"لولا النبي صلى الله عليه وسلم لما خلق الله الدنيا"

هذه العبارة المشهورة في الكتب والخطب،كثيرًا ما سمعتها وقرأتها ، وكثيرا ما قرأت وسمعت الردود عليها من قِبل طلبة العلم ومشايخ السنة، ودائما كنت أتذكر أني وقفت على كلام لشيخ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله- في تفصيل القول فيها، وبيان احتمال توجيهها بما يوافق الحق، وما زلت أتحسر على عدم تقييده، حتى نشطت مؤخرًا للبحث عنه فوجدته ولله الحمد

فما أن وقفت عليه حتى قيدته تداركا لما فاتني من عدم تقييده أول مرة، وقد جاء في الأثر "العلم صيد والكتابة قيد"
ثم رأيت نقله لكم ومشاركتكم إياه؛ لتتسع دائرة علمنا بهذه العبارة، ولإكمال العلم بمدولالتها، وهذا من كمال العدل والإنصاف، مع أنَّ الناظر قد يجزم بأحد الاحتمالين نظرًا للقرائن المحتفة بالمتكلم المعيَّن.

ولن أطيل المقدمة فهاكم كلامه بتمامه

قال - رحمه الله تعالى - في مجموع الفتاوى (11/96-98) :

فَخَلَقَ بَدَنَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَرُوحَهُ مِنْ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَلِهَذَا يُقَالُ : هُوَ الْعَالَمُ الصَّغِيرُ وَهُوَ نُسْخَةُ الْعَالَمِ الْكَبِيرِ . وَمُحَمَّدٌ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ .

وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ وَمِنْ هُنَا قَالَ مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ خَلَقَ مِنْ أَجْلِهِ الْعَالَمَ أَوْ إنَّهُ لَوْلَا هُوَ لَمَا خَلَقَ عَرْشًا وَلَا كُرْسِيًّا وَلَا سَمَاءً وَلَا أَرْضًا وَلَا شَمْسًا وَلَا قَمَرًا .

لَكِنْ
لَيْسَ هَذَا حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا وَلَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ .

عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بَلْ
وَلَا يُعْرَفُ عَنْ الصَّحَابَةِ

بَلْ
هُوَ كَلَامٌ لَا يُدْرَى قَائِلُهُ .

وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِوَجْهِ صَحِيحٍ

كَقَوْلِهِ .
{ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ }

وَقَوْلُهُ :
{ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا }

وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي يُبَيِّنُ فِيهَا أَنَّهُ خَلَقَ الْمَخْلُوقَاتِ لِبَنِي آدَمَ

وَمَعْلُومٌ
أَنَّ لِلَّهِ فِيهَا حِكَمًا عَظِيمَةً غَيْرَ ذَلِكَ ، وَأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُبَيِّنُ لِبَنِي آدَمَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَمَا أَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ النِّعْمَةِ .

فَإِذَا قِيلَ :
فَعَلَ كَذَا لِكَذَا لَمْ يَقْتَضِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ حِكْمَةٌ أُخْرَى .

وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْقَائِلِ :
لَوْلَا كَذَا مَا خُلِقَ كَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ حِكَمٌ أُخْرَى عَظِيمَةٌ

بَلْ
يَقْتَضِي إذَا كَانَ أَفْضَلُ صَالِحِي بَنِي آدَمَ مُحَمَّدٌ وَكَانَتْ خِلْقَتُهُ غَايَةً مَطْلُوبَةً وَحِكْمَةً بَالِغَةً مَقْصُودَةً أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ صَارَ تَمَامَ الْخَلْقِ وَنِهَايَةَ الْكَمَالِ حَصَلَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَاَللَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ آخِرُ الْخَلْقِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَفِيهِ خُلِقَ آدَمَ وَهُوَ آخِرُ مَا خُلِقَ خَلَقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي آخِرِ يَوْمِ الْجُمْعَةِ .

وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ هُوَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آدَمَ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِهِ

قَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ إنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَمَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ }

أَيْ
كُتِبَتْ نُبُوَّتِي وَأُظْهِرَتْ لَمَّا خُلِقَ آدَمَ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ كَمَا يَكْتُبُ اللَّهُ رِزْقَ الْعَبْدِ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ إذَا خُلِقَ الْجَنِينُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ .

فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ هُوَ خَاتَمُ الْمَخْلُوقَاتِ وَآخِرُهَا وَهُوَ الْجَامِعُ لِمَا فِيهَا وَفَاضِلُهُ هُوَ فَاضِلُ الْمَخْلُوقَاتِ مُطْلَقًا وَمُحَمَّدٌ إنْسَانُ هَذَا الْعَيْنِ ؛ وَقُطْبُ هَذِهِ الرَّحَى وَأَقْسَامُ هَذَا الْجَمْعِ كَانَ كَأَنَّهَا غَايَةُ الْغَايَاتِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ

فَمَا يُنْكَرُ أَنْ يُقَالَ :
إنَّهُ لِأَجْلِهِ خُلِقَتْ جَمِيعهَا وَإِنَّهُ لَوْلَاهُ لَمَا خُلِقَتْ فَإِذَا فُسِّرَ هَذَا الْكَلَامُ وَنَحْوُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ .

وَأَمَّا إذَا حَصَلَ فِي ذَلِكَ غُلُوٌّ مِنْ جِنْسِ غُلُوِّ النَّصَارَى بِإِشْرَاكِ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الرُّبُوبِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ مَرْدُودًا غَيْرَ مَقْبُولٍ ؛

فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
{ لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ }

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى .
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلَّا الْحَقَّ إنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إنَّمَا اللَّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ }

وَاَللَّهُ قَدْ جَعَلَ لَهُ حَقًّا لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ فَلَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إلَّا لَهُ وَلَا الدُّعَاءُ إلَّا لَهُ وَلَا التَّوَكُّلُ إلَّا عَلَيْهِ وَلَا الرَّغْبَةُ إلَّا إلَيْهِ وَلَا الرَّهْبَةُ إلَّا مِنْهُ وَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْهُ إلَّا إلَيْهِ وَلَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلَّا هُوَ وَلَا يُذْهِبُ السَّيِّئَاتِ إلَّا هُوَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِهِ

{ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } .

{ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ } .

{ إنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا }

{ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا }

{ وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا }

وَقَالَ تَعَالَى :
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }

فَجَعَلَ الطَّاعَةَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَجَعَلَ الْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى لِلَّهِ وَحْدَهُ

وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :
{ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إنَّا إلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ } فَالْإِيتَاءُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ . وَأَمَّا التَّوَكُّلُ فَعَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَالرَّغْبَةُ إلَى اللَّهِ وَحْدَهُ . ا.هــ كلامه رحمه الله تعالى


والنقل
لطفا من هنا
http://www.salaficall.net/vb/showthread.php/3441-عبارة
-quot-لولا-النبي-صلى-الله-عليه-وسلم-لما-خلق-الله-الدنيا-quot-وشبهها-في-ميزان-الحق-من-كلام-شيخ-الإسلام-وتوجيهها-بما-يوافق-منهج-السلف