تفنيد الشبه الخاوية عن حديث جارية بردود كاوية
تفنيد الشبه الخاوية عن حديث جارية بردود كاوية
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على المصطفى وبعد:
اعلم رحمك الله أن حديث الجارية من أقوى الأدلة في إثبات علو الله تعالى على خلقه وهو بمثابة صاعقة على رؤوس المعطلة
قال ابن عبد البر في (( الاستذكار ))(23/167):
(( وأمّا قوله في هذا الحديث للجارية (( أين الله؟ )) فعلى ذلك جماعة أهل السنّة، وهم أهل الحديث ورواته المتفقهون فيه وسائر نقلته، كلّهم يقول ما قال الله في كتابه.. . ومخالفونا ينسبونا في ذلك إلى التشبيه، والله المستعان، ومن قال بما نطق به القرآن، فلا عيب عليه عند ذوي الألباب )).وقد حاول بعض الخلف تعطيله تارة والتشكيك في صحته تارة أخرى بشبهات واهيات سنعرضها في هذا البحث ونورد الرد الشافي عليها:نص الحديث:
قال معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه:
(( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية، فقلت: يا رسول الله، عليّ رقبة أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله: (( أين الله؟ )) فقالت: في السماء، فقال: (( من أنا؟ ))، قالت: رسول الله، قال: (( اعتقها فإنّها مؤمنة )) )) أهـ.رواه الإمام مالك في (( الموطأ )) (2/776 )، والإمام الشافعيّ في (( الرّسالة )) (ص/75 -واللفظ لـه- )، وابن أبي شيبة في (( الإيمان )) (ص/36 رقم: 84 )، والإمام أحمد في (( المسند )) (5/448 )، وأبو داود في (( السنن )) (1/260 الصحيح )، والدّارميّ في (( الرّد على الجهميّة )) (ص/39 )، وفي (( الرّد على المريسي )) (1/491 )، وعبد الله ابن الإمام أحمد في (( السنّة )) (1/306 )، وابن خزيمة في (( التوحيد )) (1/279 )، واللالكائيّ في (( شرح أصول الاعتقاد )) (3/392 )، والبيهقيّ في(( الأسماء والصفات )) (ص/532 )، وفي(( السنن الكبرى )) (7/354 و10/98 )، ومسلمٌ في (( صحيحه )) (5/23 رقم: 1199 )، والذّهبي في (( العلو )) (ص/81 المختصر )، وغيرهم -رحم الله الجميع-.
من طرق؛ عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم به؛ ورواه من طريق الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن معاوية بن الحكم جماعة كما في (( المصنّف لعبد الرزاق )) (10/402 )، و (( مسند الإمام أحمد )) (3/443 و5/448 ) وغيرهم -رحم الله الجميع-.
وقد ذكر طرق الحديث وخرّجه بإيعابٍ واستيعاب شيخنا البحاثة، مشهور بن حسن -حفظه الله- في تحقيقه على كتاب (( الموافقات )) (1/60-64 ) للشاطبيّ، فلينظره من شاء التفصيل ( ).
وهذا الحديث، وهو المشهور بحديث الجارية، حديثٌ صحيحٌ باتفاق أهل النقل، صححه-تصريحاً أو ما يقوم مقامه- جمهرةٌ من أهل العلم؛ منهم الإمام مسلم حيث أخرجه في ((صحيحه )) (5/23 رقم: 1199 )، والحافظ ابن حجر في (( الفتح )) (13/359 )، والبيهقيُّ في (( الأسماء والصفات )) (ص/533 )، والذهبيّ في (( العلو ))(ص/81 مختصر )، والألبانيّ في مواضع منها (( الإيمان ))(ص/36) لابن أبي شيبة، حيث قال-رحمه الله-: (( إسناده صحيحٌ على شرط الشيخين ))( )، وقال في (( مختصر العلو ))(ص/81): (( فإنّه مع صحّةِ إسناده، وتصحيح أئمة الحديث إيّاه دون خلافٍ بينهم أعلمه )) أهـ.
فلا نعلم في صحّة هذا الحديث خلافاً، ولم نرَ أحداً تعرّض لـه بتضعيف، بل إجماع أهل الحديث والسنّة منعقدٌ على صحته، ولم يخالف في ذلك إلاّ المتأخرون من شذاذ الجهميّة( )، كالكوثري والغماري والسقاف، وذلك موافقة منهم لأهوائهم، ولتسلم لهم عقيدة التعطيل، وإن كان ذلك على حساب النّص الشرعيّ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.شبهاتهم حول الحديث:الشبهة الأولى:
قولهم بأن الحديث أحاد ,ولا يصح الأخذ بالأحاد في العقيدة لأنه دليل ظني وليس قطعي
والجواب على هذا من أوجه:الوجه الأول:أنه لم يعرف عن السلف الصالح تقسيم الحديث إلى متواتر وأحاد إنما هذا تقسيم محدث من طرف أهل البدع والكلام بل إن الصحابة كان يأخطذون بحديث الواحد
قال الإمام النووي رحمه الله: ((( ولم تزل الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة فمن بعدهم من السلف والخلف على امتثال خبر الواحد)=[شرح صحيح مسلم 1/130]، وعلق على حديث الجساسة الطويل والذي رأى فيه الصحابة الدجال ( وفيه قبول خبر الواحد)=[انظر شرح النووي على مسلم 18/80 ].وقال الغزالي ( تواتر واشتهر عمل الصحابة بخبر الواحد في وقائع شتى لا تنحصر وان لم تتوافر آحادها فيحصل العلم بمجموعها)=[المستصفى 173].
وقال السفاريني ( يعمل بخبر الآحاد في أصول الدين وحكى الامام ابن عبد البر الاجماع على ذلك)=[لوامع الأنوار البهية 1/19 وانظر التمهيد لابن عبد البر 1/8].قال الخطيب البغدادي ( فمن أقوى الأدلة على ذلك ما ظهر واشتهر عن الصحابة من العمل بخبر الواحد.. وعلى خبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر أمصارنا الى وقتنا هذا ولم يبلغنا عن احد منهم انكار لذلك ولا اعتراض عليه)=[الكفاية ص 31].ويدل على هذا أن الصحابة رضوان الله عليهم لما أخبرهم الواحد وهم بقباء في صلاة الصبح أن القبلة قد حولت إلى الكعبة قبلوا خبره وتركوا الحجة التي كانوا عليها واستداروا إلى القبلة، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل شكروا على ذلك وكانوا على أمر مقطوع به من القبلة الأولى فلولا حصول العلم لهم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به المعلوم لخبر لا يفيد العلم، وغاية ما يقال فيه: إنه خبر اقترنته قرينة، وكثير منهم يقول لا يفيد العلم بقرينة ولا غيرها وهذا في غاية المكابرة. ومعلوم أن قرينة تلقى الأمة له بالقبول وروايته قرناً بعد قرن من غير نكير من أقوى القرائن وأظهرها فأي قرينة فرضتها كانت تلك أقوى منها.
الوجه الثاني: لقد أجمعت الأمة على قبول خبر الواحد الثقة
قال الشافعي " لم أحفظ عن علماء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد".=[الرسالة ص 457].قال ابن حجر ( الخبر المحتف بالقرائن قد يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك.. وهو أنواع: منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر فانه احتف به قرائن، منها: جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقى العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في افادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة على التواتر) قال ( فالاجماع حاصل على تسليم صحته)=[شرح النخبة (ص6) وانظر تدريب الراوي للسيوطي 1/133]، ( وقد شاع فاشيا عمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد من غير نكير، فاقتضى الاتفاق منهم على القبول).=[فتح الباري 13/234].وقال ابن الصلاح في مقدمته ( وما اتفق عليه البخاري ومسلم جميعه مقطوع به، والعلم اليقيني النظري واقع به، خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله الا الظن، وانما تلقته الأمة بالقبول ... وما انفرد به البخاري ومسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول).=[القييد والأيضاح 41 علوم الحديث ص 25 تدريب الراوي 1/133].وحكى ابن الصلاح أنه كان أول الأمر يميل الى رد خبر الواحد في العقائد قال( ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح).
قال السخاوي ( فقد سبقه [أي ابن الصلاح] الى القول بذلك في الخبر المتلقى بالقبول الجمهور من المحدثين والأصوليين وعامة السلف).=[قواعد التحديث 85 فتح المغيث 1/51].
وقال عمر بكري ( عندي لائحة باسماء مئة وثلاثة وثلاثين عالماً كلهم قالوا ان حديث الآحاد ظني ولا يؤخذ به في العقائد). واذا نقبت عن هؤلاء العلماء وجدتهم بين أشعري وماتريدي التزموا بهذا القول تبعاً لمذهبهم.ونحن عندنا عالم واحد وهو الشافعي من علماء الأمة المشهورين يغلب ألفا من أمثال من ذكرت أسماءهم.فقد كتب الشافعي ما يزيد على مائة صفحة =[الرسالة من صفحة 369 الى 471 ]،
في أعظم كتاب في أصول الفقه اسمه (الرسالة) أثبت به حجية خبر الواحد وبوبه بالعنوان التالي (باب: حجية خبر الواحد) أكد فيه أن ( أهل السنة قد تلقوا خبر الواحد العدل بالقبول). وقال ( لم أحفظ عن علماء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد).=[الرسالة من صفحة 453 الى 457 سير أعلام النبلاء 10/24].وكذلك دافع عن حديث الآحاد في كتابه ( اختلاف الحديث)=[مطبوع على حاشية كتاب الأم 7/2-38]، وفي كتابه ( الأم) بوّب بعنوان "باب حكاية قول من رد خبر الخاصة" ومراده بخبر الخاصة خبر الآحاد.فهذه ثلاثة كتب للشافعي ذكر فيها كل ما يحتاج بيانه حول خبر الآحاد لم يقل في شيء منها ان خبر الواحد مقبول في الأحكام مردود في العقائد. ومن خصص فعليه الدليل والا كان محرفاً لقول الأئمة. والمحرفون لن يقيموا الخلافة الراشدة على منهاج النبوة!نحن عندنا دليل واضح من الشافعي في تثبيت خبر الواحد فقد قال (باب تثبيت خبر الواحد) وهذا لفظ صريح فأين حجتكم التي يجب أن تكون بمثل وضوح كلام الشافعي هكذا (باب تثبيت خبر الواحد في الأحكام دون العقائد)؟ولا يعقل أن يكتب في هذه الصفحات كل ما يحتاج معرفته عن خبر الواحد ولا يأتي بعبارة صريحة يفرق فيها العقائد والأحكام.فانه لما أثبت الشافعي خبر الواحد أثبته عموما لم يخصه في شيء دون شيء. ولم يقل الأخذ به حرام حلال: حرام في العقائد حلال في الأحكام كما يذهب اليه المتناقضون!الوجه الثالث:اجماع العلماء على كفاءة الصحيحينولا ننسى أن غالب أحاديث الصحيحين من نوع خبر الواحد، ومعلوم أن الأمة قد تلقت هذين الكتابين بالقبول والتسليم. وهي لا تجتمع على ضلالة. فإجماعها حجة على من زعم رد خبر الآحاد.وقد أدى موقف هؤلاء الى الطعن في أكثر أحاديث الشيخين اللذين اتفقت الأمة على صحتها وتلقتها بالقبول. وأثاروا الشك في أوثق مصدرين لهذه الأمة بعد كتاب الله.نقل السيوطي في التدريب عن الحافظ السجزي اجماع الفقهاء أن من حلف على صحة ما في البخاري لم يحنث. ونقل عن امام الحرمين أنه قال: لو حلف بطلاق زوجته أن ما في الصحيحين من كلام النبي صلى الله عليه و سلم لما ألزمته بالطلاق.ولقد صدّر البخاري ومسلم كتابيهما بحديث آحاد ( إنما الأعمال بالنيات)=[قد قالوا عن الحديث: أصله آحاد لكنه من جهة الصحابي الثقة نقله عنه صحابة آخرون فصار متواترا. ولكن لو اتفقت الأمة على راو ثقة ضابط فهل يتراجع الحزب عن موقفه من خبر الواحد ويصير عنده بعض خبر الواحد الثقة مفيدا للعلم أم أنهم لا يتراجعون؟]. وهذا الحديث يتضمن مواضيع في العقائد. وكفى بها دعوى واكتساء ثوب الزور أن يدعي أهل الكلام أنهم أحرص على العقيدة وأدق في فن الرواية وأورع في الدين من الشيخين.قال ابن تيمية ( ان مما اجمعت الأمة على صحته : أحاديث البخاري ومسلم)=[مجموع الفتاوى 18:16]. مع أن غالب ما فيهما من خبر الواحد حتى قال بعض العلماء لا يوجد خبر متواتر الا أربعة أحاديث بل قال ابن الصلاح أنه لا يوجد متواتر الا حديث ( من كذب علي متعمداً). وهنا يبرز سؤال مهم: اذا كان سند خبر الواحد غير قطعي الثبوت فلماذا جعل الله أكثر روايات السنة من هذا النوع؟ لا أعتقد أن هؤلاء يستطيعون الاجابة عن ذلك؟قال ابن الصلاح في مقدمته ( وما اتفق عليه البخاري ومسلم جميعه مقطوع به، والعلم اليقين النظري واقع به، خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله الا الظن، وانما تلقته الأمة بالقبول ... وما انفرد به البخاري ومسلم مندرج في قبيل ما يقطع بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول)=[التقييد والأيضاح ص 41 علوم الحديث ص 25 تدريب الراوي 131].
والنقل
لطفا من هنا
http://www.alsoufia.org/vb/showthread.php?7915-تفنيد-الشبه-الخاوية-عن-حديث-جارية-بردود-كاوية