خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    حكم التحجير ( حجز الأماكن ) في المساجد

    avatar
    أبوعبيدة الأثري الفلسطيني
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 84
    العمر : 50
    البلد : فلسطين
    العمل : موظف حكومي
    شكر : 3
    تاريخ التسجيل : 02/07/2008

    الملفات الصوتية حكم التحجير ( حجز الأماكن ) في المساجد

    مُساهمة من طرف أبوعبيدة الأثري الفلسطيني 17.03.10 17:08

    بسم الله الرحمن الرحيم





    حكم التحجير ( حجز الأماكن ) في المساجد






    الحمد لله ربِّ العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين.


    فضّل الرسول – صلى الله عليه و سلم – الصلاة في الصف الأول و القـرب من
    الإمام عن باقي الصفـوف , فقال– صلى الله عليه وسلم–:" لو يعلم الناس ما
    في النداء و الصف الأول,ثم لم يجدوا إلا أنْ يستهموا عليه لاستهموا " (
    متفق عليه )


    و في روايةٍ أخرى :" لو تعلمون ما في الصف المقدّم لكانت قرعة "


    ( رواه مسلم )




    و عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال :" سمـعـتُ رسـول الله – صلى
    الله عليه و سلم – يـقـول : " إنّ الله و ملائكته يصلّون على الصف الأول ,
    و الصفوف الأولى "


    ( رواه أحمد و إسناده جيد )




    و الصف الأول هو الصف المكتمل , قال سفيان الثوري – رحمه الله - :" بأنّ
    الصف الأول المتصل بين يدي المنبر , لا المقطوع بالمنبر " ( الثمر
    المستطاب 1 / 421 )


    و عن قرّة بن إياس – رضي الله عنه- قال :" كـنا نُـنـْهَى أنْ نصف بيـن
    السواري على عـهـد رسـول الله – صـلى الله عليه و سلم – و نُطرَد عنها
    طرداً "


    ( رواه ابن ماجه و الحديث حسن صحيح )




    و كان ابن مسعود – رضي الله عنه – يقول :" لا تصفّوا بين السواري "


    ( رواه البيهقي في الكبرى 3 / 104 )




    و قال البيهقي – رحمه الله - :" و هذا – و الله أعلم – لأنّ الاسطوانة تحول بينهم و بين وصل الصف "


    ( المصدر نفسه )




    و قال الإمام مالك – رحمه الله - :" لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد "


    ( المدونة الكبرى 1 / 106)




    و للأسف الشديد هناك من المنابر ذوات الدرجات الكثيرة في كثير من المساجد
    المخالفة للسنة ( ثلاث درجات ) تقطع الصـف الأول , و لا خلاف في جواز
    الصلاة بين السواري عند الضيق , أو لمن يصلي لوحده , أما مع السعة فهي
    مكروهة .


    و الأجر العظيم لمنْ صلىَّ في الصف الأول , لا يتحقق إلا لمن تقدم و سبق
    بنفسه , أما مَنْ وضع سجادة أو طاولة أو كتاباً و نحوه , وتأخر عن الحضور
    بنفسه مبكراً , فهذا مخالف للسنة , و لم يدرك فضيلة الصلاة في الصف الأول
    , و مَنْ اعتقد غير ذلك فقد أخطأ.


    أما مَنْ جاء مبكراً للصلاة في الصف الأول , ثم قام للوضوء أو للحركة , أو
    لغير ذلك من الأمور , ثم رجع إلى مكانه فهو أحق به مِن غيره,لقوله – صلى
    الله عليه و سلم – إذا قام أحدكم مِن مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به "


    ( رواه مسلم )




    و ليعلم الجميع أنّ المساجد لله , و الناس فيها سواء , و ليس لأحد فيها حق
    المكان , إلا إذا قدم مبكراً بنفسه , فإذا سبقه غيره فهو أحق منه بالمكان .


    و هناك ظاهرة غريبة في بعض البلدان , أنّ هناك مَنْ يرسل خادمه , أو عامله
    ليحجز له مكاناً من صلاة العصر إلى صلاة التراويح في رمضان .


    و مَنْ حجز مكاناً بهذه الصورة , فقد تعدى على حق مِن حقوق مَنْ جاء قبله
    , و هذا الفعل يوجب لصاحبه الكسل , و التأخر عن الحضور للصلاة مبكراً ,
    لأنّه يعلم أنّ له مكاناً في الصف الأول , مع ما يقع فيه مِن الإثم مِن
    تخطي رقاب الناس و إيذائهم بالمـرور مِن أمـامـهم ليـقطع عليهم صـلاتهم ,
    مـما يُحـدث الشـحناء و الـغضـاء و العـداوة و الخصـومة بين المصـلين في
    بيوت الله , قال – صلى الله عليه و سلم - :" لو يعلم المار بين يدي المصلي
    ماذا عليه , لكان له أن يقف أربعين خيراً له مِن أنْ يمر بين يديه "


    ( متفق عليه )




    قال أبو النضر – أحد رواة الحديث - : لا أدري أقال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة "


    و قال – صلى الله عليه و سلم - :" إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة و ليدنُ
    منها و لا يَدَعْ أحداً يمر بين يديه , فإن جاء أحد يمر فليقاتله فإنه
    شيطان "


    ( متفق عليه )




    قال الإمام القرطبي – رحمه الله - :" أي يزيد في دفعه الثاني أشدُّ من
    الأول , و قال : وأجمعوا على أنه لا يلزمه أنْ يقاتله بالسلاح" (فتح
    الباري1 / 583 )


    و مِن العجب أنّ أكثر مَنْ يقومون بهذا الفعل مِن حجز الأماكن , هم أناس
    لهم رغبة في الخير , و لا يعلمون أنّ الرغبة في الخير لا تتحقق بهذا ,
    لنهيه – صلى الله عليه و سلم عن هذا الفعل , لحديث عبد الرحمن بن شبل قال
    :" نهى رسول الله – صـلى الله عليـه و سلم – عن نقرة الغراب و افتراش
    السبع و أن يوطِن الرجل المكان في المسجد كما يوطِن البعير " (رواه أبو
    داود و الحديث حسن )


    قال ابن الأثير – رحمه الله - : "معناه أن يألف الرجل مكاناً معلوماً من
    المسجد , مخصوصاً به , يصلي فيه كالبعير , لا يأوي مِن عطن إلا إلى مبرك
    دمث قد أوطنه و اتخذه مناطاً "


    ( النهاية 5 / 204 , مادة وطن )




    و أحق الناس في الصلاة في الصف الأول هم أولوا الأحلام و النهى مِن
    العلماء و الحفظة لكتـاب الله , لـقـوله – صلى الله عليـه و سلم - :"
    ليلني منكم أولوا الأحلام و النُهى , ثم الذين يلونهم و لا تختـلفوا
    فتختـلف قلوبـكم و إياكم و هيشات الأسواق " ( رواه مسلم )


    قال ابن الأثير – رحمه الله - :" هيش , يريد القتيل يُقتل في الفتنة لا يدري مَنْ قتله "


    ( النهاية 5 / 287 مادة هيَشَ )




    و قال الإمام النووي – رحمه الله - :" في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل
    إلى الإمام , لأنـه أولـى بالإكـرام , و لأنه ربما احتاج الإمام إلى
    استخلاف فيكون هو أولى , و لأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا
    يتفطن له غيره ..." ( شرح النووي 4 / 155 )


    و عن قيس بن عباد – رحمه الله – قال :" بينما أنا بالمدينة في المسجد في
    الصف المقدّم قائماً أصلي , فجذبني رجل مِن خلفي جذبةً , فنحّاني و قام
    مقامي , و قال : فوالله ما عقلتُ صلاتي , فلما انصرف , فإذا هو أبيُّ بن
    كعب , فقال: يا فتى لا يسؤك الله , إنّ هذا عهد مِن النبي – صلى الله عليه
    و سلم – إلينا أنْ نليه , ثم استقبل القبلة , فقال : هلك أهل العقدة , و
    رب الكعبة ثلاثـاً , ثم قـال : و الله ما عليهم آسـى , و لكن آسـى عـن
    مَنْ ضلـوا , و قال : قلت : مَنْ تعني بهذا ؟ قال : الأمراء "


    ( رواه ابن خزيمة و إسناده حسن )




    فعلى العوام و الجهلة مِن المصلين أنْ يتركوا الصلاة خلف الإمام في الصف
    الأول لأولي الأحلام و النهى , حـتـى لا يوقعوا أنفسهم في الحـرج .


    قال العلاّمة محمد جمال القاسمي – رحمه الله -:" في أغلب المساجد الكبيرة
    جماعة يلازمون منها ما وراء الإمام قبالة المحراب , فيأتون المسجد قبل
    الصلاة و يأخذون مصافهم و أمكنتهم المعينة لأنّ كل واحد منهم له مكان مِن
    تلك البقعة معيّن لا يحيد عنه غالباً , فقد يتفق أن يأتي مِن الناس مَن
    يظن وجود فرجة هناك أو يأمل أن يُفسح له , فإن كان الآتي مِن ذوي الوجاهة
    في علم أو منصب , اغتُفر له , و إن كان من طبقة غيرها , فمنهم مَنْ يلصق
    في مكانه و لا يتفسح , و إن كان المكان قابلاً للتفسح , و منهم مَنْ إذا
    أحس بقدومه يتربع ليأخذ قدر الفراغ المظنون و يضيق عليه , فإذا أُقيمت
    الصلاة و دخل أحد , فإذا كان المكان فيه اتساع بعد الإقامة تسامحوا في
    هجومه , و إن لم يكن فيه اتساع كافٍ , إلا أنّه يمكن لهم أن يتفسحوا ,
    فهناك لا تسل عن غرائبهم ,فمنهم مـََنْ يتـرك مـكانـه و يذهب للصف الثاني
    حرداً و قد مُليء غيظاً و غضباً , و منهم مَنْ يشير له بالرجوع و يـقـول
    مـا ثـم مكان , و منهم مَنْ يلغـط و يتأفف و يحوقل و يخاصم همساً و قد
    يكمل لغطه بعد الصلاة إذ يكون قدّر في نفسه و هو في الصلاة ما يقرِّعه به
    و يوبخه على فعله , و قد يتفق أن يأتي أحد يلازم معهم جديداً فقد يسبق
    أحدهم إلى مـكانـه و يجلس فيه , فإذا قدم هذا الملازم القديم و رأى مكانه
    أُُخِذ فتراه يحرد إلى آخر الصف و يلحظ مكانه بطرف خفي متأسفاً و متغيظاً
    على هذا الذي اغتصب مكانه و قد لا يسعه الصبر فتراه يجاهر و يقول له : يا
    أخي لسنا أولاد البارحة و اليوم في هذا الجامع , نحن من أربعين سنة نصلي
    في هذا المكان , فأين الذوق؟ " فتأمل ما يأتي به هؤلاء الجهلة ,و تأمل
    عبادتهم المحشوة رياءً و عُجْباً و كِبراً , و هل مثل هؤلاء للخشية في
    قلوبهم أثر أو لثمرة الصلاة فيهم وجود ؟ كلا , فما أحوجنا إلى مُربٍّ و
    مؤدبٍ و المستعان بالله "


    ( اصلاح المساجد ص 241 )




    فالمؤمن الحريص على دينه إذا علم أنَّ فعله هذا مخالف لشرع الله , و ما
    فيه مِن المفاسد و المضار , فإنّه لا يُقْدِم عليه و لا يفعله , و يستغفر
    الله مما صدر منه , و يعزم على أنْ لا يعود إليه مرة أخرى.


    و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين




    كتبه






    سمير المبحوح






    2 / ربيع الآخر / 1431 هـ

      الوقت/التاريخ الآن هو 06.05.24 17:32