خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.02.11 11:11

    الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار
    الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار  470674



    بسم الله الرحمن الرحيم


    خطبة الحاجة
    إن الحمد للـه نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئــات أعمالنا مـن يهده اللـه فلا مضل لـه ، ومن يضلل فلا هــادي له ، وأشهد أن لاإلـــه إلا الله وحـده لاشريــك لـه وأشهـد أن محمدا عبـده ورسولـه.
    {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }} (102) [ آل عمران].
    {{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}} (1) [ النساء:/1].
    {{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}} (71) [ الأحزاب: 70 / 71 ].
    أما بعد:
    فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بـدعة ضلالة وكل ضلالة في النار[1] .
    --------------------
    1- هذه خطبة الحاجـة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه ، وقد أفردها بالتأليف علامة الشام الشيخ محمد ناصـر الدين الألباني رحمه الله، رسالة باسم خطبة الحاجة .

    أما بعد :
    قال صلى الله عليه وسلم :<< إن أبي وأباك في النار >> أخرجه مسلم [1/ 132-133]وأبو عوانة [1/99] وأبو داود [4718] والجورقاني [1/233] وصححه ، واحمد [3/ 268]، وابو يعلى [ 6/ 229/3516]وابن حبان [578] الإحسان ، والبيهقي [7/190] من طرق عن حماد بن سلمة .والشيخ الألباني في الصحيحة [2592].
    وما يتصل بهذا الموضوع قوله صلى الله عليه سلم لما زار قبر أمه :<< استأذنت ربي في ان استغفر لها فلم يأذن لي ، واستاذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ...>> أخرجه مسلم [3/65]وأبو داود [2/72]والنسائي [1/286]وابن ماجه [1/476]والطحاوي [3/189]والحاكم [1/ 375-376]وعنه البيهقي [4/ 76] وأحمد [2/ 441] .
    وعن بريدة رضي الله عنه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم [ في سفر ،وفي رواية :في غزوة الفتح ] فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ، فصلى بنا ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان ، فقام إليه عمر بن الخطاب ، ففدعه بالأب والأم ، يقول : يارسول الله مالك؟ قال : << إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لأمي ، فلم يأذن لي ، فدمعت عيناي رحمة لها من النار ، [ واستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ] وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، لتذكركم زيارتها خيرا ...>> أخرجه أحمد [5/ 355-357-359 ] وابن أبي شيبة [4/ 139]وإسنادها عنده صحيح ، والحاكم [ 1/ 376]وكذا ابن حبان [791] والبيهقي [4/76] وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي رحمهما الله .
    قال الشيخ الألباني رحمه الله في أحكام الجنائز [188] وهو كما قالا .
    ورواه الترمذي رحمه الله ، مختصرا وصححه ، وروى مسلم وغيره ... رحمهم الله منه الإذن بالزيارة والمنع من الاستغفار .
    قال الشيخ -رحمه الله- في السلسلة الصحيحة المجلد السادس [ص180] واعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس اليوم وقبل اليوم لا استعداد عندهم لقبول هذه الأحاديث الصحيحة ، وتبني ما فيها من الحكم بالكفر على والدي الرسول صلى الله عليه وسلم - بل إن فيهم من يظن أنه من الدعاة إلى الإسلام – ليستنكر أشد الاستنكار التعرض لذكر هذه الأحاديث ودلالتها الصريحة .
    وفي اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصب منهم على النبي صلى الله عليه وسلم الذي قالها إن صدّقوا بها ، وهذا - كما هو ظاهر – كفر بواح ، أو على الأقل : على الأئمة الذين رووها وصححوها ، وهذا فسق أو كفر صراح ، لأنه يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم ، لأنه لاطريق لهم إلى معرفته والإيمان به ، إلا من طريق نبيهم صلى الله عليه وسلم ، كما لايخفى على كل مسلم بصير بدينه ، فإذا لم يصدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم وأذواقهم وأهوائهم – والناس في ذلك مختلفون أشد الاختلاف – كان في ذلك فتح باب عظيم جدا لرد الأحاديث الصحيحة ، وهذا أمر مشاهد اليوم من كثير من الكتاب الذين ابتلي المسلمون بكتاباتهم كالغزالي و[حزبه ]والهويدي وبليق ، وابن عبد المنان وأمثالهم ممن لاميزان عندهم لتصحيح الأحاديث وتضعيفها إلا أهواؤهم !
    واعلم أيها المسلم – المشفق على دينه أن يهدم بأقلام بعض المنتسبين إليه – أن هذه الأحاديث ونحوها مما فيه الإخبار بكفر أشخاص أو إيمانهم ، إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الأيمان بها وتلقيها بالقبول ، لقوله تعالى : {{ ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }}ْ (3) [البقرة : 1-3 }، وقوله : {{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}} (36) سورة الأحزاب } فالإعراض عنها وعدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لا ثالث لهما ، - وأحلاهما مر- : إنما تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما تكذيب رواتها الثقات كما تقدم .
    وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين ينكرون هذه الأحاديث أو يتأولونها تأويلا باطلا كما فعل السيوطي – عفا الله عنا وعنه – في بعض رسائله إنما يحملهم على ذلك غلوهم في عظيم النبي صلى الله عليه وسلم وحبهم إياه ، فينكرون أن يكون أبواه صلى الله عليه وسلم كما أخبر هو نفسه عنهما ، فاكنهم أشفق عليهما منه صلى الله عليه وسلم !!
    وقد لا يتورع بعضهم أن يركن في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس [ من الصوفية والطرقيين ] الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أحيا الله له أمه ، وفي رواية : أبويه ، وهو حديث موضوع ..عند جماهير المحدثين .
    ولقد أحسن القول في هؤلاء بعبارة ناصعة وجيزة الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للإمام الشوكاني [ رحمه الله ] فقال : كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس ، فيتخطى الحجة ويحاربها ، ومن وُفِّقَ علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية والله المستعان .
    وقال الشيخ أبو عبد الله قاسم بن أحمد بن سيف اليماني رحمه الله في كتابه " المواهب في الرد على من قال بإسلام إبي طالب " :[ ... مع هذا كله يُسكتون من أراد أن يبين الحق في ذلك ، ويلمزونه بأنه يسب الأموات ، أو بأنه يبغض قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن نقول : هذا اللمز أهون علينا من أن نسكت عن التلبيسات والتضليلات ، والبدع ، والخرافات ، وتصحيح الأحاديث الواهية[ والموضوعة] ، والتشكيك في الصحيح من الروايات التي نقلها إلينا الثقات الأثبات ، ثم الله أعلم بمن يريد الشين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكذب عليه وعلى آل بيته [ الأطهار ] والذين يحبونه حبا شرعيا والذين يوقلون الحق ولا يكذبون لا لهم ولا عليهم ، فالكذب عليهم كبيرة من الكبائر ، والكذب لهم أكبر من ذلك ، إذ هي في حقيقة الأمر استدراك لشيء لم يأت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى به هؤلاء ، كان الدين ناقص في نظرهم حتى جاء فلان ببدعته فكمل بها ما نقص ، وهذا أعتداء على شرع الله القائل: {{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }} (3) سورة المائدة.
    قلت : وصدق الشيخ عبد الرحمن المعلمي حين قال : كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس ، فيتخطى الحجة ويحاربها ، ومن وُفِّقَ علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية والله المستعان .
    فهذا ما يدفع الصوفية إلى الغلو فيه صلى الله عليه وسلم ، وجعلوا التعرض لهذه الأحاديث أذية له صلى الله عليه وسلم ، فلعنوا كل من تعرض لها ، وقبحوا فعله بأنه يريد نزع محبة الرسول وآل بيته من قلوب الناس ، وما علموا أن أكبر أذية هي رد ما جاء به من الأحاديث الصحيحة ، أو تأويلها بالباطل ، الذي يخالف المعتقد الصحيح الي نطق به من لاينطق عن الهوى .
    ولقد اطلعت في بعض منتديات الشروق أونلاين الجزائري، منتدى الدراسات الإسلامية على مقال شدّ انتباهي بقوة بعنوان "" ملعون من قال أن أبوي النبي في النار ""فلما قرأت المقال تبين لي أن هذا اللعن يتعدى علماء الحديث رحمهم الله ليصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال للأعرابي :<<إن أبي وأباك في النار >>.وقد مر تخريجه .
    فدفعني ذلك أن أقوم بالرد عليه ، وأبين ماعنده من خلط وخبط وطعن وجرأة على الحديث وأهله ، لعل الله أن يرد اللعنة عليه ، ومن المناسب قبل أن أنزل الرد عليه،أنزل " مقاله" بالتمام ليعلم القراء أننا ما ظلمناه ، ويلعلم إخواننا الذين يتساهلون مع أهل الأهواء والبدع جناية هؤلاء على أهل الحديث والسنة أتباع السلف الصالح ، وأن ضررهم بالغ لعلهم يستفيقوا لهذه الحرب القذرة على السلفيين ، فيأخذوا عدتهم ويرصوا صفوفهم لمواجهة هذا السيل الجارف من البدع والمحدثات الحزبية والخرافات الطرقية ،والخزعبلات العقلانية ، نسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأن يجعلنا مرابطين على ثغر من ثغور أهل السنة أتباع السلف الصالح، وأن يردنا وإخواننا إلى جادة الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وبقي أن أنبه راجيا من الإخوة الأفاضل طلبة العلم والمشايخ أن لا يبخلوا علي بنصائحهم وتوجيهاتهم لما يرونه في الموضوع من زلل ، أو خطأ ، أو قصور ، فالشكر مني لهم موصول ، والثناء عليهم بالجميل مأمول .
    وهذا ما سطرته يمينه بتمامه دون تصرف فيه حتى لو كانت فيه بعض الأخطاء أنزله باللون الأزرق مغايرا للرد عليه فهو باللون الأسود ، قال:
    السلام عليكم
    ملاحظة: أتمنى على الاخوة أن يتناولوا الموضوع من جانبه العلمي فحسب.لأن فيه الرد الوافي والشافي حديثان رواهما مسلم بدون مشاركة البخارى لإثبات أن أبوى النبى فى النار خالدين.. لأنهما ماتا على الشرك والكفر بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم تكاثرت وتناثرت أقواله على لسان أصحابه ثم انتقلت إلى مسامع وألسنة التابعين - الذين رأوا وسمعوا أصحاب النبى بعد وفاته - ثم شاعت واختلطت بعد ذلك أقواله، عليه صلوات الله، على ألسنة الصادقين والكاذبين والمدلسين على السواء، ولما بدأ عصر تدوين الحديث النبوى استحدث علماء الحديث دلائل وقرائن للتحقق من صدق أو كذب الإسناد - رواة الحديث - وهو ما سمى علم (الجرح والتعديل)،والإسناد هو سلسلة أسماء الرجال الذين رووا الحديث صعودا حتى الصحابى الذى سمع النبى أو حكى عنه، ورغم نُبل ووجاهة الفكرة نظريا كمحاولة للتأكد من صحة الحديث فإن سلبيات مخيفة ومريعة قد نتجت عنها فيما بعد، حيث تطورت فكرة (الإسناد) تطورا عكسيا فأصبح يمثل قيدا ليس على قبول الحديث، بل على رفضه بمعنى أنه إذا صح السند وكان رواة الحديث ثقات أو أثبات أو عدول (بتقدير البعض) أدى ذلك طواعية وتبعية إلى قبول الحديث واستحالة رفضه ولو كان يناقض صريح القرآن، فتحول السند من كونه قيدا لقبول الحديث إلى قيد ضد رفضه، مما أدى إلى قبول وتدوين أحاديث تناقض وتضاد القرآن بوضوح وصراحة وجرأة، ومع أن المحدثين الأوائل وضعوا أول ضوابط قبول الحديث وهى وجوبية عدم مخالفة الحديث لصريح القرآن، وما اقترفه أهل التراث يتمثل أمامنا فى الكثير من أحاديث الصحيحين ولكننا سنهتم فى المقال بحديثين من هذه النوعية.الحديثان أخرجهما (مسلم) وهما حول مصير أبوى النبى فى الآخرة :
    الحديث الأول: (مسلم) باب «بيان أن من مات علىالكفر فهو فى النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين» 203: «حدثنا أبو بكربن أبى شيبة، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبى؟ قال: فى النار. فلما قفى دعاه فقال>>: إن أبى وأباك فى النار<<.
    الحديث الثانى: (مسلم) «باب استئذان النبى ربهعز وجل فى زيارة قبر أمه» 976: «حدثنا يحيى بن أيوب ومحمد بن عباد (واللفظ ليحيى)قالا: حدثنا مروان بن معاوية عن يزيد (يعنى بن كيسان) عن أبى حازم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله>>: استأذنت ربى أن أستغفر لأمى فلم يأذن لى واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لى<< .
    والمراد فى الحديثين إثبات أن أبوى النبى فى النار خالدين، لأنهما ماتا على الشرك والكفر، ودعونا نستعرض ما شيَّده الشارحون والمفسرون من طوابق شاهقة على هذين الحديثين .
    1 - زيَّن (مسلم) هكذاباستنتاجه الفطن باب الحديث باسم «بيان أن من مات على الكفر فهو فى النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين« ولا أعلم كيف جزم (مسلم) بهذا الجزم الذى ليس فيه فقط إيذاء لرسول الله فى أهله، ولكن الأعظم هو مختافة القرآن كما سنوضح، ورغم أننى على حد علمى لم أعرف أن (مسلما) كان فقيه زمانه لكى يحكم بهذا وحده، هكذا ابتناء على حديث آحاد، لم يشاركه فى إخراجه معلمه وأستاذه (البخارى) ليخرِّج حديثا على شرطه هو،مخالفا للقرآن العظيم ومخالفا للأحاديث الصحيحة كما سنبين، ومدعيا على أبوى النبى ادعاءً عظيما كهذا، ثم تأكيده فى عنوان الباب استنتاجه بجرأة أن أبا النبى فى النار خالدا لا تنفعه شفاعة النبى.
    2 - قال (النووى) وهو الشارح الأكبر لكتاب(مسلم) فى تعليقه وشرحه على حديث (أبى وأباك فى النار): «فيه أن من مات على الكفر فهو من أهل النار، وفيه أن من مات فى الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار. وليس هذا مؤاخذهُ قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قدبلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء».
    ولا أعلم أيضا كيف يملك (النووى) هذهالجرأة أولا على أبوى النبى وذلك فى جزمه أنهما ماتا على ما كانت عليه العرب منعبادة الأوثان فكيف عرف ذلك وكيف تأكد منه وكيف أجاز لنفسه أن يقول «من مات على الكفر« والمعروف دينا ولغة وبداهة أن الكفر إنما هو الكفر بالدعوة فكيف كفر أبواه عليه صلوات الله بدين لم يُدعيا إليه، ثم يمتلك كالعادة أيضا جرأة عظيمة على تحدى آيات القرآن بقوله «فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم» كيف ذلك والقرآن يخاطب النبى الكريم بقول الله :«وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَاأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ»[ سبأ/44].
    3 - أما كلام (النووى) عن الحديث الثانى (استأذنت ربى) فيقول: «فيه جواز زيارة المشركين فى الحياة وقبورهم بعد الوفاة وفيه النهى عن الاستغفار للكفار» وهنا يكرر (النووى) ذات الجرأة ويجزم أن قبر أم النبى هو من قبور المشركين ولا أعلم منأين أتى بدليل إشراكها إذ إن المعلوم أنه لم يثبت أبدا برواية متيقنة أنها كانت على دين الشرك الجاهلي، بل الثابت عكس ذلك كما سنوضح، ثم يخلط النووى فى نهاية تعليقه خلطاً كبيرا فيقول «وفيه النهى عن الاستغفار للكفار».
    فيجعل أم النبى تارة مشركة وتارة كافرة، والفرق بينهما كبير، أو أنه إمعان فى الجرأة وتأكيد لهوان ما يكتبه عليه قد جعلها عامدا من عند نفسه تتصف بالوصفين معا فهى مشركة كافرة، ويا للعجب من جرأة كهذه.
    4 -أما (البيهقى) فيزيد الجرأة إبداعا وشرحا فيقول فى كتابه (دلائل النبوة) (1/192): «وكيف لا يكون أبواه وجده بهذه الصفة فى الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا»، ولا أدرى أيضا بأية طريق استقى(البيهقى) علومه الخاصة التى أكد منها أنهم كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، فإما أنهرآهم بعينه وهم يعبدون الوثن قبل الإسلام وهذا خيال ومحال، أو لعل ذلك الجزم بعبادتهم الأوثان قد جاءه فى المنام.
    5 -ثم يأتى دور (ابن كثير) فى تفسيره لكى يضع بصمته فى الأمر فيقول: «وإخباره عن أبويه وجده عبدالمطلب بأنهم منأهل النار لا ينافى الحديث الوارد عنه أن أهل الفترة والأطفال والمجانين يمتحنون فى العرصات يوم القيامة فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب فيكون هؤلاء من جملة منلا يجيب فلا منافاة ولله الحمد والمنة». وما قاله (ابن كثير) هو أعجب العجاب بل هوالتعنت بعينه والمغالاة بقبحها فلأنه لا يريد أن يرد أحاديث (مسلم) أن آباء النبى فى النار، ولأنه وجد من طريق أخرى حديثا صحيحا يقول إن أهل الفترة-من ماتوا قبل بعثة النبى - سيمتحنون يوم القيامة بسؤالهم عن الإيمان، ما يعنى أن الحديث يدل على أن آباء النبى ليسا كما زعم (مسلم) من أهل النار، فلم يجد (ابن كثير) مخرجا من الأزمة إلا بجمع بين الحديثين يثير الضحك والبكاء فى آن على ما آلت إليه جرأة القوم على القرآن وعلى النبى، فيقول إن أهل الفترة سيمتحنون ويجيبون يوم القيامة بما يدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار ويكون آباء النبى من جملة الناس الذين لن يجيبوا بتوحيدالله لذلك سيدخلون النار، ووالله لولا المقام لكتبت كلاما قد لا يُحتَمل تعليقا على هذا البؤس الذى استنتجه (ابن كثير).
    6 -عدد من أهل السلف شبُّوا عن الطوق وردوا أحاديث (مسلم)، الأول هو (جلال الدين السيوطى) الذى ألف ثلاث رسائل فى رد حديثى (مسلم) كان أشهرها رسالة (التعظيم والمنة فى أن أبوى رسول الله فى الجنة).
    والثانى هو القاضى (ابن العربى) الذى قال بجرأة لا نستطيعها نحن عندماسُئِل عمن يقول إن أبوى النبى فى النار قال: «ملعون من قال ذلك «.
    أما المعاصرون باستثناء القلب الشجاع (محمد الغزالى) فقد استهجنوا الحديثين ولكنهم التجؤوا للتأويل- التأويل صرف المعنى الظاهر إلى معنى آخر إذا عنَّ ما يقتضى ذلك على أن يكون هذا الصرف مقبولا فى اللغة - إيثارا للسلامة من الدخول فى معارك ردحديث بأحد الصحيحين وارتكنوا فى تأويلهم إلى «أن العرب كانت تطلق على العم كلمة الأب، إذن فالمقصود فى الحديث هو (أبوطالب) عم النبى»، لكن الثابت أن العرب فى سياق كلام واضح كهذا لا يقصدون أبدا العم فى كلامهم عن الأب، فالرجل الذى سَأل النبى من البديهى أنه سأل عن أبيه الحقيقى؛ لذا فلا يُتَصور من النبى وهو أفصح العرب أنيعارضه إلا بمساويه فكان مقصد النبى فى الكلام لاريب الأب الصُلبى الحقيقى، حيث لايتبادر إلى الذهن ولا تقبل اللغة الكلام هنا عن العم، وأيضا ارتكن المتأولون لمعنى الأب على أنه العم أن القرآن ذكر أن نبى الله (إبراهيم) كان يعظ أباه بقوله:«وَإِذْقَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً» الأنعام 74،وقال المتأولون أن اسم أبيه ليس (آزر) كما فى القرآن ولكن اسمه (تارح) أو (تارخ)لذلك فالمقصود بقول الله «لأبيه« هو عمه (آزر)، وبالطبع إن كانت محاولة التأويل تحمل نوايا طيبة، فإن الارتكان على دليل كهذا هو خطأ يراد به تصليح خطأ لأن ادعاءأن اسم أبيه هو (تارح أو تارخ) هو ادعاء مبنى على كذبة فاحشة من آلاف كذبات الإسرائيليات التى دُسَّت فى تفاسير القرآن عن طريق الراعى الرسمى للإسرائيليات (كعب الأحبار)، لذلك فإن معنى الأب فى آيات النبى إبراهيم ينصرف للأب الحقيقى وليس العم.
    نقد الحديث لتعارضه مع صريح القرآن:
    1 - قول الله عز وجل: «وَمَا كَانَ رَبُّكَمُ هْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ»[ القصص59 ]والآية لا تحتاج شرحا أن الله لا يعذب أحدا ولا يهلك القرى حتى يبعث الرسل .
    2 -قول الله عز وجل: « وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَامُنذِرُونَ»[ الشعراء 208] وتلك الآية تحمل نفس المعنى أن الإهلاك مقترن ببعث الرسلالمنذرين.
    3 -قول الله عز وجل: «ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُنرَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ»[ الأنعام 131]، والغفلةهى عدم إنذارهم برسول.
    4 -قول الله عز وجل: «وَمَا كُنَّامُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا» [الإسراء 15]، وذلك للتأكيد على المعنى المرادأن شرط العذاب هو إرسال الرسل.
    5 -قول الله عز وجل: «رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَوَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»[النساء 165] ، مما يؤكد أن الحجة لا تقوم إلا بعد إرسالالرسل.
    وكل الآيات السابقة تكفينا صراحة ووضوحا لرد ألف حديث وليس حديثا واحدا حيث تؤكد أن أهل الفترة ممن عاشوا قبل الرسل لا يعذبون للعدالة ورحمة الله، وإن لم يعف عنهم فعلى الأقل
    يكون أمرهم موكلا إلى الله تعالى،فكيف نجزم أنهم فى النار ففى ماذا أذنبوا ليدخلوها، وكيف يتساوون فى العذاب مع منسمع دعوة النبى وبلغه القرآن ثم كفر به فأين عدالة الإله والله يقول:« إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ» [النساء 40] أما زعمهم البغيض أن أبوى النبى سمعا دعوة نبى الله إبراهيم ولذلك عُدُّوا من المشركين فالآيات تنضح بتكذيب دعواهم.
    1 - قول الله عز وجل:« لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّاأُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ»[ يس 6]، والحديث موجه للنبى الكريم يقول الله فيه ما لا يحتاج إلى شرح بل هو إقرار إلهى بأن قوم النبى ما أنذر آباؤهم، فأى جرأة وقحة هذه التى امتلكها من يدَّعون أن أبوى النبى فى النار لأنهما قد وصلتهما دعوةالنبى إبراهيم. فلعله علم خاص بهم لم يعلم به الله - ونستغفر الله منذلك.
    2 - قول الله عز وجل: «وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَاأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ» [سبأ 44]، نفس المعنى الجلى الواضح أنالله لم يرسل لآباء النبى وقومهم أنبياء.
    3 - قول الله عزوجل:«لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ»[ السجدة 3]، تأكيد على المعنى المراد.
    4 - قول الله عزوجل:«لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»[القصص 46]
    فما هو المطلوب أكثر من هذهالآيات الصريحات التى تعضد بعضها بعضا مؤكدة أن أهل الفترة لا يعذبون لأنهم لم تقم عليهم حجة الرسل، والآيات الأخرى التى تجزم أن قوم النبى خاصة لم يأتهم نذير قبل النبى؛ وعليه فإن كل ما يقال بخلاف ذلك كلام هابط مرسل واستدلال مضحك وهزلى.
    نقد الحديث لتعارضه مع الأحاديث الصحيحة المتفقة مع صريح القرآن.
    1 -أخرج البخارى (4315) حديثا فى موقعة (حنين)أن النبى لما تولى عنه المسلمون قال: «أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب»، وهنايتبين أن الرسول يفخر ببنوته لجده (عبدالمطلب).
    والثابت أن الله أنزل فى كتابه: « وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِأَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ»[ التوبة 3]، فلو كان جدهصلوات الله عليه من المشركين الخالدين فى النار لتبرأ النبى منه تصديقا لنص القرآن،كما تبرأ النبى إبراهيم من أبيه:« وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ»[التوبة 114]، فلا يُتصور أن يفخر النبى بجدهالمشرك وهو مطالب بالبراءة منه ما يؤكد أنه توفى علىالتوحيد.
    2 –أخرج مسلم نفسه (2276) قول النبى: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة. واصطفى من قريش بنى هاشم. واصطفانى من بنى هاشم». ولا أعلم معنى فى الاصطفاء إلا النسب المتسلسل الطاهرالمبرأ من الشرك لأن الله سبحانه قال فى كتابه العزيز« يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ »[ التوبة 28] ، فلا يمكن أن يصطفى الله النجس ولكن الاصطفاء للموحدين الأطهار وذلك ما يؤكد توحيد آباء النبى كما يؤكدبطلان ووهم حديثى مسلم.
    3 -قول الله عز وجل فى كتابه: «وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ»[الشعراء 219] ، جاء عن ابن عباس فى التفسير أن المعنى هو تقلب النبى فى أصلاب أجداده من الساجدين قبل مولده.
    نقد السند فى الحديثين :
    1 - هذان الحديثان من أفراد مسلم أى ما انفرد به عن البخارى ولم يتابعه عليه إلا بعض كتب السنن والمسانيد، وذلك بنظر أهل الحديث يعد نزولا عن درجة الحديث الذى اتفقا عليه البخارى ومسلم مع أن رأينا فى هذه المسألة بخلاف ذلك فمن الجائز أيضا اجتماعهم على حديث به علل كثيرة فالعصمة لله ورسوله ولا لأحدبعدهما.
    2 - هذان الحديثان (آحاد) وقد قرر الكثير منعلماء الحديث قديما وحديثا أن (الآحاد) لا يقام عليه عمل ولا عقيدة، وليس هذا فحسببل هو مخالف كما أوضحنا لصريح القرآن والنقل.
    3 - أما الرواة ففى حديث (أبى وأباك) الراوى هو (حماد بن سلمة) وقد وثَّقه بعض العلماء ورده بعضهم، كما أن البخارى نفسه لم يقبل أن يخرج له ولو حديثا واحدا كتقرير منه بضعف روايته لأنه كان يخطئ كثيرا وكان يروى بالمعنى وليس باللفظ، وجاء فى (حماد) عند علماء الجرحوالتعديل قول (أبو حاتم) فى الجرح والتعديل (9/66): «حماد ساء حفظه فى آخر عمره»،أما أهم ما قيل فيه فقد قال (الزيلعى) فى نصب الراية (1/285): «لما طعن فى السن ساءحفظه. فالاحتياط أن لا يُحتج به فيما يخالف الثقات«، والكلام معناه مهم وهو أنحديثه إذا خالف الثقات لا يحتج به، وقد خالف القرآن بذاته، فأى مخالفة بعد.
    الخلاصة :
    هذان الحديثان مردودان لا يصح منهما شىءلمعارضتهما القرآن والأحاديث المتفقة مع ظاهر آياته، لأنه لا يمكن رد النص القرآنى الذى هو قطعى الثبوت وقطعى الدلالة بنص ظنى الثبوت وظنى الدلالة إن تعارضا، فالآيات الكريمات لا تحتمل إلا الثبوت ولا يحتمل معناها معنى آخر غير ظاهرها.
    يتبع إن شاء الله ...



    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.02.11 11:16

    الرد عليه :
    قلت: هذا ما توصل إليه هذا العلامة الجهبذ في الضلالة ،والمجدد للفكر الصوفي المنحرف ، فقد فَقَدَ عقله ، وحشا بحثه بالسخافة والباطل ، وجاء بالعظائم والرأي العاطل ، فأسأله الله تعالى أن يوفقني لنسف باطله دفاعا عن كل أهل الحق الذين لعنهم بسبب روايتهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في والديه ،إذ أخبر هو بنفسه أنه استأذن ربه في الاستغفار لأمه فلم يأذن له ، وأخبر أن أباه في النار ، فلعل لعنته للجميع ترجع عليه فتصيب منه مقاتله فترديه في قمامة غير المأسوف عليهم ، لأنه لم يسلم من لعنته حتى المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي زعم أنه يدافع عنه فلا يقم بعدها حتى يلقى جزاءه يوم القيامة .والآن إلى الرد بالتفصيل فقرة فقرة .
    الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغر الميامين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
    أما بعد :
    إن الناظر المتمعن في هذاالمقال- الأبتر من البركة - بسبب أن صاحبه لم يفتتحه بالبسملة والحمد والثناء على الله ، بعنوان"ملعون من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار " ليدرك من أول وهلة أن السبب الذي دفعه لكتابته هو حبه للنبيصلى الله عليه وسلم ،ودفع الأذى عنه ،والغيرة على أبوي النبي صلى الله عليه وسلمونعم الحب ، ونعم الدفاع ونعم الغيرة - لو كانت بتعقل وعلم ، وعدل وورع ، إلا أن صاحب الموضوع لم يسلك هذا السبيل ، ولم ينتهج سبيل التحري والتحقيق والتدقيق ، بلخلط خلطا عجيبا ، وجاء بأغلوطات ظنها من الواضحات ، أو اختلط عليه الأمر حتى هدم مابناه كالتي تنقض غزلها ، كما سأبينه- إن شاء الله - مع أنه يدعي أنه بلغ مبلغ المجتهدين ، بقوله : ولا أعلم ... ولا أدرى بأي طريق استقى البيهقي علومه الخاصة..فذهب يصف بعض علماء الأمة كالإمام مسلم بن الحجاج إمام عصره والإمام النووي ،والبيهقي، وابن كثير بما لا يليق أن يُوصف به ، منتقدا علماء الحديث قاطبة ، وعلومهم بطريقة ماكرة ، وخدعة ظاهرة ،من نظر فيها حسبها شيئا ، وهي على شفا جرف هار يكاد ينهار به في مهاوي الضلال ومعاقل الحدادين الجهال ، ولبيان الحق في الموضوع ، وإخراج ما ينفع الناس من زبده المصنوع ، ورد كلامه المكتوب والمسموع ،بالبرهان المشفوع ، بالحجة والدليل المقطوع، لعله يرجع ويترك الخوض في الممنوع ، أقول سائلا المولى الإعانة لما توخيت من الإبانة إنه نعم المولى ونعم النصير .
    أولا:لقد أنزل أبو أسامة الموضوع مبتورا من المقدمة ، ولم يذكرلنا من صاحب المقال ، حتى نعرف هل هو من العلماء الرجال الذين تشد إليهم الرحال أممن الرويبضات فنعرض عنهم في الحال؟ أو نبين ما عندهم من ضلال، ولم يعترض عليه ولو بكلمة نقد مما يبين أنه موافق على جاء فيه من الهذيان ، والبهتان .
    وثانيا : أنزله بعنوان [ ملعون من قال أن والدي النبي صلى الله عليه وسلم في النار].

    وهذا اللعن مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم فقدقال>>: ليس المؤمن باللعان ولا الطعان ولا البذيء<<صحيح الجامع[ح5257].فلا يليق بمؤمن أن يلعن مسلما أخطأ في مسألة علمية فكيف بمن لعن عالما أوعلماء أو جماهير الأمة نازعوه في مسألة علمية صح عندهم الحديث فيها ، هذا والله عين التعصب بالظلم والعدوان، واللعن بالباطل والبهتان .
    ثالثا : لم يسند هذا اللعن عن ابن العربي رحمهالله ، ولم يذكر أين قاله ؟ مما يجد العبد في النفس منه شيئا ، فأنني أرفع بابن العربي عن هذا المستوى ... أن يكون قاله، وعلى فرض ذكر السند إليه ، وعزوه إلى مصدره لم يحقق صحة نسبته إليه ، وعلى فرض صحة نسبته إليه فهو مخطئ من جهة اللعن ،فلا ينبغي تقليده فيه ...وابن العربي ، فيه نزعة صوفية فهو متأثر بشيخه أبي حامد الغزالي ،رحمهما الله ، وعقيدته أشعرية .. وهو لا يعد من علماء السلف الصالح .ثم رأيت كلامه هذا نقله عنه علي بن سلطان القاري في كتابه معتقد أبي حنيفة في أبوي النبي صلى الله عليه وسلم وهو كلام يحمل على من سب النبي وعايره بذلك، أمّا من أخبر بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فحاشاه،وهذا لم يقصده ابن العربي- وإن قصده-فهو زلة منه واستدلال بآية من القرآن في غير محلها.
    رابعا : إن هذا اللعن يستلزم منه لعن النبي صلى الله عليه وسلم الذي ثبت عنه الحديث ، ويستلزم أيضا لعن كل من روى هذه الأحاديث ، وهذا أمر خطير جدا إن قاله عن اعتقاد،فربما أخرجه من حظيرة الإسلام والعياذ بالله .
    ثم يقال له : أرأيت لو ثبت الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الموضوع ، فهل يجوز لعن النبي صلى الله عليه وسلم ؟وهل هناك أذى لله ورسوله أعظم من هذا ؟ فهذا جزاؤه قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (57) سورة الأحزاب . ألا تخشى أن يعود اللعن عليك وعلى قائله في الدنيا والآخرة ، ألم يكن الأجدر بك أن تتأدب مع جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم فتترك النقل عن ابن العربي ،ولا تعنون لموضوعك باللعن حتى إذا ثبت الاحتمال بصحة الأحاديث التي تشكك فيها تكون بريئا من التعرض للعن النبي صلى الله عليه وسلم ،وباقي العلماء الذين نقلوا عنه ذلك من صحابة وتابعين وتابعيهم بإحسان ..ولا ترجع عليك اللعنة .
    وأيضا تصرف أبو أسامة في الموضوع ولم يميز المواطن التي تصرف فيها، حتى نفرق بين الرد على صاحب المقال، وبينما تصرف فيه ، كما ذكر لنا أن الموضوع منقول ، ولكن لم يذكر من أين نقله ؟ فليعلم الناقل أن كل هذه المسائل مما تفقد الموضوع الأمانة العلمية وتنقص الثقة فيه عند أهل التوثيق و التحقيق للعلوم الشرعية
    ثالثا : ذكّرنا بملاحظة تنقض الموضوع وتهدمه من أصله وهي قوله:
    ملاحظة: أتمنى على الإخوة أن يتناولوا الموضوع من جانبه العلمي فحسب.لأن فيهالرد الوافي والشافي.
    فقوله : أتمنى على الإخوة أن يتناولوا الموضوع من جانبه العلمي ...
    جوابه أن يقال له: وهل أبقى صاحب المقال لقائل سبيلا للعلم وهو قد حشا موضوعه وملأه بالطعن، والتنقيص، وسوء الظن بالعلماء ، وعدم الأدب معهم ، وتجريحهم والجرأة عليهم ..
    حتى يتناول معه الموضوع من جانبه العلمي البحت ؟ وقد سد الباب أمام من تسول له نفسه بالرد والبيان أنه حكم عليه مسبقا بأنه ملعون .. ومع ذلك فقد سولت لي نفسي أن أبين الحق لتنزل اللعنة بعد ذلك على من خالف الحق .. فأقول :
    وهل هذه الجمل والعبارات يا صاحبي من العلم والأدب؟زيَّن (مسلم) هكذا باستنتاجه الفطن ...أنظر إلى هذه الادعاءات والتنقيص .. للإمام مسلم .
    ورغم أنني على حد علمي لم أعرف أنمسلما كان فقيه زمانه لكي يحكم بهذاوحده ...
    ومدعيا على أبوي النبي ادعاءً عظيما كهذا، ثم تأكيده في عنوان الباب استنتاجه بجرأة أن أبا النبي في النار خالدا لا تنفعه شفاعة النبي.
    ولا أعلم أيضا كيف يملك النووي هذه الجرأة أولا ...
    فكيف عرف ذلك وكيف تأكد منه ، وكيف أجاز لنفسه أن يقول ..
    وهنا يكرر (النووي) ذات الجرأة ..
    ثم يخلط النووي في نهاية تعليقه خلطاً كبيرا ..
    أو أنه إمعان في الجرأة وتأكيد لهوان ما يكتبه عليه قد جعلها عامدامن عندنفسه تتصف بالوصفين معافهي مشركة كافرة، ويا للعجب من جرأة كهذه ..
    وأما( البيهقي) فيزيد الجرأة إبداعاوشرحا..
    ولاأدرى من أين استقى علومه الخاصة التي أكد منها أنهم كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، فإما أنه رآهم بعينه وهم يعبدون الوثن قبل الإسلام وهذا خيال ومحال،أولعل ذلك الجزم بعبادتهم الأوثان قدجاءه فى المنام.
    وماقاله (ابن كثير) هو أعجب العجاب بل هو التعنت بعينه والمغالاة بقبحها فلأنه لا يريد أن يرد..وأخيرا : يقول: .. لأن فيه الرد الوافي والشافي.
    فأقول :أين ذهب بك عقلك ؟ فأي وفاء يا أخي وأي شفاء في هذه العبارات وما سيأتي؟ لا، لا يا صاحبي اسمحلي أن أقول لك: بل فيه الظلم، والتعالم على أهل العلم، وعدم الأدب معهم والجرأة، والقبح ، والأذى، والسفه.وليس فيه من العلم إلا الخلط والتمويه ، والتلبيس سامحه الله .
    وأين العلم فيما سبق وفي قوله؟ ولما بدأ عصر تدوين الحديث النبوي استحدث علماء الحديث دلائل وقرائن للتحقق من صدق أو كذب الإسناد - رواة الحديث ..
    فقوله استحدث ، بمعنى استفعل ، وهو طلب الإحداث بمعنى أنهم ابتدعوا أشياء من عند أنفسهم ، ولم يتتبعوا أو يستقروا الأدلة من الكتاب والسنة ، ثم قعدوا منها قواعد وضوابط اصطلحوا على تسميتها بعلوم الحديث دراية وراية، مما سماه صاحب الموضوع بمصطلحه الجديد -دلائل وقرائن – وهذا فيه طعن ضمني يؤكده قوله فيما بعد : ورغم نُبل ووجاهة الفكرة نظريا..
    فقوله: نظريا ..فيه طعن واتهام ، وكأن العلماء لم يستعملوا هذا العلم في واقع الرواية على الوجه الصحيح ،حتى فلتت منهم فلتات عظيمة أبقت الحال على ما هو عليه من الاختلاط الذي يصفه صاحبنا، ولم تستفد الأمة منه في غربلة السنة النبوية ..
    ويؤكدهقوله : فإن سلبيات مخيفة ومريعة قد نتجت عنها فيمابعد، حيثتطورت فكرة (الإسناد) تطوراعكسيا فأصبح يمثل قيدا ليس على قبولالحديث، بل علىرفضه بمعنى أنه إذا صح السند وكان رواة الحديث ثقات أو أثبات أو عدول) بتقدير البعض(...
    أنظر أيها الناقل العاقلوأنت المؤدب بالسفه -إلى الطعن في جهود جهابذة الأمة كيف يصفها بأنها أصبحت عكسية سلبية أثرت أيما تأثير على العقل الذي وقف حائرا أمام روايات صحت بها الأسانيد برواية الثقات الأثبات فأين الأدب يا صاحبي مع هؤلاء ؟ وأين العلم الذي تطالبنا به أيها الكريم ؟
    وانظر إلى قوله : وكان رواة الحديث ثقات أو أثبات أو عدول) بتقدير البعض(... فانظر إلى هذه الجملة- بتقدير البعض - التي تحمل في طياتها سما قاتلا لجهود علماء الجرح والتعديل ، وكأنك تقول أنها مجرد تقديرات وتخمينات لم تكن منهم بحق ، فقد كانوا يعدلون الجهال - كمسلم - والمتجرئين- كالبيهقي ،والنووي - والمتعنتين – كابن كثير – رحمهم الله، الذين يخلطون في العلم ، ويأتون بالعجائب على حد تعبيرك ، ويلحق بهم كل من روى الأحاديث التي تنكرها وعُدل – فإنما وثق بتقدير البعض تقديرا وتخمينا دون تثبت ودون علم ، فلك الله ، والويل لك يوم تقف أمامه وكلهم خصومك ..
    وانظر إلى قوله : ...أدى ذلك طواعية وتبعية إلى قبول الحديث واستحالة رفضه ولو كان يناقض صريح القرآن، فتحول السند من كونه قيدالقبول الحديث إلى قيدضدرفضه، مما أدى إلى قبول وتدوين أحاديث تناقض وتضاد القرآن بوضوح وصراحة وجرأة، ومع أن المحدثين الأوائل وضعوا أول ضوابط قبول الحديث وهى وجوبية عدم مخالفة الحديث لصريح القرآن، وما اقترفه أهل التراث يتمثل أمامنا فى الكثيرمن أحاديث الصحيحين ولكننا سنهتم في المقال بحديثين من هذه النوعية.
    فقوله :.. أدى ذلك طواعية وتبعية إلى قبول الحديث واستحالة رفضه ولو كان يناقض صريح القرآن، فتحول السند من كونه قيدالقبول الحديث إلى قيدضد رفضه، مما أدى إلى قبول وتدوين أحاديث تناقض وتضاد القرآنب وضوح وصراحة وجرأة...
    أقول: لم يقل أحد من علماء الحديث أنه يستحيل رفض السند ، بل ردوا كثيرا من الأسانيد ، لم تتوفر فيها الشروط والضوابط التي قعدوها لقبول الإسناد ، وقبلوا أسانيد أخرى ولم يجزم أحدهم بأنها قطعية إلا فيما تواتر ، وكانت عندهم دقة عجيبة أبهرت الأعداء قبل الأصدقاء ،استفاد منها أعداء الإسلام الآن وفي غابر الأيام، وكذلك قعدوا قواعدأخرى في أصول الفقه عملوا بها فيما بعد ، وهي أنهم تركوا أحاديث صحت أسانيدها لأن ظاهرها يخالف مقاصد الشرع، وعندي أمثلة كثيرة على هذا ، وقد بحثوا كل الأحاديث التي أشكلت عليهم مع القرآن أو مع بعضها البعض وجمعوا بينها، وأراحوا من بعدهم ، وخرجوا بأنه لا توجد أحاديث صحيحة تناقض صريح القرآن ، بل قالوا إن السنة مبينة للقرآن شارحة له..وصدق الإمام أحمد رحمه الله حين قال في رسالته أصول السنة : ومن لم يعرف تفسير الحديث ويبلغه عقله فقد كُفي ذلك وأُحكم له فعليه الإيمان به والتسليم ..
    واعلم أن الإسناد من خصائص هذه الأمة ، والإسناد من الدين ، ولولا الإسنادلقال من شاء ما شاء في الدين ،كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله ، ولعمت الفوضى وتحرف الدين وبدل وغير وظهرت الزنادقة ، فهل تُجوّز في عقلك أنه يمكن أن تحرس البيضة من الكسر بغير سلاح ، ولا وقوف عندها،ولا محافظة عليها، هذا يستحيل عقلا وشرعا ،فالإسناد سلاح عظيم من أجل حماية حياض السنة من الكذب ، والتحريف والتغيير ، وذلك مصداقا لقوله تعالى : {{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}} (9) سورة الحجر . فقد أجمع العلماء سلفا وخلفا على قبول قواعد الإسناد ،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم>> إن أمتي لا تجتمع على ضلالة<< .رواه أبو داود كتاب الفتن بلفظ>> وأن لا تجتمعوا على ضلالة<< و ابنماجة كتاب الفتن .
    وتلك القواعد مستقاة من الكتاب والسنة، وليست مستحدثة ، ولو قرأت مقدمة صحيح مسلم -الذي نلت منه- نال الله منك ، لعلمت قيمة تلك القواعد الذهبية التي قعدها أهل الحديث منهم الإمام مسلم رحمهم الله جميعا.
    والحق ما شهدت به الأعداء فهذا أحد النصاري يقول : يجب على جميع الأمم أن تنحني للأمة الإسلامية لما قررت وقعدت من قواعد الجرح والتعديل التي حفظت بها سيرة نبيها وتاريخ أمته .من رسالة " هل نحن بحاجة إلى الجرح والتعديل " لعبد الغني بن ميلود الجزائري .
    وأما قولك :..مما أدى إلى قبول وتدوين أحاديث تناقض وتضاد القرآن بوضوح وصراحة وجرأة...
    هذا طعن آخر، وأي طعن وفي من ؟ في علماء الحديث قاطبة ،كأنك تقول أنهم دونوا وقبلوا أحاديث باطلة تخالف صريح القرآن ، وتجرؤوا على ذلك ،نعوذ بالله من الخذلان ،ومن هذا الهذيان الذي نقضته بنفسك بقولك :.. ومع أن المحدثين الأوائل وضعوا أول ضوابط قبول الحديث وهى وجوبية عدم مخالفة الحديث لصريح القرآن..
    نعم ، وضعوا قواعد المصطلح وهي قواعد دقيقة جليلة أجمعوا على إقرارها بعد عصر التدوين ، وليس فيها ضوابط أدت إلى قبول أحاديث تناقض وتضاد القرآن بوضوح وصراحة خفي على تلك الأجيال كلها حتى جئت أنت وبعض مشايخك فكشفتم بعلمكم اللدني الجديد أن هناك أحاديث تناقض وتضاد صريح القرآن .
    ألم تعلم أن مسلما من أولئك الأوائل الذين كان لهم النصيب الأوفر والفضل الأكثر في نقل وتقعيد كثير من القواعد المستنبطة من الكتاب والسنة بالأسانيد الثابتة الصحيحة ،والتي وافقه عليها أهل العلم ممن كان في عصره ، أو جاء بعده ، ولو قرأت مقدمة صحيحه لعملت ذلك .
    ثم قلي بربك من تقصد بالأوائل ؟ لعلك لا تعرف أنرواة الحديث الذي- استنكرته - مع وجوده في صحيح مسلم هم من أولئك الأوائل كالحسن بنسفيان ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، والفضل بن دكين ، وإبراهيم بن سعد ، والإمام الزهريفي سند آخر فقد رووا نفس الحديث من طريق آخر بالسند الصحيح عند الطبراني .. والإمامأحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وغيرهم ..فلو أنك درست إسناده لعلمت أن الحديث رواه أولئك الأوائل الذين تشيد بهم ، وقد ورد الحديثان بطرق كثيرة فيها كثير من أولئك الأوائل ولم يقل أحدهم ما قلته أنت ..ولا أشياخك ، ولم يخالفهم أحد ممن جاء بعدهم من المتأخرين ممن هو على منهجهم وسبيلهم ، فأين العلم الذي تطالبنا به أيها الكريم بالسفه؟
    ثم ها أنت تأتي لتنقض إشادتك بأوئك الأوائل بهذه المقولة : وما اقترفه أهل التراث يتمثل أمامنا في الكثير من أحاديث الصحيحين ولكننا سنهتم في المقال بحديثين من هذه النوعية.
    من هم أهل التراث الذين تقصد غير أهل الحديث؟الذين دونوا ونقلوا أحاديث تخالف صرح القرآن في - زعمك- فإن علماء الحديث قاطبة ينكرون أن يكون هناك أحاديث صحيحة تخالف صريح القرآن وخاصة ما جاء في الصحيحين ،وإنما المعتزلة هم الذين ينكرون ذلك على قاعدتيهم المشئومتين ، التحسين والتقبيح العقليين ، فما رآه العقل حسنا فهو حسن حتى لو كان أبطل الباطل ، وما رآه العقل قبيحا فهو قبيح حتى لو كان حقا من القرآن أو السنة الصحيحة، وبهذا ردوا أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما ، ولم يثبت عن أحد من أهل الحديث أنه رد أحاديث في الصحيحين أو أحدهما ،تخالف صريح القرآن ، حتى الذين انتقدوا عليهما أحاديث في قوة صحتها وثبوتها، جاء آخرون من بعدهم وردوا تلك الانتقادات ، وإن كان عندك شيء من ذلك فتفضل به مشكورا ، أما أنا فعندي أمثلة كثيرة على أن المعتزلة هم الذين ردوا أحاديث كثيرة ، وكانوا سببا في هذه الطامةالتي آتيت بها ، أكتفي بذكر بعض الأمثلة عن واحد من المفكرين المعاصرين الذين تأثروا كثيرا بالاعتزال والفلسفة ،وهو شيخك الذي تشيد به الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله - الذي يصفه صاحب المقال بالقلب الشجاع ،وهو غارق في البدعة إلى القاع والنخاع ، فقد رد أحاديث في البخاري ومسلم كما في كتابه كيف " السنة النوبية" منها حديث الذباب، وحديث مَلَك الموت الذي فيه أن موسى فقأ عينه ... فهذه الأمثلة هي أكبر من العقل،والعقل عنده يردها والأسماع تمجها على حد تعبيره ، فوقف العقل حائرا أمامها فعمدوا إلى إنكارها أو تأويلها بحجة أنها تخالف القرآن أو العقل الذي فهم القرآن فهماعلميا عكسيا ، أفضل من فهم السلف الصالح الذين رووا الأحاديث، وقالوا نؤمن بها على مراد الله ومراد رسوله ، حتى جاء العلم المادي فكذب العقلانيين وأثبتها ، وحينها فقط سلموا بذلك، ومع ذلك لم يرجعوا عن طريقتهم الفاسدة .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: الرد بالأدلة والآثار على من لعن من قال أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.02.11 11:16

    وقالوا طريقة السلف أسلم ، وطرقة الخلف أعلم وأحكم ، وكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ، فطريقة السلف أعلم ، وأحكم ، وأسلم ، رغم أنفوهم ، وطريقة الخلف أظلم وأجهل ومن العلم أعدم .
    الآن دعنا نعود بك لنقف معًا على بعض كلامك الذي جانب فيه الصواب ،ورمى فيهأولوا الألباب باللعن والطعن في الحديث ومخالفة صريح الكتاب فقال:
    )زيَّن (مسلم) هكذاباستنتاجه الفطن باب الحديث باسم «بيان أن منمات علىالكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين« ولاأعلم كيفجزم (مسلم) بهذا ...
    فقولك : زين مسلم ، فهذا معناه أنك ترمي مسلما بأنه يزين الباطل ، لأن ماجاء به من الحديث الصحيح الذي اورده مسلم عندك باطل ..ويستلزم منه أن صحيح مسلم ، كله باطل لأن صاحبه زينه وزخرفه بذلك ، أو على الأقل يحتاج إلى إعادة نظر فيه وغربلة ، لأن فيه من الباطل الذي تمجه الأسماع بمصطلح شيخك الغارق في الاعتزال ..
    ثانيا : إن هذا التبويب الذي تستنكره على الإمام مسلم رحمه الله ليس هو من عمله ...قال السيوطي في مقدمته في الديباج على صحيح مسلم ابن الجاج [ج1/ 21] : وما يوجد في نسخه من الأبواب مترجمة فليس من صنيع المؤلف ، وإنما صنعه جماعة بعده كما قاله النووي ، ومنها الجيد وغيره .وانظر شرح مسلم للنووي [ج1/ 21].وهذا مما يبين جهلك .
    ثالثا : أتدري فيمن تتكلم ؟ لا أب لك ، أأنت عاقل مسلم ، أمغافل مجرم ، حتى تطعن في الإمام مسلم ، ألا تعلم أنه إمام عصره - بعد شيخه-بلا منازع ، أيها الماكر المرواغ ؟
    قال الإمام الذهبي رحمهالله: هو الإمام الكبير الحافظ المجود الحجة الصادق صاحب الصحيح سير أعلام النبلاء [ج12/557]وترجمته من السير حافلة بثناء العلماء عليه ، وأنه الإمام المبجل .
    قال الإمام النووي رحمه الله : اتفق العلماء رحمهم الله علىأن أصح الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان البخاري ومسلم، وقد تلقتهما الأمة بالقبول .أنظر مقدمة شرح صحيح مسلم ،وكتابه الأسماء واللغات،[ج2/89/1] وعلوم الحديث لابن الصلاح وغيرهم كثير ممن ترجم له .وهذا لايكاد يختلف فيه اثنان، ولا يتناطح فيه عنزان .
    وقال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهايةفي ترجمة الإمام مسلم. [ج11/33]: صاحب الصحيح الذي هو تلو صحيح البخاري عند أكثرالعلماء ، وذهب بعض المغاربة وعلي النيسابوري إلى تقديم صحيح مسلم على البخاري ...وذكرها أيضا في كتابه :[ محتصر علوم الحديث ].
    وقال ابن حجر رحمه الله تهذيب التهذيب [ج10/114] حصل لمسلم في كتابه حظ عظيممفرط لم يحصل لأحد مثله ، بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل،وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي منغير تقطيع ولا رواية بمعنى ،وقد نسج على منواله خلق من النيسابوريين فلم يبلغواشأوه وحفظت منهم أكثر من عشرين إماما ممن صنف المستخرج على مسلم فسبحان المعطيالوهاب .هذا قول الحافظ ابن حجر رحمه الله ، ولا يعرف الفضل لذوي الفضل إلا أهل الفضل .
    وقالابن عقدة : قلما يقع الغلط لمسلم في الرجال لأنه كتب الحديث على وجهه .


    وقال الحاكم : سمعت أبا الفضل محمد بن إبراهيم سمعت أحمد بن سلمة يقول عقدلمسلم مجلس المذاكرة فذكر له حديث فلم يعرفه، فانصرف إلى منزله ، وقدمت له سلة فيهاتمر فكان يطلب الحديث ،ويأخذ تمرة تمرة ، فأصبح وقد فني التمر ووجد الحديث . زاد غيرهفكان ذلك سبب موته . هكذا هي همم الربانيين ، يدفع حياته ثمنا في سبيل التوثيق،والتأكد من الحديث ، ويأتي مثلك أيها المتعالم لتنال من شموخ هؤلاء .
    وقال فيه شيخه محمد بن عبد الوهاب الفراء كان مسلم من علماء الناس وأوعيةالعلم ما علمته إلا خيرا ..
    وقال ابن الجارودي : حدثنا مسلم بن الحجاج وكانمن أوعية العلم ، وقال ابن أبي حاتم : كتبت عنه وكان ثقة من الحفاظ له معرفةبالحديث .تهذيب التهذيب [ج10/115].
    هذا غيض من فيض ، وكتب التراجم حافلة بالثناء عليه ، وذكره بالجميل ، لو جمعت لكان منها سفر جليل كبير ، الصفحة الواحدة منه تفضل أنفاس حياتك كلها .
    هذا هو الإمام الذي أطبقتالدنيا على فضله وجلالته ، وقبول كتابه ،حتى وجد من أجدادك من يقدمه على البخاري ، وما وجدتأحدا جرحه أو طعن فيه ، حتى تأتي أنت -ولا أحد يسمع بعلمك- فتتجاوز كل هذه العصوروتقطع ظهور هذه الأجيال من الجبال الأثبات من أهل العلم لتطعن فيه وتصفه بأنه يزين الباطل ، وأنه ليسبفقيه وليس له الأهلية ليحكم على حديث آحاد إذا فالأهلية لك لترد الحديث ، وتحكمعليه بأنه يخالف القرآن ، وكأن كل من نظر في صحيح مسلم من مئات الآلاف من العلماءعلى مر هذه العصور فاتهم هذا الفضل حتى أدركته أنت ، فالويل لك من الله يوم تلقاه .
    إن قولك ذلك في الإمام مسلم ليس طعنا فيه فقط بل هو طعن في الأمة التي تلقتكتابه مع صحيح البخاري بالقبول ، ويُقصد بالأمة هنا العلماء ،ويستلزم منه أنهم غشواباقي الأمة التي لم تطلع على الأحاديث التي تفرد بها مسلم أو أخرجها أيضا البخاريوهي تخالف صريح القرآن ، فجئت أنت للتطلع على ما فات أولئك الجهابذة من النقاد ،فالله حسبك من هذا التطاول ، وهذا الاعتداء فانظر إلى هذه الأجيال من العلماءالماضين لم يتجرأ أحد منهم من أهل السنة على وصمه ووصفه بما وصفته بل كلهم يثنيعليه ويجله على ما قدم للأمة ، حتى لو كان من بعض المنتقدين لبعض أحاديثه، وهذا السيوطي رحمه الله الذي قدمته على الإمام مسلم وجعلته من السلف المعول عليهم يترضى على الإمام مسلم ويثني عليه ، وقد تولى التعليق على صحيحه ولو لم يكن عنده بمنزلة ما فعل ذلك .
    إن الإمام مسلما ما كان ليؤذي الله لأن أذية الرسول صلى الله عليه وسلم هيأذية لله تعالى ، وما كان له أن يخالف القرآن الكريم ،وهو الذي أوقف حياته في الحلوالترحال على خدمة كتاب الله وسنة رسوله ، ودفع في سبيلها كل غال ونفيس حتى دفعحياته ثمنا للتأكد من حديث واحد نسب إليه ، ولو اطلعت على شيء من سيرته في طلبهللحديث وطريقة جمعه له ، والتعب الذي حصل له لما وسعك أن تفوه بكلمة فيه، وتتجرأعليه بهذا الكلام المشين ، جعله الله في سجل سيئاتك.
    وانظر إلى قولك فيه : ورغم أنني على حد علمي لم أعرف أن (مسلما) كان فقيه زمانه لكي يحكم بهذا وحده، هكذا ابتداء على حديث آحاد، لم يشاركهفيإخراجه معلمه وأستاذه..
    فهذا أيضا من جهلك بترجمتهوتطاولك على من أثنى عليه، وإلا فمتى علمت أن السلف كانوا يفرقون بين الفقه والحديث، وهل الفقه غير الحديث؟وهل كان رسول الله فقيها أم محدثا، أم كليهما ؟
    فإن قولهعليه الصلاة والسلام>>: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين<< أخرجاهفي الصحيحين . لا يعني به التفقه في الدين على طريقة الفقهاء خاصة من معرفة شروطالوضوء والصلاة وأنصبة الزكاة ، وأركان الحج ، والواجب ،والمستحب ، والمكروه ، والحرام، وغيرذلك من الأحكام والقواعد الفقهية ، وإنما يقصد به الفهم في الدين فهما صحيحا على ماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه ، على مراد الله ومراد رسوله ، وهذاالفهم هو الذي كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم ، ويؤكده قوله صلى الله عليه وسلم>>: خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا<< أخرجاه فيالصحيحين ، وقوله فقهوا أي بفتح الفاء.
    ثم أقول لك من أنت - يرحمك الله-وما مبلغك من العلم ؟ حتى تحكم على جبل من جبال العلم ذنبه أنه اتبع العلماء الذينقبله فخرج الحديث بإسناد على شرطه تبرأة للذمة ، ولم يكن بدعا منهم، فكيف حكمت عليهبأنه لا يسحن الحكم ابتداء على الأحاديث ، ثم سوغتلنفسك أنت فحكمت عليها ابتداءبأنها تخالف صريح القرآن وأنها أحاديث آحاد ؟ فلم تقبلها ولو كانت ألف حديث ، وحديث ...مما فيالصحيحين التي عبثت أيدي أهل التراث بهما على حد تعبيرك أيها الدعي ، إن الإمام مسلما منكبار المحدثين الذين دونوا فقه رسول الله وحملوه إلى الأمة وقد شهد له بذلك القاصيوالداني ، فقد فاق أقرانه حتى قدمه بعضهم على شيخه البخاري في حسن الترتيب وسياقةالأحاديث، ولو لم يكن فقيها ذكيا فطنا لا يدري ولا يفهم ما يكتب ما استطاع أن يرتبهذلك الترتيب الذيفاق به أقرانه حتى أستاذه ومعلمه، ويأتي صحيحهبهذا التأليف الممتاز الذي أعجز العلماء بعده ،وأبهر الأعداء ..في المرتبة الثانيةبعد صحيح البخاري .
    ثم قل لي بربك أيها الدعي أين نجد الدليل منالكتاب والسنة على التفريق في الأخذ بين الأحاديث المتواترة والآحاد؟ ألا تعلم أنالحديث حجة بنفسه؟وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:<<لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته ، يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به ، أو نهيت عنه ، فيقول : لا أدري ! ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه >> وفي رواية لغيره : << ما وجدنا فيه حراما حرمناه ، ألا وإنيأوتيتالقرآنومثلهمعه >>. >> وفي أخرى :<< ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله >> رواه الترمذي[2664]وأبو داود [3804]وأحمد [4/139] وغيره وهو في رسالة منزلة السنةللألباني skh]] وقال : صحيح. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى[21/8] هذا المعنى محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه ، وصححه ابن القيم في الصواعق المرسلة أنظر مختصر الصواعق [583].
    وقوله صلى الله عليه وسلم << تركتفيكمأمرين ؛ لنتضلوا ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض >>منزلة السنة للألباني [13]وقال : إسناده حسن وكذلك قال في تخريج المشكاة [184]. وخرجهما السيوطي في مفتاح الجنة في الاحتاج بالسنة .
    ولأن السنة وحي من الله لنبيه كما قال تعالى : {{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}} (4) سورة النجم } . إن القول برد أحاديث الآحاد الصحيحة في العقيدة يستلزم منه رد أغلب الأحاديثالتي جاءت في كتاب الإيمان والتوحيد من صحيح البخاري ومسلم ، وغيرهما من كتب السنة، ويلزم من ذلك رد ثلث الدين ، فإن العقيدة أو التوحيد تمثل ثلث الدين ، هذا إن لمنقل أكثر الدين ، فإن الآحاديث المتواترة في العقيدة قليلة جدا ، والاعتماد على فهمالقرآن الكريم دون السنة – شبهة القرآنيين - ضلالة كبيرة .
    ثم إن هذا المعتقد-التفريق بين المتواتر من الأحاديث والآحاد- يستلزم منه الطعن في الرسول صلى اللهعليه وسلم لأنه فرد في تبليغه القرآن الذي يحمل عقيدة المسلمين ، ويستلزم الطعن فيكل أفراد الصحابة الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يرسلهم دعاة إلى اللهيحملون رسائله إلى الملوك والسلاطين يدعونهم إلى توحيد الله تعالى ، وأخيرا يستلزم رد كل ما تكتبه أنت أيهاالغريب الفرد المجهول في العقيدة، ومنه هذه القضية التي نحن بصدد الكشف عنها ، لأنك آحاد منالناس، ولست متواترا ، فلا نقبل قولك حتى تكون متواترا يشهد لك بذلك النفقل والعقل كما شهد لأؤلئك النقلة ، الذين نلت منهم .
    ثم هل يمكنك أن تأتيني بحديث واحد في العقيدة رده الصحابة والتابعون بحجة أنه آحاد ، إن هذا التقسيم مجرد تقسيم صوري محدث دخل منه من دخل إلىإنكار صفات الباري ، أو تأويلها ، وإنكار عذاب القبر ، كالخوارج والمعتزلةوالجهمية،وما في اليوم الآخر من الغيبيات التي لم يأتي تفصيلها في كتاب الله ولا فيالمتواتر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
    فأحاديث عذاب القبر ونعيمه ،وأحاديث الشفاعة ، لا تثبت عندك لأنها آحاد ، وهذا هو معتقد الخوارج والمعتزلةالذين ينكرون عذاب القبر ونعيمه ..
    أما قولك :ولا أعلم أيضا كيف يملك (النووي) هذهالجرأة أولا على أبوي النبي وذلك في جزمه أنهما ماتا على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثانفكيف عرف ذلك وكيف تأكدمنه وكيف أجاز لنفسه أن يقول «من مات على الكفر«.
    ألا تعلم أن الجرأة هيالتطاول على العلماء ، ولمزهم وغمزهم بما هم منه براء براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فإن القول في الإمام النووي في رد التهمة عنه هو كالقول في الإماممسلم ، وأزيدك هنا شيئا وهو اعتماده على أصح كتاب بعد كتاب الله ، ثم كتاب البخارياللذين تلقتهما الأمة بالقبول. ثم أقول لك : وأنت ماذا تقول في موتهما ؟ فإن قلتماتا على الإيمان فإثبات ذلك دون خرط القتاد والشواهد تكذبك ، وإن قلت ماتا ولايدرى على ما ماتا، فيقال لك كيف أثبت ذلك ؟ وإن قلت ماتا على الكفر فيقال لك ما جئتبشيء جديد ، وإنما سودت الصحف لتهرف بما لا تعرف ، ثم نتوجه إليك بهذا السؤالالثاني وهو: على أي دين كانا أبواه صلى الله عليه وسلم ؟ فإن قلت على الفطرة .. قيللك وكيف عرفت ذلك؟و أنت في القرن الخامس عشر، وغاب عن كل هذه القرون ، وإن قلت ، علىدين إبراهيم قيل لك أيضا، وكيف أثبت ما تعيبه على غيرك كالنووي والبيهقي وغيرهما ؟وإن قلت لا أدري على ماذا كانا قيل لك :
    العلم نور يقتبس * * فصاحبهمكرم حيث جلس .
    من فاته العلم طأطأ وانتكس ** فكان ما بين حماروفرس .
    وقيل لهأيضا :
    العلم نور للفتى ** يكرمهحيث أتى
    من فاته العلم وثبتا ** فحقه في العالمين أنيسكتا
    وإن قلت : ماتا على الكفر كما هو مشهور عندجماهير العلماء من السلف والخلف ، وأن الله أحياهما تكريما للنبي صلى الله عليهوسلم كما ذكر ذلك السيوطي والسهيلي ، قيل لك :
    1 - أثبتَ ذلك بطريق الرواية اجتهاداوتحقيقا ؟
    2- أم بطريق العقل ، تصورا وتخييلا ؟ فإن قلت بالأولى ، كذبتك أقوال فحولهذا الشأن وأن ما أورده السهيلي في السيرة ، والسيوطي في الرسالة التي أشرت إليها فقد حكم عليه أهلالاختصاص بأنه كذب مختلق ، وأنه لا يثبت ، ولا يمكنك إثباته .
    قال ابن الجوزي رحمه الله في الموضوعات :[ج1/ 284] بعد ان ذكر حديث :إحياء والدي النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا حديث موضوع لا يشك فيه والذي وضعه قليل الفهم ،عديمالعلم ، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة ، لا بل لو أمن بعد المعاينة ، ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى :{{ فيمت وهو كافر }} وقوله صلى الله عليه وسلم : وذكر حديث الاستئذان الذي رواه مسلم .
    وأن الرجعة إلى الدنيا والتوبة بعد الموت منتفية ولاتصح وعلى ذلك الكتاب والسنة والإجماع ،قال تعالى : {{ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17)وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}} (18) سورة النساء . فبين تعالى أنه لاتوبة لمن مات كافرا .ولشيخ الإسلام في هذه المسألة كلام جيد في مجموع الفتاوى [ج4/ 325] فراجعه غير مأمور.
    وقال الذهبي رحمه الله في كتابه ميزان الاعتدال [ج2/ 437] << إن الله أحيا أمي فآمنت بي >> لا أدري من ذا الحيوان الكذاب فإن هذا الحديث كذب مخالف لما صح أنه عليه السلام استئذن ربه في الاستغفار لها فلم يأذن له .وكذلك الصنعاني نقل عن الحافظ ابن دحية أنه موضوع ، ورد على السيوطي في جواب مطول .وغيرهم رحمهم الله .
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية جوابا على هذا السؤال : هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك ةتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك ؟
    فأجاب رحمه الله : لم يصح أن أحد من أهل الحديث ، بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلف ، وأن كان قد روى في ذلك أبو بكر – الخطيب – في كتابه " السابق واللاحق " وذكره أبو القاسم السهيلي في "شرح السيرة " بإسناد فيه مجاهيل ، وذكره أبو عبد الله القرطبي في "التذكرة "وأمقال هذه فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذبا كما نص عليه أهل العلم ... انظر باقي كلامه في مجموع الفتاوى4/324) .
    قال العظيم آبادي : " كل ما ورد بإحياء والديه صلى الله عليه وسلم وإيمانهما ونجاتهما أكثره موضوع مكذوب مفترى ، وبعضه ضعيف جداً لا يصح بحالٍ ، لاتفاق أئمة الحديث على وضعه وضعفه كالدارقطني والجوزقاني وابن شاهين والخطيب وابن عساكر وابن ناصر وابن الجوزي والسهيلي والقرطبي وجماعة " (عون المعبود12/494 باختصار.
    قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسة الصحيحة [المجلد السادس /ص181] : وقد لايتورع بعضهم أن يركن في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أحيا الله له أنه ، وفي رواية : أبويه ، وهو حديث موضوع باطل عند أهل العلم كالدارقطني والجورقاني ، وابن عساكر والذهبي والعسقلاني ، وغيرهم .. رحمهم الله . كما هو مبين في موضعه ، وراجع له إن شئت كتاب " الأباطيل والمناكير " للجورقاني بتعليق عبد الرحمن الفريوائي[1/ 222-229].
    وإن قلت الثانية: أي بطريق العقل ، تصورا وتخييلا ؟-وهي التي تتبادر إلى الذهن- فهل حضرتهما أنت أو كشف لك عن ذلك فعاينتهما ،أو رأيتذلك في المنام لترمي بهذه الفرية البيهقي رحمه الله ، أم أنك اعتمدت على آياتوأحاديث سقتها ولم تفهم معانيها على ما كان عليه العلماء سلفا وخلفا ، مما لم تسبقإليه .. وسأبين لك ذلك إن شاء الله ...
    وأما قولك : والمعروف دينا ولغة وبداهةأن الكفر إنما هو الكفربالدعوة فكيف كفر أبواه عليه صلوات الله بدين لم يُدعيا إليه ...
    وهنا أسألك بالله أن تخبرني من أي قاموس جئت بأن المعروف في الدين واللغةوالبداهة أن الكفر إنما هو الكفر بالدعوة ؟ أم أنك لا تعرف معنى الكفر وأقسامه؟
    وإن كان أمرك كذلك فتعال معي لنتعلم أنا وأنت معنى الكفر في اللغة والشرعوأقسامه .
    الكفر لغة هو : التغطية والستر . قال فيالمصباح المنير [ص267] كفر النعمة أي غطاها مستعار من كفر الشيء إذا غطاه وهو أصلالباب، ومنه يقال للفلاح كافر لأنه يكفر البذر أي ستره في الأرض ومنه قوله تعالى:{{{{ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ }} (29) سورة الفتح }.
    وقال : في مادة –كفر- : أي كفربالله يكفر كفرا وكفرانا ، ويطلق على البراءة والجحود ، وعلى نفي الصانع ،ولم أجدفي قواميس اللغة في حدود علمي من يقول أن الكفر في اللغة هو الكفربالدعوة .
    وقال في مختار الصحاح :كفر، الكفر ضد الإيمانوقد كفر بالله، وقوله تعالى: {{... وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ }} (48) سورة القصص}.
    أي جاحدون ، وقوله : {{... فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُورًا }} (99) سورة الإسراء} والكافر الليل المظلم لأنه يستر بظلمته كل شيء. قال ابن السكيت: ومنهسمي الكافر لأنه يستر نعم الله عليه .
    أما في الشرع ، فالمعروف أنالكفر هو: الكفر بالله تعالى وهو أنواع ، وليس بالدعوة كما تقول ، لأنه يمكن أنيؤمن بالدعوة ، ويكفر بالله ، كالمنافقين الذين أظهروا الإيمان بدعوة الإسلام وكفروابالله تعالى .وإليك أنواع الكفر :
    1- كفرإباءواستكبار : ككفر إبليس ، ومنه قوله تعالى:{{ وَإِذْ قُلْنَالِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَوَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ{} {البقرة: 34}. فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابلهبالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار، وهذا مثل حال من يعلم أن دين الإسلام هودين الحقِّ الذي لا يقبل الله سواه، والذي فيه صلاحه في الدنيا والآخرة، ثم يتركهإباءً واستكباراً ويتخذ له ديناً أو مذهباً من صنعالبشر.
    2- كفر الجحود: وهو أن يجحد جملة بما أنزله الله تعالى ، أو يجحدشيئاً مما هو معلوم بالضرورة من الإسلام ، قال الله تعالى: {{وَجَحَدُوا بِهَاوَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا(1) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَعَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}} {النمل: 14}.
    3 - كفر الشك والإعراض : وهوالذي يشك في ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجزم بصدقه، ولا يجزمبكذبه، ويعرض عنه قال الله تعالى: {{وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْبِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ}} [إبراهيم: 9].وقال الله تعالى: {{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّأَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22].
    4 -كفر التكذيب: وهو اعتقاد كذب الرسول صلى الله عليه وسلم فيأيِّ شيء مما جاء به. قال الله تعالى: {{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِوَبِالزُّبُرِ(2) وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوافَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}} [فاطر: 25-26].
    فأين ما تدعيه أن الكفر هوالكفر بالدعوة فقط لغة وشرعا وبداهة ؟ سبحان الله!!وعلى اصطلاحك هذا فإن المشركين الذين ماتوا قبل مجيئه صلىالله عليه وسلم كعمرو بن لحي وغيره ممن عاصره ، هم مؤمنون ليسوا بكفار ولا مشركين ،لأنهم لم يكفروا بدعوة نبينا محمد ، أو على الأقل هم من أهل الفترة مع ما غيروا مندين إبراهيم الحنيف الذي كان عليه بنو إسماعيل.. مع ما كانوا عليه من عبادة الأوثانفهل تقول ذلك ؟


    والبقية من الرد تجده هنا في هذا الرابط . http://www.4shared.com/*******t/zLRP94Ul/___online.html

      الوقت/التاريخ الآن هو 03.05.24 1:55