خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    مهلاً يا أهل مصر

    avatar
    أبو عمر عادل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 363
    العمر : 67
    البلد : مصر السنية
    العمل : أخصائي اجتماعي
    شكر : 1
    تاريخ التسجيل : 29/06/2008

    الملفات الصوتية مهلاً يا أهل مصر

    مُساهمة من طرف أبو عمر عادل 14.02.11 13:01

    مهلاً يا أهل مصر
    بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه ؛؛ أما بعد:
    فقد قام ما يسمى بـ (شباب 6 أبريل) بإصدار نشرة تدعو الناس للخروج يوم الخامس والعشرين من شهر يناير الحالي؛ للتظاهر ضد مَن ظلمهم واستعبدهم - على حد قولهم -؛ وحيث قد نشر ذلك بين الناس على نطاق واسع؛ كان لزاماً على كل مسلم أن يعرف حكم الشرع في ذلك؛ حتى يكون على بينة من أمره، ومن ثم يتقيد بالضوابط الشرعية؛ فلا يقع في محظور شرعي، ويمتنع عن المشاركة في مثل هذه الأمور المحرمة التي ما جرت على المسلمين إلا الويلات التي ما زلنا نعاني من أثرها حتى اليوم؛ فأقول مستعيناً بالله:
    لا شك أن الظلم والتعسف والاستئثار بالمال أمر واقع؛ بل ومتوقع؛ مصداقاً لِما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه ستكون ولاة يظلمون ويستأثرون بالمال العام، وأبلغ من ذلك؛ أنهم قد يتعرضون للرعية؛ فيضربون ظهورهم وأبشارهم، ويأخذون أموالهم؛ وإذ ذلك كذلك؛ فما هو الموقف الشرعي حيال ذلك؟
    من المعلوم أن دين الإسلام؛ دين كامل، وشامل لكل مناحي الحياة، جاء لصلاح الدين والدنيا معاً؛ لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها؛ ولم يترك خيراً إلا ودلنا عليه، ولا شراً إلا وحذرنا منه، وقد أمرنا بالاجتماع والائتلاف، ونبذ الفرقة والاختلاف؛ فالفوز والنجاة في اتباعه، والخيبة والحسرة والذل والهوان في الدنيا والآخرة في مخالفته؛ فإن كان الشارع الحكيم؛ أمرنا عند التعرض للظلم المادي والمعنوي؛ من الحاكم أن نثور عليه، ونؤلب العامة، ونقوم بعمل المظاهرات والإضرابات، وغير ذلك من الشغب؛ فعلنا ذلك امتثالاً لأمره.
    وإن كان قد أمرنا بالصبر على ما نلاقيه، وعدم الخروج على الحاكم، أو الافتيات عليه - رغم ظلمه وجوره - فليس لنا بد، والحال كذلك؛ من أن نقول: سمعنا وأطعنا؛ فـ ( مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) معتقدين مطمئنين أن هذه الشريعة التي جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها؛ ما أمرتنا بذلك إلا لما فيه من مصلحة راجحة؛ أرجح من مفسدة ظلم الحاكم وجوره.
    وهذا هو المتعين ولا شك؛ فإن الخروج على الحاكم، أو التأليب عليه؛ يؤدي إلى نشر الفوضى والفساد في بلاد المسلمين؛ ومن ثم ينعدم الأمن؛ فتسفك الدماء، وتستباح الأعراض، وتنهب الأموال، والحاكم - وإن ظلم وجار، واستأثر بالمال - فإن الله يُصلح به أكثر مما يُفسد.
    قال الحسن البصري رحمه الله: "والله لا يستقيم الدين إلا بولاة الأمر، وإن جاروا وظلموا، والله لَما يُصلح الله بهم أكثر مما يُفسدون".
    وصدق رحمه الله؛ فإن الصبر على جور الأئمة وظلمهم فيه صلاح البلاد والعباد؛ لِما يجلب من المصالح، ويدرأ من المفاسد؛ لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الصبر على جور الأئمة أصل من أصول أهل السنة والجماعة".
    وعليه؛ فإن ما دعت إليه هذه الجماعة الخارجة عن جماعة المسلمين؛ التي تسمت بـ (شباب 6 أبريل) محرم في شريعة الإسلام؛ لا يجوز بحال من الأحوال؛ فلم يأت عن إمام من أئمة المسلمين أنه جوزه، أو قال به؛ بل الجميع متفقون على حرمته، ومستندهم في ذلك السنة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة، وعدم الخروج عن الجماعة، والصبر على جور الأئمة؛ فقال: "شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قيل: أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه؛ فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يداً من طاعة"، وقال لحذيفة رضي الله عنه "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس"، فقال حذيفة رضي الله عنه: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك؛ فاسمع وأطع".
    فذكر صلى الله عليه وسلم أنهم شرار، وأنهم يبغضوننا ونبغضهم، ويلعنوننا ونلعنهم، وأنهم لا يهتدون بهديه، ولا يستنون بسنته، ومع ذلك أمرنا بالسمع والطاعة لهم، وألا ننازعهم الأمر؛ فلو كان الخروج على الحكام، والتشغيب عليهم، وتأليب الرعية ضدهم؛ وسيلة للإصلاح، وطريقة للتخلص من ظلمهم؛ لأرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك؛ فلما لم يفعل؛ دل على أن الافتيات على ولاة الأمور ليست وسيلة شرعية، ولا طريقة مرعية؛ بل طريقة بدعية هي طريقة الخوارج الذين حذر منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفهم بأنهم كلاب النار.
    وهذه النصوص الصحيحة التي مرت بنا؛ يؤيدها الواقع والتجربة - ومن ذاق عرف -؛ ونظرة عابرة فيما حدث ويحدث؛ من أفعال الغوغاء ضد حكامهم، وما جرته على الأمة من بلايا ورزايا؛ تنبيك عن بشاعة هذا الفعل، وعظم جرمه، وتنبيك كذلك؛ عن عظمة هذه الشريعة، وأنها حكيمة لا تأمر إلا بما فيه الخير والمصلحة للبلاد والعباد، وما حدث في الصومال والعراق؛ خير شاهد على ذلك؛ فليعتبر العاقل بحال هاتين الدولتين إبان حكم سياد بري وصدام، وبحالهما الآن؛ يجد أنهما تحت قهر سلطانهما؛ كانتا في قوة ومنعة؛ فالأمن مستتب، والدماء محقونة، والأعراض مصانة، والأموال محروسة، والأسواق عامرة، ثم بعد زوال ملكهما؛ تفرقتا شذر مذر؛ فالعراق استولى عليه الروافض أعداء الإسلام؛ فقهروا أهل السنة، وأذاقوهم سوء العذاب؛ فضلاً عن احتلال دول الكفر له، وكثرة القتل والتدمير، وانتشار النهب والسرقة، والاعتداء على الحرمات، والصومال انتشر فيه الهرج والمرج، وأكل القوي فيه الضعيف، وتفرق أهله، وذاقوا الهوان، وانتشرت الفوضى، وعم الفساد؛ وفي هذا أبلغ عظة لمن ينادي بالخروج على ولي الأمر، وزعزعة ملكه والتشغيب عليه؛ فليت شعري هل يريد هؤلاء أن نكون كالعراق والصومال؛ فيا هؤلاء اعقلوا، وثوبوا إلى رشدكم، ولا تخرجوا عن طاعة ولي أمركم، واحمدوا الله على العافية، واعلموا أن هرج الناس ساعة، أرجح وأعظم من ظلم السلطان حولاً؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار.
    قال الفضيل بن عياض رحمه الله: جور ستين سنة خير من هرج ساعة؛ فلا يتمنى زوال السلطان إلا جاهل مغرور، أو فاسق يتمنى كل محذور. وصدق رحمه الله؛ فما من نعمة بعد نعمة الإسلام؛ أعظم من نعمة الأمن في الأوطان، وإلا فكيف تظهر شعائر الدين، وتنتظم مصالح العباد إذا كان الناس بلا إمام يسوسهم، ويقوم على شئونهم؛ فالذي يدعو الناس للخروج على ولي أمرهم، ونشر الفوضى والغوغائية في البلاد، وزعزعة أمنها واستقرارها؛ غير ممتثل للأوامر الشرعية، ولا راغب في إصلاح الراعي والرعية؛ بل مراده - في الحقيقة - الفساد والإفساد، وليعتبر من يتقلد ذلك من الحركيين، ويدعو إليه؛ أنه وأربابه من العلمانيين والليبراليين والشيوعيين، وغيرهم؛ ما زالوا من قديم؛ يتظاهرون ويُقاطعون ويٌضربون ويُشغبون، وما صنعوا شيئاً إلا مزيداً من الفوضى التي نحن في غنى عنها، ومن يحب دينه ووطنه لا يزج بنفسه في مثل هذه الأمور التي تدل على سفاهة أصحابها، وحماقتهم، وجهلهم بسنة نبيهم - إن كانوا يعتقدون امتثال أمره ونهيه، ويرون أن الشريعة للدين والدنيا معاً - وإلا فماذا قدموا لأمة الإسلام، وأين الإصلاح الذي زعموه، وماذا قدموا لهذه البلاد غير نشر الفوضى والفساد؛ فقابلوا الظلم بظلم أكبر، والفساد بفساد أعظم، ولو كانوا يعقلون؛ لعلموا أن طريقتهم هذه ليست شرعية؛ بل بدعية جاءتنا من دول الكفر والإلحاد.
    قال الحسن البصري رحمه الله: "جور الملوك نقمة من نقم الله تعالى، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف، وإنما تُتقى وتُستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب، إن نقم الله متى لُقيت بالسيف كانت هي أقطع".
    فيا أهل مصر لا تسمعوا لهؤلاء الهمج الرعاع؛ فإن الشرع المطهر قد كفاكم؛ فلستم في حاجة إلى هذه الشعارات الغريبة على ديننا ومجتمعنا؛ ولتعلموا أن الطريقة الشرعية للإصلاح هي الدعاء للحاكم بالصلاح والاستقامة على شرع الله، وأن يرزقه الله البطانة الصالحة الناصحة؛ التي تعينه على الخير وتمنعه من الشر، والصبر على ظلمه وجوره، والرجوع إلى الله والتحاكم إليه في جميع أحوالنا؛ في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكرهنا، وعلى أثرة علينا، ولو علم الله في قلوبنا خيراً لأعطانا خيراً. فهذه الدعوات الخارجة المارقة تريد تفريق جمعنا، وتمزيق شملنا، وهم قد علموا والله أنه لن يستقيم لنا دين - ولا دنيا - إلا بإمام - براً كان أو فاجراً – فليت شعري ماذا يريدون، وإلى أي شيء يذهبون.
    فالله الله يا أهل مصر في دينكم؛ الله الله في وطنكم؛ الله الله في ولي أمركم اسمعوا وأطيعوا له، ولا تنزعوا يداً من طاعة؛ فتندموا يوم لا ينفع الندم؛ وادعوا له بالصلاح؛ فإن في ذلك صلاح للبلاد والعباد، وعودوا إلى ربكم وإلى سنة نبيكم تفلحوا وترشدوا، وأبشروا بعد ذلك بالخير؛ قال تعالى: " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ".
    ولتعلموا أن الجزاء من جنس العمل، وأنه ما وقعت عقوبة إلا بذنب، وما رفعت إلا بتوبة؛ وأنه تعالى لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
    هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو 20.05.24 11:13