بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه؛
وبعد :

أخرج الإمام ابن خزيمة في " صحيحه " ( 1 / 201 / 2 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت :


"
كان صلى الله عليه وسلم يباشر و هو صائم ، ثم يجعل بينه و بينها ثوبا . يعني الفرج
".


صححه الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" 1 / 385


وعن مسروق رحمه الله قال : سألت عائشة رضي الله عنها : "ما يحل للرجل من امرأته صائما ؟" قالت: "كل شيء إلا الجماع ".
رواه عبد الرزاق بإسناد صححه الألباني في المصدر السابق

وقال الشيخ الألباني رحمه الله في المصدر السابق :


" ذكر ابن حزم عن سعيد بن جبير أن رجلا قال لابن عباس : إني تزوجت ابنة عم لي جميلة ، فبني بي في رمضان ، فهل لي - بأبي أنت و أمي - إلى قبلتها من سبيل ؟
فقال له ابن عباس : هل تملك نفسك ؟ قال : نعم ، قال : قبّل ، قال : فبأبي أنت و أمي هل إلى مباشرتها من سبيل ؟! قال : هل تملك نفسك ؟ قال : نعم ، قال : فباشرها ، قال : فهل لي أن أضرب بيدي على فرجها من سبيل ؟ قال : و هل تملك نفسك؟ قال : نعم ، قال : اضرب !.
قال ابن حزم : " و هذه أصح طريق عن ابن عباس " .
قال : " و من طريق صحاح عن سعد بن أبي وقاص أنه سئل أتقبل و أنت صائم ؟ قال : نعم ، و أقبض على متاعها ، و عن عمرو بن شرحبيل أن ابن مسعود كان يباشر امرأته نصف النهار و هو صائم . و هذه أصح طريق عن ابن مسعود " .
قلت ( الألباني ) : أثر ابن مسعود هذا أخرجه ابن أبي شيبة ( 2 / 167 / 2 ) بسند صحيح على شرطهما ، و أثر سعد هو عنده بلفظ " قال : نعم و آخذ بجهازها " و سنده صحيح على شرط مسلم ، و أثر ابن عباس عنده أيضا و لكنه مختصر بلفظ :
" فرخّص له في القبلة و المباشرة و وضع اليد ما لم يعده إلى غيره " .
و سنده صحيح على شرط البخاري .
و روى ابن أبي شيبة ( 2 / 170 / 1 ) عن عمرو بن هرم قال :
سئل جابر بن زيد عن رجل نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها هل يفطر ؟ قال : لا ، و يتم صومه " .
و ترجم ابن خزيمة للحديث بقوله :
" باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم ، و الدليل على أن اسم
الواحد قد يقع على فعلين أحدهما مباح ، و الآخر محظور " . انتهى من السلسلة الصحيحة

قلت (أبو عبد العظيم) : قد نقل الكثير من أهل العلم الإجماع على أن الإنزال مُفطّر، وهذا الإجماع المنقول ظنّي ولا يصح، وقد قال الكثير من أهل العلم قديما وحديثا أن إنزال المني أثناء مباشرة الصائم لزوجته لا يفطر؛ وليس هذا القول من غرائب أو فرائد الألباني أو ابن حزم ! ؛ كما يقول البعض - غفر الله لنا ولهم - ، فهو قول جماعة من الحنفية كأبي بكر بن الإسكاف وأبي القاسم ؛ وتبعهم على ذلك ابن حزم والإمام الصنعاني ومال إلى هذا القول الشوكاني، وصديق خان ، وابن مفلح الحنبلي ، ومن المعاصرين العلامة المحدث الألباني رحمه الله والشيخ الفاضل فركوس الجزائري حفظه الله ، وغيرهم من أهل العلم والفضل رحم الله الأموات وحفظ الله الأحياء....

ولا يوجد دليل صحيح
صريح في أن الإنزال مُفطّر من الكتاب والسنة الصحيحة ، بل الآثار الواردة عن الصحابة تؤيد قول القائلين بأن الإنزال لا يُفطّر ، وقد مرّ معنا الآثار الواردة عن سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأنه كان يباشر امرأته وهو صائم ويقبض على متاعها ، ومن المعلوم عادة أن المرأة تنزل من هذا غالبا ، والرجل الذي استفتى ابن عباس رضي الله عنه حول ما يجوز له من امرأته وهو صائم وكان حديث عهد بزواج في رمضان ومن امرأة جميلة - كما ذكر ذلك - ، فرخّص له ابن عباس رضي الله عنه بأن يقبّل ويباشر ويضرب بيده على فرجها؛ فهل يُعقل أن المرأة - وهي حديثة عهد بزواج - أن لا تنزل والحال كهذه !؟؛ إن هذا لا يُعرف من طبيعة البشر ، ولا يخفى مثل هذا على عبد الله بن عباس رضي الله عنه؛ وهو الذي دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يرزقه الله الفقه ويعلمه التأويل؛ وقد كان فقيها من الدرجة الأولى رضي الله عنه.

وليس عند القائلين بإفطار من أنزل أثناء المباشرة لزوجته وهو صائم دليلا صحيحا على ما ذهبوا إليه؛ إلا عمومات وإطلاقات وردت في بعض الأحاديث في فضل الصائم مثل ( يدع شهوته من أجلي ) أو (ويدع لذته من أجلي، ويدع زوجته من أجلي) ، ولو إلتزموا عموم هذه الألفاظ للزمهم ترك مباشرة الزوجة فيما دون الفرج ولو بدون إنزال ! ؛ إذ أن هذا من ( الشهوة ) و ( اللذة ) بلا شك !


وكذلك هم يفرّقون بين المُجامع وبين من باشر فأنزل ، فيوجبون على الأول القضاء والكفارة وهو الحقّ الموافق للسنة الصحيحة ، ولا يوجبون على الثاني إلا القضاء فقط دون الكفارة ! ، ولا أدري من أين جاء هذا التحكم والتفصيل ؟



قال العلامة المحدث الألباني رحمه الله في "تمام المنة في التعليق على فقه السنة" :

{{ومن (ما يبطل الصيام) قوله: "الاستمناء ( إخراج المني ) سواء أكان سببه تقبيل الرجل لزوجته أو ضمها إليه، أو كان باليد، فهذا يبطل الصوم ويوجب القضاء".
قلت ( الألباني ) : لا دليل على الإبطال بذلك، وإلحاقه بالجماع غير ظاهر ، ولذلك قال الصنعاني : " الأظهر أنه لا قضاء ولا كفارة إلا على من جامع، وإلحاق غير المجامع به بعيد". وإليه مال الشوكاني، وهو مذهب ابن حزم، فانظر "المحلى" ( 6 / 175 - 177 و 205 ). ومما يرشدك إلى أن قياس الاستمناء على الجماع قياس مع الفارق ، أن بعض الذين قالوا به في الإفطار لم يقولوا به في الكفارة، قالوا: "لأن الجماع أغلظ، والأصل عدم الكفارة". انظر "المهذب" مع "شرحه" للنووي ( 6 / 368 ).
فكذلك نقول نحن: الأصل عدم الأفطار، والجماع أغلظ من الاستمناء، فلا يقاس عليه. فتأمل.
وقال الرافعي ( 6 / 396 ): "المني إن خرج بالاستمناء أفطر، لأن الإيلاج من غير إنزال مبطل، فالإنزال بنوع شهوة أولى أن يكون مفطرا".
قلت: لو كان هذا صحيحا، لكان إيجاب الكفارة في الاستمناء أولى من إيجابها على الايلاج بدون إنزال، وهم لا يقولون أيضا بذلك. فتأمل تناقض القياسيين! أضف إلى ذلك مخالفتهم لبعض الآثار الثابتة عن السلف في أن المباشرة بغير جماع لا تفطر ولو أنزل، وقد ذكرت بعضها في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" تحت الأحاديث (219 - 221) ، ومنها قول عائشة رضي الله عنها لمن سالها: ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ قالت: "كل شئ إلا الجماع".
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" ( 4 / 190 / 8439 ) بسند صحيح، كما قال الحافظ في "الفتح"، واحتج به ابن حزم. وراجع سائرها هناك.
وترجم ابن خزيمة رحمه الله لبعض الأحاديث المشار إليها بقوله في "صحيحه" ( 2 / 243 ): "باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم، والدليل على أن اسم الواحد قد يقع عل فعلين: أحدهما مباح، والآخر محظور، إذ اسم المباشرة قد أوقعه الله في نص كتابه على الجماع ، ودل الكتاب على أن الجماع في الصوم محظور، قال المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ): "إن الجماع يفطر الصائم"، والنبي المصطفى ( صلى الله عليه وسلم ) قد دل بفعله على أن المباشرة التي هي دون الجماع مباحة في الصوم غير مكروهة".
وإن مما ينبغي التنبيه عليه هنا أمرين:
الأول: أن كون الإنزال بغير جماع لا يفطر شئ، ومباشرة الصائم شئ آخر، ذلك أننا لا ننصح الصائم وبخاصة إذا كان قوي الشهوة أن يباشر وهو صائم، خشية أن يقع في المحظور، الجماع، وهذا سدا للذريعة المستفادة من عديد من أدلة الشريعة، منها قوله ( صلى الله عليه وسلم ): "ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه"، وكأن السيدة عائشة رضي الله عنها أشارت إلى ذلك بقولها حين روت مباشرة النبي (صلى الله عليه وسلم ) وهو صائم: "وأيكم يملك إربه ؟"


انتهى كلام الألباني رحمه الله وهو كلام متين تُشد إليه الرحال ، والله تعالى أعلى وأعلم...


جمعه على عجالة
محمود بن إبراهيم - غفر الله له ولوالديه -



والنقل
لطفا من هنا
http://www.salaficall.net/vb/showthread.php/3016-بيان-حدّ-مباشرة-الصائم-لزوجته-من-فعل-السلف-الصالح،-وأن-الإنزال-قد-يشمله-للألباني-رحمه-الله