خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

3 مشترك

    مجموع ما كتب في الوسوسة .

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 12.07.08 12:08

    علاج الوسوسة في الإيمان

    السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،،
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله، وَلْيَنْتَهِ"1.
    وفي لفظ "فليقل: آمنت بالله ورسله"2 متفق عليه. وفي لفظ "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولون: من خلق الله؟"3.

    يقول العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله :
    احتوى هذا الحديث على أنه لا بد أن يلقي الشيطان هذا الإيراد الباطل: إما وسوسة محضة4، أو على لسان شياطين الإنس وملاحدتهم.
    وقد وقع كما أخبر، فإن الأمرين وقعا، لا يزال الشيطان يدفع إلى قلوب من ليست لهم بصيرة هذا السؤال الباطل، ولا يزال أهل الإلحاد يلقون هذه الشبهة التي هي أبطل الشبه، ويتكلمون عن العلل وعن مواد العلم بكلام سخيف معروف.
    وقد أرشد النبي صلّى الله عليه وسلم في هذا الحديث العظيم إلى دفع هذا السؤال بأمور ثلاثة: بالانتهاء، والتعوذ من الشيطان، وبالإيمان.

    أما الانتهاء – وهو الأمر الأول : فإن الله تعالى جعل للأفكار والعقول حداً تنتهي إليه، ولا تتجاوزه. ويستحيل لو حاولت مجاوزته أن تستطيع، لأنه محال، ومحاولة المحال من الباطل والسفه، ومن أمحل المحال التسلسل في المؤثرين والفاعلين. فإن المخلوقات لها ابتداء، ولها انتهاء. وقد تتسلسل في كثير من أمورها حتى تنتهي إلى الله الذي أوجدها وأوجد ما فيها من الصفات والمواد والعناصر {وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المُنْتَهَى} [النجم:42], فإذا وصلت العقول إلى الله تعالى وقفت وانتهت، فإنه الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء.
    فأوّليته تعالى لا مبتدأ لها مهما فرضت الأزمان والأحوال.
    وهو الذي أوجد الأزمان والأحوال والعقول التي هي بعض قوى الإنسان. فكيف يحاول العقل أن يتشبث في إيراد هذا السؤال الباطل.
    فالفرض عليه المحتم في هذه الحال: الوقوف، والانتهاء.

    الأمر الثاني: التعوذ بالله من الشيطان.
    فإن هذا من وساوسه وإلقائه في القلوب؛ ليشكك الناس في الإيمان بربهم.
    فعلى العبد إذا وجد ذلك: أن يستعيذ بالله منه، فمن تعوذ بالله بصدق وقوة أعاذه الله وطرد عنه الشيطان، واضمحلت وساوسه الباطلة.

    الأمر الثالث: أن يدفعه بما يضاده من الإيمان بالله ورسله، فإن الله ورسله أخبروا بأنه تعالى الأول الذي ليس قبله شيء، وأنه تعالى المتفرد بالوحدانية، وبالخلق والإيجاد للموجودات السابقة واللاحقة.
    فهذا الإيمان الصحيح الصادق اليقيني يدفع جميع ما يضاده من الشبه المنافية له، فإن الحق يدفع الباطل. والشكوك لا تعارض اليقين.

    فهذه الأمور الثلاثة التي ذكرها النبي صلّى الله عليه وسلم تبطل هذه الشبه التي لا تزال على ألسنة الملاحدة، يلقونها بعبارات متنوعة.

    فأمر بالانتهاء الذي يبطل التسلسل الباطل، وبالتعوذ من الشيطان الذي هو الملقي لهذه الشبهة، وبالإيمان الصحيح الذي يدفع كل ما يضاده من الباطل.
    والحمد لله فبالانتهاء: قطع الشر مباشرة.
    وبالاستعاذة: قطع السبب الداعي إلى الشر.
    وبالإيمان اللجأ والاعتصام بالاعتقاد الصحيح اليقيني الذي يدفع كل معارض.
    وهذه الأمور الثلاثة هي جماع الأسباب الدافعة لكل شبهة تعارض الإيمان. فينبغي العناية بها في كل ما عرض للإيمان من شبهة واشتباه يدفعه العبد مباشرة بالبراهين الدالة على إبطاله، وبإثبات ضده وهو الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، وبالتعوذ بالله من الشيطان الذي يدفع إلى القلوب فتن الشبهات، وفتن الشهوات، ليزلزل إيمانهم، ويوقعهم بأنواع المعاصي.
    فبالصبر واليقين: ينال العبد السلامة من فتن الشهوات، ومن فتن الشبهات.
    والله هو الموفق الحافظ.

    ص 27-28- من كتاب (بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار)الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالى .
    ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ

    1 أخرجه: البخاري في "صحيحه" رقم: 3276, ومسلم في "صحيحه" رقم: 134 بعد 214.
    2 أخرجه: مسلم في "صحيحه" رقم: 134 بعد 214.
    3 أخرجه: مسلم في "صحيحه" رقم: 130 بعد 215, وأبو عوانة في "مسنده" 1/82.
    4 في المطبوع: "محصنة"

    نقلا عن
    شبكة سحاب السلفية


    عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 09.08.09 13:59 عدل 1 مرات
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:39

    الوسوسة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقدمة


    الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله r أما بعد:

    فإن من أعظم الأعمال الصالحة: القيام بإنقاذ المسلمين من تسلط شياطين الجن عليه بالوساوس وغيرها، وهذا الإنقاذ من أعمال الأنبياء والرسل بل هو من أعظم مقاصد بعثتهم قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 19/56-57 وهو يتحدث عن دفع شياطين الجن عن الإنس: (فهذا من أفضل الأعمال وهو من أعمال الأنبياء والصالحين فإنه ما زال الأنبياء والصالحون يدفعون عن بني آدم بما أذن به ورسوله). وقال أيضا وهو يشرح قوله تعالى: {وما تنـزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وما يستطيعون}: (وما جاء به الرسول مناقض لمراد الشياطين غاية المناقضة فلم يحدث في الأرض أمر أعظم مناقضة لمراد الشياطين من إرسال محمد، فنـزول القرآن عليه) "الجواب الصحيح لمن بدل ..." 5/346-357

    ولما كان ضرر الجن وشياطينهم أعظم ضررا على بني آدم على الإطلاق اعتنى القرآن الكريم والسنة النبوية ببيان أعمال الجن والشياطين ضد الإنس بما لا يوجد في الشرائع السابقة وجاء القرآن والسنة بالتحصينات من جميع المؤاذاة التي يقوم بها شياطين الجن، وقد اخترت هذا الموضوع لأن وسوسة الشيطان هي أبلغ أسراره المفضية إلى إفساد المسلم قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" 5/456: (وسمي إلقاء الشيطان في نفس ابن آدم: وسوسة، إذ هي أبلغ إسرارا وأخفاه هذا في حال الشيطان معنا الآن). قلت: لما كانت الوسوسة حقيقة وظيفة إبليس السرية صعب على كثير من الناس أن يدركوها من بدايتها بل لا يدركونها إلا بعد وقوعهم فيما يضر بهم, فتذكير المسلمين بهذا الخطر وتجليته لهم عون لهم على الخلاص من هذا العدو، فما على المسلمين إلا أن يعرفوا عدوهم الأكبر الشيطان وجنوده ويعرفوا ما يفعلونه بهم، فوالله لو عرفوا هذا العدو لكانوا أشد تحرزا منه من عدوهم الإنسي لما له من تمكن منهم يفوق ما يقوم به أعداؤهم من الإنس، وقد حرصنا على عدم التوسع في مواضيع الرسالة لغرض أن يكون حجمها مناسبا لكثير من القراء، وقد أكثرت فيها من نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه متبحر في معرفة الجن وأحوالهم، ومتوسع في طرق هذا الموضوع بما لم يسبقه إليه أحد فيما أعلم، وقد جاء بالعجائب رحمه الله، فسيجد القراء في هذه الرسالة ما يثلج صدورهم من كلامه رحمه الله، وهذه الرسالة هي جزء من "موسوعة عالم الجن والشياطين" التي أنا في السعي إلى إكمالها وإعدادها للطباعة. أسأل الله أن ييسر بذلك، وقد سميت هذه الرسالة "إنقاذ المسلمين من وسوسة الجن والشياطين" أسأل الله أن ينفع بها.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:40

    الفرق بين الخواطر المحمودة ووسوسة الشيطان

    التفريق بين الخواطر المحمودة والوساوس الشيطانية أمر مهم ينبغي فهمه قال تعالى في النفس البشرية: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها} الشمس قال ابن عطية في تفسيره 15/471: (ومعنى قولها تعالى: {فألهمها فجورها وتقواها} أي عرفها طرق ذلك فجعل لها قوة يصح معها اكتساب الفجور واكتساب التقوى). قلت: وإلهامها التقوى هو من الإلهام المحمود، وإلهامها الفجور من الإلهام المذموم قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 17/529: (فيكون الفرق بين الإلهام المحمود وبين الوسوسة المذمومة هو الكتاب والسنة فإن كان ما ألقي في النفس مما دل الكتاب والسنة على أنه تقوى لله فهو من الإلهام المحمود وإن كان مما دل على أنه فجور فهو من الوسواس المذموم، وهذا الفرق مطرد لا ينتقض).



    أول وسوسة الشيطان خواطر يريد بها الشر

    بداية الوسوسة الشيطانية خواطر، وبمجرد أن تكون خواطر فلا استقرار لها إذا طردت فإن لم تطرد استقرت، وإذا استقرت تمكنت، وإذا تمكنت أثرت، ومما يدل على أن أول الوسوسة خواطر لا استقرار لها قول الرسول r: ((الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)). قال القرطبي 7/222: (فالخواطر التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها الشبهة فهي التي تدفع بالإعراض عنها وعن مثلها يطلق اسم الوسوسة). وقال النووي في شرح مسلم 2/334-335: (وأما قوله r: ((فليستعذ بالله ولينته)) فمعناه: (إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها). وقال ابن القيم في "الفوائد" ص (269): (واعلم أن الخطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها إلى الفكر فيأخذها الفكر فيؤديها إلى التذكر فيأخذها الذكر فيؤديها إلى الإرادة فتأخذها الإرادة فتؤديها إلى الجوارح والعمل فتستحكم فتصير عادة، فردها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها).

    وقال ابن عاشور 8/232-233: {إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا} مع التعبير بفعل مسهم الدال على إصابة غير مكينة إشارة إلى أن الفزع إلى الله من الشيطان عند ابتداء إلمام الخواطر الشيطانية بالنفس لأن تلك الخواطر إذا أمهلت لم تلبث أن تصير عزما ثم عملا).

    فاحذر أيها المسلم أن تبخل على نفسك برد الوسوسة الشيطانية عند بداية ورودها عليك، فإن رددتها فقد نجوت وانتصرت بنصر الله الذي ينصر به خواص عباده وأوليائه، ودفعك للوساوس الشيطانية لا مشقة فيه عليك ولا خسارة لا في دينك ولا في دنياك فإن خذلت فقد عرضت نفسك إلى الهلاك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



    خلق الله الجن لعبادته ولكن كثيرا منهم تركوها وأقبلوا على مؤاذاة الإنس بالوسوسة وغيرها

    قال الله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} الذاريات، فهذه الآية صريحة في بيان حكمة الله من خلق الجن وأنها من أجل عبادته له وحده لا شريك له، وآيات كثيرة تدل على هذا بل لقد كادت سورة الرحمن أن تكون بكاملها فيهم ولكن حصل التمرد عن عبادة الله من كثير منهم بدءا بأبيهم إبليس فقد عظم مكره وكثر كيده بنفسه وبذريته وبالإنس، وبسبب هذا كثر في ذريته الكفر، وأما ذرية آدم فقد أقسم إبليس أنه سيضل كثيرا منها، وقد صدق ظنه هذا فقد اتبعه وانقاد له كثير منهم قال الله: {ولقد أضل منكم جبلا كثيرا} يس، وعلى هذا فلا يطمع بنو آدم أن يسلموا من مؤاذاة الجن فهم لهم بالمرصاد إلا من عصم الله.



    الوسوسة أصل كل شر وهي مبدأ الكفر والشرك والمعاصي

    لا يظن ظان أن وسوسة الشيطان أمرها سهل لا والله بل هي منبع كل فساد وضرر بالعباد قال ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 13/509-511: (الوسواس أصل كل كفر وفسوق وعصيان فهو أصل الشر كله فمتى وقي الإنسان شره وقي عذاب جهنم وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال فإن جميع هذه إنما تحصل بطريق الوسواس). وقال أيضا كما في "مجموع فتاوى" 17/514: (الوسواس أصل كل شر يضرهم لأنه مبدأ للكفر والفسوق والعصيان... فكان الوسواس مبدأ كل شر فإن كانوا قد استعاذوا بربهم وملكهم وإلههم منه فقد دخل في ذلك وسواس الجن والإنس وسائر شر الأرض إنما يقع بذنبهم). وقال ابن القيم: (ولم يقل من شر وسوسته لتعم الاستعاذة شره جميعا فإن قوله: {من شر الوسواس} يعم كل شره، ووصفه بأعظم صفاته وأشدها شرا وأقواها تأثيرا وأعمها فسادا وهي الوسوسة التي هي مبادئ الإرادة... فأصل كل معصية وبلاء إنما هو الوسوسة فلهذا وصفه بها لتكون الاستعاذة من شرها أهم من كل مستعاذ منه وإلا فشره بغير الوسوسة حاصل أيضا) نقلا من كتاب "بدائع التفسير" 5/452-453



    معاني الوسوسة

    لوسوسة الشيطان معان كثيرة ومن هذه المعاني ما يلي:

    الأولى: الدعوة إلى الشر والاستجابة له قال تعالى مخبرا عما يقوله الشيطان لجنوده وأتباعه يوم يخسر المبطلون: {وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} إبراهيم، وقال تعالى: {أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير} فاطر، قال القرطبي في كتاب "الجامع لأحكام القرآن" 5/356 عند قوله تعالى: {إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي}: (هو استثناء منقطع أي لكن دعوتكم بالوسواس فاستجبتم لي باختياركم).

    الثانية: تزيين الشر فالصد عن سبيل الله قال تعالى: {وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل} قال ابن عطية في تفسيره: (زين الشيطان معناه بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها).

    الثالثة: الوعد بالأماني الباطلة فالاغترار بها قال تعالى مخبرا عما يفعله الشيطان بالإنس: {يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} وقال تعالى: {ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور} الحديد، وقال تعالى مخبرا عما فعله إبليس بأبينا آدم وأمنا حواء: {فدلاهما بغرور} الأعراف، وقال تعالى في شياطين الجن والإنس: {يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون} الأنعام، فما أكثر الضحايا بين يدي الشيطان بسبب اغترارهم بأمانيه.

    الرابعة: الأمر بطاعته واتباعه قال تعالى: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إ نما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} البقرة، وقال تعالى مخبرا عن الشيطان أنه قال: {ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} النساء، وقال تعالى مخبرا عن اليهود: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان} البقرة، وقال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} الأنعام، قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" 4/76: (أي يوسوسون فيلقون في قلوبهم الجدال بالباطل).

    الخامسة: يرغب ويرهب فيحصل الخوف من ترهيباته والخضوع له ولجنوده قال تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم} قال ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 17/522-524 وهو يتحدث عن معنى هذه الآية: (أي يخوفكم أولياؤه بما يقذف في قلوبكم من الوسوسة المرعبة). وقال تعالى: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} البقرة، وعامة المفسرين على أن معنى {يعدكم} أي: يخوفكم قال ابن القيم في "طريق الهجرتين وباب السعادتين" بعد أن ذكر أن معنى الوعد هو الخوف: (وهذا إجماع من المفسرين أن الفحشاء هنا: البخل فهذا وعده وهذا أمره). قلت: الآية تعم أنواع الفحشاء، والبخل أول أنواعها دخولا فيها لأن السياق يقتضي ذلك.

    السادسة: التسويل والإملاء قال تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم الشيطان سول لهم وأملى لهم} محمد، والمشهور عند عامة المفسرين أن معنى {سول لهم} زين لهم الخطايا والذنوب، وزاد بعض المفسرين كالشوكاني: وسهل لهم الوقوع فيها. والإملاء: المد لهم في العمر.

    السابعة: الرجز قال سبحانه: {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان} قال أبو حيان في تفسيره "البحر المحيط" 5/283 وهو يفسر رجز الشيطان: (أي: عذابه لكم بوسوسته، وقيل رجزه: كيده ووسوسته). وكذا قاله غير واحد من المفسرين.

    الثامنة: الاستزلال قال تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم} آل عمران، قال ابن عطية في تفسيره: 3/387: (واستزل معناه طلب منهم أن يزلوا لأن ذلك هو مقتضى وسوسته وتخويفه وقوله: {ببعض ماكسبوا} ظاهره عند جمهور المفسرين أنه كانت لهم ذنوب عاقبهم الله عليها بتمكين الشيطان من استزلالهم ...).

    التاسعة: المس قال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون} الأعراف، اختلف علماء التفسير في معنى المس الشيطاني في هذه الآية فمنهم من قال: المس هو بمعنى الوسوسة، ومنهم من قال: هو الجنون. وأما الطائف من الشيطان فهو من الطواف حول الشيء وهو الدوران، والذي استظهره غير واحد من المفسرين أن المس المذكور هو أن الشيطان يوسوس للمتقين حتى يحدث لهم نسيان بعض ما أمروا به، وارتكاب ما نهوا عنه ثم سرعان ما يتذكرون ما أمرهم الله به وما نهاهم عنه فإذا هم مبصرون من البصيرة لا من البصر أي: مدركون للحق مقبلين عليه بعد أن كان الشيطان قد شوش عليهم بالترك له.

    أخي القارئ: بعد سرد هذه المعاني من معاني الوسوسة التي يلقيها الشيطان على قلوب العباد وعلى وجه الخصوص على المؤمنين ندرك الآتي:

    1- أن الشيطان يسعى لزعزعة المؤمنين عن إيمانهم عن طريق الوسوسة المتنوعة فهو تارة يزين لهم الشر ويقبح الخير، وتارة ينسيهم الخير ويذكرهم الشر، وتارة يخوفهم حتى لا يبقوا على الخير، وتارة يجلب عليهم من الشكوك والهم والظنون مما يجعلهم في أمر مريج.

    2- أن وسوسة الشيطان للمؤمنين ليست محصورة في إفساد المؤمنين في باب من الشر وإبعادهم عن نوع من الخير فحسب بل هي عامة في الدعوة إلى الكفر والفسوق والعصيان علم هذا مما سبق من الآيات الموضحة لمعاني الوسوسة وعواقبها.

    3- يفهم من تنويع الوسوسة الشيطانية محاولة الوصول بسهولة إلى النيل من أهل الإيمان لأن المؤمن يكون قد علم مكر الشيطان من جهة أو أكثر فينتبه على نفسه من أن يأتيه الشيطان من تلك الجهة فيأتيه الشيطان بالوسوسة من باب ما قد علمه، وإذا لم يعلمه فيتوقع أن يؤثر عليه وينال منه ما ينال إلا أن يتدارك الله السعيد بالحفظ والتأييد. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:42

    حقيقة وسوسة الجان للإنسان

    وسوسة الشياطين للمسلمين تكون بإلقاء الشر والباطل والشكوك والظنون والأوهام والرعب والخوف في قلوبهم روى البخاري رقم (3281) ومسلم رقم (5643) عن صفية بنت حيي أن رسول الله r قال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو شيئا)) قال ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 17/522-524 وهو يوضح معنى قوله تعالى: {إنما ذلك الشيطان يخوف أولياءه} (أي: يخوفكم أولياؤه بما يقذف في قلوبكم من الوسوسة المرعبة ...).



    طمع الشيطان في آدم وذريته

    روى مسلم برقم (2611) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله r قال: ((لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك)) قال العلامة المناوي في "فيض القدير" 5/297: (أي: لا يملك دفع الوسوسة عنه ولا يتقوى بعضه ببعض ولا يكون له قوة وثبات بل يكون متزلزل الأمر متغير الحال مضطرب القال معرضا للآفات والتمالك: التماسك أو لا يتماسك عن ما يسر جوفه ويجعل فيه أنواع الشهوات الداعية إلى العقوبات فكان الأمر كما ظنه).



    تهديد الشيطان بني آدم أنه سيهلكهم بالوسوسة

    قال تعالى مخبرا عما قال إبليس: {قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لًإن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا} الإسراء، وقال تعالى مخبرا عنه أنه قال: {فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} الأعراف، وقال تعالى مخبرا عنه أنه قال: {رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} الحجر، وقال تعالى مخبرا عنه أنه قال أيضا: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} ص، وقال تعالى: {ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا} النساء، وقد تحقق للشيطان مراده في إضلال الكثير، وقال الله: {ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون} يس، وقال الرسول r: ((قال الله: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين فأحلت لهم ما حرمت عليهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا)) رواه مسلم رقم ( ) عن عياض.



    عظيم الشؤم في إبليس حيث كاد لنفسه ولذريته ولآدم وذريته

    لقد عظم الشؤم في إبليس أبي الجن حين كاد لنفسه ومكر بها لأن الله أمره بالسجود لآدم فأبى فتسبب في طرده ولعنه أبد الآبدين، وكاد لذريته حين جندها للكفر والشرك قال تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا} الكهف، وأما كيده لأبي البشر آدم وأمهم حواء وذريتها فأمر معلوم بالضرورة من دين الإسلام، ومن واقع الناس وأحوالهم قال تعالى مخبرا عن إبليس أنه قال: {لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا} فهل رأيت عدوا بلغ شره ما بلغ إبليس؟ قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" 2/937 وهو يتحدث عن ما وصل إليه إبليس من سوء الحال: (فأهان نفسه كل الإهانة من حيث أراد تعظيمها ووضعها من حيث أراد رفعتها وأذلها من حيث أراد عزتها وآلمها كل الألم من حيث أراد لذتها ففعل بنفسه ما لو اجتهد أعظم أعدائه في مضرته لم يبلغ منه ذلك المبلغ، ومن كان هذا غشه لنفسه فكيف يسمع منه العاقل ويقبل ويواليه قال تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه}.



    عداوة الشيطان لبني الإنسان مستحكمة

    ليعلم المسلمون أن عداوة شياطين الجن لهم بالوسوسة وغيرها عداوة أبدية لأن إبليس قد أعطاه الله المهلة إلى يوم الوقت المعلوم وهو في هذه المهلة لا يشيب ولا يهرم ولا يموت ولا يمرض ولا عمل له إلا إفساد بني الإنسان فهو يجيش الجيوش ويحشد الحشود ويبث السرايا ويبعث الجنود من ذريته إلى الإنس عموما والمسلمين خصوصا لإضلالهم وإغوائهم.



    شياطين الجن شر خلق الله

    الدلائل على أن شياطين الجن شر خلق الله كثيرة ومنها:

    1- كل كفر وشرك ومعصية في بني آدم أصلها وسببها الأول والأكبر شياطين الجن قال الله في الحديث القدسي: ((إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا)) رواه مسلم عن عياض، وبالمقابل فكل عبادة وطاعة لغير الله فهي عبادة وطاعة للجن والشياطين.

    2- لقد فسر غير واحد من العلماء قوله تعالى: {قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق} أن شر ما خلق إبليس وذريته، والآية تعم جميع ذوي الشرور إلا أن شياطين الجن يدخلون فيها دخولا أوليا.

    3- لا خلاف بين المفسرين أن قوله: {من شر الوسواس} أنه الشيطان، فالشياطين داخلون في سورة الناس ومع هذا أفردوا بسورة الناس لعظم شرهم، واختلفوا في دخول شياطين الإنس في قوله: {الوسواس} والراجح: دخولهم تبعا، ودليل دخولهم فيها قوله تعالى: {من الجنة والناس} ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 17/512-513: (... وأيضا فالوسواس الخناس إن لم يكن إلا من الجنة فلا حاجة إلى قوله: {من الجنة} ومن {الناس} فلماذا يخص الاستعاذة من وسواس الجنة دون وسواس الناس؟).

    ومما يدل على أن شياطين الجن كما ذكرنا أن أباهم إبليس شر خلق الله كما هو معلوم، وقد طلب المهلة إلى يوم الدين فأعطيها إلى الوقت المعلوم وهو مجند نفسه وكثيرا من ذريته في إضلال البشرية.



    ما من مسلم إلا ومعه قرين كافر من الجن يلازمه

    مما يجب أن يعلمه المسلمون ذكورهم وإناثهم أن الله ابتلاهم بتسليط القرناء من الجن عليهم فما من أحد من المسلمين إلا ومعه قرين – كافر - من الجن روى مسلم رقم (2814) من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله r: ((ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قيل: وأنت يا رسول الله قال: وأنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير)) ومعنى قرين أي: ملازم، فهذا القرين من الجن يلازم المسلم لإضلاله وإغوائه، ويستخدم كل الوسائل التي يقدر عليها لإضلالنا وإخراجنا من الإسلام بل إن هذا القرين عون لإخوانه من الشياطين علينا فكم طرق لهم من طريق وكم أعانهم على ما يريدون من إصابتنا بالشرور والمحن بل إنه يتمالأ مع شياطين الإنس من سحرة وغيرهم لزيادة إفساد دين المسلم ودنياه، ألا تشفق على نفسك يا عبد الله من هذا العدو وتتصدى لمحاربته بالأسلحة الشرعية قبل أن يفعل بك الأفاعيل ويوردك المهالك.



    الحكمة من تسليط شياطين الجن على المؤمنين

    إن لله حكما عظيمة في تسليط الجن على المؤمنين ومنها:

    1- ابتلاء المؤمنين بهذا التسليط ليظهر الخيبث من الطيب قال تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون} قال ابن القيم: (فظهر أن من بعض الحكم في خلق عدو الله إخراج خبء النفس الخبيثة التي شرها وخبثها كامن فيها فأخرج خباها بزناد دعوته كما يخرج خبء النار بقدح الزناد... فكم له سبحانه من حكمة بالغة وآية ظاهرة في خلق عدوه إبليس).

    2- إكمال مراتب العبودية التي يقوم الأنبياء والرسل وأتباعهم المتمسكين بما جاءوا به قال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} آل عمران، وقال تعالى: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} التوبة، فلا تكمل مراتب العبودية إلا بابتلائهم بأعدائهم يحاربونهم وينازعونهم ما هم عليه من استقامة فيصبروا ويجاهدوا أعداء الله ويؤثروا ما عند الله، فبالصبر والمجاهدة تكمل فيهم العبودية.

    3- الأشياء لا يظهر فضلها إلا بوجود ضدها فلا يعرف فضل الطيب على الخبيث إلا بوجود الخبيث وظهور خباثته كشياطين الجن والإنس.

    4- ظهور آيات الله العظمى من نصر أوليائه وإهلاك أعدائه فيظهر بذلك عدله في إهلاك أعدائه، ويظهر فضله في نصر أوليائه.

    فالحكم المقتضية لوجود إبليس وجنوده كثيرة.



    التفريق بين وسوسة النفس الأمارة بالسوء ووسوسة الشيطان

    قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} أفادت الآية أن للنفس وسوسة فما منا من أحد إلا ونفسه توسوس له، والفرق بين وسوستها ووسوسة الشيطان ما قاله أبو حازم سلمة بن دينار: (ما كرهته نفسك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منها وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه). نقلا من "سير أعلام النبلاء" قلت: ليست وسوسة الشيطان للمسلم فيما تكرهه نفوسهم فقط بل إنه يوسوس لها كثيرا فيما تحب مما يغضب الله، بل إنه يوسوس لها في باب الخير ليتوصل إلى إفسادها من هذا الباب، مثل ذلك وسوسته لها في باب الغلو في الدين.



    الموسوسون للمسلم ثلاثة نفسه وشياطين الجن وشياطين الإنس

    ليست الوسوسة للمسلم محصورة على وسوسة فحسب، الجن بل بقي موسوسون له خطرهم عليه عظيم وهما اثنان أحدهما: نفس الشخص، وثانيهما: شياطين الإنس، أما وسوسة النفس فقال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه} ق، وفي البخاري رقم (5269) ومسلم رقم (127) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم)) وقال تعالى في وسوسة شياطين الإنس: {الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس} الناس، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالذي يوسوس في صدور الناس نفسه وشياطين الجن وشياطين الإنس، والوسواس الخناس يتناول وسوسة الجنة ووسوسة الإنس وإلا أي معنى للاستعاذة من وسوسة الجني فقط مع أن وسوسة نفسه وشياطين الإنس هي مما تضره ...). فإذا تعاون على المسلم الثلاثة الوساوس كان العطب والهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله.



    ليس في أعدائك أضر عليك من نفسك

    أيها المسلم لا بد لك من معرفة آفات نفسك فهي أضر عليك من غيرها - من الأعداء - قال ابن القيم في كتابه "الفوائد" ص (463): (سبحان الله في النفس كبر إبليس وحسد قابيل وعتو عاد وطغيان ثمود وجرأة نمرود واستطالة فرعون وبغي قارون وقحة هامان وهوى بلعام وحيل أصحاب السبت وتمرد الوليد وجهل أبي جهل وفيها من أخلاق البهائم وحرص الغراب وشره الكلب وعونة الطاووس ودناءة الجعل وعقوق الضب وحقد الجمل ووثوب الفهد وصولة الأسد وفسق الفأرة وخبث الحية وعبث القرد وجمع النملة ومكر الثعلب وخفة الفراش ونوم الضبع غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك فمن استرسل مع طبعه فهو من هذا الجند ولا تصلح سلعة لعقد {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} فما اشترى إلا سلعة هذبها الإيمان فخرجت من طبعها إلى بلد سكانه التائبون العابدون). وقال أيضا ص (437) من نفس المصدر: (احذر نفسك فما أصابك بلاء قط إلا منها ولا تهادنها فوالله ما أكرمها من لم يهنها ولا أعزها من لم يذلها ولا جبرها من لم يكسرها ولا أراحها من لم يتعبها ولا أمنها من لم يخوفها ولا فرحها من لم يحزنها). وكون نفس الإنسان عدوة له هو باعتبار ما جبلت عليه من النوازع إلى الشرور والخبائث، فلولا نزوعها إلى الخبائث ما تمكن الشيطان منها فهي الأساس الأول لقبول ما يدعو إليه الشيطان إذ لو لم تكن مائلة إلى ما يدعو إليه الشيطان من الشر ما قبل الشر أصلا لأن عدم وجود الغريزة معناه عدم وجود الأهلية لقبول ذلك، وإذا وجدت الغريزة فهي تدفع العبد إلى ما تهواه النفس، فالنفس التي لم يزكها الله بشرعه ودينه هي أصل الشر في الإنسان وإن كان الشيطان أعظم منها شرا إلا أنه لا سبيل له إلى فسادها إلا عن طريق استجابتها له، فإن أراد المسلم أن يرغم عدوه الأكبر فليسع جاهدا ما أمكن في إصلاح نفسه وسد الثغور على عدوه، وما النصر إلا من عند الله، واستعن بالله ولا تعجز.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:44

    أيهما أضر على المسلم الشيطان أم نفسه؟

    لكل مسلم أعداء وأعظمهم ضررا عليه اثنان: نفسه الأمارة بالسوء، والشيطان وبينهما فوارق، فدونك بعض الفوارق كي تعرف من هو الأخطر عليك:

    1- النفس فطرت وجبلت على الإسلام مع قبولها لما يضاده قال تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها} الروم، وقال الرسول r: ((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه ينصرانه أو يهودانه أو يمجسانه)) رواه البخاري برقم (1385) ومسلم برقم (2658) عن أبي هريرة، أما الشيطان فهو شر محض، فدل هذا على أن الأصل في النفس: الخيرية كما أن الأصل في شياطين الجن: الشر.

    2- النفس غالبا ما تكون على حسب ما يلقى فيها من الخير والشر فإن غذيت بالخير ونمي فيها صارت نفسا طيبة صالحة وإن غذيت بالشكوك والشبهات والشهوات صارت نفسا أمارة بالسوء قال تعالى: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد ألفح من زكاها وقد خاب من دساها} الشمس، ومن هنا انقسمت النفس إلى أمارة بالسوء وإلى طيبة قابلة للحق, وزاد بعض العلماء قسما ثالثا وهو: النفس اللوامة وهي التي اجتمع فيها فجور وتقوى، والشيطان هو أعظم من يلقي الشرور على النفس، فبان بهذا أن من أعظم ما يسبب للنفس أن تكون أمارة بالسوء هو ما يلقيه عليها الشيطان من الوساوس الباطلة فتصير منقادة له.

    3- ذكر الله الشيطان في القرآن كثيرا كما هو معلوم وبين أنه داع إلى كل كفر وشرك وما دونهما، وأما النفس الأمارة بالسوء فلم يذكرها سبحانه إلا قليلا كقوله تعالى: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} وكقوله: {وإن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي} يوسف، فكثرة الآيات في الشيطان وقلتها في النفس المنحرفة دليل على أن الضرر على العباد من جهة الشيطان أكثر منه بكثير من قبل النفس.

    4- النفس الخبيثة توسوس لصاحبها في الشر الذي تهواه أما ما لا تهواه فلا تدعو صاحبها إلى ذلك، ومن هنا تتفاوت النفوس في مطالبها من الشر بخلاف الشيطان فإنه يدعو النفس إلى كل شر سواء كانت ترضاه أم تأباه، تميل إليه أم تنفر عنه.

    5- النفس توسوس لصاحبها في باب الشر ثم تعزف عن ذلك إما لحصولها عليه ثم عافته بعد ذلك أو لانتهاء الشهوة في ذلك كالذي يريد قتل فلان ثم تصالح معه وارتحل من تلك البلاد أو تغير حال أحد الشخصين بخلاف الشيطان فإنه مستمر في وسوسته للنفس يدعوها إلى كل شر بغض النظر قبلته منه أم لم تقبله.

    6- النفس لها ثلاث مراحل، مرحلة ما قبل البلوغ: وهذه المرحلة لا تكون النفس كثيرة الشرور والفتن والغالب أنها على ما عليه الناس إن خيرا فخير وإن شرا فشر. المرحلة الثانية: ما بعد البلوغ إلى أربعين سنة: ففي الغالب في هذه المرحلة أن النفوس الأمارة بالسوء مقبلة على الشر. المرحلة الثالثة: ما بعد الأربعين: فالغالب على النفوس الشريرة خفة الشر فيها بل والانقطاع عن بعضها كليا, وأما الشيطان فهو يوسوس لها بالشر حتى الموت، فما عنده هدنة ولا رحمة ولا ضعف ولا مراعاة لمن تغير حاله إلى ما ذكرنا بل يستغل تغير حال العبد ليتوصل إلى إفساد له غير معهود.

    7- كلما كانت النفس أعظم جرما دل هذا على أن الشيطان أعظم تأثيرا عليها ودفعا لها إلى الصولة في الشر قال تعالى: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا}.

    8- الشيطان يقدر على مؤاذاة الإنسي بغير الوسوسة كالضرب والحبس عن المشي وعن السمع والنظر والقتل والتجويع وغير ذلك، أما النفس فلا تقدر على شيء من هذا.

    فهذه الفوارق العظيمة ناطقة أن الشيطان أضر على المرء من نفسه وأن البلاء العظيم في النفس إنما هو من قبل الشيطان قال ابن تيمية في "الجواب الصحيح" 3/449: (ولهذا كان البلاء العظيم من الشيطان لا من مجرد النفس فإن الشيطان يزين لها السيئات ويأمرها بها ويذكر لها ما فيها من المحاسن التي هي منافع لا مضار كما فعل إبليس بآدم وحواء). وقال أيضا: (وقد قال تعالى: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها} فهو سبحانه يلهم الفجور والتقوى للنفس، والفجور يكون بواسطة الشيطان، وهو إلهام وسواس) "مجموع الرسائل الكبرى" 2/216-218



    أعظم من يعاديه الشيطان بوسوسته وغيرها من هو على الصراط المستقيم

    مما يجب أن يعلمه المسلم أن الشيطان لا يعادي أحدا من الخلق كما يعادي من شرح الله صدره للحق وطمأن نفسه به قال تعالى مخبرا عن إبليس أنه قال: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم} فمفهوم الآية أن قعوده ليس على طريق المعاصي وإن كان له مرور على ذلك وإرساله جنودا تحث على هذه المعاصي ولكن محل الإقامة والملازمة لإفساد المسلمين هو الصراط المستقيم، وهذا القعود إما لرد من يريد الدخول في دين الله روى الإمام أحمد () وابن حبان برقم (1601) عن سبرة بن أبي فاكهة أنه سمع النبي r يقول: ((إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة فقال: أتهاجر وتذر أرضك وسماءك وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول فعصاه وهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد وهو جهد النفس والمال فقال: تقاتل فتقتل فتنكح المرأة ويقسم المال قال: فعصاه فجاهد، فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يدخله الجنة، ومن قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، وإن وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة)). وإما لتخذيل وتثبيط من هو سائر على الصراط المستقيم وصده عن فعل الخير وإقحامه في المحرمات. واعتبر بما فعله بأبينا آدم وأمنا حواء فقد قال ربنا مخبرا عنه أنه قال: {يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما} طه، وقال سبحانه مخبرا عنه أنه قال أيضا: {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} الأعراف، وقال تعالى: {فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} طه, وقال تعالى: {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور} فالشيطان غرهما وأظهر نصحهما فكان ما كان، ولابن القيم كلام نفيس في "إغاثة اللهفان" 2/124-127 يتعلق بمكر الشيطان بمن هو على الصراط المستقيم قال: (من كيد الشيطان فالعجيب أنه يشام النفس حتى يعلم أي القوتين تغلب عليها قوة الإقدام والشجاعة أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة، فإن رأى الغالب على النفس المهانة والإحجام أخذ في تثبيطه وإضعاف همته وإرادته عن المأمور به وثقله عليه فهون عليه تركه حتى يتركه جملة أو يقصر فيه ويتهاون به، وإن رأى الغالب عليه قوة الإقدام وعلو الهمة أخذ يقلل عنده المأمور به ويوهمه أنه لا يكفيه وأنه يحتاج معه إلى مبالغة وزيادة، فيقصر بالأول ويتجاوز بالثاني).



    أصناف شياطين الجن الذين يؤذون المسلمين بالوسوسة وغيرها

    الشياطين الذين يؤذون المسلمين بأنواع من الإيذاء إلى جانب الوسوسة على أصناف، الصنف الأول: القرناء: من المعلوم أن كل واحد من بني آدم معه قرين من الجن، وهذا القرين كافر كما هو ظاهر القرآن والسنة وهو يدعو الإنسي إلى الكفر كما سبق بيانه. الصنف الثاني: جنود إبليس وسراياه من ذريته وسيأتي الكلام على هذا الصنف في باب من منجزات جنود إبليس وسراياه. الصنف الثالث: الشياطين الذين يرسلهم السحرة والمنجمون، فمعلوم أن السحرة يكون معهم خدم لهم من الجن والغالب على هؤلاء الخدام الكفر قال تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} فالذين يعلمون فجرة الإنس السحر هم شياطين الجن أي: مردتهم وكفارهم. الصنف الرابع: الشياطين الذين يتسلطون على المسلمين منتقمين منهم بدعوى مؤاذاة المسلمين لهم وقد يكون المسلم آذاهم متعمدا كالذي يعلم أن جنا يسكنون في مكان (ما) فيرمي بما يؤذيهم في ذلك المكان كالماء الحار وغير ذلك، وهذا لا يجوز وقد يكون أذاهم بغير قصد وقد لا يكون أذاهم ولكنهم يتجرؤون على مؤاذاة الأبرياء، وهؤلاء المنتقمون قد يكونون أكثر من واحد فهم كالإنس يتعصبون لبعضهم بعضا وينتصرون لأسرهم وأقاربهم، وهذا التسلط على الإنس حاصل بكثرة، والغالب على مؤاذاة الإنس لهم أنها تكون بغير قصد. الصنف الخامس: المتسلطون على المسلمين بسبب العشق وحب الفجور والرذائل ومن هذا الصنف ذكور الجن وإناثهم المطالبين بالزواج من الإنس، وقد أوضحنا غوائل التناكح بين الجن والإنس في رسالتنا "البرهان على تحريم التناكح بين الإنس والجان" فارجع إليها. الصنف السادس: المتسلطون على المسلمين من باب العبث بالمسلمين كالذين يتسلطون على بعض الأطفال وعلى بعض كبار السن وغيرهم، ومن خلال هذا القسم يدرك القراء أن المسلم يتسلط عليه بعض الأحيان أكثر من جني، والمعصوم من عصمه الله. أسأل الله أن يحفظ المسلمين وأن يدفع عنهم.



    تعاون كل نوع من الجن مع من يناسبهم من الإنس ضد المسلمين

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الرسائل الكبرى" 1/65-66: (وكل نوع من الجن يميل إلى نظيره من الإنس، فاليهود مع اليهود، والنصارى مع النصارى، والمسلمون مع المسلمين، والفساق مع الفساق، وأهل الجهل والبدع مع أهل الجهل والبدع).

    قلت: قد يقول قائل: فهل يتعاون الجن الصالحون مع المسلمين الصالحين؟ والجواب: نعم ولكن ينبغي أن يعلم أن التعاون المشروع هو أن صالحي الجن يدفعون من فساق الجن وكفرتهم عن المؤمنين بقدر ما يستطيعون، أما ما يفعله بعض الجن من التلبس بالصالح من الإنس بدعوى الدفاع عنه، فهذا اعتداء يجب على فاعله أن يكف عنه وأن يتوب إلى الله من هذه المعاملة السيئة.



    فوارق بين ما يفعله شياطين الجن بالإنس وهم على أصل خلقتهم وما يفعلونه بهم حينما يتشكلون

    من المعلوم أن خلقة الجن كخلقة الإنس جملة، فهم أجساد يأكلون ويشربون ويتناكحون ويمرضون ويموتون كحال بني آدم.

    الجن لا يقدرون على الدخول في بدن الإنس والوسوسة لهم إلا إذا تشكلوا وصاروا كالريح، أما إذا لم يتشكلوا فلا يقدرون على الدخول فيهم، وأيضا إذا تشكل الجن بصورة الإنس قدروا على ضرب الإنس وقتلهم وحملهم وغير ذلك بإذن الله، وأيضا إذا تشكلوا بصور أخرى كالحيوانات والطيور وغير ذلك قدروا على مؤاذاة الإنس.



    وسوسة الشيطان للأنبياء والرسل ومكرهم بهم

    لقد عظم كيد الجن ومكرهم بالأنبياء والرسل قال تعالى: {وما أرسلنا قبلك من نبي ولا رسول إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته} قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "التفسير الكبير" 2/551-552 عند تفسيره لهذه الآية: (وللناس فيها قولان مشهوران بعد اتفاقهم على أن التمني هو التلاوة ...) وقال أيضا كما في المصدر السابق: (الذي عليه عامة السلف ومن اتبعهم أن الإلقاء في نفس التلاوة كما دلت عليه الآية وسياقها من غير وجه كما وردت به الآثار المتعددة ولا محذور في ذلك إلا أقر عليه فأما إذا نسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته فلا محذور في ذلك). قلت: كفى بهذه الآية دليلا على سعي الشيطان بالإفساد على الأنبياء وهي دليل أيضا على حفظ الله لهم ولما يتلونه، وأول من وسوس له الشيطان من الأنبياء أبونا آدم عليه السلام حتى وقع في معصية الله قال تعالى: {فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فأكلا منها وبدت لهما سؤآتهما} إلى قوله: {فعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} طه، وقال تعالى: {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه} وآخرهم محمد r قال تعالى مخاطبا رسوله محمد r: {وإما ينـزعنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} فصلت، وقال تعالى: {وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} وكثير من المفسرين أن النـزغ: الوسوسة، وقيدها بعضهم بالخفيفة، ومنها عند الغضب، وتكون أشد من غيرها.

    وعلى كل: وسوسة الشيطان للأنبياء والرسل لا تعني عدم عصمتهم بل هم معصومون من قبول المنكرات وكبائر الذنوب، وهذا معلوم من الإسلام.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:45

    مزيد من العناية الإلهية بحفظ سيد الأولين والآخرين من وسوسة الشيطان وغيرها

    لقد عصم الله أنبياءه ورسله من تسلط شياطين الجن عليهم وعنايته سبحانه بخليله محمد r أعظم من غيره من الأنبياء والرسل، ومن الأدلة على ذلك:

    الدليل الأول: ما رواه مسلم رقم (162) عن أنس قال: كان رسول الله r يلعب مع الصبيان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه ثم أعاده في مكانه وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني: طئرة) فقالوا: إن محمدا قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره).

    الدليل الثاني: ما رواه مسلم عن ابن مسعود رقم (2814) وعن عائشة برقم ( ) أن رسول الله r قال: ((ما منكم من أحد إلا وقد وكل الله به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قيل: وأنت يا رسول الله قال: وأنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير))

    الدليل الثالث: ما رواه البخاري رقم (1210) ومسلم رقم (541) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: ((إن الشيطان عرض علي فشد علي ليقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعته، ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية المسجد حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول أخي سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} فرده الله خاسئا)). والشاهد: فرده الله خاسئا.



    استمرارية وسوسة الشيطان للمسلم حتى الموت

    لما كان الشيطان شرا محضا فهو مستمر في إضلال العباد وإغوائهم حتى الموت روى أحمد 3/29 وأبو يعلي رقم (1399) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (133-134) والبغوي في "شرح النسة" (1293) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني)). فقوله: (لا أزال) أي أنا مستمر في إغوائهم حتى تخرج أرواحهم فلا ييأس هذا العدو من إغواء المؤمنين بسبب ما يحصل من مقاومته ما بين الحين والآخر. وإن عجز عن إغواء المؤمن من جهة جاء ليفسده من جهة أخرى قال الرسول r: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في الجزيرة ولكن بالتحريش بينهم)) رواه مسلم برقم ( ) عن جابر. فحديث أبي سعيد واضح في استمرارية الشيطان في إغواء بني آدم، والمراد بالشيطان في هذا الحديث: إبليس، فقد أعطي المهلة إلى يوم الوقت المعلوم، وأما جنوده فهم يموتون كما يموت الإنس إلا أن إبليس يستخدمهم لإفساد المؤمنين باستمرار، فمن مرض منهم أو قتل أو شاخ أو تغير حاله خلفه غيره من الشياطين فتستمر المعاداة والإغواء بالوسوسة وغيرها للمسلم حتى يلقى الله.

    ومن الأدلة على محاولة الشيطان على إغواء المسلم عند الموت دعاء الرسول r وفيه: ((اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحرق وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ...)) رواه أبو داود رقم (1552) والحاكم () عن أبي اليسر. قال المناوي عند شرحه لهذا الحديث في "فيض القدير" 2/148: (أي: يصرعني ويلعب بي وفسد ديني أو عقلي... وقد يستولي على المرء عند فراق الدنيا فيضله أو يمنعه التوبة أو يعوقه عن الخروج مظلمة أو يؤيسه من الرحمة أو يكره له الرحمة فيختم له بسوء والعياذ بالله، وهذا تعليم للأمة فإن شيطانه أسلم ولا تسلط له ولا لغيره عليه بحال بل سائر الأنبياء على هذا المنوال)ا.هـ

    تنبيه: ذكر الغزالي في "كشف علوم الآخرة" وعنه القرطبي في "التذكرة" 1/101 من أن الرسول r قال: ((أشد ما يكون الشيطان على ابن آدم حين الموت يقول لأعوانه: دونكم هذا فإنه إن فاتكم لن تظفروا به أبدا)) فهو حديث ضعيف، وأيضا حكاية (حضور إبليس عند موت أحمد حنبل رحمه الله وأنه كان عاضا على أنامله ويقول: يا أحمد فتني، فيقول أحمد: لا بعد لا بعد) أخرجها أبو نعيم 9/183 وذكرها الذهبي في "السير" 11/341 وقال: (هذه حكاية غريبة تفرد بها أبو الأعلم. والله أعلم).



    مجمل وسوسة الجن والشياطين لأتباع الأنبياء والرسل

    تقدم أنه ما من أحد من أهل الإيمان إلا ومعه قرين من الجن، وهذا القرين كافر يلقي على المسلم كل شر وباطل إلى جانب الشياطين من غير القرناء الذين يؤذون المؤمنين في دينهم ودنياهم، ومجمل وسوسة الجن والشياطين للمؤمنين تتضح كالآتي:

    قال مخلد بن الحسين كما في "سير أعلام النبلاء" 9/336: (ما ندب الله العباد إلى شيء إلا اعترض فيه أبليس بأمرين ما يبالي بأيهما ظفر إما غلو فيه وإما تقصير عنه).

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 17/519: (والشيطان تارة يحدث وسواس الشر وتارة ينسي الخير وكان ذلك بما يشغله به من حديث النفس قال تعالى في النسيان: {وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} ...). وقال العلامة ابن القيم في "إغاثة اللهفان" 2/124: (من كيد الشيطان العجيب أنه يشام النفس حتى يعلم أي القوتين تغلب عليها قوة الإقدام والشجاعة أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة، فإن رأى الغالب على النفس المهانة والإحجام أخذ في تثبيطه وإضعاف همته وإرادته عن المأمور به وثقله عليه فهون عليه تركه حتى يتركه جملة أو يقصر فيه ويتهاون به، وإن رأى الغالب عليه قوة الإقدام وعلو الهمة أخذ يقلل عنده المأمور به ويوهمه أنه لا يكفيه وأنه يحتاج معه إلى مبالغة وزيادة، فيقصر بالأول ويتجاوز بالثاني). وقال أيضا في "مدارج السالكين" 1/407 وهو يتكلم عن تدرج الشيطان للعبد في المعاصي: (النظر الرابع: نظره إلى الأمر له بالمعصية المزين له فعلها الحاض عليها وهو شيطانه الموكل به فيفيده النظر إليه وملاحظته: اتخاذه عدوا وكمال الاحتراز منه والتحفظ واليقظة والانتباه لما يريد منه عدوه وهو لا يشعر فإنه يريد أن يظفر به في عقبة من سبع عقبات بعضها أصعب من بعض لا ينـزل منه من العقبة الشاقة إلى ما دونها إلا إذا عجز عن الظفر به فيها) ثم ذكرها.



    أنواع وسوسة الجن للمؤمنين

    هذا الباب واسع جدا يحتاج إلى مؤلف كبير لأن حقيقة معركة الجن هي مع أهل الإيمان، وما دام الأمر كذلك فلا بد من شيء من الإيضاح لهذه الأنواع التي أردنا ذكرها:

    النوع الأول: وسوسة الشيطان للمسلم ليشككه في ذات الله

    روى البخاري برقم () ومسلم برقم () من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله r: ((يأتي شيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه بالله ولينته)) وهو عند أبي داود (4732) وابن السني بلفظ أطول من هذا: ((يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقول قائلهم هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله عز وجل؟ فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم ليتفل أحدكم عن يساره وليستعذ من الشيطان)) قلت: لا دواء لإزالة هذا الداء إلا بالعمل يوصيه الرسول هذه، وهديه المذكور فما أنفعه من شفاء من هذا المرض.

    النوع الثاني: تصوير الشيطان لبعض العباد الجهال أنهم يخاطبون، الله تعالى الله عن ذلك

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الجواب الصحيح" 3/398-399 وهو يتحدث عن مدعي الكرامات: (ولهذا يعتقد كثير من هؤلاء أنهم يكلمون الله ويكلمهم ويقول أحدهم: أوقفني وقال لي وقلت له وتكون مخاطبته ومناجاته مع هذا المثال العلمي بحسب ما عندهم من الاعتقاد في الله تعالى وكثير منهم يتمثل له الشيطان ويقول: أنا ربك فيخاطبه ويظنه ربه وإنما هو الشيطان)) ويا سبحان الله كم أفسد الشيطان من عباد حينما ظهر عليهم مدعيا بأنه الله.

    قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" 1/169: (كالشيخ عبد القادر الجيلاني في حكايته المشهورة حيث قال: كنت مرة في العبادة فرأيت عرشا عظيما وعليه نور فقال لي: يا عبد القادر أنا ربك وقد حللت لك ما حرمت على غيرك قال: فقلت له: أنت الله الذي لا إله إلا هو اخسأ يا عدو الله قال: فتمزق ذلك النور وصار ظلمة وقال: يا عبد القادر نجوت مني بفقهك في دينك وعلمك وبمنازلاتك في أحوالك، لقد فتنت بهذه القصة سبعين رجلا، فقيل له: كيف علمت أنه الشيطان؟ قال: بقوله لي: حللت لك ما حرمت على غيرك، وقد علمت أن شريعة محمد r لا تنسخ ولا تبدل، ولأنه قال: أنا ربك، ولم يقدر أن يقول: أنا الله الذي لا إله إلا أنا).

    وعلى كل: لقد لعب الشيطان على طلاب الكرامة بهذه الألاعيب وجعلهم يشطحون شطحات تملأ ما بين السماء والأرض كذبا، وأكثر من عرف بذلك: الصوفية. فالحذر من التصديق والإصغاء لترهاتهم.



    النوع الثالث: وسوسة الشيطان للمسلم ليزجه عن الإسلام إلى الكفر

    ومن ذلك قوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم} محمد، والارتداد عن الإسلام لا يتوقف على شخص أو أفراد بل يحصل في بعض الأوقات بطريقة جماعية كارتداد قبيلة أو حزب أو أغلب شعب من الشعوب كما حصل في عصرنا فقد ظهرت أحزاب إلحادية من أبناء المسلمين على طريقة إلحاد الغرب الكافر والروسي الخاسر فلا يظن أن وسوسة الشيطان للناس ليرتدوا عن الإسلام قضية صغيرة وضيقة بل واسعة جدا خصوصا عندما جاءت الديمقراطية الداعية إلى حرية الاعتقاد فقد اتخذها من لا يريدون الإسلام إلا ادعاء ذريعة لهم إلى المجاهرة بالردة عن الإسلام.



    النوع الرابع: وسوسة الجن لبعض المسلمين ليكونوا سحرة وكهانا ومنجمين وأضرابهم

    قال تعالى: {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} وقال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} الأنعام، وهذا التعليم والإيحاء هو عن طريق الوسوسة، وانظر ماذا عملت هذه بأصحابها قال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم} الأنعام، وما أدراك ما الاستمتاع بين شياطين الإنس والجن هاهنا قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 11/213 وما بعدها: (فإذا كان الشخص مباشرا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان أو يأوي إلى الحمامات والحشوش التي تحضرها الشياطين أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها أو يسجد إلى ناحية شيخه، ولا يخلص الدين لرب العالمين أو يلابس الكلاب أو النيران أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة أو يأوي إلى المقابر ولا سيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى أو المشركين أو يكره سماع القرآن وينفر عنه ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن). فهل كنت تتوقع أن هذه أحوال السحرة مع شياطينهم من الجن ومن خلال قراءتي حول السحرة وما يعانون منه مقابل استمتاعهم بالجن فلم أر حياة أتعس ولا أشقى من حياتهم. وقال تعالى: {هل أنبئكم على من تنـزل الشياطين تنـزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} قال ابن تيمية الخبير بأحوال شياطين الجن والإنس في باب التنـزيل: (فالشياطين تتنـز ل على من يحصل مقصودها بنـزولها عليه وهو المناسب لها في الكذب والفجور كالأسود العنسي الذي ادعى النبوة باليمن في حياة النبي r واستولى على اليمن، وكان معه شيطان سحيق ومحيق، وكذلك مسيلمة الكذاب، وكذلك الحارث الدمشقي ومكحول الحلبي وبابا الرومي لعنة الله عليهم، وغير هؤلاء كانت معهم شياطين كما هي مع السحرة والكهان فأما الصادق البار فلا يحصل به مقصود الشياطين فإن الشيطان لا يطلب الصدق والبر وإنما يطلب الكذب والفجور فلا يقترن إلا بمن فيه كذب وفجور) "الجواب الصحيح" 5/447-448 و"التفسير الكبير" 2/167
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:46

    النوع الخامس: وسوسة الشيطان للمسلم ليقحمه في الشرك بالله

    للجن والشياطين صولات وجولات في وسوستهم ودعوتهم لنشر الشرك والخرافة في أوساط المسلمين وإقحام الجهال من عباد المسلمين في ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (قال طائفة من السلف منهم محمد بن كعب القرضي: هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان لهم أتباع يقتدون بهم ويأخذون بعدهم مأخذهم في العبادة فجاءهم إبليس فقال لهم: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق إلى العبادة ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم) رواه عبد بن حميد في تفسيره عن محمد بن كعب) "قاعدة عظيمة" ص (43).

    وزيادة على الوسوسة ظهور الجن والشياطين تارة بصورة ملائكة وتارة بصورة الصالحين قال ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 14/283: (وكثير من الناس أهل العبادة والزهد من يأتيه في اليقظة من يقول إنه رسول الله ويظن ذلك حقا، ومن يرى إذا زار بعض قبور الأنبياء أو الصالحين أن صاحب القبر قد خرج إليه فيظن أنه صاحب القبر ذلك النبي أو الرجل الصالح وإنما هو شيطان أتى في صورته إن كان يعرفها وإلا أتى في صورة أنسان وقال إنه ذلك الميت، وكذلك يأتي كثيرا من الناس في مواضع ويقول: إنه الخضر فاعتقد أنه الخضر وإنما كان جنيا من الجن، ولهذا لم يجترئ الشيطان على أن يقول لأحد من الصحابة: إنه الخضر، ولا قال أحد من الصحابة: إني رأيت الخضر، وإنما وقع هذا بعد الصحابة، وكلما تأخر الأمر كثر). وقال أيضا وهو يتحدث عمن يعبدون غير الله، وهذا كثير يجري لمن يدعو المخلوقين من النصارى ومن المنتسبين إلى الإسلام ويدعونهم عند قبورهم أو مغيبهم ويستغيثون بهم فيأتيهم من يقول: إنه ذلك المستغاث به في صورة آدمي إما راكبا وأما غير راكب فيعتقد المستفيث أنه ذلك النبي أو الصالح أو أنه سره وروحانيته أو رقيقته أو المعنى تشكل أو يقول: إنه ملك جاء على صورته وإنما هو شيطان يغويه لكونه أشرك بالله ودعا غيره الميت فمن دونه، فصار للشيطان عليه سلطان بذلك الشرك فظن أنه يدعو النبي أو الصالح أو الملك وأنه هو الذي شفع له أو هو الذي أجاب دعوته وإنما هو الشيطان ليـزيده غلوا في كفره وضلاله).

    وقال أيضا: (وآخرين تتمثل لهم الجن في صورة الإنس أو يرونهم مثال الشيء فيطنون أن الذي رأوه هو الشيء نفسه أو يسمعونهم صوتا يشبه صوت من يعرفونه فيظنون أنه صوت ذلك المعروف عندهم، وهذا كثير موجود في أهل العبادات البدعية التي فيها نوع من الشرك ومخالفة للشريعة).

    النوع السادس: الوساوس الشيطانية في العبادات

    من المسلمين من يبتلى بالوساوس في العبادات من طهارة وصلاة وغير ذلك، وهذه الوساوس من قبل الشيطان قبلتها النفس وصارت تجول في خلد المسلم وتجعله في اضطراب وتخبط وأحوال يرثى لها والدواء لإزالتها كالآتي:

    1- الإقبال على الله بالدعاء والتضرع والاستعاذة بالله أن الله يكشف عنه الضر.

    2- أن يتفقه في دين الله خصوصا في المسائل التي حصل له فيها الوساوس فما علمه من هدي الرسول r فعله دون زيادة أو نقصان ويلزم نفسه بذلك وهذا أدعى للخروج من الوسوسة بإذن الله.

    3- قراءة الكتب التي تتحدث عن الوسوسة وحال الموسوسين.

    4- أن ينظر الموسوس إلى حاله قبل الوسوسة وبعد الوسوسة فإنه سيظهر له الفارق الكبير بين الحالين وسيرى كم جلبت عليه الوسوسة من أمراض وأتعاب.



    النوع السابع: الوسواس القهري

    اشتهر في عصرنا على ألسنة الأطباء أن فلانا مصاب بالوسواس القهري، ومن هؤلاء من لا يسلم بدخول الجن في أبدان الإنس والتأثير عليها وهؤلاء أشقاهم تقديم الهوى على حكم المولى، وكلام الأطباء في هذا الوسواس غالبا ما يكون عندهم من جهة النفس ويهملون أن أكثر ما تكون الوساوس القهرية من قبل الجن لأن الله إذا سلط الجني على الإنسي قدر الجني على منع المسلم من أداء العبادة، بل يمنعه من التكلم أو النظر أو السمع أو المشي أو الأكل والشرب، فهذه أمور قهرية معلومة محسوسة وهي من الجني، يعرف ذلك كثير من المسلمين، ومن قهرية الجن للمسلم أن يكره إليه الاختلاط بالناس أو يكره زوجته حتى لا يطيق أن ينظر إليها، وبعضهم لا يطيق الخروج من البيت، وسأضرب مثلا لهذه القهرية: عندما يصاب الرجل بسحر محبة معلوم أن سحر المحبة هو أرسال جني إلى المسحور ليوسوس له ويدعوه إلى حب زوجته، فالمشاهد أن المسحور – سحر محبة – لا يقدر على مفارقة الزوجة حتى أنه يتأكد من وجودها قبل أن يخرج لأداء عمله ولا يقدر على التأخر عنها لحظة فهو يترك عمله ليبادر بالرجوع إليها، وهذا بسبب وسوسة الجني له يقول له: أحببها، انظر إليها، فتسمية هذه الوساوس قهرية فلا بد من قهرية للشخص وليس هذا من قبل النفس بل من قبل الدن.

    وخلاصة القول: إن أصل الوسواس المسمى بالقهري من الشيطان، ويكون الموسوس مصابا بالمس أو السحر، وقد لا يكون مصابا بذلك فيكون من إلقاء الشيطان على النفس وهي قبلت ذلك وتمكن منها، وضعفت عن مقاومته، وهذا هو الحاصل المتحقق عندنا من خلال مناقشتنا للمصابين بالوساوس، والله أعلم.



    النوع الثامن: وسوسة الجن للمسلم حتى يدعي النبوة

    قال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم} الأنعام، روى الطبراني في "الأوسط" رقم (928) بسند رجاله رجال الصحيح كما في "المجمع" 7/333 عن أبي إسحاق قال: (قلت لعبد الله بن عمر أن المختار يزعم أنه يوحي إليه قال: صدق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم)

    قلت: والسلف والخلف على أن الوحي وحيان: وحي من الله، ووحي من الشيطان، ووحي الله إلى رسوله محمد r ووحي الشيطان إلى أوليائه قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الجواب الصحيح" 6/298: (والشيطان الذي يقول لمن ليس بنبي إنك نبي صادق والله أرسلني إليك يكون من أعظم الناس كذبا، والكذب يستلزم الفجور فلا بد أن يأمره بما ليس برا بل إثما ويخبره بما ليس صدقا بل كذبا كما هو الواقع ممن تضله الشياطين من جهلة العباد وممن يزين له أنه نبي أو أنه المهدي أو خاتم الأولياء، وكل هؤلاء لا أن تأمره الشياطين بإثم ولابد أن يكذب في بعض ما تخبره له تحقيق لقوله تعالى: {هل أنبئكم على من تنـزل الشياطين تنـزل على كل أفاك أثيم}). فويل لمن قبل هذه الوساوس وما ينتج عنها من شطحات كفرية وكلمات إلحادية وأحوال شيطانية.

    تنبيه: قد كان بعض كفار قريش يقولون: إن الذي يأتي محمدا – يعنون رسول الله – إنما هو شيطان فرد الله عليهم بقوله: {وما هو بقول شيطان رجيم} التكوير.



    النوع الثامن: وسوسة الشيطان للعلماء

    قال تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين} الأعراف، كثير من المفسرين على أن معنى (أتبعه): لحقه وأدركه، وبذلك استولى عليه واستحوذ قال ابن كثير في تفسيره 3/509: (إي: استحوذ عليه وغلب على أمره فمهما أمره امتثل وأطاعه). وقال ابن القيم في "إعلام الموقعين" 2/292 عند قوله: {فأتبعه الشيطان}: (أي: لحقه وأدركه كما قال في قوم فرعون: {فأتبعوهم مشرقين} وكان محفوظا محروسا بآيات الله محمي الجانب بها من الشيطان لا ينال منه شيئا إلى على غرة وخطفة فلما انسلخ من آيات الله ظفر به الشيطان ظفر الأسد بفريسته). فظاهر الآية الكريمة أن الشيطان واصل المكر والكيد بهذا العالم حتى ظفر به وهو هكذا مع علماء السوء يوسوس لهم ويزين لهم حتى يوردهم موارد الهلاك، فمن يأمن على نفسه من هذا العدو ولو بلغ علمه عنان السماء، اللهم لطفا بعبادك.

    وأيضا اجتهادات العلماء المخالفة للحق تعد من وسوسة الشيطان قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 15/97: (... فيقال للحق: هو من الله ألهمه العبد، ويقال للباطل: إنه من الشيطان وسوس به ومن النفس أيضا لأنها أرادته كما قال عمر وابن عمر وابن مسعود فيما قالوه باجتهادهم إن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمنا ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه وهذا لفظ ابن مسعود في حديث بروع بنت واشق قال إن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان لأنه حكم بحكم فإن كان موفقا لحكم الله فهو من الله لأنه موافق لعلمه وحكمه فهو منه باعتبار أنه سبحانه ألهمه عبده لم يحصل بتوسيط الشيطان والنفس وإن كان خطأ فالشيطان وسوس به والنفس أرادته ووسوست به وأن كان ذلك مخلوقا فيه والله خلقه فيه لكن الله لم يحكم به).

    وقال أيضا كما في مجموع الفتاوى" 10/450: (فإذا كان خطأ المجتهد المغفور له هو من الشيطان فكيف بمن تكلم بلا اجتهاد يبيح له الكلام في الدين فهذا خطؤه أيضا من الشيطان مع أنه يعاقب عليه إذا لم يتب).



    النوع التاسع: وسوسة الشيطان للمسلمين عند الفرح والمصائب ودعوتهم إلى التعدي لحدود الله

    روى الترمذي في جامعه رقم (1005) وابن سعد في الطبقات 1/138 وابن أبي شيبة في "المصنف" 3/393 وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" رقم (26) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: ((إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نعمة لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة لطم خدود وشق جيوب ودعاء بدعوى الجاهلية)) قال ابن تيمية في كتابه "الاستقامة" 2/275-276: (ولما كان الشيطان يدعو الناس عند هذين النوعين إلى تعدي الحدود بقلوبهم وأصواتهم وأيديهم النبي r عن ذلك فقال لما قيل له لما رأى إبراهيم في النـزع: أتبكي؟ أولم أتنه عن البكاء؟ قال: ((إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعمة لنو ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة لطم خدود وشق جيوب ودعاء بدعوى الجاهلية)) فجمع بين الصورتين وقال: ((ما كان من العين والقلب فمن الله، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان)).

    يا معشر المسلمين: اسلكوا طريق الوسط والاعتدال التي جاء بها الرسول r حتى ننجو من فتن الشيطان عند هاتين الحالتين، أبشر أصحاب التوسط بقول الرسول r: ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذك لأحد إلا للمؤمن)) رواه مسلم رقم (2999) عن صهيب الرومي.



    النوع العاشر: وسوسة الشيطان لبعض المسلمين ليتعبدوا بالمحرمات

    لقد تسلط الشيطان بوسوسته وتزييناته على بعض المسلمين من أهل البدع كالصوفية فزين لهم التعبد ببعض المحرمات كالسماع والرقص والتواجد حتى يقعوا على الأرض بل بعضهم يتلبس به الجني فيخور كما يخور الثور، ولا يزال هذا المنكر عندهم إلى الآن.

    قال ابن تيمية في "الاستقامة" 1/218: (ولهذا دخل الشيطان من هذين البابين على كثير من النساك فتوسعوا في النظر إلى الصور المنهي عن النظر إليها وفي استماع الأقوال والأصوات التي نهوا عن استماعها، ولم يكتف الشيطان بذلك حتى زين لهم أن جعلوا ما نهوا عنه عبادة وقربة وطاعة فلم يحرموا ما حرم الله ورسوله، ولم يدينوا دين الحق، كما حكي عن أبي سعيد الخراز أنه قال: رأيت إبليس في النوم وهو يمر عني ناحية، فقلت له: مالك؟ فقال: بقي لي فيكم لطيفة: السماع وصحبة الأحداث). ولقد أحسن من قال: كان الصوفية يسخرون من الشيطان والآن الشيطان يسخر منهم) كما في "إغاثة اللهفان" 1/241.

    وقد ورث حزب الإخوان المسلمين الصوفية فقد صاروا يحرصون على الأناشيد بل جعلوها من وسائلهم الدعوية التي يقدمون تعلمها على تعليم القرآن الكريم وجعلوها ملهية للناس.



    النوع الحادي عشر: وسوسة الشيطان للمسلم ليكون مسرفا في أموره كلها

    وهذا نوع آخر من وسوسة الشيطان في غاية الأهمية لأن التنبه له من قبل المسلمين قليل جدا وفيه فساد عظيم قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "التفسير الكبير" 5/247: (والشيطان يريد من الإنسان الإسراف في أموره كلها فإنه إن رآه مائلا إلى الرحمة زين له الرحمة حتى لا يبغض ما أبغضه الله ولا يغار لما يغار الله منه، وإن رآه مائلا إلى الشدة زين له الشدة في غير ذات الله حتى يترك من الإحسان والبر واللين والصلة والرحمة ما يأمر به الله ورسوله ويتعدى في الشدة فيزيد الذم والبغض والعقاب على ما يحبه الله ورسوله فهذا يترك ما أمر الله به من الرحمة والإحسان وهو مذموم في ذلك، ويسفر فيما أمر الله به ورسوله في الشدة حتى يتعدى الحدود وهو من إسرافه في أمره، فالأول مذنب، والثاني: مسرف، والله لا يحب المسرفين. فليحذر العلماء والدعاة وطلاب العلم من الغفلة عن هذا الاستدراج لهم من قبل عدو الله، ولا نجاة من هذا الإسراف إلا أن يكونوا مع الحق حيث كان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:50

    النوع الثاني عشر: وسوسة الشيطان للمسلم ليترك الصلاة فإن لم يتركها ليترك صلاة الجماعة

    أخرج أبو داود في "السنن" برقم (547) والنسائي في "المجتبى" 2/106-107 وأحمد في "المسند" 5/196 عن أبي الدرداء عن النبي r قال: ((ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن فيهم ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان)) قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" 10/447: (فأي ثلاثة من هؤلاء لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة كانوا من حزب الشيطان الذي استحوذ عليهم لا من أولياء الرحمن).

    وهذا يشمل تركها بالكلية أو تركها مع الجماعة، ولا يدع الشيطان المصلي يؤدي الصلاة بل يشغله فيها ليحول بينه وبين الخشوع روى البخاري رقم (608) ومسلم رقم ( ) عن أبي هريرة أن النبي r قال: ((إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضى النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى)).

    وروى البخاري برقم (751) عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله r عن الالتفات في الصلاة فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله r قال: ((إن الشيطان يأتي أحدكم في الصلاة فيأخذ شعرة من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)) رواه أحمد وأبو داود.

    فالله الله في محاربة وسوسة الشيطان في الصلاة والحرص على سلامتها فإنها رأس مال المسلم.



    النوع الثالث عشر: وسوسة الجن والشياطين ودعوتهم المسلمين إلى التفرق والتمزق

    لقد سد الإسلام كل باب وقطع كل طريق يوصل إلى تفرق المسلمين في دينهم روى أبو داود رقم (2628) عن أبي ثعلبة الخشني قال: كان الناس إذا نزلوا منـزلا تفرقوا في الشعاب والأودية فقال رسول الله r: ((إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان)) فلم ينـزلوا بعد ذلك منـزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال: لو بسط عليهم ثوب لجمعهم). فإذا كان تفرق الصحابة بالأبدان في الوقت الذي يستدعي اجتماعهم من الشيطان فما بالك بتفرق القلوب بالأهواء والأدواء ألا يكون هذا مما تمكن منه الشيطان وألحقه بأصحابه، ألم يقل الرسول r: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون بالجزيرة ولكن بالتحريش بينهم)) رواه مسلم رقم (2812) عن جابر. فما من تفرق حزبي وتشتت بدعي إلا وهو من سبل الشيطان روى الإمام أحمد 1/456 عن ابن مسعود رضي الله عنه...........



    النوع الرابع عشر: وسوسة الجن للمسلمين ليؤذوا بعضهم بعضا

    قال تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينـزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} الإسراء، وروى البخاري رقم ( ) ومسلم رقم ( ) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: ((لا يشير أحدكم بالسلاح إلى أخيه لعل الشيطان ينـزع يده فيقع في حفرة من النار)) فكم تأججت من فتن وذهب من خير بسبب نزغ الشيطان بين عباد الرحمن، ومن ذلك ما جاء عن سليمان بن صرد قال: استب رجلان عند النبي r فجعل أحدهما تحمر عيناه وتنتفخ أوداجه قال رسول الله r: ((إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)) رواه البخاري برقم (3282) و(6048) ومسلم برقم (2610) وكم حرم المسلمون من خير بسبب استجابتهم لدعوة الشيطان المفسدة لأخوة الأخ مع إخوانه روى مسلم عن أبي سعيد قال:..............

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 17/515: (فما حصل لإنسي شر من إنسي إلا كان مبدؤه من الوسواس الخناس و إلا فما يحصل من أذي بعضهم لبعض إذا لم يكن من الوسواس بل كان من الوحي الذي بعث الله به ملائكته كان عدلا كإقامة الحدود و جهاد الكفار و الاقتصاص من الظالمين فهذه الأمور فيها ضرر و أذي للظالمين من الإنس لكن هي بوحي الله لا من الوسواس). وقال أيضا في المصدر السابق 17/515 وهو يتحدث عن الوسواس: (فذلك يحصل بإعاذته من شر الوسواس الموسوس في صدور الناس فإنه هو الذي يوسوس بظلم الناس بعضهم بعضا و بإغواء بعضهم بعضا و بإعانة بعضهم بعضا على الإثم و العدوان).



    النوع الخامس عشر: البكاء الشيطاني ودفع العباد الجهال إليه

    والمراد من هذا النوع أن الشيطان يدفع العبد إلى استعمال حركات باعتبار أنه يبكي أو يوسوس للشخس أنه يبكي ليصل به إلى أنه الأتقى لله منه فينفخه الشيطان بالعجب والغرور وهما من أعظم مفسدات الأعمال، وقد ظهر البكاء الشيطاني المذكور في زمن السلف أخرج أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص (214) والبيهقي في "الشعب" رقم (1900) وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" 7/222 بسند صحيح عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: (كان أصحاب النبي r إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم قيل لها فإن أناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشيا عليه فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). وقد اشتهر عند هذا الصنف بما يسمى بالشهقة قال ابن القيم في "الفوائد" ص (198): (إن الشاهق إما صادق وإما سارق وإما منافق).

    وقبل هذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاستقامة" 2/275 بعد أن ذكر حديث الصوتين الأحمقين الفاجرين: (جمع النبي بين الصورتين وقال: ((ما كان من العين والقلب فمن الله، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان)).



    أمثلة من منجزات جنود إبليس وسراياه في الوسوسة للمسلمين

    إن إبليس حامل لواء كل شر وفساد لا يزال يبعث جنوده الكثيرة ويعدهم ويمنيهم بالتكريم إن نجحوا في مهمتهم الموكلين بها روى مسلم رقم (2813) عن جابر قال: قال رسول الله r: ((إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منـزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت)) وروى ابن حبان رقم (6189) عن أبي موسى عن النبي r قال: ((إذا أصبح إبليس بث جنوده فيقول: من أضل اليوم مسلما ألبسته التاج قال: فيخرج هذا فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته فيقول: أوشك أن يتزوج، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عق والديه فيقول: أوشك أن يبر، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك فيقول: أنت أنت، ويجيء فيقول: لم أزل به حتى زنى فيقول: أنت أنت، ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قتل فيقول: أنت أنت ويلبسه التاج)).

    انظر أيها المسلم إلى هذه البوائق المذكورة آنفا وعظيم خطرها على المسلم وقس عليها بقية البوائق التي يقع فيها الحسم فإنها عن طريقهم، والذي يظهر أن هؤلاء الشياطين غير القرناء من الجن للإنس لأن القرناء يلازمون من وكلوا به ويفسدونه في كل مجال يستطيعون في أمر الدين والدنيا بخلاف هؤلاء فإن الواحد منهم يأتي وهو يختار كذا من الفساد للمسلم فيستمر في استخدام وسائله حتى يوقعه في ذلك.



    الشيطان يوسوس للعصاة حتى يرتكبوا المعاصي ثم يدعوهم ليفضحوا أنفسهم

    هذه الحيل من الشيطان قل أن يتنبه لها المستجيبون لوسوسته، فالشطان يوسوس للعبد ويريه الحيل التي يستخدمها لينجح في الوصول إلى انتهاك ما حرم الله فإن كان العبد المسلم يخاف من الفضيحة بين الناس دله الشيطان على الطرق التي يستخدمها لئلا يفضح فإذا وقع المسلم في المنكر دعاه الشيطان وزين له أنه يخبر أصدقاءه بفعلته فينكشف أمره بمكر عدوه به والدليل على ما قلت قول الرسول r: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه فيكشف ستر الله عنه)) رواه البخاري رقم (6069) ومسلم رقم (2990) عن أبي هريرة. قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" ( ): (ومن كيد الشيطان للإنسان أنه يورده الموارد التي يخيل إليه أن فيها منفعة ثم يصدره المصادر التي فيها عطية ويتخلى عنه ويسلمه ويقف يشمت له ويضحك منه فيأمره بالسرقة والزنا والقتل ويدل عليه ويفضحه).
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:51

    مؤاذاة الشياطين للأنبياء والرسل بغير الوسوسة

    من المعلوم أن شياطين الجن والإنس هم أعداء الأنبياء والرسل قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن} ولما كان شياطين الجن معادين للأنبياء والرسل أشد العداء حاولوا أن ينالوا منهم بغير الوسوسة قال تعالى: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب} ص، وقال تعالى مخبرا عما فعلته الشياطين بسليمان وفي عهده: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} ولهذا كان سليمان يعاقبهم كما قال الله: {ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير} وقال الله: {وآخرين مقرنين في الأصفاد} ص.

    ومن مؤاذاتهم أيضا ما فعلوه بسيد الأولين والآخرين محمد r ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((إن عفريتا من الجن جاء يفتك بي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فذعته)) أي خنقته. وعن عائشة قالت: كان النبي يصلي فأتاه الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه حتى وجد برد لسانه على يده ...) رواه النسائي في "الكبرى" رقم (11439) وقد جاء عن أبي الدرداء عند مسلم برقم (541) وغيرهم بل سحر النبي r من قبل لبيد بن الأعصم اليهودي فكان الجني يخيل للنبي الشيء أنه يفعله ولا يفعله فشفاه الله من ذلك. وحديث سحره متفق عليه من حديث عائشة وهو عند أحمد وغيره عن زيد بن أرقم.



    الفرق بين ما يفعله الشيطان بالرسل وما يفعله بأتباعهم

    من المعلوم أن الله عصم أنبياءه ورسله من إضلال الشيطان لهم وإغوائه إياهم، وإن نال منهم شيئا ففي غير هذا قال تعالى: {وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} وقال تعالى: {وإما ينـزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} الأعراف، قال أبو حيان في تفسيره 5/257 وهو يبين الفرق بين النـزغ والمس: (النـزغ من الشيطان أخف من مس الطائف من الشيطان لأن النـزغ: أدنى حركة والمس: الإصابة، والطائف: ما يطوف به ويدور عليه فهو أبلغ لا محالة، فحال المتقين تزيد في ذلك على حال الرسول، والنظر لحسن هذا البيان حيث جاء الكلام للرسول كان الشرط بلفظ (إن) المحتملة للوقوع ولعدمه، وحيث كان الكلام للمتقين كان المجيء بإذا الموضوعة للتحقيق أو للترجيح، وعلى هذا فالنـزغ يمكن أن يقع ويمكن أن لا يقع، والمس واقع لا محالة أو يرجح وقوعه... وهنا جاءت الجملة خبرية في ضمنها الشرط وجاء الخبر: (تذكروا) فدل على تمكن مس الطائف حتى حصل نسيان فتذكروا ما نسوه، والمعنى: تذكروا ما أمر به تعالى وما نهى عنه، وبنفس التذكر حصل إبصارهم، فاجأهم إبصار الحق والسداد فاتبعوه وطردوا عنهم مس الشيطان والطائف).

    ومما يدل على الفرق أيضا قوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينـزغ بينهم} فأثبتت الآية نزغه للمؤمنين وأكدت ذلك بأقوى أدوات التوكيد، وقد ذكرنا في أنواع الوساوس أن الشيطان يشكك بعض الصالحين في عقائدهم في الله، وأيضا يحرش بينهم قال الرسول r: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في الجزيرة ولكن بالتحريش بينهم)) رواه مسلم رقم (3812) عن جابر قال النووي في شرحه لهذا الحديث: (هذا الحديث من معجزات النبوة، وقد سبق بيان جزيرة العرب ومعناه أيس أن يعبده أهل جزيرة العرب ولكنه سعى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها).

    وخلاصة القول: أن فعل الشياطين بالأنبياء يكون في غير إضلالهم وإغوائهم، وأما أتباعهم فيؤذونهم بما يؤدي إلى وقوع بعضهم في الكفر والشرك وما دونهما.



    حال الجن مع النبي وأتباعه

    لا شك أن عداوة الجن والشياطين للنبي وأتباعه أشد من عداوة الإنس لأن الجن عداوتهم أصل لعداوة الإنس لأنهم الموسوسون والمزينون والداعون الإنس إلى عداوة الأنبياء وعداوة أتباعهم، وحال الجن مع النبي وأتباعه كحال الإنس مع النبي r قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "النبوات" ص (397): (... فنبينا r هو مع الجن كما هو مع الإنس، والإنس معه إما مؤمن به وإما مسالم له وإما خائف منه كذلك الجن منهم المؤمن به ومنهم المسلم له مع نفاق ومنهم المعاهد المسالم لمؤمني الجن ومنهم الحربي الخائف من المؤمنين).



    تسخير الجن والشياطين خاص بسليمان النبي عليه السلام

    لقد اختص الله نبيه سليمان عليه السلام بتسخير الجن له قال تعالى: {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد} ص، وقال تعالى: {ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين} وقال تعالى: {ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان وقدور راسيات} سبأ.

    وجاء في البخاري رقم (461) ومسلم رقم (541) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r قال: ((إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم فذكرت قول أخي سليمان {رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي} قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "النبوات" (وأما التسخير الذي سخروه لسليمان فلم يكن لغيره من الأنبياء فضلا عن من ليس بنبي).



    مؤاذاة الجن للمسلمين بغير الوسوسة

    مؤاذاة الجن للإنس بغير الوسوسة متنوعة ومنها الآتي:

    1- التشكل بصور الإنس: فالجني يستطيع أن يتشكل بصور الإنس ذكورهم وإناثهم، مسلمهم وكافرهم وكذا إناث الجن وهم يفعلون هذا للتوصل إلى الإضرار بالإنس مسلمهم وكافرهم ومن ذلك ما ذكرناه في رسالتنا "البرهان على تحريم التناكح بين الإنس والجان" المتعلقة بالتناكح من الجان فباسم التناكح مع الإنس يتوصلون إلى الزنا وإلى قهر الإنس على تعاطي الكفر من سحر وتنجيم وغير ذلك. ومنه أيضا التشكل بصور الحيوانات والطيور والزواحف لمؤاذاة الناس وعلى سبيل المثال: ما جاء في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مسلم برقم ( ) وفيه:أن حية ظهرت في أحد بيوت الأنصار فضربها الأنصاري فقتلها وقتلته فأخبر النبي r أنه جني. وأكثر ما يتشكلون بالكلاب السوداء والهر الأسود، لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وفيه قوة الحرارة كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية بل قال ابن القيم: (إن كل جنس من أجناس الحيوانات فيها شياطين) "إعلام الموقعين" 2/107

    2- ضرب الإنس: فما أكثر الذين تضربهم الجن بأنواع من الضرب كالذين يصابون باعوجاج الفم، ومن ذلك ما ذكرناه في رسالتنا "البرهان على تحريم التناكح بين الإنس والجان" من ضرب الجنيات لأزواجهن الإنس.

    3- الإحراق: روى مسلم في صحيحه برقم (541) عن أبي الدرداء أنه قال: قام رسول الله r يصلي فسمعناه يقول: أعوذ بالله منك ثم قال: ألعنك بلعنة الله ثلاثا وبسط يده كأنه يتناول شيئا فلما فرغ من صلاته قلنا: يا رسول الله سمعناك تقول شيئا في الصلاة لم نسمعك تقوله قبل ذلك ورأيناك بسطت يدك قال: ((إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة فلم يستأخر ثم أردت أن آخذه ولولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان المدينة)).

    4- قيام الجن بحمل أناس إلى المزابل والقمائم كما ذكر ابن الحاج في كتابه "المدخل" 3/169/170: (حكي عن بعض المريدين أنه كان يحضر مجلس شيخه ثم انقطع فسأل الشيخ عنه فقالوا له: هو في عافية، فأرسل خلفه فحضر، فسأله ما الموجب لانقطاعك؟ فقال: يا سيدي كنت أجيء لكي أصلي والآن قد وصلت فلا حاجة تدعو إلى الحضور، فسأله عن كيفية وصوله، فأخبره أنه في كل ليلة يصلي ورده في الجنة فقال له الشيخ: يا بني والله ما دخلتها أبدا فلعلك أن تتفضل علي فتأخذني معك لعلي أن أدخلها كما دخلتها أنت، قال: نعم، فبات الشيخ عند المريد، فلما كان بعد العشاء جاء طائر فنـزل عند الباب، فقال المريد للشيخ: هذا الطائر الذي يحملني في كل ليلة على ظهره إلى الجنة فركب الشيخ والمريدعلى ظهر الطائر فطار بهما ساعة ثم نـزل بهما في موضع كثير الشجر فقام المريد ليصلي وقعد الشيخ فقال له المريد: يا سيدي أما تقوم الليلة؟ فقال له الشيخ: يا بني الجنة هذه، وليس في الجنة صلاة، فبقي المريد يصلي والشيخ قاعد، فلما طلع الفجر جاء الطائر ونـزل فقال المريد للشيخ: قم بنا نرجع إلى موضعنا فقال له الشيخ: اجلس، ما رأيت أحدا يدخل الجنة ويخرج منها، فجعل الطائر يضرب بأجنحته ويصيح حتى أراهم أن الأرض تتحرك بهم، فبقي المريد يقول للشيخ: قم بنا لئلا يجري علينا منه شيء فقال له الشيخ: هذا يضحك عليك يريد أن يخرجك من الجنة، فاستفتح الشيخ يقرأ القرآن، فذهب الطائر، وبقيا كذلك إلى أن تبين الضوء وإذا هما على مزبلة والعذرة والنجاسات حولهما فصفع الشيخ المريد وقال له: هذه هي الجنة التي أوصلك الشيطان إليها؟!! قم فاحضر مع إخوانك.

    5- سرقة أموال الإنس ليوصلوها إلى من يحبون من شياطين الإنس قال شيخ الإسلام وهو يتحدث عن دجال من دجاجلة الإنس قال: (وكان أحيانا تأتيه الجن بدراهم وطعام تسرقه من بعض الناس حتى إن بعض الناس كان له تبن في كوارة فيطلب الشيخ من شياطينه تبنا فيحضرونه له فيطلب أصحاب الكوارة التبن فيجدوه قد ذهب). وقال أيضا في "منهاج السنة النبوية" 4/94, 8/262 وهو يبين أن الصحابة كان لهم كرامات ولم يكونوا يتعاملون مع الجن فضلا عن أن يقبلوا منهم سرقة الأموال: (وكذلك لم يكن فيهم من حملته الجن إلى مكة وذهبت به إلى عرفات ليقف بها كما فعلت ذلك بكثير من الجهال والعباد وغيرهم ولا كان فيهم من تسرف الجن أموال الناس وطعامهم وتأتيه به فيظن أن هذا من باب الكرامات كما قد بسط الكلام على ذلك في مواضع).

    6- يقوم بعض أفراد الجن والشياطين بالمؤاذاة للإنس بالمس والصرع لهم، كما هو معلوم، وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في كتابنا "موسوعة الجن والشياطين".

    7- تحصل المؤاذاة في النوم لبني آدم بالاحتلام والرؤيا والمبيت في خيشومه، والبول في أذنه، وعقد العقد على قافية رأسه، وغير ذلك، كما ذلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.

    8- خطف الإنس: فقد اختطف رجل في عهد عمر بن الخطاب من قبل الجن، وعاد بعد مدة، وأخبر الصحابة بذلك. انظر القصة في البيهقي 7/445-446.



    استخدام شياطين الجن لجوارح الإنسان

    مما ينبغي أن يعلمه المسلم أن الشيطان يسعى إلى إهلاك المسلم عن طريق استخدامه لجوارحه، فقد دلت الأدلة على ذلك، روى البخاري برقم (7072) ومسلم برقم (6611) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينـزع في يده فيقع في حفرة من النار)) قال النووي في قوله: ((ينـزع)): (معناه يرمي به في يده ويحقق ضربته، ومن رواه بالعجمة فهو من الإغراء، أي: يزين له تحقيق الضربة) "شرح مسلم" 16/386

    فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فهو يقدر على تحريك أي عضو من أعضاء الشخص بالطريقة التي يستطيعها، وعند ذلك يفعل الشيطان بالعبد ما يريد، واعتبر بحال الغضبان لغير حرمات الله فإن ذلك من نزع الشيطان، فيحصل من بعض الغاضبين أن يقول بلسانه كلاما لأن يخر من السماء إلى الأرض أهون عليه من أن يقوله، ويضرب بيديه ما قد يؤدي إلى القتل، ويركض برجليه ما قد يؤدي إلى أضرار عظيمة. كفانا الله شر الشياطين.



    ليس كل ما يفعله الشيطان بالمسلم يعاقب عليه المسلم

    هذه المسألة من المسائل الفقهية العظيمة في الفقه قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 15/100: (وليس كل ما كان من الشيطان يعاقب عليه العبد ولكن يفوته به نوع من الحسنات كالنسيان فإنه من الشيطان والاحتلام من الشيطان والنعاس عند الذكر والصلاة من الشيطان والصعق عند الذكر من الشيطان ولا إثم على العبد فيما غلب عليه إذا لم يكن ذلك بقصد منه أو ذنب). قوله: (إذا لم يكن ذلك بقصد منه) يفيد هذا الشرط أن ما كان بقصد من العبد يأثم، فلو أن الشخص يحضر مجالس الذكر وخطب الجمعة بنية النوم لكان آثما.



    ترفع المسلم عن التشبه بشياطين الجن

    روى الإمام مسلم برقم (1403) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: ((لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشربن فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها)) فيا مسلم إياك أن تتشبه بأخبث أعدائك وأفجرهم الشيطان، ولقد حصل من بعض المسلمين الموافقة في التشبه المذكور فترى عددا غير قليل يأكلون ويشربون بشمائلهم، وبعضهم إذا حذرته وذكرت له هذا الحديث حاول الاعتراض والإصرار على ما هو عليه نسأل الله أن يلهمنا رشدنا. وروى الإمام أحمد في مسنده 3/413 عن رجل أن رسول الله r (نهى أن يجلس بين الضح والظل وقال مجلس الشيطان). وروى أبو داود برقم (4136) عن أبي هريرة أن رسول الله r قال: ((لا يمشي أحدكم في النعل الواحدة لينتعلهما جميعا أو ليخلعهما جميعا)).
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:52

    فصل: الأسباب التي يتسلط بها شياطين الجن على المسلمين




    الأسباب التي يتوصل من خلالها الجن والشياطين إلى مؤاذاة المسلمين كثيرة، وحسبنا أن نذكر بعضا منها:



    السبب الأول: رؤية الجن لنا ولا نراهم غالبا

    قال تعالى في إبليس وذريته: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} الأعراف، الذي عليه المفسرون أن الضمير في قوله {إنه} عائد على إبليس وأن {قبيله} ذريته ونسله وقد سئل شيخ الإسلام بما نصه عن قوله تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}: هل ذلك عام لا يراهم أحد أم يراهم بعض الناس دون بعض؟ فأجاب رحمه الله بقوله: (الذي في القرآن أنهم يرون الإنس من حيث لا يراهم الإنس وهذا حق يقتضي أنهم يرون الإنس في حال لا يراهم الإنس فيها وليس فيه أنهم لا يراهم من الإنس بحال بل قد يراهم الصالحون وغير الصالحين أيضا لكن لا يرونهم في كل حال) "مجموع الفتاوى" 15/7

    فبسبب رؤيتهم لنا وعدم رؤيتنا لهم تجرؤوا على مؤاذاتنا، وسهلت عليهم. والمعصوم من شرهم من عصم الله.



    السبب الثاني: كثرة الشبهات والشهوات

    إذا كثرت الشبهات والشهوات على المسلمين كثرت استجابتهم لوساوس الشياطين وقبول ما يغرونهم به قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكثرة الوساوس بحسب كثرة الشبهات والشهوات وتعليق القلب بالمحبوبات التي ينصرف القلب إلى طلبها والمكروهات التي ينصرف القلب إلى دفعها ...). فواجب على كل مسلم ومسلمة التزود من الفقه في الدين حتى تستنير عقولهم وتزكو نفوسهم وتنشرح صدورهم للحق وتطمئن قلوبهم به وإلا فلا إخالك ناجيا من كثرة الشبهات والشهوات التي هي مرتع خصيب للشياطين.



    السبب الثالث: غفلة القلب عن ذكر الله

    قال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 4/34: (بل الشيطان يلتقم قلبه - أي قلب ابن آدم - فإذا ذكر الله خنس وإذا غفل قلبه عن ذكره وسوس ويعلم هل ذكر الله أم غفل عن ذكره ويعلم ما تهواه نفسه من شهوات الغي فيزينها له، والشيطان وسواس خناس إذا ذكر العبد ربه خنس فإذا غفل عن ذكره وسوس فلهذا كان ترك ذكر الله سببا ومبدأ لنـزول الاعتقاد الباطل والإرادة الفاسدة ومن ذكر الله تعالى: تلاوة كتابه وفهمه).

    وقال أيضا كما في المصدر نفسه 10/399-400: (فإن الشيطان إنما يمنعهم من الدخول إلى قلب ابن آدم ما فيه من ذكر الله الذي أرسل به رسله فإذا خلا من ذلك تولاه الشيطان).



    السبب الرابع: مؤاذاة المسلمين للجن والاعتداء عليهم بتعمد أو بدون تعمد

    مما يسبب فتك الجن بالمسلمين حصول الاعتداء عليهم من قبل المسلمين قال ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 23/22 وهو يتحدث عن أسباب صرع الجن للإنس: (وتارة يكون الإنسي آذاهم إذا بال عليهم أو صب عليهم ماء حارا أو يكون قتل بعضهم أو غير ذلك من أنواع الأذى هذا أشد الصرع، وكثيرا ما يقتلون المصروع فمن تعامل مع الجن والشياطين بالعدل نصره الله عليهم وصرفهم عنه). وما أكثر ما يكون الجن ظالمين في هذه الحال للمسلمين ابتداء لأنهم يتشكلون على هيئة مرئية للإنس كالحيات والثعابين والكلاب والهرر وغير ذلك فيخاف المسلم منها ويظنها المخلوقات المعروفة فيبادر إلى ضربها أو قتلها على حسب هذا الإدراك لا أنه يريد مؤاذاة الجن، والشريعة الإسلامية قد رخصت في قتل ما يؤذي من هذه المذكورات وما كان في حكمها بدون إنذار لها إلا حيات البيوت فإنها تنذر ثلاثا. وأيضا يكون بعض الجن ساكنين في القمائم وخلف البيوت، ولا يراهم الإنس فيرمون شيئا فتصيب الجن فيقوم الجني بالانتقام.

    وعلى كل: لا يجوز للمسلم أن يتعمد الاعتداء على الجن، ويستنصر الله عليهم إذا اعتدوا عليه.



    السبب الخامس: يكون عن طريق حب الإنس وعشقهم من قبل ذكور الجن وإناثهم

    قال ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 23/82: (وصرعهم للإنس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق للإنس مع الإنس والجني قد يحب الإنسي كما يحب الإنسي الإنسي وكما يحب الرجل المرأة والمرأة الرجل ويغار عليه ويخدمه بأشياء، وإذا صار مع غيره فقد يعاقبه بالقتل وغيره، كل هذا واقع، وكذلك الجنيات منهن من تريد من الإنسي الذي يخدمنه ما يريد نساء الإنس من الرجال، وهذا كثير في رجال الجن ونسائهم، فكثير من رجالهم ينال من نساء الإنس ما يناله الإنس وقد يفعل ذلك بالذكران).

    فعلى المسلم والمسلمة أن يحرص كل منهما على الأذكار الشرعية خصوصا المتعلقة بدخول الخلاء وعند الجماع لأن التعري بدون ذكر الله من أسباب عشق الجن للإنس.



    السبب السادس: يكون من باب العبث بالإنس

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 23/82 وهو يتحدث عن عبث الجن بالإنس: (وتارة يكون بطريق العبث به كما يعبث سفهاء الإنس بأبناء السبيل) ويكفي الله عباده شر هؤلاء السفهاء بلجوئهم إليه ودعائهم له وعبادتهم إياه.



    السبب السابع: بعض الجن يؤذون بعض المسلمين تأديبا لهم على ارتكاب المعاصي والبدع

    يحصل أن بعض الجن المتلبس بالإنسي المسلم يخبر أن سبب دخوله في المسلم أن هذا المسلم عاص أو مبتدع، ومعنى هذا أن الجن هؤلاء أخذتهم الغيرة على الإسلام فقاموا بمؤاذاة عصاة المسلمين، وهذا لا يجوز من جهتين: من جهة أن دخول الجن في المسلمين حرام، ومن جهة أنهم يتعاملون مع العصاة بغير المعاملة المعتبرة شرعا، فلا يجوز لهم ضرب العصاة ولا مؤاذاتهم بأي نوع، بل ليس للجن أن ينصحوا المسلمين لأن نصحهم لهم قد يؤدي إلى ترويعهم.

    وبالجملة: كثيرا ما تحصل هذه المعاملة للمسلمين من قبل جهال الجن ولو كانوا مسلمين.



    السبب الثامن: يؤذي الجن المسلمين من باب الابتلاء والامتحان

    لله حكمة فيما يقدره ويقضيه على العبد الصالح من تسليط الجني عليه كتسليط الشيطان على نبي الله أيوب عليه السلام.


    التحصنات من مؤاذاة شياطين الجن بالوسوسة وغيرها




    من المعلوم أن الله لم ينـزل داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله كما جاء من حديث ابن مسعود عند أحمد وغيره، ألا وإنه لا داء أعظم من الوسوسة التي فتكت بكثير من المسلمين، وإن الله الكريم الرحيم الحكيم العليم قد أرشدنا وكذا رسوله r إلى ما به ننجو من هذا البلاء العظيم، فما علينا إلا أن نقبل على الأخذ بأسباب النجاة والعافية من شرور الشياطين ووساوسهم، والله خير الناصرين، وإليك ذكر ما تيسر من التحصينات من الشياطين ووساوسهم:

    القرآن والسنة المصدران الوحيدان لمعرفة الجن والشياطين والنجاة منهم


    لقد كثرت الأقاويل الباطلة ونسجت الأساطير المموهة حول الجن والشياطين مما أدى ذلك إلى جهل عظيم بأحوال الجن والشياطين فجاء القرآن الكريم والسنة المطهرة الصحيحة ببيان أحوالهم كخلقهم وصفاتهم وأعمالهم وشؤونهم، فصارت معرفة الجن والشياطين متكاملة في القرآن والسنة فلا معرفة لهما من غيرهما تطلب. وعلى هذا فكل ما يقال عن الجن والشياطين لا يقبل إلا بعد عرضه على الشريعة الإسلامية فإن قبلته قبل وإلا رد, والمقصود من العلم الشرعي بالجن وأحوالهم: القدرة على محاربتهم على بصيرة والانتصار عليهم بإذن الله فمن جهل الشر صعب عليه أن يبتعد عنه فضلا عن أن يحاربه.

    كيد الشيطان ضعيف


    إياك إياك أيها المسلم المصاب بالوسوسة أن تظن أنها لن تذهب عنك بدعوى أنها قد تمكنت منك وأن الشيطان يصول ويجول فيك، ألا فلتعلم أن كيد الشيطان ضعيف بنص الآية قال الله: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} وضعفه ظاهر، ولهذا قال غير واحد من المفسرين أنه يسعى بالوسوسة ليفسد حال الإنسان، وهذه الوسوسة ليس فيها أي سلطان على العبد إن هو أقبل على الله، فهذا العدو لا يملك من الأمر شيئا، فهذا ضعف متحقق في الشيطان, والقوة متحققة فيمن كان مع الله.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 22/607-610: (فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} النساء.

    وقال أيضا في "قاعدة جليلة" ص (300): (فحيث قوي الإيمان والتوحيد ونور الفرقان والإيمان وظهرت آثار النبوة والرسالة ضعفت هذه الأحوال الشيطانية).

    خوف الجن وشياطينهم من المؤمنين وهروبهم منهم


    من الفقه العظيم أن يعلم أهل الإيمان أن شياطين الجن تخافهم خوفا شديدا وتهرب منهم، وكيف لا تخاف الجن من المؤمنين ومع المؤمنين جنود الرحمن كالملائكة قال تعالى: {وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا} وروى البخاري برقم (3294) ومسلم برقم (2396) عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله r قال لعمر: ((ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك)) فما من مؤمن قوي إلا والشيطان يرهب منه قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصفدية" 2/292: (وإذا كان من أولياء الله المتقين المطيعين لله ورسوله هربت منه هذه الشياطين). ومما يدل على خوف الشياطين من المسلمين قوله تعالى: {قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس} فالاستعاذة بالله من أعظم الأسباب لطرد الوسواس، ولهذا قال تعالى: {الخناس} أي: الذي يختفي وينصرف عن الموسوس له إذا ذكر الله، فلولا خوفه وانهزامه ما طرد واختفى عن العبد المستعيذ بالله.

    دفاع الجن المؤمنين الصالحين عن الإسلام وأهله


    من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن من الجن من يدخلون في الإسلام ويتمسكون به ويدافعون ويذبون عنه، وقد بين الله ذلك في سورة الجن، وقد ذكر الله في سورة الأحقاف أن النفر من الجن الذين جاءوا إلى النبي r رجعوا إلى الجن دعاة إلى الله، والسنة مليئة بالأحاديث الدالة على إسلام بعض الجن وسأذكر هاهنا شيئا من دفاعهم عن الإسلام وأهله.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 4/233-237 وهو يتحدث عن استجابة الجن: (والدلائل الدالة على هذا الأصل وما في الحديث والآثار من كون الجن يحجون ويصلون ويجاهدون وأنهم يعاقبون وأنهم يعاقبون على الذنب كثيرة جدا). وأخرج البيهقي 7/445-446 بسند صحيح من طريق قتادة عن أي نضرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن رجلا من قومه من الأنصار خرج يصلي مع قومه العشاء فسبته الجن ففقد فانطلقت امرأته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقصت عليه القصة فسأل عنه عمر قومه فقالوا: نعم خرج يصلي العشاء ففقد، فأمرها أن تتربص أربع سنين فلما مضت الأربع سنين أتته فأخبرته فسأل قومها فقالوا: نعم، فأمرها أن تتزوج، فتزوجت، فجاء زوجها يخاصم في ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال عمر بن الخطاب: يغيب أحدكم الزمان الطويل لا يعلم أهله حياته، فقال له: إن لي عذرا يا أمير المؤمنين، فقال: وما عذرك؟ قال: خرجت أصلي العشاء فسبتني الجن فلبثت فيهم زمانا طويلا فتراهم جن مؤمنون أو قال: مسلمون – شك سعيد – فقاتلوهم فظهروا عليهم فسبوا منهم سبايا فسبوني فيما سبوا منهم فقالوا: نراك رجلا مسلما ولا يحل لنا سبيك فخيروني بين المقام وبين القفول إلى أهلي فاخترت القفول إلى أهلي، فأقبلوا معي أما بالليل فليس يحدثوني وأما بالنهار فعصار ريح أتبعها فقال له عمر رضي الله عنه: فما كان طعامك فيهم؟ قال: الفول وما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فما كان شرابك فيهم؟ قال: الجدف، قال قتادة: والجدف ما لا يخمر من الشراب، قال: فخيره عمر بين الصداق وبين امرأته). وقد صحح هذه القصة الألباني وغيره.

    وفي "مرآة الزمان" 8/53-54: (وحكى ابن عقيل قال: كان عندنا بالظفرية دار كلما سكنها ناس أصبحوا موتى، فجاء مرة رجل مقرئ فاكتراها وارتضى بها فبات بها وأصبح سالما فعجب الجيران وأقام مدة ثم انفتل، فسئل فقال: لما بت بها صليت العشاء وقرأت شيئا وإذا شاب قد صعد من البئر فسلم علي فَبُهِتُّ فقال: لا بأس عليك علمني شيئا من القرآن، فشرعت أعلمه ثم قلت: هذه الدار كيف حديثها؟ قال: نحن مسلمون نقرأ ونصلي، وهذه الدار ما يكتريها إلا الفساق فيجتمعون على الخمر فنخنقهم، قلت: ففي الليل أخافك فجئ نهارا قال: نعم، فكان يصعد من البئر في النهار، وألفته فبينما هو يقرأ إذا بمعزم في الدرب يقول: المرقى من الدبب ومن العين ومن الجن فقال: أيش هذا؟ قلت: معزم قال: اطلبه، فقمت وأدخلته فإذا بالجني قد صار ثعبانا في السقف فعزم الرجل فما زال الثعبان يتدلى حتى سقط في وسط المندل فقام ليأخذه ويضعه في الزنبيل فمنعته فقال: أتمنعني من صيدي؟! فأعطيته دينارا وراح فانتفض الثعبان وخرج الجني وقد ضعف واصفر وذاب فقلت: مالك؟ قال: قتلني هذا بهذه الأسامي وما أظنني أفلح فاجعل بالك الليلة متى سمعت في البئر صراخا فانهزم قال: فسمعت تلك الليلة النعي فانهزمت قال ابن عقيل: وامتنع أحد أن يسكن تلك الدار بعدها).

    وأخرج أحمد 1/278 وأبو يعلى رقم (2589) والبزار رقم (2022) بسند جيد عن ابن عباس قال: خرج رجل من خيبر فاتبعه رجلان وآخر يتلوهما فيقول: ارجعا ارجعا حتى ردهما ثم لحق بالأول فقال: إن هذان شيطانان وإني لم أزل بهما حتى رددتهما فإذا أتيت رسول الله فأقرئه السلام وأخبره أنا هاهنا في جمع صدقتنا ولو كانت تصلح لبعثنا بها إليه قال: فلما قدم الرجل المدينة أخبر النبي r فعند ذلك نهى النبي عن الخلوة).
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:53

    لا سلطان للجن على أهل الإيمان والإخلاص

    قال ربنا مخبرا عن الشيطان أنه قال: {رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} الحجر، وقال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم} الحجر، وقال تعالى: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه} النحل، وقال تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان} سبأ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 10/399-400: (والمخلصون هم الذين يعبدونه وحده ولا يشركون به شيئا وإنما يعبد الله بما أمر به على ألسنة رسله فمن لم يكن كذلك تولته الشياطين وهذا باب دخل فيه أمر عظيم على كثير من السالكين واشتبهت عليهم الأحوال الرحمانية بالأحوال الشيطانية وحصل لهم من جنس ما يحصل للكهان والسحرة وظنوا أن ذلك من كرامات أولاء الله المتقين). قلت: والسلطان المنفي عن المؤمنين هاهنا على قسمين: سلطان الحجة، وسلطان القدرة، فليس عند الشيطان سلطان الحجة وإنما الوساوس والتزيينات للشر، وليس عنده سلطان القدرة والقهر حتى يقهر الخلق على عبادته فانظر ما أضعف هذا العدو.

    وعلى كل: ما تعثر من تعثر في الطريق إلا من حرم من الإخلاص، فأقبل على ربك بقلبك وقالبك تجد منه حمايتك ورعايتك ونجاتك في الدنيا والآخرة.



    وسوسة الشيطان لا تزيد المؤمن القوي إلا إيمانا

    لقد كان الصحابة ينـزعجون من وسوسة الشيطان لهم ويتألمون تألما شديدا حتى قالوا: يا رسول الله إن إحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به فقال: ((أو قد وجدتموه؟)) قالوا: نعم، قال: ((ذاك صريح الإيمان)) رواه مسلم رقم (132) عن أبي هريرة.

    وعن ابن مسعود عند مسلم رقم (133) ولفظه: (سئل رسول الله عن الوسوسة فقال: ((تلك محض الإيمان)). ومن حديث ابن عباس عند أحمد 1/235 وفيه أن رسول الله r قال: ((الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)).

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 10/563: (فالشيطان لما قذف في قلوبهم وسوسة مذمومة تحرك الإيمان الذي في قلوبهم بالكراهة لذلك والاستعظام له فكان ذلك صريح الإيمان، ولا يقتضي ذلك أن يكون السبب الذي هو الوسوسة مأمورا به).

    وقال أيضا في نفس المصدر 22/608: (ومن الوساوس ما يكون من خواطر الكفر والنفاق يتألم لها قلب المؤمن تألما شديدا كما قال الصحابة: إن أحدنا ليجد في نفسه ما لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به ...).

    فهذا حال كل مؤمن قوي الإيمان: رد وساوس الشيطان لامتلاء قلبه بالإيمان بخلاف ضعيف الإيمان فإن قلبه يقبل الوساوس. والمعصوم من عصم الله.



    حال الشيطان في شهر رمضان بين عباد الرحمن

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين)) رواه البخاري رقم (1899) ومسلم رقم (2492) وقد كثر كلام أهل العلم على قوله: (صفدت الشياطين) ومن أحسن ما وقفت عليه من كلامهم ما قاله ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 25/246: (ولهذا قال النبي r: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين)) فإن مجاري الشياطين – الذي هو الدم – ضاقت، وإذا ضاقت انبعثت القلوب إلى فعل الخيرات التي بها تفتح أبواب الجنة، وإلى ترك المنكرات التي بها تفتح أبواب النار، وصفدت الشياطين فضعفت قوتهم وعملهم بتصفيدهم فلم يستطيعوا أن يفعلوا في شهر رمضان ما كانوا يفعلونه في غيره، ولم يقل: إنهم قتلوا ولا ماتوا، بل قال: (صفدت)، والمصفد من الشياطين قد يؤذي لكن هذا أقل وأضعف مما يكون في غير رمضان فهو بحسب كمال الصوم ونقصه، فمن كان صومه كاملا دفع الشيطان دفعا لا يدفعه دفع الصوم الناقص).

    وقال أيضا كما في "التفسير الكبير" 3/132: (وما ذاك إلا أنه في شهر تنبعث القلوب إلى الخير والأعمال الصالحة التي بها وبسببها تفتح أبواب الجنة، ويمتنع من الشرور التي بها تفتح أبواب النار، وتصفد الشياطين فلا يتمكنون أن يعملوا ما يعلمونه في الإفطار فإن المصفد هو: المقيد لأنهم إنما يتمكنون من بني آدم بسبب الشهوات فإذا كفوا عن الشهوات صفدت الشياطين). انظر إلى قوله: (فهو بحسب كمال الصوم ونقصه ...) وهذا الذي قرره ابن تيمية واضح إذا تأملنا الأدلة الواردة في طرد الشياطين وإبعادهم كقوله سبحانه: {من شر الوسواس الخناس} فقوله: {الخناس} أي: الذي يختفي عند ذكر الله، فاختفاؤه عند ذكر الله وهروبه يكون كليا أو جزئيا، فيكون كليا إذا تكامل المسلم في القيام بالعبودية لله والاتباع لمنهاج النبوة، ويكون جزئيا إذا لم يتكامل في ذلك، فزيادة الطاعات في رمضان والكف عن المعاصي من التكامل في الإقبال على الله فيصير هذا العدو عاجزا عن أن يفعل بالمسلم المقبل على الله ما كان يفعله به في غير رمضان حال النقص، وأيضا من كان مقبلا على الله في غير رمضان كرمضان، فالشيطان بالنسبة له مدحور عنه كاندحاره في رمضان.

    فائدة: روى ابن أبي شيبة 6/354 بسند صحيح إلى مجاهد بن جبر أنه قال: (كنا نتحدث أن الشياطين كانت مصفدة في زمن عمر رضي الله عنه).



    عليك أيها المسلم بإغلاق مداخل الشيطان عليك

    فسد أبواب مداخل الشيطان عليك أيها المسلم منجز عظيم علمنا إياه رسول الله r ففي البخاري رقم (3281) ومسلم رقم (5643) عن صفية أم المؤمنين قالت: (كان رسول الله r معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي r أسرعا فقال النبي r: ((على رسلكما إنها صفية بنت حيي)) فقالا: سبحان الله يا رسول الله فقال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرا أو شيئا)). ومداخل الشيطان كثيرة حتى قال الرسول r: ((ولا تقل: لو كان كذا لكان كذا وكذا فإن لو تفتح عمل الشيطان)) فاترك الفضول ودع ما لا يعنيك وابتعد عن مواطن التهم واجتنب غوائل اللسان وتوقَّ البخل والجبن والجزع وسوء الظنون واحترز من الغضب لغير الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.



    من كان تقيا لله فمعه من جنود الله في السماوات والأرض ما شاء الله

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الصفدية" 2/292: (وإذا كان من أولياء الله المتقين المطيعين لله ورسوله هربت منه هذه الشياطين وكان أعوانه جند الله من الملائكة والجن المؤمنين وغيرهم). فما الذي يخيفك يا عبد الله إن كنت تقيا؟! فأنت كريم على الله يسخر لك جنوده في السماوات والأرض لحفظك وحمايتك وتأييدك ونصرك وتوفيقك وصلاحك، وأيضا يجعل الله للمؤمن التقي من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ومن كل عسر يسرا، ومن كل شدة رخاء، ويبدلك من كل ضعف قوة، ومن كل وحشة سرورا، ومن كل خوف أمنا، اللهم اجعلنا من عبادك المتقين وأوليائك المخلصين وأحبابك المقربين.



    ما من مسلم إلا ومعه قرين من الملائكة يلهمه الخير

    من رحمة الله بالمسلمين أن جعل لهم قرناء من الملائكة يلقون إلى قلوبهم أنواعا من الخير ودواعيه روى مسلم رقم (2814) عن ابن مسعود أن رسول الله r قال: ((ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الملائكة وقرينه من الجن ...)) وعنه أيضا أنه قال: (إن للملك لمة وللشيطان لمة، فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق ...) رواه عبد الرزاق في "التفسير" 1/109 وابن جرير في التفسير 3/88 وسنده صحيح موقوفا على ابن مسعود وله حكم الرفع, وقد رواه مرفوعا الترمذي في جامعه برقم (2991) وأبو يعلى رقم (4999) وابن حبان ولكنه ضعيف لأن الذي رفعه عطاء بن السائب مختلط والراوي عنه أبو الأحوص، وقد روى عنه بعد الاختلاط.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 4/31 في اللمة المذكورة: (فمبدأ العلم الحق والإرادة الصالحة من لمة الملك). فكن حريصا أيها المسلم على أن لا تقبل مما يرد على قلبك إلا ما كان من خواطر الخير فإن جاءت وساوس الشر فاجتنبها.



    افسح المجال أيها المسلم للملائكة لتحميك وتدفع عنك شياطين الجن بإذن الله

    لقد جهل بعض المسلمين عظمة حاجتهم لنصرة الملائكة ودفاعها عنهم، ولما جهلوا هذا طمعت فيهم جحافل الشياطين وفتكت بهم حسب افتقارهم للنصرة المذكورة فدونك أيها المسلم الأدلة الناطقة بأن الله قد سخر الملائكة المكرمين للمحافظة على عباده الصالحين قال تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله} الرعد، أي: بأمر الله. وقال تعالى: {وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} الأنعام، ومن الذي يجهل من المسلمين أن الملائكة هي الجنود التي نصر الله بها رسوله r وصاحبه في الغار، ونصره الله بها وصحابته في بدر والأحزاب وحنين وغير ذلك؟

    فمحاربة المسلمين لهذه الملائكة وطردها يتحقق بتركهم لبعض عبادة الله وارتكابهم لبعض ما حرم الله، وعلى سبيل المثال قال الرسول r: ((لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة)) رواه البخاري رقم (5949) ومسلم رقم (2016) عن أبي طلحة. ما الذي غرك يا عبد الله حتى تمنع الملائكة الحارسة لك من دخول بيتك، وإذا امتنعت هذه الملائكة من دخول البيت بسبب وجود الصور، فمن باب أولى أن تمتنع من دخول البيوت التي فيها مزامير وأغانٍ ودشوش وسب وشتم ولعن، وإذا لم تدخل الملائكة بيت المسلم دخل شياطين الجن ليعيثوا فسادا بالأسر والقائمين عليها. اللهم سلم سلم.

    فما أعظم تفريط هؤلاء المسلمين في منافعهم في دنياهم وأخراهم.



    إذا وسوس الشيطان للمسلم في أمر دينه فليقل: آمنت بالله، ولينته وليستعذ بالله من الشيطان

    قال تعالى: {وإما ينـزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} الأعراف، قال أبو السعود في تفسيره: (وفي الأمر بالاستعاذة بالله تعالى تهويل لأمره وتنبيه على أنه من الغوائل الصعبة التي لا يتخلص من مضرتها إلا بالالتجاء إلى حرم عصمته عز وجل). وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r قال: ((من وجد من هذا الوسواس فليقل: أمنا بالله ورسوله فإن ذلك يذهب عنه)) رواه ابن السني رقم (626). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته)) رواه البخاري رقم (3276) ومسلم رقم (134). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((يوشك الناس يتساءلون حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله، فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا له أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان)) رواه ابن السني رقم (627).

    قال ابن عثيمين رحمه الله: (إن أعظم دواء تداوي به الوسوسة ما أرشد إليه النبي r وهي الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والانتهاء عنها والإعراض عنها مع قراءة الآيات التي فيها الإشارة إلى ذلك مثل سورة الفلق وسورة الناس) نقلا من كتاب "الوسوسة وأحكامها في الفقه الإسلامي" ص (417).



    عليك بالمحافظة على الأذكار الشرعية والأدعية الإلهية

    قال الله تعالى: {فاذكروني أذكركم} البقرة، وروى الإمام أحمد ( ) والترمذي ( ) والنسائي ( ) وابن حبان ( ) والحاكم ( ) من حديث الحارث بن الحارث الأشعري أن رسول الله r قال: ((إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن ومنها... وأمركم بذكر الله كثيرا، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو مسرعا في أثره فأتى حصنا حصينا فأحرز نفسه فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى)) وقال الله في الدعاء والتضرع: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون} الأنعام.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" 10/399-400: (فإن الشيطان إنما يمنعه من الدخول إلى قلب ابن آدم ما فيه من ذكر الله الذي أرسل به رسله فإذا خلا من ذلك تولاه الشيطان قال الله تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} ولا يخفى على المسلم ما في الدعاء والتضرع إلى الله من المنافع حتى قال ابن حجر في الفتح 10/115 وهو يشرح حديث ((إن شئت دعوت الله أن يعافيك)): (وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية ولكن إنما ينجع بأمرين: أحدهما: من جهة العليل وهو صدق القصد، والآخر: من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل، والله أعلم).



    لا بد للمسلم من التفقه في دين الله

    من المعلوم أن الباب الأعظم الذي يدخل منه شياطين الجن والإنس على المسلمين هو جهلهم بأمور الإسلام فمن تدبر القرآن والسنة خصوصا فيما يتعلق بطرق الشيطان ومداخله ووسائله التي يتوصل بها إلى إفساد الناس قدر على رفض وساوسه ورد مكايده، بل ومحاربته، ولهذا جاء عن غير واحد من السلف أنهم قالوا: (فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد) فهل ترضى لنفسك أيها المسلم أن تكون كالكرة يلعب بك الشيطان؟ فالدين يسر ولكنه جد، فالتفقه في دين الله يسر على من يسر الله له ذلك، ورفق يدخله الله على من يشاء من عباده.



    لا نجاة للمسلم من تأثير شياطين الجن عليه إلا باتباع منهاج النبوة ظاهرا وباطنا

    الاتباع للرسول عصمة من الشقاء والضلال الذين أساسهما الوسوسة قال تعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} روى ابن أبي شيبة برقم (1662) والحاكم 2/381 بسند حسن عن ابن عباس قال: (ضمن الله لمن اتبع القرآن أنه لن يضل في الدنيا ولن يشقى في الآخرة ثم تلا الآية التي ذكرتها). فلا تتوانى أيها المسلم عن البحث عن منهاج النبوة والتحري للسير عليه تنجو من كل التخبطات.

    ومما يتنبه له هنا أن المصابين بالوسوسة في العبادة لا أنجع للخلاص لهم من هذه الوسوسة من اتباع الرسول في مسائل العبادة والاقتداء بمن يعمل بالسنة مشافهة.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:56

    أكثر من الاستغفار

    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((إن الشيطان قال: يا رب وعزتك وجلالك لا أزال أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الله: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني)) رواه أحمد ( ) وأبو يعلى ( ) فما ضرك يا عبد الله لو أكثرت من الاستغفار لتقصم ظهر عدوك الأكبر، ما ضرك لو داومت على الاستغفار ليرفع الله عنك عذابه وسخطه ويصرف عنك أعداءك وأعداءه قال تعالى: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} الأنفال.



    أقبل على الصيام المشروع

    قال الرسول r: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين)) أخرجه البخاري رقم (1899) ومسلم رقم (1079) قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "التفسير الكبير" 3/132 وهو يشرح هذا الحديث: (وما ذاك إلا أنه في شهر رمضان تنبعث القلوب إلى الخير والأعمال الصالحة التي بها تفتح أبواب النار وتصفد الشياطين فلا يتمكنون أن يعملوا ما يعملونه في الإفطار، فإن المصفد هو: المقيد لأنهم إنما يتمكنون من بني آدم بسبب الشهوات فإذا كفوا عن الشهوات صفدت الشياطين).



    داوم على التوبة إلى الله من ذنوبك ليل نهار

    مما لا شك فيه أن كل فرد من أفراد المسلمين معرض للوقوع في الذنوب، والوقوع فيها من أسباب استزلال الشيطان، فإذا لم يبادر العبد بالتوبة إلى ربه تمكن منه الشيطان وجره إلى الإصرار على الذنب، والإصرار على الذنب أضر من الذنب، وأيضا يجره الإصرار إلى ذنوب أخرى.



    حافظ على قراءة آية الكرسي

    ومن أعظم ما يستنصر به المسلم على الشياطين قراءة آية الكرسي، ولقد علم عظمة هذه الآية وكثرة نفعها الجن والشياطين روى البخاري في صحيحه ( ) عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة توكيله على زكاة رمضان وفيها (أن شيطانا جعل يأخذ الطعام فهدده أبو هريرة أنه سيشتكي به إلى رسول الله فقال الشيطان لأبي هريرة: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: وما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} فإنه لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فقال رسول الله: صدقك وهو كذوب).

    وقد حصل مثل هذه القصة لأبي أيوب الأنصاري وفي آخرها (أن الجني قال لأبي أيوب: أرسلني وأعلمك شيئا تقوله ولا يقربك شيء آية الكرسي، قال أبو أيوب: فأتيت النبي فأخبرته فقال: صدقك وهو كذوب). أخرجه أحمد 5/423 والطبراني برقم (4011) وأبو نعيم في "دلائل النبوة" ص (526) والحاكم في المستدرك 3/459.

    وأيضا حصلت قصة لأبي بن كعب وفيها (أن جنيا كان يأخذ عليه الطعام من الجرين فجرى بينه وبين أُبي محادثة إلى أن قال له أبي: ما الذي يجيرنا منكم؟ قال: هذه الآية آية الكرسي ثم غدا أبي إلى النبي فأخبره فقال: صدقك الخبيث). أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" برقم (961) والحاكم في "المستدرك" 1/561 والبيهقي في "الدلائل" 7/109

    وهذه القصص الثلاث صحيحة، وقد وقعت قصة لبريد الأسلمي وأبي أسيد الساعدي كالقصص السابقة. انظر الكلام عليهن بتوسع في "فتح المنان في جمع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية عن الجان" 2/470-473 لجامعه مشهور حسن آل سلمان.



    عليك بقراءة المعوذتين (الفلق والناس) فما تعوذ المتعوذون بمثلهما

    روى مسلم برقم (814) عن عقبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: ((ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس})) وجاء من طرق عن عقبة بلفظ: ((ما سأل سائل ولا استعاذ مستعيذ بمثلهن)).

    قال ابن القيم في "تفسير المعوذتين" ص (24): (فتضمنت هاتان السورتان الاستعاذة من هذه الشرور كلها بأوجز لفظ وأجمعه، وأدله على المراد، وأعمه استعاذة بحيث لم يبق شر من الشرور إلا دخل تحت الشر المستعاذ منه فيهما).



    احرص على الاقتداء بالصحابة ومن تبعهم بإحسان

    قال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} التوبة، فجعل الله المتبعين للصحابة شركاء للصحابة في رضاه سبحانه فاعرف ما كان عليه الصحابة حتى تسلك مسلكهم.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الرسائل الكبرى" 2/67: (ولم يذكر أحد من الصحابة أنه رأى الخضر ولا أنه أتى إلى النبي r فإن الصحابة كانوا أعلم وأجل قدرا من أن يلبس الشيطان عليهم، ولكن لبس على كثير من بعدهم فصار يتمثل لأحدهم في صورة النبي ويقول: أنا الخضر، وإنما هو شيطان).

    وقال رحمه الله في "الرد على الأخنائي" ص (287): (البدع الظاهرة المشهورة مثل بدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة لم يعرف عن أحد من الصحابة شيء من ذلك بل النقول الثابتة عنهم تدل على موافقتهم للكتاب والسنة، وكذلك اجتماع رجال الغيب بهم أو الخضر أو غيره، وكذلك مجيء الأنبياء إليهم في اليقظة، وحمل من يحمل منهم إلى عرفات ونحو ذلك مما وقع فيه كثير من العباد وظنوا أن كرامة من الله، وكان من إضلال الشياطين لهم لم تطمع الشياطين أن توقع الصحابة في مثل هذا فإنهم كانوا يعلمون أن هذا كله من الشياطين ورجال الغيب هم الجن قال الله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} وكذلك الشرك بأهل القبور لم يطمع الشيطان أن يوقعهم فيه).

    ألا تختار لنفسك أيها المسلم ما اختاره الصحابة الكرام لأنفسهم؟ فقد كانوا مفاتيح خير مغاليق شر، وبسبب هذا عصمهم الله من تسلط الشياطين عليهم، بل سلطهم الله على شياطين الجن والإنس.



    المسلمون ليسوا بحاجة إلى الجن في أي مجال

    هنا قاعدة من القواعد المهمة على المسلمين أن يعرفوها وهي أنهم في غنى تام عن مساعدة الجن لهم في أمور دنياهم وأخراهم، وتقرير هذه القاعدة بالاستقراء للشريعة ولأحوال الرسول r وأحوال صحابته ومن تبعهم بإحسان فلم يأت في القرآن ولا في السنة المطهرة ولو بالإشارة أو التضمين أننا نستعين بالجن، بل جاء القرآن والسنة المطهرة بالتحذير الشديد من التعلق بهم أو الاستعانة بهم قال تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا} الجن، وحتى الجن المسلمون المتمسكون بمنهاج النبوة لسنا بحاجة إليهم، ولهذا لم يستعن بهم الرسول r في أي مجال، مع العلم أن الرسول كانت تمر به الأزمات تلو الأزمات فلم يستعن بهم عند هجرته ولا في معاركه مع الأعداء ولا في نشر الدعوة في المسلمين ولا في الطب والتداوي، وغير ذلك فبان بهذا صحة هذه القاعدة.

    وأما كونهم بحاجة إلينا فنعم فهم بحاجة إلى أن يأخذوا من المسلمين أمور الإسلام من علم وتعلم ودعوة وعبادة وأخلاق وغير ذلك لأن الجن ليس لهم منهم نبي ولا رسول كما هو ظاهر القرآن والسنة وهو قول جمهور أهل العلم، فمن أين لهم إسلام إلا إذا تلقوه عن المسلمين، ولما كانت أمة الجن أمة شريرة ملئ القرآن والسنة ببيان أحوالهم وبيان كيفية نجاة المسلمين منهم. فتسلح أخا الإسلام بما جاء به القرآن والسنة في دحرهم والبعد عنهم.

    تنبيه: حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله r: ((إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله احبسوا يا عباد الله احبسوا فإن لله حاضرا في الأرض سيحبسه)) وحديث عتبة عن غزوان عن النبي r أنه قال: ((إذا أضل أحدكم شيئا أو أراد أحدكم عونا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل: يا عباد الله أغيثوني، يا عباد الله أغيثوني، فإن لله عبادا لا نراهم)) حديثان ضعيفان كما بينت ذلك في كتابي " تحذير المسلمين من الغلو في قبور الصالحين" فراجعه.



    دفع شياطين الإنس

    شياطين الإنس صنوف شتى وعداوتهم لبني جنسهم متنوعة كما هو معلوم، وكل مسلم بحاجة إلى إرشاد ربه له في دفعهم وإرشاد رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن إرشادات القرآن في ذلك قوله تعالى مخاطبا نبيه: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} الأعراف، قال ابن عطية في تفسيره 6/185 عند هذه الآية: (وصية من الله لنبيه r تعم جميع أمته وأمر بجميع مكارم الأخلاق). وعامة المفسرين على أن معنى قوله: {وأعرض عن الجاهلين} أي: بتحمل الأذى والعفو عمن جنى والحلم على من جفا، وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" 2/255" (يبين تعالى في هذه الآية الكريمة ما ينبغي أن يعامل به الجهلة من شياطين الإنس والجن فبين أن شيطان الإنس يعامل باللين وأخذ العفو والإعراض عن جهله وإساءته).

    وقال ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان" 1/192 وهو يتحدث عما يدفع به شياطين الجن والإنس: (أرشد القرآن إلى دفع هذين العدوين بأسهل الطرق بالاستعاذة والإعراض عن الجاهلين ودفع إساءتهم بالإحسان، وأخبر عن عظم حظ من لقاه ذلك فإنه ينال بذلك كف شر عدوه وانقلابه صديق، ومحبة الناس له وثناؤهم عليه وقهر هواه وسلامة قلبه من الغل والحقد، وطمأنينة الناس – حتى عدوه – إليه هذا غير ما يناله من كرامة الله وحسن ثوابه ورضاه عنه، وهذا غاية الحظ عاجلا وآجلا، ولما كان ذلك لا ينال إلا بالصبر قال: {وما يلقاها إلا الذين صبروا} فإن النـزق الطائش لا يصبر على المقابلة).

    وقال تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} القصص، وقال تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} الفرقان.

    وأيضا يدفع شرهم بالمجادلة لهم عند الحاجة بالتي هي أحسن قال تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} العنكبوت.

    وأيضا يدفعون بالاستعاذة بالله عند المكابرة والمعاندة للحق قال تعالى: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير} غافر.



    عرفت عدوك وطريق الخلاص منه فالزم مجاهدته واستعن بالله ولا تعجز

    لقد ظهر للقراء الكرام خطر عداوة الشيطان للمسلمين وكثرة أضرارها عليهم وعظيم البلوى بهم، ألا وإن الخلاص والنجاة من هذا العدو ليس بالأمر السهل إلا على من سهله الله، ألا وإن المسلمين بحاجة إلى خوض المعركة ضد هذا العدو، على المسلمين أن يواصلوا جهادهم لهذا العدو وأمثاله وإن الله ناصرهم قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} العنكبوت، وقال تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده} الحج.

    قال ابن الجوزي رحمه الله في "صيد الخاطر" ص (239): (رأيت الخلق كلهم في صف محاربة والشياطين يرمونهم بنبل الهوى، ويضربونهم بأسياف اللذة، فأما المخلطون فصرعى من أول وقت اللقاء، وأما المتقون في جهد جهيد من المجاهدة، فلا بد مع طول الوقوف في المحاربة من جراح، فهم يجرحون ويداوون إلا أنهم من القتل محفوظون).

    وقال ابن القيم في "زاد المعاد" 3/8: (فحق جهاده أن يجاهد العبد نفسه ليسلم قلبه ولسانه وجوارحه لله فيكون كله لله وبالله لا لنفسه وبنفسه، ويجاهد شيطانه بتكذيب وعده ومعصية أمره وارتكاب نهيه فإنه يعد الأماني ويمني الغرور ويعد الفقر ويأمر بالفحشاء وينهى عن التقى والهدى والعفة والصبر وأخلاق الإيمان كلها، فجاهده بتكذيب وعده ومعصية أمره فينشأ له من هذين الجهادين قوة وسلطان وعدة يجاهد بها أعداء الله في الخارج بقلبه ولسانه ويده وماله لتكون كلمة الله هي العليا).

    وقال أيضا في "الفوائد" عند قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}: (علق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهادا، وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد).

    ولا تستصعب أيها المسلم هذا الجهاد فمعك الله خير معين وخير الناصرين فما أمرك بأمر إلا وقد ضمن لك أن يعينك على تنفيذه، فاحذر العجز، والرسول تعوذ بالله كثيرا من العجز وقال: ((استعن بالله ولا تعجز)) رواه مسلم عن أبي هريرة.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:58

    قواعد تتعلق بالجن


    القاعدة الأولى: كل عبادة لغير الله فهي حقيقة للجن

    قال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} سبأ، وقال تعالى: {إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله} النساء، والسبب في أن من عبد غير الله إنما عبد شياطين الجن هو أن شياطين الجن دعاة إلى عبادتهم، علم ذلك من علمه وجهل ذلك من جهله، فيدخل في هذه القاعدة من عبدوا الملائكة أو الأنبياء والرسل أو الصالحين من أتباع الأنبياء، لأن الذين دعاهم إلى عبادة هؤلاء وزينها لهم شياطين الجن وشياطين الإنس تبعا لهم. فكل من أشرك بالله وكفر به فهو عابد للشيطان ولا محالة.



    القاعدة الثانية: كل فسق ومعصية حقيقتها أنها طاعة للجن

    قال تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} يس، قوله: {أن لا تعبدوا الشيطان} شاملة للعبادة والطاعة، فالمسلم العاصي عبادته للشيطان هي طاعته له قال شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" 4/135 عند هذه الآية: (فهم وإن لم يقصدوا عبادة الشيطان وموالاته ولكنهم في الحقيقة يعبدونه ويوالونه).



    القاعدة الثالثة: أعظم خلق الله كذبا وأكثرهم: شياطين الجن

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "التفسير الكبير" 1/211 (والشيطان الذي يقول لمن ليس بنبي: إنك نبي صادق والله أرسلني إليك يكون أعظم الناس كذبا). وقال أيضا: (والشياطين وإن كان كلهم كاذبا فليس كل من ألقى السمع يكذب فيما يلقيه بل قد يصدق أحدهم فيما يلقيه من السمع ويسترقه ولكن أكثرهم يكذبون) "الجواب الصحيح" 5/346 وما بعدها.



    القاعدة الرابعة: إبليس وذريته يشتهون الشر ويتلذذون بالفتن

    قال تعالى مخبرا عن إبليس أنه قال: {لأحتنكن ذريته إلا قليلا} قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 13/87: (ثم الشياطين منهم من يختار الكفر والشرك ومعاصي الرب، وإبليس وجنوده من الشياطين يشتهون الشر ويتلذذون به ويطلبونه ويحرصون عليه بمقتضى خبث أنفهسم وإن كان موجبا لعذابهم وعذاب من يغوونه). وقال أيضا: (فالشياطين لهم غرض فيما نهى الله عنه من الكفر والفسوق والعصيان ولهم لذة في الشر والفتن يحبون ذلك وإن لم يكن فيه منفعة لهم) المصدر السابق 1/359. وعلى هذا: فلا عبر بالسعادة عند شياطين الجن إلا بإضلال بني آدم وإغوائهم.



    القاعدة الخامسة: القوة الشيطانية شر محض

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 13/87: (وأما الشيطانية فشر محض ليس فيها جلب منفعة ولا دفع مضرة). فإذا علم أن القوة الشيطانية شر محض علم أنهم يستخدمون هذه القوة للإضرار بالمسلمين خصوصا فيفتكون بهم كلما تمكنوا منهم فلا ترتجى رحمة من قبل أحد منهم.



    القاعدة السادسة: جميع الجن من ذرية إبليس وإبليس أبو الجن كما أن آدم عليه السلام أبو الإنس

    قال تعالى: {وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا} الكهف، وقد صح عن الحسن عند ابن جرير 18/41. وجاء عند أبي الشيخ في "العظمة" 5/1944 عن ابن شهاب قوله: (فإبليس أبو الجن كما أن آدم أبو الإنس، وآدم من الإنس وهو أبوهم، وإبليس من الجن وهو أبوهم ...). وهو أثر حسن.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 15/7: (... وجميع الجن ولد إبليس. والله أعلم).

    وما دام الجن من ذرية إبليس فيغلب عليهم الشر والفساد اقتداء واتباعا لأبيهم إبليس، وأيضا يستخدمهم أبوهم لمحاربة الإنس وإفسادهم كما دلت على ذلك الأدلة الكثيرة.



    القاعدة السابعة: إطلاق لفظ الجن يشمل مؤمنهم وكافرهم

    قال تعالى: {يا معشر الجن والإنس} في أكثر من آية فجعل سبحانه لفظ الجن قسيما للفظ الإنس، فكما أن لفظ الإنس يشمل مؤمنهم وكافرهم فكذلك لفظ الجن، ولما كان الشر في الجن هو الأصل كثر إطلاق لفظ الجن عليهم في باب الكفر والفسوق والعصيان.



    القاعدة الثامنة: إطلاق لفظ الشيطان من الجن يراد به إبليس وجنوده وأتباعه

    قال تعالى: {يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجن ينـزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} الأعراف، وعلى هذا فلا يكون لفظ شياطين الجن إلا فيمن كفر وتمرد.


    الإجابة عن الشبه




    من أهم ما يعتني به القائم بالتأليف والتعليم للمسلمين تفنيد الشبه المتعلقة بالموضوع الذي طرقه على الناس، ولا يتكامل الموضوع إلا بذلك، وموضوعنا هذا لا يخلو من شبه يحتاج المسلم إلى معرفة تفنيدها، وقد قمت برد الشبه قدر المستطاع فإليك ذلك:



    الشبهة الأولى: كيف يدخل الجني في الإنسي والجان من مارج من نار؟

    أجاب العلماء عن هذه الشبهة قال أبو الوفاء بن عقيل في "الفنون": (سأل سائل عن الجن فقال: أخبر الله عنهم أنهم من نار، وأخبر أن الشهب تضرهم وتحرقهم فكيف تحرق النار النار؟ قال: والجواب: أن الله تعالى أضاف الشياطين والجان إلى النار حسب ما أضاف الإنسان إلى التراب والطين والفخار والمراد به في حق الإنسان أن أصله الطين وليس الآدمي طينا حقيقة لكنه كان طينا، كذلك الجان كان نارا في الأصل والدليل على ذلك قوله r: ((عرض لي الشيطان في صلاتي فخنقته فرأيت برد ريقه على يدي)) ومن يكون نارا محرقة كيف يكون ريقه باردا ولا له ريق رأسا فعلم صحة ما قلنا) "لقط المرجان في أحكام الجان" ص (32-33).

    وقال ابن حجر في الفتح 6/345 وهو يرد على من أنكر دخول الجن في الإنس: (والجواب: أن أصلهم من النار كما أن أصل الآدمي من التراب وكما أن الآدمي ليس طينا حقيقة كذلك الجني ليس نارا حقيقة، وقد وقع في الصحيح في قصة تعرض الشيطان للنبي r أنه قال: ((أخذته فخنقته حتى وجدت برد ريقه على يدي)) قلت: وبهذا الجواب يندفع إيراد من استشكل قوله تعالى: {إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} فقال: فكيف تحرق النار النار؟).



    الشبهة الثانية: قولهم: شياطين الإنس شر من شياطين الجن

    العمدة عند هؤلاء على حديث ضعيف روى النساء في "المجتبى" 8/275 وأحمد في مسنده 5/179 والطيالسي في مسنده برقم (478) والبيهقي في الشعب 3/291 جميعهم عن المسعودي عن أبي عمرو الشامي عن عبيد بن الخشخاش عن أبي ذر عن رسول الله r: ((نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن قلت: أوَللإنس شياطين؟ قال: نعم، شر من شياطين الجن)) والسبب في ضعف هذا الحديث أن عبيد بن الخشخاش ضعيف جدا ولم يسمع من أبي ذر، وأبا عمرو الشامي ضعيف، وقد جاء هذا الحديث عن أبي أمامة عند أحمد 5/265 والطبراني في الكبير برقم (7871) وهو ضعيف أيضا لأن في سنده علي بن يزيد الألهاني وهو متروك. ثم إن الأدلة الكثيرة من القرآن والسنة دالة على أن الذي أضل ضلال الإنس هم شياطين الجن وليس العكس، ومن هذه الأدلة: الآيات التي فيها أن إبليس أقسم أنه سيغوي ذرية آدم إلا المخلصين منهم، وقد تحقق له ذلك قال تعالى: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين} سبأ، وقال تعالى في الحديث القدسي: ((إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين)) والمراد بعباده ذرية آدم، بل قال الله مخاطبا بني آدم: {ولقد أضل الله جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون} يس.

    وأيضا استخدم شياطين الجن كفار الإنس في محاربة الإسلام وأهله قال تعالى: {ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا} مريم، أي: تدفعهم إلى الكفر وتغريهم بالدعوة إليه.

    وأيضا يعظم شر شياطين الجن على شياطين الإنس بسبب أن شياطين الجن يرون الإنس، والإنس لا يرونهم غالبا، فيحصل الفتك بالإنس من قبل شياطين الجن.

    وأيضا شياطين الجن يجرون من الإنس مجرى الدم كما دلت على ذلك الأدلة الصحيحة، وهذان الأمران لا وجود لهما عند شياطين الإنس.

    وأيضا شياطين الجن عداوتهم للإنس عامة، فما من إنسي إلا ويعادونه الأنبياء والرسل فمن دونهم، وهي عامة من جهة أنها لإفساد دين الإنس ودنياهم وهي مستمرة لأن إبليس قد أعطي المهلة إلى وقت قيام الساعة فهو يستخدم ذريته جيلا بعد جيل لإفساد الإنس إلى يوم الوقت المعلوم، بخلاف شر شياطين الإنس فشرهم مقصور على مؤاذاة من خالفهم من الإنس في دينهم أو دنياهم، وليسوا قادرين على الاستمرار على ذلك، وقد يقال: إن شياطين الإنس شرهم أعظم من شياطين الجن لأنهم يقدرون على مؤاذاة من خالفهم من الإنس بضربه وسجنه وقتله وأخذ حقه، والجن لا يقدرون على ذلك فالجواب: هذا حاصل من شياطين الإنس ولكن لا يفيد إطلاق الشر فيهم على شر شياطين الجن للآتي:

    1- أعظم من يزين لهم هذه الشرور ويدفعهم إليها هم شياطين الجن إذاً فلن يتم إطلاق ذلك عليهم إلا إذا كان الجن غير معينين لهم فكيف والجن باستمرار في إغواء هؤلاء ليفعلوا من الشر ما يفعلون.

    2- إن الجن يقدرون على أن يفعلوا بالإنس ما يفعله شياطين الإنس بمن خالفهم من الإنس ألا ترى أن الجن المتسلطين على الإنس عن طريق المس والسحر، يصرعون الإنسي ويمنعونه من الحكمة ومن الإسلام بل ويقتلونه، وقد تقدم عقد باب في مؤاذاة الجن للإنس بغير الوسوسة. وقد يقال: إن شيطان الجن يطرد بذكر الله أما شيطان الإنس فلا يطرد بذلك والجواب: صحيح أن أعظم ما يطرد به شياطين الجن هو ذكر الله, وكذلك شياطين الإنس فهم يطردون بالإعراض عنهم وحسن المخاطبة لهم قال تعالى: {وأعرض عن الجاهلين} الأعراف، وقال تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} الفرقان، بل من شياطين الجن من لا يطرد إلا بالضرب وغيره كالشياطين الذين في الممسوسين والمسحورين وغيرهم كالشيطان الذي جاء ليقطع على النبي صلاته فاستعاذ بالله منه فلم ينصرف فلعنه بلعنة الله فلم ينصرف فخنقه الرسول r حتى وجد برد لسانه. وخلاصة المسألة: أن ترك أي طاعة لله ورسوله أو ارتكاب أي معصية من قبل الإنسان، فشياطين الجن وراء ذلك بوسوستهم لهم وبدعوتهم إلى ذلك، فشياطين الجن مسلطون على الإنس ابتداء واستمرارية وانتهاء، ولا ينجو أحد من الإنس من هذا التسلط إلا باعتصامه بالله وتمسكه بدينه وإخلاصه العبادة له، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن هذا غالبا وإلا فقد سحر النبي r وهو أعظم عباد الله ذكرا لله وخشية له وإنابة إليه وغير ذلك، وجاءه الشيطان ليقطع عليه صلاته فاستعاذ بالله منه فلم ينصرف حتى خنقه ووجد برد لسانه، وشياطين الإنس يطردون بذكر الله وبالحجج والمناظرة وبالثبات على الدين وبغير ذلك من الأمور الحسية من قتالهم في المعارك وغير ذلك.
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 12.07.08 21:59

    الشبهة الثالثة: قولهم: قال الشيطان: إني أخاف الله فكيف سيوسوس؟

    والجواب: قول الشيطان: إني أخاف الله لا يفهم منه أنه مؤمن لأنه خوف بلا طاعة لله قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يوضح معنى قول الشيطان: (إني أخاف الله): (هو خوف بلا طاعة ...). وقال غير واحد من المفسرين أنه خاف من الملائكة حين رآهم يقاتلون في بدر مع الرسول والصحابة، واستدلوا على ذلك بقوله في الآية نفسها: {إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله} واستدلوا بما رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في "دلائل النبوة" 3/78 عن ابن عباس في قوله: {إني أرى ما لا ترون} قال: (وذلك حين رأى الملائكة).

    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "إغاثة اللهفان" 1/108-110: (وتكلم الناس في قول عدو الله: (إني أخاف الله) فقال قتادة وابن إسحاق: صدق عدو الله في قوله: (إني أرى ما لا ترون) وكذب في قوله: (إني أخاف الله) والله ما به مخافة الله ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة فأوردهم وأسلمهم وكذلك عادة عدو الله بمن أطاعه. وقالت طائفة: إنما خاف بطش الله تعالى به في الدنيا كما يخاف الكافر والفاجر أن يقتل أو يؤخذ بجرمه لا أنه خاف عقابه في الآخرة. وهذا أصح. وهذا الخوف لا يستلزم إيمانا ولا نجاة).



    الشبهة الرابعة: قولهم: أي حكمة في تسليط شياطين الجن على المسلمين؟

    حكمة الله في تسليط شياطين الجن على المؤمنين ظاهرة وعظيمة، أما ظهورها: فابتلاء وامتحان قال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} فلله أن يبتلي عباده بما شاء فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأما عظمتها فمنها تمييز المؤمن الطيب من الخبيث قال تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} آل عمران، فتمييز الله للمؤمنين بحيث يعرف التقي من الشقي، والقوي من الضعيف، والصادق من الكاذب، والثابت على الحق من المتقلب من أعظم حكمه سبحانه، ومنها إظهار الله لعباده أن الشيطان ليس له حجة على أحد وإنما هي وساوس يشوش بها على ضعفاء السير إليه، وأعظم مما سبق تحقق هلاك شياطين الجن على أيدي المؤمنين مع أن شياطين الجن أرادوا هلاك المؤمنين فنصر الله المؤمنين فكانت الغلبة لهم على أعدائهم، وقد ذكرت في باب «الحكمة من تسليط شياطين الجن على المؤمنين» زيادة إيضاح فانظره هناك.



    الشبهة الخامسة: قولهم: نفس المسلم أضر عليه من الشياطين

    والجواب: قال ابن القيم رحمه الله في "إغاثة اللهفان" 1/177-178: (من تأمل القرآن والسنة وجد اعتناءهما بذكر الشيطان وكيده محاربته أكثر من ذكر النفس، فإن النفس المذمومة ذكرت في قوله تعالى: {إن النفس لأمارة بالسوء} واللوامة في قوله تعالى: {ولا أقسم بالنفس اللوامة} وذكرت المذمومة في قوله تعالى: {ونهى النفس عن الهوى} أما الشيطان فذكر في عدة مواضع، وأفردت له سورة تامة، فتحذير الله لعباده منه جاء أكثر من تحذيره من النفس وهذا هو الذي لا ينبغي غيره فإن شر النفس وفسادها ينشأ من وسوسته فهي مركبه وموضع شره ومحل طاعته، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالاستعاذة منه عند قراءة القرآن وغير ذلك، وهذه لشدة الحاجة إلى التعوذ منه، ولم يأمر بالاستعاذة من النفس في موضع واحد وإنما جاءت الاستعاذة من شرها في خطبة الحاجة في قوله r: ((ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا)) "إغاثة اللهفان" 1/177-178.



    الشبهة السادسة: قولهم: كيد النساء أعظم من كيد شياطين الجن

    واستدل القائلون بأن كيد النساء أعظم من كيد شياطين الجن بقوله تعالى عن عزيز مصر: {فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم} يوسف، وقال سبحانه في كيد الشيطان: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} النساء، وبحديث أبي هريرة أن رسول الله r قال: ((إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان لأن الله يقول: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} ويقول: {إن كيدكن عظيم})). وبحديث ((ما أيس الشيطان من أحد إلا أتاه من جهة النساء)).

    قلت: أما بالنسبة للأحاديث فالحديث الأول: موضوع، لأن في سنده مقاتل بن سليمان البلخي قال الحافظ في "التقريب": (كذبوه وهجروه ورمي بالتجسيم).

    والحديث الثاني: أخرجه أبو نعيم 2/166 وهو من كلام سعيد بن المسيب وليس عن الرسول r وفي سنده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. وأخرجه ابن أبي الدنيا في "مكائد الشيطان" برقم (42) وابن الجوزي 1/237 عن سعيد بن المسيب قال: (ما بعث الله نبيا إلا لم ييأس إبليس أن يهلكه بالنساء) وهذا أيضا من كلام سعيد بن المسيب وليس عن الرسول، فليس بحديث، وأيضا لم يصح عن سعيد لوجود علل كثيرة في سنده.

    وبهذا بطل الاستدلال بالخبرين المذكورين. وأما الآية فقد قال غير واحد من العلماء في معناها: (إن كيد النساء عظيم مقارنة بكيد الرجال لا بكيد الشيطان). وقالوا في معنى الآية الثانية: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا} بجانب مكر الله وكيده به لا قياسا بكيد النساء).

    قلت: وإذا نظرنا إلى كيد النساء بجانب كيد الشياطين وجدنا الفارق الكبير بين الكيدين، فكيد الشياطين عام قال تعالى مخبرا عن الشيطان أنه قال: {لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} فهذا الكيد شامل للصالح والطالح وشامل لأحوال الناس ولا وجود له عند النساء، وكثيرا ما يكون كيد النساء مع بعضهن ولأزواجهن وجيرانهن وفي أمور محدودة فأين يقع كيدهن هذا من كيد الجن؟ وأيضا كيد النساء حاصل بسبب تمكن الشياطين منهن، فأصل كيدهن من تسلط الشياطين عليهن، فكيدهن تابع لكيد الشيطان، فرفقا بالقوارير.



    الشبهة السابعة: قول المنكرين لوجود الجن: لو كانوا موجودين لرأيناهم

    والإجابة عن هذه الشبهة هي ما قاله غير واحد من العلماء ومنهم ابن تيمية قال في "الاستقامة" 2/18-19: (ويقال لمن أنكر وجود الجن من أهل الإسلام: إنه قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r أنه قال: ((إذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا، وإذا سمعتم صياح الديك فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا)) وفي سنن أبي داود عن جابر قال: قال رسول الله r: ((إذا سمعتم نباح الكلاب ونهيق الحمير بالليل فتعوذوا بالله منهن فإنهن يرين ما لا ترون)) وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله r قال: ((إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضى التأذين أقبل، فإذا ثوب بالصلاة أدبر، فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يذكر حتى يضل الرجل لم يدر كم صلى)) فإذا كان التأذين يطرد الشيطان ونباح الكلاب يكون عند رؤية الشياطين فهذا دليل على أن بعض المخلوقات ترى ما لا يراه البعض الآخر، وقد جاء الخبر عن الصادق المصدوق وبالتالي وجب الإيمان والتصديق به).

    قلت: الإقرار بوجود الجن حاصل عند جميع الأمم، وطرق إثبات وجودهم كثيرة، ومن هذه الطرق: رؤية بعض الناس للجن، ومن الناس من تكلم معهم وتكلموا معه، ومن الناس من تصرف فيهم، والأمر العام عند جميع الإنس هو الإحساس بوسوسة الشياطين لهم مما يؤدي ذلك إلى نتائج لا يرتضيها الناس وعواقب لا يحمدونها، فهذه الطرق وأمثالها جعلت الأمم الكافرة تتيقن بوجود الجن، ولم ينكر وجودهم الأشذاذ من الفلاسفة وأتباعهم كالجهمية، وأما المسلمون فمعرفتهم بوجود الجن أعظم وأوسع من معرفة غيرهم لأن المسلمين تلقوا هذه المعرفة من الله القائل: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} الملك، فالقرآن مليء بذكر الجن وصفاتهم وأعمالهم وأحوالهم، وكذا السنة المطهرة، فمنكرهم معه الجهل المحض والتكذيب للمعلوم من الإسلام بالضرورة.
    avatar
    أبو عبد الله أحمد بن نبيل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 2798
    العمر : 47
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 19
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 15.07.08 18:56

    Cool
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 10.01.09 16:33

    علاج الوسوسة.

    بسم الله و الحمد لله . أما بعد

    فهذه الأمة التي نتشرف بالانتساب لها ، هي خير أمة أخرجت للناس ، و هي الأمة الوسط بين الأمم


    ) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ( " البقرة : 143

    " فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا جفو ، ولا إسراف ولا تقصير ، و بينما يتهاون النصارى في أمر النجاسات و يتباهى الواحد منهم بأنه أربعين سنة لا يغتسل ، نجد اليهود على العكس و النقيض ، فالواحد منهم إذا أصابت النجاسة ثوبه يقرضه بالمقرض

    و من رحمة الله بهذه الأمة رفع الآصال و الأغلال التي كانت من قبلنا ، و شرع لنا سبحانه شرعاً محكماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

    و من أعظم سمات هذه الشريعة المطهرة اليسر و التخفيف ورفع الحرج

    قال تعالى ) يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ( " سورة البقرة : 185 "

    و قال ) وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ( " سورة الحج : 78 "

    و المتتبع لنصوص الشريعة و أحكامها يجد علاجاً ودواءاً لحالات الوسوسة التي تنتاب الكثيرين فمثلاً الثابت بيقين في العقائد و الأحكام لا يزحزحه الشك ولا الوسوسة ، فالإنسان يدخل في الإسلام بنطقه بالشهادتين باتفاق العلماء ثم يؤمر بالتزام أحكام الشرع التكليفية

    و قد يعرض له الشيطان بخواطر الشر و السوء فلا تضره بإذن الله ، و من ذلك أن البعض ذهب لرسول الله صلى الله عليه و سلم يقول له : إنا لنجد في أنفسنا ما لو خررنا من السماء إلى الأرض لكان أهون علينا من أن نتحدث به

    و قال البعض لأن أكون حممه ، و ذلك يوضح مبلغ المعاناة و حرصهم على معاني الإيمان ، و عدم إفصاحهم عن الوساوس التي انتابت نفوسهم و مجاهدتهم في رد و دفع هذه الخواطر السيئة ، فلما سمع النبي صلى الله عليه و سلم ذلك قال " أو قد وجدتموه ، ذلك صريح الإيمان "

    و قال الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة "

    و قال أيضاً " قل آمنت بالله "

    و قال ابن عباس رضى الله عنهما لمن وجد مثل ذلك قل " قل هو الأول و الأخر و الظاهر و الباطن وهو بكل شئ عليم "

    و كأن الإنسان مع سيره في طريق الإيمان لابد وأن يجد مثل هذه الخواطر أو الوساوس

    فالشيطان قطع عهداً على نفسه ليتخذن من العباد نصيباً مفروضاً ، وهو قد فرغ من اليهود و النصارى بإيقاعهم في الكفر و لذلك لا يوسوس لهم أما بالنسبة للمسلم إذا هم بطاعة ربه أجلب عليه الشيطان بخيله ورجله ، فيحدث معه مثل هذه الصورة التي عرضت للأفاضل ، و تخوفوا على أنفسهم بسببها ، إلا أنهم لم يذكروا هذه الخواطر لأحد و لم يعتبروها مشاعر و أحاسيس صادقة أو وجدنات فياضة كما يعبر بعض من لا خلاق له ولا دين عنده

    و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم من وجد ذلك أن يقول " آمنت بالله " و بين أن ذلك صريح الإيمان ، فهذه الوساوس لا تضر الإنسان طالما اعتصم بحبل الله المتين و بذكره الحكيم ) وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( " سورة آل عمران : 101 "
    و قال تعالى ) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ( " سورة الأعراف : 201 "

    يتذكرون أمره و نهيه ووعده ووعيده سبحانه ، فيحدث لهم ذلك تبصرة فعلى العبد أن يكثر من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم وأن ينشغل بذكر الله ، فقد قالوا : نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، فيحافظ على تلاوة القرآن الكريم و الأذكار الموظفة ، كأذكار الشروق و الغروب و النوم ، ولا يعقد مناظرات مع الشيطان فكلما فرغ من شبهة أجلب عليه بشبهة أخرى حتى يرهق عقله ، فينصرف ولو إلى أمر مباح ، و يعلم الخواطر قد عرضت لمن هو أفضل منه ، و لن تضره بإذن الله إذا قال آمنت بالله ، فذلك صريح الإيمان

    و الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ، كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم . فإذا انتقلنا إلى دائرة الأحكام وجدنا المسألة لا تختلف فلا عنت ولا مشقة ولا حرج ولا مبرر للاسترسال في الوساوس التي تنتاب البعض

    و من ذلك مثلاً أن الثابت بيقين لا يزحزحه الشك ، فلو تيقن الإنسان الطهارة و شك في الحدث ، فيطرح الشك ولا يلتفت له و يبنى على اليقين وهو الطهارة ، أما إذا تيقن الحدث و شك في الطهارة ، فعليه أن يجدد طهارته .

    و يعفى عن يسير النجاسة التي يشق التحرز منها ، كما يحدث في الاستجمار بالأحجار ، فقد يتبقى أثر النجاسة فلا يلتفت له ولا يعول عليه ، و كذلك المرآة إذا أصاب ثوبها دماء الحيض فإنها تغسله ، و قد يتبقى أثر الدم بالثوب فيعفى عنه ولا حرج في الصلاة به

    و لما قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم : كيف تصنع النساء بذيولهن ، قال : يرخينه شبراً ، قيل : إذاً تنكشف سوقهن ، قال : يرخينه ذراعاً لا يزدن عليه ، و قد تمر المرآة على نجاسة و تصيب ثوبها إلا أن ما بعده يطهر ما قبله ، فلا داعي للوسوسة في مثل ذلك

    و ليس العلاج في تقصير ثوب المرآة ، ولا يجوز الاعتراض على من أطالت جلبابها على النحو المذكور ، فالمرآة مأمورة بالصيانة و التحفظ و التحجب و التستر ، وإذا ورد شرع الله بطل نهر معقل فهل من يعقل .

    و كذلك يقولون العبرة بالظهور لا بالشعور ، فالإحساس بالاحتلام لا يترتب عليه عمل حتى يرى أثر المنى ، فإن لم يظهر أثر للمني فلا اغتسال عليه ، و المرآة قد تشعر بخروج دماء الحيض ولا تمتنع عن الصلاة و الصيام ولا تأخذ حكم الحائض حتى يظهر دم الحيض .

    و قد يسمع الإنسان أصواتاً بالبطن فلا ينصرف من الصلاة ، ولا يجب عليه تجديد الوضوء حتى يسمع صوتاً أو يشم ريحاً يستيقن به خروج شئ من السبيلين ( القبل و الدبر ) و قد لا يكتفي البعض بالاستنجاء بالماء بعد التبول و يظل يمشي و يتنحنح .... و يمكث على ذلك وقتاً طويلاً قد يفوت به وقت الصلاة ، ولا داعي لمثل ذلك ، فالبول كاللبن في الضرع إن حلبته در وإن تركته قر ، فبعد الاستنجاء ينقطع البول مباشرة عند الشخص السليم ، فلو استمر البول بعد ذلك دل الأمر على حالة مرضية و حينئذ يعامل معاملة أهل الأعذار

    فأصحاب سلس البول و المستحاضة ( التي ينقطع عنها الدم ) وأصحاب انفلات الريح و المذاء يتوضئون بعد دخول الوقت و يصلون به الفريضة و ما شاءوا من النوافل حتى دخول وقت الفريضة الثانية ، مع وضع حفاظ يمنع تلوث الملابس متى استطاع ، ولا حرج على هذه الأصناف ، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، ولا أحد أحب إليه العذر من الله

    وفى الحديث " هلك المتنطعون ، و جاء " لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، فتلك بقاياهم في الصوامع و الديار رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم " حسن رواه أبو داود و غيره .

    و قد نهانا سبحانه عن الغلو في الدين فقال ) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ( " سورة المائدة : 77 " . و يكره الإسراف في استخدام الماء ولو كنت على نهر جار ،

    و قد كان الإمام أحمد – رحمه الله – إذا أراد أن يتوضأ طلب من بعض إخوانه أن يستره ، كراهية أن يساء به الظن لقلة استخدامه الماء ، و كانوا يتوضئون بالمد و يغتسلون بالصاع ، وأقل الغسل مرة و أكثره ثلاث ، فمن زاد على ذلك فقد أساء و تعدى و ظلم ، و بعض أهل الوسوسة لا يكتفي بذلك بل قد يستخدم برميلاً للمياه و يظل يتوضأ ربع ساعة أو أكثر و يفتح صنبور المياه على يديه ، بل ينغمس في البحر و ما شابهه و يشك هل أصابه الماء أم لا و يصيبه الوسواس ، فلعل الماء لم يصل لهذه البقعة أو لتلك

    الأمر الذي يدل على أنه قد صار مغلوباً على عقله مقهوراً على فعله ، فإذا وصل إلى هذه الحالة رفع عنه قلم التكليف وفي الحديث " رفع القلم عن ثلاث : المجنون حتى يفيق و النائم حتى يستيقظ و الصبي حتى يبلغ " رواه أحمد و أبو داود .

    و قد شاهدت من غلب عليه الوسواس في طلاق امرأته و كان يحبها بشدة و يتخوف فراقها ، و يكثر السؤال عن حديثه مع نفسه و هل وقع به الطلاق أم لا ، كما شاهدت أيضاً رجلاً ظل يمسح الملعقة المغسولة ثلاثاً و ثلاثين مرة

    و قد شد انتباهى بطاعة الملعقة ثم قيامه بمسحها المرة تلو الأخرى ، كما سمعنا و شاهدنا كثيراً حالات الوسوسة في الطهارة و الوضوء ، و لن نعدم التناقض الصارخ عند بعض هؤلاء فبينما تصف بعض السلوكيات بأن مؤداها الحيطة و الحذر أو توهم التقى و الورع تجد التفريط في الواجبات وارتكاب المحرمات التي لا يختلف عليها أحد ، كحالة أهل الكوفة قتلوا الحسين ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ورضى الله عنه .

    ثم يذهبون يسألون عن دم البعوض و هل هو نجس أم لا . و الوسوسة في النية في الصلاة و الصيام كثيرة ، و هذه النية محلها القلب ولا يجوز التلفظ بها لا على جهة الجهر ولا الإستسرار

    فهذا معدود من جملة البدع ، فتجد البعض قبل دخوله الصلاة يرفع صوته ، و يقول نويت أصلى الظهر أربع ركعات مؤتماً بإمام مقيم ، و قد يزيد عليه الثاني و يخطئ بعضهم بعضاً و يتخوفون هل قالوا هذه اللفظة أم لا ، و هل تصح الصلاة بهذه الصيغة أم تبطل !!!

    و كلهم مخطئ في نفس الأمر ، بل قد صار الكلام على النية أشبه بالألغاز عند الموسوسين رغم وجوبها فما يكاد الموسوس يسمع عن تبييت النية في الصيام مثلاً إلا و تنتابه الحيرة الشديدة و يتخوف لعله لم يبيت النية في بعض الأيام أو لعله تحولت نيته أثناء الصيام ،

    و الأمر سهل يسير بإذن الله لا معاناة فيه ، فبهذه النية – و بدون تلفظ – نفرق بين المشروع و المباح ، و بين الحلال و الحرام ، و بين الواجب و المستحب ، و بين الواجب و الواجب

    فالإنسان قد يمسك عن الأكل و الشرب ما بين طلوع الفجر إلى غروب الشمس بل إلى أزيد من ذلك بنية الانتحار – و هذا فعل محرم –
    و الثاني قد يمسك بنية إنقاص الوزن – و هذا مباح ما لم يتضرر –
    و الثالث قد يمسك بنية صيام الاثنين و الخميس و الرابع قد يمسك بنية صيام رمضان أو كفارة يمين أو نذر ... ثم في نهار رمضان قد يشتهي الإنسان الطعام الطيب فلا يفسد صومه

    أما من عقد العزم على الفطر فقد وقع صومه باطلاً ووجب عليه القضاء و خصوصاً عندما يتواكب ذلك مع قول أو فعل كحالة من يتشاجر فيقول : سأفطر فمثل هذا يجب عليه القضاء حتى وإن لم يأكل ، ففي الحديث " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تتكلم أو تعمل به "

    و للوسوسة قد تحدث في إخراج الحروف وفي التلاوة و الترتيل حتى يحمر الوجه و تنتفخ العروق و الأوداج و يكاد العبد يختنق بسبب عسر الوسوسة الذي يتنافى مع قوله تعالى ) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ( " سورة القمر : 40 "

    و صاحب الوسوسة يظل يتخوف لعله لم ينطق بهذا الحرف أو لم يخرجه من مخارجه الصحيحة فتبطل بذلك صلاته !!

    ولو علم يسر الشريعة لما استدخل المشقة و الحرج على نفسه ، فالفاتحة هي الواجبة في الصلاة و ما من آية من آياتها إلا و قرأت بأكثر من قراءة بحيث يندر وقوع اللحن فيها كما وضح شيخ الإسلام ابن تيميه

    ككلمة الصراط تقرأ السراط و الزراط ، و كلمة ملك قرأت مالك أيضاً ، و كلمة عليهم ، تقرأ عليهٌم ، عليهمٌ .... و هذا من رحمة الله بعباده

    والإنسان قد لا يحسن أخذ شئ من القرآن ولا يحفظ التشهد فيقرأ مكانها سبحان الله و الحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر و ذلك حتى يتعلم و ليس له أن يترك الصلاة ، و الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، و الذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران

    و الصلاة التي يغلب عليها الوسواس لا يؤمر العبد بإعادتها حتى وإن خرج منها بنصفها أو ثلثها أو عشرها ، إذ سماها النبي صلى الله عليه و سلم ، و ليس للمرء إلا ما عقل من صلاته ، و لم يأمر صلوات الله و سلامه عليه بإعادة هذه الصلاة كما ورد في مجموع الفتاوى .

    ولا شك أن التفقه في الدين و معرفة السنن سبيل قوى للخروج من دائرة الوسوسة ، فالمسلم الذي يحب النبي صلى الله عليه و سلم و يحرص على متابعته و يعلم أنه على الحق المبين و الصراط المستقيم وأن أكمل و أشرف مخلوق وأنه لا يحل مخالفته ولا يتصور الهدى في غير طريقته قال تعالى ) وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( " سورة الشورى : 52 " و قال ) وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ( " سورة النساء : 115 " و قال ) فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( " سورة النور : 63 " .

    من علم ذلك لابد وان يجاهد نفسه في التزام السنن ) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ( " سورة العنكبوت : 69 " .

    وأن يدور مع الشرع حيث دار فمثلاً كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضأ بالمد و يغتسل بالصاع " متفق عليه

    فهذا القدر الوارد في السنة يكفي واعتقاد غير ذلك يستوجب المراجعة للنفس لا التمادي معها ، وورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه توضأ مرة مرة " رواه البخاري و لم يزد على ثلاث

    وأخيراً من زاد عليها فقد أساء و تعدى و ظلم فليس من الورع ولا من التقوى الزيادة على الثلاث و علينا أن نسمى الأشياء باسمها . و كان صلى الله عليه و سلم يغتسل هو و عائشة – رضى الله عنها من قصعة بينهما فيها أثر العجين " متفق عليه

    فمن فعل ذلك فقد أحسن ولا إنكار عليه ، و عن ابن عمر – رضى الله عنهما – قال : كان الرجال و النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يتوضئون من إناء واحد " رواه البخاري ، فتوهم النجاسة مطروح لا يلتفت له

    و قال الإمام أحمد : من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء ، و كان رحمه الله يتوضأ فلا يكاد يبل الثرى .
    و قيل له : نزيد على ثلاث في الوضوء ؟
    فقال : لا و الله إلا رجل مبتلى .

    و قد روى أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن مغفل قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول " سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور و الدعاء "

    وروى مسلم من حديث عثمان بن أبى العاص قال : قلت يا رسول الله : إن الشيطان قد حال بيني و بين صلاتي يلبسها على
    فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم " ذاك شيطان يقال له : خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً ففعلت ذلك فأذهبه الله تعالى عني .

    و في الحديث " إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة فيأخذ بشعره من دبره فيمدها فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " رواه أحمد و أبو داود .

    وورد عن أبي داود " إذا أتى الشيطان أحدكم فقال له : إنك قد أحدثت فليقل له كذبت إلا ما وجد ريحاً بأنفه أو سمع صوتاً بأذنه ، و كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا بال توضأ و ينتضح " رواه أبو داود

    و شكا إلى الإمام أحمد بعض أصحابه أنه يجد البلل بعد الوضوء فأمره أن ينضح فرجه إذا بال قال : ولا تجعل ذلك من همتك واله عنه .

    و عن على رضى الله عنه أنه خاض في طين المطر ثم دخل المسجد فصلى و لم يغسل رجليه

    و كان ابن عمر يمشي بمنى في الفروث و الدماء اليابسة حافياً ثم يدخل المسجد فيصلي فيه ولا يغسل قدميه

    و لما قيل يا رسول الله إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا تطهرنا ؟ قال : " أو ليس بعدها طريق أطيب منها ؟
    قالت : بلى
    قال : فهذه بهذه " رواه أحمد و أبو داود .

    ومن ذلك أن الخف و الحذاء إذا أصابت النجاسة أسفله أجزأ دلكه بالأرض مطلقاً و جازت الصلاة فيه بالسنة الثابتة ، ففي الحديث " إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور " رواه أبو داود ، و في الحديث " إذا جاء أحدكم المسجد فلينظر فإن رأى على نعليه قذراً فليمسحه و ليصل فيهما " رواه أبو داود وأحمد

    و كان النبي صلى الله عليه و سلم يسجد على التراب تارة و على الحصى تارة و في الطين تارة حتى يرى أثره على جبهته و أنفه .

    و قد أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالوضوء من المذي ، و لما قيل له : كيف ترى بما أصاب ثوبي منه ؟ قال : تأخذ كفاً من ماء فتنضح به حيث نرى أنه أصابه " رواه أحمد و الترمذي .

    و الودي الذي يخرج عقب البول و المذي الذي يخرج بسبب التفكير أو المباشرة كلاهما نجس و كلاهما يوجب الوضوء فقط

    أما المني الذي يوجب الاغتسال فهو طاهر وهو عبارة عن خروج الماء الدافق بشهوة و الذي يعقبه خدراً بالعضو و ماء الرجل أبيض و ماء المرأة أصفر ، وهو يخرج باحتلام أو جماع ، أما استفراغ المني باليد فهو من الأفعال المحرمة ، ولو خرج المني وجب الغسل .

    الرابط:

    http://www.alsalafway.com/cms/news.p...ion=news&id=55
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 06.02.09 21:23

    الوسوسة وحديث النفس أثناء الصلاة

    مجموع ما كتب في الوسوسة . Download



    مجموع ما كتب في الوسوسة . 615888

    كثيراً ما أحدث نفسي أثناء الصلاة بأمور دنيوية، فهل يؤثر ذلك على صحة الصلاة؟


    كثيراً ما أحدث نفسي أثناء الصلاة بأمور دنيوية، فهل يؤثر ذلك على صحة الصلاة؟

    مجموع ما كتب في الوسوسة . Header_1

    والنقل
    لطفاً من هنا
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 19.03.09 10:42

    الوسوسة في الصلاة وتكبيرة الإحرام
    خطأ بعض الموسوسين في استحضار النية للصلاة بزعمهم ، وغلط من نسب التلفظ بالنية إلى الإمام الشافعي

    للاستماع
    لطفاً من هنـــــا

    للتحميل
    لطفاً من هنـــــا

    نقلاً عن
    فتاوى العلماء :: ورثة الأنبياء
    لطفاً من هنـــــا
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 21.03.09 8:17

    رسالة ابن عقيل إلى الموسوس في عبادته
    السلام عليكم

    قال ابن رجب الحنبلي في كتابه "ذيل طبقات الحنابلة" في ترجمة علي بن عقيل بن محمد بن عقيل:


    وكتب ابن عقيل أيضَا مرة إلى أبي شجاع، وزير الخليفة المقتدي.

    كان ديناً كثير التعبد، لكن كانت به وسوسة في عباداته:

    أما بعد

    فإن أجل تحصيل عند العقلاء، بإجماع العلماء: الوقتُ، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص. فالتكاليف كثيرة، والآداب خاطفة. وأقلّ متَعَبدٍ به الماء. ومن اطلع على أسرار الشريعة علم قدر التخفيف.
    فمن ذلك قوله: " صُبوا على بول الأعرابي ذنوبًا من الماء " .
    وقوله في المني: " أمطه عنك " .


    وقوله في الخف: " طهوره أن تدلكه بالأرض " . وفي ذيل المرأة: " يطهره ما بعده " .

    وقوله: " يغسل بول الجارية، وينضح بول الغلام " . و " كان يحمل بنت أبي العاص في الصلاة " .

    ونهى الراعي في إعلام السائل عن الماء وما يرده، وقال: " يا صاحب الميزاب لا تخبره " ، فإن خطر بالبال نوعُ احتياط في الطهارة، كالاحتياط في غيرها في مراعاة الإطالة، وغيبوبة الشمس، والزكاة، فإنه يفوتُ من الأعمال ما لا يفي به الاحتياط في الماء، الذي أصله الطهارة.


    وقد صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعرابي وركب الحمار وما عرف من خلقه التعبد بكثرة الماء. وقد توضأ من سقاية المسجد. ومعلوم حال الأعراب الذين بان من أحدهم الإقدام على البول في المسجد.

    وتوضأ من جرة نصرانية وما احترز تعليمًا لنا وتشريعًا. وأعلمنا أن الماء أصله الطهارة. وتوضأ من غدير كان ماؤه نقاعة الحناء.


    فأما قوله: " تنزهوا من البول " فإن للتنزه حدًا معلومًا.
    فأما الاستشعار: فإنه إذا نما وانقطع الوقت، ولا يقتضي مثله الشرع. ا.هـ.


    والنقل
    لطفـــــــاً .. من هنــــــــــــــا

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 01.08.09 12:29

    أنواع الوسوسة والوسائل للتخلص منها بإذن الله
    ابتلي بعض المسلمين اليوم بهذا الداء العظيم وهو الوسوسة ، ويعزى انتشار ذلك بسبب البعد عن منهج الكتاب والسنة ، ونتيجة لذلك حصل التخبط والضياع ، وغالبا ما يكون ذلك بسبب تسلط الجن والشياطين وتعرضهم للإنس لابعادهم عن خالقهم سبحانه وتعالى ، وتكون الوسوسة على عدة أوجه :
    مجموع ما كتب في الوسوسة . Fantastic
    1 - وسوسة خارجية :
    إن المعاناة التي يعاني منها المريض والتي تتعلق بهذا الجانب تؤثر تأثيرا كبيرا على سلوكه وتعامله مع نفسه ومع الآخرين ، فتراه غير منضبط في سلوكه وتصرفاته ، ويشعر دائما بالنقص في شخصيته وقدراته ، ولا بد لمن يعاني من هذا الداء وعلى هذا النحو أن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى وأن يهتدي بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم لمعالجة ذلك الأمر الخطير ، وعادة ما يكون تأثير الوسوسة الخارجية على النحو التالي :
    مجموع ما كتب في الوسوسة . Fantastic
    الوسوسة في العقيدة والدين :
    * عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : ( جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال : وقد وجدتموه قالوا : نعم 0 قال : ذاك صريح الإيمان ) ( حديث صحيح – أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب الإيمان - برقم 209 ) 0

    * روي في الصحيحين ( البخاري ومسلم ) عن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا من خلق كذا ؟ حتى يقول : من خلق ربك ؟ فإذا بلغه ذلك فليستعذ بالله ولينته ) 0
    * عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم يأتيه الشيطان فيقول : من خلقك ؟ فيقول : الله ، فيقول : فمن خلق الله ؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليقل : آمنت بالله ورسوله ، فإن ذلك يذهب عنه ) ( أخرجـه الإمـام أحمد في مسنده ، وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح الجامع 1542 ) 0
    * عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال الناس يتساءلون ، حتى يقال : هذا خلق الله الخلق ، فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل : آمنت بالله ورسوله ) ( حديث صحيح – أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب الإيمان – برقم 134 ) 0
    قال النووي : ( أما معاني الأحاديث وفقهها فقوله صلى الله عليه وسلم : ذلك صريح الإيمان ، ومحض الإيمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان ، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك 0 وقيل معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه ، وأما الكافر فإنه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد 0 فعلى هذا معنى الحديث : سبب الوسوسة محض الإيمان ، أو الوسوسة علامة محض الإيمان 0 وهذا القول اختيار القاضي عياض 0

    وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فمن وجد ذلك فليقل : آمنت بالله وفي الرواية الأخرى ( فليستعذ بالله ولينته ) فمعناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه 0 قال الإمام المازري - رحمه الله - : ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها ، والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها 0 قال : والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين : فأما التي ليست بمستقرة ولا أوجبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها ، وعلى هذا يحمل الحديث ، وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة ، فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل لا أصل له ينظر فيه 0 وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فأن لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها والله أعلم 0
    وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( فليستعذ بالله ، ولينته ) فمعناه : إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه ، وليعرض عن الفكر في ذلك ، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان ، وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها والله أعلم ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 316 ، 317 ) 0
    مجموع ما كتب في الوسوسة . Fantastic
    ولطرد وسوسة الشيطان في الأمور الإعتقادية ، فلا بد من اتباع الوسائل التالية اقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    1- أن يقدم اليقين على الشك : وهذا لا يكون إلا لمن صحت عقيدته وأخلص لله توجهه ، وتمسك بحبل الله المتين والعروة الوثقى ، وابتعد عن المعاصي وحافظ على كل ما يقرب إلى الله عز وجل 0
    2)- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، ولينته عن التفكير في تلك الأمور 0
    3)- أن يقول " آمنت بالله ورسله " 0
    مجموع ما كتب في الوسوسة . Fantastic
    الوسوسة في الصلاة :-

    * عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيلبس عليه حتى لا يدري كم صلى ، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يسلم ، ثم يسلم ) ( متفق عليه ) 0
    * عن عثمان ابن أبي العاصي - رضي الله عنه - قال : ( قلت يا رسول الله : إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك شيطان يقال له خنزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا ) ففعلت ذلك فأذهبه الله عني ) ( حديث صحيح – أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام - برقم 2203 ) 0
    قال النووي : ( أما خنزب فبخاء معجمة مكسورة ثم نون ساكنة ثم زاي مكسورة ومفتوحة ، ويقال أيضا : بفتح الخاء والزاي حكاه القاضي ، ويقال أيضا : بضم الخاء وفتح الزاي ، حكاه ابن الأثير في النهاية ، وهو غريب 0 وفي هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عن وسوسته مع التفل عن اليسار ثلاثا ، ومعنى يلبسها أي يخلطها ويشككني فيها وهو بفتح أوله وكسر ثالثه ، ومعنى حال بيني وبينها أي نكدني فيه ، ومعنى لذتها ، والفراغ للخشوع فيها ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 358 ، 359 ) 0
    مجموع ما كتب في الوسوسة . Fantastic

    ولطرد وسوسة الشيطان في الصلاة فلا بد من اتباع الوسائل التالية اقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم :-
    1)- أن يقدم اليقين على الشك 0
    2)- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم 0
    3)- التفل عن اليسار ثلاثا 0
    4)- فإن عاد للوسوسة ، فعد لفعل ذلك 0
    5)- إن لبس عليه يسجد سجود السهو 0
    وكثير من الناس ممن يعاني من داء الوسوسة قد ابتلي بهذا الداء نتيجة البعد عن منهج الكتاب والسنة ، واقتراف المعاصي وحب الشهوات والغرق في الدنيا وملذاتها 0
    مجموع ما كتب في الوسوسة . Fantastic
    قال الأستاذ شحاته زايد في كتابه " المس الشيطاني للإمام ابن الجوزي والإمام ابن القيم " :

    ومن كلام ابن القيم قوله :

    ( بعد أن ساق كلامه – رحمه الله – حول كيد الشيطان في أمر الوسوسة حتى ألقى أصحابها في الآصار والأغلال وأخرجهم عن اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال :

    وأخذ يشككهم في الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر ، فكلما تطهر الإنسان بعد الحدث وسوس له أنه لم يتطهر بما فيه الكفاية ، أو أن شيئا قد خرج منه بعد التطهر ( ريح مثلا ) ، فإذا توضأ شككه في الماء المتوضأ به فمن أين له بأنه طاهر ، فإذا لم يستجب له جعله يكثر من استعمال الماء ويطيل الوضوء ويعيده حتى تفوته الجماعة ، ولو اتبع هؤلاء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تمكن الشيطان وما داخلهم الشك في أفعالهم )

    (المس الشيطاني – ص 36 ، 37 ) 0

    ===== يتبع ======

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 01.08.09 12:34


    2)- وسوسة داخلية عن طريق مس شيطاني :


    * عن عثمان بن العاص - رضي الله عنه- قال :
    ( لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ، جعل يعرض لي شيء في صلاتي ، حتى ما أدري ما أصلي 0 فلما رأيت ذلك ، رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
    قال : ( ابن أبي العاص ؟ )
    قلت : نعم ! يا رسول الله !
    قال : ( ما جاء بك ؟ )
    قلت : يا رسول الله ! عرض لي شيء في صلواتي ،حتى ما أدري ما أصلي 0
    قال : ( ذاك الشيطان 0 أدنه )
    فدنوت منه 0 فجلست على صدور قدمي0قال : فضرب صدري بيده ، وتفل في فمي ،
    وقال : (اخرج عدو الله ! ) ففعل ذلك ثلاث مرات0
    ثم قال : ( الحق بعملك )
    ( أخرجه ابن ماجة في سننه - كتاب الطب ( 46 ) - برقم ( 3548 ) ، وقال الألباني حديث صحيح ، أنظر صحيح ابن ماجة 2858 ) 0

    وكلا النوعين السابقين من أنواع الوسوسة يحتاج للآتي :

    1)- العقيدة الصحيحة التي ترد وسوسة الشيطان ، وتحفظ الإنسان وتقيه من كيده وتربصه 0
    2)- الاعتصام بالله سبحانه وتعالى ، واللجوء إليه والتضرع له بالدعاء والذكر 0
    3)- المحافظة على تلاوة القرآن وحفظ السنة النبوية المطهرة 0
    4)- الرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة 0

    مجموع ما كتب في الوسوسة . Fantastic

    وأنقل كلاما جميلا لابن القيم - رحمه الله - يقول فيه :


    ( ومن كيده الذي بلغ به من الجهال ما بلغ : الوسواس الذي كادهم به في أمر الطهارة والصلاة عند عقد النية ، حتى ألقاهم في الآصار والأغلال ، وأخرجهم عن اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيل إلى أحدهم أن ما جاءت به السنة لا يكفي حتى يضم إليه غيره ، فجمع لهم بين هذا الظن الفاسد ، والتعب الحاضر ، وبطلان الأجر وتنقيصه )

    ( اغاثة اللهفان من مصائد الشيطان - 1 / 197 ) 0

    مجموع ما كتب في الوسوسة . Fantastic

    قال الأستاذ زهير حموي : ( والوسواس على أنواع كثيرة منها :

    1- الوسواس القهري أو اللاإرادي : وهو ما يتعلق بالسلوك اليومي ، والتردد في فعل أشياء تتكرر في حياة الإنسان ، كالتأكد أكثر من مرة من إغلاق باب البيت ، وهذا مجال بحثه في ( علم النفس ) 0


    2- وسواس العقيدة وتلبيس الحق : وهذا الوسواس قد يتعرض له الإنسان في مرحلة من مراحل حياته ، أو نتيجة ظرف معين يمر به ، وهو من الشيطان 0


    3- وسواس الطهارة : ومن أساليب الشيطان في الوسوسة التشكيك في الطهارة ، ومن مظاهر هذا الوسواس غسل الأعضاء في الوضوء أكثر مما نصت عليه السنة ، وإعادة الوضوء 0


    4- وسواس الصلاة : ومن أساليب الشيطان في الوسوسة التشويش على الإنسان في الصلاة ، ومن مظاهر هذا الوسواس إعادة بعض الحروف وتكرارها في الصلاة ، وإعادة النية - مكانها القلب - وكثرة الشرود في الصلاة ، والسهو فيها ) ( الإنسان بين السحر والعين والجان – باختصار - 213 ، 216 ) 0

    سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين
    عن رجل في العقد الرابع من العمر متزوج وله أولاد ، وكان يتمتع بصحة وعافية ، وقبل سنوات شعر بمرض وراجع كثير من المستشفيات المتخصصة ، وأجريت له فحوصات طبية أثبتت خلو الرجل من أية أمراض عضوية ، ومن ثم توجه الرجل للرقية الشرعية واستخدم الماء المقروء عليه والعزائم ولكن دون جدوى حسب قوله ، وأخيراً توجه للطب النفسي في المستشفيات المتخصصة ، وأشاروا عليه بأنه مصاب بالوسوسة ، فشعر الرجل بألم لما قاله الأطباء ، وأصبح يفكر كثيراً ، وأصبح كثير الجدل مع نفسه ، وقد تطورت الأعراض عنده واعتلّت صحته ، وفكر الرجل في تكذيب قول الأطباء ، وأصبح يعيش بين الوهم والحقيقة ، ويطلب الإرشاد والتوجيه من فضيلة الشيخ ؟

    فأجاب – حفظه الله - :

    ( هذه الوساوس من الشيطان تعترض الكثير من الناس حتى يشك في نفسه وفي دينه وفي إيمانه ، فالشيطان يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس

    ولا شك أن العلاج الوحيد هو دفع تلك الوسوسة وإبعادها عن النفس حتى تريح نفسك وتستحضر أنك مؤمن بالله ، ومن المؤمنين
    ولست من الأشقياء ، ولم تعمل ما يوقع في هذا الشك والتوقف

    وأن الله تعالى لا يعاقب على حديث النفس ، ولا على الخيالات والتوهمات

    وقد وقع مثل هذا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ، وأمر من حظرت له هذه الوساوس أن يستعيذ بالله وينتهي عن ذكر هذه الأمور

    ويشغل نفسه بالعلوم النافعة المفيدة ، وقراءة القرآن بالتدبر ، وبكثرة ذكر الله وشكره ودعائه والاستغفار والتوبة والاستعاذة من الشيطان الرجيم ، وعليك بدفع هذه الوساوس كلما خطرت ببالك ،

    واعلم أنها من الشيطان يريد أن يشق عليك حتى تمل من هذه الحياة أو تشك في دينك وتكفر بربك ، فلا تطع الشيطان حتى ترجع إليك راحتك وطمأنينتك وحياتك الطيبة والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم )

    ( مخطوطة بخط الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – بحوزة الشيخ علي بن حسين أبو لوز – ص 272 - 273 – تاريخ الفتوى 23 / 4 / 1415 هـ ) 0 الشيخ أبو البراء
    مجموع ما كتب في الوسوسة . Fantastic

    مجلة الكلمةالطيبة


    والنقل
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25543
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 01.08.09 15:21

    وساوس بشر المريسي


    قال الذهبي في السير في ترجمة بشر المريسي 10/199:

    * وبلغ من ورعه! أنه كان لا يطأ أهله ليلاً مخافة لشبهة.

    * ولا يتزوج إلا من هي أصغر منه بعشر سنين مخافة أن تكون رضيعته.

    * وفي تاريخ بغداد 13/71:
    كان بشر المريسي يخرج إلى ناحية الزابيين ليغتسل ويتطهر، وكان به المذهب، فمضى وليد الكرابيسي إليه وهو في الماء

    فقال:
    مسألة

    قال:
    وأنا على هذه الحال؟

    فقال له:
    نعم

    فقال:
    أليس رووا عن النبي مجموع ما كتب في الوسوسة . Sallah أنه كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع ؟
    فهذا الذي أنت فيه إيش؟

    قال:
    إبليس يوسوس لي ويوهمني أني لم أطهر

    قال:
    فهو الذي وسوس لك حتى قلت: القرآن مخلوق.

    نسأل الله السلامة والعافية.

    والنقل
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=26011
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 09.08.09 14:03

    من الوسوسة المقيتة مايفعله بعض مجودة هذا العصر ! .

    قال شيخ الاسلام وابن القيم وغيرهما في تزين الصوت بالقرآن :

    هو التحسين والترنم بخشوع وحضور قلب ، لاصرف الهمة إلى ماحجب به أكثر الناس بالوسوسة في خروج الحروف وترقيقها وإمالتها والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط ،وشغله بالوصل والفصل والاضجاع والارجاع والتطريب

    وغير ذلك مما هو مفض الى تغيير كتاب الله والتلاعب به ، حائل للقلوب ، قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه

    ومن يتأمل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقراره اهل كل لسان على قراءتهم تبين له ان التنطع بالوسوسة في اخراج الحروف ليس من سنته.

     قال ابن قتيبة :
    وقد كان الناس يقرؤن القرآن بلغاتهم
    ثم خلف من بعدهم قوم من أهل الامصار وابناء الاعاجم فهفوا وضلوا واضلوا
    واما ما اقتضته طبيعة القاري من غير تكلف فهو الذي كان السلف يفعلونه وهو التغني الممدوح.

     قال الذهبي :
    القراء المجودة فيهم تنطع وتحرير زائد يؤدي إلى ان المجود القارىء
    يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف ، والتنطع في تجويدها بحيث يشغله ذلك عن تدبر كتاب الله ، ويصرفه عن الخشوع والتلاوة.

     هل ما سبق من كلام الائمة يوافق كلام الامام ابن الجزري:

    والاخذ بالتجويد حتم لازم * من لم يجود القرآن آثم
    لانه به الاله انزلا * وهكذا منه الينا وصلا ؟!


    ========

    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...CA%CC%E6%ED%CF

    http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=279

    والنقل
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=9443
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في الوسوسة .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 12.08.10 8:20

    الوسوسة
    سببها، أنواعها، خطرها، علاجها



    تمهيد

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#تعريف الوسوسة]تعريف الوسوسة[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#أسباب الوسوسة]أسباب الوسوسة[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#مداخل الوسوسة]مداخل الوسوسة[/url]


    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#أولاً: التفكير في ذات الله وصفاته]أولاً: التفكير في ذات الله وصفاته[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#ثانياً: في العبادات، كالطهارة والصلاة وغيرهما]ثانياً: في العبادات، كالطهارة والصلاة وغيرهما[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#التحذير من الإسراف والغلو في الوضوء والغسل]التحذير من الإسراف والغلو في الوضوء والغسل[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#ثالثاً: في تزيين المعاصي]ثالثاً: في تزيين المعاصي[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#رابعاً: النسيان]رابعاً: النسيان[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#خطورة الوسوسة ومضارها]خطورة الوسوسة ومضارها[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#علاج الوسوسة]علاج الوسوسة[/url]


    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#أولاً: فيما يتعلق بالتفكر في ذات الله وصفاته، وتزيين المعصية]أولاً: فيما يتعلق بالتفكر في ذات الله وصفاته، وتزيين المعصية[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#المراد بصريح أومحض الإيمان]المراد بصريح أومحض الإيمان[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#ثانياً: فيما يتعلق بالعبادات، نحو الطهارة، والصلاة، والتشاغل فيها]ثانياً: فيما يتعلق بالعبادات، نحو الطهارة، والصلاة، والتشاغل فيها[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#أمور يسَّر فيها الشارع الحكيم، شدَّد فيها الموسوسون والمتنطعون]أمور يسَّر فيها الشارع الحكيم، شدَّد فيها الموسوسون والمتنطعون[/url]


    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#1. نضح الفرج والسراويل بالماء دفعاً للوسوسة]1. نضح الفرج والسراويل بالماء دفعاً للوسوسة[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#2. لا يعيد الوضوء من مشى حافياً]2. لا يعيد الوضوء من مشى حافياً[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#3. الخف والنعال إذا أصابتهما نجاسة تزال بالدلك]3. الخف والنعال إذا أصابتهما نجاسة تزال بالدلك[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#4. الصلاة في النعال]4. الصلاة في النعال[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#5. الصلاة فيما تيسر سوى المغبرة وأعطان الإبل]5. الصلاة فيما تيسر سوى المغبرة وأعطان الإبل[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#شبه الموسوسين ودحضها]شبه الموسوسين ودحضها[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#عقوبة المتنطعين]عقوبة المتنطعين[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#من نوادر الموسوسين]من نوادر الموسوسين[/url]

    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#أفضل ما ألف في ذم الوسوسة والموسوسين]أفضل ما ألف في ذم الوسوسة والموسوسين[/url]

    تمهيد
    من سمات هذا الدين العظيم، وصفاته المستديمة التوسط والاعتدال في جميع الأمور، في العقائد، والعبادات، والمعاملات، والمباحات، إذ لا تفريط فيه ولا إفراط، ولا تشدد وتزمت، ولا تسيب وتفلت، تتمثل هذه السمة أصدق تمثيل عند أهل السنة والجماعة، الفرقة الناجية، نقاوة المسلمين.
    لقد نهى الإسلام أتباعه أشد النهي عن التشدد والغلو، وحذرهم من ذلك في آيات تتلى وأحاديث تترى، وآثار تقرأ، وما فتئ أهل العلم في كل وقت وحين وفي كل مصر وعصر ينصحون إخوانهم المسلمين ويذكرونهم بخطورة ذلك على الدين.
    الغلو والتنطع والتشدد مردُّه في كثير من الأحيان إلى كيد الشيطان ومكره وخبثه، ولهذا حذرنا ربنا منه، وبين عداوته الدائمة لبني آدم، وأخذه على نفسه المواثيق المغلظة للقيام بذلك، قائلاً: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير"1، وبيَّن رسوله الكريم أن للشيطان مداخل على بني آدم لا تحصى ولا تعد، فهو يجري منه مجرى الدم، لا فرق في ذلك بين صالحهم وطالحهم إلا من رحم الله، فقد صح عن صفية بنت حيي رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني – وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد – فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي؛ فقالا: سبحان الله يا رسول الله! فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما سوءاً – أوقال – شيئاً".2
    وما من إنسان إلا وله قرين من الشياطين، حتى رسولنا صلى الله عليه وسلم، إلا أن الله أعانه عليه فأسلم كما أخبر.
    مع ذلك بين ربنا سبحانه وتعالى أن كيد الشيطان كان ضعيفاً، وأنه ليس له سلطان إلا على الذين يتولونه، والذين هم به مشركون ومغرمون، ولهذا ما سلك عمر بن الخطاب فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غيره كما أخبر الصادق المصدوق.
    على الرغم من أن الله عز وجل جعل للعقل البشري حداً لا ينبغي له أن يتجاوزه أويتعداه، من ذلك أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أمته وإرشاده إلى حصر تفكيرهم في مخلوقات الله، وألا يتفكروا في ذاته العلية وصفاته السنية، إلا أن البعض يتطفلون فيقودهم فضول التفكير في أشياء يود أحدهم أن تدق عنقه ولا يخطر بباله شيء منها.
    وكذلك حد حدوداً، وفرض فروضاً، وشرع عبادات، أمر بالتزامها، ونهى عن تعديها، وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وعلى الحنيفية السمحة، لا يتجاوزها إلا خاطئ ضال.
    قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما روى عنه مالك: "سُنَّت لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة، إلا أن تميلوا بالناس يميناً وشمالاً".
    وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على أثرهم وسيرتهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".3
    وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "سنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمور4 بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تبديلها ولا تغييرها، ولا النظر فيما خالفها، من اقتدى بها فهو مهتدٍ، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً".5
    الشيطان له مداخل عدة، وطرق شتى على بني آدم، تختلف باختلافهم، من أخطر هذه المداخل، وأعظمها ضرراً، وأقواها تأثيراً، وأعمها فساداً هي الوسوسة، التي هي طريقه لفريق من المسلمين الذين عجز عن إغوائهم بالطرق الأخرى، ولم تصدهم حبائله المختلفة، عمد إليهم بهذه الوسيلة، وخدعهم بخدعة ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب، لهذا أمر أن نستعيذ منه ومن وسوسته على وجه الخصوص، وأنزل سورة خاصة بذلك وهي سورة الناس، التي جاء فيها: "من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس".
    الوسوسة من الأمراض القديمة والأدواء الخطيرة، ذات المجالات العديدة، والاضرار البليغة، والآثار السلبية الكثيرة.
    على الرغم من تحذير الشارع الكريم منها، وتشنيع السلف الصالح على الموسوسين، وتأليف الدواوين، وتخويف أئمة الدين من خطرها، وعظيم ضررها، إلا أنه لا تزال طائفة من المسلمين مبتلاة بذلك، وتسأل وتستفسر عن كيفية الخلاص منها، والفكاك من أسرها، والانعتاق من كيد مدبرها ومتولي كبرها، مما يستوجب على العلماء وطلاب العلم الكشف عن أسبابها، وبيان خطرها ومضارها، والإرشاد إلى طرق علاجها.
    فهذا بحث عن الوسوسة، عن أقسامها، وأسبابها، والتنبيه على خطرها، والتوجيه والإرشاد لأسباب دفعها عن المبتلين بها.
    والله أسأل أن يعافينا من كيد الشيطان، ويعيذنا من همزه ولمزه، وأن يقوينا على مجاهدته ورد كيده في نحره، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على البشير النذير، الهادي إلى كل خير.
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    تعريف الوسوسة
    هي حديث النفس وما يلقيه الشيطان في الصدر.
    قال ابن منظور رحمه الله في مادة "وسس"6: (الوَسْوَسَة والوَسْواس: الصوت الخفي من ريح، والوسواس: صوت الحَلْي، وقد وَسْوَسَ وَسْوَسة ووِسْواساً بالكسر، والوَسْوسة والـِوسْواس: حديث النفس، يقال: وَسْوَست إليه نفسه وَسْوَسَة وِوسْوَاساً، بكسر الواو المصدر، وبالفتح الاسم، مثل الزِّلزال والزَّلزال، والوَسْوَاس بالفتح هو الشيطان، وكل ما حدثك به ووَسْوَس إليك.. ورجل مُوَسوس إذا غلبت عليه الوَسْوَسة).
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    أسباب الوسوسة
    الوسوسة هي من كيد الشيطان، وهي ناتجة من الغلو والتشدد في أمور نهى الشارع عن الغلو والتشدد فيها، ولهذا فإن مردها إجمالاً إلى أمرين لا ثالث لهما:
    1. خبل في العقل.
    2. أوجهل بالشرع.
    كما قال الإمام الغزالي رحمه الله7، يضاف إليهما أسباب أخر ترجع إلى هذين السببين، من ذلك:
    3. البول في المستحم – المكان الذي يستحم فيه - إن لم يكن هناك مخرج للبول، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدُكم في مستحمه ثم يغتسل فيه - قال أحمد: ثم يتوضأ – فإن عامة الوسواس منه".8
    4. المبالغة في استقصاء الطهارة.
    فالتحوط مطلوب ما لم يصل إلى درجة الوسوسة فيكون ممقوتاً.
    قال الشيخ أبو محمد الجويني في كتاب "التبصرة في الوسوسة" كما نقل عنه النووي في المجموع9 في ذمه للموسوسين: (وهذه طريقة الحرورية الخوارج، ابتلوا بالغلو في غير موضعه، وفي التساهل في موضع الاحتياط، قال: ومن فعل ذلك فكأنه يعترض على أفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وسائر المسلمين).
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    مداخل الوسوسة
    المجالات والمداخل التي يدخل منها الشيطان على الغلاة الموسوسين كثيرة جداً لجريان الشيطان من ابن آدم مجرى الدم، كما أخبر الصادق المصدوق، لتحقق كيده لبني آدم إلا المخلصين منهم؛ فالشيطان له مع جميع الخلق مسالك مختلفة تناسب كلاً منهم، أخطرها وأكثرها ولوجاً ووسوسة له ثلاثة هي:
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    أولاً: التفكير في ذات الله وصفاته
    على الرغم من أن العباد نهوا أن يتفكروا في ذات الله، وفي حقيقة صفاته وكيفيتها، وأمروا أن يفكروا في مخلوقات الله الدالة على قدرته، إلا أننا نجد الشيطان يوسوس لبعضهم ويورد عليهم أسئلة تضيق منها صدورهم ويتحرجون منها، مصداقاً لما تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حدث ذلك لبعض أصحابه.
    فقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؛ قال: وقد وجدتمهوه؟ قالوا: نعم؛ قال: ذلك صريح الإيمان".
    وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة؟ قال: تلك محض الإيمان".10
    وفي رواية: "لأن يكون أحدنا حُمَمَة – أي فحماً – أحب إليه من أن يتكلم به".11
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: "تسألون حتى تقولوا: هذا الله خلقنا فمن خلق الله"، قال أبوهريرة: "فوالله إني لجالس يوماً إذ قال لي رجل من أهل العراق: هذا الله خلقنا فمن خلق الله؟ قال أبوهريرة: فجعلت إصبعي في أذني وصحت: صدق رسول الله، الله الواحد الأحد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد".
    وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يأتي أحدكم فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله؛ فيقول: من خلق السموات والأرض؟ فيقول: الله؛ فيقول: من خلق الله؟ فإذا وجد أحدُكم شيئاً من ذلك فليقل: آمنتُ بالله ورسوله".
    قال الحافظ ابن الجوزي في تلبيس إبليس له تحت عنوان "تلبيس إبليس على العوام"12: (قد بينا أن إبليس إنما يقوى تلبيسه على قدر قوة الجهل، وقد افتن فيما فتن به العوام، وحصر ما فتنهم ولبَّس عليهم فيه لا يمكن ذكره لكثرته، وإنما نذكر من الأمهات ما يستدل به على جنسه، والله الموفق.
    فمن ذلك أنه يأتي إلى العامي فيحمله على التفكر في ذات الله عز وجل وصفاته، فيشكك، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..
    إلى أن قال: وإنما وقعت هذه المحنة لغلبة الحس، وهو أنه ما رأى شيئاً إلا مفعولاً).
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    ثانياً: في العبادات، كالطهارة والصلاة وغيرهما
    من المجالات التي استحوذ بها الشيطان على بعض بني آدم الوسوسة في الطهارة والصلاة ونحوهما، فهذا من أوسع المجالات ولوجاً للشيطان في نفوس الضعفاء ممن لم يجد لهم مدخلاً غيره.
    قال ابن الجوزي تحت باب: "ذكر تلبيس إبليس على العباد في العبادات": (اعلم أن الباب الأعظم الذي يدخل منه إبليس على الناس هو الجهل، فهو يدخل منه على الجهال بأمان، وأما العالم فلا يدخل عليه إلا مسارقة، وقد لبَّس إبليس على كثير من المتعبدين بقلة علمهم، لأن جمهورهم يشتغل بالتعبد ولم يحكم العلم، وقد قال الربيع بن خثيم: تفقه ثم اعتزل).
    ثم أخذ يمثل لذلك13:
    • ومن ذلك أنه يأمرهم بطول المكث في الخلاء.
    • ومنهم من يقوم يمشي ويتنحنح ويرفع قدماً ويحط أخرى وعنده أنه يستنقي من البول وكلما زاد في هذا نزل البول.
    • ومنهم من يلبس عليه في النية، فتراه يقول: أرفع الحدث؛ ثم يقول: أستبيح الصلاة؛ ثم يقول: أرفع الحدث؛ وسبب هذا التلبيس الجهل بالشرع لأن النية بالقلب لا باللفظ.
    • ومنهم من يلبس عليه بالنظر في الماء المتوضأ به، فيقول: من أين لك انه طاهر؛ وفتوى يكفيه بأن أصل الماء الطهارة، فلا يترك الأصل بالاحتمال.
    • ومنهم من يلبس عليه بكثرة استعمال الماء.. وربما أطال الوضوء ففات وقت الصلاة، أوفات أوله وهو فضيلة، أوفاتته الجماعة.
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    التحذير من الإسراف والغلو في الوضوء والغسل
    وردت أحاديث كثيرة وآثار عديدة تنهى وتحذر من الإسراف في الماء، منها:
    1. ما صحَّ عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: "ما هذا السرف يا سعد؟ قال: أفي الوضوء سرف؟ قال: نعم، وإن كنت على نهر جار".14
    2. وعن أبَيّ يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "للوضوء شيطان يقال له الولهان فاتقوه"15، وفي رواية: "فاحذروه".
    3. سمع عبد الله بن مغفل ابنه يقول: اللهم إني أسألك الفردوس، واسألك.. فقال عبد الله: "سل الله الجنة وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في هذه الامة قوم يعتدون في الدعاء والطهور".
    4. وعن الحسن رحمه الله قال: شيطان الوضوء يدعى الولهان يضحك بالناس في الوضوء.
    5. وكان الحسن يعرِّض بابن سيرين، يقول: يتوضأ أحدُهم بقربة ويغتسل بمزادة صباً صباً، ودلكاً دلكاً، تعذيباً لأنفسهم، وخلافاً لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
    6. روي عن أبي حازم التابعي الجليل رحمه الله أنه دخل المسجد فوسوس إليه إبليس أنك تصلي بغير وضوء، فقال: ما بلغ نصحك إلى هذا.
    7. وعن عثمان بن أبي العاص قال: "قلتُ: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليَّ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ثلاثاً واتفل عن يسارك؛ ففعلت ذلك فأذهبه الله عني".16
    8. وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا تشددوا على أنفسكم، فيشدِّد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديورات: "ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم".17
    9. وقال أبوالوفاء بن عقيل18 رحمه الله: أجل محصول عند العقلاء الوقت، وأقل متعبد به الماء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: صبوا على بول الأعرابي ذنوباً19 من الماء، وقال في المني: أمطه عنك بإذخرة، وقال في الحذاء طهوره بأن يدلك بالأرض، وفي ذيل المرأة يطهره ما بعده، وقال: يغسل بول الجارية وينضح بول الغلام، وكان يحمل بنت أبي العاص بن الربيع في الصلاة، ونهى الراعي عن إعلام السائل له عن الماء وما يرده، وقال: ما أبقته لنا طهور، وقال: يا صاحب الماء لا تخبره.
    10. قال سعيد بن المسيب رحمه الله: إني لأستنجي من كوز الحُب20 وأتوضأ، وأفضل منه لأهلي.
    11. وقال أحمد رحمه الله: من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء.
    12. وقال المروزي: وضأت أبا عبدالله بالعسكر، فسترته من الناس، لئلا يقولوا: إنه لا يحسن الوضوء، وكان أحمد يتوضأ فلا يكاد يَبُلُّ الثرى.
    قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (ومن كيده الذي بلغ به من الجهل ما بلغ، الوسواس الذي كادهم به في أمر الطهارة والصلاة عند عقد النية، حتى ألقاهم في الآصار والأغلال، وأخرجهم من اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخيل إلى أحدهم أن ما جاءت به السنة لا يكفي حتى يضم إليه غيره، فجمع لهم بين هذا الظن الفاسد، والتعب الحاضر، وبطلان الأجر أوتنقيصه، ولا ريب أن الشيطان هو الداعي إلى الوسواس، فأهله قد أطاعوه ولبوا دعوته، واتبعوا أمره، ورغبوا عن اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريقته، حتى إن أحدهم يرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أواغتسل كاغتساله لم يطهر ولم يرتفع حدثه، ولولا العذر بالجهل لكان هذا مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد21.. ويغتسل بالصاع22، والموسوس يرى أن ذلك القدر لا يكفيه لغسل يديه، وصحَّ أنه توضأ مرة مرة، ولم يزد على ثلاث، بل أخبر أن من زاد عليها فقد أساء وتعدى وظلم23، فالموسوس مسيء متعدٍ ظالم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يتقرب إلى الله بما هو مسيء به متعدٍ فيه لحدوده؟
    إلى أن قال:
    فهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي من رغب عنه فقد رغب عن سنته جواز الاغتسال من الحياض والآنية، وإن كانت ناقصة غير فائضة، ومن انتظر الحوض حتى يفيض ثم استعمله وحده ولم يمكن أحداً أن يشاركه في استعماله فهو مبتدع مخالف للشريعة.
    قال شيخنا – ابن تيمية -: ويستحق التعزير البليغ الذي يزجره وأمثاله عن أن يشرعوا في دين الله ما لم يأذن به الله، ويعبدوا الله بالبدع لا بالاتباع.
    ودلت هذه السن الصحيحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يكثرون صب الماء، ومضى على هذا التابعون لهم بإحسان).24
    13. وقال البخاري: وكره أهل العلم الإسراف فيه – يعني الوضوء – وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
    14. وقال ابن عمر: "إسباغ الوضوء الإنقاء".
    15. وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: "عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ما من عبد على السبيل والسنة ذكر الله عز وجل فاقشعرَّ جلده من خشية الله إلا تحاتت عنه خطاياه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها، وإن اقتصاداً في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل ولا سنة، فاحرصوا إذا كانت أعمالكم اقتصاداً أن تكون على منهاج الأنبياء وسنتهم".
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    ثالثاً: في تزيين المعاصي
    من مداخل الشيطان إلى بعض العباد الوسوسة بالذنوب والآثام وتزيينها لهم وتحسينها في قلوبهم، فلا ينفكون عن ذلك حتى يواقعوها.
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (فإن قوله: "من شر الوسواس" يعم كل شره ووصفه بأعظم صفاته، وأشدها هجراً، وأقواها تأثيراً، وأعمها فساداً، وهي الوسوسة التي هي مبادئ الإرادة، فإن القلب يكون فارغاً من الشر والمعصية فيوسوس إليه ويخطر الذنب بباله فيصوره لنفسه ويمنيه ويشهيه فيصير شهوة، ويزينها له ويحسنها ويخيلها له في خيال تميل نفسه إليه، فيصير إرادة، ثم لا يزال يمثل ويخيل ويمني ويشهي، وينسي علمه بضررها، ويطوي عنه سوء عاقبتها، فيحول بينه وبين مطالعته، فلا يرى إلا صورة المعصية والتذاذه بها فقط، وينسى ما وراء ذلك، فتصير الإرادة عزيمة جازمة، فيشتد الحرص عليها من القلب، فيبعث الجنود في الطلب، فيبعث الشيطان معهم مدداً لهم وعوناً، فإن فتروا حركهم، وإن ونوا أزعجهم، كما قال الله تعالى: "ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً"، أي تزعجهم إلى المعاصي إزعاجاً، كلما فتروا وونوا أزعجتهم الشياطين وأزتهم وأثارتهم، فلا تزال بالعبد تقوده إلى الذنب، وتنظم شمل الاجتماع بألطف حيلة وأتم مكيدة، قد رضي لنفسه بالقيادة لفجرة بني آدم، وهو الذي استكبر وأبى أن يسجد لأبيهم، فلم تمنعه النخوة والكبر أن يصير قواداً لكل من عصى الله، كما قال بعضهم:
    عجبتُ من إبليس في تيهه وقبح ما أظهر من نخوته
    تـاه على آدم في سجـده وصـار قـواداً لذريـته
    فأصل كل معصية وبلاء إنما هو المعصية).25


    رابعاً: النسيان
    ومن وسائل وسوسة الشيطان للإنسان أن ينسيه ما يريد تذكره ويحرص عليه، قال تعالى على لسان غلام موسى: "وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره"، ولهذا يضاف النسيان إليه.
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    خطورة الوسوسة ومضارها
    للوسوسة مضار كثيرة ومفاسد عظيمة على الموسوس في سلوكه وعبادته، نشير إلى أخطرها، وهي:
    1. طاعة الشيطان.
    2. ضياع الوقت وهو أثمن ما يملكه الإنسان.
    3. التقصير في العبادة.
    4. مخالفة السنة.
    5. من الوسوسة ما يفسد العبادة كالصلاة.
    6. الإسراف في الماء وهو من أجل النعم وأعظمها.
    7. إغراء الناس بذمه والوقيعة فيه.
    8. الموسوس يشغل ذمته بالزائد عن الحاجة، ويقصر عما أوجبه الله ورسوله عليه.
    قال العلامة ابن القيم: (ومن أصناف الوسوسة ما يفسد الصلاة، مثل تكرير بعض الكلمة، كقوله في التحيات: آت آت، التحي التحي، وفي السلام: أسْ أسْ، وقوله في التكبير: أكككبر، ونحو ذلك، فهذا الظاهر بطلان الصلاة به، وربما كان إماماً فأفسد صلاة المأمومين، وصارت الصلاة التي هي أكبر الطاعات أعظم إبعاداً له عن الله من الكبائر، وما لم تبطل الصلاة من ذلك فمكروه وعدول عن السنة، ورغبة عن طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهديه، وما كان عليه أصحابه، وربما رفع صوته بذلك فآذى سامعيه، وأغرى الناس بذمه والوقيعة فيه، فجمع على نفسه طاعة إبليس ومخالفة السنة، وارتكاب شر الأمور ومحدثاتها، وتعذيب نفسه، وإضاعة الوقت، والاشتغال بما ينقص أجره، وفوات ما هو أنفع له.. وتغرير الجاهل الاقتداء به.. كما قال أبوحامد الغزالي وغيره: الوسوسة سببها إما جهل بالشرع، وإما خَبَل في العقل، وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب).26
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    علاج الوسوسة
    ما من داء إلا وله دواء لمن يسره الله له، فالوسوسة من الأدواء المعضلة، والأمراض القبيحة، فينبغي للمصاب بها أن يسارع بعلاج نفسه، وأن لا يسترسل معها فيضيع عمره، ويشغل وقته فيما لا طائل وراء.
    وعلاج الوسوسة والتخلص منها هو مقصودنا من كتابة هذا البحث.
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    أولاً: فيما يتعلق بالتفكر في ذات الله وصفاته، وتزيين المعصية
    1. استصحاب قوله صلى الله عليه وسلم: "تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذات الله".
    2. استشعار عظمة الله وجلاله والاجتهاد في شغل القلب بذلك.
    3. التذكر بأن عقولنا البشرية مهما كانت لا يمكنها قط إدراك حقيقة وكيفية صفات الله عز وجل، وإذا كان الإنسان لا يدرك كنه نفسه فكيف بالذات العلية؟
    4. تذكر ما آل إليه أئمة علم الكلام من الندم والرجوع صاغرين إلى منهج أهل السنة، وهو التسليم المطلق وتمنيهم إيماناً كإيمان العجائز.
    5. الإكثار من التعوذ خاصة من الشك والريب.
    قال تعالى: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم".28
    وقال: "من شر الوسواس الخناس".29
    قال القرطبي في تفسير30 قوله: "فاستعذ بالله": (أي اطلب النجاة من ذلك بالله، فأمر تعالى أن يدفع الوسوسة بالالتجاء إليه، والاستعاذة به، ولله المثل الأعلى، فلا يُستعاذ من الكلاب إلا برب الكلاب، وقد حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سوَّل لك الخطايا؟ قال: أجاهده؛ قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده؛ قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده؛ قال: هذا يطول، أرأيتَ لو مررتَ بغنم فنبحك كلبها ومنع من العبور، ما تصنع؟ قال: أكابده وأرده جهدي؛ قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك).
    وصحَّ عن أبي هريرة رضي الله عنه كما خرجه مسلم في صحيحه وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدَكم فيقول له: من خلق كذا وكذا، حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته".
    وفي رواية في الصحيح عنه رضي الله عنه: "ذلك صريح الإيمان".
    وعن ابن مسعود عند مسلم قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة قال: "تلك محض الإيمان".
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    المراد بصريح أومحض الإيمان
    قال القرطبي: (هذا ليس على ظاهره، إذ لا يصح أن تكون الوسوسة نفسها هي الإيمان، لإن الإيمان اليقين، وإنما الإشارة إلى ما وجدوه من الخوف من الله تعالى، أن يعاقبوا على ما وقع في أنفسهم، فكأنه قال: جزعكم هذا هو محض الإيمان وخالصه، لصحة إيمانكم وعلمكم بفسادها، فسمى الوسوسة إيماناً، لما كان دفعها، والإعراض عنها، والرد لها، وعدم قبولها، والجزع منها صادراً عن الإيمان، وأما أمره بالاستعاذة فلكون تلك الوساوس من آثار الشيطان).
    6. يكثر الموسوس من ترداد قوله تعالى: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم".31
    خرج أبوداود في سننه32 بسنده إلى أبي زميل قال: "سألت ابن عباس، فقلت: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به؛ قال: فقال لي: أشيء من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله عز وجل: "فإن كنتَ في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك"33 الآية، قال لي: إذا وجدتَ في نفسك شيئاً فقل: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم".
    7. الإكثار من ذكر الله، لقوله تعالى: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"34، فالإكثار من ذكر الله يطرد الشكوك ويجلب اليقين ويحرز صاحبه من الشيطان.
    فالحرص على أذكار الصباح والمساء وفي كل المناسبات وعلى جميع الأحوال يحول بين وساوس الشيطان وخطراته ونزعاته، نحو:
    • قول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" عشر مرات أومائة، فقد جاء في فضلها: "وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي" الحديث.
    • عندما يأوي المرء إلى فراشه يقرأ آية الكرسي، فكما صح من حديث أبي هريرة يرفعه: "إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم"، وقال لي: لا يزال عليك من الله حافظ ولن يقربك شيطان حتى تصبح".
    8. اللهو عنها وعدم الاسترسال معها، والاجتهاد في طردها، هذا أنفع علاج لجميع أنواع الوساوس التي يتعرض لها الإنسان، وإهمال ذلك عامل أساسي يمكن الشيطان من الإنسان.
    وهذا العلاج يحتاج إلى شيء من قوة الإرادة، وصادق العزيمة، أما من كان ضعيف الإرادة، خائر العزيمة، فلن تجدي معه هذه الوسيلة شيئاً.
    9. الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل، والاستعاذة من الشك والشرك.
    10. تذكر المرء لعداوة الشيطان الأبدية لبني آدم، وقسمه وإصراره على ذلك، وأن كل ما يلقيه إلى بني آدم فهو الشر المحض.
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    ثانياً: فيما يتعلق بالعبادات، نحو الطهارة، والصلاة، والتشاغل فيها
    من أسباب العلاج لوساوس الشيطان المتعلقة بالطهارة والصلاة والتشاغل عنها بجانب ما سبق ما يأتي:
    1. استصحاب القاعدة الفقهية العظيمة: "اليقين لا يزال بالشك"، فما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين.
    دليل ذلك ما صحَّ عن أبي هريرة عند مسلم قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وجد أحدُكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أويجد ريحاً".
    فمن كان متيقناً أنه توضأ، ثم شك هل أحدث أم لا؟ لم يلتفت إلى هذا الشك، وبنى على ما هو متيقن منه.
    لو استصحب الموسوسون هذه القاعدة وعملوا بها لتخلصوا من وساوسهم، ولأراحوا أنفسهم وأرغموا شياطينهم.
    2. عدم البول في المستحم، والمراد الماء الراكض، فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: "لا يبولن أحدُكم في مستحمه ثم يغتسل فيه - قال أحمد: ثم يتوضأ فيه – فإن عامة الوسواس منه".35
    3. مستنكح الشك لا يبني على شكه شيئاً، وليس عليه سجود سهو، وإنما عليه أن يلهو عن ذلك ويتشاغل عنه وإلا ازداد شكاً على شك، ووجد الشيطان فيه ضالته.
    4. تذكر أن الحق هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي جاء بالحنيفية السمحة، وما سواه هو الباطل.
    5. الاقتداء والتأسي بمسلك السلف الصالح في هذا الجانب، حيث كانوا يتشددون ويحذرون مما يدخل في بطونهم، وما كانوا يغالون في مسائل الطهارة، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً36:
    • روى أبو داود في سننه عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: "قلت يا رسول الله، إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة، فكيف نفعل إذا تطهرنا؟ قال: أوليس بعدها طريق أطيب منها؟ قالت: قلت: بلى؛ قال: فهذه بهذه".
    • وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "كنا لا نتوضأ من موطِئ"، أي موطوء، يعني إذا وطئ على المكان القذر الجاف لا يجب عليه غسل القدم.
    • وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن الرجل يطأ العذرة؟ قال: "إن كانت يابسة فليس بشيء، وإن كانت رطبة غسل ما أصابه".
    • وقال حفص37: "أقبلتُ مع عبد الله بن عمر عامدين إلى المسجد، فلما انتهيتُ عدلتُ إلى المطهرة لأغسل قدمي من شيء أصابهما، فقال عبد الله: لا تفعل، فإنك تطأ الموطئ الرديء، ثم تطأ بعده الموطئ الطيب – أوقال: النظيف – فيكون ذلك طهوراً؛ فدخلنا المسجد فصلينا جميعاً".
    • وقال أبو الشعثاء: "كان ابن عمر يمشي بمنى في الفروث والدماء اليابسة حافياً، ثم يدخل المسجد فيصلي فيه، ولا يغسل قدميه".
    • وقال عمران بن حدير: "كنت أمشي مع أبي مِجْلز إلى الجمعة، وفي الطريق عذرات يابسة، فجعل يتخطاها ويقول: ما هذه إلا سودات، ثم جاء حافياً إلى المسجد فصلى، ولم يغسل قدميه".
    • وقال عاصم الأحول: "أتينا أبا العالية فدعونا بوضوء، فقال: مالكم، ألستم متوضئين؟ قلنا: بلى، ولكن هذه الأقذار التي مررنا بها؛ قال: وهل وطئتم على شيء رطب تعلق بأرجلكم؟ قلنا: لا؛ فقال: فكيف بأشد من هذه الأقذار يجف، فينسفها الريح في رؤوسكم ولحاكم؟".
    6. الحرص على صلاة الجماعة والاقتداء بالعقلاء، رأيتُ موسوساً إذا فاتته صلاة الصبح في جماعة لم يصلها إلى شروق الشمس، وإذا فاتته صلاة العصر لم يتمكن من أدائها وحده إلى الغروب.
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    أمور يسَّر فيها الشارع الحكيم، شدَّد فيها الموسوسون والمتنطعون
    هذه الشريعة مبناها على اليسر، ورفع الحرج، وعدم التكليف بما لا يطاق، هذه النعم العظيمة حرمها كثيرمن الناس بسبب تشددهم وتنطعهم وطاعتهم للشيطان، من ذلك:
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    1. نضح الفرج والسراويل بالماء دفعاً للوسوسة
    قال العلامة ابن القيم: (قال الشيخ أبو محمد38: ويستحب للإنسان أن ينضج فَرْجَه وسراويله بالماء إذا بال، ليدفع عن نفسه الوسوسة، فمتى وجد بللاً قال: هذا من الماء الذي نضحته، لما روى أبو داود بإسناده عن سفيان بن الحكم الثقفي أوالحكم بن سفيان قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بال توضأ39 وينضح"40، وفي رواية: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم نضح فرجه"، وكان ابن عمر ينضح فرجه حتى يبل سراويله.
    وشكا إلى الإمام أحمد بعض أصحابه أنه يجد البلل بعد الوضوء، فأمره أن ينضح فرجه إذا بال، قال: ولا تجعل ذلك من همتك، والهُ عنه.
    وسئل الحسن أوغيره عن مثل هذا فقال: الهُ عنه؛ فأعاد عليه المسألة، فقال: أتستدره لا أب لك! الهُ عنه).41
    لكن الموسوسين استعاضوا عن هذه السنة بأمور ما أنزل الله بها من سلطان هي: السَّلت، والنتر، والنحنحة، والمشي، والقفز، والحبل، والتفقد، والوجور، والحشو، والدرجة.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وذلك كله وسواس وبدعة، فراجعته – المراجع له ابن القيم – في السلت والنتر، فلم يره، وقال: لم يصح الحديث، قال: والبول كاللبن في الضرع، إن تركته قرَّ، وإن حلبته درَّ.
    قال: ومن اعتاد ذلك ابتلي منه بما عوفي منه من لها عنه.
    قال: ولو كان هذا سنة لكان أولى الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد قال اليهودي لسلمان: "لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخِرأة؛ فقال: أجل"42).43
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    2. لا يعيد الوضوء من مشى حافياً
    فقد مر أن كثير من الصحابة والتابعين وتابعيهم كانوا يتوضأون ويمشون حفاة إلى المسجد، ومن الضروري أن تطأ أقدامهم بعض النجاسات الجافة، ثم لا يغسلون أقدامهم.
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    3. الخف والنعال إذا أصابتهما نجاسة تزال بالدلك
    لما رواه أبوداود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطئ أحدُكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور"، وفي لفظ: "إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب".
    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلى فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: لِمَ خلعتم؟ قالوا: يا رسول الله، رأيناك خلعتَ فخلعنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خُبْثاً، فإذا جاء أحدُكم المسجد فليقلب نعليه، ثم لينظر فإن رأى خبثاً فليمسحه بالأرض، ثم ليصلي فيهما".44
    وكذلك ذيل المرأة يطهره ما بعده، لما صح أن امرأة قالت لأم سلمة: "إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؛ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده".45
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    4. الصلاة في النعال
    لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة في النعال مخالفة لليهود.
    فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم".46
    قال ابن القيم: (ومما لا تطيب به قلوب الموسوسين الصلاة في النعال، وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فعلاً منه وأمراً، فروى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يصلي في نعليه"47، وقيل لأحمد: أيصلي الرجل في نعليه؟ فقال: "إي والله".
    وترى أهل الوسواس إذا بلي أحدهم بصلاة الجنازة في نعليه قام على عقبيهما كأنه واقف على الجمر، حتى لا يصلي فيهما).48
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    5. الصلاة فيما تيسر سوى المغبرة وأعطان الإبل
    قال صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فحيثما أدركت رجلاً من أمتي الصلاة فليصلِّ".49
    قال ابن القيم: (وكان يصلي في مرابض الغنم، وأمر بذلك، ولم يشترط حائلاً.
    قال ابن المنذر: أجمع كل من يُحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي، فإنه قال: أكره ذلك، إلا إذا كان سليماً من أبعارها.
    إلى أن قال:
    فأين هذا الهدي من فعل مَنْ لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق البساط فوق الحصير، ويضع عليها المنديل، ولا يمشي على الحصير ولا على البساط، بل يمشي عليها نقراً كالعصفور؟ فما أحق هؤلاء بقول ابن مسعود: "لأنتم أهدى من أصحاب محمد، أوأنتم على شعبة من ضلالة".
    وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على حصير قد اسودَّ من طول ما لبس، فنضح له بالماء وصلى عليه، ولم يفرش له فوقه سجادة ولا منديل، وكان يسجد على التراب تارة، وعلى الحصى تارة، وفي الطين تارة، حتى يُرى أثره على جبهته وأنفه، وقال ابن عمر: كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد، ولم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك).50
    [url=https://alrbanyon.yoo7.com/#بداية الصفحة] بداية الصفحة[/url]


    شبه الموسوسين ودحضها51
    يرفع الموسوسون بعض الشبه تبريراً لصنيعهم المنكر هذا، منها:
    1. إنما حملنا على ذلك الاحتياط لديننا، مستدلين ببعض النصوص: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، "من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"، "الإثم ما حاك في الصدر"، ونحو ذلك.
    وليس في ذلك أدنى حجة لهم، لأن صنيعهم هذا مخالف لقائل ذلك صلى الله عليه وسلم ولصحبه أعلم الخلق بتأويل ما يقول.
    فالاحتياط المطلوب هو ما يكون موافقاً للسنة، لا ما يكون مخالفاً لها، وقائماً على أنقاضها.
    قال ابن تيمية: (والاحتياط حسن، ما لم يفض بصاحبه إلى مخالفة السنة، فإذا أفضى إلى ذلك فالاحتياط ترك هذا الاحتياط).
    2. وبما كان يفعله أبوهريرة، حيث كان إذا توضأ شرع في العَضَد، وإذا غسل رجليه أشرع في الساقين، وبأن ابن عمر كان يغسل داخل عينيه في الطهارة، ونحو ذلك.
    وفعل الصحابي إذا خالفه غيره فليس بحجة، فكيف إذا خالف السنة، وعمل الخلفاء الراشدين؟ فلا حجة لأحد في مخالفة السنة كائناً من كان.
    بل كان ابن عمر ينهى عن الاقتداء به في ذلك، قائلاً: "إن بي وسواساً فلا تقتدوا بي".
    وكذلك كان ينبه على ذلك

      الوقت/التاريخ الآن هو 17.05.24 11:41