خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.10.08 8:43

    كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )
    كتاب الغزالي (الإحياء) في الميزان




    ... أبو حامد الغزالي توفي سنة 505هجرية رحمه الله كان واسع الصيت، عظيم السمعة، لم يأت أحد من بعده إلا عرفه، أو سمع عنه، أو قرأ له.

    صنف فأكثر، وكتب فحبر، وكان له من الوعظ والتدريس الحظ الأوفر...

    ولن أقدم ههنا بترجمة هذا العلم - كما جرت العادة بذلك - فشهرته تغني عن ذلك، وقد حفلت كتب التراجم والطبقات والتأريخ والحوادث ببسط سيرته، فمن طلبها فعليه بها.

    إلا أنني أحب أن أشير إلى أن ثم غلواً وقع فيه بعض من ترجم له، وتجاوزاً للحد ينبغي أن تصان تراجم العلماء عنه! فمن ذلك :

    ما قاله الإسنائي الشافعي:
    "وهو قطب الوجود، والبركة الشاملة لكل موجود! وروح خلاصة أهل الإيمان، والطريق الموصلة إلى رضا الرحمن! يتقرب به إلى الله كل صديق، ولا يبغضه إلا ملحد أو زنديق"(1). ونقله عنه جماعة من مترجمي الشافعية! وكان الظن بهم التثريب عليه، وأقله تجاهله واطّراحه، ولكن يغلب على ظني أن لهم أغراضاً، لعل أبرزها الدفع بالصدر لكل من يحاول نقد أبي حامد الغزالي رحمه الله، والله المستعان.

    لكنني في هذا المقام أحاول أن أقف مع كتابه الشهير: (إحياء علوم الدين) وأسلط الضوء على ما فيه، مستعرضاً كلام الأئمة حوله، ومستبيناً حاله عندهم، راجياً من الله عز وجل ثواب النصح للأمة.

    لماذا الإحياء؟!


    قد يتساءل المرء عن سبب اختيار كتاب: (إحياء علوم الدين) للحديث عنه من بين سائر كتبه..

    فالجواب:
    أن كتاب الإحياء قد حاز من الشهرة والانتشار ما لا يقاربه أي كتاب من كتبه الأخرى، ولأجل ذلك ترى نسخه المخطوطة مبثوثة في مكتبات العالم حتى ليكاد الباحث يجزم أن فهارس المخطوطات للخزائن العامة والخاصة لا تخلو من نسخة منه، وهذا لا نظير له في كتبه الأخرى..
    ثم إن كتاب الإحياء قد دارت حوله قضايا ووقائع على مستوى العالم الإسلامي كما سيأتي ذكر شيء من ذلك إن شاء الله..

    ولقد استوقفتني تلك الهالة الإعلامية الضخمة التي تروج للإحياء، خاصة من قبل المتصوفة إذ:

    منهم من حفظه عن ظهر قلب!
    ومنهم من قرأه خمساً وعشرين مرة.
    ومنهم من نسخه أربعين مرة.


    ومن عباراتهم السيارة:

    "من لم يقرأ الإحياء فهو بلا حياء"!!

    و
    قالوا: " فضائل الإحياء لا تحصى ".

    و
    غلا بعضهم - عياذاً بالله - فقال : " كاد الإحياء أن يكون قرآنا"!!!

    و
    قالوا: "إنه أجل كتب الإسلام في معرفة الحلال والحرام، جمع فيه من بين ظواهر الأحكام، ونزع إلى سرائر دقت عن الأفهام"..

    و
    أسمع إلى الشيخ أبي محمد الكازروني إذ يقول: " لو محيت كل العلوم لاستخرجت من الإحياء"!

    و
    طلب جماعة من ابن برهان الأصولي - أحمد بن علي بن محمد (518ه) - أن يشرح لهم الإحياء، فاعتذر بضيق الوقت، فذكروا له وقتاً في منتصف الليل فوافق!!(2).

    و
    ألف عبدالقادر العيدروس (1038ه) كتاباً سماه: (تعريف الأحياء بفضائل الإحياء) غلا في مدحه إلى حد الشطط..

    فهذا المديح والإطناب - وأمثاله كثير تركته خشية الإطالة - يسترعي انتباه القارئ، خاصة أن كتب السنة لم تحظ بمثله من قبل هؤلاء.


    شخصية أبي حامد الغزالي العلمية والسلوكية :
    ================


    غالب من ألّف إنما استجمع همته، وحمل نفسه على التأليف لهم كان يراوده، ويداعب أفكاره، فيبعث ذلك كله في مزبور يحوي ما أراد نفثه من ذلك اللهم.

    وهذا الهاجس الذي يستحوذ على فكر المرء إنما هو نتاج خلفيات تراكمت عبر زمن الطلب والتحصيل، فمعرفة مكتسبات الإنسان وتحصيله العلمي والسلوكي له بصمته الواضحة على كتبه ومؤلفاته.

    ومن المعلوم أن الغزالي - وغيره من أرباب المتكلمين - قد مر في حياته العلمية بتقلبات، وفي رياضته السلوكية بأطوار، الأمر الذي بدا أثره واضحاً في تلون كتاباته، وتفاوت مؤلفاته(3).

    وقد ذكر عن نفسه - في كتابه (المنقذ من الضلال) - أنه كان في حيرة من أمره وعقيدته، وأنه تنقل من الشك في المحسوسات إلى الشك في العقليات، ثم استقرت قدمه على أن إدراك الحق لا يعدو أربع طوائف: المتكلمين، والباطنية، والفلاسفة، والصوفية!!

    وذكر عن نفسه أنه غاص في بحار الفئات الأربع حتى سبر علومها، وأطلع على مكنونها، وتضلع منها إلى الغاية، ثم أخذ يبهرج الزائف ويزيل المتهالك، حتى خلص له طريق (التصوف)..!

    وحتى هذه الطريق التي سلكها، ونافح عنها، وألف في رسومها لم يجد بغيته فيها آخر حياته، فمال إلى طريقة أهل الحديث كما هو معروف، ومات وصحيح البخاري على صدره - يرحمه الله - .

    ولأجل هذا التأرجح بين طرائق المتشرعين وجد العلماء في كتب الغزالي ما لايجوز اعتقاده، ولا يحل السكوت عنه، فتكلموا فيه وفي كتبه وحذروا منها، وانتشر هذا بين الناس؛ بَلْهَ العلماء، ومنهم بعض تلامذته ومعاصريه، "واشتد نكير علماء الإسلام لهذا الكلام، وتكلموا في أبي حامد وأمثاله بكلام معروف، كما تكلم فيه أصحاب أبي المعالي ك: أبي الحسن المرغيناني، وأبو الحسن بن سكر، وأبو عمرو بن الصلاح، وأبو زكريا..

    وكما تكلم فيه أبو بكر الطرطوشي، وأبو عبدالله المازري، وابن حمدين القرطبي - وصنف في ذلك - وأبو بكر بن العربي تلميذه حتى قال :
    "شيخنا أبو حامد دخل في بطن الفلاسفة، ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر".

    وتكلم فيه أبو الوفاء بن عقيل، وأبو الفرج بن الجوزي، وأبو محمد المقدسي وغيرهم.

    وكما تكلم فيه الكردري وغيره من أصحاب أبي حنيفة.

    ومن أعظم ما تكلم أئمة المحققين لأجله ما وافق فيه الصابئة المتفلسفين، مع أنه بعد ذلك قد رد على الفلاسفة، وبين تهافتهم وكفرهم، وبين أن طريقتهم لا توصل إلى الحق، بل ورد - أيضاً - على المتكلمين، ورجح طريق الرياضة والتصوف، ثم لما لم يحصل له مطلوبه من هذه الطرق بقي من أهل الوقف، ومال إلى طريقة أهل الحديث، فمات وهو يشتغل بالبخاري ومسلم(4).

    وكانت لأبي حامد الغزالي - رحمه الله - اليد الطولى في إدراج المنطق بعلوم المسلمين، وبقيت فيه عُلُقَه من علوم الأوائل لم يستطع أن يبرأ منها، بل ظلت مؤثرة عليه، وموجهة له، حتى أنها كانت تسوس تصوفه في آخر أطواره.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية (728ه) رحمه الله:
    "وما زال نظَّار المسلمين يصنفون في الرد عليهم - أي الفلاسفة - في المنطق، ويبينون خطاهم، ولم يكن أحد من نظار المسلمين يلتفت إلى طريقهم، بل الأشعرية، والمعتزلة، والكرامية، والشيعة، وسائر الطوائف من أهل النظر كانوا يعيبونها، ويبينون فسادها، وأول من خلط منطقهم بأصول المسلمين: أبو حامدالغزالي، وتكلم فيه العلماء بما يطول ذكره"(5).

    ومع أن الغزالي قال بوجوب تكفير المتفلسفة الإسلاميين ك: ابن سينا، والفارابي، وأمثالهما(6)، إلا أنه هو نفسه رضع من كلام ابن سينا حتى قيل: "أمرضه الشفاء".

    وأمر تأثره بالفلاسفة، وديمومة ذلك معه أمرٌ لا ينكره إلا مكابر، وقد أثبته له جماعات من العلماء، منهم: الطرطوشي، والمازري، وابن العربي، وابن الجوزي، وابن الصلاح، وشيخ الإسلام، والذهبي، وابن كثير... وغيرهم خلائق.

    قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وكلامه برزخ بين المسلمين وبين الفلاسفة، ففيه فلسفةٌ مشوبةٌ بإسلامٍ، وإسلامٌ مشوبٌ بفلسفةٍ، وكان يعظم الزهد جداً، ويعتني به أعظم من اعتنائه بالتوحيد الذي جاءت به الرسل، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه، ولقد ذاكرني مرةً شيخٌ جليلٌ له معرفة وسلوك وعلم في هذا، فقال: كلام أبي حامد يشوقك، فتسير خلفه منزلاً بعد منزل، فإذا هو ينتهي إلى لا شيء..

    والذين سلكوا خلف أبي حامد أو ضاهوه في السلوك كأبن سبعين وابن عربي، صرحوا بحقيقة ما وصلوا إليه، وهو أن الوجود واحد، وعلموا أن أبا حامد لا يوافقهم على هذا، فاستضعفوه ونسبوه إلى أنه مقيدٌ بالشرع والعقل.

    وأبو حامد بين علماء المسلمين وبين علماء الفلاسفة.. علماء المسلمين يذمونه على ما شارك فيه الفلاسفة مما يخالف دين الإسلام، والفلاسفة يعيبونه على ما بقي معه من الإسلام، وعلى كونه لم ينسلخ منه بالكلية إلى قول الفلاسفة.

    ولهذا كان الحفيد ابن رشد ينشد فيه:

    يوماً يمانٍ إذا ما جئت ذا يمن *** وإن لقيت معدياًّ فعدناني!


    وأبو نصر القشيري وغيره ذموه على الفسلفة، وأنشدوا فيه أبياتاً معروفة يقولون فيها:

    برئنا إلى الله من معشر *** بهم مرض من كتاب(الشفا)
    وكم قلت: يا قوم أنتم على *** شفا حفرة مالها من شفا
    فلما استهانوا بتعريفنا *** رجعنا إلى الله حتى كفا
    فماتوا على دين رسطالس *** وعشنا على سنة المصطفى(7)

    وشغفه بكتاب (الشفا) دخل عليه من سلوكه طريق الفلاسفة لما أراد اختباره وتمحيصه كما ذكر هو عن نفسه، وقل مثل ذلك في (رسائل إخوان الصفا) وهو من كتب الباطنية، وخوض مفاوز السوء مع قلة بصر بالآثار وضعف إدراك بالمعايب مخاطرة لا تؤمن عاقبتها، والله الهادي.

    قال الذهبي (748ه) رحمه الله: "قد ألف الرجل في ذم الفلاسفة كتاب التهافت، وكشف عوارهم، ووافقهم في مواضع ظناً منه أن ذلك حق، أو موافق للملة، ولم يكن له علم بالآثار، ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل، وحبب إليه إدمان النظر إلى كتاب (رسائل إخوان الصفا) وهو داء عضال، وجرب مرد، وسم قتال، ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء، وخيار المخلصين، لتلف"(8).
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.10.08 8:49


    وأبو حامد الغزالي - رحمه الله - وإن كان إماماً في الفقه، والأصول، والمنطق، والجدل، إلا أنه ليس بذاك الحذق في ثلاثة علوم هي:

    أولاً: علم الاعتقاد:

    فإنه لم يكن ذا باع طويل فيه، ولا صاحب تحقيق حتى قال عنه أبو الحسن المنتصر المالكي..
    "الغزالي إمام في الفقه، متوسط في أصول الفقه، ضعيف في الاعتقادات"(9).

    وأما سبب ضعفه في هذا العلم فنترك الحديث عنه للإمام المازري أبي عبدالله محمد بن علي التميمي الصقلي (536ه) حيث قال:
    "وأما أصول الدين فقد صنف فيه أيضاً، وليس بالمستبحر فيه، ولقد فطنت لسبب عدم استبحاره، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة قبل استبحاره في فن الأصول فأكسبته قراءة الفلسفة جرأة على المعاني، وتسهلاً للهجوم على الحقائق..

    وعرَّفني بعض أصحابه أنه كان له عكوف على (رسائل إخوان الصفا) ثم كان في هذا الزمان المتأخر رجل من الفلاسفة يعرف بابن سينا، قد أداه قوته في الفلسفة إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى الفلسفة، ووجدت الغزالي يعول عليه في أكثر ما يشير إليه من علوم الفلسفة"(10).

    ثانياً: علم الحديث:

    فإنه كان مزجي البضاعة فيه، بل لا بصر له به ألبته، لأنه لم يطلبه، ولم يكن في شيوخه من عرف به، شهد هو بنفسه على ذلك، وحتى الغلاة من محبيه.

    وقد عقد ابن السبكي فصلاً جمع فيه كل الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً وذكرها الغزالي في الإحياء، فبلغت 943 حديثاً!(11) هذه لم يجد لها إسناداً، أما الضعيف والواهي فلم يتعرض له، وهذه - أيضاً - في كتاب الإحياء فقط دون سائر كتبه!!

    ثالثاً: علم النحو:

    فقد كان الخلل يقع في كلامه من جهة النحو، وذكره هو عن نفسه، وأنه ما مارسه، ثم أذن لكل من وجد مثل هذا الخلل في كتبه أن يصلحه كما نقله عنه الشيخ أبو الحسن عبدالغافر بن اسماعيل الفارسي في (السياق لتاريخ نيسابور)(12).

    لكن هذا لا يضيره إذا لم يكن طريق الاستنباط مبنياً على النحو، فإن جماعة من الأكابر اشتهر عنهم اللحن في كلامهم مع الإقرار بإمامتهم في علومهم.

    والحق أن الغزالي لا مطعن عليه في كتابه الإحياء من جهة اللحن، لأن عبارته فيه ظاهر عليها قوة الحبك، وجودة السبك، كأفصح ما يقول الناس، وأبين ما حوى قرطاس.

    وهذه القوة في حسن الصياغة، وجودة البيان، تجعلنا نمتنع من التكلف لحمل ألفاظه على غير ظاهرها المتبادر إلى فهومنا، لأن أبا حامد لم يكن عيياً حتى تعجزه الكلمة أو تند عنه اللفظة المناسبة، فتملق ذلك خروج عن مقصود الغزالي نفسه..

    والمتعصبون لأبي حامد لم ينكروا أن في كتبه عبارات شنيعة، وأمور منكرة لا يجوز لعاقل التفوه بها فضلاً عن اعتقاد صحتها أو العمل بها، لكنهم وقفوا من ذلك موقفين:

    الموقف الأول:
    موقف طائفة أنكرت نسبة هذه الكتب إليه، ودفعتها عن جنابه بالمرة، وبرأت ساحته مما فيها، وزعمت أنها منحولة عليه.

    وخذ مثلاً على ذلك ما قيل في كتابه (بداية الهداية) أو (المضنون به على غير أهله) ونحو ذلك.

    والموقف الثاني:
    موقف طائفة أخرى تمحلت صروف التأويل، وضروب التخريج لحمل كلامه على محمل حسن يليق بما اعتقدوه فيه من تعظيمه وتبجيله.

    خذ مثلاً على ذلك ما فعله زكريا الانصاري (926ه) دفاعاً عن أبي حامد في عبارته المشهورة "ليس في الإمكان أبدع مما كان"! وهي من العبارات التي كفره العلماء لأجلها، حتى حمله تعصبه وغلوه في أبي حامد إلى تكفير من لم يعتقد معتقده!!(13).

    وتابعه على هذا المنوال ابن حجر الهيتمي المكي (974ه)(14).

    إذن أبو حامد الغزالي جمع علوماً متنافرة من جهة، وقصَّر في علوم أهم منها من جهة أخرى، وهذه العلوم المكتسبة كونت عنده خليطاً غير متجانس من المعرفة، مما أدى به إلى الحيرة.

    ثم - أيضاً - ظهر هذا الطابع العلمي المكتسب على مؤلفاته ظهوراً بيناً، وما حصله في سني عمره لم يقصيه كله، ولم يقبله كله، بل أخذ من هنا وهناك، ولفق بين علومه وتجاربه، وحاول التقريب بينها بما لا طائل تحته، وفي حال بعد عن الهدي النبوي المأثور.

    زد على ذلك أن الغزالي كان يعرض العلوم المعرفية على (الكشف) الصوفي، فهو المحك المجرب لتمييز الصواب من الخطأ، ولهذا هو يحتفي به جداً في الإحياء، وغالباً ما يهاجم معترضيه بقصورهم عن بلوغ مرتبة (الكشف) فلهذا لم يفهموا كلامه.

    فما سبق بيانه إنما كان توطئة للوقوف على الجانب العلمي المعرفي عند أبي حامد الغزالي، وأهم منه هو الوقوف على الجانب السلوكي الصوفي الذي اختاره لنفسه، ورشحه طريقاً للنجاة، وحاكماً - بعد كل ذلك - على كل شيء.

    المرحلة السلوكية (طور الرياضة والتصوف):
    لم يكن أبو حامد الغزالي متطفلاً على (التصوف)، بل له به عهد قديم، فإن أول من غرس بذرته في نفسه ذاك المربي الصوفي الفقير الذي تولى رعايته يتيماً بعد موت والده، فقد كان صديق والده، فعهد به وبأخيه أحمد إليه ليتولى تربيتهما.

    ثم تنقلت به الأيام في (الخانقاهات) و (الزوايا) حتى أصبح قادراً على ترويض نفسه، واكتساب ما يريده من تصوفه بالرياضة والممارسة.

    سلك أبو حامد في سبيل تحصيل كمالات نفسه وإشراقها سبيلاً قفراً أمعن في وصفه ابن السبكي - وهو له في الأشاعرة والمتصوفة هيام طائر جعله يستبد على مخالفيهم - فقال: "واستمر يجول في البلدان، ويزور المشاهد، ويطوف على الترب والمساجد، وياوي القفار، ويروض نفسه فيكلفها مشاق العبادات"(15).

    وكذا قال رفيق دربه، وزميله في التتلمذ على إمام الحرمين الجويني، الشيخ عبدالغافر الفارسي لما ترجم له بترجمة حافلة في (السياق لتاريخ نيسابور) فكان مما قاله: "ثم دخل دمشق، وأقام بها عشر سنين، يطوف المشاهد المعظمة"(16).

    ولن نبعد كثيراً، فأبو حامد الغزالي - يرحمه الله - حكى ذلك بالتفصيل فقال عن نفسه: "ثم إني لما فرغت من هذه العلوم - يقصد الفلسفة والباطن والكلام - أقبلت بهمتي على طريق الصوفية، فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل: (قوت القلوب) لأبي طالب المكي، وكتب الحارث المحاسبي، والمتفرقات المأثورة عن الجنيد، والشبلي، وأبي يزيد البسطامي، وغيرهم من المشايخ، حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية، وحصلت ما يمكن أن يحصل من طريقهم بالتعلم والسماع، فظهر لي أن أخص خواصهم مالا يمكن الوصول إليه بالتعليم، بل بالذوق، والحال، وتبدل الصفات"(17).

    وقال أيضاً: "ففارقت بغداد - في ذي القعدة سنة 488ه - ثم دخلت الشام، وأقمت بها قريباً من سنتين، لا شغل لي إلا العزلة، والخلوة، والرياضة، والمجاهدة، اشتغالاً بتزكية النفس كما كنت حصلته من علم الصوفية، فكنت أعتكف مدة في مسجد دمشق، أصعد منارة المسجد طول النهار، وأغلق بابها على نفسي.

    ثم رحلت إلى بيت المقدس، أدخل كل يوم الصخرة، وأغلق بابها على نفسي".

    ثم ذكر رحلته إلى الحج وعودته، وأنه استمر على هذه الحال عشر سنين، حتى قال: "وانكشف لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها!!"(18).
    وذكر ابن الجوزي (597ه) عنه أنه قال: "أخذت الطريقة من أبي علي الفارمذي"(19) بينما استظهر المازري الصقلي أنه عول في تصوفه على أبي حيان التوحيدي(20).

    و(التصوف) سلوك أممي معروف عند الروحانيين من أتباع الأديان، وله طرائق ورسوم متشعبة، وقد بلغ نهايته على يد فلاسفة اليونان الإشرافيين، وفلاسفة الهنود، ومن طريقهم دخل إلى العالم الإسلامي في أواسط القرن الثالث الهجري(21)، وصارت علوم الصوفية مشوبة بالفلسفات المتعددة فضلاً عن الطرائق المتكاثرة بكثرة الأنفاس.
    والذين تأثر بهم أبو حامد في التصوف قد سبقوه بالتأثر بفلاسفة المتصوفة من الأمم، بدءاً من الحارث المحاسبي الذي ألف في التصوف التواليف العجيبة ك (الرعاية)، وانتهاء بتجربته الخاصة التي سبق ذكر شيء منها.

    وهكذا كان أبو حامد "يميل إلى الفلسفة لكنه أظهرها في قالب التصوف والعبادات الإسلامية"(22)، "فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين وألبسه ثيابهم"(23).

    إذن في هذا الجو الصوفي ألف الغزالي كتابه (إحياء علوم الدين) بعد رجوعه إلى دمشق من رحلته الحجازية الشهيرة لأجل السياحة والعبادة سنة 490ه والتي حج بها، وظل عشر سنين في دمشق ملازماً لمنارة جامعه، وبهذا الموضع قامت (مدرسة الغزالية) نسبة إليه، وكانت تعرف من قبل بزاوية الشيخ نصر المقدسي (24).
    وقد ألف الغزالي كتاب الإحياء، ليكون منهاجاً لأرباب السلوك، وأصحاب الوظائف، وأهل الخدمة.

    وهذا يستدعي أن يكون الغزالي نفسه من أهل هذا الطريق، بل من خبرائه ونقاده، كي يتسنى له ضبط معارفه، وتحبير طرائقه وطرائفه، بما يركن إليه ولا مزيد عليه، وقد كان كذلك.


    التعريف بالإحياء ونقده:


    يعتبر كتاب (إحياء علوم الدين) خلاصة كتب التصوف، وعصارة أصحاب الطرق، فإنه أوسعها على الإطلاق.

    وكان الغزالي شديد الاعتداد به، ويحيل إليه كثيراً في كتبه الأخرى.


    ومادة الكتاب مستقاة من ثلاثة كتب، هي:
    1- (الرعاية) للحارث المحاسبي (243هـ).
    2- (قوت القلوب) لأبي طالب المكي (386هـ).
    3- (الرسالة) لأبي القاسم القشيري (465هـ).


    وقسم كتابه إلى أربعة أرباع، وهي:
    1- ربع العبادات.
    2- ربع العادات.
    3- ربع المهلكات.
    4- ربع المنجيات.


    وتحت كل ربع منها عشرة كتب علمية ووعظية.


    وأما منهجية تأليفه فيحدثنا عنها أبو الفرج الجوزي (597ه) رحمه الله فيقول: "وضعه على مذهب الصوفية، وترك فيه قانون الفقه... وإنما كان سبب إعراضه فيما وضعه عن مقتضى الفقه أنه محب للصوفية، فرأى حالتهم الغاية، ثم نظر في كتاب أبي طالب المكي، وكلام المتصوفة القدماء، فاجتذبه ذلك بمرَّة عما يوجبه الفقه"(25).


    وقال: أيضا: "ولقد عجبت من هذا الرجل كيف سلبه حب مذهب التصوف عن أصول الفقه ومذهب الشافعي، وليس العجب من تلبيس إبليس على الجهال فيهم، بل على الفقهاء الذين اختاروا بدع الصوفية على فقه أبي حنيفة، والشافعي، ومالك، وأحمد رضوان الله عليهم أجمعين"(26).


    ولا شك أن الغزالي - رحمه الله - قد أساء في مواطن كثيرة من كتابه، وأظهر عبارات ظاهرها الكفر المحض، ونقل من إشارات أهل الوحدة والاتحاد ما حمل باللائمة عليه، وجاء إحياؤه خليطاً من المواد الفاسدة: مواد فلسفية، ومواد كلامية، ومواد من ترهات الصوفية، ومواد من الأحاديث الموضوعة... في غيرها.


    وهذا التخليط دخل على أبي حامد من ثلاثة أبواب كبيرة، هي:(27)


    "الباب الأول:
    إقحامه في موارد الشرع ما ليس منه كرؤيا المنام، وعلم الباطن، والفراسة الكاذبة، والتحديث، وخواطر القلوب، والتلقي ربما عن الملائكة أو أرواح الأنبياء والأولياء، أو لقاء الخضر، أو غير ذلك.


    الباب الثاني:
    إرادته الجمع بين شتات ما نقل عن أهل المنطق والفلسفة والكلام، وبيان ما أقرته قواعد الإسلام، بل وقصر كثير من نصوصه نحو مرادهم وترتيباتهم.


    الباب الثالث:
    وثوقه بكل ما حكي عن مشائخ الطريق ونقل عنهم، بعد أن جعلهم في مرتبة واحدة، سواء منهم الصديِّق والزنديق!!.


    حتى علق في غوائل وحبائل، ما كان له أن يخرج منها بعد طول التكلف، وإظهار التعسف، هذا مع قلة معرفته بصحيح نصوص الشرع، وضعيفها، أو موضوعها"(28).


    ولأجل ذلك حمل العلماء على الإحياء، وأجهزوا عليه في تضاعيف كلامهم، وأفردوا ثلبه في تصانيف مفردة


    ومن ذلك :

    (الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء) للمازري محمد بن علي (536ه). أثنى عليه الذهبي وقال : يدل على تبحره وتحقيقه(29).


    (إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء) لأبي الفرج بن الجوزي (597ه) ذكر الذهبي أنه في مجلدات(30).


    (الضياء المتلالي في تعقب الإحياء للغزالي) لعز الدين بن المنير المالكي (683ه).


    (عقد اللآلي في الرد على أبي حامد الغزالي) ليحيى بن حمزة العلوي (749ه).


    (إحياء ميت الأحياء في الرد على كتاب الإحياء) لأبي الحسن بن سكر (616ه). قال عنه ابن كثير: "وقد زيف ابن سكر مواضع من (إحياء علوم الدين) وبين زيفها في مصنف مفيد"(31).


    "القول المبين في التحذير من كتاب (إحياء علوم الدين) لعبد اللطيف بن عبدالرحمن الحنبلي (1293ه).
    ومن تتبع كتب التراجم، ودوواين المؤلفات سيجد الكثير.


    وأما أهل المغرب والأندلس فقد كان لهم القدح المعلى في حربهم على الإحياء، حتى لقبه بعضهم ب: (إماتة علوم الدين)، واشتهر عن كبرائهم قولهم: "هذا إحياء علوم دينه، أما ديينا فإحياء علومه بكتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم".


    وأوردوا على كلامه إشكالات، وغلطوه فيه، وألزموه الكفر في بعضه، وتمالؤوا على إنكاره، ووجوب إحراقه، واجتمع الفقهاء في بلاد المغرب والأندلس لإستصدار أمر من أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بجمع نسخه وإحراقها فكان ذلك في أوائل سنة (503ه)، ثم منع من دخول البلاد، ورتب العقوبات الشديدة على ذلك(32).

    والسبب الذي حملهم على ذلك أنهم كانوا على السنة، وعلى طريقة الإمام مالك في الأصول والفروع، فلما وصلهم الإحياء قرأوا فيه آراء المتكلمين، وفلسفتهم عن الإلهيات والنبوات، من مذاهب الاشاعرة والماتريدية والمعتزلة، فرأوها تأويلاً مخرجاً لنصوص القرآن ونصوص الحديث عن معانيها، معطلاً لما جاء فيها(33).


    قال الأستاذ العلامة محمد المنتصر بالله الكتاني (1419ه) رحمه الله: "وعلي بن يوسف بن تاشفين إنما أحرق كتاب الغزالي، ومنع دخوله للمغرب، استجابة لمستشاري دولته، وكلهم من الفقهاء، وما كان يسعه غير ذلك في مجتمع كان سلفي العقيدة على مذهب مالك، يرى في مذاهب علماء الكلام بكل فرقهم: أشاعرة، وماتريدية، ومعتزلة... مذاهب أحدثت في دين الله ما لم يحدثه السلف الصالح، صحابة وتابعين وأئمة مجتهدين.


    وعلي بن يوسف بن تاشفين كان من صالحي ملوك المغرب، وصالحي ملوك المسلمين كان حليماً وقوراً، ومجاهداً فاتحاً، وإماماً عادلاً، جاء إلى الأندلس عام 503ه داعياً إلى الله، ومجاهداً في سبيله، ففتح المدن والحصون، وظفر بالفرنج في معارك كثيرة، وتولى إمارة المسلمين سنة 500ه، وتوفي سنة 537ه رحمه الله"(34).


    ========== الحواشي ===========
    1- نقله عنه معزواً إليه هداية الله في (طبقات الشافعية) 194-195، ونقله الإسنوي دون عزو في طبقاته (244/2)، أما ابن السبكي فصاغه صياغة قريبة منه بعد أن أخذ فحواه (طبقات الشافعية الكبرى) (199/6-200، 201)، وتبعه ابن جعفر الهيثمي المكي في (الإعلام بقواطع الإسلام) وانظر: (الجامع في ألفاظ الكفر) 168 .
    2- انظر: (طبقات الشافعية الكبرى) لابن السبكي (30/6-31).
    3- قال ابن رشد الحفيد عن أبي حامد: "لم يلزم مذهباً من المذاهب في كتبه، بل هو مع الأشاعرة أشعري، ومع الصوفية صوفي، ومع الفلاسفة فيلسوف". (فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال)(30)، وقال الذهبي: "للغزالي غلط كثير، وتناقض في تواليفه، ودخول في الفلسفة، وشكوك، ومن تأمل كتبه العقلية رأى العجائب". (تاريخ الإسلام) (128).
    4- (الصفدية) لشيخ الإسلام (216-219)، وانظر: (نقص المنطق)(56)، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن نكير الناس قد عظم على الغزالي لما في كلامه من جنس كلام الملاحدة، وقد عبر عنه بالعبارات الإسلامية، والإشارات الصوفية! (الصفدية)(234).
    5- مجموع الفتاوى (230/9-231).
    6- (المنقذ من الضلال)(47)، طبعة الدار التونسية.
    7- (النبوات) (382/1-392) بتصرف.
    8- السيرة (328/19). قوله (خيار المخلصين) تزكية تفتقر إلى تقييدها بالحسبان، وأما كونه من (كبار الأذكياء) فالذكاء وحده ليس مسوغاً لتقحم طرق أهل الضلال والزندقة، إذ ليس ذلك محلاً للتجربة، ثم فرط الذكاء قد يردي ولا يجدي، والمعصوم من عصمه الله.
    9- انظر: (المعيار المعرب) (184/12).
    10- انظر: (تاريخ الإسلام للذهبي) (120-121)، والسير (341/19)، (وطبقات الشافعية الكبرى) (241/6).
    11- (طبقات الشافعية الكبرى) (287/6-389).
    12- السير (19-326)، و (تاريخ الإسلام) للذهبي (188).13- انظر: (الإعلام والاهتمام بجمع فتاوى شيخ الإسلام، زكريا الأنصاري) (369).
    14- أنظر: (الفتاوى الحديثية)(41).
    15- (طبقات الشافعية الكبرى)(199/6).
    16- نقله عنه ابن السبكي في طبقاته الكبرى (206/6)، وابن الجوزي في (المنتظم) (125/17).
    17- (المنقذ من الضلال) (80-82).
    18- المرجع نفسه (86-87) بتصرف. و(المشاهد) مصطلح رافضي الأصل، كثر استعماله عند الصوفية، ويقصد به الأضرحة التي تزار وتعظم عند طوائف الغلاة منهم، ويفعل عندها ما لايجوز شرعا.
    19- انظر: (المنتظم) (125/17-126). الفارمذي - بسكون الراء وفتح الميم كما قال ياقوت، وقال السمعاني بفتح الجميع، نسبة إلى قرية (فارمذ) من قرى طوس، وأبو علي هو: الفضل بن محمد بن علي، شيخ الصوفية في زمانه، ومؤدب المريدين بخراسان، وواعظها الأول، توفي سنة 477ه رحمه الله.
    20- انظر السير (341/19)، وتاريخ الإسلام (120-121)، و(مجموع الفتاوى) (54/6)، وأبو حيان التوحيدي هو: علي بن محمد بن العباس البغدادي، فيلسوف متصوف، ضال ملحد كذاب كما قال الذهبي، وقال الحافظ بن حجر: بقي إلى حدود الأربعمائة ببلاد فارس، وكان صاحب زندقة وانحلال. أه. السير (119/17) و(لسان الميزان) (633/7).
    21- انظر (الفكر السامي) الحجوي (53/2).
    22- (نقض المنطق) لشيخ الإسلام (55،135).
    23- (مجموع الفتاوى) (552/10).
    24- انظر: (طبقات الشافعية) للإسنوي (244/2)، و(العقد المذهب) لابن الملقن (117)، و(طبقات الشافعية الكبرى) لابن السبكي (197/6).
    25- (المنتظم) (125/17-126) بتصرف.
    26- (تلبيس إبليس) (263-264).
    27- انظر: (مجموع الفتاوى) (55/6).
    28- (فجر الساهد وعون الساجد) عبدالسلام علوش (8-9).
    29- (تاريخ الإسلام)(120).
    30- السير (342/19).
    31- البداية والنهاية (214/16).
    32- انظر: (المعجب في تلخيص أخبار المغرب) للمراكشي (237).
    33- انظر: بحث (الغزالي والمغرب) للأستاذ محمد المنتصر بالله الكتاني، ضمن مجموع بعنوان (فاس عاصمة الأدارسة، ورسائل أخرى) (166).
    34- المرجع السابق (170-171) بتصرف يسير، واستمر الأمر على ذلك في عهد المرابطين، ففي الرسالة التي وجهها أمير المسلمين تاشفين بن علي ابن يوسف بن تاشفين إلى فقهاء (بلنسية) وأعيانها، في جمادى الأولى سنة 538 هـ ، يحثهم على الأخذ بمذهب مالك دون غيره، وعلى مطاردة كتب البدعة، وخاصة كتب أبي حامد الغزالي، وأنه يجب أن يتبع أثرها، ويقطع بالحرق المتتابع خبرها...الخ ما جاء فيها. انظر: (دولة الإسلام في الأندلس) عبدالله عنان، العصر الثالث - القسم الأول 432 .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.10.08 9:00

    أسطورة تاريخية مختلقة!


    زعموا أن خبر إحراق كتاب الإحياء وصل إلى أبي حامد الغزالي، وكان جالساً في حلقته، فدخل عليه رجل مسن من أهل فاس، فاستخبر عن حاله، ثم سأله عن كتاب الإحياء ماذا صنع به أهل الغرب؟ فاستحيا منه ولم يجبه، فعزم عليه، فأخبره بإحراقه، فدعا الغزالي على المرابطين وقال: (اللهم مزق ملكهم كما مزقوه!) وكان في الحلقة محمد بن عبدالله بن تومرت(1) فقال: "ادع الله أن يجعله على يدي، فلم يجبه لذلك".

    ثم مكث زمناً فجاءه رجل آخر من أهل الغرب فحدثه بما حدثه به الأول، فدعا على المرابطين بتمزيق ملكهم، فطلب ابن تومرت أن يكون ذلك على يديه، فقال الغزالي: "قم؛ سيجعل الله ذلك على يديك"!!

    وفعلاً كان أن استجاب الله دعاءه عليهم، كرامة للغزالي، ومزق ملك المرابطين على يد ابن تومرت مؤسس دولة الموحدين... هكذا تزعم الرواية.


    وهذه القصة إفك مفترى:

    أولاً:
    لو ثبت لكان فيها أكبر الطعن على الغزالي الذي يدعو في مؤلفاته الأخلاقية إلى التسامح وحسن الصفح والعفو، ولأصبحت علامة على أن الرجل يبطن ما لا يظهر وأن فعله يناقض قوله.

    ثانياً:
    أن ابن القطان المراكشي الكتامي قد تفرد بسوق هذه القصة عن الرجل المسن المجهول، وكل من جاء بعده ينقلها عنه من كتابه "نظم الجمان لترتيب ما سلف من أخبار الزمان"(2).

    وابن القطان هذا متهم في إيرادها، لأنه متحامل جداً على المرابطين حيث يرميهم بأقذع الأوصاف، بسبب اختلاف المشرب، ولأنه إنما ألف كتابه (نظم الجمان) لتعظيم دولة الموحدين، ومدحهم والثناء عليهم، وإبراز مآثرهم، فلا يبعد أن يكون قد لفق أو تلقف هذه القصة تشفياً من دولة المرابطين!.

    ثالثاً:
    إن ابن تومرت لم يلتق بالغزالي البتة، وذلك أن ابن تومرت خرج لطلب العلم من المغرب سنة 501ه وعلى أقل تقدير في أواخر سنة 500 هـ ورحل منها إلى الأندلس، ومنها إلى الإسكندرية، ومنها إلى الحج، ومنه إلى بغداد، وهنا تورد القصة أنه التقاه في بغداد، ولكن المصادر تجمع - وكذا حكى الغزالي عن نفسه في (المنقذ من الضلال) - أنه خرج إلى نيسابور سنة 499ه، وجلس للتدريس في نظاميتها إلى أن مات، فأين اللقى؟!!

    رابعاً:
    أن قضية إحراق كتاب الإحياء كانت في أوائل سنة 503ه، وعلى أقل تقدير في أواخر سنة 502ه، ويومها - قطعاً - كان الغزالي في بلده (طوس) وابن تومرت لا يعرف عنه أنه تجاوز بغداد شرقاً في رحلته، فلم يدخل إقليم خراسان أصلاً، فأنى لهذه القصة أن تصح!

    ولأجل هذه الأسباب وغيرها أنكر جماعة من الأئمة القصة ك: ابن الأثير، وابن خلدون، وابن الخطيب... وغيرهم(3)، وكثير من الباحثين المعاصرين خلصوا إلى هذه النتيجة(4).


    وعوداً على ما ذكرناه من نقد العلماء لكتاب الإحياء، نسوق جملة من فتاواهم ومقولاتهم عن (إحياء علوم الدين) فمن ذلك:

    1- ما كتبه عالم الإسكندرية أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي المالكي (520 هـ) في رسالة له إلى ابن المظفر، فقال:

    (أما ما ذكرت من أمر الغزالي، فرأيت الرجل وكلمته، فوجدته رجلاً جليلاً من أهل العلم قد نهضت به فضائله، واجتمع فيه العقل والفهم وممارسة العلوم طول عمره، ثم بدا له الانصراف عن طريق العلماء، ودخل في غمار العمال، ثم تصوف فهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان، ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد ينسلخ من الدين، فلما عَمِل (الإحياء) عمد يتكلم في علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غير دري بها ولا خبير بمعرفتها!! فسقط على أم رأسه، فلا في علماء المسلمين قر، ولا في أحوال الزاهدين استقر.

    ثم شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أعلم كتاباً على وجه البسيطة - في مبلغ علمي - أكثر كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه.

    سبكه بمذاهب الفلاسفة، ومعاني رسائل أخوان الصفا، وما مثل من قام لينصر دين الإسلام بمذاهب الفلاسفة، وآرائهم المنطقية، إلا كمن يغسل الماء بالبول.

    ثم يسوق الكلام سوقاً، يرعد فيه ويبرق، يمني وشوق حتى إذا تشوفت له النفوس، قال: "هذا من علم المعاملة، وما وراءه من علم المكاشفة، ولا يجوز تسطيره في كتاب"، أو يقول: "هذا من سر القدر الذي نهينا عن إفشائه"!

    وهذا فعل الباطنية، وأهل الدغل والدخل، وفيه تشويش للعقائد، وتوهين لما عليه كلمة الجماعة.

    فإن كان الرجل يعتقد ما سطره في كتابه لم يبعد تكفيره، وإن كان لا يعتقده فما أقرب تضليله.

    وأما ما ذكرت من إحراق الكتاب بالنار، فإنه إن ترك انتشر بين ظهور الناس، ومن لا معرفة له بسمومه القاتلة، وخيف عليهم أن يعتقدوا صحة ما سُطر فيه مما هو ضلال، فيحرق قياساً على ما أحرقته الصحابة رضي الله عنهم من صحائف المصحف التي كان فيها اختلاف ألفاظ، ونقص آيٍ.

    وفي دونه من الكتب غنية وكفاية لإخواننا المسلمين، وطبقات الصالحين.

    ومعظم من وقع في عشق هذا الكتاب رجال صالحون لا معرفة لهم بما يلزم العقل وأصول الديانات، ولا يفهمون الإلهيات، ومن كان كذلك لم يكن له أن يقفوا ما ليس له به علم، والسلام"(5).

    2- ومن ذلك أن الإمام أبا عبدالله محمد بن علي المازري الصقلي (536ه) كتب جواباً على سؤال ورده متكرراً في نواحي كثيرة من المشرق والمغرب يسألونه عن (إحياء علوم الدين) فذكر جواباً طويلاً جاء فيه: (ولقد عجبت من قوم مالكية يستحسنون من رجل فتاوى مبناها على ما لا حقيقة له، وفيه كثير من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم، لفق فيه الثابت بغير الثابت

    وكذا ما أورده عن السلف لا يمكن ثبوته كله، وأورد من نزغات الأولياء! ونفثات الأصقياء ما يجل موقعه، لكن مزج فيه النافع بالضار، كإطلاقات يحكيها عن بعضهم لا يجوز إطلاقها لشناعتها، وإن أخذت معانيها على ظواهرها، كانت كالرموز إلى قدح الملحدين، ولا تنصرف معانيها إلى الحق إلا بتعسف على اللفظ.... الخ"(6).

    3- ومن ذلك ما قاله القاضي عياض اليحصبي (544ه): "والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف العظيمة غلا في طريقة التصوف، وتجرد لنصر مذاهبهم، وصار داعيةً في ذلك، وألف فيه تواليفه المشهورة، أخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون الأمة، والله أعلم بسره، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتُثل ذلك"(7).

    4- ومن ذلك ما قاله أبو الفرج بن الجوزي (597ه):
    "اعلم أن في كتاب (الإحياء) آفات لا يعلمها إلا العلماء، وأقلها الأحاديث الباطلة الموضوعة، وإنما نقلها كما اقتراها لا أنه افتراها ولا ينبغي التعبد بحديث موضوع والاغترار بلفظ مصنوع، وكيف ارتضي لك أن تصلي صلوات الأيام والليالي، وليس فيها كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أوثر أن يطرق سمعك من كلام المتصوفة الذي جمعه وندب إلى العمل به ما لا حاصل له من الكلام في الفناء، والبقاء، والأمر بشدة الجوع، والخروج إلى السياحة في غير حاجة، والدخول في الغلاة بغير زاد، إلى غير ذلك مما قد كشفت عن عواره في كتابي (تلبيس إبليس)"(8).

    5- وقال أيضاً: (وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم - أي للصوفية - كتاب (الإحياء) على طريقة القوم، وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة، وخرج عن قانون الفقه، وجاء بأشياء من جنس كلام الباطنية"(9).

    6- ومن ذلك ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية (728ه) لما سئل عن الإحياء وعن (قوت القلوب) فأجاب:
    "أما كتاب (قوت القلوب)، وكتاب (الإحياء) تبع له فيما يذكره من أعمال القلوب مثل الصبر، والشكر، والحب، والتوكل، والتوحيد، ونحو ذلك، فأبو طالب أعلم بالحديث والأثر وكلام أهل علوم القلوب من الصوفية وغيرهم من أبي حامد الغزالي، وكلامه أسد، وأجود تحقيقاً، وأبعد عن البدعة، مع أن في (قوت القلوب) أحاديث ضعيفة وموضوعة وأشياء كثيرة مردودة.

    وأما في (الإحياء) من الكلام في المهلكات، مثل الكلام على الكبر، والعجب، والرياء، والحسد ونحو ذلك، فغالبه منقول من كلام الحارث المحاسبي في (الرعاية)، ومنه ما هو مقبول، ومنه ماهو مردود، ومنه ماهو متنازع فيه.

    و(الإحياء) فيه فوائد كثيرة، لكن فيه مواد مذمومة، فإن فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد، فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين وألبسه ثياب المسلمين.
    وقد أنكر أئمة الدين على أبي حامد هذا في كتبه، وقالوا: "مرضه الشفاء" يعني (شفاء) ابن سينا في الفلسفة.

    وفيه أحاديث وآثار ضعيفة، بل موضوعة كثيرة.

    وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وترهاتهم.

    وفيه مع ذلك من كلام المشائخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة، ومن غير ذلك من العبادات والأدب ما هو موافق للكتاب والسنة، ما هو أكثر مما يرد منه، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس، وتنازعوا فيه"(10).

    ومن ذلك ما قاله الإمام الذهبي (748ه): "أما (الإحياء) ففيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب، ورسوم، وزهد من طرائق الحكماء، ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علماً نافعاً، تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القرآن، وفسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً.

    فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله، وبإدمان النظر في الصحيحين، وسنن النسائي، ورياض النووي، وأذكاره تفلح وتنجح.

    وإياك وآراء عباد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضات، وجوع الرهبان، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات، فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فواغوثاه بالله، اللهم اهدنا صراطك المستقيم"(11).

    7- ومن ذلك ما كتبه الشيخ العلامة عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (1293ه) في رسالة أرسلها إلى رجل ينصحه بترك قراءة كتاب (الإحياء)، فقال:
    "وبعد: فقد بلغني عنك ما يشغل كل من له حمية إسلامية، وغيرة دينية على الملة الحنيفية، وذلك أنك اشتغلت بالقراءة في كتاب (الإحياء) للغزالي، وجمعت عليه من لديك من الضعفاء والعامة الذين لا تمييز لهم بين مسائل الهداية والسعادة، ووسائل الكفر والشقاوة، وأسمعتهم ما في (الإحياء) من التحريفات الجائرة، والتأويلات الضالة الخاسرة، والشقاشق التي اشتملت على الداء الدفين، والفلسفة في أصل الدين، وقد سلك في (الإحياء) طريق الفلاسفة والمتكلمين في كثير من مباحث الإلهيات وأصول الدين، وكسا الفلسفة لحاء الشريعة، حتى ظنها الأغمار والجهال بالحقائق من دين الله، وهي في الحقيقة محض فلسفة منتنة يعرفها أولو الأبصار، ويمجها من سلك سبيل أهل العلم كافة في القرى والأمصار.

    وقد حذر أهل العلم والبصيرة من النظر فيه، ومطالعة خافيه وباديه، بل أفتى بتحريقه علماء المغرب ممن عرف بالسنة، وسماه كثير منهم (إماتة علوم الدين) وقام ابن عقيل أعظم قيام في الذم والتشنيع، وزيف ما فيه من التموية والترقيع، وجزم بأن كثيراً من مباحثه زندقة خالصة لا يقبل لصاحبها صرف ولا عدل. وكلام أهل العلم معروف في هذا، لا يشكل إلا على من هو مزجي البضاعة، أجنبي من تلك البضاعة...الخ"(12).

    8- ومن ذلك ما حكاه العلامة العراقي أبو المعالي محمود شكري الألوسي (1342ه) من الحوار الذي دار بينه وبين رجل مغرم بقراءة (الإحياء) وإقرائه، فقال:
    "الإمام أبو حامد الغزالي اعترض على كتبه كثير من العلماء الربانيين... ومن العجب أن بعض الجهلة ممن يدعي العلم والصلاح، وهو عار عنهما، وقد تزيا بزي أهلهما، قد راج سوقه على العوام، بما يقصه عليهم في الوعظ من الأكاذيب والأوهام و قد ذكر (إحياء العلوم) وشرع يمدحه بأعظم المدائح، ويقرظه بكل ما خطر له من الثناء، فقلت له:
    إنه اشتمل على أحاديث موضوعة، ومسائل فلسفية خارجة عن الشريعة، وآراء محضة مخالفة للسنة النبوية، وبناء على ذلك أن أهل العلم الموثوق بعلمهم لا يقيمون لهذا الكتاب وزناً، حتى أن بعضهم ألف كتاباً في بيان حال ما فيه من الأحاديث
    فنظر إلي شزراً وقال: كيف تقول هذا الكلام وقد شرحه العلامة الزبيدي، وخرج أحاديثه، وبين أسراره؟!
    فقلت له: إن الزبيدي ليس من أهل هذا الفن، ولا هو من رجال هذا الميدان، وإنما له بعض الإطلاع على اللغة، وبعض العلوم العربية، وكلام مثله في باب الجرح والتعديل غير ملتفت إليه، وكان من غلاة القبوريين، والدعاة لمبتداعاتهم، فلما سمع ذلك أعراض ونأى بجانبه، ولم يلتفت إلى ما قلته، والكلام الحق اليوم ثقيل على الأسماع، لاسيما على أهل الزيغ والابتداع"(13).

    والنقد لكتاب (الإحياء) طويل الذيل، فمن رامه طلبه من مظانه، والله المستعان.


    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.10.08 9:01

    دفاع ميت!


    قد يقول قائل: ما في (الإحياء) من شطحات ومساوئ إنما نقلها عن غيره؟!

    قلنا: وكذلك ما فيه من خير وإحسان ومعروف إنما نقله عن غيره، وليس له فيه فضل سوى سبك الكلام! فلماذا يمدح بما ذكره في (الإحياء) من الخير، ويغض الطرف عما فيه من البلاء؟ مع أن الإنسان إنما يُثَّرب عليه إذا نقل عن الآخرين الشر والسوء والفتنة.


    وكون الغزالي - يرحمه الله - ينقل كلام غيره، هذا لا يخرجه من العهدة، ولا يبرئ ساحته، لأن الناقل لكلام غيره لا يخلو:

    1- إما أن ينقله مرتضياً له، ومؤيداً لما فيه.

    وشاهد رضاه وتأييده أن ينتصر له، ويدافع عنه، ويشرحه ويوضحه، ويزيده بياناً وتأكيداً، ويستنبط منه، وينبسط إليه، ويبني عليه قضايا أخر، ونحو ذلك مما يدل على احتفائه بما نقله.

    2- وإما أن ينقله غير راضٍ عنه، ولا مؤيد له.

    وشاهد ذلك أن يأخذ في الرد عليه، وبيان عواره، وفساده، ونحو ذلك مما يدل على رفضه ونفرته لما نقله.

    أما أن ينقل كلاماً ويسكت عنه، فالأصل أن الكلام المنكر الممتليء كفراً وزندقة، أو شراً ومفسدة، لا يجوز إظهاره للناس، ولا ترويجه بينهم، بنقله في الدفاتر، أو حكايته على رؤوس الاشهاد، فيغتروا بهذا النقل، فيثني على القالة لأن فلاناً نقلها ساكتاً عنها، ولم يتعقبها بشيء، ولو كان فيها محظور لما تركها على علاتها.. هكذا يستدل الناس.


    والواجب إنكار المنكر، وبيان حقيقته للأمة، وتحذير الناس منه وتنفيرهم عنه، وأن يخمد في مدفنه، ويهمل في مكمنه، عسى الله أن يذهب القالة كما أذهب قائلها، فلا يدرى طريقها بعد ذلك.


    ثم هذا دفاع بارد جداً! لأن أبا حامد الغزالي - رحمه الله - ليس بالغافل ولا المستغفل بحيث تمر عليه عبارات القوم دون تقليب لمعناها، ومعرفة لفحواها، بل له بها أنس وطرب، ولا يذكرها إلا على سبيل الاستئساس، بَلْهَ الاستئناس.


    والذي يدل على ارتضاه لما نقله - وهو خريت الجماعة - وتحققه مما قاله، ونهوضه به، أمران:


    الأول: أنه قعد قاعدة عامة لكل من ينظر في عبارات القوم، فقال: "إذا عرض لك من كلام عالم إشكال يؤذن في الظاهر بمحال أو اختلال، فخذ ما ظهر لك علمه، ودع ما اعتاص عليك فهمه، وَكِل العلم فيه إلى الله عز وجل"(14).


    فانظر كيف يفضي القداسة على مقولات القوم، بحيث إن الخطأ لا يعتريها، وإنما يعتري فهم السامع وذهن القارئ، وأما هي فحاشاها، لأن لها سراً!!
    وهذا توطئة منه مسبقة لما عساه أن يكون في كلامه أو نقله من الغرائب - التي يفيد ظاهرها الكفر والإنحلال، وعلى أحسن الأحوال لا يُدرى ما يراد بها - وتمهيد تمريرها إلى نفسية القارئ ليتقبلها ويحس الظن بأهلها.


    الثاني: أنه دافع عن أحيائه بفتوة، وأصر على ما فيه بقوة، وذم من خالفه ونغصه، ورماه بأبشع الأوصاف وتنقصه، فقد جعلهم (شركاء الطغام، وأمثال الأنعام، وأجماع العوام، وسفهاء الأحلام، وذعار أهل الإسلام"(15).

    فكأنه لا يرتضي أن يتعقبه أحد، مع أن كلامه ما وقف عليه أحد إلا لاحظ ورد وتعقب، وحتى تلاميذه الخواص العالمون بحاله استشكلوا بعض ما في (الإحياء) فأملى عليهم إملاءه المشهور لحل إشكالاته، فلم يحلها بل زادها إشكالاً.


    وقد اعترف الغزالي - رحمه الله - أن الناس يستشكلون شيئاً من كلامه، ويستغربون صدوره منه، فكان يدفع ذلك بانتقاص قدراتهم النفسية، وملكاتهم العقلية، وأنهم "لم تستحكم في العلوم سرائرهم، ولم تتفتح إلى أقصى غايات المذاهب بصائرهم"(16).
    إذن لا مَدْفَع ولا تبرير!!


    حكم قراءة الكتاب:


    لا بد من النظر حال الحكم على الكتاب وقراءته إلى جهتين: مادة الكتاب، وقرائه.

    فأما مادة كتاب (الإحياء) فسبق الكلام عنها وما قيل فيها.


    وأما القراء فهم على ثلاثة أصناف:


    صنف
    متعصب لأبي حامد وكتابه، لا يقبل في نقده كلمة، ولا في تقويمه حرفاً، ولا يرتضون من أحد أن يقدح فيه، ويصمون آذانهم عن سماع عيوبه، ومعرفة خلله، وهؤلاء نسأل الله لهم الهداية والبصيرة والرجوع إلى الحق.


    والصنف الثاني:
    أهل العلم وطلابه المترسون، الحداق بمواطن الزلل، وبواطن الخلل، فهؤلاء لا يحتاجون إلى فرض وصاية عليهم، وليس مثلي من يبصر مثلهم، فهم أبصر بالصواب وأعلم.


    والصنف الثالث:
    عامة الناس، وسواد الأمة، من كافة الطبقات والتخصصات، بدءاً من أصحاب المهن الوضيعة، وانتهاء بأصحاب المقامات الرفيعة، فهؤلاء نقول لهم: سيراً على ضوء مقاصد الشرع وقواعده، وجرياً على ما كان عليه أئمة السلف، فإننا ننصحكم بعدم مطالعة كتاب (الإحياء) أو قراءته، وبعدم اقتنائه أو شرائه.


    أما من جهة المقاصد، فإن من مقاصد الشارع الحفاظ على عقائد الناس، وسلامة أديانهم، وحمايتها من شوائب الشرك، وتخليصها من دخائل البدع، فما ضاد ذلك وجب طرحه وفضحه.


    ولا شك أن الأمر إذا اختلط حابله بنابله، وسيئه بحسنه، وشره بخيره، فإنه يتجنب ويحذر منه خشية التباس الباطل بالحق، وتغليف المنكر بالمعروف، فيتسرب إلى قلوب الخلق من المحظور ما لا يستطاع قلعه بالمشروع والمأمور.


    وأما من جهة القواعد، فلأن من قواعد الفقهاء المقررة أن الأمر إذا اجتمع فيه مصلحة ومفسدة، غلب جانب المفسدة، فتدرأ.

    وإذا اجتمع في الشيء الواحد حظر وإباحة، قدم الحظر لأنه الأحوط، إبراء للذمة.


    وهلم جرا من القواعد التي تندرج تحت القاعدة الكبرى: الضرر يزال.


    وأما من حيث الواقع - الذي هو مسرح النظر في الفتوى - فلأن الثناء على الكتاب والنصح بقراءته واقتنائه يغرر الناس به، ويخدعهم بما فيه، ولا ينبغي لعلماء الإسلام الإشادة إلا بما صفى من الكدر، وصفي من القذر، ف (إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذوا دينكم).


    واسمع - هديت - إلى ما قاله الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله، قال: "سئل أحمد عن الحارث المحاسبي وكتبه؟ فقال: إياك وهذه الكتب، بدع وضلالات، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك، قيل له: في هذه الكتب عبرة؟. فقال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة، فليس له في هذه الكتب عبرة، هل بلغكم أن مالكاً، والثوري، والأوزاعي صنفوا في الخطرات والوساوس؟! ما أسرع الناس إلى البدع"(17).


    وأما أن الناس يستطيعون تمييز غثه من سمينه: فدعوى، فإن كتب أهل الضلالة لا تؤمن غوائلها ولقد رأينا وسمعنا من انسلخ في طياته وهم ينسبون للعلم، فكيف بعامة الناس!


    ثم إن ما فيه من الحق والخير والمعروف والهدى موجود في غيره مما هو أمثل منه وأجود، والاستغناء عنه لا يفوت مصلحة على المكلف حتى يقال بلزوم قراءته أو النصح به.


    وهذا الذي قررناه هنا قد قرره أبو حامد الغزالي - رحمه الله - وارتضاه أصلاً في حكم مطالعة الكتب المدخولة والمخلوطة، فقال:

    "لما غلب على أكثر الخلق ظنهم بأنفسهم الحذاقة والبراعة، وكمال العقل في تمييز الحق عن الباطل، والهدى عن الضلالة، وجب حسم الباب في زجر الكافة عن مطالعة كتب أهل الضلالة ما أمكن، إذ لا يسلم من نظر في كتبهم، فرأى ما مزجوه بكلامهم من الحكم النبوية، والكلمات الصوفية، أن يستحسنها ويقبلها، ويحسن اعتقاده فيها.. فيسارع إلى قبول باطلهم الممزوج به، لحسن ظن حصل فيما رآه واستحسنه، وذلك نوع استدراج إلى الباطل

    ولأجل هذه الآفة يجب الزجر في مطالعة كتبهم، لما فيها من الغدر والخطر، وكما يجب صون من لا يحسن السباحة عن مزالق الشطوط، يجب صون الخلق عن مطالعة تلك الكتب"(18).


    وهذا أصل متين، مشهور عند أهل العلم قاطبة، وبه حاكمنا كتاب (الإحياء).


    وهذه النتيجة التي خلصنا إليها من حكم قراءة كتاب (الإحياء) ليست بدعاً من النتائج، فقد ساق العلامة ابن صلاح كلام المازري، وصاغه صياغة، ذاكراً خلاصته ونتائجه، فقال:

    "ثم تكلم المازري في محاسن (الإحياء) ومذامه، ومنافعه ومضاره بكلام طويل، ختمه بأن من لم يكن عنده من البسطة في العلم ما يعتصم به من غوائل هذا الكتاب، فإن قراءته لا تجوز له، وإن كان فيه ما ينتفع به.

    ومن كان عنده من العلم ما يأمن به على نفسه من غوائل هذا الكتاب، ويعلم ما فيه من الرموز، فيجتنب مقتضى ظواهرها، ويكل أمر مؤلفها إلى الله تعالى إن كانت كلها تقبل التأويل، فقراءته لها سائغة، وينتفع به، اللهم إلا أن يكون قارئه ممن يقتدى به، ويغتر به، فإنه ينهى عن قراءته، وعن مدحه والثناء عليه".


    قال: "ولولا أنا علمنا أن إملاءنا هذا إنما يقرؤه الخاصة، ومن عنده علم يأمن به على نفسه، لم نتبع محاسن هذا الكتاب بالثناء، ولم نتعرض لذكرها، ولكنا نحن أمِنا من التغرير، ولئلا يظن - أيضاً - من يتعصب للرجل أنا جانبنا الإنصاف في الكلام على كتابه، ويكون اعتقاده هذا فينا سبباً لأن لا يقبل نصيحتنا، والله أعلم"(19).


    وأخيراً.. لربما يقول قائل: إذاً يهذب (الإحياء) ويختصر، وينقى مما فيه، ويصفى من الحكايات الواهية، والأحاديث الموضوعة، والأقوال المنكرة، فيحذف كل ذلك ويبقى الطيب النافع.


    فيقال جواباً عليه: إن جماعة من العلماء قد رام اختصاره وتهذيبه، لكن حينئذ لا فرق بين (الإحياء) وغيره، إذ كل كتاب أساء صاحبه في بعضه وخلط، يمكن أن يصفى من المدخول السييء، ويبقى الطيب النافع، فلا فضل ثم، ولا ميزة إذن.


    ثم إن المختصر ينسب إليه مختصره، كما ينسب الجامع إلى جامعه ولو لم يكن له مجرد الجمع، إذ الكل - الجمع أو الاختصار - من مطالب التأليف، وغايات الكتّاب.

    اللهم ارحم أبا حامد، وتقبل توبته، وأعظم أجره، وأرفع درجته.

    اللهم لا تجعلنا من الغالين فيه، ولا الجافين عنه، وانفعنا بما كتب وألف من الحق والهدى.. وجنبنا ما سوى ذلك، منه ومن سائر علمائنا وأئمتنا...
    آمين.
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.


    ========== الحواشي ============
    1- هو محمد بن عبدالله بن تومرت الهرغي السوسي - من إقليم سوس بالمغرب الأقصى - والملقب بعد ب "المهدي القائم بأمر الله" ولد سنة 485ه، وتوفي سنة 524ه، رحل في طلب العلم، وتشبع بالكلام، خاصة مذهب الأشاعرة، وبه انتشر في المغرب، وألف (المرشدة) لنصرة مذهبهم، وأعلن وجوب تقليدهم.. وجمع بدعاً كثيرة منها القول بعصمة الإمام على مذهب الرافضة، وكان يخط بالرمل على طريقة المنجمين، بل كان أوحد عصره فيه!! وله ولع بكتاب (الجفر) وغير ذلك.. أعلن ثورته على المرابطين سنة 514ه، وسمى أتباعه ب "الموحدين" زوراً! أنظر: (المعجب)(247)، و (الاستقصا لأخبار المغرب الأقصى)(81/2، 105، 92) و(نظم الجمان)(168)، وقد أعد الدكتور عبدالمجيد النجار دراسة عنه بعنوان: (المهدي بن تومرت: حياته، وآراؤه، وثورته الفكرية والاجتماعية، وأثره بالمغرب) طبع في دار الغرب الإسلامي عام 1403ه.
    2- انظر: (نظم الجمان)(72-73) و(الحلل الموشية) لابن الخطيب (76-77) و(المعيار المعرب) للونشريسي (133/12)، وحاشية الرهوني على شرح الزرقاني (362/7-363).
    3- انظر: (الكامل) لابن الأثير(294/8)، وتاريخ ابن خلدون (226/6)، و (الإحاطة) لابن الخطيب (417/1-418).
    4- انظر: كلام العلامة محمد عبدالله عنان في (دولة الإسلام في الأندلس) العصر الثالث - القسم الأول (161-163)، والعلامة عبدالوهاب بن منصور في تعليقه على (الأنيس المطرب بروض القرطاس) لابن أبي زرع (218)، والدكتور محمود علي مكي في تعليقه على (نظم الجمان) لابن القطان (72).
    5- رسالته بتمامها في (المعيار المعرب)(186/12-187)، وانظر: (تاريخ الإسلام) للذهبي (122)، و (طبقات الشافعية الكبرى) (243/6).
    6- انظر: (السير)(330/19) ونقل ملخصها ابن الصلاح نقلاً جيداً في (طبقات الفقهاء الشافعية) (255/1-259)، بينما ابتسرها ابن السبكي في طبقاته (240/6-242) وقال العلامة الألوسي: "ثم إن ابن السبكي أجاب عن بعض ما اعترض به المازري والطرطوشي بأجوبة ارتكب التعسف فيها كما هي عادته من التعصب لأهل مذهبه، ومع ذلك لم يمكنه إنكار جهل الغزالي بالحديث"، (غاية الأماني) (368/2).
    7- انظر: السير (327/19).
    8- انظر: مختصر منهاج القاصدين (16-17).
    9- تلبيس إبليس (217) بتصرف يسير.
    10- مجموع الفتاوى (551/10-552).
    11- السير (339/19-340).
    12- القول المبين في التحذير من كتاب إحياء علوم الدين (42-45) بتصرف يسير.
    13- غاية الأماني (366/2-371) بتصرف يسير.
    14- الإملاء في إشكالات الإحياء (18/5) ملحق بآخر الإحياء.
    15- المرجع السابق (13/5).
    16- المنقذ من الضلال (63).
    17- انظر: تاريخ بغداد (215/8)، والسير (122/12)، والآداب الشرعية لابن مفلح (2 - 82،83 ).
    18- المنقذ من الضلال (63، 65-66) بتصرف.
    19- طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح (259/1).
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.10.08 9:07

    قد اختصره


    العلامة السلفي جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى في كتاب سماه

    "تهذيب موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين"

    حيث هذبه وجرده من الأحاديث الواهية والموضوعة

    وأزال مئات القصص والحكايات التي تدور حول كرامات الأولياء وعجائب الصوفية والزهاد
    وحذف خمسة "كتب" من الكتاب هي :

    1-آداب السماع والوجد

    2- عجائب القلب

    3- كسر الشهوتين

    4- التوحيد والتوكيل

    5- المحبة والشوق والأنس والرضا


    ==================


    نعم
    واختصره الحافظ ابن الجوزي في منهاج القاصدين ، ثم اختصر المختصر ابنُ قدامة - ليس صاحب المغني - في : (مختصر منهاج القاصدين) وهو مطبوع مشهور .

    والنقل عاليه

    لطــــــــــــــــاً .. من هنـــــــــــــــــــا
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 03.10.08 9:23

    هذه ترجمة ابن كثير في البداية والنهاية عن ابي حامد الغزالي ربما تفيدك

    أبو حامد الغزالي (1)

    محمد بن محمد بن محمد أبو حامد الغزالي ، ولد سنة خمسين وأربعمائة، وتفقه على إمام الحرمين، وبرع في علوم كثيرة، وله مصنفات منتشرة في فنون متعددة، فكان من أذكياء العالم في كل ما يتكلم فيه، وساد في شبيبته حتى أنه درس بالنظامية ببغداد، في سنة اربع وثمانين، وله أربع وثلاثون سنة، فحضر عنده رؤس العلماء، وكان ممن حضر عنده أبو الخطاب وابن عقيل، وهما من رؤس الحنابلة، فتعجبوا من فصاحته واطلاعه
    قال ابن الجوزي: وكتبوا كلامه في مصنفاتهم، ثم إنه خرج عن الدنيا بالكلية وأقبل على العبادة وأعمال الآخرة، وكان يرتزق من النسخ، ورحل إلى الشام فأقام بها بدمشق وبيت المقدس مدة، وصنف في هذه المدة كتابه إحياء علوم الدين، وهو كتاب عجيب، يشتمل على علوم كثيرة من الشرعيات، وممزوج بأشياء لطيفة من التصوف وأعمال القلوب، لكن فيه أحاديث كثيرة غرائب ومنكرات وموضوعات، كما يوجد في غيره من كتب الفروع التي يستدل بها على الحلال والحرام، فالكتاب الموضوع للرقائق والترغيب والترهيب أسهل أمرا من غيره
    وقد شنع عليه أبو الفرج بن الجوزي، ثم ابن الصلاح، في ذلك تشنيعا كثيرا، وأراد المازري أن يحرق كتابه إحياء علوم الدين، وكذلك غيره من المغاربة
    وقالوا: هذا كتاب إحياء علوم دينه، وأما ديننا فإحياء علومه كتاب الله وسنة رسوله، كما قد حكيت ذلك في ترجمته في الطبقات، وقد زيف ابن شكر مواضع إحياء علوم الدين، وبين زيفها في مصنف مفيد
    وقد كان الغزالي يقول: أنا مزجي البضاعة في الحديث، ويقال إنه مال في آخر عمره إلى سماع الحديث والتحفظ للصحيحين، وقد صنف ابن الجوزي كتابا على الاحياء وسماه علوم الاحيا بأغاليط الاحيا
    قال ابن الجوزي: ثم ألزمه بعض الوزراء بالخروج إلى نيسابور فدرس بنظاميتها، ثم عاد إلى بلده طوس فأقام بها، وابتنى رباطا واتخذ دارا حسنة، وغرس فيها بستانا أنيقا، وأقبل على تلاوة القرآن وحفظ الاحاديث الصحاح، وكانت وفاته في يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة من هذه السنة، ودفن بطوس رحمه الله تعالى، وقد سأله بعض أصحابه وهو في السياق فقال: أوصني
    فقال: عليك بالاخلاص، ولم يزل يكررها حتى مات رحمه الله.

    -----------------

    (1) أبو حامد الغزالي رحمه الله تأثر بشيخه
    أبي المعالي الجويني ودخل في تناقضات فكرية أثرت في عقيدته مما جعلته يتنقل بين الفلسفة والكلام والباطنية والتصوف بحثاعن اليقين ليدفع الشكوك والضنون التي تحيط به حتى ألف كتابا اسماه المنقذ من الضلال وسبقه كتاب الرد على الباطنية وكتاب رد فيه على فكر الفلاسفة اسماه تهافت الفلاسفة وألف كتاب إلجام العوام عن علم الكلام وفي آخر حياته لجا لكتب اهل الحديثر ومات وصحيح البخاري على صدره رحمه الله.


    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.01.09 13:10

    تحذير العلماء من كتاب الإحياء للغزالي
    فاصل
    فاصل
    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه


    أما بعد:

    الموضوع :


    تحذير العلماء من كتاب ( إحياء علوم الدين )
    للغزالي .

    أبو حامد الغزالي هو : محمد بن أحمد الطوسي الغزالي المتوفي سنة 505هـ.

    صاحب التصانيف الكثيرة في الفقه ، و الأصول ، و الفلسفة ، و علم الكلام ، و التصوف ، و قد مر رحمه الله بمراحل كثيرة و أطوار متعددة ، و عكف في نهاية حياته على دراسة الحديث

    فنسأل الله أن يرزقنا الهداية و حسن الخاتمة .

    كتاب إحياء علوم الدين ، فقد مدحه قوم حتى غلو في مدحه و قالوا: من لم يقرأ الإحياء فليس من الأحياء ، و ذمه قوم حتى أفتوا بحرقه و منعه .

    و الحق الذي يظهر لي و الله أعلم أن كتاب الإحياء فيه نفع ، و فيه طامات و بلايا توجب منع قراءته

    إلا من الخبير المطلع على عقائد الصوفية و الحلولية و الفلاسفة ، المتحصن بعقيدة السلف الصالح .

    و ما فيه من الخير موجود في غيره من الكتب

    ككتاب : مختصر منهاج القاصدين للمقدسي ، و أصله لابن الجوزي الذي اختصره من إحياء علوم الدين .

    فاصل

    أقوال العلماء في التحذير من الكتاب كما يلي :

    فاصل

    1 ) قال الإمام ابن الجوزي
    أعلم أن في كتاب "الإحياء" آفات لا يعلمها إلا العلماء ، و أقلها الأحاديث الباطلة الموضوعة ، و الموقوفة و قد جعلها مرفوعة و إنما نقلها كما اقتراها لا أنه افتراها
    و لا ينبغي التعبد بحديث موضوع و الاغترار بلفظ مصنوع . اهـ .

    و قال أيضا ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس :
    و جاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم كتاب "الإحياء" على طريقة القوم ، و ملأه بالأحاديث الباطلة، و هو لا يعلم بطلانها ، و تكلم في علم المكاشفة ، و خرج عن قانون الفقه

    و قال:
    إن المراد بالكوكب، و الشمس، و القمر اللواتي رآهن إبراهيم صلوات الله عليه أنوار هي حُجُب الله عز وجل ، و لم يُرد هذه المعروفات ، و هذا من جنس كلام الباطنية) انتهى.

    فاصل

    2 ) قال الإمام الطرطوشي المالكي :
    فلما عمل كتابه سماه "إحياء علوم الدين" عمد يتكلم في علوم الأحوال و مراقي الصوفية ، و كان غير دري بها و لا خبير بمعرفتها ، فسقط على أم رأسه فلا في علماء المسلمين قر ، و لا في أحوال الزاهدين استقر ، شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم
    فلا أعلم كتاباً على بسيط الأرض في مبلغ علمي أكثر كذبا على رسول الله صلى الله عليه و سلم منه، سبكه بمذاهب الفلاسفة و معاني "رسائل إخوان الصفاء"
    و هم قوم يرون النبوة اكتساباً ، و ليس النبي في زعمهم أكثر من شخص فاضل تخلق بمحاسن الأخلاق . اهـ .

    المصدر :
    نقلا عن سير أعلام النبلاء للذهبي 19/334.

    فاصل

    3 ) قال الإمام المازري المالكي بعد كلام في نقد الإحياء:

    و رأيت له في الجزء الأول يقول : إن في علومه ما لا يسوغ أن يودع في كتاب ، فليت شعري أحق هو أو باطل؟!.
    فإن كان باطلاً فصَدَق ، و إن كان حقاً و هو مراده بلا شك فلم لا يودع في الكتب ؟ ألغموضته و دقته؟
    فإن كان هو فهمه ، فما المانع أن يفهمه غيره ؟! .

    نقله الذهبي في السير 19/340 .

    فاصل

    4 ) قال القاضي عياض :
    و الشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة و التصانيف الفظيعة ، غلا في طريق التصوف ، و تجرد لنصر مذهبهم ، و صار داعية في ذلك
    و ألف فيه تواليفه المشهورة ، أخذ عليه فيها مواضع ، و ساءت به ظنون أمة ، و الله أعلم بسره
    و نفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب ، و فتوى الفقهاء بإحراقها و البعد عنها ، فامتثل ذلك .

    نقله الذهبي 19/327.

    فاصل

    5 ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
    و الإحياء فيه فوائد كثيرة ، لكن فيه مواد مذمومة
    فإنه فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد و النبوة و المعاد ، فإذا ذكر معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدواً للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين .

    و قد أنكر أئمة الدين على أبي حامد هذا في كتبه و قالوا : مرضه "الشفاء" يعني "شفاء" ابن سينا في الفلسفة.

    و فيه
    أحاديث و آثار ضعيفة بل موضوعة كثيرة
    و فيه
    أشياء من أغاليظ الصوفية و ترهاتهم
    و فيه
    مع ذلك من كلام المشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافقة للكتاب و السنة
    و من غير ذلك من العبادات و الأدب ما هو موافق للكتاب و السنة ، ما هو أكثر مما يردّ منه ، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس و تنازعوا فيه .اهـ .

    المصدر :مجموع الفتاوى 10/55.

    فاصل

    6 ) قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 19/339:
    أما "الإحياء" ففيه من الأحاديث الباطلة جملة ، و فيه خير كثير لولا ما فيه من آداب ، و رسوم ، و زهد من طرائق الحكماء و منحرفي الصوفية نسأل الله علما نافعاً .

    تدري ما العلم النافع ؟
    هو ما نزل به القرآن ، و فسره الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً و فعلاً ، و لم يأت نهي عنه.

    قال عليه السلام : "من رغب عن سنتي فليس مني"
    فعليك يا أخي
    بتدبر كتاب الله، و بإدمان النظر في الصحيحين، و سنن النسائي، ورياض النووي و أذكاره تفلح و تنجح .

    و إياك
    و آراء عباد الفلاسفة و وظائف أهل الرياضات ، وجوع الرهبان ، و خطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات

    فكل الخير في متابعة الحنفية السمحة

    فوا غوثاه بالله ، اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم . اهـ .

    فاصل

    وقد أكثر رحمه الله ( الغزالي ) من النقل عن أبي يزيد البسطامي و الحلاج و الشبلي ، و هم من أهل القول بالاتحاد و الحلول

    بل
    ذهب بعض الباحثين إلى أن الغزالي قال بهذا المذهب في كتابه إحياء علوم الدين، و في بعض كتبه الأخرى.

    و لهذا
    قال شيخ الإسلام عن كتاب مشكاة الأنوار للغزالي: و هذا الكتاب كالعنصر لمذهب الاتحادية القائلين بوحدة الوجود . اهـ .

    المصدر : بغية المرتاد ص 189

    و قال :
    و بسبب كلام الغزالي في مشكاة الأنوار تشجع الاتحاديون الملحدون الذين قالوا بوحدة الوجود على ذلك
    كقولهم: إن الخلق مجال و مظاهر ، لأن وجود الحق ظهر فيها و تجلى . اهـ .

    المصدر : درء تعارض العقل والنقل 10/283.

    فاصل
    و هو يحكي ( الغزالي ) في كتابه ( الإحياء ) كثيراً من الأمور التي لا يقبلها العقل ، و لا تستقيم على ميزان الشرع دون أن ينكرها.

    و من ذلك
    قوله في كتابه الإحياء 4/200 : و قيل له ـ أي بضع العارفين ـ بلغنا أنك ترى الخضر عليه السلام ؟
    فتبسم و قال: ليس العجب ممن يرى الخضر ، و لكن العجب ممن يريد الخضر أن يراه فيحتجب عنه . اهـ .!!.

    فاصل

    و نقل عن أبي يزيد البسطامي قوله : أدخلني ـ الله ـ في الفلك الأسفل فدورني في الملكوت السفلي و أراني الأرضين و ما تحتها إلى الثرى ، ثم أدخلني في الفلك العلوي ، فطوف بي في السموات ، و أراني ما فيها من الجنات إلى العرش. أوقفني بين يديه فقال: سلني أي شيء رأيته حتى أهبه لك ؟ فقلت: يا سيدي ما رأيت شيئاً أستحسنه فأسألك إياه . فقال: أنت عبدي حقا تعبدني لأجلي صدقاً..." الإحياء 4/356.

    فاصل

    و نقل عن أبي تراب قوله: لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة . الاحياء 4/356.

    إلى غير ذلك من الأمور المنكرة التي يسميها الغزالي "مكاشفات" و يطالب بعض الناس بعدم إنكارها و الاعتراض عليها .

    فاصل

    ونختم بما قاله الذهبي رحمه الله :
    فرحم أبا حامد، فأين مثله في علومه و فضائله و لكن لا ندعي عصمته من الغلط و الخطأ، و لا تقليد في الأصول . اهـ .

    سير أعلام النبلاء 19/346.

    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    البسملة

    جاء في " بغية الوعاة " للسيوطي - رحمه الله - في ترجمة أبي العباس ابن المنير - رحمه الله - أنه أراد أن يصنف في الرد على الأحياء فخاصمته أمه وقالت له : فرغت من مضاربة الأحياء وشرعت في مضاربة الأموات ! فتركه .

    وفي كلام جميل منصف لأبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب والشيخ حمد بن ناصر بن معمر - رحمهم الله - في كتاب " إحياء علوم الدين " كما في " الدرر السنية " 3/15 وفيه :

    وهذا ما نعتقده فيه لا نرفعه فوق منزلته فعل الغالين ، ولا نضعه من درجته كما وضعه بعض المقصرين ، فإن من الناس من يغلو فيه وفي كلامه الغلو العظيم ، ومنهم من يذمه ويهدر محاسنه ويرى تحريق كتابه ، وسمعنا منهم من يقول : ليس هذا إحياء علوم الدين ، بل إماتة علوم الدين ، والصراط المستقيم حسنة بين سيئتين ، وهدى بين ضلالتين . ا.هـ

    وأفادني الشيخ العلامة بكر أبو زيد - حفظه الله - أن العليمي من علماء مكة ربط كتاب " الإحياء " بذنب كلب فعظم النكير عليه من علماء زمانه لاشتمال " الإحياء " على الآيات والأحاديث والآثار وعدم خلوه من الفوائد

    والنقل
    لطفــــــــاً .. من هنــــــــــــا
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.01.09 13:28

    فاصل

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

    نبذة عن أبي حامد الغزالي وكتابه " إحياء علوم الدين "

    الغزَّالي

    أ.
    هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزَّالي - بتشديد الزاي- الطوسي، وكنيته "أبو حامد"، ولد عام (450ه‍)، وتوفي عام (505ه‍).

    ب.
    قال الذهبي رحمه الله:
    وأدخله سَيَلانُ ذهنهِ في مضايقِ الكلام، ومزالِّ الأقدام أ.ه‍ـ ‍
    "سير أعلام النبلاء" (19/323) .

    ج.
    وقال أبو بكر بن العربي رحمه الله:
    شيخُنا أبو حامد: بَلَعَ الفلاسفةَ، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع أ.ه‍ـ ‍
    " السير " (19/327).

    د.
    وقال الذهبي أيضاً:
    وقد ألّف الرجل في ذمِّ الفلاسفةِ كتابَ "التهافت"، وكَشَفَ عوارَهم، ووافقهم في مواضعَ ظنًّا منه أن ذلك حقٌّ أو موافقٌ للملَّةِ، ولم يكن له علمٌ بالآثار، ولا خبرةٌ بالسنَّةِ النبويَّةِ القاضيةِ على العقلِ، وحُبِّبَ إليه إدمانُ النظرِ في كتابِ "رسائل إخوان الصفا" (1)
    وهو داءٌ عضالٌ، وجَربٌ مردٍ، وسمٌّ قتَّال، ولولا أنَّ أبا حامد مِن كبار الأذكياء، وخيار المخلصين لتلِف

    فالحذار الحذار مِن هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شُبَه الأوائل وإلا وقعتم في الحيرة... أ.ه‍ـ ‍
    "السير" (19/328).

    قلت:
    ويقولون: إنَّه ختم له بخيرٍ، فترك التصوفَ والفلسفةَ، ومات و "صحيح البخاري" على صدره ‍! فكان ماذا؟
    وهل كان هذا الإمامُ غافلاً عن "البخاري"، وقد أودع منه أحاديث في كتابه "الإحياء"، بل قد جاء في ترجمة "الحافظ أبي الفتيان عمر الروَّاسي " أنَّه [ قدم "طوس" في آخر عمره، فصحَّح عليه "الغزَّالي" "الصحيحين"! ]

    قاله الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (19/318) لكنَّ فضلَ اللهِ على خلقه عظيمٌ، ورحمتُه وسعتْ كلَّ شيءٍ فنسأل الله له الرحمة

    لكن هذا لا يلزم منه مدحه، والثناء عليه، وتلقيبه بـ "حجة الإسلام"!! وترك ما في كتبه مِن انحرافٍ وضلالٍ.

    فاصل

    إحياء علوم الدين

    فاصل

    1. كلام العلماء فيه:

    فاصل

    أ.
    قال عنه "محمد بن علي بن محمد بن حَمْدِين القرطبي (2) " (ت 508ه‍):
    إنَّ بعضَ من يعظ ممن كان ينتحل رسمَ الفقهِ ثم تبرأ منه شغفاً بالشِّرعةِ الغزّالية والنحلةِ الصوفيَّةِ أنشأ كرَّاسةً تشتمل على معنى التعصب لكتاب "أبي حامد" إمام بدعتهم.
    فأين هو مِن شُنَع مناكيرِه، ومضاليلِ أساطيِره المباينةِ للدين؟
    وزعم أنَّ هذا مِن علم المعاملة المفضي إلى علم المكاشفةِ الواقعِ بهم على سرِّ الربوبيَّةِ الذي لا يسفر عن قناعه، ولا يفوز باطلاعه إلا مَن تمطَّى إليه ثبج ضلالته التي رفع لها أعلامها، وشرع أحكامها أ.ه‍ـ ‍

    فاصل
    ب.
    وقال عنه "محمد بن الوليد الفهري الأندلسي الطرطوشي" (ت 520ه‍):
    فأمّا ما ذكرتَ مِن "أبي حامد"؛ فقد رأيتُه، وكلَّمتُه، فرأيتُه جليلاً مِن أهل العلم، واجتمع فيه العقل والفهم، ومارسَ العلومَ طولَ عُمُرِه، وكان على ذلك معظم زمانه

    ثم بدا عن طريق العلماء، ودخل في غِمار العمَّال، ثم تصوَّف، وهجر العلومَ وأهلَها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان

    ثم شابها بآراء الفلاسفة، ورموز "الحلاَّج"، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين

    ولقد كاد أن ينسلخ مِن الدين! فلمَّا عمل " الإحياء": عمَد يتكلم في علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غيرَ أنيسٍ بها، ولا خبيٍر بمعرفتها، فسقط على أمِّ رأسه، وشحن كتابه بالموضوعات.أ.ه‍ـ ‍

    فاصل
    ج.
    وقال عنه "محمد بن علي المازري" (3) (ت 536ه‍):
    " ... ثم يستحسنون -أي: بعض المالكيَّة - مِن رجلٍ -(أي: الغزالي)- فتاوى مبناها على ما لا حقيقةَ له
    وفيه كثيرٌ مِن الآثار عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لفَّق فيه الثابت بغير الثابت
    وكذا ما أورد عن السلف لا يمكن ثبوته كله
    وأورد مِن نزعاتِ الأولياءِ، ونفثاتِ الأصفياء ما يجلُّ موقعه
    لكن مزج فيه النافع بالضار؛ كإطلاقاتٍ يحكيها عن بعضهم لا يجوز إطلاقها لشناعتها
    وإِنْ أُخذتْ معانيها على ظواهرها: كانت كالرموز إلى قدح الملحدين...أ.ه‍ـ ‍.

    فاصل
    د.
    وقال "أبو الفضل القاضي عياض بن موسى" (ت 544ه‍):
    "والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف الفظيعة، غلا في طريقةِ التصوُّفِ،
    وتجرَّد لنصر مذهبهم، وصار داعيةً في ذلك
    وألَّف فيه تواليفه المشهورة -(أي: الإحياء)- أُخذ عليه فيها مواضعُ، وساءتْ به ظنونُ أمَّةٍ، والله أعلم بسرِّه

    ونَفَذَ أمرُ السلطان (4) عندنا وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها فامتُثِل لذلك. أ.ه‍ـ ‍.

    فاصل
    هـ.
    وقال "أبو الفرج عبد الرحمن بن علي " ابن الجوزي" (ت 597ه‍):
    "صنَّف "أبو حامد" الإحياء، وملأه بالأحاديثِ الباطلةِ، ولم يَعلم بطلانها، وتكلَّم على الكشف، وخرج عن قانون الفقه

    وقال:
    "إن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن إبراهيم عليه السلام أنوارٌ، هي: حجب الله عز وجل، ولم يرِد هذه المعروفات"
    وهذا مِن جنس كلام الباطنية. أ.ه‍ـ ‍.

    فاصل

    و.
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ت728ه‍):
    " و "الإحياء" فيه فوائدُ كثيرةٌ، لكنْ فيه مواد مذمومةٌ، فإنَّه فيه مواد فاسدة مِن كلام الفلاسفة، تتعلق بالتوحيد، والنُّبوة والمعاد
    فإذا ذكر معارفَ الصوفية كان بمنـزلة مَن أخذ عدواً للمسلمين ألبسه ثيابَ المسلمين

    وقد أنكر أئمة الدين على "أبي حامد" هذا في كتبه، وقالوا: مرضه "الشفاء"، يعني "شفاء ابن سينا" في الفلسفة
    وفيه مع ذلك مِن كلام المشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنَّة...أ.ه‍ـ ‍.

    فاصل
    ز.
    وقال الشيخ "عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب" (ت1292ه‍):
    " وأسمعْتُهم ما في "الإحياء" مِن التحريفات الجائرة، والتأويلات الضالة الخاسرة، والشقائق التي اشتملت على الداء الدفين، والفلسفة في أصل الدين...

    وقد حذَّر أهل العلم والبصيرة عن النظر فيها -(أي: في مباحث"الإحياء")- ومطالعة خافيها وباديها، بل أفتى بتحريقِها علماءُ المغرب ممن عُرف بالسنَّةِ، وسمَّاها كثير منهم "إماتة علوم الدين"، وقام "ابن عقيل" أعظمَ قيامٍ في الذمِّ، والتشنيع،
    وزيَّف ما فيه من التمويهِ والترقيعِ
    وجزمَ بأنَّ كثيراً مِن مباحثه زندقةٌ خالصةٌ، لا يُقبل لصاحبها صرفٌ، ولا عدلٌ أ.ه‍ـ ‍.

    فاصل

    انظر لما سبق: "سير أعلام النبلاء" (19/323)
    "مجموع الفتاوى" (10/551-552)
    "الكشف عن حقيقة الصوفية " (ص850)
    "إحياء علوم الدين في ميزان العلماء والمؤرخين " لأخينا علي الحلبي.

    فاصل

    2. بعض ما فيه من ضلال وزندقة:
    فاصل

    أ.
    قال الغزَّالي: قال أبو تراب النخشبي يوماً لبعض مريديه:
    لو رأيتَ أبا يزيدٍ -(أي: البسطامي)- فقال: إني عنه مشغولٌ، فلمَّا أكثر عليه "أبو تراب" مِن قوله "لو رأيتَ أبا يزيد" هاج وجد المريد، فقال: ويحك، ما أصنع بأبي يزيد؟ قد رأيتُ الله فأغناني عن أبي يزيد!! قال أبو تراب: فهاج طبعي ولم أملك نفسي، فقلتُ: ويلك تغترُّ بالله، لو رأيتَ أبا يزيد مرةً واحدةً كان أنفعَ لك مِن أن ترى الله سبعين مرَّةً! قال: فبُهتَ الفتى من قوله وأنكره، فقال: وكيف ذلك؟ قال له: ويلك أما ترى الله عندك فيظهر لك على مقدارك، وترى أبا يزيد عند الله قد ظهر له على مقداره أ.هـ‍ ‍ "الإحياء" (4/305).

    فاصل
    ب.
    قال الغزالي:
    قال "سهل التستري": إن لله عباداً في هذه البلدةِ لو دَعَوْا على الظالمين لم يُصبحْ على وجهِ الأرضِ ظالم إلا مات في ليلةٍ واحدةٍ... حتى قال: ولو سألوه أن لا يقيم الساعة لم يقمْها! أ.هـ‍ ‍ "الإحياء" (4/305).

    قلت:
    وعلَّق على هذا الغزالي فقال: وهذه أمورٌ ممكنةٌ في نفسِها، فمَن لم يحظَ بشيءٍ منها؛ فلا ينبغي أنْ يخلو عن التصديق، والإيمان بإمكانها، فإنَّ القدرةَ واسعةٌ، والفضلَ عميمٌ، وعجائبَ الملك والملكوت كثيرةٌ، ومقدورات الله تعالى لا نهاية لها، وفضله على عباده الذين اصطفى لا غاية لها! أ.ه‍ـ ‍

    فاصل
    ج.
    قال الغزالي:
    قال سهل بن عبد الله التستري وسئل عن سرِّ النفسِ؟ فقال: النفسُ سرُّ الله، ما ظهر ذلك السرُّ على أحدٍ مِن خلقِهِ إلا على فرعون! فقال: أنا ربُّكم الأعلى! أ.ه‍ـ ‍ "الإحياء" (4/61).

    فاصل
    د.
    قال الغزالي:
    قال الجنيد: أُحبُّ للمريدِ المبتدئ" أنْ لا يَشغلَ قلبَه بثلاثٍ، وإلا تغيَّر حاله! التكسُّب وطلب الحديث والتزوج.
    وقال -(أي: الجنيد)-: أُحبُّ للصوفي أن لا يكتبَ ولا يقرأَ، لأنه أجمع لهمِّه. أ.ه‍ـ ‍
    "الإحياء" (4/206).

    فاصل
    هـ.
    قال الغزالي:
    "… وعن بعضهم أنه قال: أقلقني الشوقُ إلى "الخضر" عليه السلام، فسألتُ الله تعالى أن يريَني إياه ليعلِّمَني شيئاً كان أهمَّ الأشياءِ عليَّ، قال: فرأيتُه فما غلبَ على همي ولا همتي إلا أنْ قلتُ له: يا أبا العباس! علِّمْني شيئاً إذا قلتُه حُجبْتُ عن قلوبِ الخليقةِ، فلم يكن لي فيها قدْرٌ، ولا يعرفني أحدٌ بصلاحٍ ولا ديانةٍ؟
    فقال: قل " اللهمَّ أَسبِل عليَّ كثيف سترك، وحطَّ عليَّ سرادقات حجبك، واجعلني في مكنون غيبك، واحجبني عن قلوب خلقك "
    قال: ثم غاب فلم أره، ولم أشتقْ إليه بعد ذلك، فما زلتُ أقول هذه الكلمات في كلِّ يومٍ، فحكى أنَّه صار بحيث يُستذلُ ويُمتهنُ، حتى كان أهلُ الذمَّةِ يسخرون به، ويستسخرونه في الطرق يحمل الأشياء لهم لسقوطه عندهم، وكان الصبيانُ يلعبون به، فكانت راحته ركود قلبه، واستقامة حاله في ذلك وخموله..أ.هـ‍ ‍
    "الإحياء" (4/306).

    قلت:
    وعلَّق على هذه الخرافة "حجة الإسلام"! فقال: وهكذا حال أولياء الله تعالى ففي أمثال هؤلاء ينبغي أن يطلبوا...أ.ه‍‏ـ.

    فاصل
    هـ.
    وقال الغزالي:
    "وكان أبو يزيد وغيره يقول: ليس العالِم الذي يحفظ من كتاب، فإذا نسي ما حفظه صار جاهلاً، إنما العالِم الذي يأخذ علمَهُ من ربِّه أيّ وقتٍ شاء بلا حفظٍ ولا درسٍ! أ.ه‍‏ـ "الإحياء" (3/24).

    فاصل
    ز.
    وقال - متَّهماً الله تعالى بالظلم -: قرَّبَ الملائكةَ مِن غيرِ وسيلةٍ سابقةٍ، وأبعدَ إبليسَ مِن غيرِ جريمةٍ سالفةٍ ! أ.هـ‍‏
    "الإحياء" (4/168).

    نقلتُه من
    "الكشف عن حقيقة الصوفية"
    وانظر
    "العقيدة السلفية في مسيرتها التاريخية" الجزء الخامس، لأخينا الدكتور محمد المغراوي.

    والله الهادي إلى سواء السبيل


    ------------------- الحاشية ---------------------

    (1) قال أخونا مشهور حسن: [صدرت هذه الرسائل إبان القرن الرابع الهجري، وكانت لترجمة الفلسفة اليونانية إلى اللغة العربية... وهي (52) رسالة مقسمة إلى أربعة أقسام: الرياضيات، والطبيعيات، والعقليات، والإلهيات... وتعد "رسائل إخوان الصفا" إحدى ثمار الحركة الباطنية للجماعة السرية التي مزجت الفلسفة اليونانية والعقيدة الإسلامية لتخرج للناس مذهباً جديداً، يمزج إلهيات اليونان ونظريات "أفلاطون، وأرسطو، وأفلوطين، وفيثاغورس، وغيرهم " بالعقيدة الإسلامية في خليط مضطرب فاسد... قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى... وفيه من الكفر والجهل الشيء الكثير... ثم قال: فهل ينكر أحدٌ ممن يعرف دين المسلمين، أو اليهود، أو النَّصارى أنَّ ما يقوله أصحاب "رسائل إخوان الصفا" مخالف للملل الثلاث... " أ.هـ‍‏‍ من "كتب حذر منها العلماء" (1/67-76) وهو بحث مهم؛ ومع هذا فقد رأينا الكتاب تطبعه وتوزعه إحدى المؤسسات القائمة على تجارة تحقيق الكتب الإسلامية!! وفي مكتبتها هذه الغث والسمين من كتب الحب، والعشق، والكفر، والزندقة، فنسأل الله أن يحفظ لنا كتب علمائنا الذي تعبث به أيدي العابثين مِن الساقطين أخلاقيّاً، وعقائديّاً.

    (2) وليس هو صاحب التفسير المشهور كما ظنَّه صاحب كتاب "الكشف عن حقيقة الصوفية" (ص852)، فذاك اسمه "محمد بن أحمد الأنصاري" "أبو عبد الله" وتوفي (671ه‍).

    (3) قال الذهبي رحمه الله: ولصاحب الترجمة - (أي: المازري) - تأليف في الرد على "الإحياء" وتبيين ما فيه مِن الواهي والتفلسف أنصف فيه، رحمه الله. أ.هـ‍‏‍ " سير أعلام النبلاء" (20/107).

    (4) السلطان هو: علي بن يوسف بن تاشفين ملِك المرابطين، تولَّى الحكم (سنة 500ه‍)، قال الذهبي: وكان شجاعاً مجاهداً عادلاً ديِّناً ورعاً صالحاً، معظماً للعلماء مشاوراً لهم، نفق في زمانه الفقه والكتب والفروع حتى تكاسلوا عن الحديث والآثار، وأهينت الفلسفة ومُجَّ الكلام ومُقت، واستحكم في ذهن "علي" أن الكلام بدعة ما عرفه السلف فأسرف في ذلك، وكتب يتهدد ويأمر بإحراق الكتب، وكتب يأمر بإحراق تواليف الشيخ أبي حامد -(أي: الغزالي)- وتوعد بالقتل من كتمها. أ.ه‍‏‍. "سير أعلام النبلاء" (20/124)، وانظر "العقيدة السلفية في مسيرتها التاريخية" الجزء الخامس للدكتور محمد المغراوي ( ص29-52).

    كتبه
    إحسان بن محمد بن عايش العتيبـي
    http://www.saaid.net/Doat/ehsan/72.htm

    المصدر السابق
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.01.09 13:48

    فاصل

    اخوني الافاضل بعد ان اورد كثير من اخوة اقوال العلماء في الامام الغزالي يعن لنا بعض الشبهات والتي تحتاج الي ردود عليها:

    فاصل

    1- قد يسأل سائل ويقول:
    كيف لك أن تقول مثل هذا الكلام، وقد ترحّم بعض أهل العلم على الرجل، وذكروا أنّه رجع عن ذلك آخر أيامه وأن في كتابه الإحياء أشياء مفيدة؟


    وجواباً عن هذا يقال: نعم، إن ما ذكر في السؤال حق، وممن ترحّم على الغزالي الإمام الذهبي

    وممن ذكر رجوعه ابن تيمية وابن كثير وذكروا أنّه أقبل على القرآن والحديث ومنه الصحيحان

    وممن ذكر أن في الإحياء أشياء مفيدة ابن تيمية و الذهبي

    إلا أنهم كذلك نبّهوا على ما فيه من الباطل على وجه الإجمال

    حيث قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى :
    "وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وتُرهاتهم
    وفيه مع ذلك من كلام المشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب و السنة ما هو أكثر مما يرد منه".
    (درء تعارض العقل والنقل6/210).


    وقال مؤرخ الإسلام الذهبي - رحمه الله تعالى :
    "وفيه خير كثير لولا ما فيه من آداب ورسوم وزهد من طرائق الحكماء ومنحرفي الصوفية، نسأل الله علماً نافعاً" (سير أعلام النبلاء19/340)، وكذلك فإنّنا لم نأتي بشيء من عندنا وكل ما سبق ذكره إنما هو كلام أهل العلم.

    فاصل


    2- هل هناك من لم يترحم على الغزالي جميع أهل العلم، بل منهم من شكّك في رجوعه وتوبته

    وفي هذا يقول غالب بن علي عواجى في كتابه: [فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها] (2/687):
    (ومن القائلين بوحدة الوجود ووحدة الشهود أبو حامد الغزالي ولقد تأثر الناس به كثيراً لأنّه كان في وقته يداري كل طائفة ويتودد إليها بالموافقة وخفي أمره على كثير من الناس فلم يفطنوا إلى تعلقه بوحدة الوجود وإن كان قد صرح بها كثيراً في كتبه وخصوصاً إحياء علوم الدين.

    وفي هذا يقول عنه عبد الرحمن الوكيل وهو من المعاصرين في كتابه: [هذه هي الصوفية] ـ ص.56,57 ـ:
    "لا تعجب حين ترى الغزالي يجنح في دهاء إلى السلفية في بعض ما كتب

    فللغزالي وجوه عدة كان يرائي بها صنوف الناس في عصره

    فهو
    أشعري لأنَّ نظام الملك صاحب المدرسة النظامية أراده على ذلك
    وهو
    عدو للفلسفة لأنَّ الجماهير على تلك العداوة
    وهو
    متكلم ولكنه يتراءى بعداوته للكلاميين اتقاء غضب الحنابلة

    أما هو في كتبه المضنون بها على غير أهلها ـ أثبت الكتاب للغزالي ابن تيمية في الفتاوى ص.4/65 ـ فصوفي إشراقي من قمة رأسه إلى أخمص قدميه

    وفي كتبه الأخرى تجده أشعرياً تارة
    وسلفياً مشوباً بأشعرية تارة أخرى

    وهكذا كان يلقى كل فرقة بالوجه الذي يعرف أنهم يحبون، لا يهمه أكان وجه حق أو وجه باطل".

    ثم يتشدد عبد الرحمن الوكيل أكثر في كتابة ص.52:
    "يحاول السبكي في كتابه طبقات الشافعية تبرئة ساحة الغزالي بزعمه أنّه اشتغل في أخريات أيامه بالكتاب والسنة

    ونحن نسأل الله أن يكون ذلك حقا.

    ولكن لا بد من تحذير المسلمين جميعاً من تراث الغزالي فكل ماله من كتب في أيديهم تراث صوفي ولم يترك لنا في أخريات أيامه كتاباً يدل على أنّه اشتغل بالكتاب و السنة").اهـ.

    وذلك عند الرد علي من يتحدث عن رجوعه و غلوه في التصوف وحيث قرر بعض العلماء أن الغزالي رجع عن تلك الأقوال الصوفية

    و لعل أعدل الأقوال في الغزالي، وهو أوسطها، تفويض أمره لله.


    فاصل


    قال ابن الصلاح رحمه الله:
    "وأما الرجل فيسكت عنه ويفوض أمره إلى الله".
    (نقلا عن الفتاوى لابن تيمية 4/65).

    ومما سبق من كلام القاضي عياض قوله: "…والله أعلم بسره…".


    فاصل


    3 - قول القائل:
    ما لنا والرجل وقد أفضى إلى ما قدم؟

    والجواب عن هذا
    أنَّ هذا المسلك الذي سلكناه ليس بدعة من القول

    فإنَّ ابن تيمية رحمه الله ذكر تحسين الفخر الرازي لعبادة الكواكب، ثم ذكر أن َّهذا القول ردة باتفاق المسلمين، مع ذكره لرجوعه وتوبته آخر أيامه

    بل ومع ترحمه عليه.

    وهاهم علماء الحديث سواء قديماً أو حديثاً ما زالوا يذكرون كذب الوضاعين.

    وما هذا كله إلا لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وحتى لا يدخل في دين الله ما ليس منه.

    فاصل

    4 – قول القائل
    ان الغزالي كان يقول بضاعتي في الحديث مزجاة!

    الجواب
    من رأى حديثاً في كتاب لا يعرف صحته، لا يجوز له أن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه مسألة قد بينها العلماء ولا تحتاج الي اي تعليق منا.

    فاصل

    5 – وقد يسال سائل
    كيف صنف الغزالي كتاب المستصفي في اصول الفقة وكتاب البسيط او والبسيط في المذهب وأحياناً يسمى: "البسيط في الفروع".
    وهو تصنيف في المذهب أي في فقه المذهب الشافعي وكتاب الوسيط ويسمى كذلك :"الوسيط المحيط بآثار البسيط".
    وهو خلاصة "البسيط"، وموضوعه الفقه الشافعي شُرح هذا الكتاب و نقحه الأمام النووي والأمام ابن الصلاح.
    ثم كتاب الوجيز ويسمى : "الوجيز في الفقه". وهو ايضاً في فقه المذهب الشافعي.
    وهو مطبوع في جزءين في القاهرة سنة 1317 ، مطبعة المؤيد
    وطبع طبعة حديثة في جزءين ، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ، بيروت 1418 هـ / 1997 م ، الطبعة الأولى.
    واخيرا كتاب خلاصة المختصر ونقاوة المعتصر"
    ويسمى : "خلاصة المختصر" أحياناً ، ويسمى : " الخلاصة" كذلك إختصاراً وايجازاً. وهو تصنيف في الفقه الشافعي.

    ثم يصنف بعد ذلك هذة الكتب المليئة بالعقائد الصوفية

    والجواب كما قال ابن حمدين القرطبي:
    "إن بعض من يعظ، ممن كان ينتحل رسم الفقه، ثم تبرأ منه شغفا بالشريعة الغزالية، ونحلة الصوفية، أنشأ كراسة تشتمل على معنى التعصب لكتاب أبي حامد إمام بدعتهم، فأين هو من تشنيع مناكيره؟ وتضليل أساطيره المباينة للدين

    وزعم: أن هذا من علم المعاملة، المفضي إلى علم المكاشفة، الواقع بهم على سر الربوبية، الذي لا يسفر عن قناعه ولا يفوز باطلاعه، إلا من تمطى إلى شيخ ضلالته التي رفع لهم أعلامها وشرع أحكامها.

    قال أبو حامد: وأدنى من هذا العلم التصديق به، وأقل عقوبته أن لا يرزق المنكر منهم شيئا.

    فاعرض من قوله على قوله: ولا يشتغل بقراءة قرآن ولا بكتب حديث، لأن ذلك يقطعه عن الوصول إلى إدخال رأسه في كم جيبه، والتدثر بكسائه فيسمع نداء الحق؟!!.

    فهو يقول: ذروا ما كان السلف عليه وبادروا إلى ما آمركم به "

    ويقول عبد الرحمان الوكيل ـ من المعاصرين، وكان من الصوفية، فهو إذن خبير بضلالاتهم وخباياهم ـ في كتابه [هذه هي الصوفية] ص.50و51:

    (ولقد فطن إلى حقيقة دين الغزالي المستشرق نيكلسون وإلى أنه النافث لجرثومة الصوفية

    فقال: "إن الغزالي أوسع المجال لبعض صوفية وحدة الوجود أمثال ابن عربي وغير هؤلاء من طوائف الصوفية الذين كانوا إخواناً في ذلك الدين الحر بكل ما لكلمة الدين الحر من معنى؟!!"

    ولقد كنا نحب أن يفطن إلى ذلك بعض من يمجدون الغزالي كما فطن إليه ذلك المستشرق المسيحي!!(نصراني)"

    ثم قال في الهامش:
    "سبقه إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه، فكشف كشفا صريحا مؤيداً بالنصوص القاطعة عن صوفية الغزالي وإن كان لم يستشهد بتلك النصوص التي نقلتها من الإحياء فيما قرأت لشيخ الإسلام" ـ سيأتي ذكر كلام الغزالي الذي في الإحياء ـ.

    ثم قال:
    "ويقول جولدزيهر: "وابن عربي الذي أشرنا من قبل إلى تأثّره بالغزالي يخضع تفسيره الذي نحا فيه منحى التأويل إخضاعاً تاماً لوجهة النظر التي أخذ بها الغزالي".

    ثم قال عبد الرحمن :
    "وهكذا لم يعمل الغزالي للإسلام بل للصوفية، وبعد أن كان المسلمون على حذر من سمها وفي انفصال تام عنها حملهم بسحر بيانه على أن يعتنقوا أساطيرها.

    يقول كارل بكر: "ولقد سادت "الغنوص" فرق صدر الإسلام كلها، ثم سادت التصوف الذي كان يعد في البدء بدعة خارجة عن الدين ولكنه أصبح بفضل الغزالي خاليا من السم معترفا به من أهل السنة!!!"

    هذا هو خطر الغزالي، صور التصوف للمسلمين رحيقاً خالياً من السم فترشفوه، ففتك بهم".

    وقال ص41: "ولعل مما يقلق دهشتك ويثير ثأرتك أن يقرن بأولئك هذا الذي افترى له الصوفية أضخم لقب في التاريخ، وهو "حجة الإسلام" ليفتكوا بهذا اللقب الخادع بما بقي من ومضات النور الشاحبة في قلوب المسلمين. فاسمع إلى كاهن الصوفية، لا حجة الإسلام يتحدث عن التوحيد ومراتبه…"

    ارجو المعذرة فقد اطلت عليكم، ولكني في النهاية اود ان نتفق علي نقطتين مهمتين

    الاولي : أننا لا نتكلم عن الغزالي رحمة الله ولا عن شخصة فقد افض الي ربة
    إنما قصدنا الحديث عن كتبة فهو في النهاية لم يترك لنا الي كتب مليئة بالسموم ومن يستطيع ان يقراء هذة الكتب ليعرف ذلك فل يفعل (لدي من كتبة تهافت الفلسفة - محك النظر الاقتصاد في الاعتقاد – المنقذ من الضلال وهذ الكتاب ينطبق علية المثل العامي( كلام الليل مثل الزبدة يطلع علية النهار يسيح ) – المستصفي في اصول الفقة – ميزان العمل – الي الولد) وهذاواجب علي كل مسلم ومن ارد هذة العلوم فكما ذكر الاخوة لابن الجوزي وابن قدامة وابن القيم وكذلك القاسمى كتب سلفية طيبة هي هذا المجال

    الثانية : وهي فتوي لشيخ الاسلام ابن تيمية عندما سوائل عن رجل يكفر الشيخ الغزالي قال
    اعلم رحمك الله انة لا يجوز تكفيره أو الطعن في دينة
    فاشد ما نقول فية أنه اجتهد فاخطا رحمة الله غفرالله لنا ولكم ونفعنا واياكم بالعلوم الحديث والاثر

    وقبل أن أختم كلمتي أرجو أن تعلموا أن الغزالي قد انحل علية كتب كثيرة كلها شرك وكفر وهو منها بري رحمة الله

    ويقول بعض المهتمين بكتبة ان لة كتاب يسمي "إلجام العوام عن علم الكلام" المسمى بـ "رسالة في مذهب أهل السلف"

    وهو آخر ما كتب الإمام الغزالي، كتبه في أوائل جمادي الآخرة سنة 505 للهجرة أي قبيل وفاته بزمن قصير جدا، أقلّ من أسبوعين، حيث توفي رحمه الله يوم الاثنين14 جمادي الآخرة عام 505 للهجرة .

    وهذا الكتاب يعد من الكتب المهمة جدا للإمام الغزالي لأنك تقرأ فيه بوضوح مذهب الغزالي الذي هو مذهب السلف الصالح ، حتى ان هذا الكتاب عُنْوِنَ في في بعض المخطوطات بعنوان : " رسالة في مذهب أهل السلف "

    وهذا وصف دقيق للكتاب، حيث يقول الإمام الغزالي :
    " اعلم: أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هومذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه.
    فأقول: حقيقة مذهب السلف ، وهو الحق عندنا ، أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة امور : التقديس، ثم التصديق، ثم الاعتراف بالعجز، ثم السكوت، ثم الإمساك، ثم الكف، ثم التسليم لأهل المعرفة."

    ثم يجعل من قول الإمام مالك رضي الله تعالى عنه مقدمة مهمة جداً في هذا الموضوع يأخذ به ويكرره في عدة مواضع، حيث يقول الإمام مالك رضي الله عنه عندما سُئل عن الإستواء :

    " الإستواء معلوم ، والكيفية مجهولة ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة " .

    ويعقد الإمام الغزالي فصلاً في ان الجواب الحق عن هذه المساءل هو جواب الإمام مالك رضي الله تعالى عنه.

    وهذا الكتاب من أصحِّ الكتب نسبة إليه إلا أن المستشرقين أعرضوا عنه لما فيه من إتِّباع للسنة النبوية الشريفة ولما فيه من مبادىء وفوائد في توحيد صف المسلمين وهدايتهم الى الصراط المستقيم. فحاول المستشرقون إهماله وصرف طلبة العلم عنه.

    وهذا الكتاب قد ورد أيظاً في بعض المخطوطات تحت عنوان :"كتاب الوظائف" كما في مخطوطة المتحف البريطاني.
    ذكره العلامة تاج الدين السبكي في كتابه "طبقات الشافعية الكبرى"
    ج6 ، ص225

    وقال:
    "إلْجام العوام في علم الكلام". فقد أورد "في" بدلاً "عن" ، والأولى (في) تفيد معنى: إلجام العوام في مبحث علم الكلام، بينما الثانية (عن) تفيد معنى: إلجام العوام عن الخوض في مبحث علم الكلام ، والمعنى واحد والله أعلم.

    وممن ذكره كذلك طاش كبرى زاده ، وابن قاضي شهبة، والزبيدي ، والحسيني الواسطي في "الطبقات العلية".

    وللكتاب عدة مخطوطات تنتظر عناية الباحثين الغيورين من أهل السنة والجماعة. وقد ذكر بدوي المخطوطات في كتابه ص 231 - 232 .
    وقد ترجم الكتاب الى اللغة الإسبانية.
    وقد طبع الكتاب عدة طبعات ، منها:
    استانبول سنة 1278 هـ ، وفي مدراس سنة 1306 هـ ، وفي القاهرة سنة 1303 هـ ، 1309 هـ ، 1328 هـ ، 1350 هـ ، 1351 هـ،وفي مصر ضمن "القصور العوالي" ، وفي بيروت، دار الكتب العلمية، "مجموعة رسائل الإمام الغزالي" ج4 ، 1414 هـ/1994 م، وهذه الأخيرة ماهي إلا نسخ عن "القصور العوالي". منقول عن رسالة لد مشهد العلاف
    ارجو ان نري هذة الرسالة وان نتمكن من الحصول عليها
    __________________

    قال ابن عبد البر - رحمه الله - :
    ( ولو أغفل العلماء جمع الأخبار ، وتمييز الآثار ، وتركوا ضم كل نوع إلى بابه ، وكل شكل من العلم إلى شكله لبطلت الحكمة ، وضاع العلم ودرس ، وإن كان لعمري قد درس منه الكثير بعدم العناية ، وقلة الوعاية ، والاشتغال بالدنيا والكَلَبِ عليها ، ولكن الله عزوجل يبقي لهذا العلم قوماً - وإن قلوا - يحفظون على الأمة أصوله ، ويميزون فروعه ، فضلاً من الله ونعمة ، ولايزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم منه الآخِر ) ا هـ .

    المصدر السابق
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 08.01.09 13:51

    مقالة للحافظ ابن تيمية عن الإمام الغزالي رحمهما الله تعالى .

    فاصل


    قال في مجموع الفتاوى (4/63-66) :

    " وتجدُ أبا حامدٍ الغزاليَّ مع أنَّ لهُ من العلمِ بالفقهِ والتصوِّفِ والكلامِ والأصولِ وغيرِ ذلكَ، مع الزُّهدِ والعبادةِ وحُسنِ القصدِ، وتبحره في العلومِ الإسلاميَّةِ: أكثر من أولئكَ .

    يذكرُ في كتابِ‏ «‏الأربعين» ‏ونحوُه كتابه‏:‏‏«المضنونُ به على غيرِ أهلِه»‏، فإذا طلبتَ ذلكَ الكتابَ واعتقدتَ فيه أسرارَ الحقائقِ وغايةَ المطالبِ، وجدتَّهُ قولَ الصَّابئةِ المتفلسفةِ بعينهِ !

    قد غُيِّرت عباراتُهم وترتيباتُهم، ومَن لم يعلم حقائقَ مقالاتِ العبادِ ومقالاتِ أهلِ المللِ، يعتقدُ أنَّ ذاك هو السرُّ الذي كان بين النبيُّ كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية ) Sallah وأبي بكرٍكتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية ) Radia !، وأنَّه هو الذي يطَّلعُ عليه المكاشفونَ الذين أدركوا الحقائقَ بنورٍ إلهيٍّ‏ ! .


    فإنَّ أبا حامدٍ كثيراً ما يُحيلُ في كتبهِ على ذلكَ النُّورِ الإلهيِّ، وعلى ما يعتقدُ أنَّهُ يُوجَدُ للصوفيَّةِ والعُبَّادِ، برياضتِهم وديانتِهم، من إدراكِ الحقائقِ وكشفِها لهُم، حتى يزِنُوا بذلك ما وَرد به الشَّرعُ‏.‏

    وسببُ ذلكَ أنَّهُ كان قد علم بذكائِهِ وصدق طلبهِ، ما في طريقِ المتكلِّمينَ والمتفلسفةِ من الاضطرابِ، وآتاهُ الله إيمانًا مُجمَلاً - كما أخبر به عن نفسِه -(1)وصارَ يتشوَّفُ إلى تفصيلِ الجُملةِ، فيجدُ في كلامِ المشائخِ والصوفيَّةِ ما هو أقربُ إلى الحقِّ، وأولى بالتحقيقِ من كلام الفلاسفةِ والمتكلمينَ، والأمرُ كما وجدَه، لكن لم يبلُغه من الميراثِ النَّبويِّ الذي عنـد خاصَّةِ الأمَّةِ من العلومِ والأحوالِ، وما وصلَ إليه السابقونَ الأوَّلونَ منِ العلمِ والعبادةِ، حتى نالوا من المكاشفاتِ العلميَّةِ، والمعاملات العباديَّةِ ما لم ينلهُ أولئك‏َ.

    فصارَ يعتقدُ أن تفصيل تلك الجُملة يحصلُ بمجردِ تلكَ الطريقِ، حيثُ لم يكن عنده طريق غيرُها، لانسدادِ الطريقةِ الخاصةِ السُنيَّةِ النَّبوِيَّةِ عنهُ بما كانَ عندَهُ من قلَّةِ العلمِ بها، ومِنَ الشُّبهاتِ التي تقلَّدَها عن المتفلسفَةِ والمتكلِّمين، حتى حالوا بها بينه وبين تلك الطريقةِ‏.

    ولهذا كان كثيرَ الذَّمِّ لهذه الحوائلِ، ولطريقةِ العلم، وإنَّما ذاكَ لعلمه الذي سلَكَه، والذي حُجبَ بهِ عن حقيقةِ المتابعةِ للرِّسالةِ، وليس هو بعلمٍ، وإنَّما هو عقائدٌ فلسفيَّةٌ وكلاميَّةٌ، كما قالَ السَّلفِ‏:‏" العلمُ بالكلامِ هُو الجهلُ" ، وكما قال أبو يوسف‏:‏ "مَن طلبَ العلمَ بالكلام تزندَقَ !‏".

    ولهذا صارَ طائفةٌ ممن يرى فضيلتَهُ وديانتَهُ يدفَعُون وجودَ هذه الكُتُب عنهُ، حتى كان الفقيهُ أبو مُحمَّدٍ ابنُ عبدِ السَّلامِ - فيما عَلَّقه عَنهُ - يُنكرُ أن يكون‏َ‏:‏‏«بدايةُ الهدايةِ»‏، ‏من تصنيفِه، ويقولُ‏:‏ "إنَّما هو تقوُّلٌ عليهِ"، مع أنَّ هذه الكتبَ مقبولُها أضعافُ مردودِها، والمردودُ منها أمورٌ مجملةٌ، وليسَ فيها عقائدَ، ولا أصولَ الدِّين‏.

    أمَّا ‏:‏‏«المضنونُ به على غيرِ أهلِه»‏، فقد كانَ طائفةٌ أخرى من العُلماء يُكذِّبونَ ثبوتَه عنهُ، وأمَّا أهلُ الخبرةِ بهِ وبحالِه، فيعلمونَ أنَّ هذا كلَّه كلامُه، لعلمهم بموادِّ كلامه، ومشابهةِ بعضِه بعضاً، ولكن كان هُو وأمثالُه - كما قدَّمتُ – مضطَّربينَ، لا يثبتونَ على قولٍ ثابت؛ لأنَّ عندهم من الذكاءِ والطلبِ ما يتشوفونَ به إلى طريقةِ خاصَّةِ الخلقِ، ولم يُقدَّر لهم سلوكُ طريق خاصَّة هذه الأمَّة، الذين ورثوا عن الرسولِ كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية ) Sallah العلمَ والإيمانَ، وهُم أهلُ حقائق الإيمان والقرآنِ - كما قدَّمنَاهُ - وأهلُ الفهمِ لكتابِ الله، والعلمِ، والفهمِ لحديثِ رسولِ اللهِ كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية ) Sallah ، واتِّباعِ هذا العلمِ بالأحوالِ والأعمالِ المُناسبَةِ لذلكَ، كما جاءت بِه الرِّسالةُ‏.

    ولهذا كانَ الشَّيخُ أبو عمرٍو ابنُ الصَّلاحِ يقولُ - فيما رأيته بخطِّه -‏:‏" أبو حامدٍ كثُر القولُ فيه ومنه‏ُُ، فأمَّا هذه الكُتب - يعني المخالفةُ للحقِّ - فلا يُلتفتُ إليها، وأمَّا الرَّجُلُ فيُسكتُ عنهُ، ويفوَّضُ أمرُه إلى اللهِ".ومقصودُه أنَّه لا يُذكر بسوءٍ؛ لأنَّ عفوَ الله عن النَّاسي والمخطئ ،وتوبةُ المذنب تأتي على كل ذنبٍ، وذلك من أقربِ الأشياءِ إلى هذا وأمثالِه، ولأنَّ مغفرةَ الله بالحسناتِ منهُ ومن غيره، وتكفيره الذُّنوبَ بالمصائب تأتي على محقِّق الذنوب، فلا يُقدِم الإنسان على انتفاء ذلك في حقِّ معينٍ إلا ببصيرةٍ، لاسيَّما مع كثرةِ الإحسانِ، والعلمِ الصَّحيحِ، والعملِ الصَّالحِ، والقصدِ الحسنِ.

    وهو يميلُ إلى الفلسفَةِ، لكنَّهُ أظهرَها في قالب التصوِّف والعباراتِ الإسلاميَّةِ‏.

    ولهذا، فقد ردَّ عليه عُلماءُ المسلمينَ،حتى أخصُّ أصحابِه: 1) أبو بكرٍ ابنُ العربِيِّ، فإنَّهُ قالَ‏:‏ "شيخُنا أبو حامدٍ دخلَ في بطنِ الفلاسفة، ثم أرادَ أن يخرجَ منهم فما قَدِرَ ! ‏"( 2) .‏

    وقَد حكى عنه من القول بمذاهب الباطنية ما يوجد تصديق ذلك في كُتُبه‏،
    2) ورَدَّ عليه أبو عبد الله المازريُّ في كتابٍ أفرده ( 3) ،
    3) وردَّ عليه أبو بكرٍ الطرطوشيُّ ( 4) ،
    4) وردَّ عليه أبو الحسن المرغينانِيُّ رفيقُه، ردَّ عليه كلامَهُ في‏:‏‏«مِشكاةِ الأنوارِ»‏ ونحوه ،
    5) وردَّ عليه الشيخُ أبو البيانِ،
    6) والشيخُ أبو عمرٍو ابنُ الصَّلاحِ ( 5) ، وحذَّرَ من كلامِه في ذلك هُو،
    7) وأبو زكريَّا النَّواويُّ وغيرُهُما ، وردَّ عليه
    8) ابنُ عقيلٍ،
    9)وابن الجوزِيِّ ( 6) ،
    10)وأبو محمدٍ المقدِسيُّ ، وغيرهم"‏.

    ---------------------------
    --------------------
    ---------
    ----
    هوامش:

    (1) في بداية كتابه : " المنقذ من الضلال" .
    (2 ) العبارة في سير أعلام النبلاء (19/327) : " شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة وأراد أن يتقيأهم فما استطاع ".
    (3 ) واسمه : (الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء) كما في (السير) (19/330) .
    (4 ) تجد كلامه في (المعيار المعرب) (12/186-187) وفي السير .
    (5 ) تجد كلامه في (السير ) (19/329).
    (6 ) كلام ابن الجوزي مبثوث في كتبه هنا وهناك .

    المصدر السابق
    avatar
    أبو عبد الله أحمد بن نبيل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 2798
    العمر : 47
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 19
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 21.11.09 20:28

    كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية ) 231570

    رد الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله على مافي كتاب الإحياء

    التحذير من كتاب الإحياء للغزالي للإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن وتببين مافي كتاب الإحياء من البلايا والطامٌات العظام .
    حاشية الدرر السنية في الأجوبة النجدية ج 3 ص319 / 320 / 321 / 322 / 323 / 324 /325 /326 /327 / 328 /329 /330 /331 / 332 / 333 / 334 )

    من عبد اللطيف ، بن عبد الرحمن ، إلى الأخ عبد الله سلام عليكم ورحمة الله ، وبركاته ؛ وبعد: فقد بلغني عنك ، ما يشغل كل من له حمية إسلامية ، وغيرة دينية ، على الملة الحنيفية ، وذلك: أنك اشتغلت بالقراءة في كتاب ((الإحياء)) للغزالي ؛ وجمعت عليه من لديك من الضعفاء ، والعامة ، الذين لا تمييز لهم ، بين مسائل الهداية والسعادة ، ووسائل الكفر والشقاوة؛ وأسمعتهم ما في الإحياء ، من التحريفات الجائرة ، والتأويلات الضالة الخاسرة ، والشقاشق التي اشتملت على الداء الدفين ، والفلسفة في أصل الدين .

    وقد أمر الله تعالى ، وأوجب على عباده: أن يتبعوا رسله ، وأن يلتزموا سبيل المؤمنين ؛ وحرم اتخاذ الولائج ، من دون الله ورسوله ، ومن دون عباده المؤمنين ؛ وهذا الأصل المحكم ، لا قوام للإسلام إلا به ؛ وقد سلك في الإحياء ، طريق الفلاسفة ، والمتكلمين ، في كثير من مباحث الإلهيات ،
    وأصول الدين ، وكسا الفلسفة: لحاء الشريعة ، حتى ظنها الأغمار ، والجهال ، بالحقائق ، من دين الله ، الذي جاءت به الرسل ، ونزلت به الكتب ، ودخل به الناس في الإسلام ؛ وهي في الحقيقة: محض فلسفة ، منتنة ، يعرفها أولوا الأبصار ، ويمجها من سلك سبيل أهل العلم كافة ، في القرى والأمصار .

    قد حذر أهل العلم ، والبصيرة ، عن النظر فيها ، ومطالعة خافيها ، وباديها ؛ بل أفتى بتحريقها ، علماء المغرب ، ممن عرف بالسنة ، وسماها كثير منهم ((إماتة علوم الدين)) وقام ابن عقيل: أعظم قيام في الذم ، والتشنيع ؛ وزيف ما فيه من التمويه والترقيع ، وجزم بأن كثيراً من مباحثه زندقة خالصة ، لا يقبل لصاحبها صرف ولا عدل .

    قال شيخ الإسلام: ولكن أبو حامد ، دخل في أشياء من الفلسفة ، وهي عند ابن عقيل زندقة ؛ وقد رد عليه بعض ما دخل فيه ، من تأويلات الفلاسفة ، ورد عليه شيخ الإسلام ، في السبعينية ، وذكر قوله ، في العقول والنفوس ، وأنه مذهب الفلاسفة ، فأفاد وأجاد ؛ ورد عليه غيره من علماء الدين ، وقال فيه تلميذه بن العربي ، المالكي ، شيخنا أبو حامد: دخل في جوف الفلسفة ، ثم أراد الخروج فلم يحسن ؛ وكلام أهل العلم معروف في هذا ، لا يشكل إلا على من هو مزجى البضاعة ، أجنبي من تلك الصناعة .


    ومشائخنا ـ تغمدهم الله برحمته ـ مضوا على هذا السبيل والسنن ، وقطعوا الوسائل إلى الزندقة والفلسفة ، والفتن ، وأدبوا على ما هو دون ذلك ،
    وارشدوا الطالب إلى أوضح المناهج والمسالك ، وشكرهم على ذلك كل صاحب سنة ، وممارسة للعلم النبوي .

    وأنت قد خالفت سبيلهم ، وخرجت عن مناهجهم ، وضللت المحجة ؛ وخالفت مقتضى البرهان والحجة ، واستغنيت برأيك ، وانفردت بنفسك ، عن المتوسمين بطلب العلم ، المنتسبين إلى السنة ؛ ما أقبح الحور بعد الكور ، وما أوحش زوال النعم ، وحلول النقم ؛ إذا سمعت بعض عباراته المزخرفة ، قلت: كيف ينهانا عن هذا فلان ، أو يأمر بالإعراض عن هذا الشأن .

    كأنك: سقطت على الدرة المفقودة ، والضالة المنشودة ، وقد يكون ما أطربك ، وهز أعطافك ، وحركك: فلسفة منتنة ، وزندقة مبهمة ، أخرجت في قالب الأحاديث النبوية ، والعبارات السلفية ، فرحم الله عبداً عرف نفسه ، ولم يغتر بجاهه ، وأناب إلى الله ، وخاف الطرد عن بابه ، والإبعاد عن جنابه .


    و ينبغي للإمام ، أيده الله: أن ينزع هذا الكتاب ، من أيديكم ؛ ويلزمكم بكتب السنة ، من الأمهات الست، وغيرها ، والله يقول الحق ، وهو يهدي
    السبيل .

    ثم جمعت بعض أقوال أهل العلم ، وما أفتوا به في هذا الكتاب ، وتحذيرهم للطالب ، والمسترشد ؛ فمن ذلك:
    قول الذهبي ـ في ترجمته للغزالي ـ وأخذ في تأليف الأصول ، والفقه ، والكلام ، والحكمة ، وأدخله سيلان ذهنه ، في مضائق الكلام ، ومزال الأقدام ؛ ولله سر في خلقه ، وساق الكلام ـ إلى أن قال ـ ذكر هذا: عبد الغافر ـ إلى أن قال ـ ثم حكى عنه: أنه راجع العلوم ، وخاض في الفنون الدقيقة ، والتقى بأربابها ، حتى تفتحت له أبوابها ، وبقي مدة ، وفتح عليه باب من الخوف ، بحيث شغله عن كل شيء ـ إلى أن قال ـ ومما كان يعترض عليه به وقوع خلل من جهة النحو ، في أثناء كلامه ، وروجع فيه ، فأنصف واعترف بأنه ما مارسه .

    ومما نقم عليه ، ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية ، في كيمياء السعادة والعلوم ، وشرح بعض الصور والمسائل ، بحيث لا يوافق مراسم الشرع ، وظواهر ما عليه قواعد الملة ؛ وكان الأولى به ، والحق أحق ما يقال: ترك ذلك التصنيف ، والإعراض عن الشرح له ؛ فإن العوام: ربما لا يحكمون أصول القواعد بالبراهين والحجج ، فإذا سمعوا شيئاً من ذلك ، تخيلوا منه ما هو أضر بعقائدهم ، وينسبون ذلك إلى بيان مذهب الأوائل .

    قال الذهبي: ما نقله عبد الغافر ، على أبي حامد في الكيمياء ، فله أمثاله في غضون تواليفه ، حتى قال أبو بكر بن العربي: شيخنا أبو حامد ، بلع
    الفلاسفة ، وأراد أن يتقيأهم فما استطاع ، انتهى .


    ومن معجم أبي على الصدفي ، في تأليف القاضي عياض له ، قال الشيخ: أبو حامد ، ذو الأنباء الشنيعة ، والتصانيف العظيمة ، غلا في طريق التصوف ، وتجرد لنصر مذهبهم ، وصار داهية في ذلك ، وألف فيه تآليفه المشهورة ، أخذ عليه فيها مواضع ، وساءت به ظنون أمة ،والله أعلم بسره ، ونفذ: أمر السلطان عندنا بالمغرب ، وفتوى الفقهاء بإحراقها ، والبعد عنها ، فامتثل ذلك ،انتهى .

    ونقل أبو المظفر يوسف ، سبط ابن الجوزي ، المتهم بالتشيع ، في كتابه: ((رياض الأفهام)) قال: ذكر أبو حامد في كتابه: سر العالمين ، وكشف ما في الدارين ، وقال في حديث: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) إن عمر ، قال: بخ ، بخ ، أصبحت مولى ، كل مؤمن ومؤمنة ؛ قال أبو حامد: وهذا تسليم ورضا، ثم بعد هذا غلب عليه الهوى ، حباً للرياسة ، وعقد البنود ، وأمر الخلافة ، ونهيها ، فحملهم على الخلاف (فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون)(حاشية [ آل عمران: 187 ]) وسرد كثيراً من هذا الكلام الفسل الذي تزعمه الإمامية .
    قال الذهبي: وما أدري ما عذره في هذا ، الظاهر أنه رجع عنه ، وتبع الحق ؛
    قلت: هذا إن لم يكن من وضع هذا ، وما ذاك ببعيد ، ففي هذا التأليف بلاياً ، لاتستطاب ؛ قلت: ما ذكره الذهبي ممكن ، والغرض: أنما ينسب إلى هذا الرجل ، لا يغتر به ، ويجب هجره ، واطراحه ، لما في كتبه من الداء العضال ، والعثرات التي لا تقال.

    قال الذهبي: قد ألف الرجل ، في ذم الفلاسفة ، كتاب ((التهافت)) وكشف عوراتهم ، ووافقهم في مواضع ، ظناً منه أن ذلك حق ، أو موافق للملة ، ولم يكن له علم بالآثار ، ولا خبرة بالسنن النبوية ، القاضية على العقل ، وحبب إليه إدمان النظر في كتاب ((رسائل إخوان الصفا)) وهو داء عضال ، وجرب مردىء ، وسم قاتل ، ولولا أن أبا حامد من الأذكياء ، وخيار المخلصين ، لتلف .

    فالحذر ، الحذر ، من هذه الكتب ، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل ، وإلا وقعتم في الحيرة ، فمن رام النجاة والفوز ، فليلزم العبودية ، وليكثر الاستغاثة بالله ، ولبيتهل إلى مولاه ، في الثبات على الإسلام ، وأن يتوفى على إيمان الصحابة ، وسادة التابعين ، والله الموفق، فبحسن قصد العالم ، يغفر له ، وينجو إن شاء الله تعالى .

    وقال أبو عمر بن الصلاح ، فصل: في بيان أشياء مهمة ، أنكرت على أبي حامد ؛ ففي تواليفه أشياء لم يرتضها أهل مذهبه ، من الشذوذ ؛ منها قوله في المنطق: هو مقدمة العلوم كلها ، ومن لا يحيط به فلا ثقة له بمعلوم أصلاً ؛ قال: فهذا مردود ، إذ كل صحيح الذهن ، منطقي بالطبع ، وكم من إمام: ما رفع بالمنطق رأساً .

    فأما كتاب: المضنون به على غير أهله ؛ فمعاذ الله: أن يكون له ، شاهدت على نسخة منه ، بخط القاضي كمال الدين ، محمد بن عبد الله الشهرزوري ، أنه موضوع على الغزالي ، وأنه مخترع من كتاب: مقاصد الفلاسفة ، وقد نقضه الرجل ، بكتاب: التهافت .

    وقال أحمد بن صالح الجبلي في تاريخه ، وقد رأيت كتاب: الكشف والإنباء ، عن كتاب الإحياء ، للمازري: الحمد لله الذي أنار الحق ، وأداله ، وأباد
    الباطل ، وأزاله ؛ ثم أورد المازري أشياء مما انتقده على أبي حامد ، يقول: ولقد أعجب من قول مالكية ، يرون الإمام مالكاً ، يهرب من التحديد ، وإيجاب أن يرسم رسماً ، وإن كان فيه أثر ما ، أو قياس ما ، تورعاً ، وتحفظاً من الفتوى ، فيما يحمل الناس عليه ، ثم يستحسنون من الرجل فتاوى ، مبناها على ما لا حقيقة له ، وفيه كثير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لفق منه الثابت ، بغير الثابت .

    وكذا ما أورد عن السلف ، لا يمكن ثبوته كله ، وأورد من نزعات الأولياء ، ونفثات الأصفياء ، ما يجل موقعه ، لكن مزج فيه النافع بالضار ؛ كاطلاقات يحكيها عن بعضهم ، لا يجوز إطلاقها ، لشناعتها ، وإن أخذت معانيها على ظواهرها ، كانت كالرموز لقدح الملحدين ، ولا تنصرف معانيها إلى الحق ، إلا بتعسف ، على ان اللفظ: مما لا يتكلف العلماء مثله ، إلا في كلام صاحب الشرع ، الذي اضطرت المعجزات الدالة على صدقه ، المانعة من جهله .

    وكذبه إلى طلب التأويل كقوله: ((إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن)) ((وإن السماوات على اصبع)) وكقوله: ((لأحرقت سبحات وجهه)) وكقوله: ((يضحك الله)) إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة ، ظاهرها مما أحاله العقل ـ إلى أن قال ـ فإذا كانت العصمة غير مقطوع بها في حق الولي ، فلا وجه لإضافة ما لا يجوز إطلاقه إليه ، إلا أن يثبت ، وتدعو ضرورة إلى نقله ، فيتأول ـ إلى أن قال ـ ألا ترى: لو أن منصفاً ، أخذ يحكي عن بعض الحشوية ، مذهبه في قدم الصوت والحرف ، وقدم الورق ، لما حسن به أن يقول: قال بعض المحققين ، إن القارىء ، إذا قرأ كتاب الله ، عاد القارىء في نفسه قديماً بعد أن كان محدثاً ؛ وقال بعض الحذاق: إن الله محل للحوادث ، إذا أخذ في حكاية مذاهب الكرامية .

    وقال قاضي الجماعة: أبو عبد الله بن أحمد القرطبي ،إن بعض من يعظ ، ممن كان ينتحل رسم الفقه ، ثم تبرأ منه شغفاً بالشريعة الغزالية ، والنحلة
    الصوفية ، أنشأ كراسة تشتمل على معنى التعصب ، لكتاب أبي حامد ، إمام بدعتهم ؛ فأين هو من تشنيع مناكيره ؟ وتضليل أساطيره المباينة للدين ،
    وزعم: أن هذا من علم المعاملة ، المفضي إلى علم المكاشفة ، الواقع بهم على سر الربوبية ، الذي لا يسفر عن قناعه ، ولا يفوز باطلاعه ، إلا من تمطى إلى شيخ ضلالته ، التي رفع لهم أعلامها، وشرع أحكامها .
    قال أبو حامد: وأدنى من هذا العلم: التصديق به ، وأقل عقوبته: أن لا يرزق المنكر منه شيئاً فأعرض من قوله ، على قوله: ولا يشتغل بقراءة قرآن ، ولا بكتب حديث ، لأن ذلك يقطعه عن الوصول إلى إدخال رأسه في كم جيبه ، والتدثر بكسائه ، فيسمع نداء الحق ؛ فهو يقول:ذروا ما كان السلف عليه ، وبادروا إلى ما آمركم به ، ثم إن القاضي: أقذع ، وسب ، وكفر .
    وقال أبو حامد: وصدور الأحرار ، قبور الأسرار ، ومن أفشى سر الربوبية كفر ، ورأى مثل قتل الحلاج خيراً من إحياء عشرة ، لاطلاقه ألفاظاً ، ونقل عن بعضهم ، قال: للربوبية سر لو ظهر ، لبطلت النبوة ؛ وللنبوة سر لو كشف ، لبطل العلم ؛ وللعلم سر لو كشف لبطلت الأحكام ؛ قلت: سر العلم قد كشف بصوفية أشقياء ، فانحل النظام ، وبطل لديهم الحلال والحرام .

    قال ابن أحمد: ثم قال الغزالي، القائل بهذا إن لم يرد إبطال النبوة في حق الضعفاء ، فما قال ليس بحق ؛ فإن الصحيح لا يتناقض ؛ وإن الكامل لا يطفىء نور معرفته نور ورعه ؛ وقال الغزالي: العارف ، يتجلى له أنوار الحق ، وتنكشف له العلوم المرموزة ، المحجوبة عن الخلق ؛ فيعرف معنى النبوة ، وجميع ما وردت به ألفاظ الشريعة ، التي نحن منها على ظاهرها ؛ قال عن بعضهم: إذا رأيته في البداية ، قلت صديقاً ؛ وإذا رأيته في النهاية ، قلت زنديقاً ؛ ثم فسره الغزالي ، فقال: إذا رأيتم الزنديق لا يلصق إلا بمعطل الفرائض ، لا بمعطل النوافل ، وقال: وذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية ، دون التعليمية ؛ فيجلس: فارغ القلب ، مجموع الهم ، فيقول: الله ، الله ، على الدوام ؛ فيتفرغ قلبه ،ولا يشتغل بتلاوة ، ولا كتب حديث ؛ فإذا بلغ هذا الحد ، التزم الخلوة ببيت مظلم ، ويتدثر بكسائه ، فحينئذ: يسمع نداء الحق: (يا أيها المزمل) ، (يا أيها المدثر) .

    قلت: إنما سمع شيطاناُ، أو سمع شيئاً لا حقيقة له ، من طيش دماغه ، والتوفيق في الاعتصام بالكتاب ، والسنة ، والإجماع .

    قال أبو بكر الطرطوشي: شحن أبو حامد كتاب ((الإحياء)) بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما على بسيط الأرض أكثر كذباً منه ، شبكه بمذاهب الفلاسفة ؛ ومعاني رسائل إخوان الصفاء ؛ وهم قوم: يرون النبوة مكتسبة ؛ وزعموا: أن المعجزات ، حيل ومخاريق ؛ قال ابن عساكر: حج أبو حامد ، وأقام بالشام نحواً من عشرين سنة ، وصنف ، وأخذ نفسه بالمجاهدة ، وكان مقامه بدمشق ، في المنارة الغربية من الجامع ، سمع صحيح البخاري ، من أبي سهل الحمصي ، وقدم دمشق في سنة تسع وثمانين .

    وقال ابن خلكان: بعثه النظام على مدرسته ببغداد ، في سنة أربع وثمانين ، وتركها في سنة ثمان وثمانين ، وزهد ، وحج ، وأقام بدمشق مدة بالزاوية
    الغربية ، ثم انتقل إلى بيت المقدس يتعبد ، ثم قصد مصر ، وأقام مدة بالإسكندرية ، فقيل: عزم على المضي إلى يوسف بن تاشفين ، سلطان مراكش ،
    فبلغه نعيه ثم عاد إلى طوس ، وصنف: البسيط ، والوسيط ، والوجيز ، والخلاصة ، والإحياء ، وألف المستصفى ، في أصول الفقه ، والمنخول ، واللباب ، والمنتحل في الجدل ، وتهافت الفلاسفة ، ومحك النظر ، ومعيار العلم ، وشرح الأسماء الحسنى ، ومشكاة الأنوار ، والمنقذ من الضلال ، وحقيقة القولين ، وأشياء أخرى ، انتهى .

    قال عبد الله بن علي الأثيري ، سمعت عبد المؤمن بن علي القيسي ، سمعت عبد الله بن تومرت ، يقول: أبو حامد الغزالي ، قرع الباب ، وفتح لنا ؛ قال: أبو محمد العثماني ، وغيره ، سمعنا: محمد بن يحيي ، العذري ، المؤدب ، يقول: رأيت بالأسكندرية ، سنة خمسمائة ، كأن الشمس طلعت من مغربها ، فعبرها لي عابر ، ببدعة تحدث فيهم ، فبعد أيام وصل الخبر ، بإحراق كتب الغزالي من البريد .

    قال أبو بكر بن العربي ، في شرح الأسماء الحسنى ، قال شيخنا: أبو حامد قولاً عظيماً ، انتقده عليه العلماء ، وقال: وليس في قدرة الله ، أبدع من
    هذا العالم ، في الإِتقان والحكمة ، ولو كان في القدرة أبدع ، أو أحكم منه ، ولم يفعله ، لكان ذلك قضاء للجور ، وذلك محال ؛ ثم قال ، والجواب: أنه باعد في اعتقاد عموم القدرة ، ونفي النهاية ، عن تقدير المقدرات المتعلقة بها ، ولكن في تفصيل هذا العلم المخلوق ، لا في سواه ؛ وهذا رأي فلسفي ، قصدت به الفلاسفة قلب الحقائق ، ونسبة الإِتقان إلى الحياة مثلاً ؛ والوجود إلى السمع والبصر ، حتى لا يبقى في القلوب سبيل إلى الصواب ، واجتمعت الأمة على خلاف هذا الاعتقاد ، وقالت عن بكرة أبيها: إن المقدورات لا نهاية لها بكل مقدور الوجود ، لا بكل حاصل الوجود ، إذ القدرة صالحة ، ثم قال: هذه وهلة لألعابها ، ومزلة لا تماسك فيها ، ونحن وإن كنا نقطة من بحره ، فإنا لا نرد عليه إلا بقوله.
    ومما أخذ عليه ، قوله: إن للقدر سراً نهينا عن إفشائه ؛ فأي سر للقدر ؟! فإن كان مدركاً بالنظر ، وصل إليه ولا بد ، وإن كان مدركاً بالخبر ، فما
    ثبت فيه شيء ، وإن كان يدرك بالحيل والعرفان ، فهذه دعوى محضة ، فلعله عنى بإفشائه: أن تعمق في القدر ، وبحث فيه .

    قال الذهبي: أنبأنا محمد بن عبد الكريم ، أنبأنا أبو الحسن السخاوي ، أنبأنا خطاب بن قمرية الصوفي ، أنبأنا سعد بن أحمد الاسفرائيني بقراءتي ،
    أنبأنا أبو حامد محمد بن محمد الطوسي ، قال اعلم أن الدين شطران ، أحدهما ترك المناهي ، والآخر فعل الطاعات ، وترك المناهي هو الأشد ، والطاعات يقدر عليه كل أحد ، وترك الشهوات لا يقدر عليه إلا الصديقون ؛ ولذلك قال أبو عامر العبدي: سمعت أبا نصر ، أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي ، يحلف بالله: أنه أبصر في نومه ، كأنه ينظر في كتب الغزالي ، فإذا هي كلها تصاوير .

    وقال ابن الوليد الطرطوشي ، في رسالته إلى ابن المظفر ، فأما ما ذكرت من أبي حامد ، فقد رأيته وكلمته ، ورأيته جليلاً من أهل العلم ، واجتمع فيه
    العقل والفهم ، ومارس العلوم طول عمره ، وكان على ذلك معظم زمانه ، ثم بدا له عن طريقة العلماء ، ودخل في غمار العمال ، ثم تصوف، وهجر العلوم ، وأهلها ، ودخل في علوم الخواطر ، وأرباب القلوب ، ووساوس الشيطان ، ثم شابها بآراء الفلاسفة ، ورموز الحلاج ، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين ، ولقد كاد أن ينساخ من الدين ، فلما عمل ((الإحياء)) عمد يتكلم في علوم الأحوال ، ومرامز الصوفية ، وكان غير أنيس بها، ولا خبير بمعرفتها ، فسقط على أم رأسه ،وشحن كتابه بالموضوعات .

    قال الذهبي ، بعد أن ساق كلام ابن الوليد الطرطوشي ، قلت: أما ((الإِحياء)) فقيه من الأحاديث الباطلة ، جملة ، وفيه خير كثير ، لولا ما
    فيه من آداب ورسوم ، وزهد من طرائق االحكماء ، ومنحرف الصوفيه ؛نسأل الله علماً نافعاً ؛ تدري: ما العلم النافع ؟ هو ما نزل به القران ، وفسره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولاً ، وفعلاً ، ولم يأت نهي عنه ، قال عليه السلام: ((من رغب عن سنتي فليس مني)) فعليك يا أخي بتدبر كتاب الله ، وبإدمان النظر في الصحيحين ، وسنن النسائي ، ورياض النووي ، وأذكاره ، تفلح وتنجح ، وإياك وآراء عباد الفلاسفة ، ووظائف أهل الرياضات ، وجوع الرهبان ، وخطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات ؛ فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة ، فوا غوثاه بالله ؛ اللهم اهدنا الصراط المستقيم ، انتهى .

    ولمحمد بن علي المازني الصقيلي ، كلام على الإِحياء ، قال فيه: قد تكررت مكاتبتكم في استعلام مذهبنا ، في الكتاب المترجم ((بإحياء علوم الدين))
    وذكرتم: أن آراء الناس فيه قد اختلفت ، فطائفة انتصرت ، وتعصبت لإِشهاره ، وطائفة حذرت منه ، ونفرت ، وطائفة لكتبه أحرقت .وكاتبني أهل المشرق أيضاً: يسألوني ، ولم يتقدم لي قراءة هذا الكتاب ، سوى نبذة منه ، فإن نفس الله في العمر ، مددت منه الأنفاس ، وأزلت عن القلوب الالتباس ؛ اعلموا: أن هذا الرجل ، رأيت تلامذته ، فكل منهم حكى لي نوعاً من حاله ، ما قام مقام العيان ، فأنا أقتصر على ذكر حاله ، وحال كتابه ، وأذكر جملاً من مذاهب الموحدين ، والمتصوفة ، وأصحاب الإِشارات ، والفلاسفة ، فإن كتابه متردد بين هذه الطوائف .

    ثم قال: وأما علم الكلام الذي هو أصل الدين ، فإنه صنف فيه ، وليس بالمتبحر فيها ، ولقد فطنت لعدم استبحاره فيها ، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة ، قيل إستبحاره في فن الأصول ، فأكسبته الفلسفة جراءة على المعاني ، وتسهيلاً للهجوم على الحقائق ، لأن الفلاسفة: تمر مع خواطرها ، لا يزعها
    شرع ؛ وعرفني صاحب له ، أنه كان له عكوف على رسائل: إخوان الصفا ؛ وهي إحدى وخمسون رسالة ؛ ألفها من قد خاض في علم الشرع ، والنقل ، وفي الحكمة ؛ فمزج بين العلمين ، وقد كان رجل يعرف بابن سينا ، ملأ الدنيا تصانيف ، أدته قوته في الفلسفة ، إلى أن حاول رد أصول العقائد إلى علم الفلسفة ، وتلطف جهده ، حتى تم له ما لم يتم لغيره
    avatar
    أبو عبد الله أحمد بن نبيل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 2798
    العمر : 47
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 19
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية )

    مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 04.06.10 9:08


    كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية ) 231570

    القول المبين
    في التحذير من كتاب
    إحياء علوم الدين
    من رسائل
    الامام العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
    ت1293 هـ
    تحقيق عبد العزيز بن عبد الله الزير آل حمد
    طبعة دار المنار الرياض
    الطبعة الاولى 1414 هـ



    رابط التحميل :
    http://www.archive.org/download/koto...yaa_tahdir.pdf


    كتاب الإحياء ( رؤية نقدية ووقفة موضوعية ) 93694

      الوقت/التاريخ الآن هو 20.05.24 13:11