من هو عباس محمود العقاد ؟
( التحذير من كتابات العقاد أستاذ سيد قطب - عفا الله تعالى عنهما .)
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
من هو عباس العقَّاد ؟ ترجمة فكرية
بقلم / محمد جلال القصاص
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه ، وبعد :ـ
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن أحبه واتبع هديه ، وبعد :ـ
ما نزلتُ وادياً إلا وجدتُ عباسَ العقَّادِ يحدث الناس بمنكرٍ من القول وزورا ، وكل أولئك المدافعين عن عباس العقَّاد لا يعلمون شيئاً عن حاله إلا ما يشاع عن حسنِ بيانه ، ومع ذلك يدافعون بل ويتعصبون !
ويوماً كتبتُ مقالاً عن ( المنفوخين المستعملين ) .. عن المنافقين والسمَّاعين لهم .. عن حمير الكفار ودوابهم .. وذكرت عباسَ العقاد منهم ، فتجمع حولي نفرٌ ممن أعزهم .. تدور أعينهم .. وتتزاحم الكلمات على شفاههم وتندفع بعضها حارةً قويةً : ما شأنك والعقاد ؟! كان برّاً تقيّاً ولم يكن جباراً شقياً !!
فقلت : أُوَّه .. ( لو كان غيرك يا أبا عبيده ) ، أما والله أخذوكم بسحرهم حتى خيل إليكم أن العصى حيَّة , أمهلوني ولا تعجلوني ، وعلى صفحات ( النت ) انتظروني .. أستعين بربي وأجدد النية.. ثم تكون جولة أرجع بها العقاد عن حمى الدين ، وأُظهر حقيقته حتى ينتهي تلبيس الفاسقين وغفلة الطيبين .ليست مطاولةً .. وليست مغالبةً ، وليست محاولةً لاستصدار حكمٍ على عباس العقَّاد فالرجل قد أفضى إلى ربه بما قدَّمَ ،وأسأل الله العظيم أن يرحمنا برحمته ، وليست محاولةً لنبش القبور وإخراج الموتى ومحاسبتهم ، ولا هي استئسادٌ على من مات .. أنْ قد مات وما عاد يستطيع الجواب .. أبداً ليست إحدى هؤلاء .
نتعاطى عباس العقَّاد من الناحية الفكرية ، وأفكارِ العقَّادِ لا زالت حيَّةً تسير بيننا ، يُجَمِّلُها نفرٌ من ( قومنا ) [1]، ويرحب بها عديد من أبنائنا ، ووجب علينا التصدي لها ، والوقوف بوجهها ، حتى لا يفتن الناس بها ، ولا يعنينا كان صاحبها حياً أم كان ميتاً ، فلكل قومٍ وريث . ولا بد أن تجد من يدافع عنه ، وربما بما لا يستطيع هو الدفاع به لو كان حياً .
ترجمتهُ
الترجمة للأشخاص والدول هي كتابة للتاريخ ، والتاريخ ـ الترجمات للأشخاص والدول ـ يُسَجَّلُ برصد الأحداث دون دوافعها الفكرية ( العقدية ) ، وقد تسبب رصد الأحداث دون دوافعها الفكرية ( العقدية ) ، أو تدوين الأحداث دون خلفياتها الفكرية ( العقدية ) إلى تعقيد التاريخ وتعدد تفسيراته ، وصلاحيته للاستشهاد من كل ذي فكر منحرفٍ ، وإننا في حاجة إلى تدوين التاريخ الفكري .. في حاجة إلى رصد الأفكار : كيف تنشأ ؟ وكيف تتحرك ؟ وكيف تنتقل ؟
في حاجة إلى تركيب الأحداث على الأفكار ، كما هو السياق الحقيقي لما يحدث على مستوى الفرد والجماعة .
وهم ـ كتَّاب التاريخ ـ حين يتكلمون عن حدثٍ معين فإنهم يُقدِّمون ما يعرف بالأسباب لهذا الحدث ، كأسباب غزوة بدر الكبرى ، وأسباب غزوة أحد ، وأسباب حروب الردة ؛ يقولون : خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لاعتراض عيرٍ لقريش قادمة من الشام ، وأرسل أبو سفيان يستنفر قريشاً ، فكان المسلمون بين العير والنفير ... ، ويقولون : خرجت قريش تثأر لقتلاها يوم بدر حتى جاءت أحداً بقضها وقضيضها يجعجع فرسانهم وتضرب بالدف نسائهم وينادي بالثارات جميعهم ، وخرج لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن شاور أصحابه ... ، ويقولون : منعت العرب الزكاة ، وظهر الأدعياء فارتدت العرب ووجب قتالها ...
وهي أحداث لا أسباب .!
الحركة الفكرية تسبق التغيرات الحركية وتضبطها .. تحدث معركة في الضمير ثم يكون الظاهر لما يستقر منها في النفس ، تسبق الأحداث في كل شيء . وها أنذا أقدم ترجمة فكرية لعبَّاس العقاد ، آملاً في أن تكون بداية موفقة وخطوة على طريق إعادة كتابة التاريخ المعاصر على الأقل بخلفياته الحقيقة إذ كله عراك بين الكفر والإيمان .[2]
ولد عباس العقاد( 1889م ـ 1964م ) في إحدى القرى بأقصى جنوب مصر ( مدينة أسوان ) حيث كان يعمل أبوه[3] ، ورحل العقَّاد إلى القاهرة وعددٍ من مدنِ شمالِ مصر طلباً للرزق، وضاقت به أسبابَ الرزقِ مراراً ، واضطرته أحياناً لبيع كتبه ، أو العودةِ لأهله في أقصى الصعيد .
كان عباس العقَّاد صاحب إمكانات شخصية كثيرة ، يبرز منها حدِّةُ الطبع ، ومضاءُ العزيمة . كان معتزاً بنفسه ، يعلم منها القدرة على ما لا يستطيعه كثيرٌ من أقرانه ، وكان لا يطيق أن يقفَ أحد على رأسه ، أو أن ينتقص أحد من قدره ، توَّاقاً للريادة ، ولذا كثرت خصوماته ، ومشاكساته للرواد في عصره . فصار مضطرباً قلقاً ، مرةً ذات اليمين ومرةً ذات الشمال .. مرةً مع هؤلاء ومرة مع أعدائهم !!، والثابت عنده ـ كما يبدو لي بوضوح ـ أنْ يبقى منفرداً في رأيه ، أو أن يبقى وحيداً مرتفعاً في مكانه ، رائداً لإخوانه ، هذا هو مفتاح شخصيته الذي يفسر لنا أعماله ومواقفه !
التقى أميرَ الشعراءِ أحمد شوقي وهو صبي صغير بالكاد تجاوز العشرين من عمره ، فنشب الخلاف بينهما على صورةٍ معلقةٍ بالجدار ، ومِن يومها راح يطاولُ ويناطحُ أميرَ الشعراء أحمد شوقي !! ، فجمَّع حوله فتيان صغيران .. عبد الرحمن شكري ( 1886م ـ 1958م) وإبراهيم المازني ( 1890م ـ 1957م) وحملوا بضاعة الغرب في النقد ( الرومانسية الثائرة على الكلاسيكية ) وجلسوا بها في طريق أحمد شوقي ومَن على دربه ، يقولون مدرسة جديدة في النقد (4)
وأجمع العارفون بالشعر على إمارة أحمد شوقي واجتمعوا حوله وتوجوه بالإمارة على الشعراء ، إلا العقّاد ، خالف إجماعهم ـ وهو بعد شابٌ صغيرٌ ـ ووقف قريباً من جمعهم يرمي صغيرهم وكبيرهم .
وحضر مصطفى صادق الرافعي وهو يتكلم عن الإعجاز البياني للقرآن الكريم ، فتطاول عليه حتى استعداه ، ولكن الرافعي عدا على العقاد فتركه ( مُسفَّداً )(5)
ولم يسلم منه زكي مبارك ، ولا مصطفى فهمي ، ولا طه حسين . ولا ذي شأنٍ برز بجواره وهو حي . ولذات السبب طالت صحبته بالمازني ، وأثنى عليه مراراً ، ذلك أن المازني كان يسارع إلى انتقاص نفسه قبل أن ينتقصه الآخرون ، ولم يكن يطاول العقَّاد ولا يطاعنه بقلمه ، بل كان يسير بجواره كالصفر كما يقول هو (6)
وأنكرت الأمةُ كلُّها ما كتبه طه حسين في كتابه ( في الشعر الجاهلي )حين صدر عام 1928م ، ووقف العقَّاد بجوار طه حسين ينصره ويؤيده !! . يقول حرٌّ وحرية .. يكتب ما يشاء .!!
ـ ويعلم العقَّاد أننا ننكر على المنجمين إدعائهم علم الغيب ، ولا نسمع لهم ، ومع ذلك يستحضر قولهم شاهداً على تحديد العام الذي ولد فيه المسيح ـ عليه السلام ـ ، علماً بأنه يعترف بأن هذه العلامات المزعومة لم تسجل إلا بعد رفع المسيح ـ عليه السلام ـ بجيلين في أقرب تقدير ، وأن هذه العلامات ظهر معها بالفعل ( مسيح كذاب آمن به الرباني عقيبة ... وسماه ابن الكوكب )(7)
وفي ذات الوقت ينكر ما نقله أهل السير من شواهد كونية على ميلاد خير البشرية محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ويقول : ( قد ولد مع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرون ، فلو جاز للمحب أن ينسبها للرسول صلى الله عليه وسلم جاز للمكابر أن ينسب تلك العلامات لغيره )
وهذا عوج في التفكير ـ وهو عند العقاد في كل ما قدمه من أفكار ـ وضرب من ضروب ( الفزلكة )(8) في الحديث ، تجعل كل منصفٍ يقول أن العقَّاد مائل كل الميل ، لا يبغي غير المخالفة ، ولا يمتلك غير البيان يحسب أنه يكفي لتقبيح الحسن وتحسين القبيح ، أما نزاهة البحث ، وأما التحليل العلمي المنطقي فبعيد منه كل البعد .
كان العقَّاد مضطرباً كثير التنقل بين التوجهات الفكرية والسياسية ، ففي البداية كان ينكر الإعجاز البياني للقرآن الكريم (8) !!، وهذا هو السبب الرئيسي الذي بسببه نشب الخلاف بينه وبين الرافعي ـ رحمه الله ـ ، ثم بعد ذلك انتقل ( للدفاع ) عن الإسلام ـ زعموا ـ .!
وحيناً سالم التيارات الإسلامية ( الإخوان يومها ) وحيناً وثب عليهم يريد النيل منهم ، وحيناً بيّن الكادحين يدافع عنهم ويتكلم بلسانهم ، وحيناً صديقاً للجبابرة المجرمين من أمثال النقراشي ( باشا )، وحيناً مع حزب الوفد ، وحيناً مع الأحرار المعادي ، ثم إلى السعديين المنشق ،...
لا أجد مثالاً للعقَّاد في التاريخ إلا أبا الطيب المتنبي ، ثائرٌ يريد المجد سريعاً ، وكذا عباس العقَّاد كان ثائراً متمرداً مضطرباً قلقاً لا يكاد يثبت على حال ، دافع عن الفردية وتبنى ( العبقرية ) ، وهاجم ( الجماعية) الإسلامية ـ في ( العبقريات ) ـ وهاجم الجماعية المعاصرة له .. الفاشية في ( هتلر في الميزان ) .. والشيوعية في كتابه ( الشيوعية والإنسانية ) و ( أفيون الشعوب ) . لأنه كان يظن في نفسه تلك العبقرية ، وفي ثنايا الكلام وهو يصف العباقرة يشير بأوصاف يعلمه الجميع فيه .
كثرت خصوماته حتى توفى ـ غفر الله لنا وله ـ وليس حوله أحد ولا في جيبه ما يكفي لشراء علاجه ، لوا أن من الله عليه ببعض المحسنين .
ولم يكن العقاد يحترم خصومه فقد كان يسمع منه في حقهم بعض الأوصاف الرديئة مثل ( حمار ) ( قرد ) ( عبيط ) وما هو أشد من ذلك على رواية تلميذه أنيس منصور في كتابه ( في صالون العقَّاد ) .