بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ، وبعد :

فهذه تنبيهات قيّمة جدا على أخطاء العلامة السفاريني في عقيدته ، للشيخ العلامة الفقيه المدقق العثيمين رحمه الله تعالى جمعها أحد الإخوان - جزاه الله خيرا - ، ولمّا رأيت ما فيها من فوائد عظيمة مجمّعة في مكان واحد أحببت أن أنقلها لكم -بتصرف صغير منّي إذا اقتضى المقام- وأنشرها بين إخواني من طلبة العلم طلبا لبعض أجرها ، والله الموفق...
[size=25]
تنبيهات الشيخ العثيمين



ص
17 – 32 - 748 قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى :فهذه المنظومة بيَّن فيها المؤلف رحمه الله عقيدة السلف رحمهم الله ، وإن كان في بعضها شيء من المخالفات التي يأتي التنبيه عليها – إن شاء الله .


34 قال السفاريني رحمه الله تعالى :
الحمد لله القديم الباقي مقدر الآجال والأرزاق
قال شيخنا محمد رحمه الله قوله ( القديم ) هذا الاسم بهذا للفظ لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة ... فلو قال المؤلف رحمه الله بدل القديم : الحمد لله العليم أو العظيم أو الكريم أو ما أشبه ذلك من الأسماء التي أثبتها الله لنفسه لكان أولى .
والأفضل من القديم : الأول ، وذلك للأسباب الآتية :
الأول : لأن الله تسمى به وهو أعلم بأسمائه .
الثاني: أنه يدل على أن الله قبل كل شيء, وأنه أزلي.
الثالث: أن الأول قد يكون له معنى آخر غير السبق في الزمن, وهو المآل .......
وقوله ( الباقي ) .. فكأن المؤلف رحمه الله أتى بالقديم بإزاء الأول وأتى بالباقي بإزاء الآخر ، ولكن في هذا نظر ، فلم يرد من أسماء الله عز وجل أنه الباقي .....
فالصواب أن يُجعل بودل هذين الاسمين الأول الآخر كما ثبت ذلك في القرآن والسنة .

38 قال المؤلف رحمه الله :
حي عليم قادر موجود قامت به الأشياء والوجود
قوله ( موجود) كلمة موجود في الحقيقة أنها مقحمة إقحاما لا وجه له، لأنه يغني عنها قوله (حي) ، لأن الحي موجود غير معدوم .............
لكن يعتذر عن المؤلف رحمه الله بأنه أتى بها من باب الخبر لا من باب التسمية ....

73 قال المؤلف رحمه الله تعالى :
لأنه يسهل للحفظ كما يروق للسمع ويشفي من ضمأ
أما قوله ( ويشفي من ظمأ ) فكون هذا خاصاً بالشعر فيه نظر ، لأن الشفاء من الظمأ يكون في الشعر ويكون في النثر ، بل قد يكون في النثر أكثر ...

78 قال المؤلف رحمه الله :
حبر الملا فرد العلا الرباني
رب الحجى ما حي الدجى الشيباني
...... ولا شك أن هذه الأوصاف التي تدل على الإطلاق ، لاشك أن المؤلف رحمه الله لا يريد بها الإطلاق ، لأن مثل هذه الأوصاف على الإطلاق لا تنطبق إلا على الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكنها أوصاف نسبيه ......
وكان من الأولى والأفضل أن تكون الألفاظ مطابقة للواقع ، بحيث لا يحصل فيها غلو ......وتوجيه مثل هذا الكلام المطلق أن يقال إنه حبر الملا في وقته ، فرد العلا في وقته ، وأما أن نقول على سبيل العموم ، فهذا غير مراد المؤلف .


100 و 153قال المؤلف رحمه الله :
فأثبتوا النصوص بالتنزيه من غير تعطيل ولا تشبيه
قوله ( ولا تشبيه) ......ومراد المؤلف رحمه الله بالتشبيه : التمثيل ، ولهذا لو عبر بدلاً عن قوله (ولا تشبيه) بقوله : ولا تمثيل لكان أولى من وجوه ثلاثة :
الأول : أن نفي التمثيل هو الذي ورد به النص, بخلاف لفظ نفي التشبيه, فإنه لا في القرآن ولا في السنة.
الثاني : من غير تشبيه فيه إجمال , فإن أراد من غير مشاركة في أي نوع من المشاركة فهذا خطأ , وإن أراد من غير مشابهة يعني من غير مساواة في كل شيء فهذا صحيح, لكن يغني عنه لفظ نفي التمثيل , وهذا أوضح منه.
الثالث : أن نفي التشبيه صار يطلق على نفي الصفات مطلقاً عند من يرى أن إثبات الصفات يستلزم التشبيه.


118 و 121 قال المؤلف رحمه الله :
فعقدنا الإثبات يا خليلي من غير تعطيل ولا تمثيل
قوله (فعقدنا الإثبات ) ....... ولا شك أن في العبارة قصوراً ، لأن عقدنا : الإثبات فيما أثبته الله لنفسه ، والنفي فيما نفاه الله عن نفسه ، والتوقف فيما لم يرد إثباته ولا نفيه ما لم يتضمن نقصاً ، فإن تضمن نقصاً محضاً فهو ينفى عن الله عز وجل ......
إذاً قول المؤلف رحمه الله : ( فعقدنا الإثبات ) فيه قصور ، لأن الواقع أن عقدنا إثبات ونفي وتوقف ............


100 و 153 قال المؤلف رحمه الله :
بأنه واجد لا نظير له ولا شبه ولا وزير
قوله ( ولا شبه ) سبق أن الأولى أن يعبر بقوله : ( لا مثل ) للوجوه الثلاثة السابقة .

158 قال المؤلف رحمه الله :
صفاته كذاته قديمة أسماؤه ثابتة عظيمة
....... وصفات الله الذاتية والخبرية كلها قديمة ، أم صفاته الفعلية فهي قديمة الجنس ، حادثة النوع والآحاد ، لذلك فإطلاق الوصف على صفات الله بأنها قديمة ليس بصحيح .


195 قال المؤلف رحمه الله :
بقدرة تعلقت بممكن كذا إرادة فعِ واستبن
...... فعبارة المؤلف رحمه الله : ( تعلقت بممكن ) تحتاج إلى بيان ، فإن ظاهر كلامه أن القدرة لا تتعلق بالمستحيل ، ونحن نقول : لا بد في ذلك من التفصيل ، فالمستحيل لذاته لا تتعلق به القدرة لأنه ليس موجوداً ....... أما المستحيل لغيره فهذا تتعلق به القدرة .........


205 قال المؤلف رحمه الله :
وأن ما جاء مع جبريل من محكم القرآن والتنزيل
..... ولعل الكسر أظهر ، ( وإن ماجاء مع جبريل ) هو من عند الله ، كما قال تعالى : ( وإنه لتنزيل رب العالمين ........) الآية.


213 قال المؤلف رحمه الله :
كلامه سبحانه قديم أعيا الورى بالنص يا عليم
...... وعلى هذا لو أن المؤلف - عفا الله عنه – قال : عظيم بدل قوله : قديم فقال : ( كلامه سبحانه عظيم ) وذلك كما وصفه الله به حيث قال ( ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم ) أو قال : كريم ، كما وصفه الله تعالى حيث قال : ( إنه لقرآن كريم ) لكان أنسب وأبعد عن الخطأ ، وأما كلمة قديم فهي كلمة محدثة غير صحيحة بالنسبة للقرآن .


224 قال المؤلف رحمه الله :
وليس ربنا بجوهر ولا
عرض ولا جسم تعالى ذو العلا
فالمؤلف رحمه الله يرى أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يقولو ن : إن الله ليس بجوهر ولا عرض ولا جسم ولا شك أن هذا النفي ليس بصحيح ، ولم يقل أهل السنة بذلك ، وليس هذا مذهبهم ، لأنهم لا يجزمون بنفي شيء أو إثباته إلا بدليل ، وهذا ليس فيه دليل ، لا إثباتاً ولا نفياً ،........ فالواجب علينا أن نتوقف فلا ننفي أن الله جسم ولا نثبته ، ولا أن الله عَرَضَ ولا نثبته ، ولا أن الله جوهر ولا نثبته ، بل نسكت ونستفصل في المعنى, فنقول لمن نفى أن يكون الله جسماً إن أردت بالجسم ما كان حادثاً مركباً من أجزاء وأعضاء فنحن معك في نفيك , فالله ليس بحادث , ولا مركب من أعضاء وأجزاء بحيث يجوز أن يفقد شيْ منها , لكن لا ننفي الجسم , بل نقول إن الله منزه – عز وجل - عن أن يكون له أبعاض كأبعاض المخلوقين, بحيث يكون جسماً مركباً منها, ويفقد بعضها مع بقاء الأصل وما أشبه ذلك .
وإن أردت بالجسم الذات الموصوفة بالصفات اللائقة بها , فهذا حق نثبته, ولا يجوز لنا أن ننفيه, لكن مع ذلك لا نقول : إن الله جسم حتى إن أردنا هذا المعنى ؛ لأن لفظ الجسم لم يرد في القرآن ولا في السنة...........

226 و229 و236 قال المؤلف رحمه الله :
سبحانه قد استوى كما ورد
من غير كيف قد تعالى أن يحد
قوله ( سبحانه ) أي تنزيهاً له عن أن يكون جسماً أو جوهراً أو عرضاً ، وهذا التنزيه ينبغي التنزه منه لا الاتصاف به ، لأنه كما سبق : لا يجوز لنا أن نثبت ولا أن ننفي ، ونفينا ذلك عن الله وادعاء أن ذلك تنزيه خطأ .
وقوله ( من غير كيف ) أي من غير تكييف ، وليس المراد من غير كيفية ........ وعلى هذا يجب أن نصرف كلام المؤلف رحمه الله إن كان ظاهره خلاف ذلك إلى هذا المعنى ونقول من غير كيف : أي من غير تكييف.
وقول المؤلف رحمه الله ) أن يحد ) كلمة (الحد) من الألفاظ التي لم ترد في الكتاب ولا في السنة فليس في الكتاب أن الله يحد ، ولا أنه يحد ، ولا في السنة....... وإذا كان كذلك فالواجب السكوت عن ذلك فلا يقال إنه يحد ولا أنه لا يحد ......


240 قال المؤلف رحمه الله :
فلا يحيط علمنا بذاته كذاك لا ينفك عن صفاته
قوله ( كذاك لا ينفك عن صفاته ) فيه شيء من الإجمال يحتاج إلى تفصيل ، وذلك أن صفات الله عز وجل تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : قسم لازم لذاته لا ينفك عنه أبداً ، مثل العلم والقدرة والحكمة وغيرها، كذلك أيضاً لا ينفك عن الصفات الخبرية مثل اليد وغيرها .
القسم الثاني : صفات فعلية : وهذه باعتبار الجنس – أي جنس الفعل- صفة ذاتية، لأن الله لم يزل ولا يزال فعالاً سبحانه وتعالى .....وكذلك أقوله ..... لكن آحاد الفعل أو نوع الفعل ، ينفك الله عنه ، يعني ليس لازماً لذاته.


284 قال المؤلف رحمه الله :
فسائر الصفات والأفعال قديمة لله ذي الجلال
قوله ( فسائر الصفات والأفعال قديمة لله ) في إطلاقه نظر ظاهر ، وذلك أن صفات الله عز وجل تنقسم إلى ثلاثة أقسام : خبرية وذاتية وفعلية .
أما الفعلية فنص عليه المؤلف رحمه الله بقوله ( الأفعال ) فيبقى قوله ( الصفات ) شاملاً للخبرية والذاتية ، ونحن نوافقه على أن الصفات الذاتية والصفات الخبرية قديمة لله ، قديمة : يعني أزلية لم تزل موجودة ، وهي كذلك أبدية لا تزال موجودة .
فالصفات الخبرية مثل: الوجه والعين واليد والقدم ، هذه صفات أزلية قديمة ، وهي أيضاً أبدية .
والصفات الذاتية مثل : العلم والقدرة والعزة وغيرها ، فهذه أيضاً قديمة لله عز وجل أزلية أبدية .
أما الصفات الفعلية التي أشار إليها المؤلف رحمه الله في قوله ( والأفعال) فلا يطلق عليها أنها قديمة على سبيل الإجمال ، ولا أنها حادثة ، بل في ذلك تفصيل : فباعتبار الجنس هي قديمة ، وباعتبار النوع والآحاد فليست قديمة .


313 قال المؤلف رحمه الله :
( الباب الثاني : في الأفعال المخلوقة ) والأولى أن يقول : ( الباب الثاني : في الأشياء المخلوقة ) وذلك لأنه قوله ( في الأفعال المخلوقة ) توهم بأن المراد بالأفعال أفعال الله وأفعال الله ليست مخلوقة وإنما المخلوق هو المفعول ، وأما الفعل فهو صفة لله ، وصفات الله ليست مخلوقة .ثم أيضاً لو قال : ( في الأشياء المخلوقة ) لشمل ذلك الأعيان والأفعال والأوصاف بخلاف ما لو قال : ( في الأفعال المخلوقة ) فإن ذلك يختص بالأفعال فحسب .


318 قال المؤلف رحمه الله :
مخلوقة لربنا من العدم وضل من أثنى عليها بالقدم
وقوله ( وضل من أثنى عليها بالقدم ) إن أراد من أثنى عليها بالنوع فليس بصحيح ، وإن أراد من أثنى عليها بالعين فهذا صحيح ، لأن ما من شيء من المخلوقات يكون قديماً ليس له أول أبداً .
وخلاصة القول في ذلك أنه ليس في الوجود إلا خالق ومخلوق ، وأن الخالق جل وعلا لم يزل ولا يزال موجوداً ، وأما المخلوق فالأزل في حقه ممتنع ، فليس هناك شيء من المخلوقات يكون أزلياً أبداً ، بل ما من مخلوق إلا وهو حادث بعد أن لم يكن ........
فالفلاسفة هم الذين قالوا بقدم العالم ، وأن العالم لم يزل ولا يزول ، ولهذا يقولون: أن المادة لا تفنى كما أنها ليست حادثة ، وهذا لا شك أنه شرك مخرج عن الملة ، ومن ادعى أن مع الله شريكاً في الوجود فهو مشرك ........
340
فإذا قدرنا أن هناك رجلاً مؤمناً ، تقياً ، يقوم الليل والنهار في طاعة الله ومات على ذلك فإن الله يجوز أن يعذبه ويخلده في النار ولكن كيف ذلك ؟


قال المؤلف رحمه الله :
فكل ما منه تعالى يجمل لأنه عن فعله لا يسأل
فعلل ذلك بتعليلين :
التعليل الأول : أن كل شيء من الله فهو جميل .
التعليل الثاني : أن الله لا يسأل عن فعله ، كما قال الله تعالى : (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (الأنبياء:23) ) .
ولكن هذا القول والتعليل لهذا القول كلهما باطل ولا نقول : ضعيف بل نقول : إنه باطل ؛ لأنه مخالف للنص الصريح في كتاب الله ، قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود:117) وقال تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) (طـه:112) وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً )(يونس: الآية 44) وقال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ((فصلت:46)) والآيات في هذا المعنى كثيرة .
فإذا قلنا :إن من آمن واتقى ومات على ذلك جاز أن يعذبه الله صار هذا القول مخالفاً لنص القرآن .
ثم ، هذا الفعل غير جميل ، والله سبحانه وتعالى لا يفعل إلا الجميل ، وفي الحديث القدسي الصحيح أن الله تعالى قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ) ثم إن تعذيب المطيع القائم بأمر الله ليلاً ونهاراً حتى مات ، لا أحد يشك في أنه ظلم وأنه غير جميل . إذا سقط التعليل الأول في قوله : ( فكل ما منه تعالى يجمل ) ، فإن عقوبة المطيع ليست جميلة ، فلا يصدق عليها هذا التعليل .
أما التعليل الثاني في قوله : ( لأنه عن فعله لا يسأل ) فهذا صحيح ، فالله تعالى لا يسأل عما يفعل ، فلا يسأل لماذا هدي هذا الرجل حتى استقام ولماذا أضل الآخر حتى انحرف ، فلا يسأل عن هذا ؛ لأن الله له الحكمة فيما قدر ، لكن بعد أن يوجد السبب المقتضي للثواب أو العقاب ، فلو أن الله عاقبه لكان هناك سؤال عن سبب معاقبة الله لهذا الرجل ، ولهذا أيضاً يسقط هذا التعليل ، ويحمل - إذا أردنا أن نجعله صحيحاً - على أنه لا يسأل عن فعله في إيجاد الأسباب المقتضية للعذاب أو للثواب .
فإذا قال قائل : أليس الخلق كله ملكاً لله ؟ وإذا كان ملكاً له أفلا يمكن أن يقال : إن له أن يفعل في ملكه ما شاء ؟
فالجواب : بلى ، ولكن نقول : هو نفسه عز وجل أخبر بأنه لا يمكن أن يظلم أحداً ، ولا يمكن أن يعذب طائعاً ، فيكون هذا الشيء - أي تعذيب المطيع - ممتنعاً بمقتضى خبر الله عز وجل ، وبمقتضى أسمائه وصفاته ، وأنه عز وجل احكم الحاكمين واعدل العادلين .
فحينئذٍ يكون ممتنعاً لأخبار الله بأنه لا يظلم أحداً ، وأن (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ)(فصلت: الآية 46) : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة:7) إلى غير ذلك من الآيات ، فهو ممتنع لهذا الوعيد ، وإلا فمن المعلوم أن الله يفعل في خلقه ما يشاء ، لكن هو نفسه سبحانه وتعالى حرم على نفسه الظلم وأوجب على نفسه أن يثيب المطيع ، قال الله عز وجل : ( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَإنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(الأنعام: الآية 54) .


وبناء على ذلك صار قول المؤلف رحمه الله :
وجاز للمولى يعذب الورى من غير ما ذنب ولا جرم جرى
قولاً باطلاً مخالفاً للكتاب والسنة ، ومخالفاً لما تقتضيه أسماء الله وصفاته ، وأما التعليلان المذكوران فهما أيضاً غير صحيحين بالنسبة لهذه المسالة ؛ لأنه إذا قال : كل فعل من أفعال الله فهو جميل ، قلنا : لا جميل في تعذيب المطيع ، وإذا قال : لأنه عن فعله لا يسأل ، قلنا : هذا في منع السبب المقتضي للثواب أو العقاب ، فإذا هدى شخصاً و أضل شخصاً فإنه لا يسأل ، لكن إذا وجد الضلال أو الهدى فإنه لابد أن يترتب عليهما مقتضاهما من ثواب في الهدى ، وعقاب في الضلال .


ثم قال المؤلف رحمه الله :
فإن يثب فإنه من فضله وإن يعذب فبمحض عدله
( إن يثب ) يعني إن يثب المطيع فإنه من فضله ، وهذا صحيح ؛ فهو سبحانه إذا أثاب المطيع فإن ذلك فضله ، ولكن هذا الفضل أوجبه الله على نفسه ، وإذا كان الله أوجبه على نفسه فلا يمكن أن يتخلف هذا الموجب ، ولهذا فإن قول المؤلف : ( فإن يثب فإنه من فضله ) حق وصدق ، فإن الله إن يثب فهو من فضله ، بل إن الله عز وجل يثيب على العمل أكثر من العمل ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ، فعشر الأمثال ثابتة وما زاد فهو نافلة وهو فضل الله عز وجل .
ونحن نسلم بهذا ولكننا نقول : هذا الفضل كان واجباً على الله بإيجابه إياه هو على نفسه سبحانه وتعالى ، فهو الذي أوجب على نفسه أن يثيب المطيع ، وإذا كان لكرمه عز وجل أوجب على نفسه أن يثيب المطيع فإن هذا الإيجاب لن يتخلف ، لأنه لو تخلف - وحاشاه من ذلك - لكان مخلفاً للميعاد ، والله عز وجل لا يخلف الميعاد ، قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ)(فصلت: الآية 46) ، وقال تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة:7)) فلابد أن يوجد هذا الذي وعد الله به .
ثم إن الله يثبت فإنه من فضله ، سواء أثاب المطيع على عمله بالطاعة ، أو عفا عن المجرم ، فإن عفوه عن المجرم يعتبر إثابة؛ لأن ترك العقوبة إحسان ، وإذا عفا عن المجرم فهو بفضله ، والعفو عن المجرم محتمل إلا إذا كان الإجرام شركاً ، ودليله قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء: الآية 48) .
وقوله : ( وإن يعذب فبمحض عدله ) وهذا صحيح؛ لأن الله إذا عذب فبعدله ، لكن متى يكون العذاب عدلاً ؟ نقول : إذا وجد سببه صار عدلاً ، أما إذا لم يوجد فإنه يكون ظلماً .
وظاهر كلام المؤلف : ( أن يعذب ) مطلقاً ، لقوله : ( وجاز للمولى يعذب الورى ) ولكننا نقول : إن هذا الظاهر إن كان مراداً للمؤلف فهو غير صحيح وإن أراد بقوله ( إن يعذب) على الإساءة فهذا صحيح، فإنه إن يعذب على الإساءة فبمحض العدل ، لأنه لا يعذب على الإساءة إلا بمثل السيئة ، قال تعالى : ( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(الأنعام: الآية 160) يعني لو جزي بأكثر لكان ظلماً ولكنهم لا يظلمون.
وانظر إلى تمام العدل وتمام الفضل أن السيئة بمثلها لا تزيد ، والحسنة بعشر أمثالها ، والعدل أن تكون الحسنة بمثلها ،أو السيئة بعشر أمثالها ، لكن ليتبين فضل الله صارت الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها ، ومع ذلك فإن هذه السيئة قابلة للمغفرة ، قال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء: الآية 48) أما ثواب الحسنة فهو غير قابل للإسقاط ، فإن لم يزد لم ينقص ، وهذا أيضاً يظهر به تمام فضل الله عز وجل ؛ حيث إن السيئة بسيئة قابلة للعفو ،والحسنة بعشر أمثالها غير قابلة للنقص ، بل هي باقية ، وما زاد على العشر يمكن أن يكون إلى سبعمائة ضعف ، بل إلى أضعاف كثيرة .
إذا قوله : ( إن يعذب فبمحض عدله ) قول صحيح إن أراد به من أساء ، أما إن أراد به - حتى من أحسن - فليس بصحيح ؛ لأنه لو عذب المحسن لكان هذا ظلماً ، والله عز وجل منزه عن الظلم .
وقول المؤلف : ( إن يعذب فبمحض عدله ) أراد بذلك الاحتجاج لقوله ، وفي الحقيقة أنه حجة عليه ؛ لأننا نقول : التعذيب يكون عدلاً إذا وجد سببه وإذا لم يوجد سببه فليس بعدل
وقد يرد إشكال بناء على ذلك في فهم الحديث : (( إن الله لو عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ) ، فكيف نجيب على هذا الحديث ؟
والجواب عنه يكون من أوجه :
أولاً : ينظر في صحة الحديث .
ثانياً : فإذا صح كان المعنى أن الله لو عذب أهل سماواته وأرضه لكان تعذيبه إياهم في غير ظلم ، أي لكان تعذيبه إياهم بسبب منهم وهو المعصية .
ثالثاً : لو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم ، وذلك بأن يقابل إحسانه بإحسانهم ، فإنه إذا قابل إحسانه بإحسانهم صار إحسانهم ليس بشيء ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لن يدخل أحد الجنة بعمله ) أي من باب المقابلة ، لأن الله لو حاسبنا على وجه المناقشة لكان فعلنا للخيرات دَيناً علينا ، لأنه هو الذي منَّ علينا بذلك ، وحينئذٍ لو عذبنا في هذه الحال أو من هذا الوجه لعذبنا وهو غير ظالم ، هذا إذا صح الحديث ، وعلى ذلك فلا يكون في هذا إشكال .

349 قال المؤلف رحمه الله :
فلم يجب عليه فعل الأصلح
ولا الصلاح ويح من لم يفلح
قوله ( فلم يجب عليه فعل الأصلح ولا الصلاح ) أي : إذا كان هناك فعل فيه صلاح ، وفعل فيه أصلح ، وفعل ليس فيه صلاح ولا أصلح ، وفعل في سوء ، وفعل فيه أسوأ ، فهذه خمسة أقسام ، وفعل الله عز وجل – وحاشاه من ذلك سبحانه وتعالى – الأسوأ، فإن ذلك في نظر المؤلف رحمه الله جائز على الله

، ولكن كلام المؤلف هذا أيضا فيه نظر ظاهر، لأن فعل الأسوأ مع إمكان الصلاح مناف للحكمة ، لكن قد يخطئ الإنسان في الفهم فيظن أن الأصلح خلاف كذا ، ولكن الأمر خلاف ما ظن ، فيظن في هذه الحال أن الله فعل الأسوأ وليس كذلك ، لكن لو كان الأسوأ حقيقة وتقديراً وتصوراً فإننا نقول : إن الله لا يمكن أن يفعله ، لأنه مناف للحكمة , والله سبحانه وتعالى حكيم لا يمكن أن يفعل إلا ما فيه الخير إما بذاته وإما بغيره.............

380 قال المؤلف رحمه الله :
ويقبل المولى بمحض الفضل
من غير عبد كافر منفصل
ما لم يتب من كفره بضده
فيرتجع عن شركه وصده
الحقيقة أن هذا الاستثناء وهو قوله ( ما لم يتب ) ، فيه شيء من النظر , لأن كل من تاب تاب الله عليه من أي ذنب كان , وكلامنا في التوبة ,فإذا تاب تاب الله عليه ولو كان كافراً, أما إذا مات على المعصية وهي غير كفر , فهذه هي التي تكون تحت المشيئة , إن شاء الله غفر له وإن شاء عاقبه.


416 و420 قال المؤلف رحمه الله :
ولا تقل إيماننا مخلوق ولا قديم هكذا مطلوق
فمعنى كلام المؤلف : لا تقل : إيماني مخلوق , ولا غير مخلوق , لأنك ستركع والركوع مخلوق ,وستقرأ القرآن , والقرآن غير مخلوق , وكل ذلك من الإيمان . ولكن القول الراجح في هذه المسألة أن إيماننا كل مخلوق , أما قراءة القرآن فإن القراءة التي هي فعل القارئ مخلوقة , وأما القرآن نفسه فغير مخلوق, لكن القرآن ليس هو إيمان العبد نفسه , وإنما القرآن مما يؤمن به العبد , وهناك فرق بين إيماننا , وما نؤمن به , فكلامنا بالقرآن مخلوق , لكن ما نتكلم به غير مخلوق , ولهذا فإننا نقول : إن كلام المؤلف رحمه الله هنا فيه نظر , بل الصواب أن نقول : إيماننا كله مخلوق ..........
وعلى هذا فمن قال : إيماني مخلوق فقد صدق , أما ما آمن به ففيه التفصيل , منه ما هو مخلوق , ومنه ما هو غير مخلوق .................


417 قال المؤلف رحمه الله :
ففعلنا نحو الركوع محدث وكل قرأن قديم فا بحثوا
........... ومما يؤخذ على المؤلف رحمه الله أيضاً قوله ( وكل قرآن قديم ) والصحيح أن القرآن حادث .......... ولكن الشيخ رحمه الله رجع عن هذا القول وقال كنت من قبل أقول: إن الذي في اللوح المحفوظ ذكر القرآن لا القرآن , بناءً على أنه يرد بلفظ المضي قبل الوقوع, وأن هذا كقوله تعالى عن القرآن الكريم ( وإنه لفي زبر الأولين) والذي في زبر الأولين ليس القرآن, بل ذكر القرآن والتنويه عنه. ولكن بعد أن اطلعت على كلام شيخ الإسلام رحمه الله انشرح صدري إلى أنه مكتوب في اللوح المحفوظ ولا مانع من ذكل , ولكن الله تعالى عند إنزاله إلى محمد صلى الله عليه وسلم يتكلم به ويلقيه إلى جبريل عليه السلام . هذا قول السلف وأهل السنة في القرآن والله أعلم. انظر حاشية ص 215 من هذا الكتاب .


428 قال المؤلف رحمه الله :
ووكل الله من الكرام
اثنين حافظين للأنام
فيكتبان كل أفعال الورى
كما أتى في النص من غير امترا
وقوله ( أفعال الورى ) ظاهره أنهما لا يكتبان القول , ولا يكتبان الهم , وفي هذا نظر ظاهر , فإن القرآن الكريم يقول في القول ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) وأما الهم فمن هم بالحسنة فعملها فله عشر حسنات , ومن لم يعملها فله حسنة , ومن هم بالسيئة فتركها لله فله حسنة , ..........
ولعل المؤلف رحمه الله أخذ هذا أي قصره ما يكتب على الفعل من قوله تعالى ( وإنا عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون )
ولكن من الواضح أننا إذا علمنا قوله تعالى ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) وضممناه إلى القول السابق , فإنه يكون الذي يكتب هو القول والفعل , ثم نضم هذين الاثنين إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن هم بالحسنة ومن هَم بالسيئة , فيكون الذي يكتب القول والفعل والهَم .


431 قال المؤلف رحمه الله :
وكل ما صح من الأخبار أو جاء في التنزيل والآثار
من فتنة البرزخ والقبور وما أتى في ذا من الأمور
.......... ثم ذكر المؤلف رحمه الله أمثلة لهذه الأشراط , فقال ( من فتنة البرزخ والقبور ) والواقع أن هذا ليس من أشراط الساعة , لكنه من الأمور السمعيات التي تتلقى من السمع.


446 قال المؤلف رحمه الله :
وأن أرواح الورى لم تعدم
مع كونها مخلوقة فاستفهم
فكل ما عن سيد الخلق ورد
من أمر هذا الباب حق لا يرد
ثم قال المؤلف رحمه الله ( فكل ما عن سيد الخلق ورد) ...... ولا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم , كما أخبر عن نفسه وهو الصادق المصدوق فقال : ( أن سيد ولد آدم ) وهل النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم سيد الخلق أو سيد ولد آدم ؟ والجواب : هذا ينبني على الخلاف في اعتبار أن ولد آدم أشرف المخلوقات .........
وبناء على هذا إذا قلنا : بنو آدم أفضل من الملائكة, فمحمد صلى الله عليه وسلم سيد الخلق , وإذا قلنا الملائكة أفضل , فإنه يبقى النظر : هل محمد صلى الله عليه وسلم أفضل منهم ؟ وذلك يحتاج إلى إثبات , لأن تفضيل الجنس على الجنس لا يمنع أن يكون فرد من أفراد هذا الجنس أفضل من الجنس الثاني ...........
ولو عبر المؤلف رحمه الله بني آدم لكان أسد وأسلم من الإيراد .


457 قال المؤلف رحمه الله :
وأمر يأجوج ومأجوج أثبت فإنه حق كهدم الكعبة
قال رحمه الله ( وأمر يأجوج ومأجوج أثبت ) وهذا هو الشرط الرابع من شروط الساعة , فالأول : المهدي, والثاني : المسيح عيسى ابن مريم , والثالث: الدجال , والرابع : يأجوج ومأجوج , لكن نزول عيسى بعد الدجال , فكان عليه أن يقدم الدجال أولاً ثم عيسى ابن مريم عليه السلام , لأن عيسى ابن مريم يقتل الدجال . وقد صح بذلك الحديث.


466 قال المؤلف رحمه الله :
وآخر الآيات حشر النار كما أتى في محكم الأخبار
فكلها صحت بها الأخبار وسطرت آثارها الأخيار
فظاهر كلام المؤلف أنه حتى الدابة التي تخرج من أجياد قد صحت بها الأخبار , ولكن الأمر خلاف ذلك , اللهم إلا أن تكون صحت عنده , فإنه قد يصح الحديث عند شخص ولا يصح عند آخرين .


524 قال المؤلف رحمه الله :
وشرطه من أكرم بالنبوة حرية ذكورة كقوة
وقوله ( حرية ذكروة كقوة) لو قال : ( حرية ذكورة وقوة ) لكان أحسن . لكنه قال : ( كقوة) فكأنه جعل القوة تعليلاً لاشتراط الذكورة واشتراط الحرية , وهذه الكاف للتشبيه يعني كما تشترط القوة. فالشروط التي ذكرها المؤلف رحمه الله ثلاثة : الحرية والذكورة والقوة على إبلاغ الرسالة.


539 قال المؤلف رحمه الله :
ومعجز القرآن كالمعراج حقاً بلا مين ولا اعوجاج
........ لكن هنا ملاحظة على قول المؤلف :(ومعجز القرآن) ......وكان ينبغي له ألا يعبر عن آيات الأنبياء بالإعجاز , لأن الإعجاز ليس من خصائص الأنبياء , فإن الساحر يعجز , والبهلواني يعجز , فلما كان هذا اللفظ مشتركاً بين الحق والباطل كان الأولى أن نأتي بلفظ يتعين فيه الحق , وهو ما نطق الله به وهو ( الآيات) كما قال تعالى في القرآن ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم )

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

والنقل
لطفا من هنا

http://www.salaficall.net/vb/showthread.php/3098-تنبيهات-على-أخطاء-quot-العقيدة-السفارينية-quot-للعلامة-العثيمين-رحمه-الله-تعالى