خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    التحذير من الكذب على الله وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية التحذير من الكذب على الله وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 31.10.10 9:02

    التحذير من الكذب على الله وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام



    التحذير من الكذب على الله وعلى رسوله عليه الصلاة والسلام Src1275556744

    إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا .

    من يهده الله فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له .

    و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له .

    و أشهد أنّ محمد عبده و رسوله .


    أمّا بعد :


    و إن كان الكذب أصلا حراما، فيجوز في بعض الأحوال بشروط

    و ممّن بيّن ذلك الإمام أبو حامد الغزالي حيث قال في كتابه إحياء علوم الدّين :
    الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكلّ مقصود محمود يمكن التوصل إليه بالصدق و الكذب جميعا، فالكذب فيه حراما، و إن أمكن التوصل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباحا إن كان تحصيل ذلك القصد مباحا، و واجب إن كان المقصود واجبا إلاّ أنّه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن، لأنّه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغني عنه، و إلى ما لا يقتصر على حدّ الضرورة، فيكون الكذب حراما في الأصل إلاّ لضرورة .إنتهى

    و أكثر كذب النّاس إنّما لحظوظ أنفسهم إمّا لزيادة مال أو جاه أو لأمور أخرى ليس فواتها محذورا .

    و الّذي يدلّ على الإستثناء حديث أمّ كلثوم رضي الله عنها أنّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس الكذاب الذي يصلح بين النّاس فينمي خيرا و يقول خيرا " متفق عليه . و زاد مسلم في رواية : قالت أم كلثوم و لم اسمعه يرخص في شيء ممّا يقول النّاس إلاّ في ثلاث تعني الحرب، و الصلح بين الناس، و حديث الرجل امرأته، و حديث المرأة زوجها .

    فهذه الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء ومعناها ما عداها إذا ارتبط به مقصود صحيح و قد يدخل في هذا المعاريض و هو كما عرّفه أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى : أن تطلق لفظا هو ظاهر في معنى و تريد معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ . إنتهى

    و ذلك إذا كان فيها تخلص من ظالم كما عرّض الخليل إبراهيم عليه الصّلاة و السّلام بقوله : " هذه أختي " أو نصر حق أو إبطال باطل كما عرّض الخليل بقوله : " إنّي سقيم "، و قوله " بل فعلهم كبيرهم هذا " .

    أو ما كان مصلحة الإسلام و المسلمين كما يورّي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغزوة بغيرها، كما تباح لغرض خفيف ما لم تكن فيه مفسدة كتطبيب قلب الغير بالمزاح كقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة عجوز " .

    و المعاريض نوعان، النوع الأول :


    قال إبن القيّم كما في كتاب إعلام الموقّعين ( 3 / 183 ) :
    أن يتكلم الإنسان بكلام جائز يقصد به معنى صحيحا، و يوهم غيره أنّه يقصد به معنى آخر، فيكون سبب ذلك الوهم : كون اللفظ مشتركا بين حقيقتين لغويتين أو عرفيتين أو شرعيتين، أو لغوية مع أحدهما، أو عرفية مع أحدهما أو شرعية مع أحدهما، فيعني أحد معنييه و يوهم السامع له أنّه عنى الآخر، إمّا لكونه لم يعرف إلاّ ذلك، و إمّا لكون دلالة الحال تقتضيه، و إّما لقرينة حالية أو مقالية يضمّها إلى اللفظ، أو يكون سبب التوهم كون اللفظ ظاهرا في المعنى، فيعني به معنى يحتمله باطلا بأن ينوي أبعد الحقيقتين للمعنى، أو ينوي بالعام الخاصّ، أو بالمطلق المقيد .

    أو يكون سبب التوهم كون المخاطب إنّما يفهم من اللفظ غير حقيقته لعرف خاص به، أو غفلة منه، أو جهل أو غير ذلك من الأسباب، مع كون المتكلم إنّما قصد الحقيقة . إنتهى

    و النوع الثاني من المعاريض قال ابن القيم ( 3 / 185 ) : الكيد الذي شرعه الله تعالى للمظلوم أن يكيد به ظالمه، و يخدعه إمّا لتوصّل إلى أخذ حقه منه، أو عقوبة له، أو لكف شرّه عدوانه عنه .إنتهى

    و ضابطه أنّ كلّ ما وجب بيانه فالتعريض فيه حرام لأنّه كتمان و تدليس، و كلّ ما حرم بيانه فالتعريض فيه جائز، بل واجب إذا أمكن و وجب الخطاب كالتعريض لسائل عن مال معصوم أو نفسه يريد أن يعتدي عليه . كما قال الإمام إبن القيّم ( 3 / 184 ) .

    و إذا كان بيانه جائزا أو كتمانه جائزا، فإن تكون المصلحة في كتمانه أو إظهاره أو كليهما متضمن لمصلحة، فإن كان الأول فالتعريض مستحب كتورية الغازي عن الوجه الذي يريده، و إن كان الثاني، فالتورية فيه مكروهة و الإظهار مستحب، و هذا في كلّ موضع يكون البيان فيه مستحبا كما قال الإمام إبن القيّم ( 3 / 184 ) .

    قال ابن القيم ( 3 / 187 ) : فثبت أن التعريض المباح ليس من المخادعة لله في شيء، و غايته أنّه مخادعة لمخلوق أباح الشارع مخادعته لظلمه، و لا يلزم من جواز مخادعة الظالم المبطل جواز مخادعة المحق فما كان من التعريض مخالفا لظاهر اللفظ كان قبيحا إلاّ عند الحاجة، و ما لم يكن منها مخالفا لظاهر اللفظ كان جائزا إلاّ عند تضمن مفسدة .

    و المعاريض كما تكون بالقول تكون بالفعل، و تكون بالقول و الفعل معا، مثال ذلك أن يظهر المحارب أنّه يريد وجها من الوجوه و يسافر إليه فيحسب العدوّ أنّه يريده ثمّ يكرّ عليه و هو آمن من قصده، أو يستطرد المبارز بين يدي خصمه ليظن هزيمته ثمّ يعطف عليه و هذا من خداعات الحرب .إنتهى

    وقد عدّ البعض أنّ رواية الأحاديث الواهية في فضائل الأعمال قد يدخل في الكذب الجائز، إذ زعموا أنّ القصد منه صحيح و هو خطأ محض، بل هو هوس إذ ليس هذا من الأغراض الّتي تقاوم محذور الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو كذب على الله تعالى، و يؤدي فتح بابه إلى أمور تشوش الشريعة، فلا يقاوم خير هذا على حدّ زعمهم شرّه أصلا : فالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر الّتي لا يقاومها شيء إلاّ الشرك بالله


    فواجب على الواعظ الإستدلال بالثابت من الحديث و طرح الواهي " فمن أهم واجباته - أي الواعظ - أن ينتقي من الكتب الّتي يقرأها عليهم ما يجمع بين العبادات و المعاملات و الأخلاق جميعا مجردا عن الشوائب الواهيات و الضعاف و الخرافيات و المسائل الفرضيات،

    و ذلك لأنّ رواية الأحاديث الضعيفة كما ذكره مسلم في مقدمة صحيحه محظورة و أنّ راويها غاشّ آثم، و في محكم الكتاب و صحاح السنّة كفاية عن تقحم أبواب الواهيات من الآثار و النقول على الرسول صلى الله عليه وسلم و ليس الدّين في حاجة إليها، و لا لإكمالها، و لا للترغيب، و لا للترهيب كما زعمه الوضاعون عليهم ما يستحقون، و أمّا الخرافيات و هي كلّ حكاية لا يقبلها العقل السليم، و نبذها العلم الصحيح فلا يجوز قصّها على العامّة لا لترويح النفس، و لا للإغراب، فضلا عن إعتقاد صحّتها .

    و ربما يعتذر بعضهم بأنّها مروية في كتاب كذا، و لا يخفى عليك أنّه ليس كلّ ما دوّن ممّا يسوغ ذكره، و ليس كلّ تأليف متمحضا للصحيح من الأنباء، فقد حشيت التفاسير و كتب السير، و أسفار الوعاظ، و الرقائق، و كثير من الشروح و الحواشي من الأقاصيص الموضوعة و الحكايات الملفقة ما لا يحصيه قلم كاتب، فالواجب إذن على المتصدي للتدريس أن يعرض و إلاّ فإنّه يكون قد جنى على الدّين جناية لا تغفر " قاله العلاّمة جمال الدّين القاسمي في كتابه إصلاح المساجد من البدع و العوائد ( ص : 153 ) .

    فإذا كان المحتج بالحديث، قال الحافظ السخاوي في كتابه فتح المغيث ( 1 / 104 ) : متأهلا لمعرفة الصحيح من غيره، فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده، و حال روّاته، كما أنّه ليس له أن يحتج بحديث من المسانيد حتّى يحيط علما بذلك، و إن كان غير متأهل لدرك ذلك، فسبيله أن ينظر إلى الحديث فإن وجد أحد من الأئمة صحّحه أو حسّنه فله أن يقلّده، و إن لم يجد ذلك فلا يقدم على الاحتجاج به فيكون كحاطب، بل فلعله يحتج بالباطل . إنتهى

    و من الأمثلة على ذلك ما رواه الهروي في " ذم الكلام " أنّ عبد الله بن المبارك ضلّ في بعض أسفاره في طريق، و كان قد بلغه أنّ من اضظر ( كذا الأصل، و لعلّ الصواب : ضل ) في مفازة فنادى : عباد الله أعينوني ؟ أعين . قال : فجعلت أطلب الجزء أنظر اسناده .

    قال الهروي : فلم يستجز أن يدعو بدعاء لا يرى إسناده .

    و في قول السخاوي : فإنّ وجد أحدا من الأئمة صحّحه أو حسّنه فله أن يقلّده : فالألف و اللام في الأئمة أحراها أن تكون للعهد فتعود إلى أهل الاختصاص في ميدان التصحيح و التضعيف لأنّه علمهم الّذي اختصوا به، فهم أعرف به من غيرهم، و كلّ علم يرجع فيه إلى ذوي الاختصاص و الاتقان فيه .

    و من خطورة رواية الأحاديث الضعيفة و الموضوعة :

    - أنّه كذب على الله تعالى و على رسوله صلى الله عليه وسلم فعن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حدّث عنّي حديثا و هو يرى أنّه كذب فهو أحد الكذابين " رواه مسلم في مقدمة صحيحه .

    و " رأى " بمعنى ظنّ و علم بذلك، لأنّه لا يأثم إلاّ بروايته ما يعلمه أو يظنّه كذبا، أمّا ما لا يعلمه و لا يظنّه فلا إثم عليه في روايته و إن ظنّه غيره كذبا أو علمه، هذا إن كان هو المتأهل لمعرفة ذلك، أمّا المقلد فلابدّ أن يلتزم بما رآه أهل الفن .

    قال ابن الجوزي ( بواسطة السلسلة الضعيفة تحت رقم 698 ) عقب حديث موضوع : قلت : كنت قد سمعت هذا الحديث في زمن الصبا فاستعملته نحوا من ثلاثين سنة لحسن ظني بالرواة، فلمّا علمت أنّه موضوع تركته، فقال لي قائل : أليس هو استعمال خير ؟، قلت : استعمال الخير ينبغي أنّه يكون مشروعا، فإذا علمنا أنّه كذب خرج عن المشروعية . إنتهى

    - و الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم إثم عظيم، فعن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النّار" . متفق عليه .

    و عن عليّ بن أبي طالب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تكذبوا عليّ فإنّه من يكذب عليّ يلج النّار " رواه مسلم في مقدمة صححه .

    و هذا عام في كلّ كاذب مطلقا في كلّ نوع من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، و معناه لا تنسبوا الكذب عليّ، و لا مفهوم لقوله " عليّ " لأنّه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب و قد اغتّر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب و الترهيب، و قالوا : نحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته، و ما دروا أنّ تقوّله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى، و جزاء من يفعل ذلك " فليتبوأ مقعده من النّار " أي فليتخذ لنفسه منزلا يقال تبوّأ الرجل المكان إذا اتّخذه مسكنا، و هو أمر بمعنى الخبر أيضا، أو بمعنى التهديد، أو بمعنى التهكّم، أو دعاء على الفاعل ذلك أي بوّأه الله ذلك . ( أنظر فتح الباري 1 / 266، تحفة الأحوذي 7 / 350، عون المعبود 10 / 59 ) .

    و هؤلاء مثلهم مثل الّذين قال الله تعالى فيهم : " و إنّ منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب و ما هو من الكتاب و يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله و يقولون على الله الكذب و هم يعملون " آل عمران .

    و لهذا كان من اتباع سنن اليهود و النصارى رواية الأحاديث الضعيفة و الموضوعة فعن خباب عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إنّ بني اسرائيل لمّا هلكوا قصّوا " رواه الطبراني، و حسّنه الألباني في الصحيحة ( رقم : 1681 ) .

    - الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ككذب على أحد من الخلق، فعن علي بن ربيعة قال : أتيت المسجد و المغيرة أمير الكوفة قال : فقال المغيرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنّ كذبا عليّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النّار" . رواه مسلم في مقدمة صحيحه .

    فالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذريعة لإستحلال الحرام و تحريم الحلال فمن قصد ذلك كفر كما نصّ الأئمة ( أنظر فتح الباري 1 / 202 ) .

    ثم إنّ منشأ كثير من البدع و الشركيات هو من هذه الأحاديث الضعيفة و الموضوعة .

    قد يتشبت هؤلاء بأنّه وجد من العلماء من رخّص رواية الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال غافلين أو متغافلين أن لهذه الرخصة شروطا، لو إلتزموها لضاقت دائرة العمل بها، بل و روايتها أو تلغى من أصلها .

    فالشروط هي ( أنظر مقدّمة صحيح الجامع للألباني ) :

    الأوّل : أن يكون الضعيف غير شديد : فيخرج ما إنفرد به الكذابون و المتهمون بالكذب و من فحش غلطه . فهذا الشرط يدل على وجوب معرفة حال الحديث و هذا ممّا لا يحسنه جماهير من يريد الترخص برواية الأحاديث الضعيفة .

    الثاني : أن يكون أي هذا الحديث الضعيف مندرجا تحت أصل معمول به، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلا و هذا يلزم منه أنّ العمل في الحقيقة ليس بالحديث الضعيف، و إنّما بالأصل العام الّذي اندرج تحته هذا الحديث الضعيف، فكان العمل بالحديث الضعيف و بهذا الشرط أمر شكلي غير حقيقي و هذا هو المراد .

    الثالث : أنّ لا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلاّ ينسب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، يلتقي هذا الشرط مع الشرط الأوّل في ضرورة معرفة درجة الحديث .

    قال النووي ( كتاب ما تمسّ إليه حاجة القارئ لصحيح البخاري، ص : 89 ) في طريقة رواية الأحاديث الضعيفة : فلا يرويها بصيغة الجزم فإنّ هذا يقتضي صحّته عن المضاف إليه، فلا يطلق إلاّ ما صحّ و إلاّ يكون في معنى الكاذب عليه - إهـ -

    و حتى بصيغة التمريض لا يكفي اليوم لغلبة الجهل، فلا يكاد يفهم أحد أنّ صيغة التمريض تدل على أنّ الحديث ضعيف، فلا بد إذن التصريح برتبة الحديث كما اختاره الألباني في مقدّمة صحيح الترغيب و الترهيب .

    و خلاصة الكلام : بنبغي أن يعلم أنّ الأخبار التي تثبت (بها العقائد و الأحكام و الأخلاق ) هي الأخبار الصحيحة الثابتة بنقل العدول التقات التي قبلها السلف و نقلوها و لم ينكروها .

    و أمّا الأحاديث الموضوعة التي وضعتها الزنادقة ليلبّسوا بها على أهل الاسلام، أو الأحديث الضعيفة إمّا لضعف روّيتها أو جهالتهم أو لعلّة أخرى فيها، فلا يجوز أن يقال بها ( إلاّ على وجه التنبيه ) فضلا عن اعتقاد ما فيها، بل وجودها كعدمها، وما وضعته الزنادقة فهو كقولهم الّذي أضافوه إلى أنفسهم، فمن كان من أهل المعرفة بذلك وجب عليه إتباع الصحيح، و إطراح ما سواه، و من كان عاميا ففرضه تقليد العلماء و سؤالهم لقوله تعالى : " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " النحل (43)، قاله العلاّمة إبن قدامة في رسالته ذمّ التأويل إلاّ ما كان بين معقوفتين فهو منّي .

    و في السنوات الأخيرة ظهرت فئة إتّخذت سبيلا آخر في الكذب على الله و على رسوله عليه الصّلاة و السّلام و هو تحريف النّصوص الشرعية عن مدلولاتها الربّانية بحجج واهية بدعوى الإعتدال و الوسطية إرضاءا للحكومات الطّاغية، و الجهات المحاربة على رأسها أمريكا .

    مثل هؤلاء كمثل علماء بني إسرائيل، روى مسلم في صحيحه عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : مرّ على النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام بيهودي محمما مجلودا، فدعاهم صلّى الله عليه و سلّم، فقال : " هكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم ؟ " . قالوا : نعم . فدعا رجلا من علمائهم، فقال : " أنشدك بالله الّذي أنزل التّوراة على موسى أهكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم ؟ " . قال : لا، و لولا أنّك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرّجم، و لكنّه كثُر في أشرافنا فكنّا إذا أخذنا الشّريف تركناه، و إذا أخذنا الضّعيف أقمنا عليه الحدّ، قلنا تعالوا نجتمع على شيء نقيمه على الشريف و الوضيع، فجعلنا التحميم و الجلد مكان الرّجم . فقال عليه الصّلاة و السّلام : " اللّهم إنّي أوّل من أحيا أمرك إذا أماتوه "، فأمر به فرُجم، فأنزل الله عزّ و جلّ : " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) " .


    يقول : إئتوا محمدا عليه الصّلاة و السّلام، فإن أمركم بالتحميم و الجلد فخذوه، و إن أفتاكم بالرّجم فأحذروا،
    فأنزل الله تعالى :
    " إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْأِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْأِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47) " .

    فأولئك حرّفوا النصوص الشرعية من أجل شرفائهم ...

    والفرق بين أولئك و هؤلاء، أنّ أولئك لما ناشدهم رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أن ينطقوا بالحق، نطقوا به، أمّا هؤلاء و الله المستعان ناشدتهم الأمّة أن ينطقوا بالحقّ فسخروا و إستهتروا، و أصرّوا على باطلهم و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله .

    و لقد ذمّ الله العلماء إذا سكتوا عن الحقّ، فكيف إذا نطقوا بالباطل، فحرّفوا النصوص، و لبّسوا على الأمّة، و ناصروا الظالم، و زادوا في ظلم المظلوم


    قال تعالى :
    "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) " من سورة البقرة

    و قال تعالى :
    " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) "

    ثمّ إستنثنى الله تعالى من هؤلاء قوما فقال مبيّنا :
    " إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) " من سورة البقرة .

    فأوضح سبحانه أنّ توبة الكاتم للحقّ لن تكون لمجرّد ترك هذا القبيح، بل عليه أن يبيّن ما كتمه، و يُبدي ضدّ ما أخفى، هذا في الكاتم للحقّ، فمن باب أولى لمن تكلّم بالباطل، فعليه أن يُظهر الحقّ، و يحذّر من الباطل الّذي أذاعه و نشره .

    والنقل
    لطفا من هنا
    http://islamguards.com/view/articles/1081/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%B0%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B0%D8%A8-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%88%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D8%A7%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85.html

      الوقت/التاريخ الآن هو 02.05.24 15:45