خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر Empty "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 13.09.08 4:43


    القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد


    الحلقة: الأولى


    بقلم:

    أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر


    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين المعتدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين.



    أما بعد:



    فإن الرد على أهل البدع والدعاة إلى الأهواء، والتحذير من باطلهم، ونقض شبهاتهم وأضاليلهم، وإشهار عيوبهم ونقائصهم، وبيان أنهم على غير الحق والصواب أمر متحتم على أهل العلم وطلابه، ليُتقى شرُّ هؤلاء، وليعلم القاصي والداني ضلالهم وانحرافهم وبعدهم عن الحق والرشاد، وهذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المأمور به شرعاً.


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [والداعي إلى البدعة مستحق العقوبة باتفاق المسلمين، وعقوبته تكون تارة بالقتل وتارة بما دونه، كما قتل السلف جهم بن صفوان والجعد بن درهم وغيلان القدري وغيرهم، ولو قدر أنَّه لا يستحق العقوبة أو لا يمكن عقوبته فلا بد من بيان بدعته والتحذير منها، فإن هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به ورسوله].


    وقال رحمه الله: [ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل، فبيَّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير في سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً].

    ورغم وضوح هذا المنهج وظهوره وكثرة عوائده وفوائده إلا أنه قد ظهرت في زماننا هذا بعض من الأفراد والجماعات مواقف مخذولة وآراء مرذولة تدعو بلا حياء إلا السكوت عن أهل البدع والأهواء وعدم التحذير منهم، وزعموا أن هذا هو المنهج الأقوم والطريق الأحكم، وقالوا: هذا رأبٌ للصدع ولمٌّ للشمل وتوحيدٌ للصف وجمع للكلمة.
    وما من ريب أن هذا المنهج باطل، أضراره كثيرة وأخطاره جسيمة على الإسلام والسنة، وفيه أعظم تمكين لأهل البدع والأهواء في نشر ضلالهم وباطلهم، وهو منهج منحرف عن الكتاب والسنة.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد ذكر جماعةً من أهل البدع يعتقدون اعتقاداً هو ضلال يرونه هو الحقّ، ويرون كفر من خالفهم في ذلك، قال: [وبإزاء هؤلاء المكفرين بالباطل أقوام لا يعرفون اعتقاد أهل السنة والجماعة كما يجب أو يعرفون بعضه ويجهلون بعضه، وما عرفوه منه قد لا يبيِّنونه للناس بل يكتمونه، ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب والسنة، ولا يذمون أهل البدع ويعاقبونهم، بل لعلهم يذمون الكلام في السنة وأصول الدين ذماً مطلقاً، لا يفرقون فيه بين ما دلَّ عليه الكتاب والسنة والإجماع وما يقوله أهل البدع والفرقة، أو يقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة، كما يقرّ العلماء في مواضع الاجتهاد التي يسوغ فيها التنازع، وهذه الطريقة قد تغلب على كثير من المرجئة وبعض المتفقهة والمتصوفة والمتفلسفة، كما تغلب الأولى على الكثير من أهل الأهواء والكلام، وكلتا هاتين الطريقتين منحرفة خارجة عن الكتاب والسنة، وإنما الواجب بيان ما بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، وتبليغ ما جاءت به الرسل عن الله والوفاء بميثاق الله الذي أخذه على العلماء فيجب أن يَعْلَم ما جاءت به الرسل ويؤمن به ويبلغه ويدعو إليه ويجاهد عليه، ويزن جميع ما خاض الناس فيه من أقوال وأعمال في الأصول والفروع الباطنة والظاهرة بكتاب الله وسنة رسوله غير متبعين لهوى من عادة أو مذهب أو طريقة أو رئاسة أو سلف ولا متبعين لظنٍّ من حديث ضعيف أو قياس فاسد –سواء كان قياس شمول أو قياس تمثيل- أو تقليد لمن لا يجب اتباع قوله وعمله، فإن الله ذمَّ في كتابه الذين يتبعون الظنَّ وما تهوى الأنفس ويتركون ما جاءهم من ربهم من الهدى] ا.هـ.

    وما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه أولئك الذين يتحدث عنهم شيخ الإسلام آنفاً عن طريقتهم بهؤلاء المعاصرين الداعين للسكوت عن أهل البدع والأهواء والمقربين بين الطوائف على اختلاف مذاهبهم وتباين طرائقهم مع أهل السنة والجماعة.

    شتـان بـين الحـالتين فإن تُـرِد :: جمعاً فما الضدان يجتمعان
    شتان بين العسكرين فمن يكن :: متحـيراً فلينظر الفئـتان
    وإنما الحق والواجب في ذلك لزوم الكتاب والسنة والتمسك بما جاء فيهما ونبذ ما سوى ذلك من باطل وضلال وانحراف كما سبق إيضاح ذلك وتقريره في كلام شيخ الإسلام المتقدم.

    وعليه

    فإن مؤلفات أهل السنة الكثيرة في الرد على أهل البدع والأهواء المقصود منها النصيحة لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وفيها دعوة للمردود عليه إلى محاسبة نفسه ووزن أقواله لعله يعود إلى رشده ويترك غيَّه وباطله، وفيها حماية للمجتمع المسلم من الباطل المبثوث في كتاب المبتدع المبطل الناشر للضلال.
    ولم يبعد أحد من شيوخنا المعاصرين إذ قال: [وكما أنه يوضع في زماننا أماكن للحجر الصحيّ لمن بهم أمراض معدية، فإن أهل البدع والأهواء الداعين إلى باطلهم أولى بالحجر من أولئك؛ لأن هؤلاء يمرضون القلوب ويفسدون الأديان، وأولئك يفسدون الأجسام ويمرضون الأبدان].

    ولكن من لنا بمن يكمِّم أفواههم ويقطع ألسنتهم ويكسر أقلامهم كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بصبيغ وكما فعل خالد القسري بالجعد؟ فإلى الله المشتكى.
    هذا وإن من حاملي ألوية البدعة وأَزِمَّة الفتنة في زماننا شاباً جهمياً معاصراً أخذ على عاتقه نشر الضلال والباطل والهجوم على أهل الحق والسنة وتمجيد أهل الضلال والبدعة، وهو المدعو حسن بن علي السقاف، ولم أقف على شيء من كتبه ولله الحمد، إلا كتاباً واحداً بُليت بقراءته وهو كتاب ((التنديد بمن عدَّد التوحيد. إبطال محاولة التثليث في التوحيد والعقيدة الإسلامية)) فهالني ما فيه إذ قد حكم على عامة المسلمين الموحدين لله في ربوبيته وأسمائه وصفاته بأنهم ثلثوا في عقيدتهم.

    ومن المعلوم أن التثليث عقيدة نصرانية فاسدة حكم الله في القرآن على أهلها بالكفر، ولم أحسب أنَّ أحداً تبلغ به الجرأة أن يحكم بهذا الحكم أو يقرر هذا التقرير الباطل الجائر حتى وقفت على كلام هذا المسكين الهالك. أقول ما قيل:

    الله أخّرَ موتتـي فتأخرتْ :: حتى رأيت من الزمان عجائبا
    هذا من عنوان الكتاب فحسب، أما مضمونه فقد اشتمل على عجائب وغرائب وطوامٍ كثيرةٍ كل واحدة منها كافية لإخراج الرجل من دائرة العلماء بل ومن دائرة العقلاء فحسيبه الله على ما قدم، وعند الله تجتمع الخصوم، ومن قرائتي لكتابه كاملاً ظهر لي من حال الرجل ما يلي:

    أولاً:

    كونه جهمياً جلداً يرى أن ربه لا يوصف بأنه خارج العالم ولا داخله وينسب ذلك زوراً وبهتاناً إلى أهل السنة والجماعة.

    ثانياً: وجدته محرفاً من الدرجة الأولى لأقوال أهل العلم ونصوصهم.

    ثالثاً: وجدته كثير الكذب والتدليس والتلبيس.


    رابعاً: ثم هو سليط اللسان، بذيء القول، يرمي أهل السنة بالعظائم، ومن أمثلة ذلك قوله عنهم: ص6 ((المتمسلفين)) وص1 ((أصحاب العقول ذات التفكير السطحي الضحل)) وص17 ((فخذ بحدك في التجسيم يا ابن القيم)) وص19 ((وهو دليل قاطع عند أي قارئ لبيب على الوثنية التي يدعو إليها هؤلاء باسم توحيد الأسماء والصفات)) وص23 ((المبتدعة الخراصون)) وص37 ((المجسمة)) وص40 ((المجسمة المشبهة)) وص60 ((وأن المراد منه عند هؤلاء المتمسلفين ما رأينا من التجسيم وإقامة الوثنية التي حاربها الإسلام وجاء بهدمها)).

    هكذا يقول، ولا ريب أن من أكبر علامات أهل البدع الوقيعة في أهل السنة والأثر، قال إسحاق بن راهويه: علامة جهم وأصحابه دعواهم على أهل السنة والجماعة ما أولعوا به من الكذب أنهم مشبهة، بل هم المعطلة، وكذلك قال خلق كثير من أئمة السلف: علامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة.


    فما حال إذاً من يجعلهم أهل عقائد وثنية !؟

    خامساً:

    يمجد أهل البدع ويعظمهم ويكثر من الثناء عليهم ولا سيما إمامه وشيخه قائد التجهم في عصرنا محمد زاهد الكوثري بل هو من رائشي نبله والحطبين في حبله والساعين في نصرته؛ ولهذا يكثر من النقل عنه فأحياناً يصرح باسمه كما في (ص:38-39)، وأحياناً لا يصرح باسمه، كما في (ص11) فهو منقول من هامش السيف الصقيل للكوثري (ص27)، وكما في (ص14) فهو منقول من هامش السيف الصقيل للكوثري (ص115) ويصفه بالإمام المحدث.
    سادساً: استخفافه ببعض الأحاديث كما في ص55 حيث قال: ((كما جاء في حديث الجارية الذي يتشدقون به)) !!

    فلهذا ولغيره رأيت من الواجب التنبيه على باطل هذا الكتاب وضلاله، والتحذير منه وكشف بعض تلبيساته وتدليساته، وفضح كذبه وتزويره، ونقض شبهه وأباطيله في كتابه المذكور، نصراً للحق وذباً عن السنّة ودفاعاً عن علماء الأمة ورداً للباطل وإزهاقاً له.

    هذا دون تَقَصٍّ لكل ما فيه، ولو ناقشته على جميع ما اشتمل عليه كتابه من الظلم والتعدي والجور والكذب والخلط والتلبيس والتدليس والتشنيع لطال الكلام، ولكن التنبيه على قليل من ظلاله وباطله مرشدٌ مرشدٌ إلى معرفة الكثير لمن له أدنى فهم وأقلّ علم، واللبيب تكفيه الإشارة، ولو أن هذا الكاتب سكت ولم يكتب ما كتب واشتغل بتحصيل العلم الشرعي من مظانه من الكتاب والسنة لكان خيراً له وأقوم، ولأراح غيره، لكنه صار كمن يبحث عن حتفه بظلفه.

    فكان كعنز السوء قامت بظلفها :: إلى مدية تحت التراب تثيرها
    فنسأل الله أن يهدي ويهدي ضال المسلمين، وأن يردهم إلى الحق رداً جميلاً، وأن يعيذنا من الأهواء المطغية والفتن المردية بمنه وكرمه.

    وهذا أوان الشروع في المقصود.

    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر Empty رد: "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 13.09.08 4:46

    الحلقة الثانية


    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وخيرة ربِّ العالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    بيان مختصر لأقسام التوحيد

    القسم الأول: توحيد الربوبية، وهو توحيد الإقرار بأن الله تعالى رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه، وأنه المحيي المميت النافع الضار المتفرد بإجابة الدعاء عند الأضرار، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، القادر على كل شيء، ليس له في ذلك شريك، ويدخل في ذلك الإيمان بالقدر.


    القسم الثاني: توحيد الأسماء والصفات، وهو الإقرار بأن الله بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، له المشيئة النافذة، والحكمة البالغة، وأنه سميع بصير رؤوف رحيم، على العرش استوى، وأنه الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر، سبحان الله عما يشركون، إلى غير ذلك من الأسماء الحسنى والصفات العلى، والإيمان الجازم بها دون تحريف أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل.


    القسم الثالث: توحيد الإلهية، ومبناه على إخلاص التأله لله تعالى، من المحبة والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والدعاء لله وحده، وإخلاص العبادات كلها ظاهرها وباطنها لله وحده لا شريك له، فلا يُجعل فيها شيٌ لغيره، لا لِمَلَك مقرّبٍ، ولا لنبي مرسل، فضلاً عن غيرهما، وهذا التوحيد هو الذي تضمنه قول الله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين}، وهو أول الدين وآخره، وباطنه وظاهره، وهو أول دعوة الرسل وآخرها، وهو معنى قول: لا إله إلا الله؛ فإن الإله هو المألوه المعبود بالمحبة والخشية والإجلال والتعظيم وجميع أنواع العبادة، ولأجل هذا التوحيد خُلقت الخليقة، وأُرسلت الرسل، وأُنزلت الكتب، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وسعداء أهل الجنة وأشقياء أهل النار.


    أضداد هذه الأقسام
    ولكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة ضد؛ فإذا عرفت أن توحيد الربوبية هو الإقرار بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المحيي المميت المدبر لجيمع الأمور المتصرف في كل مخلوقاته لا شريك له في ملكه، فضد ذلك هو اعتقاد العبد وجود متصرف مع الله غيره فيما لا يقدر عليه إلا الله.


    وإذا عرفت أن توحيد الأسماء والصفات هو أن يُدعى الله بما سمى به نفسه، ويُوصف بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويُنفى عنه التشبيه والتمثيل، فضد ذلك شيئان، ويَعمهما اسم الإلحاد:

    أحدهما: نفي ذلك عن الله عز وجل وتعطيله عن صفات كماله ونعوت جلاله الثابتة بالكتاب والسنة.

    وثانيهما: تشبيه صفات الله تعالى بصفات خلقه، وقد قال تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، وقال تعالى: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} [البقرة:255].


    وإذا علمت أن توحيد الألوهية هو إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادة، ونفي العبادة عن كل ما سوى الله تبارك وتعالى، فضد ذلك هو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله عز وجل، وهذا هو الغالب على عامة المشركين، وفيه الخصومة بين جميع الرسل وأممهم. [معارج القبول1/418].


    توحيد الربوبية وحده لا يكفي
    لقد حكى الله سبحانه وتعالى في كتابه عن المشركين أنهم مُقرُّون بتوحيد الربوبية، فقال تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [سورة يونس:31]، وقال: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [سورة العنكبوت:63]، وقال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [سورة النمل:62]، فهم كانوا يعرفون الله ويعرفون ربوبيته وملكه وقهره، ومع ذلك فإن هذا الإقرار لا يكفيهم ولا ينجيهم، وما ذلك إلا لإشراكهم في توحيد العبادة الذي هو معنى لا إله إلا الله، ولهذا قال الله تعالى عنهم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} [سورة يوسف:106]، قال ابن عباس: ((من إيمانهم: إذا قيل لهم: من خلق السماء، ومن خلق الأرض، ومن خلق الجبال؟ قالوا: الله، وهم مشركون)).


    وقال عكرمة: ((تسألهم من خلقهم ومن خلق السموات والأرض؟ فيقولون: الله، فذلك إيمانهم بالله، وهم يعبدون غيره)).

    وقال مجاهد: ((إيمانهم بالله قولهم: الله خلقنا ويرزقنا ويميتنا، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره)).


    وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: ((ليس أحد يعبد مع الله غيره، وإلا وهو مؤمن بالله ويعرف أن الله ربه، وأن الله خالقه ورازقه وهو يشرك به، ألا ترى كيف قال إبراهيم: {قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ } [سورة الشعراء:75-77]، قد عرف أنهم يعبدون رب العالمين مع ما يعبدون، قال: فليس أحد يشرك إلا وهو مؤمن به، ألا ترى كيف كانت العرب تلبي تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك. المشركون كانوا يقولون هذا.


    وقال تبارك وتعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة:22]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره، وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من توحيده هو الحق الذي لا شك فيه))، [رواه ابن جرير في تفسيره1/164].


    وقال قتادة: ((أي تعلمون أن الله خلقكم وخلق السموات والأرض ثم تجعلون له أنداداً))، [رواه ابن جرير في تفسيره1/164].

    وقد أورد ابن القيم رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره قول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ} [سورة الأنعام:1]، أنه قال: ((يريد: عَدلُوا بي من خَلْقي الحجارة والأصنام بعد أن أقروا بنعمتي وربوبيتي)). [إغاثة اللهفان2/226].
    ومن الشواهد على اعتراف المشركين بربوبية الله من كلامه: قول زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة:

    فلا تكتمنَّ الله ما في نفوسكم :: ليخفى فمهما يُكتم الله يعلم
    يُؤخر فيوضعَ في كتاب فيُدَّخر :: ليوم حساب أو يعجل فينقم


    قال ابن كثير - وقد أورد هذين البيتين: فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بوجود الصانع وعلمه بالجزئيات وبالمعاد وبالجزاء وبكتابة الأعمال في الصحف ليوم القيامة)).
    وقال ابن جرير : وقد أنشد لبعض الجاهلية الجهلاء :
    ألا ضربت تلك الفتاة هجينها :: ألا قضب الرحمن ربي يَمينها


    وقال سلامة بن جندل الطهوي:
    عجلتم علينا عجليتنا عليكم :: وما يشأ الرحمن يعقد ويطلق
    والشواهد على هذا كثيرة، ومع ذلك فهم مشركون ؛ لأنهم يعبدون مع الله غيره .



    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر Empty رد: "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 13.09.08 4:50

    ذكر بعض دلائل هذه الأقسام

    ولهذه الأقسام الثلاثة للتوحيد دلائل كثيرة وبراهين عديدة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا تحصر، يعرفها من لديه أدنى إلمام بنصوص الكتاب والسنة، بل إن من يحفظ فاتحة الكتاب وسورة الناس يجد فيهما ما يشفي ويكفي من وضوح دلالةٍ ونصوع برهان على هذا التقسيم، بل هو أكبر الحقائق الشرعية المقررة في الكتاب والسنة.

    1- فمن أدلة توحيد الربوبية: قول الله تبارك وتعالى: {الحمد لله رب العالمين}، وقوله {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} [الرعد: 54]، وقوله تعالى: {قل من رب السموات والأرض قل الله} [الرعد: 16]، وقوله تعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون (84) سيقولون لله قل أفلا تذكرون (85) قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم (86) سيقولون لله قل أفلا تتقون (87) قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون (88) سيقولون لله قل فأنى تسحرون} [المؤمنون: 84- 89]، وقوله تعالى: {ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين} [غافر: 64]، وقوله تعالى: {الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل} [الزمر: 62].


    2- ومن أدلة توحيد الألوهية: قول الله تبارك وتعالى: {الحمد لله}؛ لأنَّ الله معناه المألوه المعبود، وقوله: {إياك نعبد وإياك نستعين}، وقوله: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة: 21]، وقوله: {فاعبد الله مخلصا له الدين (2) ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 2، 3]، وقوله: {قل الله أعبد مخلصا له ديني (14) فاعبدوا ما شئتم من دونه} [الزمر: 14، 15]، وقوله: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [البينة: 5]، وغيرها من الآيات.


    3- ومن أدلة توحيد الأسماء والصفات: قول الله تبارك وتعالى: {الرحمن الرحيم (3) مالك يوم الدين}، وقوله سبحانه: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} [الإسراء: 110]، وقوله: {هل تعلم له سميا} [مريم: 65]، وقوله: {الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى} [طه: 8]، وقوله: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]، وآخر سورة الحشر، وغيرها من الآيات.


    الآيات الجامعة لأقسام التوحيد الثلاثة

    ومن الآيات التي جمعت أقسام التوحيد الثلاثة: قول اللَّه تبارك وتعالى في سورة مريم: {رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا} [مريم: 65].

    يقول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله مبينًا دلالة الآية على ذلك: (( اشتملت- أي الآية- على أصول عظيمة: على توحيد الربوبية وأنه تعالى رب كلِّ شيء وخالقه ورازقه ومدبره، وعلى توحيد الألوهية والعبادة وأنه تعالى الإله المعبود، وعلى أنَّ ربوبيته موجبة لعبادته وتوحيده، ولهذا أتى فيه بالفاء في قوله: {فاعبده} الدالة على السبب أي: فكما أنه رب كل شيء فليكن هو المعبود حقًّا فاعبده، ومنه: الاصطبار لعبادته تعالى وهو جهاد النفس وتمرينها وحملها على عبادة اللَّه تعالى فيدخل في هذا أعلى أنواع الصبر وهو الصبر على الواجبات والمستحبات والصبر عن المحرمات والمكروهات، بل يدخل في ذلك الصبر على البليات؛ فإنَّ الصبر عليها وعدم تسخطها والرضى عن الله بها من أعظم العبادات الداخلة في قوله: {واصطبر لعبادته}، واشتملت على أن الله تعالى كامل الأسماء والصفات، عظيم النعوت جليل القدر، وليس له في ذلك شبيه ولا نظير ولا سمي، بل قد تفرَّد بالكمال المطلق من جميع الوجوه والاعتبارات )).


    القرآن كله مقررٌ لهذا التوحيد

    وفي بيان دلالة القرآن على أنواع التوحيد يقول العلامة ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر أنَّ كلَّ طائفة تُسمِّي باطلها توحيدًا: (( وأمَّا التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه فوراء ذلك كلِّه، وهو نوعان: توحيد في المعرفة والإثبات، وتوحيد في الطلب والقصد.


    فالأول:

    هو حقيقة ذات الرب تعالى وأسمائه في صفاته وأفعاله، وعلوه فوق سماواته على عرشه، وتكلمه بكتبه وتكليمه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمه. وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جدَّ الإفصاح، كما في أول سورة الحديد وسورة طه، وآخر سورة الحشر، وأول سورة الم تنزيل السجدة، وأول سورة آل عمران، وسورة الإخلاص بكاملها وغير ذلك.

    النوع الثاني:
    مثل ما تضمنته سورة: {قل يا أيها الكافرون}، وقوله: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} الآية [آل عمران: 64]، وأول سورة تنزيل الكتاب وآخرها، وأول سورة يونس ووسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام. وغالب سور القرآن، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد، بل نقول قولًا كليًّا: كلَّ آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد شاهدة له داعية إليه؛

    فإنَّ القرآن إما خبر عن اللَّه وأسمائه وصفاته وأفعاله فهو التوحيد العلمي الخبري،

    وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع كل ما يُعبد من دونه فهو التوحيد الإرادي الطلبي،

    وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته في نهيه وأمره فهي حقوق التوحيد ومكملاته،

    وإمَّا خبر عن كرامة اللَّه لأهل توحيده وطاعته وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة فهو جزاء توحيده،

    خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النَّكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد،

    فالقرآن كلُّه في التوحيد وحقوقه وجزائه، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم،

    ف {الحمد لله} توحيد، {رب العالمين}: توحيد، {الرحمن الرحيم} توحيد، {مالك يوم الدين}، {إياك نعبد} توحيد، {وإياك نستعين} توحيد، {اهدنا الصراط المستقيم} توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد، الذين أنعم اللَّه عليهم {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} الذين فارقوا التوحيد)). [مدارج السالكين 3-449، 450].


    وقال الشوكاني رحمه اللَّه في مقدمة كتابه القيم (إرشاد الثقات إلى إتقان الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات) ،قال: (( واعلم أن إيراد الآيات القرآنية على إثبات كلِّ مقصد من هذه المقاصد، وإثبات اتفاق الشرائع عليها، لا يحتاج إليه من يقرأ القرآن العظيم؛ فإنه إذا أخذ المصحف الكريم وقف على ذلك في أيِّ موضع شاء، ومن أيِّ مكان أحب، وفي أيِّ محل منه أراد، ووجده مشحونًا به من فاتحته إلى خاتمته)).


    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر Empty رد: "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 13.09.08 4:56





    تقسم التوحيد حقيقة شرعية معلومة بالاستقراء
    قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحِمه اللَّهُ: وقد دلَّ استقراء القرآن العظيم على أن توحيد اللَّه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

    الأول: توحيد الله في ربوبيته، وهذا النوع من التوحيد جُبلت عليه فِطَرُ العقلاء، قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف: 87]، وقال: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون} [يونس: 31]، وإنكار فرعون لهذا النوع من التوحيد في قوله: {قال فرعون وما رب العالمين} [الشعراء: 23]، تجاهل من عارفٍ أنه عبدٌ مربوبٌ؛ بدليل قوله تعالى: {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر} [الإسراء: 102] الآية، وقوله: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} [النمل: 14]، وهذا النوع من التوحيد لا ينفع إلا بإخلاص العبادة لله، كما قال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} [يوسف: 106]، والآيات الدالة على ذلك كثيرة جدًّا.


    الثاني: توحيده جل وعلا في عبادته، وضابط هذا النوع من التوحيد هو تحقيق معنى: "لا إله إلا الله"، وهي متركبة من نفي وإثبات، فمعنى النفي منها: خلع جميع أنواع المعبودات غير الله كائنة ما كانت، في جميع أنواع العبادات كائنة ما كانت.

    ومعنى الإثبات منها: إفراد اللَّه جل وعلا وحده بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام، وأكثر آيات القرآن في هذا النوع من التوحيد، وهو الذي فيه المعارك بين الرسل وأممهم: {أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} [ص: 5].

    ومن الآيات الدالة على هذا النوع من التوحيد: قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} [محمد: 19] الآية، وقوله: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36] الآية، وقوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، وقوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} [الزخرف: 45]، وقوله: {قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون} [الأنبياء: 108]، فقد أمر في هذه الآية الكريمة أن يقول: إن ما أوحي إليه محصور في هذا النوع من التوحيد؛ لشمول كلمة "لا إله إلا الله" لجميع ما جاء في الكتب؛ لأنها تقتضي طاعة اللَّه بعبادته وحده، فيشمل ذلك جميع العقائد والأوامر والنواهي، وما يتبع ذلك من ثواب وعقاب. والآيات في هذا النوع من التوحيد كثيرة.

    النوع الثالث: توحيده جل وعلا في أسمائه وصفاته، وهذا النوع من التوحيد ينبني على أصلين:
    الأول: تنزيه اللَّه جل وعلا عن مشابهة المخلوقين في صفاتهم؛ كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: 11].


    الثاني: الإيمان بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بكماله وجلاله، كما قال بعد قوله: {ليس كمثله شيء} {وهو السميع البصير} [الشورى: 11]، مع قطع الطمع عن إدراك كيفية الاتصاف، قال تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما} [طه: 110]، وقد قدَّمنا هذا المبحث مستوفيً موضحًا بالآيات القرآنية في سورة الأعراف.

    ويكثر في القرآن العظيم الاستدلال على الكفار باعترافهم بربوبيته جل وعلا على وجوب توحيده في عبادته؛ ولذلك يخاطبهم في توحيد الربوبية باستفهام التقرير، فإذا أقروا بربوبيته احتج بها عليهم على أنه هو المستحق لأن يُعبد وحده، ووبخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره مع اعترافهم بأنه هو الرب وحده، لأن من اعترف بأنه الرب وحده لزمه الاعتراف بأنه هو المستحق لأن يُعبد وحده.

    ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار} [يونس: 31]، فلما أقروا بربوبيته وبَّخهم منكرًا عليهم شركهم به غيره بقوله: {فقل أفلا تتقون}.

    ومنها قوله تعالى: {قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون (84) سيقولون لله}، فلمَّا اعترفوا وبَّخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قل أفلا تذكرون}، ثم قال: {قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم (86) سيقولون لله}، فلما أقروا وبَّخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قل أفلا تتقون}، ثم قال: {قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون (88) سيقولون لله}، فلما أقروا وبَّخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قل فأنى تسحرون}.

    ومنها قوله تعالى: {قل من رب السموات والأرض قل الله}، فلمَّا صح الاعتراف وبّخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا} [الرعد: 16].

    ومنها قوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله}، فلما صحَّ اعترافهم وبَّخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {فأنى يؤفكون} [العنكبوت: 61].

    وقوله تعالى: {ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله}، فلما صح إقرارهم وبَّخهم منكرًا عليهم شركهم بقوله: {قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون} [العنكبوت: 63].

    وقوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله}، فلما صح اعترافهم وبَّخهم منكرًا عليهم بقوله: {قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} [لقمان: 25].

    وقوله تعالى: {آلله خير أما يشركون (59) أم من خلق السموات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها}، ولا شك أن الجواب الذي لا جواب لهم البتة غيره: هو أنَّ القادر على خلق السموات والأرض وما ذكر معها خيرٌ من جمادٍ لا يقدر على شيء، فلما تعين اعترافهم وبَّخهم منكرًا عليهم بقوله: {أءله مع الله بل هم قوم يعدلون}، ثم قال تعالى: {أم من جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا}، ولا شك أنَّ الجواب الذي لا جواب غيره كما قبله، فلمَّا تعين اعترافهم وبَّخهم منكرًا عليهم بقوله: {أءله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون}، ثم قال جل وعلا: {أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض}، ولا شك أنَّ الجواب كما قبله. فلمَّا تعين إقرارهم بذلك وبَّخهم منكرًا عليهم بقوله: {أءله مع الله قليلا ما تذكرون}، ثم قال رأم من يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته}، ولا شك أنَّ الجواب كما قبله، فلما تعين إقرارهم بذلك وبَّخهم منكرًا عليهم بقوله: {أءله مع الله تعالى الله عما يشركون}، ثم قال جل وعلا: {أم من يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض}، ولا شك أنَّ الجواب كما قبله، فلما تعين الاعتراف وبَّخهم منكرًا عليهم بقوله: {أءله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [النمل: 59- 64]، ولا شك أنَّ الجواب لا جواب لهم غيره هو: لا، أي ليس من شركائنا من يقدر على أن يفعل شيئًا من ذلك المذكور من الخلق والرزق والإماتة والإحياء، فلمَّا تعين اعترافهم وبَّخهم منكرًا عليهم بقوله: {سبحانه وتعالى عما يشركون} {الروم: 40}.

    والآيات بنحو هذا كثيرة جدّا، ولأجل ذلك ذكرنا في غير هذا الموضع: أنَّ كل الأسئلة المتعلقة بتوحيد الربوبية استفهامات تقرير، يراد منهم أنهم إذا أقروا رتَّب لهم التوبيخ والإنكار على ذلك الإقرار؛ لأن المقر بالربوبية يلزمه الإقرار بالألوهية ضرورة؛ نحو قوله تعالى: {أفي الله شك} {إبراهيم: 10}، وقوله: {قل أغير الله أبغي ربا} {الأنعام: 164}، وإن زعم بعض العلماء أنَّ هذا الاستفهام إنكار؛ لأنَّ استقراء القرآن دلَّ على أن الاستفهام المتعلق بالربوبية استفهام تقرير وليس استفهام إنكار لأنهم لا ينكرون الربوبية كما رأيت كثرة الآيات الدالة عليه.

    قال الشيخ العلامة بكر أبو زيد حفظه الله: ((هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف أشار إليه ابن منده وابن جرير الطبري وغيرهما، وقرَّره شيخا الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وقرَّره الزبيدي في تاج العروس، وشيخنا الشنقيطي في أضواء البيان وآخرون رحم الله الجميع، وهو استقراء تام لنصوص الشرع، وهو مطرد لدى أهل كلِّ فنٍّ، كما في استقراء النحاة كلام العرب إلى اسم وفعل وحرف، والعرب لم تفه هذا، ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب، وهكذا من أنواع الاستقراء)).

    وما يؤمن بالتوحيد من لم يؤمن بهذه الأقسام الثلاثة المستمدة من نصوص الشرع؛ إذ التوحيد المطلوب شرعًا هو الإيمان بوحدانية الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ومن لم يأت بهذا جميعًا فليس موحدًا.

    وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر Empty رد: "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 13.09.08 4:59

    دلالة كلمة التوحيد على هذا التقسيم
    بل إن كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" التي هي أصل الدين وأساسه قد دلت على أقسام التوحيد الثلاثة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وشهادة أن لا إله إلا الله فيها الإلهيات، وهي الأصول الثلاثة توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وهذه الأصول الثلاثة تدور عليها أديان الرسل وما أُنزل إليهم، وهي الأصول الكبار التي دلت عليها وشهدت بها العقول والفطر)).


    وأما وجه دلالة هذه الكلمة العظيمة على أقسام التوحيد الثلاثة فظاهرة تمامًا لمن تأملها، فقد دلت على إثبات العبادة لله ونفيها عمن سواه، كما دلت أيضًا على توحيد الربوبية، فإن العاجز لا يصلح أن يكون إلهًا، ودلت على توحيد الأسماء والصفات، فإن مسلوب الأسماء والصفات ليس بشيء، بل هو عدم محض، كما قال بعض العلماء: المشبه يعبد صنمًا، والمعطل يعبد عدمًا، والموحد يعبد إله الأرض والسماء.
    ذكر بعض أقوال السلف في تقرير هذه الأقسام
    كُتب السلف الصالح مليئة بالتصريح تارة والإشارة تارة إلى هذه الأقسام، ولو ذهبتُ أنقل كلَّ ما أعلمه من أقوالهم في ذلك لطال المقام، لكن حسبي أن أورد هنا بعض النقول عن سلف هذه الأمة، من النصوص المشتملة على ذكر أقسام التوحيد الثلاثة.


    1- قال الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت المتوفى سنة 150هـ في كتابه الفقه الأوسط يدُعى من أعلى لا من أسفل؛ لأنَّ الأسفل ليس الأوسط وصف الربوبية والألوهية في شيء.
    فقوله: ((يُدعى من أعلى لا من أسفل)) إثبات العلو لله، وهو من توحيد الأسماء والصفات، وفيه رد على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية وغيرهم من نفاة العلو.
    وقوله: ((من وصف الربوبية)) فيه إثبات توحيد الربوبية.
    وقوله: ((والألوهية)) : فيه إثبات توحيد الألوهية.


    2- قال ابن منده في كتابه (التوحيد): أخبرنا محمد بن أبي جعفر السرخسي ثنا محمد بن سلمة البلخي ثنا بشر بن الوليد القاضي عن أبي يوسف القاضي (يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الكوفي صاحب أبي حنيفة المتوفى سنة 182هـ) أنه قال: ليس التوحيد بالقياس، ألم تسمع إلى قول الله عز وجل في الآيات التي يصف بها نفسه أنه عالم قادر، مالك، ولم يقل: إني عالم قادر، لعلة كذا أقدر، بسبب كذا أعلم، وبهذا المعنى أملك، فلذلك لا يجوز القياس في التوحيد، ولا يعرف إلا بأسمائه، ولا يوصف إلا بصفاته، وقد قال الله تعالى في كتابه: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} الآية، وقال: {أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء}، وقال: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر} الآية.


    قال أبو يوسف: لم يقل الله: انظر كيف أنا... وكيف أنا القادر وكيف أنا الخالق، ولكن قال: انظر كيف خلقت، ثم قال: {والله خلقكم ثم يتوفاكم}، وقال: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} أي تعلم هذه الأشياء، لها رب يقلّبها ويبديها ويعيدها،... مُكوَّنٌ ولك مَن كونك، وإنما دلَّ الله عز وجل خلقه بخلقه ليعرفوا أن لهم ربا يعبدونه ويطيعونه ويوحدونه، ليعلموا أنه مكونهم، لا هم كانوا، ثم تسمَّى، فقال: أنا الرحمن، وأنا الرحيم وأنا الخالق وأنا القادر وأنا المالك،... هذا الذي كونكم يُسمى المالك القادر الله الرحمن الرحيم، بها يوصف.


    ثم قال أبو يوسف: يُعرف الله بآياته وبخلقه، يُوصف بصفاته، ويُسمى بأسمائه كما وصف في كتابه، وبما أدَّى إلى الخلق رسوله.

    ثم قال أبو يوسف: إن الله عز وجل خلقك وجعل فيك آلات وجوارح، عجز بعض جوارحك عن بعض، وهو ينقلك من حال إلى حال، لتعرف أن لك ربا، وجعل فيك نفسك عليك حجة بمعرفته تعرف بخلقه، ثم وصف نفسه فقال: أنا الرب وأنا الرحمن، وأنا الله وأنا القادر، وأنا المالك، فهو يوصف بصفاته ويُسمى بأسمائه، قال الله تعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى}، وقال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه}، وقال: {لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، فقد أمر الله أن نوحده، وليس التوحيد بالقياس ؛ لأن القياس يكون في شيء له شبه ومثل، فالله تعالى وتقدس لا شبه له ولا مثيل له تبارك الله أحسن الخالقين.


    ثم قال: وكيف يُدرك التوحيد بالقياس، وهو خالق الخلق بخلاف الخلق، ليس كمثله شيء تبارك وتعالى وقد أمرك الله عز وجل أن تؤمن بكل ما أتى به نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال: {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}، فقد أمرك الله عز وجل بأن تكون تابعًا سامعًا مطيعًا، ولو يوسَّع على الأمة التماس التوحيد وابتغاء الإيمان برأيهم وقياسهم وأهوائهم إذًا لضلوا، ألم تسمع إلى قول الله عز وجل: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن}، فافهم ما فسر به ذلك.


    ورواه أيضًا الإمام الحافظ قوام السنة أبو القاسم إسماعيل التيمي الأصبهاني المتوفى سنة 535هـ في كتابه (الحجة في بيان المحجة وشرح التوحيد ومذهب أهل السنة)، ولأهميته عنده خصَّه بفصل مستقل فقال: ((فصل في النهي عن طلب كيفية صفات الله عز وجل))، وذكره بإسناده من طريق السرخسي به.


    (وأثر أبي يوسف) هذا الذي رواه هذان الإمامان عظيما القدر، مشتمل على أقسام التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات.

    قال شيخنا الدكتور علي فقيهي في التعليق على هذا الأثر: وقد ذكر أبو يوسف كلامًا نفيسًا في باب التوحيد، هو ظاهر في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات، فذكر أنَّ التوحيد لا يكون بالقياس، مبينًا أن القياس لا يكون إلا إذا وُجدت علة، حيث قال: ألم تسمع إلى قول الله عز وجل في الآيات التي يصف بها نفسه أنه عالم قادر قوي ولم يقل إني قادر عالم لعلة كذا، أو أقدر بسبب كذا، قال: ولذلك لا يجوز القياس في التوحيد، ولا يُعرف الله إلا بأسمائه، ولا يوصف إلا بصفاته، ثم ذكر أدلة ذلك، ثم قال: لم يقل الله انظر كيف أنا العالم وكيف أنا القادر، وإنما قال: انظر كيف خلقت... إلخ. إن ما ذكره رحمه الله لا يحتاج لبيان، فراجعه تجد فيه الردِّ على الملحدين في الربوبية وفي الأسماء والصفات مستدلاً بذلك على توحيد العبادة والطاعة لله وحده.


    3- قال ابن جرير الطبري المتوفى سنة 310هـ في تفسير قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك}: ((فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي أو تصلح له الألوهية، ويجوز لك وللخلق عبادته إلا الله الذي هو خالق الخلق، ومالك كلّ شيء يدين له بالربوبية كلّ ما دونه)).


    4- قال الإمام أبو جعفر الطحاوي المتوفى سنة 321هـ في مقدمة متنه في العقيدة المشهور بالطحاوية: ((نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره)).


    فقوله: ((إن الله واحد لا شريك له)) شامل لأقسام التوحيد الثلاثة، فهو سبحانه واحد لا شريك له في ربوبيته، وواحد لا شريك له في ألوهيته، وواحد لا شريك له في أسمائه وصفاته.
    وقوله: ((ولا شيء مثله))، هذا من توحيد الأسماء والصفات.
    وقوله: ((ولا شيء يعجزه)) هذا من توحيد الربوبية.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر Empty رد: "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 13.09.08 5:01


    ذكر الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده المتوفى سنة 395هـ في كتابه (كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد) أقسام التوحيد، واستعرض كثيرًا من أدلتها في الكتاب والسنة بشرح وبسط لا مزيد عليه.

    فمن الأبواب التي عقدها وهي متعلقة بتوحيد الربوبية ما يلي:
    1- ذِكرُ ما وصف الله عز وجل به نفسه ودلَّ على وحدانيته عز وجل وأنه أحدٌ صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
    2- ذِكرُ معرفة بدء الخلق.
    3- ذكر ما يدل على أنَّ خلق العرش تقدَّم على خلق الأشياء.
    4- ذِكرُ ما يدل على أنَّ الله قدَّر مقادير كل شيء قبل خلقِ الخلْقِ.
    5- ذِكرُ ما يَستدل به أولو الألباب من الآيات الواضحة التي جعلها الله عز وجل دليلاً لعباده من خلقه على معرفته ووحدانيته من انتظام صنعته وبدائع حكمته في خلق السماوات والأرض.
    6- ذكرُ ما بدأ الله عز وجل به من الآيات الواضحة الدالة على وحدانيته.
    7- ذِكرُ الآيات المتفقة المنتظمة الدالة على توحيد الله عز وجل في صفة خلق السماوات التي ذكرها في كتابه وبيَّنها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تنبيهًا لخلقه.
    ثم ذكر أبوابًا أخرى.


    ومن الأبواب التي عقدها وهي متعلقة بتوحيد الألوهية ما يلي:
    1- ذِكرُ معرفة أسماء الله عز وجل الحسنة التي تسمَّى بها وأظهرها لعباده للمعرفة والدعاء والذكر.
    2- ذكرُ معرفة اسم الله الأكبر الذي تسمَّى به وشرَّفه على الأذكار كلِّها.
    وذكر تحت هذا الباب، ما يلي:
    أ- قول النبي صلى الله عليه وسلم : [أُمِرتُ أن أدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله].
    ب- قول النبي صلى الله عليه وسلم : [بُني الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله].
    ج- قول النبي صلى الله عليه وسلم : [مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت].
    د- قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: [قل ربي الله، ثم استقم].
    ه- قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: [الله يمنعني منك].
    و- قول النبي صلى الله عليه وسلم : [من كان حالفًا فليحلف بالله عز وجل، ومن حلف بغير الله فقد أشرك].
    ز- قول النبي صلى الله عليه وسلم : [اذكروا الله على جميع الأمور، قال تعالى: {واذكروا الله كثيرا} {الجمعة: 10} ].


    وذكر أمورًا أخرى كثيرة متعلقة بتوحيد الألوهية.


    ومن الأبواب التي عقدها وهي متعلقة بتوحيد الأسماء والصفات ما يلي:


    - ذكرُ معرفة صفات الله عز وجل التي وصف بها نفسه، وأنزل بها كتابه، وأخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل الوصف لربه عز وجل مبينًا ذلك لأمته.
    وذكر أبوابًا أخرى كثيرة في توحيد الأسماء والصفات، وكان قبل هذا ذكر جملة كبيرة من أسماء الله الحسنى.

    قال شيخنا الدكتور علي بن ناصر فقيهي في مقدمة تحقيقه لكتاب ابن منده المتقدم: ((ومؤلف هذا الكتاب عاش في القرن الرابع الهجري (310- 395ه)، وقد اشتمل كتابه على أقسام التوحيد التي ورد ذكرها في كتاب الله تعالى: توحيد الربوبية، توحيد الألوهية، توحيد الأسماء والصفات، فبدأ بقسم الوحدانية في الربوبية مستدلاً به على توحيد الله في الألوهية، ثم ذكر عنوانًا لتوحيد الأسماء، ومنه دخل في توحيد الألوهية، وذلك من الفصل الثاني والأربعين إلى الفصل الخمسين، ثم عاد لتكميل أسماء الله تعالى، ثم أتبعه بتوحيد الصفات حيث بحثه مستقلاً عن أسماء الله عز وجل، ثم عاد إلى توحيد الربوبية بالتصريح بذلك في آخر الكتاب، ولم يخرج في استدلاله على ذلك عن كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف كما يجد ذلك القارئ في الكتاب)).

    9- قال أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي المتوفي سنة 520ه في مقدمة كتابه سراج الملوك: ((وأشهد له بالربوبية والوحدانية، وبما شهد به لنفسه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والنعوت الأوفى)). فذكر الأقسام الثلاثة.

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر Empty رد: "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 13.09.08 5:04



    وظهرت أقسام التوحيد الثلاثة صريحة واضحة في نصِّ هذا الإمام رحمه الله، وقد ذكر في مقدمة متنه المذكور أنه مشتمل على: ((بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة: أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني، رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصل الدين، ويدينون به رب العالمين)).

    5- قال أبو حاتم محمد بن حبان البستي المتوفى سنة 354 هـ في مقدمة كتابه (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء): ((الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بأجالها، والعالم بتقلبها وأحوالها، المانّ عليهم بتواتر آلائه، المتفضل عليهم بسوابع نعمائه، الذي أنشأ الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وخلق البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بعزته إرادته)).

    فذكر الأقسام الثلاثة الألوهية والربوبية والأسماء والصفات.

    6- قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي المتوفى سنة 386 هـ في مقدمة عقيدته: ((من ذلك: الإيمان بالقلب والنطق باللسان بأن الله إله واحد لا إله غيره، ولا شبيه له، ولا نظير، ولا ولد له ولا والد، ولا صاحبة له ولا شريك له، ليس لأوليته ابتداء، ولا لآخريته انقضاء، لا يبلغ كنه صفته الواصفون، ولا يحيط بأمره المتفكرون...إلى أن قال: تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد أو يكون لأحد عنه غنىً، خالق لكل شيء، ألا هو رب العباد ورب أعمالهم والمقدر لحركاتهم وآجالهم)).

    7- قال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري، المتوفى سنة 387هـ في كتابه (الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة): ((وذلك أن أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء:

    أحدها: أن يعتقد العبد ربانيته؛ ليكون بذلك مبايناً لمذهب أهل التعطيل الذين لا يثبتون صانعاً.

    والثاني: أن يعتقد وحدانيته؛ ليكون بذلك مبايناً لأهل الشرك الذين أقروا بالصانع وأشركوا معه في العبادة غيره.

    والثالث: أن يعتقده موصوفاً بالصفات التي لا يجوز إلا أن يكون موصوفاً بها من العلم والقدرة والحكمة وسائر ما وصف به نفسه في كتابه.

    إذ قد علمنا أن كثيراً ممن يقر به ويوحده بالقول المطلق قد يلحد في صفاته فيكون إلحاده في صفاته قادحاً في توحيده.

    ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدة من هذه الثلاث والإيمان بها.

    فأما دعاؤه إياهم إلى الإقرار بربانيته ووحدانيته فلسنا نذكر هذا هاهنا لطوله وسعة الكلام فيه، ولأن الجهمي يدعي لنفسه الإقرار بهما وإن كان جحده للصفات قد أبطل دعواه لهما)).

    ثم أخذ يورد ما يدل على بطلان قول الجهمية في نفي الصفات، وهذا نص غاية الوضوح في ذكر أقسام التوحيد الثلاثة.

    وتأمل -يا رعاك الله- قول ابن بطة:
    ((ولأنا نجد الله تعالى قد خاطب عباده بدعائهم إلى اعتقاد كل واحدة من هذه الثلاث والإيمان بها)). ففيه أبلغ ردٍّ على من يزعم أن هذا التقسيم لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وتأمل قوله في بداية كلامه: ((وذلك أن أصل الإيمان بالله الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان به ثلاثة أشياء)).
    فقد نص رحمه الله على أن أقسام التوحيد الثلاثة هي أصل الإيمان الذي يجب على الخلق اعتقاده في إثبات الإيمان بالله، ومعنى ذلك أنه لا إيمان لم يأت بهذه الأمور الثلاثة ولا توحيد؛ إذ الإيمان والتوحيد هو إفراد الله وحده بهذه الأمور الثلاثة، فمن لم يأت بتوحيد الربوبية فهو معطل للخالق مشرك في ربوبية الله، ومن لم يأت بتوحيد الألوهية فهو مشرك في ألوهية الله وعبادته كالمشركين عبدة الأصنام، ومن لم يأتي بتوحيد الأسماء والصفات فهو كافر ملحد في أسماء الله وصفاته.

    وللحديث بقية إن شاء الله.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر Empty رد: "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 13.09.08 5:06



    ذكر الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده المتوفى سنة 395هـ في كتابه (كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد) أقسام التوحيد، واستعرض كثيرًا من أدلتها في الكتاب والسنة بشرح وبسط لا مزيد عليه.

    فمن الأبواب التي عقدها وهي متعلقة بتوحيد الربوبية ما يلي:
    1- ذِكرُ ما وصف الله عز وجل به نفسه ودلَّ على وحدانيته عز وجل وأنه أحدٌ صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
    2- ذِكرُ معرفة بدء الخلق.
    3- ذكر ما يدل على أنَّ خلق العرش تقدَّم على خلق الأشياء.
    4- ذِكرُ ما يدل على أنَّ الله قدَّر مقادير كل شيء قبل خلقِ الخلْقِ.
    5- ذِكرُ ما يَستدل به أولو الألباب من الآيات الواضحة التي جعلها الله عز وجل دليلاً لعباده من خلقه على معرفته ووحدانيته من انتظام صنعته وبدائع حكمته في خلق السماوات والأرض

    6- ذكرُ ما بدأ الله عز وجل به من الآيات الواضحة الدالة على وحدانيته
    7- ذِكرُ الآيات المتفقة المنتظمة الدالة على توحيد الله عز وجل في صفة خلق السماوات التي ذكرها في كتابه وبيَّنها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تنبيهًا لخلقه.
    ثم ذكر أبوابًا أخرى.


    ومن الأبواب التي عقدها وهي متعلقة بتوحيد الألوهية ما يلي:
    1- ذِكرُ معرفة أسماء الله عز وجل الحسنة التي تسمَّى بها وأظهرها لعباده للمعرفة والدعاء والذكر.
    2- ذكرُ معرفة اسم الله الأكبر الذي تسمَّى به وشرَّفه على الأذكار كلِّها.
    وذكر تحت هذا الباب، ما يلي:
    أ- قول النبي صلى الله عليه وسلم : [أُمِرتُ أن أدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله].
    ب- قول النبي صلى الله عليه وسلم : [بُني الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله].
    ج- قول النبي صلى الله عليه وسلم : [مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت].
    د- قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: [قل ربي الله، ثم استقم].
    ه- قول النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: [الله يمنعني منك].
    و- قول النبي صلى الله عليه وسلم : [من كان حالفًا فليحلف بالله عز وجل، ومن حلف بغير الله فقد أشرك].
    ز- قول النبي صلى الله عليه وسلم : [اذكروا الله على جميع الأمور، قال تعالى: {واذكروا الله كثيرا} {الجمعة: 10} ].


    وذكر أمورًا أخرى كثيرة متعلقة بتوحيد الألوهية.

    ومن الأبواب التي عقدها وهي متعلقة بتوحيد الأسماء والصفات ما يلي:

    - ذكرُ معرفة صفات الله عز وجل التي وصف بها نفسه، وأنزل بها كتابه، وأخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل الوصف لربه عز وجل مبينًا ذلك لأمته.
    وذكر أبوابًا أخرى كثيرة في توحيد الأسماء والصفات، وكان قبل هذا ذكر جملة كبيرة من أسماء الله الحسنى.

    قال شيخنا الدكتور علي بن ناصر فقيهي في مقدمة تحقيقه لكتاب ابن منده المتقدم: ((ومؤلف هذا الكتاب عاش في القرن الرابع الهجري (310- 395ه)، وقد اشتمل كتابه على أقسام التوحيد التي ورد ذكرها في كتاب الله تعالى: توحيد الربوبية، توحيد الألوهية، توحيد الأسماء والصفات، فبدأ بقسم الوحدانية في الربوبية مستدلاً به على توحيد الله في الألوهية، ثم ذكر عنوانًا لتوحيد الأسماء، ومنه دخل في توحيد الألوهية، وذلك من الفصل الثاني والأربعين إلى الفصل الخمسين، ثم عاد لتكميل أسماء الله تعالى، ثم أتبعه بتوحيد الصفات حيث بحثه مستقلاً عن أسماء الله عز وجل، ثم عاد إلى توحيد الربوبية بالتصريح بذلك في آخر الكتاب، ولم يخرج في استدلاله على ذلك عن كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف كما يجد ذلك القارئ في الكتاب)).

    9- قال أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي المتوفي سنة 520ه في مقدمة كتابه سراج الملوك: ((وأشهد له بالربوبية والوحدانية، وبما شهد به لنفسه من الأسماء الحسنى والصفات العلى والنعوت الأوفى)). فذكر الأقسام الثلاثة.

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر Empty رد: "القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد" بقلم: أ.د. عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 13.09.08 5:08


    فإننا قد استعرضنا دلائل أقسام التوحيد في الحلقات السابقة، وتبين مما سبق أن جميع هؤلاء الأئمة المذكورين قائلون بتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام، موافقون لأهل السنة والجماعة فيه، ولن تجد أحد من السلف ينكر هذا التقسيم، ولو بحثت في كتب أهل العلم ما حييت، بل ستجد النصوص الكثيرة عنهم في ذكر هذا التقسيم اتباعاً للكتاب والسنة ولزوماً لما جاء فيهما، فهم يتبعون ولا يبتدعون، ومخالفوهم هم أهل البدع والأهواء، المشاقون لله ولرسوله، المتبعون غير سبيل المؤمنين.

    بل إن المتكلمين هم أنفسهم يقسمون التوحيد إلى ثلاثة أقسام، قال شيخ الإسلام: ((فإن عامة المتكلمين الذين يقررون التوحيد في كتب الكلام والنظر غايتهم أن يجعلوا التوحيد ثلاثة أنواع، فيقولون: هو واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له)). [الفتاوى 3/98]


    وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام عنهم موجود في كتبهم، يقول الشهرستاني: وأما التوحيد فقد قال أهل السنة وجميع الصفاتية: إن الله تعالى واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته الأزلية لا نظير له، وواحد في أفعاله لا شريك له. [الملل والنحل 1/42].


    وقال البيجوري -وهو من المتكلمين-: ويجب في حقه تعالى الوحدانية في الذات والصفات والأفعال؛ ومعنى الوحدانية في الذات أنها ليست مركبة من أجزاء متعددة، ومعنى الوحدانية في الصفات أنه تعالى ليس له صفتان فأكثر من جنس واحد كقدرتين وهكذا، وليس لغيره صفة تشابه صفته تعالى، ومعنى الوحدانية في الأفعال أنه ليس لغيره فعل من الأفعال، وضدها التعدد.
    [رسالة في علم التوحيد ضمن مجموع مهمات المتون ص40].


    ثم إن تقسيم هؤلاء المذكور ينطوي على أمور باطلة كثيرة ليس هذا موضع بيانها، لكن أهمها على سبيل المثال:
    - إهمالهم في هذا التقسيم لذكر توحيد الألوهية والدعوى إلى إخلاص الدين لله وإفراده وحده في جميع أنواع العبادة، الذي هو زبدة دعوة الرسل وروحها، فهذا النوع من التوحيد لا ذكر له عندهم البتة.


    ومن المعلوم أن المشركين لو أقروا بذلك كله لم يخرجوا من الشرك الذي وصفهم الله به في القرآن وقاتلهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يأتوا بتوحيد الألوهية.


    هذا ما وفقنا الله عز وجل إليه في بيان بعض الدلائل والبراهين على أقسام التوحيد وصحة تقسيمه إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

    والحمد لله رب العالمين.


    تم بعون الله وفضله .
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    نقلاً عن
    مجلة التوحيد المصرية .

      الوقت/التاريخ الآن هو 02.05.24 20:54