خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    مسارات التغيير الذاتي

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية مسارات التغيير الذاتي

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 30.06.08 17:31

    إن الهدف الرئيس من المقال الأول "ركائز التغيير الذاتي" العلم بأن عملية التغيير الذاتي تستند على شيء يدعمها، وهو قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ...} [التوبة: 9]، لذا فإن العمل بتلك الركائز بتوازن فيما بينها بالإضافة إلى ثقة بالله تعالى ويقينًا بالإجابة يعد شرطًا أساسيًا لمقالنا هذا.

    وحتى نرتقي في مواجهة أمورنا في الحياة وما تتطلبه من مرونة للتفاعل معها بصورة إيجابية، نحتاج إلى فهم مسارات التغيير التي يمر بها الإنسان سواء كان يعلم بها أم غير ذلك، وسوف أحاول جاهدًا تبيان ذلك.

    إن عمليات التغيير المختلفة التي يمر بها الإنسان نادرًا ما تكون سهلة ويسيرة، كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 9]، أي أن الإنسان يكابد أمور الدنيا والآخرة وتراه يعيش في تعب وشقاء، بالإضافة إلى أن ظروف التغيير وأحواله تكون في غالب الأحيان صعبة التوقع والتقدير.

    من هذا المنطلق فإن العزم على التغيير يجعلنا بصورة أو بأخرى نمر بمراحل تغيير مختلفة، والسر في المواجهة هنا يرتكز على فهم الإنسان لهذه المراحل ومعرفة التعامل معها من خلال المعارف والمهارات والخبرات التي يتمتع بها، وبالطبع التوفيق من رب العزة والجلال.

    سوف أستند في مقالي هذا على الشكل التالي، الذي هو من عمل الدكتورة سينثيا سكوت (Cynthia Scott)، مؤلفة كتاب إدارة التغيير الذاتي.

    مسارات التغيير الذاتي Sorah

    نرى في هذا الشكل أن الإنسان بصورة عامة خلال مرحلة التحول الذاتي (Personal Transition) أو كما يعرفها عامة الناس بالتغيير (Change) يمر بهذه المراحل الأربع التي تمثل المسارات التي يمر بها الإنسان خلال انتقاله من مرحلة في الحياة إلى أخرى جديدة، فنرى أن الإنسان هنا يتفاعل دائمًا ويركز، ولا يستطيع غير ذلك؛ إما مع البيئة المحيطة (Environment) أو مع نفسه (Self)، وشرح هذا التفاعل بالتفصيل ليس موضوعنا هنا، ولكن سوف أركز على هذه المراحل الأربعة التي يختلف كل منا في سرعة تجاوزها بسبب الفروق الفردية لكل إنسان، وبناءً على رؤيته للأمور وأهدافه التي ارتضاها لنفسه.

    إن مرحلة الرفض (Denial):
    هي من أهم المراحل التي يجب التعامل معها بصورة حذرة وواعية، إذ إن عمل إبليس هنا يكون كبيرًا؛ خصوصًا إذا ما علم بأن هذا الإنسان سوف يجعل منه هذا التحول أكثر قوةً مصداقًا لقول الرسول الكريم: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِن الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ..." [ابن ماجه].

    الإنسان هنا يجد صعوبة بالغة في التغيير، وهذا في رأيي الشخصي يعزى إلى أنه يستخدم نمط التفكير نفسه الذي جاء بهذه السيئات، وهذا النمط -كما أشرنا في المقال الأول- ينبع من القيم التي تحدد رؤية الإنسان.

    فعلى سبيل المثال، عند بداية الدعوة لم يؤمن بعضُ الصحابة الكرام بما جاء به الرسول عليه السلام، بل كانوا يحاربون الله ورسوله، وهذا يعني بطبيعة الحال أنهم كانوا رافضين لهذا الدين العظيم، وأن نمط تفكيرهم في هذا المرحلة لا يحمل في طياته إلا أفكارًا تحارب هذه الرسالة وهذا الرسول، ولكن كما أسلفت لما تغيرت العقيدةُ ثم القيم تغير نمط التفكير لديهم فأصبح محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً وهذا الدين منهجًا، وهذا دلالة كبيرة على علاقة العقيدة بالقيم وأنماط التفكير التي يستخدمها الإنسان استجابة للمواقف المختلفة في الحياة. لذا فإن سر التغيير هنا يستند على تغيير القيم التي تخالف العقيدة وفطرة الإنسان.

    في مرحلة المقاومة (Resistance):
    تصبح الأمور أكثر تعقيدًا في غالب الأوقات، وذلك لأن الإنسان لا يرغب بترك منطقته الآمنة (Comfort Zone) التي ألفها واعتادها، إلى منطقة أخرى مجهولة، لذا يزداد الضغط النفسي عليه هنا ليصبح في رأيي إما أداة محفزة للانتقال إلى مرحلة جديدة في الحياة أو مدعاة للثبات على الحياة القديمة، ويكون هذا خسارة فادحة لعدم استثمار فرص محتملة يرتقي بها الإنسان، وتجاهل إزاء نعم الله سبحانه وتعالى لقوله: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18].

    السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما مؤشرات هذه الضغوط وكيف نعرفها؟
    الإجابة هنا أترك بعضًا منها لدرو سكوت (Dru Scott) مؤلف كتاب الضغوط المحفزة.
    - الشعور بالارتباك وبأن الأولويات غير واضحة.
    - الشعور بأن الضغط النفسي أضحى قويًا ومحبطًا.
    - الشعور بأن مرحلة التغيير طويلة، وبأن الحصول على النتائج المرجوة لا يبدو قريبًا.

    - محادثة النفس تصبح أكثر سلبيةً مثل القول:
    • لا أستطيع الاستمرار نحو هذا الانتقال الجديد (التغيير).
    • لن تنتهي هذه المرحلة أبدًا.
    • الأمر أكبر من طاقتي على التحمل.
    • لا أستطيع تحمل هذه المشقة أكثر من ذلك.

    وبسبب ذلك، يبدأ الإنسان هنا في البحث عن شخص ما؛ سواء كان من العائلة أو أحد الأصدقاء أو أي شيء معين ليلقي اللوم عليه، وعند ذلك تبدأ بعض العوارض بالظهور كما يلي:
    - الجسم: مثل الصداع، التعب، آلام في البطن، وكل ذلك يؤدي إلى احتمالية كبيرة للمرض.
    - الذهن: مثل التفكير السلبي، التشتت الذهني، ضعف الإنتاجية، النعاس، نسيان التفاصيل، النسيان كليًا.
    - الشعور: مثل الخوف، الغضب، الإحباط، الانهزامية.

    وما سبق ذكره نراه واضحًا في قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس: 4]، أي أن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله خنس، بمعنى أن الاستعانة بالله سبحانه في أثناء التغيير من الأمور الحتمية، وبخلاف ذلك سوف يسيطر الشيطان علينا ويجعلنا ندور في فلكه والعياذ بالله.

    إن التعامل في هذه المرحلة مع تحدياتها البالغة، يحتاج في البداية إلى عاملين مهمين:
    1- الاعتراف بالشعور الحالي وعدم التجاهل، والعزم على النظر إلى المستقبل والاستفادة من خبرات الماضي بدلاً من البكاء عليه.
    ولا يفوتني هنا أن أشدد على حرية الإنسان في تحديد خياراته، إذ إننا نحن من يصف تجربة معينة بأنها كانت مصيبة أو تحديًا، مشكلة أو فرصة. قد يقول قائل بأن الكلام سهل والتنفيذ صعب، ونرد على ذلك بالقول: ومن قال غير ذلك؟ فنحن نتفق مع هذا القول الذي لو لم يكن صحيحًا لما كانت الجنة جائزة لمن تعب واجتهد.

    2- الاتصاف بالمرونة التي أُعرِّفها على أنها رؤية الإنسان لفرصة أو أكثر بالماضي أو الحاضر أو المستقبل، ومزجها مع إمكاناته وقدراته، مع تهيئة النفس لها سواء أكان ذلك ذهنيًا أم جسديًا، وتسخير هذه الفرصة وما تحتويه في سياق معين وبوقت محدد، للوصول إلى نتيجة مرغوبة وتحقيق أهداف مطلوبة.

    في مرحلة الاستكشاف (Exploration):
    يصبح الإنسان أكثر مرونةً وأفضل إيجابيةً، ويبدأ في التطلع إلى المستقبل وما يحمل من سلوكيات جديدة ترتقي بحياته وتجعله إنسانًا جديدًا، فهو يرى نفسه يتصف بصفات أجمل وبمعارف ومهارات أفضل، لذا تراه يبدأ في تركيز طاقته في البحث عما يساعده على التغيير، ويحاول جاهدًا اكتشاف طرق جديدة تساعده على جلب أسباب تحقيق أهدافه.

    هنا أيضًا يبدأ الإنسان في التحقق من أهدافه، ويقدر إمكاناته وقدراته، ويحاول أن يستكشف خيارات أخرى جديدة، ويجرب احتمالات لم يطرق بابها من قبل، كل ذلك من أجل تغيير حاله من حال إلى آخر أجمل، والصفة الغالبة على الإنسان في هذه المرحلة: تحفيز النفس وبذل ما يستطيع من طاقة في سبيل إيجاد الطريق الصحيح، والمهم هنا: عدم قبوله أقل من الاستخدام الكامل لقدراته الكامنة والعزم الحقيقي على التغيير إلى الأفضل.

    ويأتي هنا عمل الإبداع في تحقيق الأهداف لما له من أثر كبير في التفكير بصورة مغايرة ومختلفة عما اعتدناه، وفي رأيي إن عنصر النجاح في عملية التغيير في هذه المرحلة يتلخص في الإنصات الجيد عند استشارة من يثق بهم، وفي طرح أسئلة تزيد من معلوماته في سياق واحد وواضح، ولا يجعل منها مصدرًا للتشتت والحيرة.

    المرحلة الرابعة والأخيرة هي مرحلة الالتزام (Commitment):
    وهنا يكون الإنسان قد اكتشف طرقًا مختلفة تساعده على العمل بصورة أفضل، وأصبح بذلك أكثر اعتيادًا لبيئته الجديدة، ويتجلى الالتزام هنا عن طريق تبني ثقافة جديدة؛ أعني بها بالتحديد ما يلي:
    1- المعرفة التامة بالتغيير الجديد الذي يتمثل في التغيير إلى ما يرضي الله ورسوله، مع ارتقاء فهم الإنسان بهذه التجربة ليصبح خبرة يملكها لنفسه وللآخرين.
    2- التحلي بالمهارات اللازمة التي تمكنه من جعل هذا التغيير الإيجابي جزءًا لا يتجزأ من نسيجه السلوكي، وفي رأيي تعد القيادة الذاتية للنفس أهم مهارة هنا وبلا منازع؛ لما لها من أثر بالغ في البقاء على هذا النهج الجديد والسير على رؤيته.
    3- تحسين مهاراتك في التواصل (Communication) مع ذاتك والآخرين وتطويرها بما يتناسب وهذه المرحلة من خلال التدريب والاستشارة.
    4- تركيز اهتمامك على سلوكياتك الجديدة التي اكتسبتها لتقويمها إن دعت الحاجة ومحاولاتك الدائبة على تحسينها من خلال تقييمك المستمر.

    إن عمليات التغيير التي يمر بها الإنسان تبدأ ولا تنتهي، وكلما انتهت واحدة منها بدأت أخرى جديدة، وسر الفوز هنا يتركز في معرفة عمليات التغيير التي نمر بها حتى نعلم كيف نتعامل معها، خصوصًا إذا ما علمنا بأن الإنسان يمر بهذه المراحل الأربع بصورة دائمة في كل لحظة من حياته، ودعني هنا أنتهي بقول قد كتبته قبل مدة معينة: "التغيير عبارة عن خطوة واحدة فقط، تحتوي على مراحل كثيرة".

    أسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك فيما كتبت، وأن يكون خالصًا لوجهه الكريم، فإن أصبت فهو من الله سبحانه وحده، وإن أخطأت فهو من الشيطان ومني.

    والله العليم الخبير الغفور الرحيم.
    مسارات التغيير الذاتي / لنوفل عبدالهادي المصارع
    منقول
    http://www.alukah.net/articles/3/2490.aspx?cid=57
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: مسارات التغيير الذاتي

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 30.06.08 17:34

    أولاً: محبة الله سبحانه وتعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام:
    فلطالما شغلني حديثُ الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ ‏‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏‏قَالَ: ((... وَلَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)) [مسند أحمد].

    العلم بمحدوديته جعل لكثير من الأشياء مقياسًا نقيس به درجة القوة أو الحرارة وهكذا، فهذا مقياس ريختر (The Richter Magnitude Scale) مثلاً يقيس قوة الزلازل. والسؤال الذي يعرض نفسه بقوة: هل تظن أن الله سبحانه وتعالى يطلب منا التغيير دائمًا للخير والفلاح واستبدال سيئاتنا حسنات دون مقياس نقيس به الأمور ودون ميزان نزن به الحقائق؟

    سواء كنت تعرف الإجابة أو لا، سواء كنت تعلم بها أو تجهلها، فلو فكرت قليلاً فقط قليلاً لوجدت أن المقياس هنا يتمثل في الآية الكريمة: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70] -ولله المثل الأعلى– والرب العظيم لا يظلم الناس، كما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32]. فالمحبة هنا تتلخص في طاعة الله سبحانه فيما أمر واجتناب نواهيه، وهي بداية التغيير المبارك.

    ثانيًا: الثقة بالله:
    هناك قول شائع عند الناس وهو "الثقة بالنفس"، ولو تفكرنا فيه وتأملناه لوجدناه يتجرأ على الله سبحانه وتعالى دون قصد، فضلاً عن أنه يتناقض مع فطرة الإنسان؛ والدليل على ذلك قوله ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعاء ‏الْمَكْرُوبِ: ((‏اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ ‏أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)) [سنن أبي داود].

    ‏(فلا تكلني): أي لا تتركني.

    ‏(إلى نفسي طرفة عين)‏: أي لحظة ولمحة.

    ‏‏(وأصلح لي شأني): أي أمري.

    ما أود عرضه هنا: أليس من التناقض أن تثق بشيء ثقة مطلقة، وفي الوقت نفسه تطلب من الله أن لا يتركك لحظة واحدة خشية أن يفسد هذا الشيءُ أمرَك؟

    والسؤال الآخر: كيف تثق بنفسك وهي التي بها طريقان؛ فهذا فجور وذاك تقوى؛ لقوله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10].

    وعليه أرى أن الثقة بالنفس غير مجدية لسبب يسير لا يغفله أي إنسان عاقل، وهو معرفة إبليس بثغرات النفس البشرية وقدرته على خلط الأمور وفسادها. لذا فالثقة هنا تكون بالله سبحانه وتعالى، وفي نفس الوقت يُكرم الإنسان نفسه ويحترم ذاته ويتوكل على الرحمن ولعله يصيب.

    ثالثًا: قيادة النفس:
    يعتقد كثير من الناس أن مهارات القيادة متاحة فقط لقلة من الناس، وهذا لعمري كلام خطير ليس به من الصحة حرف واحد؛ بدليل قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8]، وهذا يعني أنَّ لكل إنسان مهاراتٍ قياديةً تتناسب مع إمكاناته وقدراته، وتساعده على السير على نهج الرسول عليه السلام والثبات عليه، ويكون هو المسؤول عن ذلك مسؤولية تامة، ولو كان الأمر بخلاف ذلك لأصبح الإنسان يتعذر عند الله بكثير من أمور الحياة وبظروفه المحيطة. وعليه فإنَّ قيادةَ الإنسانِ لنفسه وتوجيه أفكاره لما يُرضي الله وحث النفس عليها، يجعل من عملية التغيير أمراً سهلاً ويسيرًا.

    رابعًا: الرغبة في التغيير:
    وهنا الإشكالية التي يراها كثير من الناس، فيسأل معظمهم: إنني أرغب في التغيير، ولكن لا أعرف من أين أبدأ؟ وكيف أتغير؟ وكيف أتمكن من الثبات؟

    دعني أخبرك بسرٍّ يجهله كثير من الناس؛ وهو أن الإنسان لا يخاف من التغيير (Change)، ولكنه في حقيقة الأمر يخشى التحول أو الانتقال الذاتي (Transition).

    (فالتغيير) هو حدث أو موقف يحدث خارج نطاق الفرد، ولكن (التحول) هو حدث معين أو موقف محدد يؤثر في الإنسان؛ سواء في حياته أو في مجال عمله. لذا أعتقد جازمًا أن الرغبة في التغيير يجب أن تستند على قلب حاضر ورغبة صادقة، قلب يعي ما يقول ويفهمه.

    أما الرغبة الصادقة فدعني أخبرك بقصتها:
    قرأت حكمة يقول صاحبها -وهو غير معروف من باب الأمانة العلمية وإن كان كثير من الناس يرجعها إلى فورد أوتلو (Ford Outlaw) ولكن ليس هناك ما يدل على ذلك-: "انتبه لأفكارك؛ لأنها سوف تصبح كلمات، وانتبه لكلماتك فسوف تصبح تصرفاتك، وانتبه لتصرفاتك فسوف تصبح عاداتك، وانتبه لعاداتك فسوف تصبح شخصيتك، وانتبه لشخصيتك فسوف تصبح واقعك".

    عندما تأملت هذا القول خلَصت إلى ما يلي:
    تبدأ الأمور بقيادة الإنسان لنفسه؛ إذ إن الوالدين قد يكون لهما أثر في خروج الإنسان من الملة لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ((‏كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ...)) [البخاري]. أعني هنا أن الله سبحانه وتعالى وهب كل إنسان مهارات قيادية تعينه على البقاء في ملة الإسلام من خلال محافظته على فطرته ومن ثم عقيدته.

    بعد ذلك ترى هذا الإنسان السوي الذي يسير على فطرة الله سبحانه وتعالى تراه يستخدم مهاراته القيادية للمحافظة على عقيدته الصحيحة التي يؤمن بها بصورة راسخة، ويثق بها، ويعمل من خلالها، ويرى الأمور بمنظارها.

    بعد الإيمان بهذه العقيدة المباركة نجد الإنسان يبدأ في الإيمان بقيم معينة، والقيم: عبارة عن مبادئ من هنا وهناك يضع الإنسان لها مكانة في قلبه وعقله. وقاعدتي هنا تقول: "كلما كانت قيمُك تنبع من عقيدتنا الإسلامية الصحيحة كانت حياتُك طيبة ومنسجمة وهانئة، وكلما كانت قيمك تنبع من عقائد مختلفة سواء كنت تعلم أو لا تعلم فسوف تعيش حياة بها من التناقض الشيء الكثير"، إذ لا تجتمع فطرة الله سبحانه مع قيم محرفة وضعها إنسان لا يعيش على الفطرة.

    بعد القيادة والعقيدة والقيم يصبح هذا الخليط في رأيي المتواضع مصدراً لأفكار الإنسان، يكون منها نظامًا فكريًا يرى الإنسانُ من خلاله الأمور ويفسرها تبعًا لذلك، وهذا ما يسمى بالأيديولوجي (Ideology).

    بعد هذا كله ومن خلال تفاعل الإنسان بالبيئة المحيطة يتبنى أنماطًا فكرية مختلفة في مجملها توافق نظامه الفكري الذي تبناه. علمًا أن أي تغيير جذري في هذه الأنماط قد يغير من نظامه الفكري، ولكن في رأيي أي تغيير في هذا النظام لا بد أن يغير بعضًا من الأنماط الفكرية المستخدمة، وكل نمط فكري يستخدمه الإنسان سوف يولد أفكاراً مختلفة في عقله، وذلك يجعل من هذا العقل مركزاً مهمًا ومحوريًا لتواصلنا مع أنفسنا والآخرين، لذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بالإنسان أنه رفع القلم عمن لا عقل له.

    هنا كل فكرة أو أكثر قد تصبح قولاً، وكل مجموعة من الأقوال قد تصبح فعلاً، وكل مجموعة من الأفعال قد تصبح عادةً، وكل مجموعة من العادات قد تصبح طبعًا، وكل مجموعة طبائع سوف تكون شخصيتك التي تتكون من استعدادك النفسي والجسماني وتكويناتك التي استقيتها من والديك والبيئة المحيطة.

    لذا -وهنا بيت القصيد- إن نشدت التغيير فعليك أن تعرف أن الأمر ليس هينًا أو "خفيفا"، إذ لو كان كذلك لما قال الله سبحانه: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] فذلك يعني أنه يجب عليك التفكير بطريقة جديدة ومختلفة لم تعتدها من قبل، حتى تصل إلى نتائج فكرية جديدة تساعدك على التغيير، قوامها الثقة بالله واليقين بالمساعدة.

    خامسًا: المعرفة:
    لا تستطيع أن تحوّل شيئًا إلى شيء آخر وأنت لا تعرفه أو تجهله، فهذا مضيعة للوقت والجهد، وسر التغيير يستند على المعرفة التراكمية للإنسان من خلال القراءة وغيرها، إذ إن تعريف المعرفة يتخلص ويرتبط بفهم الإنسان لموضوع معين بمستوى معين، فكلما عرفت ذاتك وحياتك وركزت عليهما، استطعت بعون الله أن تغير نشاطات وسلوكيات تتعارض مع الأخلاق الإسلامية.

    لذا أوصي هنا بالتركيز على ثلاثة أمور نحاولُ جميعًا معرفتَها حتى نصل في نهاية الأمر إلى معرفة راقية وفهم واضح لما نفعله من سلوكيات في الحياة، حتى نستطيع أن نغير القبيح منها إلى حسن، والسيئ إلى جميل. وإن أردت أن تصل إلى إدراك ما تقوم به في الحياة بعامة وهي مرحلة عالية جداً من الرقي الإنساني، أي أن تفهم كل تواصل وسلوك تقوم به من جميع الجهات والجوانب، فهذا بصراحة شأن من يريد فعلاً أن يتغير وأن يستمتع بحلاوة التغيير وحسناته:

    1- الأفكار: بعامة هي عبارة عن صور ذهنية أو فهم معين، والتفكير بهذه الأفكار عبارة عن عمليات ذهنية وعقلية وفكرية تسمح للإنسان بمحاكاة العالم الذي يعيش فيه بفعالية من خلال أهدافه وخططه ورغباته. دعنا نقم بهذا التمرين معًا: يقول الله سبحانه وتعالى: {... أَلَا بِذِكْرِ اللَّه تَطْمَئِنّ الْقُلُوب} [الرعد: 28]. حاول أن تقوم بهذا التمرين الذي يبين استعدادك للتغيير، إذ إن عدم اطمئنان النفس بعد ذكر الله سبحانه -وهذا حال أغلبيتنا إلا من رحم الله- يدل على أن هناك خللاً فطريًا لدينا بصورة أو بأخرى والله المستعان. إن قيادة أفكارنا والتحكم فيها يجعل منا أناسًا أقوياء أمرُهم بيدهم، حتى لو شاء إبليس وأعوانه غير ذلك.

    2- المزاج: هو عبارة عن فكرة أو أكثر مسيطرة على عقل الإنسان، ومن ثم يفسر الأمور استناداً عليها، ويتصرف بناء على ذلك. فهنا يكون تعرُّف أفكارنا المصاحبة لنا يوميًّا التي تتغير تغيرًا أسرع منا هو مطلب أساسي للتغيير بلا شك.

    3- السلوك: وهو عبارة عن التصرفات والنشاطات التي نفعلها، وردود أفعالنا على ما يحدث من حولنا، ومن رحمة الرحمن أن جعل لدينا القدرة على استيعاب البيئة المحيطة وما يدور بها من أحداث، وجعل التعليم لنا متاحاً لكي نستجيب بطرق وأشكال مختلفة، ومن ثم تكييف سلوكياتنا وضبطها ضبطًا يتناسب مع أخلاقنا الإسلامية أي تغييرها.

    بالتأكيد تتفق معي عزيزي القارئ أن هذه النقاط الثلاث تتفاعل مع بعضها، فمثلاً قد تؤثر أفكارُ الإنسان في مزاجه ومن ثم في سلوكه، من ناحية أخرى قد ينجم عن سلوك اعتاده أحدنا -مثل الغضب- على تعكير صفو علاقة ما، فيؤثر في مزاجه وأفكاره وهكذا دواليك.

    سادسًا: التعليم المستمر:
    يقول وليام جلاسر (William Glasser): إن الإنسان يتعلم بنسبة 10% عند القراءة فقط، وتصبح 20% عند السمع، ولكنها تزيد وتصل إلى 30% إن كان التعلم من خلال النظر، وإن جمعت النظر والسمع فسوف يتعلم الإنسان بنسبة 50%، وعندما يكون النقاش متاحًا لنا فسوف ترتفع نسبة التعلم والاستفادة إلى 70%، أما التجربة فسوف تجعلنا نتعلم بصورة أفضل وتصل نسبة التعلم بها إلى 80%، أما المشاركة -التي تستند على كل ما سبق من خلال علاقة تتسم بالمنفعة والثقة المتبادلة- فإن درجة التعلم سوف تصل إلى نسبة 95%. إذًا ما نحتاجه هنا هو تحسين النفس وتطويرها من خلال التدرب على مهارات جديدة في التعامل الإنساني، والتعلم من أهل المعرفة وأصحاب التجربة وذوي الخبرة.

    لعلي استطعت أن أوضح أمراً مهمًا في مجال التغيير الذاتي، الذي أراني أحوج الناس له، فإن أصبت فهو من الله العزيز الوهاب، وإن أخطأتُ فلا تَقْسُ علي عزيزي القارئ، فربي سوف يعطيني نصيبًا واحدًا من الأجر، وأراك سوف تعطيني عذرًا واحدًا من أعذاري السبعين.
    ركائز التغيير الذاتي / لنوفل عبدالهادي المصارع
    منقول
    http://www.alukah.net/articles/3/2334.aspx?cid=57

      الوقت/التاريخ الآن هو 20.05.24 4:46