خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    "بيان عقيدة أهل السنة والجماعة" محاضرة مفرغة للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية "بيان عقيدة أهل السنة والجماعة" محاضرة مفرغة للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 12.05.08 20:41

    بيان عقيدة أهل السنة والجماعة
    محاضرة مفرغة للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز
    - رحمه الله تعالى -

    ________________________________________
    الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله ، وأمينه على وحيه ، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين . أما بعد :

    فإن الله - جل وعلا - خلق الخلق لعبادته ، وأمرهم بها - سبحانه وتعالى - ، فقال - عز وجل - : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ . سبحانه وتعالى .

    فخلقهم للعبادة ، وتكفل بأرزاقهم ، كما قال في الآية الأخرى : وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا .

    وأرسل الرسل جميعًا لهذا الأمر العظيم ؛ ليدعوا الناس إلى عبادة الله ، ويأمروهم بها ، ويوضوحها لهم ، فقال تعالى : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ .

    وهكذا جميع الرسل بعثوا لهذا الأمر العظيم ؛ ليأمروا الناس أن يعبدوا الله وحده دون كل ما سواه : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ .

    ويقول - سبحانه - : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ .

    وهذه العبادة الذي خُلقوا لها ، وأرسلت الرسل بها ، أمرهم بها - سبحانه - في مواضع في كتابه العظيم ، كما في قوله تعالى في سورة البقرة : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .

    وقال في سورة النساء : وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .

    وقال في سورة بني إسرائيل : وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ .

    وقال في سورة البينة : وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ .

    وقال - سبحانه - : فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ . أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ .

    هذه العبادة التي خُلقوا لها قد أمروا بها ، وبُينت لهم في كتاب الله وفي سنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - ، وبعث الله بها الرسل جميعًا ، وخاتمهم وأفضلهم وإمامهم نبينا محمد - عليه الصلاة والسلام - ، بُعث بذلك ، بعثه الله ليدعو الناس إلى عبادة الله وتوحيده والإخلاص له ، ومكث في مكة بضعة عشر سنة - ثلاث عشرة سنة - يدعو الناس إلى توحيد الله ، وطاعة الله ، يأمرهم أن يعبدوا الله وحده ، وأن يخلعوا عبادة ما سواه من الأصنام والأوثان والملائكة والأنبياء وغير ذلك .

    يقول : يا قوم ! قولوا : لا إله إلا الله تُفلحوا ، فأجابه الأقل ، وأنكر دعوته الأكثرون ، ولم يزل صابرًا داعيًا إلى الله - عز وجل - حتى أمره الله بالهجرة إلى المدينة بعدما اشتد أذى المشركين له ، ولم ينقادوا لما جاء به - عليه الصلاة والسلام - ، فهاجر إلى المدينة ومكث فيها عشر سنين يدعو إلى الله ، ويُعلم الناس شريعة الله ، وأنزل الله عليه القرآن العظيم بعضه في مكة وبعضه في المدينة ، وبينه للناس ، وأرشد الناس إلى ما دل عليه القرآن ، وبين لهم ما أوحى الله إليه في ذلك ، فإن الله أعطاه وحيين : القرآن ، والوحي الثاني السنة : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى . مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ - يعني : محمد - عليه الصلاة والسلام - وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى .

    فالله أوحى إليه القرآن ، وأوحى إليه السنة ، وهي أحاديثه - عليه الصلاة والسلام - ، وما بينه للأمة من شرع الله ، فتلقى الصحابة - رضي الله عنهم - عنه هذا الدين العظيم - دين الإسلام - ونقلوه إلينا غضًا طريًا ، وهكذا نقله التابعون عن الصحابة ، وهكذا أتباع التابعين ، ولم يزل أهل العلم ينقلون هذا العلم من جيل إلى جيل ، ومن قرن إلى قرن ، ويكتبون فيه الكتب الكثيرة ، ويوضحون للناس دعوة نبيهم - عليه الصلاة والسلام - ، وما بينه الكتاب العظيم - وهو القرآن - من دين الله .

    فعقيدة المسلمين التي هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، هي ما بيَّن الله لعباده في كتابه العظيم ، وبينه رسوله - عليه الصلاة والسلام - ، وتلقاه الصحابة عن نبيهم - رضي الله عنهم - وبلغوه للناس ، هو دين الله ، وهو توحيده وطاعته ، واتباع رسوله ، وترك ما نهى عنه ، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله .

    هذا هو دين الله ، وهذا هو : العقيدة التي درج عليها سلف الأمة ، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة : الإيمان بالله ورسوله ، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله ، والعمل بذلك قولاً وعملاً وعقيدة ، عن محبة وانقياد وإخلاص وموالاة ومعاداة .

    فالإيمان بالله ورسوله هو : الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله من الطاعات القولية والفعلية ، وعلى المؤمن أن يتلقى ذلك عن كتاب الله وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - ، كما تلقاه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من السلف الصالح ، وقد بينه - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة ، شرح للناس معنى الإسلام والإيمان والإحسان ، وأوضح للناس أوامر الله ونواهيه قولاً وعملاً .

    فعقيدة أهل السنة والجماعة هي : العمل بكل ما أخبر الله به ورسوله ، وكل ما أمر الله به ورسوله ، عن إيمان صادق ، وإخلاص لله ، ومحبة ورغبةٍ ورهبة ، فهم يؤدون أوامر الله ، وينتهون عن نواهي الله ، ويقفون عند حدود الله ، عن إيمانٍ بالله ورسوله ، عن إخلاص وصدق ، عن رغبة ورهبة ، لا رياءًا ولا سمعةً ولا نفاقًا ، ولكن عن إيمان وعن صدق .

    وهذه العبادة التي خلقوا لها سماها الله إسلامًا ، وسماها إيمانًا ، وسماها تقوى ، وسماها هدى : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ .

    وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى .

    إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ .

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ .

    قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا .

    فهي إيمان وإسلام وهدى وتقوى وبر وصلاح وإصلاح ، هذه هي العقيدة التي درج عليها أهل السنة والجماعة ، وهي دين الله الذي بعث به رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وبعث به جميع المرسلين : قول وعمل وعقيدة ، قول باللسان ، وعمل بالجوارح ، وعمل بالقلب ، عن محبة ، وعن إخلاص ، وعن صدق ، وعن رغبة ورهبة .

    وجميع ما جاءت به رسالات الرسل يندرج تحت الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، كما قال - جل وعلا - : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ .

    قال تعالى : قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا . الآية .

    قال تعالى : آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ . الآية .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: "بيان عقيدة أهل السنة والجماعة" محاضرة مفرغة للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 12.05.08 20:44

    وقال عز وجل : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ . الآية .

    فدين الإسلام ، وعقيدة أهل السنة والجماعة ، هي الإيمان بالله قولاً وعملاً وعقيدة ، ويدخل في الإيمان ما بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حديث جبريل لما سأله عن الإيمان ، والإسلام ، والإحسان ؛ فبين له أركان الإسلام ، وأركان الإيمان الستة ، والإحسان ، وقال : ( الإسلام : أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا رسول الله ، وأن تقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً ، قال : ما الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ، قال : ما الإحسان ؟ قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .

    هذا هو دين الله عند التفصيل : إسلام ، وإيمان ، وإحسان ، فالإسلام : ما أمر الله به ورسوله من الأعمال الظاهرة يسمى إسلامًا ، أي : خضوعًا لله - الإسلام الانقياد والذل لله - سمى الله دينه إسلامًا ؛ لأن المسلم ينقاد لله ، ويذل له ، ويؤدي حقه عن خضوع وذل وانكسار ، وهذا هو العبادة ، ولهذا سمي الدين كله عبادة ؛ لأنه يؤدى بالذل ، والانكسار ، والخضوع لله سبحانه وتعالى .

    فالعبادة هي الإسلام ، وهي دين الله ، وهي الإيمان والهدى .

    فقوله : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ) ... إلخ ، داخل في قوله : ( أن تؤمن بالله ) ، فالعقيدة التي تلقاها أهل السنة والجماعة عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتلقاها أصحاب النبي عن رسول الله ، هي الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وباليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، هذه ستة أصول هي أصول الدين كله ، فيدخل في الإيمان بالله : الإيمان بكل ما أمر الله به وشرعه من الإسلام ، من توحيد الله والإخلاص له ، والشهادة بأنه لا إله إلا الله ، أي : لا معبود بحق إلا الله ، والشهادة بأن محمدًا عبد الله ورسوله - عليه الصلاة والسلام - .

    ويدخل في ذلك : الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ؛ كله داخل في الإيمان بالله ، والإيمان بجميع المرسلين ، كما نص عليه - جل وعلا - في كتابه العظيم ، ونص عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

    فالإيمان بالله يشمل جميع ما أمر الله به ورسوله ، من صلاة ، وزكاة ، وصوم ، وحج ، وجهاد ، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر إلى غير ذلك من كل ما أمر الله به ورسوله ؛ كله داخل في الإيمان بالله .

    والإيمان بالملائكة معناه : الإيمان بكل الملائكة الذين خلقهم الله ، يؤمن بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته وعبادته وتنفيذ أوامره - سبحانه وتعالى - ، نؤمن بهم جميعًا ، وأنهم خلقوا من النور - خلقهم الله من النور - ، وأنهم في طاعته واتباع أمره ، وتنفيذ أوامره - سبحانه وتعالى - ، لا يحصي عددهم إلا الله - جل وعلا - ، نؤمن بهم إجمالاً وتفصيلاً ، نؤمن بهم إجمالاً بأن لله ملائكة في طاعته واتباع أوامره وتنفيذها ، ومنهم من فصله الله لنا وبين لنا أسماءهم : كجبرائيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، ومالك خازن النار ، فهؤلاء بينهم الله سبحانه وتعالى ، وهكذا ملك الموت ، ومن سماه الله من غيرهم ، نؤمن بهم على سبيل التفصيل .

    وهكذا الكتب نؤمن بها ، وكلٌ داخل في الإيمان بالله ، وداخل في الإسلام ، الكتب التي أنزلها الله على الرسل ، فإن الله - جل وعلا - أرسل الرسل وأنزل الكتب : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ .

    فالله أرسلهم ، وأرسل معهم الكتب لبيان الحق للناس ، فنؤمن بكتب الله جميعًا على الإجمال والتفصيل : نؤمن بجميع الكتب المنزلة على الرسل - عليهم الصلاة والسلام - ، ومنها : التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والقرآن الذي هو أعظمها ، وهو المنزل على محمد - عليه الصلاة والسلام - ، صحف موسى ، صحف إبراهيم ، فنؤمن بكل الكتب التي أنزلها الله على رسله ، وأفضلها وخاتمها هو القرآن الكريم .

    وهكذا نؤمن بجميع الرسل من أولهم إلى آخرهم : نؤمن بهم جميعًا ، وأنهم بلغوا الرسالة ، وأدوا الأمانة - عليهم الصلاة والسلام - ، ومنهم : آدم - عليه الصلاة والسلام - رسول نبيٌ مكلَّم ، فهو رسول الله إلى ذريته يدعوهم إلى توحيد الله ، ويأمرهم بأمر الله ، وينهاهم عن نهي الله ، ثم بعث الله نوحًا - عليه الصلاة والسلام - ، بعدما وقع الشرك في بني آدم ، أرسل الله نوحًا .

    فنوح هو أفضل الرسل إلى أهل الأرض ، بعد ما وقع الشرك فيهم ، بعث الله نوحًا - عليه الصلاة والسلام - ، فبلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، وصبر على أذى قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا ، وفيهم يدعوهم إلى الله ، فلما استكبروا ، استمروا في العناد ، أهلكهم الله بالغرق ، وأنجاه وأصحاب السفينة - عليه الصلاة والسلام - .

    وهكذا من بعده من الرسل ؛ كهود ، وصالح ، وشعيب ، ولوط ، وموسى ، وهارون ، وغيرهم ؛ كلهم بلغوا الرسالة ، وأدوا الأمانة ، إلى أن ختمهم الله بأفضلهم محمد - عليه الصلاة والسلام - ، نؤمن بذلك .

    فمن عقيدة أهل السنة والجماعة في الإيمان بالله ورسوله : أن نؤمن بهؤلاء الرسل - عليهم الصلاة والسلام - ، وأنهم أدوا الرسالة بلغوها ، وأدوا أمانة الله وصبروا ، فمنهم من قتل ، ومنهم من سلم ، وهم متفاوتون ، منهم من تبعه جمع غفير ، ومنهم من لم يتبعه إلا قليل ، حتى قال - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس : ( منهم من لم يتبعه إلا الرهيط - الثلاثة والأربعة والخمسة - ومنهم من لم يتبعه إلا الرجل والرجلان ، ومن الرسل من لم يتبعه أحد ) ، خالفه قومه كلهم ، والعياذ بالله .

    وهكذا نؤمن باليوم الآخر ، وهو الأصل الخامس من أصول الإيمان ، فأهل السنة والجماعة يؤمنون باليوم الآخر وهو يوم القيامة ، وسمي بالآخر لأنه دُبر الدنيا ، فأولاً الدنيا ثم يوم القيامة ، فحين تقوم الساعة تذهب الدنيا ، والدنيا هي اليوم الأول ، ثم تقوم الساعة وهي اليوم الآخر ، ويجازي الناس بأعمالهم في هذا اليوم الآخر ، وفيه تنصب الموازين ، ويحاسب الناس ويوفون أعمالهم ، ويعطى هذا كتابه بيمينه وهذا كتابه بشماله ، فمن أعطي كتابه بيمينه فهو الرابح السعيد ، وله الجنة والكرامة ، ومن أعطي كتابه بشماله فهو الهالك ، وله النار يوم القيامة .

    ويدخل في الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله عن الآخرة ، عن يوم القيامة ، والجنة ، والنار ، والجزاء ، والحساب ، وغير ذلك ؛ كله داخل في الإيمان باليوم الآخر .

    والأصل السادس : الإيمان بالقدر ، وهو أن الله علم الأشياء قبل أن تكون ، علمها سبحانه وقدرها ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فعلم أعمال العباد ، وما يقع في هذه الدار ، وما يقع في الآخرة ، كل ذلك علمه سبحانه وأحصاه وكتبه .

    فالمسلمون تلقوا عن نبيهم - صلى الله عليه وسلم - الإيمان باليوم الآخر ، كما دل عليه القرآن : قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ .

    وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ .

    فالمسلمون يتلقون إيمانهم عن رسولهم - صلى الله عليه وسلم - ، وعن كتاب ربهم بهذه الأصول الستة : الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره .

    فتؤمن بأن الله علم الأشياء كلها ، وأنه أحصاها وكتبها ، وأنه سبحانه هو القادر على كل شيء ، العالم بأحوال عباده ، وأن العباد لن يخرجوا عن قدر الله وما سبق في علمه - سبحانه وتعالى - ، ولما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة بذلك قالوا : يا رسول الله ! إذا كان الله قد قدر كل شيء أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ قال : ( اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له ، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ) ، ثم قرأ قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى .

    وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى .

    ومن الإيمان بالله أيضًا : الإيمان بأسمائه وصفاته ، كما أنه داخل في ذلك الإيمان بشرائعه ، من صلاة ، وزكاة ، وصوم ، وحج ، وجهاد ، وأمر بالمعروف ، ونهي عن المنكر ، وغير ذلك ، كل ذلك داخل في الإيمان بالله
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: "بيان عقيدة أهل السنة والجماعة" محاضرة مفرغة للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 12.05.08 20:45

    كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لما قال له رجل : قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك ؟ قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) .

    فكل شيء داخل في الإيمان ، كل ما أمر الله به ورسوله داخل في الإيمان بالله .

    وهكذا قال - جل وعلا - : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ .

    فمن آمن بالله ربًا وإلهًا ومعبودًا بحق ، واستقام على دينه ؛ فهذا هو دين الله ، وهذا هو الإسلام ، وهذا هو الإيمان ، وهذا هو الهدى ، وهذه هي العبادة التي خلقنا لها : الإيمان بالله ثم الاستقامة .

    الإيمان بالله ربًا وإلهًا ومعبودًا بحق ، والإيمان بكل ما شرع من الأوامر والنواهي ، والعمل بذلك ، هذا كله هو العبادة ، وهذا هو الدين ، وهذا هو الإيمان بالله ، وهذا هو الإسلام ، وهذا هو الهدى ، وهذا هو التقوى .

    ومن الإيمان بالله : الإيمان بأسمائه وصفاته ، كله داخل في الإيمان بالله ، الإيمان بأنه سبحانه حكيم عليم ، رحمن رحيم ، على كل شيء قدير ، وبكل شيء عليم ، وأنه سبحانه بيده تصريف الأمور ، والقادر على كل شيء ، وإليه مصير العباد ، فالإيمان بكل أسمائه وصفاته كل ذلك داخل في الإيمان بالله ، فعلى المكلف أن يؤمن بالله ربًا وإلهًا ومعبودًا بالحق ، وعليه أن ينقاد لشريعته ؛ فعلاً للمأمور ، وتركًا للمحظور .

    هكذا الإسلام ، وهكذا الإيمان : إيمان بالله يتضمن أداء فرائضه وترك محارمه ، والوقوف عند حدوده ، والإيمان بأسمائه وصفاته ، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون .

    وصفاته وأسماؤه توقيفية ، تؤخذ من كتابه ومن سنة رسوله - عليه الصلاة والسلام - ، فالمؤمن يؤمن بذلك ، يؤمن بكل ما دل عليه كتاب الله من أسمائه وصفاته ، وبكل ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث الصحيحة ، من أسماء الله وصفاته ، كله داخل في الإيمان بالله ، مع الإيمان بأنه - سبحانه - ليس كمثله شيء ، له الكمال المطلق في علمه وتوحيده ، وفي قدرته ، وفي حكمته ، وفي كل أسمائه وصفاته : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ .

    قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ . اللهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .

    ويقول - سبحانه - : فَلا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ .

    فله الكمال المطلق في علمه وقدرته وحياته ، وفي كل شيء - سبحانه وتعالى - ، لا شريك له ، ولا شبيه له ، ولا كفء له .

    وأسماؤه وصفاته جاءت مفصلة ومجملة ، مفصلة في الإثبات : أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .

    غَفُورٌ رَحِيمٌ .

    سَمِيعٌ بَصِيرٌ .

    عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

    عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

    مفصلة في إثباتها ، ومجملة في نفيها ، جمع - سبحانه - بين النفي والإثبات ، نفي مجمل وإثبات مفصل : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .

    وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ .

    فَلا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ .

    كل هذا نفي مجمل ، ويوجد نفي مفصل : لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ .

    ولكنه قليل ، فالغالب على النفي الإجمال ، وهو نفي النقائص والعيوب والمشابهة لخلقه ، وفصل صفاته الثابتة في كتابه العظيم : إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ .

    إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

    هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ . هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ . هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .

    إلى غير هذا من أسمائه وصفاته - جل وعلا - .

    فعلى العبد أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أسماء الله وصفاته على الوجه الذي يليق به سبحانه ، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته ، فنؤمن بذلك على الوجه الذي يليق به - سبحانه - ، ليس له مثيل ، ولا نظير ، ولا كفء ، ولا ند - جل وعلا - ، فعلمه كامل ليس كعلمنا ، وقدرته كاملة ليست كقدرتنا ، وبصره كامل ليس كبصرنا .

    وهكذا بقية صفاته - سبحانه وتعالى - ، وهكذا يسمع ويبصر ليس كسمعنا وبصرنا ، بل هو أكمل وأعظم .

    وهكذا موصوف بأن له يدًا : بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ .

    سَمِيعٌ بَصِيرٌ .

    وله قدم كما في الحديث الصحيح : ( لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع الجبار فيها رجله - وفي رواية : قدمه - فينزوي بعضها إلى بعض ، ثم تقول : قطٍ قطٍ ) . أي : حسبي حسبي .

    لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .

    لا مثيل له في سمعه ، ولا في بصره ، ولا في يده ، ولا في وجهه ، ولا في قدمه ، ولا في غير ذلك .

    وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ .

    كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ .

    هذه الصفات التي وصف بها نفسه نصفه بها ، ونقول كما قال : له وجه ، وله يدان ، وله سمع ، وله بصر ، وله قدم ، وله أصابع ؛ كلها تليق به ، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته - جل وعلا - ، للحديث الصحيح : ( إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرب يقلبها كيف يشاء ) .

    وعرفت أن الإيمان بالكتب يشمل الإيمان بجميع الكتب المفصلة والمجملة ، فنؤمن بكتب الله المنزلة على رسله وأنبيائه ، وما سمى الله نسميه ، من التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وصحف إبراهيم ، وصحف موسى - ما سمى الله نسميه - ، وأعظمها القرآن وهو خاتمها .

    وهكذا الملائكة : نؤمن بهم إجمالاً وتفصيلاً ، من سماه الله سميناه ، كجبرائيل ، وميكائيل ، ومن لم يسم الله نقول :
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: "بيان عقيدة أهل السنة والجماعة" محاضرة مفرغة للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 12.05.08 20:45

    إن لله ملائكة لا يحصيهم إلا الله ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأنهم : ( في البيت المعمور الذي فوق السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه ) .

    كل يوم يدخله سبعون ألف ملك للتعبد ، ثم لا يعودون إليه ، فلا يحصيهم إلا الله - جل وعلا - .

    وله ملائكة يتعاقبون فينا ، يشهدون معنا الصلوات ، فإذا صلى الناس الفجر عرج الذين باتوا فينا ، وبعد العصر يعرج الذين قعدوا فينا في النهار لينزل أهل الليل ، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الصبح ، ملائكة يتعاقبون فينا يشهدون على أعمال العباد ، وما شاهدوا منه . يسألهم ربهم وهو أعلم إذا عرجوا إليه : كيف تركتم عبادي ؟ يقولون : تركناهم وهم يصلون ، وأتيناهم وهم يصلون .

    ومعك أنت يا عبد الله ! كل واحد منا معه ملكان يكتبان أعماله ، هذا يكتب حسناته وهذا يكتب سيئاته : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ .

    وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ .

    فجدير بك - يا عبد الله - أن تحرص على إملاء الخير على هؤلاء الملائكة ، أمل عليهم الخير ، أمل عليهم ما ينفعك ويرضي الله عنك ، من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ، والدعوة إلى الله ، وتعليم الخير ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، إلى غير هذا من وجوه الخير ، وهكذا العمل ، عليهم أن يكتبوا كل شيء .

    وعلينا جميعًا أن نؤمن باليوم الآخر ، على جميع المكلفين من الجن والإنس ، الإيمان باليوم الآخر ، ويدخل فيه كل ما أخبر الله به يوم القيامة ، كله داخل في الإيمان باليوم الآخر : الجنة والنار ، والحساب والجزاء ، وتوزيع الكتب على الناس ، والمرور على الصراط يوم القيامة ، ومرور المؤمنين على الصراط إلى الجنة ، إلى غير هذا من كل ما أخبر الله به ورسوله في اليوم الآخر .

    علينا أن نؤمن بذلك ، وأن الله يبعث عباده بعد مماتهم في آخر الزمان ، عند قيام الساعة يرسل الله ريحًا طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات ، فلا يبقى إلا الأشرار في خفة الطير وأحلام السباع ، يأتيهم الشيطان ويزين لهم الشرك بالله ، وعبادة غير الله ، فيعبدون غير الله ، وتمتلئ الأرض من شركهم وكفرهم وضلالهم ، وعليهم تقوم الساعة ، نسأل الله العافية .

    فالله - جل وعلا - يحكم بين عباده يوم القيامة ، ويجازيهم بأعمالهم ، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر ، كما قال - جل وعلا - : وِللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى .

    قال - جل وعلا - : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ .

    قال - سبحانه - : إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا .

    ويقول - سبحانه - : وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ .

    فجميع أعمال العباد يوفون إياها ، إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر ، تنصب الموازين يوم القيامة وتوزن فيها أعمال العباد ، فهذا يثقل ميزانه وهذا يخف ميزانه : فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ . وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ . فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ .

    فمن ثقلت موازينه أعطي كتابه بيمينه ، ومن خفت موازينه أعطي كتابه بشماله ، والعصاة - أمرهم إلى الله - الذين ماتوا على المعاصي والسيئات أمرهم إلى الله ، من شاء - سبحانه - عفا عنه وأدخله الجنة ، وصار من أهل اليمين ، من أهل النجاة والسعادة ، ومن شاء - سبحانه - أدخله النار بذنوبه ومعاصيه ، ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار ويلتحق بإخوانه في الجنة .

    وأهل الجنة فيها منعمون أبد الآباد ، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ، بل في نعيم دائم وخير دائم ، وهذا الطعام والشراب يصير جشاء ورشحًا ، لا بولاً ولا غائطًا ولا مخاطًا ولا بصاقًا ، وأهل النار في عذاب وبلاء أبد الآباد ، نسأل الله العافية .

    يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ .

    كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ .

    وَسُقُوا مَاءًا حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ .

    هذه نهاية الناس ، فجدير بالعاقل أن تكون هذه النهاية على باله ، وألا يغفلها ، فلا بد منها ، ومن مات فقد قامت قيامته ، فليحذر العبد أن يغفل ، وأن يجازف في هذه الأمور ؛ فيندم غاية الندامة ، فليعد لهذا اليوم عدته ، وليحرص قبل أن يفاجئه الأجل .

    هذه العدة الصالحة ، هذا الزاد الصالح من طاعة الله ورسوله ، والقيام بحقه ، والاستقامة على دينه ، وذلك بامتثال أوامر الله وترك نواهي الله ، فالعدة الصالحة أن تستقيم على دين الله ، وأن توحد ربك وتخصه بالعبادة ، وأن تؤدي فرائضه ، من صلاة وغيرها ، وأن تنتهي عن نواهيه ، وأن تقف عند حدوده ، ترجو ثوابه وتخشى عقابه .

    فهذه هي العدة الصحيحة التي أنت مأمور بها ومخلوق لها ، وهي : أن تعبد ربك وحده وتشهد أنه لا إله إلا الله ، وأنه لا معبود بحق إلا الله ، وأن محمدًا عبد الله ورسوله ، وتؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ، وتؤدي فرائض الله التي فرضها عليك بإخلاص له - سبحانه - ، ورغبة فيما عنده ومحبة ، وتنتهي عن نواهي الله عن إيمان وصدق وإخلاص ، وتقف عند حدود الله مؤمنًا بالله ورسله ، مؤمنًا بأن الله قدر الأقدار وشاء ما شاء - سبحانه وتعالى - ، فعليك أن تؤمن بالقدر خيره وشره ، وأن تعلم أن الله علم الأشياء وكتبها ، وأنه خالق لكل شيء ، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

    ومن الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بأن الله يُرى يوم القيامة إذا جاء للفصل بين العباد ، يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون : كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ - أي : يوم القيامة - لَمَحْجُوبُونَ .

    وهم يرونه فيكشف لهم عن ساق ، وينظر إليهم ويكلمهم ويحييهم - سبحانه وتعالى - ، ثم في الجنة يرونه - سبحانه - ، يراه المؤمنون في الجنة كما يشاء - سبحانه وتعالى - ، وما أعطوا في الجنة شيئًا أحب إليهم من النظر إلى وجهه ، كما قال تعالى : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ . الحسنى : الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله .

    والمسلمون إذا انتهوا من الموقف يمرون على الصراط ، وهو منصوب على متن جهنم ، أصله في الأرض ونهايته إلى الجنة ، يمر عليه المؤمنون ويمنع عنه الكافرون ، فاحرص على العدة التي تيسر لك مرورك ، من الإيمان بالله والتقوى ، وعليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من يخدش وينجو ، ومنهم من يخطف ويسقط بسبب معاصيه .

    والكفار لا يمرون عليه ، بل يساقون إلى النار ويحشرون إليها ، كما ضيَّعوا أمر الله وأشركوا به وكفروا به .

    ومن الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بأن المؤمن مخلد في الجنة أبد الآباد ، ونعيمهم فيها متفاوت ؛ قصورهم ، ونعيمهم ، وزوجاتهم ، مختلفون في ذلك ، منهم من يعطى زوجات كثيرات ، ومنهم من هو أقل من ذلك .

    ولكل واحد زوجتان من الحور العين - كل واحد - غير زوجاته من الدنيا ، وغير ما يعطى من الزوجات الأخريات من الحور العين ، وكل واحد لا ينقص عن زوجاته من الحور العين مع ما له من زوجات من الدنيا ، فالنساء في الجنة أكثر وفي النار أكثر .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: "بيان عقيدة أهل السنة والجماعة" محاضرة مفرغة للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 12.05.08 20:46

    في الجنة أكثر لما للرجل من الحور العين ، وفي النار أكثر بما يحصل منهم من الإضاعة لأمر الله ، والمعاصي الكثيرة التي من أسبابها صرن أكثر أهل النار .

    قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( رأيتكن أكثر أهل النار ) ، قلت امرأة : لم يا رسول الله ؟ قال : ( لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير - يعني : تكثرن السب والشتم ، وتكفرن الأزواج والإحسان - لو أحسن الزوج إلى احداكن الدهر ثم منعها شيئًا ، قالت : ما رأيت منك خيرًا قط ) . الرسول أعلم .

    إنكار الجميل عند أقل شيء من الزوج ، ولهذا كن أكثر أهل النار بسبب المعاصي والشرور ، وكفران العشير ، وعدم الإيمان بالله ورسوله .

    وهن أكثر أهل الجنة لما معهن من الحور العين ، فالمؤمنات في الجنة مع أزواجهن المؤمنين ، ولأزواجهن مزيد من الحور العين لكل واحد زوجتان من الحور العين ، وقد يزاد بعضهم زوجات كثيرات على حسب أعمالهم الصالحة ، لكن أقلهم له زوجتان من الحور العين غير نصيبهم من زوجات الدنيا .

    ومن أعمال اليوم الآخر : أن أهل الجنة يتزاورون فيها ، وهم في نعيم دائم لا يتغوطون ولا يبولون ولا يتفلون ، قلوبهم على قلب رجل واحد ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، يسبحون الله بكرة وعشيًا ، يتنعمون بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وذكر الله عز وجل ، وهم مع تزاورهم واختلاف منازلهم في الجنة ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، كل واحد يرى نفسه أنه في نعمة ليس فيها غيره من النعيم العظيم ، ليس يعتريه حزنٌ ولا مضايقة ، بل في نعيم دائم وسرور دائم ، مع لقائهم لإخوانهم في الأوقات التي يشاؤها الله .

    ولهم مواعيد مع ربهم يزورونه ويسلمون عليه ، وينظرون إلى وجهه الكريم على حسب مراتبهم ، كل هذا من الإيمان باليوم الآخر .

    ولهم يوم المزيد ، يوم يجمع الله فيه أهل الجنة ، ويزورونه وينظرون إليه ، ويسلم عليهم ، ويحادثهم - سبحانه وتعالى - .

    ومن الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بأن جميع الخلائق يوفون أجورهم في ذلك اليوم ، فلا يضيع حق أحد ، وكلٌ يعطى حقه من مسلم وكافر وعاصٍ ، ولو كان مثقال ذرة فهو لا يضيع : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ .

    الواجب على كل مكلف من الرجال والنساء أن يعد العدة لهذا اليوم ، وأن يكون الرجل على باله أن يعد العدة ، وأن يتقي الله ، وأن يستقيم على دين الله ، وأن يحافظ على ما أوجب الله عليه من صلاة وغيرها .

    وعلى المرأة كذلك أن تؤدي حق الله ، وتستقيم على دين الله ، وتتفقه في دين الله ، وتؤدي حق زوجها بالمعروف ، وتحذر كفران العشير وإيذاء الزوج بغير حق .

    وعلى الزوج أن يتقي الله في أهله وأن لا يظلمهم ، قال تعالى : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ .

    فعلى الزوج أن يتقي الله ، وأن يعاشر بالمعروف ، وعلى الزوجة أن تتقي الله ، وأن تسمع لزوجها بالمعروف ، وعليهما أن يتعاونا على البر والتقوى ، على طاعة الله ورسوله ؛ حتى تكون زوجته في الجنة ، وحتى يكون زوجها في الجنة .

    ومن الإيمان باليوم الآخر : الحوض المورود للنبي - صلى الله عليه وسلم - حوض يوم القيامة ، يرده الناس ، وهو حوضٌ عظيم : طوله شهر وعرضه شهر ، وآنيته عدد نجوم السماء ، يرده المؤمنون أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يردونه ويشربون منه يوم القيامة ، ويذاد عنه من كفر بالله وخالف أمره ، ويذاد عنه الكافرون الذين لم يؤمنوا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أو ارتدوا بعد وفاته ، فيذادون عنه ويحرمون منه ، كما يحرمون من دخول الجنة ، ويرده المؤمنون ويشربون من هذا الحوض المورود .

    كل هذا من أخبار يوم القيامة ، وهو يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة ، يوم طويل عظيم ، لكن لا ينتصف إلا وقد صار أهل الجنة إلى منازلهم ، قال تعالى : أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً . أي : عند نصف النهار يكون أهل الجنة قد وصلوا إلى منازلهم وتبوءوها وتنعموا فيها : أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً .

    وماذا في ذلك ؟ الخلق وطول الحساب ، والله - جل وعلا - هو الحكيم العليم الذي يجازيهم بأعمالهم خيرها وشرها ، وهو الحكم العدل : لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ .

    إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ .

    وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ .

    فأنت يا عبد الله ! حاسب نفسك - هكذا - ، وأنتِ يا أمة الله ! حاسبي نفسك ، كلٌُ يحاسب نفسه وينظر ماذا قدم وماذا فعل ؟ هل أدى حق الله ؟

    هل استقام على دين الله ؟

    هل أدى واجب الله ؟

    هل ترك محارم الله ؟

    هل وقف عند حدود الله ؟

    هل أدى ما عليه لإخوانه ؟

    وهكذا الزوج يحاسب نفسه : هل أدى حق زوجته ؟

    هل أنصفها ؟

    هل أدى حق والديه ؟

    هل أدى حق أولاده وقرابته ؟

    وهكذا الزوجة تحاسب نفسها - تنظر ! - هل أدت حق زوجها ؟

    هل أدت حق والديها وأقاربها ؟

    كل ذلك مطلوب ، كما أن عليك أن تؤدي حق الله فهكذا حق المخلوق أيضًا ، وحق الله أعظم وأكبر ؛ ولكن أوجب عليك حقوقًا لغيره ، أوجب عليك حقًا لوالديك ، لزوجتك ، لأولادك ، ولإخوانك المسلمين عليك أن تؤديها .

    وهكذا المرأة عليها أن تؤدي الحق الذي عليها لربها ، ولزوجها ، ولقرابتها ، وللمسلمين .

    ومن الحق على الجميع الدعوة إلى الله ، وتعليم الناس الخير ، والنصح لله ولعباده ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هذا من حق الله على الجميع ، التواصي بالحق والتناصح : وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: "بيان عقيدة أهل السنة والجماعة" محاضرة مفرغة للإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 12.05.08 20:46

    في الجنة أكثر لما للرجل من الحور العين ، وفي النار أكثر بما يحصل منهم من الإضاعة لأمر الله ، والمعاصي الكثيرة التي من أسبابها صرن أكثر أهل النار .

    قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ( رأيتكن أكثر أهل النار ) ، قلت امرأة : لم يا رسول الله ؟ قال : ( لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير - يعني : تكثرن السب والشتم ، وتكفرن الأزواج والإحسان - لو أحسن الزوج إلى احداكن الدهر ثم منعها شيئًا ، قالت : ما رأيت منك خيرًا قط ) . الرسول أعلم .

    إنكار الجميل عند أقل شيء من الزوج ، ولهذا كن أكثر أهل النار بسبب المعاصي والشرور ، وكفران العشير ، وعدم الإيمان بالله ورسوله .

    وهن أكثر أهل الجنة لما معهن من الحور العين ، فالمؤمنات في الجنة مع أزواجهن المؤمنين ، ولأزواجهن مزيد من الحور العين لكل واحد زوجتان من الحور العين ، وقد يزاد بعضهم زوجات كثيرات على حسب أعمالهم الصالحة ، لكن أقلهم له زوجتان من الحور العين غير نصيبهم من زوجات الدنيا .

    ومن أعمال اليوم الآخر : أن أهل الجنة يتزاورون فيها ، وهم في نعيم دائم لا يتغوطون ولا يبولون ولا يتفلون ، قلوبهم على قلب رجل واحد ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، يسبحون الله بكرة وعشيًا ، يتنعمون بالتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وذكر الله عز وجل ، وهم مع تزاورهم واختلاف منازلهم في الجنة ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، كل واحد يرى نفسه أنه في نعمة ليس فيها غيره من النعيم العظيم ، ليس يعتريه حزنٌ ولا مضايقة ، بل في نعيم دائم وسرور دائم ، مع لقائهم لإخوانهم في الأوقات التي يشاؤها الله .

    ولهم مواعيد مع ربهم يزورونه ويسلمون عليه ، وينظرون إلى وجهه الكريم على حسب مراتبهم ، كل هذا من الإيمان باليوم الآخر .

    ولهم يوم المزيد ، يوم يجمع الله فيه أهل الجنة ، ويزورونه وينظرون إليه ، ويسلم عليهم ، ويحادثهم - سبحانه وتعالى - .

    ومن الإيمان باليوم الآخر : الإيمان بأن جميع الخلائق يوفون أجورهم في ذلك اليوم ، فلا يضيع حق أحد ، وكلٌ يعطى حقه من مسلم وكافر وعاصٍ ، ولو كان مثقال ذرة فهو لا يضيع : فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ .

    الواجب على كل مكلف من الرجال والنساء أن يعد العدة لهذا اليوم ، وأن يكون الرجل على باله أن يعد العدة ، وأن يتقي الله ، وأن يستقيم على دين الله ، وأن يحافظ على ما أوجب الله عليه من صلاة وغيرها .

    وعلى المرأة كذلك أن تؤدي حق الله ، وتستقيم على دين الله ، وتتفقه في دين الله ، وتؤدي حق زوجها بالمعروف ، وتحذر كفران العشير وإيذاء الزوج بغير حق .

    وعلى الزوج أن يتقي الله في أهله وأن لا يظلمهم ، قال تعالى : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ .

    فعلى الزوج أن يتقي الله ، وأن يعاشر بالمعروف ، وعلى الزوجة أن تتقي الله ، وأن تسمع لزوجها بالمعروف ، وعليهما أن يتعاونا على البر والتقوى ، على طاعة الله ورسوله ؛ حتى تكون زوجته في الجنة ، وحتى يكون زوجها في الجنة .

    ومن الإيمان باليوم الآخر : الحوض المورود للنبي - صلى الله عليه وسلم - حوض يوم القيامة ، يرده الناس ، وهو حوضٌ عظيم : طوله شهر وعرضه شهر ، وآنيته عدد نجوم السماء ، يرده المؤمنون أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يردونه ويشربون منه يوم القيامة ، ويذاد عنه من كفر بالله وخالف أمره ، ويذاد عنه الكافرون الذين لم يؤمنوا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أو ارتدوا بعد وفاته ، فيذادون عنه ويحرمون منه ، كما يحرمون من دخول الجنة ، ويرده المؤمنون ويشربون من هذا الحوض المورود .

    كل هذا من أخبار يوم القيامة ، وهو يوم طويل مقداره خمسون ألف سنة ، يوم طويل عظيم ، لكن لا ينتصف إلا وقد صار أهل الجنة إلى منازلهم ، قال تعالى : أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً . أي : عند نصف النهار يكون أهل الجنة قد وصلوا إلى منازلهم وتبوءوها وتنعموا فيها : أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً .

    وماذا في ذلك ؟ الخلق وطول الحساب ، والله - جل وعلا - هو الحكيم العليم الذي يجازيهم بأعمالهم خيرها وشرها ، وهو الحكم العدل : لاَ ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ .

    إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ .

    وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ .

    فأنت يا عبد الله ! حاسب نفسك - هكذا - ، وأنتِ يا أمة الله ! حاسبي نفسك ، كلٌُ يحاسب نفسه وينظر ماذا قدم وماذا فعل ؟ هل أدى حق الله ؟

    هل استقام على دين الله ؟

    هل أدى واجب الله ؟

    هل ترك محارم الله ؟

    هل وقف عند حدود الله ؟

    هل أدى ما عليه لإخوانه ؟

    وهكذا الزوج يحاسب نفسه : هل أدى حق زوجته ؟

    هل أنصفها ؟

    هل أدى حق والديه ؟

    هل أدى حق أولاده وقرابته ؟

    وهكذا الزوجة تحاسب نفسها - تنظر ! - هل أدت حق زوجها ؟

    هل أدت حق والديها وأقاربها ؟

    كل ذلك مطلوب ، كما أن عليك أن تؤدي حق الله فهكذا حق المخلوق أيضًا ، وحق الله أعظم وأكبر ؛ ولكن أوجب عليك حقوقًا لغيره ، أوجب عليك حقًا لوالديك ، لزوجتك ، لأولادك ، ولإخوانك المسلمين عليك أن تؤديها .

    وهكذا المرأة عليها أن تؤدي الحق الذي عليها لربها ، ولزوجها ، ولقرابتها ، وللمسلمين .

    ومن الحق على الجميع الدعوة إلى الله ، وتعليم الناس الخير ، والنصح لله ولعباده ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هذا من حق الله على الجميع ، التواصي بالحق والتناصح : وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .

      الوقت/التاريخ الآن هو 09.05.24 5:53