخبطوا يقول الله عز وجل ) )وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) ( وأولي الأمر هم العلماء والأمراء والعقلاء الصالحون.

    وقارون عند أن خرج على قومه في زينته قال أهل الدنيا: ) )يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)* )وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (

    والعلماء يضعون الأشياء مواضعها ): )وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) (، ) )إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ)( ، ) ) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ(، ) يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)(. فهل يرفع الله أهل العلم أم أصحاب الثورات والانقلابات وقد جاء في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ eسئل: متى السّاعة؟ فقال:" إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر السّاعة " رئيس حزب وهو جاهل.

    ومن الأمثلة على هذه الفتن الفتنةالتي كادت تدبر لليمن من قبل أسامة بن لادنإذا قيل له: نريد مبلغ عشرين ألف ريال سعودي نبني بها مسجدًا في بلد كذا . فيقول: ليس عندنا إمكانيات، سنعطي إن شاء الله بقدر إمكانياتنا. وإذا قيل له: نريد مدفعًا ورشاشًا وغيرهما. فيقول: خذ هذه مائة ألف (أو أكثر) وإن شاء الله سيأتي الباقي أهـ .



    فتوى معالي الشيخ صالح آل الشيخ – حفظه الله - :

    قال معالي الشيخ صالح آل الشيخ في (جريدة الرياض) بتاريخ ( 8/11/2001 ): في جانب الانحراف في فهم الإسلام، هذا له أسباب كثيرة جداً، لكن من أهمها أن المعلم في التعليم ما قبل الجامعي يحتاج إلى نظرة جادة، أنا لست مع الذين يقولون إن المشكلة في المناهج، إن المشكلة في المعلم والمعلم الآن يعطي منهجاً مختصراً، وهذا المنهج لو أتينا ونشرحه مثلاً خذ منهج العقيدة في المتوسط هذا المنهج يمكن أن نقرأه في يوم كله من أوله إلى أخره لأنه كله عشرون صفحة أو ثلاثون صفحة، وهو الآن (المعلم) يعلّم هذا المنهج لمدة سنة أو كل يوم ساعة، هنا الشرح الذي سيكون، أن بعض المعلمين عندما يعطي المعاني غير الصحيحة وأنا واجهت هذا عند أولادي حيث يأتون ويقولون إن هذه معناها كذا وكذا ومفهومها كذا وتطبيقها بهذا الشكل، ويكون هذا خلاف الصحيح حتى في مسائل التوحيد والعقيدة يطبقونها بشكل خاطئ، والمنهج هو نفس المنهج الديني الذي درستموه كلكم..فلماذا قبل ثلاثين سنة لم يؤد إلى انحراف أو غلو ديني ولم يعط إلا خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة؟ وفي الخمس عشرة سنة الأخيرة صار هناك اندفاع كبير جداً من الشباب يحتاج إلى علاج.

    ومن أهم أسبابه هو المعلم، ولهذا أقول من الضروري أن يكون المعلم للموضوعات الشرعية والدينية معداً إعداداً صحيحاً وليس كل متخرج في كلية شرعية أو من كلية إسلامية يصلح لأن يعلم.إن المعلم يحتاج حتى تضبطه إلى إعداد أولاً ويحتاج إلى كتاب معلم مفصل لا يخرج عنه، وإذا خرج عن كتاب المعلم هذا يحاسب عليه لأن كتاب المعلم لا وجود له في المسائل الدينية، هناك كتاب الفقه، كتاب التوحيد، كتاب التفسير، لكن أين الشرح ومن أن يأتي به يعطونك مدارس كثيرة جداً حتى إنه في هذه الأزمة ربما سمعتم بعض المدرسين يمجد أسامة بن لادن وهذا خلل في فهم الإسلام ا. هـ.







    ثانياً / رد كلامه في تكفير دولة التوحيد لإيجاد نظام العمل والعمال ونظام المرافعات ونظام المطبوعات والنشر وهكذا ...

    قد أكثر التشنيع والتكفير لهذه الدولة لأنها قد أنشأت نظاماً للعمل والعمال ونظاماً للمرافعات ونظاماً للمطبوعات والنشر وهكذا .. وعدّ هذا من المكفرات والتحاكم إلى الطاغوت .

    والرد من أوجه :

    1/ أنه تقدم أن الحكم بغير ما أنزل الله يكون بإلغاء حكم الله ووضع حكم آخر بشري لا بإنشاء أحكام ليس فيها إلغاء لحكم الله المسبق، وتم نقل هذا من كلام شيخنا عبدالعزيز بن باز وشيخنا محمد بن صالح العثيمين وشيخنا صالح الفوزان – رحم الله ميتهم وحيهم -، فبهذا يتضح أن إدخال هذه الأنظمة من ضمن ما يحكم فيه بغير ما أنزل الله خطأ من جهة الأصل[1]، ولا يعني هذا بحال أنها من الحكم بغير ما أنزل الله؛ لأنه ليس فيها إلغاء حكم الله ووضع حكم بدله .

    2/ أن جميع هذه الأنظمة خاضعة إلى الدستور العام للدولة ، وهو التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما خالف ذلك فإنما يكون خطأ لقصور القائمين والواضعين لهذه الأنظمة أو شهوة غالبة، ومثله يكون ذنباً ومعصية لا كفراً يخرج صاحبه من الملة ، فعليه يسعى إلى إصلاحه بالتي هي أحسن للتي هي أقوم .

    3/ أنه لو قدر أن هذه الأنظمة من الحكم بغير ما أنزل الله، فإنه لا يكون كفراً مخرجاً من الملة. كما تقدم بحث المسألة. ولو كان كفراً عند المقدسي وغيره فإنه لا يصح تكفير غيرهم به لأنه مسألة اجتهادية، وما كان كذلك فلا يكفر به كما تقدم ذكره عن أهل العلم .



    تنبيه : قد كان في نظام العمل والعمال أول ما صدر أمور اعترض عليها من لدن أهل العلم، ثم أصلحت وعدلت، قال الشيخ صالح اللحيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء لما سئل عن نظام العمل والعمال وإصلاح ما فيه :

    نظام العمل والعمال أول ما صدر أعترض عليها، ثم الذي أقر كان عُرض على الشيخ عبدالله بن حميد – رحمة الله عليه، والشيخ عبدالعزيز بن باز فأقراه، فإذا وجد أخطاء فليس في صلب النظام وإنما في التطبيق، قد لا يطبق القائم على نظام العمل، لا يطبقه إما عن هوى، وإما عن جهل، ولا شك أن الهوى هو الشر العظيم، كما قال جل وعلا لنبيه داود عليه السلام ) وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ( . وإذا كان خفي عليه حكم ما ينبغي أن يوقع على العامل أو على الخصم الآخر وهو أراد الخير وأخطأه فهذا أمرٌ آخر .

    إنما نظام العمل الذي أقر في تطبيق العقوبات التي يدخل العامل على أساس التزامها ، ويدخل المستخدم على أساس التزامها ، فأخبركم أنه كان عرض في الأول فاعترض الشيخ عبدالله بن حميد والشيخ ابن باز ، ثم جاء إليهما الدكتور معروف الدواليبي بهذا النظام ، ودرساه وأقرا ما اعتمد ا.هـ[2]





    * الأمر الثاني من الشبهات في تكفير الدولة السعودية / موالاة الكفار :

    قد تواترت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في تقرير حرمة موالاة الكفار، قال تعالى ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ( وقال ) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( وقال تعالى ) لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ( وهكذا ..

    وألفت النظر إلى أن كثيراً من المسلمين تجاه هذه العقيدة المباركة ما بين جافٍ وغالٍ ، وكما أن الجفاء والتقصير مذموم فكذلك الغلو والإفراط مذموم ، بل هو في الجملة أشد إثماً .

    ومن صور التقصير ألا يعتقد عداوتهم وبغضهم البغض الديني فتجده اختياراً منه ورغبة يؤاكلهم ويجالسهم ، ويعزهم ويرفع شأنهم اغتراراً بما حصل لهم من تقدم صناعي دنيوي .

    أما صور الغلو فمنها: اعتقاد جواز ظلمهم أو قتلهم من غير تفريق بين من بينهم وبين ولاة الأمور عهود ومواثيق لا سيما من دخل ديار المسلمين أو جوز جهادهم من غير تفريق بين حالة ضعف المسلمين وقوتهم ومراعاة المصالح العامة للمسلمين، أو اعتقاد عدم جواز دخول الكافر جزيرة العرب مطلقاً، أو عدم جواز إعطاء الكافر المال مطلقاً، أو الجزم والإنكار والتضليل في مسائل فقهية يسوغ الخلاف فيها، كمثل تعزية الكافر [3] فإن كثيراً من الفقهاء جوزها ، وعن الإمام أحمد رواية بالتوقف ورواية بالجواز وهكذا ..

    وإن من الغالين في هذا الباب غاية الغلو هذا المقدسي العنيد ، فكفر بما لم يكفر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، وشنع على ما هو جائز ، ومن عرف حاله لا يستغرب هذا منه لكن الغرابة حقاً والعجيب صدقاً أن يصدقه غيره ويروجه بين الشباب المتدين مستغلاً في ذلك عاطفتهم وحماستهم الدينية غير المنضبطة وجهلهم بالشرع المحكم .



    [1] فإن وجدت في هذه الأنظمة شيء مخالفٌ للشرع فيصلح ويناصح ولاة الأمر فيها ليكمل النقص ويسد الخلل .


    [2] الوجه الأول من شريط / مفهوم تحكيم الشريعة .


    [3] قال الشيخ العلامة صالح الفوزان معلقاً: في قريبه المسلم .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:13

    وإن الوسط في هذه الأمور هو سبيل الله المستقيم ويتم بمراعاة ما يلي :

    1/ التفريق بين أصناف الكفار وعلى إثرها يكون التعامل مع كل صنف بحسبه ، فقد أخرج البخاري عن ابن عباس قال: "كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كانوا مشركي أهل الحرب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل العهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه " .

    قال ابن القيم: الكفار إما أهل حرب، وإما أهل عهد ، وأهل العهد ثلاثة أصناف:

    1- أهل ذمة. 2- وأهل هدنة. 3- وأهل أمان .

    وقد عقد الفقهاء لكل صنف باباً: فقالوا: باب الهدنة، باب الأمان، باب عقد الذمة . ولفظ " الذمة والعهد " يتناول هؤلاء كلهم في الأصل . وكذلك لفظ " الصلح "، فإن الذمة من جنس لفظ العهد والعقد – ثم قال – وهكذا لفظ " الصلح " عام في كل صلح، وهو يتناول المسلمين بعضهم مع بعض، وصلحهم مع الكفار، ولكن صار في اصطلاح كثير من الفقهاء " أهل الذمة " عبارة عمن يؤدي الجزية، وهؤلاء لهم ذمة مؤبدة، وهؤلاء قد عاهدوا المسلمين على أن يجري عليهم حكم الله ورسوله، إذ هم مقيمون في الدار التي يجري فيها حكم الله ورسوله، بخلاف أهل الهدنة فإنهم صالحوا المسلمين على أن يكونوا في دارهم، سواء كان الصلح على مال أو غير مال، لا تجري عليهم أحكام الإسلام كما تجري على أهل الذمة، لكن عليهم الكف عن محاربة المسلمين، وهؤلاء يسمون أهل العهد وأهل الصلح وأهل الهدنة.

    وأما المستأمن فهو الذي يقدم بلاد المسلمين من غير استيطان لها، وهؤلاء أربعة أقسام: رسل وتجار ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاؤوا دخلوا فيه، وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم، وطالبوا حاجة من زيارة أو غيرها، وحكم هؤلاء ألا يهاجروا، ولا يقتلوا، ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام والقرآن، فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به، ولم يعرض له قبل وصوله إليه، فإذا وصل مأمنه عاد حربياً كما كان ا.هـ[1]



    مسألة/ لا تجوز في الشريعة الهدنة المؤبدة بين المسلمين والكفار بالاتفاق، كما حكاه ابن القيم [2]؛ لأنه يؤدي إلى إلغاء شرعية الجهاد.

    أما الصلح والهدنة المؤقتة فهي جائزة، وقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش كما في صلح الحديبية فصالحهم عشر سنوات .

    والصلح المطلق جائز على أصح القولين، ومعناه: أن يصالح المسلمون الكفار صلحاً غير مؤقت وفي نيتهم متى ما تقووا نقضوا الصلح بعد إعلام الكفار .

    قال ابن تيمية: ويجوز عقدها مطلقاً ومؤقتاً، والمؤقت لازم من الطرفين: يجب الوفاء به، ما لم ينقضه العدو، ولا ينقض بمجرد خوف الخيانة في أظهر قولي العلماء. وأما المطلق فهو عقد جائز يعمل الإمام فيه بالمصلحة ا.هـ[3]

    وقال: فإن المشركين كانوا على نوعين: نوعاً لهم عهد مطلق غير مؤقت، وهو عقد جائز غير لازم ، ونوعاً لهم عهد مؤقت، فأمر الله رسوله أن ينبذ إلى المشركين أهل العهد المطلق؛ لأن هذا العهد جائز غير لازم، وأمره أن يسيرهم أربعة أشهر، ومن كان له عهد مؤقت فهو عهد لازم، فأمره الله أن يوفي له إذا كان مؤقتاً، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الهدنة لا تجوز إلا مؤقتة. وذهب بعضهم إلى أنه يجوز للإمام أن يفسخ الهدنة مع قيامهم بالواجب، والصواب هو القول الثالث، وهو أنها تجوز مطلقة ومؤقتة. فأما المطلقة فجائزة غير لازمة يخير بين إمضائها وبين نقضها. والمؤقتة لازمة ا.هـ [4] ثم ذكر صدر سورة براءة إلى آية (13) .

    وقال ابن القيم: إذا عرف هذا فهل يجوز لولي الأمر أن يعقد الهدنة مع الكفار عقداً مطلقاً لا يقدره بمدة، بل يقول" نكون على العهد ما شئنا " ، ومن أراد فسخ العقد فله ذلك إذا أعلم الآخر ولم يغدر به، أو يقول: "نعاهدكم ما شئنا ونقركم ما شئنا" ؟

    فهذا فيه للعلماء قولان في مذهب أحمد وغيره:

    أحدهما: لا يجوز، قال به الشافعي في موضع، ووافقه طائفة من أصحاب أحمد كالقاضي في "المجرد" والشيخ في "المغني"، و لم يذكروا غيره .

    والثاني: يجوز ذلك، وهو الذي نص عليه الشافعي في "المختصر"، وقد ذكر الوجهين في مذهب أحمد طائفة آخرهم ابن حمدان.

    والمذكور عن أبي حنيفة أنها لا تكون لازمة بل جائزة، فإنه جوز للإمام فسخها متى شاء. وهذا القول في الطرف المقابل لقول الشافعي الأول .

    والقول الثالث: وسط بين هذين القولين .

    وأجاب الشافعي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر :" نقركم ما أقركم الله " بأن المراد: نقركم ما أذن الله في إقراركم بحكم الشرع. قال: وهذا لا يعلم إلا بالوحي، فليس هذا لغير النبي صلى الله عليه وسلم وأصحاب هذا القول كأنهم ظنوا أنها إذا كانت مطلقة تكون لازمة مؤبدة كالذمة، فلا تجوز بالاتفاق، ولأجل أن تكون الهدنة لازمة مؤبدة فلابد من توفيتها، وذلك أن الله عز وجل أمر بالوفاء ونهى عن الغدر، والوفاء لا يكون إلا إذا كان العقد لازماً .

    والقول الثاني – وهو الصواب -: أنه يجوز عقدها مطلقة ومؤقتة، فإذا كانت مؤقتة جاز أن تجعل لازمة، ولو جعلت جائزة بحيث يجوز لكل منهما فسخها متى شاء كالشركة والوكالة والمضاربة ونحوها جاز ذلك، لكن بشرط أن ينبذ إليهم على سواء .

    ويجوز عقدها مطلقة، وإذا كانت مطلقة لم يمكن أن تكون لازمة التأبيد، بل متى شاء نقضها، وذلك أن الأصل في العقود أن تعقد على أي صفة كانت فيها المصلحة، والمصلحة قد تكون في هذا وهذا . وللعاقد أن يعقد العقد لازماً من الطرفين، وله أن يعقده جائزاً يمكن فسخه إذا لم يمنع من ذلك مانع شرعي، وليس هنا مانع، بل هذا قد يكون هو المصلحة، فإنه إذا عقد عقداً إلى مدة طويلة فقد تكون مصلحة المسلمين في محاربتهم قبل تلك المدة، فكيف إذا كان ذلك قد دل عليه الكتاب والسنة؟ وعامة عهود النبي صلى الله عليه وسلم مع المشركين كانت كذلك مطلقة غير مؤقتة، جائزة غير لازمة، منها عهده مع أهل خيبر، مع أن خيبر فتحت وصارت للمسلمين، لكن سكانها كانوا هم اليهود، ولم يكن عندهم مسلم، ولم تكن بعد نزلت آية الجزية، إنما نزلت في "براءة" عام تبوك سنة تسع من الهجرة، وخيبر فتحت قبل مكة بعد الحديبية سنة سبع. ومع هذا فاليهود كانوا تحت حكم النبي صلى الله عليه وسلم، فإن العقار ملك المسلمين دونهم. وقد ثبت في الصحيحين أنه قال لهم:" نقركم ما شئنا" أو "ما أقركم الله" . وقوله" ما أقركم الله " يفسره اللفظ الآخر، وأن المراد: أنا متى شئنا أخرجناكم منها. ولهذا أمر عند موته بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وأنفذ ذلك عمر – رضي الله عنه - في خلافته ا.هـ[5]

    وقال – رحمه الله -: وفي القصة دليل على جواز عقد الهدنة مطلقاً من غير توقيت، بل ما شاء الإمام ، ولم يجيء بعد ذلك ما ينسخ هذا الحكم البته، فالصواب جوازه وصحته، وقد نص عليه الشافعي في رواية المزني، ونص عليه غيره من الأئمة، ولكن لا ينهض إليهم ويحاربهم حتى يعلمهم على سواء ليستووا هم وهو في العلم بنقض العهد ا.هـ[6]

    2/ التعامل مع الكفار ليس على درجة واحدة بل على درجات ثلاث :

    الأولى : معاملة كفرية ( التولي ) : قال تعالى ) وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ( قال ابن حزم: صح أن قوله تعالى ) ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين ا.هـ[7]

    وضابط الولاء الكفري ( التولي ) : محبة الكفار لأجل دينهم أو نصرتهم لأجله والرضا به ، فإن وجدت نصرة بدون هذا الدافع وإنما لحظ دنيوي فهو محرم وليس كفراً .

    والدليل على هذا الضابط ما رواه الستة إلا ابن ماجه من حديث على بن أبي طالبٍ رضي الله عنه في قصة حاطب بن أبي بلتعة إذ أرسل الرسالة إلى قريش يخبرهم بقدوم رسول الله e فقال له رسول الله e" يا حاطب ما هذا " قال لا تعجل عليِّ إني كنت امرأً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ فيهم يداً يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن دينٍ ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله e " إنه صدقكم " فكلام حاطب مع إقرار رسول الله e صريح في أن مجرَّد فعل حاطب ليس كفراً لذا قال لم أفعله كفراً ولا ردةً عن الدين ولو كان مجرد فعل حاطب كفراً لما احتاج إلى قوله لم أفعله كفراً لأن مجرد الفعل كفرٌ كما أنه لا يصح لمستهزئ بالله أن يقول لم أقله كفراً لأن مجرد الاستهزاء كفرٌ .



    [1] أحكام أهل الذمة (2/873) .


    [2] أحكام أهل الذمة (2/876) .


    [3] الاختيارات الفقهية ص 542 .


    [4] الجواب الصحيح (1/175) .


    [5] أحكام أهل الذمة (2/874) .


    [6] زاد المعاد (3/146) .


    [7] المحلى
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:14

    وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن :"فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان ووصفه به ، وتناوله النهي بعمومه وله خصوص السبب الدال على إرادته مع أن في الآية الكريمة ما يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة وأنه أبلغ إليهم بالمودة ، فإن فاعل ذلك قد ضل سواء السبيل لكن قوله " صدقكم خلوا سبيله " ظاهر في أنه لا يكفر بذلك إذا كان مؤمناً بالله ورسوله غير شاك ولا مرتاب ، وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي ولو كفر لما قيل " خلوا سبيله " لا يقال قوله صلى الله عليه وسلم لعمر " وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " هو المانع من تكفيره لأنا نقول لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنعه من لحاق الكفر وأحكامه ، فإن الكفر يهدم ما قبله لقوله تعالى ) ) وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ )( وقوله تعالى ) ) وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(الأنعام: ( والكفر محبط للحسنات والإيمان بالإجماع فلا يظن هذا ،

    وأما قوله ] ) وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[ وقوله ] )لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )…[ وقوله تعالى ] )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [ فقد فسَّرته السنَّة وقيَّدته وخصته بالموالاة المطلقة العامة ، وأصل الموالاة هو الحبُّ والنُّصرة والصداقة ودون ذلك مراتب متعددةٌ ولكل ذنبٍ حظه وقسطه من الوعيد والذم ، وهذا عند السلف الراسخين في العلم من الصحابة والتابعين معروفٌ في هذا الباب وغيره …ا.هـ[1]

    ثم في كلام حاطب بن أبي بلتعة إبانةٌ للضابط الكفري إذ قال " ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام " . فإن قيل: حكى بعض العلماء الإجماع على أن مطلق الإعانة كفر ، فيقال: هذا الإجماع المحكي ما بين حالتين :

    الأولى / أن يكون خارج محل النزاع مثل قول ابن حزم - في المحلى - : صح أن قوله تعالى ) ) وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)( إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين ا.هـ ، وذلك أننا لا نختلف في كفر المتولي لكن ما التولي ؟ ومن المتولي ؟ هذا محل البحث وفيه التنازع ، وكلام ابن حزم لا يفيد شيئاً في بيان معنى التولي ، وإنما أفاد كفر فاعله ، وهذا واضح لا إشكال فيه ولا نزاع ، ثم على افتراض أن ابن حزم حكى إجماعاً فإنه يقال فيه ما يقال في الحالة الثانية الآتية .

    الثانية / أن الذين حكوا إجماعاً جعلوا المظاهرة الكفرية كل إعانة للكفار حتى القولية ، وهذا الإجماع مخروم بيقين ولا يعول عليه منصفٌ عالم بخرمه ، وبرهان خرم الإجماع المحكي ما يلي:

    1) أن الإمام الشافعي – رحمه الله – صرح بأن حاطباً لم يكفر مع أن فعله إعانة قوية للكفار أمام جيش الإسلام الذي يتقدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

    قيل للشافعي: أرأيت المسلم يكتب إلى المشركين من أهل الحرب بأن المسلمين يريدون غزوهم أو بالعورة من عوراتهم هل يحل ذلك دمه ويكون في ذلك دلالة على ممالأة المشركين ؟

    قال الشافعي - رحمه الله تعالى- : لا يحل دم من ثبتت له حرمة الإسلام إلا أن يقتل أو يزني بعد إحصان أو يكفر كفراً بيناً بعد إيمان، ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم، ولا تأييد كافر بأن يحذر أن المسلمين يريدون منه غرة ليحذرها أو يتقدم في نكاية المسلمين بكفر بين ، فقلت للشافعي : أقلت هذا خبراً أم قياساً ؟ قال : قلته بما لا يسع مسلماً علمه عندي أن يخالفه بالسنة المنصوصة بعد الاستدلال بالكتاب فقيل للشافعي فاذكر السنة فيه – ثم ساق خبر حاطب ثم قال –

    قال الشافعي رحمه الله تعالى : في هذا الحديث مع ما وصفنا لك طرح الحكم باستعمال الظنون لأنه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنه لم يفعله شاكاً في الإسلام ، وأنه فعله ليمنع أهله ، ويحتمل أن يكون زلة لا رغبة عن الإسلام ، واحتمل المعنى الأقبح، كان القول قوله فيما احتمل فعله ، وحكم رسول الله فيه بأن لم يقتله ولم يستعمل عليه الأغلب ولا أحد أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده ، فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غرتهم فصدقه ما عاب عليه الأغلب مما يقع في النفوس فيكون لذلك مقبولاً كان من بعده في أقل من حاله وأولى أن يقبل منه مثل ما قبل منه .

    قيل للشافعي : أفرأيت إن قال قائل إن رسول الله صلى الله عليه قال قد صدق إنما تركه لمعرفته بصدقه لا بأن فعله كان يحتمل الصدق وغيره فيقال له قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المنافقين كاذبون وحقن دماءهم بالظاهر ، فلو كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حاطب بالعلم بصدقه كان حكمه على المنافقين القتل بالعلم بكذبهم ولكنه إنما حكم في كل بالظاهر وتولى الله عز وجل منهم السرائر ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكماً له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية وكل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصاً أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجهلوا له سنة أو يكون ذلك موجوداً في كتاب الله عز وجل ا.هـ[2]

    فكيف يقال بعد ذلك : بأن أي إعانة تولي وهي كفر بالإجماع؟ وهذا الشافعي ينقض الإجماع – رحمه الله – بصراحة ووضوح .

    2) أن الإمام القرطبي صرح بوضوح أن من كثر إطلاعه الكفار على عورات المسلمين لا يكفر إذا كان اعتقاده سليماً ودافعه أمراً دنيوياً مع أن هذه إعانة قوية للكفار

    قال – رحمه الله– : من كثر تطلعه على عورات المسلمين وينبه عليهم ويعرف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافراً: إذا كان فعله لغرض دنيوي واعتقاده على ذلك سليم ؛ كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين ا.هـ[3]

    أفليس هذا صريحاً في خرم الإجماع الذي ينص على أن أدنى إعانة قولية أو فعلية تولٍ كفري؟ .

    3) قال ابن الجوزي : قوله تعالى ) وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ( فيه قولان : أحدهما : من يتولهم في الدين ، فإنه منهم في الكفر . والثاني : من يتولهم في العهد فإنه منهم في مخالفة العهد ا.هـ[4]

    فلاحظ – أيها القارئ الكريم – أن ابن الجوزي بقوله هذا لم يخرم الإجماع المزعوم فحسب ، بل لم يحك القول الذي يدعي عليه الإجماع وهو : أن التولي الكفري يكون بأدنى الإعانة ولو قولية – لم يحكه ابن الجوزي من الأقوال في المسألة ، مع محاولة ابن الجوزي – المعروف بسعة الاطلاع – استقصاء أقوال المفسرين في تفسيره : ( زاد المسير) ، كما كتب لابنه ناصحاً ومبيناً له عظم تفسيره : وما ترك المغني ، وزاد المسير حاجة إلى شيء من التفاسير ا.هـ[5].

    4) قال أبو الفضل محمود الألوسي: وقيل: المراد ) وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ( كافر مثلهم حقيقة ، وحكي عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما– ولعل ذلك إذا كان توليهم من حيث كونهم يهوداً أو نصارى .. ا.هـ[6]

    5) أن أئمة المذاهب الأربعة أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد – رحمهم الله – لا يرون كفر الجاسوس الذي يفشي سر المسلمين إلى الكفار ، وهذا ما اختاره ابن تيمية – وسيأتي نقل مهم عنه في آخر البحث يتعلق بآية التولي – وابن القيم .

    قال ابن القيم – رحمه الله – : ثبت أن حاطب بن أبي بلتعة لما جس عليه ، سأله عمر رضي الله عنه ضرب عنقه فلم يمكنه وقال :" ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وقد تقدم حكم المسألة مستوفى . واختلف الفقهاء في ذلك ، فقال سحنون : إذا كاتب المسلم أهل الحرب قتل ولم يستتب وماله لورثته وقال غيره من أصحاب مالك رحمه الله : يجلد جلداً وجيعاً ويطال حبسه وينفى من موضع يقرب من الكفار. وقال ابن القاسم : يقتل ولا يعرف لهذا توبة وهو كالزنديق. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله : لا يقتل ، والفريقان احتجوا بقصة حاطب وقد تقدم ذكر وجه احتجاجهم ووافق ابن عقيل من أصحاب أحمد مالكاً وأصحابه ا.هـ[7]

    6) الشيخ المحقق عبد الرحمن السعدي ، في تفسيره سورة المائدة آية )وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ( حيث قال: لأن التولي التام يوجب الانتقال إلى دينهم، والتولي القليل يدعو إلى الكثير، ثم يتدرج شيئاً فشيئاً، حتى يكون العبد منهم ا.هـ

    فهذا صريح في أن الكفر لا يكون إلا بالتولي التام وما عداه ليس كفراً ، والتولي التام راجع للأديان وهي أمور اعتقادية .

    7) العلامة الأصولي والمفسر الشيخ محمد الأمين الشنقيطي حيث قال في تفسيره ، عند قوله سبحانه : )وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ( قال: ويفهم من ظواهر الآيات أن من تولى الكفار عامداً اختياراً رغبة فيهم أنه كافر مثلهم ا.هـ[8]

    فلم يجعل – رحمه الله – التكفير مطلقاً ، بل قرنه بأمر قلبي أو اعتقادي وهو : أن يتولى الكفار رغبة فيهم .



    [1] الرسائل والمسائل النجدية (3/9-10) . وانظر الدرر السنية ( 1/474 ) .


    [2] كتاب الأم (4/249-250) .


    [3] التفسير (18/52) .


    [4] زاد المسير (2/378 ) .


    [5] رسالة لفتة الكبد ص66 .


    [6] روح المعاني (3/157) .


    [7] زاد المعاد (5/64) . وانظر زاد المعاد (3/422-424) والبدائع (4/ 939- 941) والصارم المسلول (2/372).


    [8] أضواء البيان (2/111 ) .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:14

    8) الشيخ المحقق محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في تفسيره سورة المائدة آية )وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ( ذكر أن نصرتهم من كبائر الذنوب كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا " ثم قال: المهم على كل حال من هنا تعرف أن كلمة الموالاة التي نهى الله عنها هي موالاتهم بالمناصرة والمعاونة مما يعود عليهم بالنفع ، فهذا حرام، لكن قلت لكم: إلا إذا عاونهم وناصرهم على من هو أشد إيذاء للمسلمين منهم فهذا لا بأس به ا هـ [1] فلم يحكم – رحمه الله - على النصرة بأنها كفر .



    أيها القراء / أليس هذا الإجماع مخروماً بأن هؤلاء الأئمة الكبار لم يكفروا الجاسوس الذي يفشي سر المسلمين إلى الكافرين الذي قد يكون مؤداه قتل عشرات بل مئات من المسلمين .

    فبهذا يظهر لك جلياً أن الإجماع المزعوم مخروم لا يصح التعويل عليه عند أهل الإنصاف العالمين بخرمه .



    ومحاولة بعضهم جعل مسألة الجاسوس مسألة خاصة لا يخرم بها الإجماع محاولة فاشلة لوجوه :

    1- أن الذين حكوا إجماعاً أكدوا كل صورة حتى الصور القولية ولم يستثن أحد منهم ولو مرة صورة الجاسوس ، ولو كانت هذه مستثناة – عندهم - لأبانوها وما تركوها ، ويؤكد هذا الوجه الذي يليه.

    2- أن مما يتمايز به دليل الإجماع أنه قطعي الدلالة فليس هو من الأدلة المجملة حتى يحتاج إلى بيان.

    3- أن الذين نقلوا الإجماع علماء متأخرون ، ولو كان في المسألة إجماعٌ لما أغفله الأولون من المفسرين والفقهاء مع كثرتهم ودقتهم .

    4- أن في كلام العلماء الأوائل والمتأخرين من علق التكفير بالاعتقاد – كما سبق – لا على العمل ، فهؤلاء إذا ذكروا مسألة الجاسوس ذكروها تمثيلاً - قطعاً - لا تخصيصاً لأنهم لا يكفرون بمجرد العمل. [2]



    يردد بعضهم شبهة وهي أن حاطباً كان متأولاً ولولاه لكفر ، وتفنيد هذه الشبهة من أوجه :

    أ‌- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأل حاطباً عن عذره ، لم يعتذر حاطب بأنه تأول دليلاً شرعياً بل ذكر أنه فعل ما فعل لحظ دنيوي .

    ب‌- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفهم أن حاطباً كان متأولاً لذلك لم يكشف شبهة كان حاطب متمسكاً بها ، ودواء الشبه كشفها .

    ج- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر بأنه عاص ، لكنه مغفور له لكونه من أهل بدر لا لأجل التأويل .



    بيان ذلك: أن المتأولين غير آثمين - وعليه فهم غير محتاجين إلى حسنات – كحضور بدر – تغفر بها سيئاتهم ، وقد حكى ابن حزم الإجماع على ذلك .

    ( الفصل (3/ 270) ( وانظر كلام ابن تيميه في الاستقامة ( 2/ 143) مجموع الفتاوى (1/113)(3/284 ) (12/180) والرد على البكري ص (259 ، 329 ) والأصفهانية (144- 145 )).



    الثانية / الموالاة المحرمة : وهذا يختلف باختلاف أصناف الكفار – كما تقدم – إلا أن جميعهم يعادي ويبغض بغضاً دينياً ، ويعتقد بطلان دينهم، وأن مصيرهم النار، وهناك مسائل فقهية اختلف فيها أهل العلم خلافاً معتبراً كحكم تعزية الكافر وحدود جزيرة العرب، فمثل هذه المسائل من اعتقد حرمتها فلا يفعلها ، لكن لا يشنع به على المخالف ، وإن كان له حق أن يبين قوله ويدعو إليه لأن قوله أيضاً في حيز المسائل التي يسوغ المخالفة فيها ، ولهذا ضوابط مذكورة في مضانها من كتب وكلام أهل العلم .

    الثالثة / جائزة : وهي المعاملة الحسنة لغير الحربيين والأصل في هذا الباب ، قوله تعالى )لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ( ، ومنه الزواج من الكتابيات دون العكس ، وأكل ذبائح أهل الكتاب ، ومنه وهو أمر مستحب إن لم يجب دعوتهم إلى الإسلام وترك ما هم عليه من دين منسوخ محرف وهكذا ...



    تنبيه/ إن كثيراً من الأحكام في هذا الباب تختلف بحسب المصلحة ، فحالة القوة لها أحكام مغايرة لحالة الضعف ، كما تقدم ذكر هذا وستأتي الإشارة إليه أيضاً .



    وبعد هذا إليك شيئاً من كلام هذا المقدسي العنيد :

    قال في أوائل كتابه " وفي السعودية اليوم عدة قواعد سعودية أمريكية ، يعترف وزير الداخلية بأن القائمين على إدارتها صليبيون أمريكان لمصالح مشتركة لكلا البلدين " ، وهذا الكلام قبل حرب الخليج لأن كتابه الكواشف لم يؤلف إلا عام عشرة ، فهذه القواعد يقوم عليها السعوديون ، لكن يوجد بها أمريكان للتدريب ، وهذه غير القواعد التي وجدت بعد حرب الخليج وخرجت هذا العام بفضل الله .

    فإذا كان الحال كذلك فبأي دليل يحرم مثل هذا ، وغاية ما في الأمر الاستعانة بالكافر على أمور دنيا هم متقدمون فيها ، ألم تعلم يا جهول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بابن أبي أريقط في معرفة الطريق وكان كافراً ؟ أما تعلم يا ظلوم أنه استعان في الجهاد بعينة الخزاعي؟ فكيف بمثل هذا؟

    قال ابن القيم : ومنها : أن الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة ، لأن عينة الخزاعي كان كافراً إذ ذاك ، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو ، وأخذه أخبارهم ا.هـ[3]

    أما إن كنت تعني إنكار دخولهم في جزيرة العرب ، فهذا يدل على تجنيك وجهلك ، فكيف لك أن تشنع في مسائل اجتهادية الخلاف فيها قوي من جهة تحديد جزيرة العرب ، وما المراد بحرمة دخولهم لها ؟

    ثم إن كثيراً من المحرمين يجوزون دخول الكفار للمصلحة التي يراها ولي الأمر ‍ لاسيما وأنك نقلت عن صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز – حفظه الله – أنه قال: يوجد بهذه القواعد رادارات وأجهزة معقدة لا يستطيع تشغيلها وإدارتها غيرهم " الأمريكان " ، فإذا تقرر أن هذا ليس محرماً فضلاً عن كونه كفراً فإني أرى من المناسب التذكير بأنه في هذا العام قد خرجت القوات الأمريكية التي جاءت أيام حرب الخليج الأولى عام (11هـ) ، وذلك بعد سقوط دولة العدو الظالم الغاشم ( صدام ) .

    فتبين من هذا عدة أمور:

    أولاً/ كذب المغرضين والحزبيين المتربصين ببلاد التوحيد الدوائر كابن لادن وأمثاله وأذنابه من الببغاوات ، وذلك أنهم كانوا يرددون أن هذا استعمار وأنهم لن يخرجوا ، وأن كلام الولاة كذبة مكشوفة .

    ثانياً / فساد نية هؤلاء المغرضين والمتأثرين بهم ، وذلك أنهم لم يشكروا دولة التوحيد على صدقها وإخراجها القوات الأمريكية ، فإذا كانوا يعدون هذا منكراً ويشنعون على بلاد التوحيد لأجله، فلماذا لما خرجت لم تسمع منهم شاكراً ولا حامداً ؟ ألا يدلك صنيعهم هذا أنه ليس دافعهم الدين وإلا لشكروا؟

    ثالثاً / صدق ولاتنا وعلمائنا الذين كانوا يذكرون أن هذه القوات استقدمت لهدف ولحاجة متى ما زالت رجعت .





    * الأمر الثالث من الشبهات في تكفير الدولة السعودية : كلامه في إبرام العهد على ترك الجهاد ( جهاد الطلب ) وتكفيره لأجل ذلك:

    وهذا من جهله العميق وتأثيره بمذهب الخوارج الشنيع فإنه لو قدر أن جهاد الكفار جهاد طلب مطلوب شرعاً في هذه الأيام ثم ترك هل يعد كفراً ؟ متى صار ترك الواجب والتلبس بالذنب كفراً؟

    فهذا يؤكد أن هذا الرجل – مع إحسان الظن به – تأثر بالخوارج لجهله وحماسته المفرطة .

    ومن تأكيد الأسس وتذكرها أن جهاد الدفع أو الطلب أمران مشروعان من أنكر شرعيتهما أرتد وخرج من الملة ، لأنه أنكر شيئاً مقرراً في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، لكن من المهم أن يعرف أن لهذا الجهاد وقتاً وشروطاً ومقاصد من أجلها شرع ، أنبه على هذه التمهيدات فيما يلي :

    التمهيد الأول : أن جهاد الأعداء وقتالهم في الشريعة مشروع لغيره لا لذاته، وهو إقامة دين الله في الأرض ، كما قال تعالى) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ(

    قال ابن جرير الطبري: فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض وهو الفتنة، ويكون الدين كله لله، يقول: وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره، وبنحو الذي قلنا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك ، ثم ساقه بإسناده عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي، وابن جريج، وغيرهم – رحمهم الله – ا.هـ[4]



    [1] المائدة (شريط رقم (51)الوجه الثاني) .


    [2] قد استفدت من رسالة ( الوقفات على شيء مما في كتاب التبيان من المغالطات ) الرد الأول والثاني لمؤلفه أبي عبد الله اليمني – جزاه الله خيراً– .


    [3] زاد المعاد (3/301) .


    [4] التفسير (9/ 162) .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:15

    وقال أبو عبد الله القرطبي: فدلت الآية والحديث على أن سبب القتال هو الكفر؛ لأنه قال) حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ( أي كفر، فجعل الغاية عدم الكفر وهذا ظاهر ا.هـ[1]

    وقال ابن دقيق العيد: لأن الجهاد وسيلة إلى إعلان الدين ونشره وإخماد الكفر ودحضه ففضيلته بحسب فضيلة ذلك ا.هـ[2]

    وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله، وأنه ليس المقصود به سفك دماء الكفار وأخذ أموالهم، ولكن المقصود به أن يكون الدين لله تعالى فيظهر دين الله تعالى، على سائر الأديان، ويدفع كل ما يعارضه من الشرك وغيره، وهو المراد بالفتنة، فإذا حصل هذا المقصود فلا قتل ولا قتال ا.هـ

    وفي حديث أبي موسى قال رسول الله r :" من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" متفق عليه . قال ابن تيمية: فالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات هي مقصود الجهاد في سبيل الله ا.هـ[3]

    وقال ابن القيم: ولأجلها – أي التوحيد- جردت سيوف الجهاد ا.هـ[4] . ولو كان الجهاد مقصوداً لذاته لما سقط بأخذ الجزية كما قال تعالى)قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ( وفي حديث بريدة في صحيح مسلم: كان رسول الله r إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ثم قال:" اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فذكر الإسلام، فإن لم يستجيبوا الجزية، فإن لم يعطوا فالقتال " .



    التمهيد الثاني : إذا تبين أن الجهاد مشروع لغيره، وهو إقامة دين الله في الأرض فقبل الدعوة إليه لا بد من الفقه الشرعي الدقيق والنظر المتعمق الطويل هل الدعوة بهذه الوسيلة تحقق الغاية المقصودة وهي إقامة دين الله أم لا؟

    ومن الأمور المعينة على إدراك واقع المسلمين أنهم إذا كانوا في ضعف من جهة العدة والعتاد بالنسبة لعدوهم فلا يصح لهم أن يسلكوا مسلك جهاد العدو وقتاله لكونهم ضعفاء، ويوضح ذلك أن الله لم يأمر رسوله r والصحابة بقتال الكفار لما كانوا في مكة، لضعفهم من جهة العدة والعتاد بالنسبة لعدوهم.

    قال ابن تيمية: وكان مأموراً بالكف عن قتالهم لعجزه وعجز المسلمين عن ذلك، ثم لما هاجر إلى المدينة وصار له بها أعوان أذن له في الجهاد، ثم لما قووا كتب عليهم القتال ولم يكتب عليهم قتال من سالمهم؛ لأنهم لم يكونوا يطيقون قتال جميع الكفار . فلما فتح الله مكة وانقطع قتال قريش وملوك العرب، ووفدت إليه وفود العرب بالإسلام أمره الله – تعالى – بقتال الكفار كلهم إلا من كان له عهد مؤقت، وأمره بنبذ العهود المطلقة، فكان الذي رفعه ونسخه ترك القتال ا.هـ[5]

    وقال: وسبب ذلك أن المخالفة لهم لا تكون إلا مع ظهور الدين وعلوه كالجهاد، وإلزامهم بالجزية والصغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضعفاء لم تشرع المخالفة لهم، فلما كمل الدين وظهر وعلا، شرع ذلك ا.هـ[6]

    وقال: فكان ذلك عاقبة الصبر والتقوى اللذين أمر الله بهما في أول الأمر، وكان إذ ذاك لا يؤخذ من أحد من اليهود الذين بالمدينة ولا غيرهم جزية، وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه، فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه، وصارت آية الصغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه، وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون آخر عُمُر رسول الله r وعلى عهد خلفائه الراشدين، وكذلك هو إلى قيام الساعة، لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام، فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ا.هـ[7]

    وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: هذه الآيات تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله، وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة، لما قوي المسلمون للقتال أمرهم الله به، بعدما كانوا مأمورين بكف أيديهم ا.هـ[8]

    وقال- رحمه الله -: ومنها: أنه لو فرض عليهم القتال – مع قلة عددهم وعددهم، وكثرة أعدائهم- لأدى ذلك إلى اضمحلال الإسلام، فروعي جانب المصلحة العظمى على ما دونها، ولغير ذلك من الحكم. وكان بعض المؤمنين يودون أن لو فرض عليهم القتال في تلك الحال غير اللائق فيها ذلك، وإنما اللائق فيها القيام بما أمروا به في ذلك الوقت من التوحيد والصلاة والزكاة ونحو ذلك، كما قال تعالى) وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً( فلما هاجروا إلى المدينة ، وقوي الإسلام ، كتب عليهم القتال في وقته المناسب لذلك ا.هـ[9]

    وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :" لابد فيه من شرط وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال، فإن لم يكن لديهم قدرة فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة ، ولهذا لم يوجب الله سبحانه وتعالى على المسلمين القتال وهم في مكة ، لأنهم عاجزون ضعفاء فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية وصار لهم شوكة أمروا بالقتال، وعلى هذا فلابد من هذا الشرط ، وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات لأن جميع الواجبات يشترط فيها القدرة لقوله تعالى : ) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ( وقوله: )لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ( ا.هـ[10]

    وقال رداً على سؤال يتعلق بحاجة المجتمع الإسلامي للجهاد في سبيل الله بعد بيانه – رحمه الله – فضل الجهاد ومنزلته العظيمة في الشرع الإسلامي ليكون الدين كله لله، وأضاف هل يجب القتال أو يجوز مع عدم الاستعداد له؟، فالجواب: لا يجب ولا يجوز ونحن غير مستعدين له، والله لم يفرض على نبيه وهو في مكة أن يقاتل المشركين ، وأن الله أذن لنبيه في صلح الحديبية أن يعاهد المشركين ذلك العهد الذي إذا تلاه الإنسان ظن أن فيه خذلاناً للمسلمين . كثير منكم يعرف كيف كان صلح الحديبية حتى قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟. قال: بلى. قال: فلم نعطي الدنية في ديننا ؟، فظن أن هذا خذلان، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما في شك أنه أفقه من عمر، وأن الله تعالى أذن له في ذلك وقال: إني رسول الله ولست عاصيه وهو ناصري … وإن كان ظاهر الصلح خذلاناً للمسلمين ، وهذا يدلنا يا إخواني على مسألة مهمة وهو قوة ثقة المؤمن بربه .. المهم أنه يجب على المسلمين الجهاد حتى تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، لكن الآن ليس بأيدي المسلمين ما يستطيعون به جهاد الكفار حتى ولو جهاد مدافعة وجهاد المهاجمة ما في شك الآن غير ممكن حتى يأتي الله بأمة واعية تستعد إيمانياً ونفسياً ، ثم عسكرياً ، أما نحن على هذا الوضع فلا يمكن أن نجاهد ا.هـ[11].

    ومما يزيد أن القوة شرط لإقامة جهاد الطلب ابتداء أن الله اشترط في العدد للوجوب أن يكون الرجل المسلم مقابل اثنين، كما قال تعالى)الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ( فلو كان الكفار ثلاثة أضعاف المسلمين لما وجب عليهم القتال، ولصح لهم الفرار، كما فعل الصحابة في مؤتة. فهذا يؤكد أن القوة شرط، ومن هذا – أيضاً – ما أخرج مسلم عن النواس بن سمعان في قصة قتل عيسى عليه السلام للدجال قال: قال رسول الله r : فبينما هو كذلك، إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان (أي لا قدرة) لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور (أي ضمهم إلى جبل الطور ) ويبعث الله يأجوج ومأجوج … "

    قال النووي: قال العلماء معناه لا قدرة ولا طاقة – ثم قال – لعجزه عن دفعه، ومعنى حرزهم إلى الطور أي ضمهم واجعل لهم حرزاً ا.هـ[12]

    ففي هذا الحديث أنه لما كانت قوة عيسى عليه السلام ضعيفة بالنسبة ليأجوج ومأجوج أمره الله ألا يقاتلهم ويجاهدهم، فدل هذا على أن القدرة شرط.

    التمهيد الثالث: بالإضافة إلى قوة العدة والعتاد، فلابد من قوة الإيمان والإسلام عند المسلمين، وإلا فإذا كانت ذنوب المسلمين ظاهرة شاهرة متكاثرة، وكان قيامهم بالدين ضعيفاً لا سيما في أمر التوحيد والسنة بأن يكون الشرك والبدع وعموم المعاصي شائعاً عند المسلمين مألوفاً، ويكون أهلها غالبين، فإذا كان حال المسلمين كذلك



    [1] التفسير( 2/354) .


    [2] فتح الباري ( كتاب الجهاد باب فضل الجهاد) .


    [3] مجموع الفتاوى ( 28/ 308 ) .


    [4] زاد المعاد(1/34) وأعلام الموقعين (1/ 4) .


    [5] الجواب الصحيح (1/ 237) .


    [6] اقتضاء الصراط المستقيم ( 1/ 420) .


    [7] الصارم المسلول ( 2/ 413 ) .


    [8] التفسير ص 89 .


    [9] التفسير ص 188 .


    [10] الشرح الممتع (8/9)


    [11] لقاء الخميس الثالث والثلاثين في شهر صفر / 1414هـ .


    [12] شرح مسلم (18/ 68) .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:16

    ، فإنهم عن نصر الله محجوبون إلا أن يشاء الله بفضله ورحمته . قال تعالى ) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ (

    قال ابن جرير: ) قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا( يعني قلتم لما أصابتكم مصيبتكم بأحد ))أَنَّى هَذَا )( من أي وجه هذا ومن أين أصابنا هذا الذي أصابنا ونحن مسلمون وهم مشركون وفينا نبي الله r يأتيه الوحي من السماء وعدونا أهل كفر بالله وشرك قل يا محمد للمؤمنين بك من أصحابك )هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ( يقول: قل لهم: أصابكم هذا الذي أصابكم من عند أنفسكم بخلافكم أمري وترككم طاعتي لا من عند غيركم ولا من قبل أحد سواكم ا.هـ[1]

    ونقله عن جماعة من السلف كعكرمة والحسن وابن جريج والسدي . وقال أبودرداء :إنما تقاتلون بأعمالكم [2].

    وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: قلتم أنى هذا أي من أين أصابنا ما أصابنا وهزمنا؟ قل هو من عند أنفسكم حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، فعودوا على أنفسكم باللوم واحذروا من الأسباب المرديةا. هـ [3]

    وقال ابن تيمية: وحيث ظهر الكفار، فإنما ذاك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم، ثم إذا تابوا بتكميل إيمانهم نصرهم الله، كما قال – تعالى -)وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ( وقال) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ( ا.هـ[4]

    وقال: وأما الغلبة فإن الله تعالى قد يديل الكافرين على المؤمنين تارة، كما يديل المؤمنين على الكافرين، كما كان يكون لأصحاب النبي r مع عدوهم، لكن العاقبة للمتقين فإن الله يقول) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ( وإذا كان في المسلمين ضعفٌ ، وكان عدوهم مستظهراً عليهم كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم؛ إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطناً وظاهراً، وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطناً وظاهراً، قال الله تعالى) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا( وقال تعالى )أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ( وقال تعالى) وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ( ا.هـ[5]

    وقال ابن القيم : فلو رجع العبد إلى السبب والموجب لكان اشتغاله بدفعه أجدى عليه، وأنفع له من خصومة من جرى على يديه ، فإنه – وإن كان ظالماً – فهو الذي سلطه على نفسه بظلمه . قال الله تعالى)أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ( فأخبر أن أذى عدوهم لهم، وغلبتهم لهم: إنما هو بسبب ظلمهم . وقال الله تعالى) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ( ا.هـ[6]

    وقال: وكذلك النصر والتأييد الكامل، إنما هو لأهل الإيمان الكامل، قال تعالى)إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ( وقال) فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ( فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر، والتأييد، ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله، أو بإدالة عدوه عليه، فإنما هي بذنوبه، إما بترك واجب، أو فعل محرم. وهو من نقص إيمانه.

    وبهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله تعالى) وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً( ويجيب عنه كثير منهم بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلاً في الآخرة، ويجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلاً في الحجة .

    والتحقيق: أنها مثل هذه الآيات، وأن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل، فإذا ضعف الإيمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم، فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوا من طاعة الله تعالى. فالمؤمن عزيز غالب مؤيد منصور، مكفي، مدفوع عنه بالذات أين كان، ولو اجتمع عليه من بأقطارها، إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته، ظاهراً وباطناً. وقد قال تعالى للمؤمنين ) وَلا تَهنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ( وقال تعالى) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ( فهذا الضمان إنما هو بإيمانهم وأعمالهم، التي هي جند من جنود الله، يحفظهم بها، ولا يفردها عنهم ويقتطعها عنهم، كما يَتِرُ الكافرين والمنافقين أعمالهم، إذ كانت لغيره، ولم تكن موافقة لأمره ا.هـ[7] .

    وإن المسلمين إذا رجعوا إلى دينهم الحق القائم على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فإن الله ينصرهم، ويجعل لهم العزة والتمكين كما قال تعالى )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً( قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: هذا من أوعاده الصادقة، التي شوهد تأويلها ومخبرها، فإنه وعد من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة، أن يستخلفهم في الأرض، يكونون هم الخلفاء فيها، المتصرفين في تدبيرها، وأنه يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وهو دين الإسلام، الذي فاق الأديان كلها، ارتضاه لهذه الأمة، لفضلها وشرفها ونعمته عليها، بأن يتمكنوا من إقامته، وإقامة شرائعه الظاهرة والباطنة، في أنفسهم وفي غيرهم، لكون غيرهم من أهل الأديان وسائر الكفار مغلوبين ذليلين، وأنه يبدلهم من بعد خوفهم الذي كان الواحد منهم لا يتمكن من إظهار دينه، وما هو عليه إلا بأذى كثير من الكفار، وكون جماعة المسلمين قليلين جداً بالنسبة إلى غيرهم، وقد رماهم أهل الأرض عن قوس واحدة، وبغوا لهم الغوائل. فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية، وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض والتمكين فيها، والتمكين من إقامة الدين الإسلامي، والأمن التام، بحيث يعبدون الله ولا يشركون به شيئاً، ولا يخافون أحداً إلا الله، فقام صدر هذه الأمة، من الإيمان والعمل الصالح بما يفوقون على غيرهم، فمكنهم من البلاد والعباد، وفتحت مشارق الأرض ومغاربها، وحصل الأمن التام والتمكين التام، فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة، مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله، وإنما يسلط عليهم الكفار والمنافقين، ويديلهم في بعض الأحيان، بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح ا.هـ.



    أيها المسلمون الصادقون والمؤمنون الموقنون هذا سبيل عز الإسلام والمسلمين، وتمكينه في الأرض، فاسلكوه واجتهدوا في تكثير سالكيه، ولا يغرنكم الشيطان، ويخذلنكم بأن هذا الطريق بعيد منتهاه تفنى الأعمار دونه، كما لبس على كثيرين؛ لأننا لم نؤمر من ربنا إلا بإبلاغ ما يحبه الله ورسولهr والسير على الطريق النبوي، ولم نطالب بالنتائج، وقطف الثمار قال تعالى) إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ( ولنكن على علم أن الله لو أراد هداية المدعوين، وعز الإسلام والمسلمين لفعل كما قال تعالى) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ( ، وكن على ذكر من أن من تعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه.



    تنبيه / إن من لديه معرفة ولو قليلة بحال الأمة الإسلامية اليوم وكان ناصحاً أميناً ليرى أن ما يقوم به بعضهم من دعوة الأمة لجهاد الكفار جهاد الطلب هو من إهلاكها والتردي بها في الهاوية لأن أمتنا – وإلى الله المشتكى – تفقد في هذه الأزمان قوتها الدينية، فرايات الشرك من دعاء الأولياء والتقرب إليهم مرفوعة، وأطناب التصوف والبدع مضروبة، ناهيك عن الإلحاد والتحريف لأسماء الله وصفاته من جهة الأشاعرة والمعتزلة والجهمية، فهو الشيء المقرر في أكثر جامعاتها ومعاهدها المسماة إسلامية .

    أما في الدعوة إلى الله فتحزب وجماعات جاهلية توالي وتعادي على الحزب، يميلون مع الأهواء حيث مالت: جماعة هدفها الحكم فحسب فسعت لتكثير الناس ولو على غير الدين باسم المصلحة؛ ليقفوا معها لنيل الهدف المنشود كجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة هدفها هداية المدعوين ولو على غير السبيل والطريق المستقيم[8]؛ لذا تراهم لا يتورعون عن الوقوع في الحرام لهداية غيرهم فترى كثيراً من أتباعها جهالاً لا علم لهم كجماعة التبليغ . ومن عجيب أمر هاتين الجماعتين أنهما لا يدعوان إلى التوحيد ونبذ الشرك كي لا يفرقوا الناس عنهم .

    أما الفساد الأخلاقي والتتبع لسنن الغرب الكافر فهو هدي الكثير لاسيما الشباب والشابات، فإذا كانت هذه حال أكثر أمتنا – اليوم – فهي أمة ظالمة لا يولى عليها إلا أمثالها من الظلمة كما قال تعالى )وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ( فكما تكونوا يولي عليكم، بل وهم عن نصر الله بعيدون؛ لأنهم لم ينصروا الله كما قال تعالى) إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ( إلا أن يتفضل الله بفضله ورحمته الواسعة .

    ثم من جهة العدة والعتاد فنحن – كما لا يخفى – ضعفاء بالنسبة لعدونا الكافر فهو المصنع للأسلحة والمحتكر، ونحن المستهلكون لرديء ما صنع؛ لذا الوسيلة الناجعة الناجحة لعز الأمة وتمكينها الرجوع إلى الله والدعوة بالكلمة رويداً رويداً، فإن أغلق باب ولج الداعية من باب آخر وهكذا ) وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً( .



    [1] جامع البيان في تفسير القرآن ( 4/ 108) .


    [2] علقه البخاري (كتاب الجهاد ، باب عمل صالح قبل القتال ) .


    [3] التفسير ص 156 .


    [4] الجواب الصحيح (6/ 450) .


    [5] مجموع الفتاوى ( 11/ 645 ) وانظر (8/ 239) (14/ 424 ) .


    [6] مدارج السالكين (2/ 240) .


    [7] إغاثة اللهفان (2/ 182) .


    [8] قال الشيخ العلامة صالح الفوزان معلقاً: بل على طريق التصوف والبدعة .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:17

    والذين يدعون الأمة – الآن – لجهاد العدو الكافر هم في الحقيقة يسعون لهلاكها من حيث لا يدرون .


    قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين ولهذا لو قال لنا قائل : الآن لماذا لا نحارب أمريكا وروسيا وفرنسا وانجلترا ؟؟!!!! لماذا؟؟ لعدم القدرة الأسلحة التي قد ذهب عصرها عندهم هي التي في أيدينا وهي عند أسلحتهم بمنزلة سكاكين الموقد عند الصواريخ ما تفيد شيئاً فكيف يمكن أن نقاتل هؤلاء ؟ ولهذا أقول: إنه من الحمق أن يقول قائل :أنه يجب علينا أن نقاتل أمريكا وفرنسا وانجلترا وروسيا كيف نقاتل هذا تأباه حكمة الله عز وجل ويأباه شرعه لكن الواجب علينا أن نفعل ما أمر الله به عز وجل )َأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ( ، هذا الواجب علينا أن نعد لهم ما استطعنا من قوة، وأهم قوة نعدها هو الإيمان والتقوى …ا.هـ[1].


    بل حتى إحياء روح الجهاد في أرض مسلمين تمكنت منها الكفار لا يصح إذا كان يترتب عليه مفاسد أعظم من إهلاك المسلمين وزيادة تسليط للكافرين كما نراه من حولنا .





    فائدة/ اعترض بعضهم على القول بعدم مشروعية الجهاد- الآن- لأننا نعيش حالة ضعف بما روى الشيخان عن معاوية بن أبي سفيان أن رسول اللهr قال:" ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة" وفي صحيح مسلم قال عبد الله بن عمرو بن العاص: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم. فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة: يا عقبة! اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هو أعلم وأما أنا فسمعت رسول اللهr يقول:" لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة، وهم على ذلك" فقال عبد الله: أجل ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير، فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة"، فقال المعترض: في هذين الحديثين وما في معناهما تأكيد استمرار الجهاد في كل زمان، وأن المسلمين لا ينقطعون عنه إلى أن تهب هذه الريح الطيبة .



    وما فهمه هذا المعارض من استمرار الجهاد مردود من ثلاثة أوجه:

    1/ أن سنة رسول اللهr العملية أكبر شاهد، وأظهر دليل على أن قتاله لم يكن دائماً مستمراً ، بل كان ينقطع ما بين غزوة وأخرى ، وهذا رد واضح على المستدلين بظاهر هذه النصوص .

    2/ "أن عيسى عليه السلام إذا نزل فسيقاتل اليهود وغيرهم، فإذا أخرج الله يأجوج ومأجوج أوحى إليه ألا تقاتلهم وخذ من معك إلى جبل الطور؛ لأنه لا قوة لك عليهم" أخرجه مسلم عن النواس بن سمعان –وقد تقدم – فها هو عيسى عليه السلام لا يستمر مقاتلاً إلى أن يبعث الله الريح الطيبة .

    3/ أن السنة يفسر بعضها بعضاً فلا يصح لأحد أن يأخذ بعضاً من كلام رسول اللهr ويبني عليه دون النظر في كلامه الآخر الذي يفسره ، فقد تقدم من الدلائل على أن جهاد الطلب لا يصح في حالة الضعف، وجهاد الدفع يسقط بعد تمكن العدو .



    فإن قيل: فما معنى هذين الحديثين؟

    فيقال: معناهما أنه لا تزال عصابة قائمة بأمر الله ومنه الجهاد إذا جاء وقته وهو وجود القوة الإيمانية والعسكرية وكانت مصلحة الإسلام والمسلمين في إقامته .

    واعترض بعضهم بجهاد المسلمين للتتار وانتصارهم عليهم.

    فيقال: الرد على هذا من أوجه وأكتفي بوجهين:

    أولاً/ إن جهاد المسلمين للتتار من جنس جهاد الدفع لا الطلب .

    ثانياً / هذا حدث تاريخي واقعي منقول، فعلى فرض التعارض فالأدلة الشرعية لا ترد بالأحداث التاريخية .



    التمهيد الرابع: أن أمر الجهاد مناط بولاة الأمر لا بغيرهم، فلا يصح جهاد مجاهد إلا بإذنهم، لما تقدمت من الأدلة .

    وإليك طرفاً من كلام أهل العلم في تعليق الجهاد بولي الأمر :

    قال ابن قدامة: وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك ا.هـ[2]

    وقال القرطبي: ولا تخرج السرايا إلا بإذن الإمام ليكون متجسساً لهم عضداً من ورائهم، وربما احتاجوا إلى درئه ا.هـ[3]

    قال الحطاب: مسألة :قال ابن عرفة الشيخ عن الموازية: أيغزى بغير إذن الإمام ؟ قال: أما الجيش والجمع فلا إلا بإذن الإمام وتولية والٍ عليهم – ثم قال – قال ابن حبيب: سمعت أهل العلم يقولون: إن نهى الإمام عن القتال لمصلحة حرمت مخالفته إلا أن يدهمهم العدو ا.هـ[4]

    وقال صاحب المحرر: ولا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام إلا أن يفاجئهم عدو يخشى كلبه بالإذن فيسقط ا.هـ[5]

    وقال البهوتي : أما إذا كان الكفار قاصدين المسلمين بالقتال فللمسلمين قتالهم دعوة دفعاً عن نفوسهم وحريمهم. وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ، لأنه أعرف بحال الناس وبحال العدو ونكايتهم وقربهم وبعدهم ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك ا.هـ[6]

    وقال: ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير لأنه أعرف بالحرب وأمره موكول إليه ، ولأنه إن لم تجز المبارزة إلا بإذنه فالغزو أولى ا.هـ[7]

    وكتب الشيخ سعد بن حمد بن عتيق – رحمه الله – إلى الإخوان من أهل الأرطاوية والغطغط وغيرهم من عتيبة ومطير وقحطان وغيرهم : ومما انتحله بعض هؤلاء الجهلة المغرورين الاستخفاف بولاية المسلمين والتساهل بمخالفة إمام المسلمين ، والخروج عن طاعته، والافتيات عليه بالغزو وغيره، وهذا من الجهل والسعي في الأرض بالفساد بمكان ، يعرف ذلك كل ذي عقل وإيمان ، وقد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمامة ، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة ، وإن الخروج عن طاعة ولي أمر المسلمين من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد ، والعدول عن سبيل الهدى والرشاد ا.هـ[8]

    وقال الشيخ عمر بن محمد بن سليم في رسالة كتبها إلى الإخوان من أهل الأرطاوية نحو كلام الشيخ سعد بن حمد بن عتيق [9] .

    والشواهد من كلام أئمة الدعوة كثيرة .



    التمهيد الخامس: الجهاد المشروع نوعان: جهاد طلب، وجهاد دفع . إلا أن جهاد الدفع أوجب من جهاد الطلب.

    قال ابن تيمية: أما قتال الدفع: فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين. فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه. فلا يشترط له شرط. بل يدفع بحسب الإمكان. وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم. فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر، وبين طلبه في بلاده ا.هـ[10] فمراده لا يشترط له شرط بعد وجود القدرة ؛ لأن الأحكام كلها مبنية على القدرة – كما تقدم من كلام الشيخ ابن عثيمين -

    وقد أشار لهذه الإمام ابن تيمية نفسه في كتابه بيان تلبيس الجهمية فقال: فإذا كان قادراً من أول الأمر على دفع العدو كان ذلك أولى ، وإن حصل له في ذلك نوع مشقة فهي أخف من كل مشقة يلتزمها مع بقاء العدو ببلاده ا.هـ[11] فلاحظ أنه علق الأمر بالقدرة .

    وقال ابن القيم: فإذا كانت المسابقة شرعت ليتعلم المؤمن القتال ويتعوده ويتمرن عليه فمن المعلوم أن المجاهد قد يقصد دفع العدو إذا كان المجاهد مطلوباً، والعدو طالباً، وقد يقصد الظفر بالعدو ابتداء إذا كان طالباً والعدو مطلوباً، وقد يقصد كلا الأمرين، والأقسام ثلاثة يؤمر المؤمن فيها بالجهاد . وجهاد الدفع أصعب من جهاد الطلب، فإن جهاد الدفع يشبه باب دفع الصائل ولهذا أبيح للمظلوم أن يدفع عن نفسه، كما قال الله تعالى) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا( وقال النبي r :"من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد" لأن دفع الصائل على الدين جهاد وقربة، ودفع الصائل على المال والنفس مباح ورخصة، فإن قتل فيه فهو شهيد، فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوباً، ولهذا يتعين على كل أحد يقم ويجاهد فيه: العبد بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق ، ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون، فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين، فكان الجهاد واجباً عليهم؛ لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع، لا جهاد اختيار، ولهذا تباح فيه صلاة الخوف بحسب الحال في هذا النوع وهل تباح في جهاد الطلب إذا خاف فوت العدو ولم يخف كرته؟ فيه قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد. ومعلوم أن الجهاد الذي يكون فيه الإنسان طالباً مطلوباً أوجب



    [1] شرح بلوغ المرام من كتاب الجهاد الشريط الأول الوجه (أ).


    [2] المغني (13/16) .


    [3] الجامع لأحكام القرآن (5/275) .


    [4] مواهب الجليل (3/ 349) .


    [5] المحرر في الفقه (2/170) .


    [6] كشاف القناع ( 3/41) .


    [7] كشاف القناع (3/72) .


    [8] الدرر السنية كتاب الجهاد (ط2 (7/302) ، ط5 (9/139)) .


    [9] المرجع السابق (ط2 (7/ 313) ، ط5 (9/166) ). .


    [10] الاختيارات الفقهية ص532 .


    [11] (1/172) .
    avatar
    أبو محمد عبد الله السلفي
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    عدد الرسائل : 208
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: تبديد كواشف العنيد في تكفيره لدولة التوحيد

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبد الله السلفي 20.05.08 11:18

    من هذا الجهاد الذي هو فيه طالب لا مطلوب، والنفوس فيه أرغب من الوجهين .

    وأما جهاد الطلب الخالص فلا يرغب فيه إلا أحد رجلين إما عظيم الإيمان يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله، وإما راغب في المغنم والسبي .

    فجهاد الدفع يقصده كل أحد، ولا يرغب عنه إلا الجبان المذموم شرعاً وعقلاً، وجهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين، وأما الجهاد الذي يكون فيه طالباً مطلوباً فهذا يقصده خيار الناس؛ لإعلاء كلمة الله ودينه، ويقصده أوساطهم؛ للدفع ولمحبة الظفر ا.هـ[1]





    وبعد هذه التمهيدات فإن المقدسي العنيد كثر ترداده أن توقيع الدولة السعودية على ترك الحرب ردة وكفر صراح وتحاكم بالطاغوت . فقال: ولذلك فقد انضمت المملكة العربية السعودية ووقعت على معاهدة تحريم الحرب "كيلوج بريان" في 30 رجب عام 1350هـ الموافق 10/12/1931.

    وواقع هذه الدولة الخبيثة اليوم وغيرها من الدول المستسلمة المنقادة لهذا الطاغوت الدولي يثبت إيمانها الكلي بهذا الكفر البواح (تحريم الحرب الهجومية) وأمثاله الذي يضاد شريعة الإسلام وعقيدة جهاد الكفار والمرتدين حتى يكون الدين كلّه لله، وهذا ليس فقط تحريماً لما أحل الله بل هو تحريم لما أوجب وفرض من قتال الكفار والمشركين وسيأتي من تصريحات (فهد) إمام المستسلمين واتفاقياته وغير ذلك ما يؤكد هذا كله ا.هـ

    لاحظ – يا رعاك الله – كيف أنه كفر بما هو مباح إن لم يكن واجباً ، وقد تقدم أنه في حالة الضعف يتوقف عن الجهاد ؛ لأنه يضر الدين أكثر مما ينفعه وتقدم سوق الأدلة وكلام أهل العلم المحققين ، وتقدم أن الصلح المطلق جائز على أصح القولين ، وأن هذا قول طائفة من المحققين الكبار ، ومما هو معلوم أن الأمة الإسلامية والعربية من أضعف الأمم الموجودة اليوم عسكرياً ولا تملك شيئاً بالنسبة إلى أسلحة الكفار ؛ لذا إقامتها للجهاد يضرها أكثر مما ينفعها ، ومن مصلحتها أن تعقد صلحاً مطلقاً إلى أن تتقوى ، وقد أشار إلى هذا خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – حفظه الله - في خطاب قرأه صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله – قبيل حرب أمريكا للعراق ، وذكر أنه لولا الضعف الذي تمر به الأمة العربية لكان شيئاً آخر ، وقد تناقلت الصحف كلامه يومذاك [2].

    فإذا كان الحال كذلك فإن التوقيع على ترك الحروب قد يكون من الواجبات لحقن دماء المسلمين ، وهذا ما خالفه المقدسي العنيد ، وعده لجهله وظلمه وبغيه من الكفر وأي كفر؟ البواح ، فسبحان الله ما أجرأه ، بل وكيف اغتر به غيره فاتبعه ؟ قاتل الله الجهل والحماسة غير المنضبطة [3].

    وإياك ثم إياك أن تتوهم أن ألفاظ التحريم في قرارات هيئة الأمم المتحدة المراد بها التحريم الشرعي ، كلا . بل إن المراد بها المنع ، فإطلاق لفظ التحريم إطلاق لغوي لا شرعي ؛ لأن المبرمين لهذه المواثيق فيهم كفار بل شيوعيون ، لا مسلمون يتكلمون بالأحكام الشرعية وينطلقون منها . فتنبه واحذر تلبيسات هذا العنيد .







    * الأمر الرابع من الشبهات في تكفير الدولة السعودية : كلامه في تكفير دولة التوحيد لأنها أذنت وصرحت بالبنوك الربوية ، وحمت مؤسساته وجعلت لها أنظمة :

    لاشك أن الربا حرام ومن كبائر الذنوب ، وسبب عظيم من أسباب تدهور الاقتصاد وذهاب البركة وتسلط الأعداء من الداخل والخارج قال تعالى) الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ، يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ( .

    ولا يكون كفراً مخرجاً من الملة بمجرد التعامل به ، وهذا مما لا يخالف فيه هذا المقدسي العنيد إلا أنه جعله كفراً إذا أذن وصرح له وحمي – كما سيأتي- وهذا تكفير بما لم يكفر الله به ، والتكفير – كما تقدم – حق لله ، فأين من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا كفر؟ والحماسة والاندفاع والعويل والهويل ليست مبرراً شرعياً للتكفير بما ليس مكفراً ؛ لذا لما استعظم الفاروق أبو حفص عمر بن الخطاب – رضي الله عنه وأرضاه – فعل حاطب وكفره به لم يوافقه على ذلك النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم – كما تقدم في حديث حاطب - ، وإنه لو فتح الباب للحماسة والعاطفة لكفرت خلقاً كثيراً ممن لم يكفرهم الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولعله لو ذكر لمتحمس عاطفي أن رجلاً ينفق على المباحات والحرام من الخمور والزنا الملايين، ولو طلبت منه صدقة ريال واحد لما تصدق به ، لعل مثل هذا لو ذكر له لكفره بحجة أن هذا الرجل معاند مستكبر وهكذا ...

    والقول بأن حماية المحرم كفر مفتقر إلى دليل ، وهذه دونكم مصنفات أهل العلم فأين الدليل على أن مثل هذا كفر؟! بل دلت الأدلة على أن المحرمات ليست كفراً إلا إذا كانت على وجه كفري كالإباء والاستكبار والإعراض والجحود، وهذه ألفاظ شرعية بينتها الشريعة ووضحها أهل العلم ، ولم يجعلوا للحماسات فيها مدخلاً ، فالمكفر لأجل الاستكبار أو الإعراض آثم إلا إذا كان عارفاً بمدلول هذه الألفاظ شرعاً على طريقة أهل العلم الراسخين ، وإلا صار متكلماً في العلم بجهل ، والمتكلم في العلم بجهل لا يضر إلا نفسه. وما أكثر الخائضين في هذه المسائل بجهل، ومن أمثلة ذلك عبثهم بمدلول لفظ (الالتزام ) كما تقدم بيانه . ولو سألت أحدهم عن رجل شراب للخمر كثير الزنا قد جعل حرساً يدافعون عنه إذا جاءه رجال الحسبة ، فهل مثل هذا يكفر لأجل أنه حمى الحرام؟! فما هم قائلون ؟ ألم يقرأوا في كتب الاعتقاد السلفية للأئمة السلف الماضين أن أهل السنة لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله ، رداً منهم على الخوارج والمتأثرين بهم ؟

    فليتق الله هؤلاء من صنيعهم واعتقادهم ، وليعلموا أن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة ، ولعلي أشير إشارة خفية يفهمها أولو الألباب في موضوع الربا ، وهي علة أصناف الربا الستة في حديث عبادة وغيره. والظن أن المقدسي العنيد لن يتفطن لهذه الإشارة ، فلعل أولي الألباب يفهموه .

    وبعد هذا إليك أحد كلمات المقدسي بهذا الصدد ، قال تحت عنوان (السعودية الربوية ) : إن الربا بحد ذاته معصية من المعاصي وكبيرة من كبائر الذنوب لا نكفر صاحبها… ولكن التشريع للربا والتصريح والإذن العمومي له وحماية مؤسساته ليس بمعصية من المعاصي، بل هو كفر بالله، لأن هذا هو عين الإباحة له ا.هـ

    فانظر كيف توسع في اللوازم بدافع الحماسة والجهل والبغي وتقدم الرد عليه ويخبط خبط عشواء في ادعاء الدعاوى بلا بينات شرعية ، وبعد مصابرة النفس ومجاهدتها على قراءة كلام المقدسي العنيد تعال أريك كلام العلماء الربانيين بما نحن بصدده لتدرك الفرق بين الثرى والثريا ، والعلماء الذين بنوا مسائلهم على الشرع والمتطفلين الذين بنوا أمورهم على حماستهم المفرطة .

    سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله - :

    هل وجود بعض المعاصي من الكبائر في هذه البلاد كالبنوك الربوية يجوز الخروج على ولاة الأمر وعدم طاعتهم ؟

    فأجاب: وجود المعاصي لا يجوز الخروج ، وجود المعاصي من الوالي ومن الرعية لا يجوز الخروج على ولاة الأمور ، ولكن يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى ولاة الأمور أن يجتهدوا في إزالة المنكر ، وأن يتقوا الله وأن يجتهدوا في إزالة المنكر بالطرق الشرعية ، وعلى العلماء المناصحة وعلى أفراد الرعية تقوى الله والاستقامة والحذر من المنكر والتواصي بترك المنكر ، والتواصي بالأمر بالمعروف كما قال عز وجل ) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ( ، أما شق العصا أو الخروج على ولاة الأمور بسبب المعصية الربا وغيره ، فهذا من دين الخوارج من أعمال الخوارج .. ا.هـ [4]

    سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان: فضيلة الشيخ – وفقكم الله – هناك من يدعو الشباب وبخاصة في الانترنت إلى خلع البيعة لولي أمر هذه البلاد ، وسبب ذلك لوجود البنوك الربوية وكثرة المنكرات الظاهرة في هذه البلاد . فما توجيهكم حفظكم الله .

    فأجاب: توجيهنا أن هذا كلام باطل ولا يقبل ، وهذا يدعو إلى الضلال ، ويدعو إلى تفريق الكلمة ، وهذا يجب الإنكار عليه ، ويجب رفض كلامه وعدم الالتفات إليه لأنه يدعو إلى باطل يدعو إلى منكر ويدعو إلى شر وفتنة . ا.هـ[5]







    [1] الفروسية ص187 –189 .


    [2] نشرت جريدة الرياض بتاريخ 16/1/1424هـ العدد (12686) كلامه ص3 وهذا نصه: وأصارحكم القول أنه لولا حالة الضعف والوهن التي يعاني منها العالم العربي التي لا يخفى على أي مواطن عربي ، لكنا خرجنا بموقف عربي موحد فعال يتجاوز البيانات والتصريحات ا.هـ


    [3] قال الشيخ العلامة صالح الفوزان معلقاً: قد وقع النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية مع الكفار على ترك الحرب .


    [4] شريط أهداف الحملات الإعلامية ضد حكام وعلماء بلاد الحرمين .


    [5] المرجع السابق .

      الوقت/التاريخ الآن هو 03.06.24 11:43