خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    فضل علم التفسير، وآداب المفسر

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    فضل علم التفسير، وآداب المفسر Empty فضل علم التفسير، وآداب المفسر

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 18.09.08 14:39

    فضل علم التفسير

    بقلم
    : أبو جابر عبد الحليم توميات الجزائري

    بسم الله الرّحمن الرّحيم

    وبه نستعين

    فهذه مقدّمة وجيزة لا بدّ منها، تعرّف بالتّفسير، وتُشِيد بفضل تدبّر كلام العليّ القدير، وتذكّر بأهمّ شروط وآداب المفسّر، جرى العلماء على ذكرها، وبيانها وضبطها، حتّى لا يتكلّم أحد في كتاب الله من غير خطام ولا زمام، فيأتي بالدّواهي والطوامّ.

    أمّا التفسير فهو:

    لغة:
    الإيضاح والتّبيان، والكشف عن الشّيء، ومنه قوله تعالى: (( وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً )) أي: بيانا وإيضاحا.

    ولا بدّ أن نلحظ أنّ ( التّفسير ) مشتقّ من ( الفسر )، ففسر الشّيءُ إذا بان وظهر، حتّى قال العلماء: إنّ حروف هذه الكلمة تدلّ على البيان ولو قلبت، ومنه ( سفر )، أي: كشف، وأسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته، وهو السّفور، ومنه أيضا قوله تعالى: (( وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ )) [المدثر:34]: أي أضاء، و( السَّفَر ) سمّي بذلك لأنّه يكشف عن طباع وأخلاق صاحبه، وغير ذلك.

    إلاّ أنّ السّفْر هو الكشف المادّي والظّاهر، والفسْر هو الكشف المعنويّ والباطن.


    اصطلاحا:
    قال الزّركشي رحمه الله في " البرهان ": " هو علم يفهم به كتاب الله المنزّل على نبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم ، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحكمه ".



    بين التّفسير والتأويل:
    في عبارات الكتاب والسنّة وعبارات السّلف نجد أنّ التّأويل والتّفسير بمعنى واحد، كما في قوله تعالى: (( وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيث )) [يوسف: من الآية6]، وقوله على لسان يوسف عليه السّلام : (( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ )) [يوسف: من الآية101]، وقول نبيّ الله الخضر عليه السّلام : (( ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً )) [الكهف: من الآية82]، وكما في الحديث الّذي رواه أحمد وأصله في الصّحيحين بغير هذا اللّفظ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَدَهُ عَلَى كَتِفِي، أَوْ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمَّ قَالَ: (( اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ )).

    ومنه قول الإمام الطّبري رحمه الله: " القول في تأويل قوله تعالى كذا.. ".



    أمّا في عرف المتأخّرين فهو " صرف اللّفظ عن ظاهره "، فهو اصطلاح لهم ليقابل الظّاهر فيسمّونه مؤوّلا، فالتّأويل بهذا المعنى:
    إن كان لدليل فهو محمود، وهو بمعنى التّفسير والإيضاح.

    وإن لم يكن قائما على دليل فهو مذموم لا يحلّ لمسلم الأخذ به.

    مثال على ذلك: التّأويل بحذف المضاف، فإنّه يقبل في قوله تعالى: (( وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا )) [يوسف: من الآية82]، أي أهلها[1] .

    ولكنّه لا يقبل في قوله تعالى: ((
    وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً )) [الفجر:22]، حيث قالوا: وجاء أمر ربّك، لأنّه لا دليل من النّقل أو العقل على نفي مجيء الله.

    فإن قيل: إنّ من المقرّر أنّه ليس هناك ترادف من جميع الوجوه، فما الّذي يمكن أن يعتبر فرقا بين التّفسير والتّأويل ؟

    فالجواب:
    أنّ هناك من لم يقل بالفرق بينهما كأبي عبيد رحمه الله، وقد بالغ بعضهم في ردّ ذلك، حتّى قال ابن حبيب النّيسابوري: " قد نبغ في زماننا مفسّرون، لو سئلوا عن الفرق بين التّفسير والتّأويل ما اهتدوا إليه ".

    والصّواب أنّ هناك فروقا قد ذكرها السّيوطي رحمه الله في " الإتقان "، وأحسنها: أنّ التّفسير يطلق غالبا على الألفاظ والمفردات، والتأويل يطلق على المعاني والجمل.



    فضل علم التّفسير:
    فلا شكّ أنّ علم التّفسير من العلوم المقصودة لذاتها ولغيرها، فهو ليس علما من علوم الآلة، وذلك لأنّ الله تعالى أمر بتدبّر كتابه، فقال: (( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )) [محمد:24]

    فكلام الله تعالى هو ينبوع كلّ حكمة، ومعدن كلّ فضيلة، وهو لا يزال المصدر الأوّل لكلّ علم من علوم الدّنيا والآخرة، ولذلك نجد أنّ الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يحرصون كلّ الحرص على الجمع بين حفظ القرآن وفهمه.

    روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ زيد بن خالد الجهنيّ رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ آيَاتٍ، فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالُوا: فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ.

    فلذلك روى الإمام مالك في " الموطّأ "- لكن بلاغا - أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنه مَكَثَ عَلَى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثَمَانِيَ سِنِينَ يَتَعَلَّمُهَا.
    فإن صحّ ذلك، فإنّما ذلك طلبا لفقهها، فلا يجاوز آية إلى غيرها دون فقه وفهم.

    وروى مالك أيضا وغيره أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ لِأحدهم: ( إِنَّكَ فِي زَمَانٍ كَثِيرٌ فُقَهَاؤُهُ، قَلِيلٌ قُرَّاؤُهُ..وَسَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ قَلِيلٌ فُقَهَاؤُهُ كَثِيرٌ قُرَّاؤُهُ ).

    وفي الصّحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ رجلا قال له: " إنيّ أقرأ المفصّل في ركعة واحدة "، فقال:" هذّاً كهذّ الشّعر، إنّ قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع".

    وأخرج الآجرّي في " أخلاق حملة القرآن " عن ابن مسعود رضي الله عنه أيضا قال: " لا تنثروه نثر الدّقل، ولا تهذّوه هذّ الشّعر، قفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكون همّ أحدكم آخر السّورة ".

    وذُمّ الخوارج بسبب أنّهم يتلون كلام الله دون أن يصل إلى قلوبهم فيعقلوه، كما في الحديث المتّفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا أَوْ فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنْ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ )).

    ولذلك أكّد العلماء على أنّ قراءة القرآن ينبغي أن تكون بالتدبّر والتفهّم، فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهمّ، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال تعالى: (( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه )).

    قال النّووي في "شرح المهذّب":
    " وصفة ذلك، أن يشغل قلبه بالتّفكير في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كلّ آية ويتأمّل الأوامر والنّواهي، ويعتقد قبول ذلك، فإن كان ممّا قصّر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرّ بآية رحمة استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوّذ، أو تنـزيه نزّه وعظّم، أو دعاء تضرّع وطلب، أخرج مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال:" صلّيت مع النبيّ ذات ليلة، فافتتح البقرة فقرأها، ثم النّساء فقرأها، ثمّ آل عمران فقرأها، يقرأ مترسّلا، إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبّح، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ."

    وأخرج التّرمذي والحاكم عن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، فقرأ عليهم سورة " الرّحمن "، من أوّلها إلى آخرها، فسكتوا، فقال صلى الله عليه وسلم : (( لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ عزّ وجلّ: (( فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )) قَالُوا: " وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ، فَلَكَ الحَمْدُ )).

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (13/332):
    " ومن المعلوم أنّ كلّ كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرّد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك، وأيضا فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتابا في فنّ من العلم كالطبّ والحساب ولا يستشرحوه، فكيف بكلام الله الّذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم ؟..".

    فعلم التّفسير جانب كبير من جوانب تدبّر كلام الله تعالى.

    ولنا لقاء آخر إن شاء الله
    نرى من خلاله آداب وشروط المفسّر.
    وسبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.



    عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 18.09.08 14:49 عدل 2 مرات
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    فضل علم التفسير، وآداب المفسر Empty رد: فضل علم التفسير، وآداب المفسر

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 18.09.08 14:45

    آدَابُ المُــفَـــسِّـــرِ.

    بقلم :

    الشيخ أبو جابر عبد الحليم توميات الجزائري.
    الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله،

    أمّا بعد:

    فالمقصود بالمفسّر الّذي يُطالَب بهذه الآداب والشّروط هو من يفسّر القرآن ابتداءً، أو يرجّح قولا على قول من كلام المفسّرين، وثمرة معرفة هذه الشّروط والآداب أن يحسن
    الطّالب للتّفسير اختيار الكتب في ذلك.



    وأهمّ هذه الآداب:

    1-صحّة الاعتقاد:
    الاعتقاد في الله، واليوم الآخر، والأنبياء، والقدر، والملائكة، والكتاب، وذلك لا بدّ منه، فإنّ القرآن وإن سلم من تحريف ألفاظه، فإنّه لم يسلم من تحريف معانيه، لذلك جاء في مسند الإمام أحمد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (( فِيكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، كَمَا قَاتَلَ عَلَى تَنْزِيلِهِ )) [الصّحيحة (2487)]، ولا شكّ أنّه يقصد مقاتلة أبي بكر رضي الله عنه لأهل الردّة، ومقاتلة عليّ رضي الله عنه للخوارج.

    وقد حذّر الله من هؤلاء في كتابه، فقال: (( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِه )) [آل عمران: من الآية7]، جاء في الصّحيحين عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ: (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ )) قَالَ صلى الله عليه وسلم : (( فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ )).

    فربّما فسّر كلام الله على غير مراده، كما هو حال أهل الإلحاد، من الباطنيّة والاتّحاد، أو أهل التّأويل كالمعنزلة والأشاعرة وغيرهم.

    ألا ترى كيف فسّر الباطنيّة قوله تعالى: (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ )) [الإسراء: من الآية23] أنّ المراد: حكم الله أنّه ما عبد أحد شيئا إلاّ وهو يعبد الله، فالمجوس لمّا عبدوا النّار ما عبدوا إلاّ الواحد القهّار، وكذلك تأويلهم لنصوص اليوم الآخر، وللأسماء والصّفات، وغير ذلك ممّا لا يُحصى.



    2-التجرّد عن الهوى:
    فلربّما كان على اعتقاد سليم في باب الأسماء والصّفات والإيمان باليوم الآخر وغير ذلك، ولكنّه ابتُلي بالعصبيّة للمذهب والشّيخ، أو بالضّعف أمام سلطان الجاه والمال، فتراه يحمل آيات الله على وفق مراده، فيشتري بآيات الله ثمنا قليلا.
    كمن أحلّ قليل الرّبا مستدلاّ بقوله تعالى: (( لاَ تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً )) [آل عمران: من الآية130].



    3-أن يفسّر القرآن بالقرآن والسنّة:
    فليس هناك أعلم بمراد الله تعالى من الله ورسوله ، فما أطلق في موضع ربّما قيّد في موضع آخر، أو في السنّة، وكذلك ما عمّم، وما أجمل، وهذا لا شكّ أنّه يتطلّب من المرء الاعتناء بالقرآن من أوّله إلى آخره، وبالسنّة رواية ودراية.

    مثال على ذلك:
    قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّم) [المائدة: من الآية3]، لفظان عامّان، جاء في القرآن ما يقيّد كلاّ منهما، فميتة البحر قال تعالى فيها:(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُم)[المائدة: من الآية96]، وقيّد الدّم بقوله في سورة الأنعام:(قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) [الأنعام: من الآية145]. والسنّة خصّت من عموم القرآن كذلك، فقداروى ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ-والعلماء يرجّحون وقفه ولكنّه في حكم المرفوع-: (( أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ: فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ )).

    والأمثلة من السنّة كثيرة جدّا، إمّا أن تخصّص العمومات كما ذكرنا، أو تبيّن المعنى، كتفسيره لقوله تعالى:(فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً) [الانشقاق:8] بأنّه مجرّد عرض الأعمال، وتفسيره للظّلم في قوله تعالى:(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82] فسّره بالشّرك كما في قوله تعالى على لسان لقمان:إِنَّ (الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: من الآية13]، وغير ذلك من الآيات.



    4-أن يفسّره بكلام الصّحابة ،
    فهم جمعوا بين أمرين عظيمين: حسن الفهم، وحسن القصد، وظهر من بعدهم: سوء الفهم وهو الجهل، وسوء القصد وهو الظّلم، فلا يُعدل إلى كلام غيرهم إن صحّ السّند إليهم، وعلى رأسهم تفسير الخلفاء الأربعة، وابن مسعود الّذي جاء في صحيح البخاري ومسلم عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ( وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ ). ومثله ابن عبّاس ، وقد مرّ معنا الحديث في " مسند الإمام أحمد "، ورواية البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ: (( اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ ))، ويأتي بعدهم أبيّ بن كعب ، ثمّ غيرهم.

    5-الاعتناء بأقوال التّابعين:
    فإذا لم يجد عن الصّحابة خبرا، ولم يلق لهم أثرا اعتمد كلام تلامذة هؤلاء الصّحابة:
    فمن أشهر تلاميذ ابن عبّاس بمكّة: سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عبّاس، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس بن كيسان.

    ومن أشهر تلاميذ ابن مسعود بالكوفة: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق بن الأجدع، وقتادة بن دعامة، عامر الشّعبي.

    وأشهر تلاميذ أبيّ بن كعب بالمدينة: زيد بن أسلم، وأبو العالية، ومحمّد بن كعب القرظي.



    6-العلم باللّغة العربيّة:
    فلا شكّ أنّ هذا لا بدّ منه لأنّ القرآن عربيّ، ولا يعني ذلك الاعتناء بالألفاظ الغريبة، ولكن لا بدّ أن يعرف أسلوب التّخاطب بين العرب، فإنّ الإنشاء قد يراد منه الخبر، والخبر قد يراد منه الإنشاء،
    ولا بدّ من معرفة ضوابط وشروط المجاز، كما أنّ المقصود من ذلك معرفة قدر لا بأس به من حياة العرب، ومن الأمثلة على ذلك: ( وما قتلوه يقينا )، و( ومن دخله كان آمنا )، و( حتّى يتبيّن لكم الخيط الأسود من الأبيض من الفجر )، ولذلك يروي ابن أبي حاتم في " تفسيره " بسند ضعيف والطّبريّ من طريق أخرى عن ابن عبّاس أنّه قال: " التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلاّ الله ".



    7-العلم بالعلوم المتّصلة بالقرآن:
    كعلم النّاسخ والمنسوخ، والقراءات، وقواعد التّفسير، وأسباب النّزول.

    دقّة الفهم، وهذا ما يسمّيه الشّافعيّ بجودة القريحة، كالاستنباط الّذي ينقل عن العلماء في كثير من الآيات، فقد استنبطوا أكثر من ثلاث وعشرين حكما من قوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ .).[الآية من البقرة:233]، واستنباطهم من قوله تعالى:(وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ) أنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، واستنباطهم من قوله تعالى:(وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) أنّ النّبيّ تقتله اليهود، وغير ذلك



    وسبحانك اللهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


    والنقل
    لطفـــــــــاً .. من هنـــــــــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 11.05.24 14:13