خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الحجة في الدفاع على السنة وأهلها

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية الحجة في الدفاع على السنة وأهلها

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 20.08.10 10:17


    الحجة في الدفاع على السنة وأهلها
    الحجة في الدفاع على السنة وأهلها  470674
    بسم الله الرحمن الرحيم
    والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    إخواني في الله أقدم إليكم هذه الرسالة المتواضعة، وأنا في معرض الرد على أحد أئمة المساجد الذي يلهج لسانه دائما بالطعن على السلفية وأهلها، فأقول وبالله التوفيق والسداد:

    بـسم الله الرحمـن الرحيـم

    الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:

    قال الله تعالى: { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.[يونس:62-63-64].
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عـادى لي وليا فقد آذنتـه بالحـرب... " رواه الإمـام البخـاري.

    تبارك الذي أنزل على عبده نـورا يهدي من اتبع رضوانه ســبل السـلام، فتبوأت بـه أمـته مكـانـا عـليـا، وكـانت خيـر أمـة أخـرجت لـلناس تـأمـرهم بالمعـروف وتنهـاهم عـن المنـكر، فقيـضت آصـار الجهـل عـن ظـهورهم، وحطمت أغلال العمى الذي طمس على قلـوبهم، فأمضى المسلمـون حينا من الدهر يتداولون المجد العلمـي، ويتقلـبون أفواف حضارة الكتاب والسنة الوارفة الظلال أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حيـن بإذن ربها، رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه منهم من ينتظر وما بدلو تبديلا، لم تلههم الدنيا بزينتها وزخرفها عن ذكر الله، يجاهدون في سبيل الله لا يخشون في الله لومة لائم، حددوا معالم السبيل لمن تبعهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، ليبقوا على بيضاء نقية ناصع لونها تسر السالكين المخـلصين الـذين لا يقـدمون بـين يـدي الله ورسوله، وأحكموا بـقول إمـام دار الهجرة - لا يصلح آخـر هذه الأمـة إلا ما أصـلح أولها - وهو بلا ريب رأي كل بصير بـداء الأمـة المحمدية قديما وحديثا.

    الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( 1115- 1206 هـ / 1703- 1792 م ) التميمي النجدي، مجدد القرن الثاني عشر الهجري وزعيم النهضة الإصلاحية الحديثة التي امتدت من الجزيرة العربية إلى مصر والجزائر إلى بلاد الإسلام، وفي نجد بدأ دعوته المباركة التي هي محاولة للعودة إلى المنابع الأولى من الدين، أي الإنتهاج بطريقة السلف الصالح - رضوان الله عليهم أجمعين - وهي دعوة إلى التوحيد الخالص ونبذ البدع، وتهدف هذه الدعوة المباركة إلى إزالة ما علق بالدين من الشوائب، نتيجة لإنتشار الخرافات التي تراكمت في عصور الظلام، وقد انصبت هذه الدعوة خصوصـا على استنكـار عبادة الأولياء والدراويش وتقديس الأضرحة والأشجار والأحجار... وغيرها من المظاهر التي تنافي كمال التوحيد، وحرصت أيضا على إتباع السنة والدليل الصحيح...، وأن محبة الصالحين تكون بإتباعهم لا بإتخاذهم وسائط بينهم وبين الله ودعائهم والإستغاثة بهم من دون الله، وسؤالهم الشفاء والمدد والنصر على الأعداء..، قال الله عـز وجل: { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ* إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ }[فاطر:13-14]، قال عـز وجل: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }[النساء:116]، قال تعالى: { وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[الأنعام 88]، قال تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }[يونس:18]، قال تعالى: { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }[المائدة:72]...، ولقوله صلى الله عليه وسلم: " من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار " رواه الإمـام البخاري.. .

    وقف المبطلون وما زالوا ضد دعوة التوحيد والسنة التي تبناها الشيخ رحمه الله ، وبدأ أعداء هذه الدعوة يشيعون الأكاذيب ويتآمرون على قتله والخلاص من دعوته ولكن الله سلم والله أكبر ولله الحمد..، وإنما خلق الشيخ قولا للحق أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر وقافا عند حدود الله، ومازال بعض الناس إلى يومنا هذا يشيعون الأباطيل والتهم، ويقولون بسخرية الوهابية أعداء العلماء.. وأعداء المسلمين.. وأعداء الأولياء... ولا يؤمنون بـكرامات الأولياء.. ولا يـحبون الرسـول.. ويكـفرون ويفـسقون ويبدعون وكذا وكذا..، إلى أولئك أقول كما قال الشاعر :

    مـا يضير البحر أمسى زاخـرا

    أن رمـى فيه غلام بـحجر

    ولكن اقتضت حكمة الله أن يجعل للأنبياء ودعاة التوحيد أعداء، قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }[الأنعام:112].
    قال صلى الله عليه وسلم: " إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين " صحيح رواه الترمذي.

    أما القول الذي ذكرته أن نجد هي قرن الشيطان استنادا للحديث الشريف الذي ورد فيه نـجد والمشرق قرن الشيطان، مع أن العلمـاء من الصحابة والتابعيـن وأئمـة السلف وغيرهم من أهل اللغة والمعاجم ذكروا أن المقصود بالمشرق ونجد في الحديث هي نجد العراق، وبذلك فسره الإمام الخطابي والحافظ بن حجر العسقلاني- رحمهم الله -، مع أن الرويـات الواردة في طلوع قرن الشيطان كلها عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، وقد صرح في بعضها أن المراد بها أرض العراق، ويشهد لما ذكرنا ما رواه مسلم عن ابن عمر- رضي الله عنهما - قال: يا أهـل العـراق ما أسألكـم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أن الفتنة تجيء من ها هنا، وأومئى بيده إلى المشرق "، فظهر أن هذا الحديث خاص بأهل العراق لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر المراد بالإشارة الحسية، وقد جاء صريح عن عبد الله ابن عمر- رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في مكتنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في شامنا، وبـارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، فقال رجل وفي عراقنا، فأعرض عنه، فرددها ثلاثا كل ذلك يقول الرجل وفي عراقنا فيعرض عنه فقال: بها الزلازل والفتن وفيها يطلع قرن الشيطان "، وروي بلفظ نجدنا وبلفظ مشرقنا والمعنى واحد..، وفيه فوائد كثيرة تتعلق بهذا الحديث، ومنها أن بلاد نجد المعروفة اليوم بهذا الإسم ليست المقصود بهذا الحديث وإنما هو العراق وأن الطعن في الإمام مـحمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - مـجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية من البهتـان العظيم..، وقد جاء أيضـا في المعجم الكبير للطبراني النص على أنـها العراق، قال الإمـام الخطابي: " نجد " من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان "نجده" بادية الشام ونواحيها فـهي مشرق أهل المدينة، وأصل "نجد" ما ارتفـع من الأرض وهو خلاف الغور فإنه ما إنخفض منها "، وذكر الحافظ ابن حجر إن"نجدا" من ناحية العراق، فـقول ابن عمر وأهل العلم واللغة وشهادة الحال كل هذا يعين المراد،هذا وقد جرى بالعراق من الملاحم والفتن ما لم يجر في نجد الحجاز، يعرف ذلك من له إطلاع على كتب السير والتاريخ، كواقعة الجمل ثم صفيين، وفتنة خروج الخوارج، ومقتل سيدنا الحسين - رضي الله عنه -، وفتنة ابن الأشعت، وفتنة المختار، وما جرى في ولاية الحجاج من القتال وسفك الدماء، وفتنة المعتزلة بالبصرة ثم الروافض.. وغير ذلك مما يطول ذكره.
    وقد بين العلماء - رحمهم الله -: أن الذم ليس لكل من ولد أو سكن بنجد والمشرق، كمـا لا يلزم من ذم مكان ما الذم المطلق في كل الأحوال والأزمنة، وتقرير ذلك ما رواه الشيخان عن أسامة بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم " أشرف على أطم من آطام المدينة فقال: هـل ترون ما أرى إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر "، وخلاصة القول أن هذا الحديث وغيره مما ورد في هذا الباب يبين وقوع الفتن بالمدينة المنورة، فـلو كان وقوع الفتـن في موضع مستلزم لـذم سـاكنيه، لزم عن هذا ذم سكان المدينة، وهذا لا يقول به أحد، بل وما من بلد أو قرية إلا وقد كانت في زمن أو ستصير في زمن آخر موضع فتنة، فكيف يجترئ أحد على ذم مسلمي الدنيا!؟.
    وهل عاب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أحدا ببلده، كـونه فارسيا أو زنجيـا أو مصريا من بلاد فرعون؟ وهؤلاء الكثير من آباء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانـوا على جاهلية وشرك وعبادة الأصنام..، وبهذا فلا يستوجب عيب أحد منهم بأسلافه، وقد يخرج من أصلاب المشركين من هو من خواص أوليائه وأصفيائه..، ومثال ذلك عكرمة بن أبي جهل من أبطال الصحابة - رضي الله عنه - وأبوه فرعون هذه الأمة..، والعراق نفسه الذي ورد فيه الذم، لا يعني ذلك أنه لا خير فيه مطلقا، ولا أن أهله مذمومون، ولا يعني أيضا أن ما خرج منه من العلم والصلاح والخير مردود، وأكـابر أهل الحديث وفقهاء الأمة أهل الجرح والتعديل وأئمة الإسلام من أهل العراق، وخرج من بلاد الرافدين خير كثير للإسلام والمسلمين في دينهم ودنياهم، وخرج من العراق دعـاة مهتـدون وأئمة مقتدون كالإمام أبي حنيفة والإمام أحمد - رحمهم الله أجمعين -.. فهل نرد مذهب كل من هذين الإمامين وأمثالهما لمجرد أنها صدرت من موطن الفتن وقرن الشيطان..؟! وهذا لا يقول به عاقل، فخبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا وأمثاله لا يتضمن رد الحق الذي يأتي من جهة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من أحوالها، ومـا أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء - رضي الله عنهما - حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلى الشام فقال: أما بعد فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا وإنما يقدس الإنسان عمله.
    وهذا خلافا لما يظنه بعض الحاقدين أن المراد نجد الحجاز، حيث لم يظهر فيها شيء من الفتن التي ظهرت في العراق، بل ظهر من نجد الحجاز التوحيد الذي خلق الله العالم لأجله، والذي من أجله أرسل الله الرسل، قال عز وجل: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[آل عمران:71].
    والله سيحاسبون على ما قالوا في الشيخ يوم القيامة، ولو أنهم درسوا كتب الشيخ بإنصاف لوجـدوا فيهـا حب القرآن والسنة وحب الأنبياء والصالحين، والدعوة إلى الحق والعلـم والعمل بكتاب الله وبسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والسير على منهاج السلف الصالح في أخلاقـهم وعبادتـهم القـولية والإعتقـادية والعمـلية.
    وقديما اتهموا الإمام الشافعي بالرفض فرد عليهم قائلا :

    إن كان رفضـا حـب آل محمـد
    فليشهد الثقلان أني رافض

    ولسان الشيخ محمد بن عبد الوهاب يقول:

    إن كـان تـابع أحـمد متوهبـا
    أنفـي الشريك عن الإله فليس لي
    لا قبـة ترجـى ولا وثـن ولا
    كلا ولا حـجر، ولا شجر ولا
    أيضـا ولسـت معلقـا لتميمـة
    لرجـاء نفـع، أو لـدفع بليـة
    والإبتـداع وكل أمـر مـحدث
    أرجـو بأننـي لا أقـاربه ولا
    جاء الحديث بغربـة الإسـلام فلـ
    فـا الله يـحمينا، ويحفظ ديننـا
    ويؤيـد الدين الـحنيف بعصبـة
    قـد أخبر الـمختـار عنهم أنـهم
    سلكـوا طريق السالكين إلى الـهدى
    من أجل ذا أهل الغلـو تنــافروا
    نفـر الذين دعـاهم خير الــورى
    صلـى عليـه الله ما هـب الصبـا
    فأنـا الـمقر بأنـني وهـابي
    رب سوى الـمتفرد الوهـابي
    قـبر له سبب من الأسبـاب
    عين، ولا نصب من الأنصاب
    أو حلقة، أو ودعة أو نـاب
    الله ينفعنـي، ويدفـع ما بي
    في الدين ينكره أولـوا الألباب
    أرضاه دينـا، وهو غير صواب
    ـبيك المـحب لغربـة الأحباب
    من شـر كـل معـاند سبـاب
    متمسكيـن بسنـة وكتــاب
    غربـاء بين الأهل والأصحـاب
    ومشـوا على منهاجهـم بصواب
    عنهـم فقلنـا ليس ذا بعجـاب
    إذ لقبـوه بـساحـر كــذاب
    وعلى جـميع الآل والأصحـاب

    قال الشيخ الإبراهيمي - رحمه الله -: " ويقولون عنا إننا وهابيون، كلمة كثر تردده في هذه الأيام الأخيرة حتى أنست ما قبلها من كلمات..، فنحن بحمد الله ثابتون في مكان واحد وهو مستقر الحق..، إن العامة لا تعرف مدلول كلمة وهابي إلا ما يعرفها به هؤلاء الكاذبون، وما يعرف منها هؤلاء إلا الإسم، وأشهر خاصية لهذا الإسم هي: أنه يذيب البدع كما تذيب النار الحديد، والعاقل لا يدري مما يعجب: أمن تنفيرهم باسم لا يعرف حقيقته المخاطب منهم ولا المخاطب، أم من تعمدهم تكفير المسلم الذي لا يعرفونه نكاية في المسلم الذي يعرفونه؟ فقد وجهت أسئلة إلى هؤلاء المفتنون من علماء السنة - زعموا - عن معنى الوهابي، فقالوا: هو الكافر بالله ورسـوله { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا }.. وما يقصدون بهذه الكلمة إلا تنفير الناس من دعاة الحق، ولا دافع لهم إلى الحشد في هذا إلا أنهم موتورون لهذه الوهابية التي هدمت أنصابهم ومحت بدعهم فيما وقع تحت سلطانها من أرض الله، وقد ضج مبتدعة الحجاز فضج هؤلاء لضجيجهم والبدعة رحم ماسة "الآثار [ 1 / 117 - 131 ].
    قال الشيخ العربي التبسي - رحمه الله -: " ألا إن أعدى المسلمين للإسلام أولئك النفر الذين يظنون من قبل أنفسهم أنهم أولياء الرحمن وأحبائه، وملؤوا أنفسهم ومن يتبعهم بأماني هي ضلال، وما أرادوا بها صوابا، فاستباحوا من الله المحارم وتعدوا له الحدود وأعرضوا عما فيه من الهدى فاغتر بهم الجهال وانقاد لهم الأغرار ودخلوا على الناس في عقائدهم ولبسوا عليهم أمر دينهم، وزهدوا الأمة الإسلامية في علمائها الذين أمر الله أن يرد إليهم الأمر " الـمقالات [ 1/65]، ويقول أيضا ردا على أحد من المبتدعة: " أما السلفيون الذين نجاهم الله مما كدتم لهم فهم قوم ما أتوا بجديد، وما أحدثوا تحريفا، ولا زعموا لأنفسهم شيئا مما زعمه شيخكم، إنما هم قوم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر في حدود الكتاب والسنة، وما نقمتم منهم إلا أن آمنوا بالله وكفروا بكم " المقالات [ 1/ 109 - 115 ].
    قال داعية الإصلاح وخطيب المصلحين الشيخ الطيب العقبي - رحمه الله -:

    ماتت السنة في هذه البلاد
    وفشا داء اعتقاد باطل
    عبد الكل هواء شيخه
    حكموا عاداتهم في دينهم
    أيها الأقوام إن تبغوا الهدى
    إنني أنصحكم نصح امرئ
    مذهبي شرع النبي المصطفى
    لا أرى الأشياخ في قبضتهم
    وعلى من يدعي غير الذي
    لست من قوم على أصنامهم
    كلما أشـد شـاد فيهـم
    كم بنوا قبرا وشادوا هيكلا
    لست أدعوا غير ربي أحدا
    لم أطف قط بقبر لا ولا
    لست أكسو بحرير جدثا
    لا أشد الرحل أبغي حجه
    لا أسوق الهدي قربانا له
    لا أنادي صاحب القبر أغث
    قائما أو قـاعدا أدعو به
    لا أناديه ولا أدعو سوى
    من له أسمائه الحسنى وهل
    مـخلصا ديني له مـمتثلا
    حسبي الله وحسبي قربه
    قبر العلم وساد الجهل ساد
    في سهول القطر طرا والنجاد
    جده ضلوا وضل الإعتقاد
    دون شرع الله إذ عم الفساد
    مالكم والله غير العلم هاد
    ماله غير التقى والخوف زاد
    واعتقادي سلفي ذو سداد
    كل شيء بل هم مثل العباد
    قلته إثبات دعوى الإتحاد
    عكفوا يدعونهم في كل ناد
    قول شرك ذهبوا في كل واد
    وصروح الغي بالجهل تشاد
    وهو سؤلي وملاذي والعماد
    أرتجي ما كان من نوع الجماد
    نخرت أعظمه من عهد عاد
    قربة تنفعـني يـوم التنـاد
    زردة يدعونها أهل البـلاد
    أنت قطب أنت غوث وسناد
    إن ذا عندي شرك وارتداد
    خالق الخلق رؤوف بالعباد
    أحد يدفـع مـا الله أراد
    أمره لا أمر من زاغ وحاد
    علمـه رحمته فهو الهادي























    إن من المجددين الظاهرين رجالا حباهم الله بمضاء ذكاء قطعوا به الجمود، وأنعم الله عليهم بعزائم ثابتة زلزلوا بها راسيات الخرافات والبدع، وميزهم بهمم عالية فضحت أطماع المبدلين، ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، أذكر منهم في هذا العصر الإمام الصالح بقية السلف الشيخ عبد العزيز بن باز، ومجدد العصر العلامة الفقيه السلفي الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، وسـماحة العلامة الجهبذ الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والإمام المصلح المجاهد الشيخ مقبل الوادعي - رحمهم الله أجمعين -، والشيخ السلفي حامل لواء الجرح والتعديل ربيع بن عبد الهادي، والشيخ الفاضل الفوزان، والشيخ أبو بكر جابر الجزائري بقية جمعية علماء المسلمين والمدرس بالمسجد النبوي، والشيخ العلامة المحدث عبد المحسن العباد البدر، والشيخ عبيد الجابري، والشيخ عبد المالك الجزائري، والشيخ أبو عبد المعـز محمد علي فركوس والشيخ مـصطفى الجزائري – حفظهم الله أجمعين -.. وأمثالهم من علماء التوحيد والسنة المعروفين بالاستقامة وسلامة العقيدة وحسن السيرة وصحة المنهج ، والدعوة إلى الله عز وجل، ومحاربة مظاهر الشرك ومحاربة الخرافات والبدع.. كل ذلك مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك " رواه مسلم.
    ولكن دعاة الباطل، وأهل الصيد في الماء العكر يتبعون زلات العلماء، وما تشابه منه ابتغاء الفتنة.. وعلماء التوحيد كانوا وما زالوا شوكة في حلوق ذوي الأهواء، ونكؤوا أعداء الدعوة السلفية الغراء زادهم الله توفيقا، وربط على قلوبهم والأقدام لمواصلة ما ورثوه عن السلف الصالح من علم ودعوة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا " متفق عليه.
    عـجبت لك!!.. أي حقد وأي غل تـحمله في قلبك ضد الدعوة السلفية وضد علمائهـا وضد أتبـاعهم !!.. ما بـالكم اليوم تنـدسون وراء الشيخ محمد الغزالي والشيخ يـوسف القرضاوي..!!؟، أستحييتم من ذكر مشايخكم وحدهم؟..، أم هي حيلة من حيل الطرقية لإستعطـاف العـوام من الناس!؟..، أين ستـذهبون من عقاب الله عز وجل...، إن الله يعلم السر وأخفى ويعلم ما تكن الصدور..، أم أن مشايخكم مـحاكمون أمام التاريخ الذي كشفهم..، أم هي وسيلة لإخفاء عقائدكم الخرافية التي يضحك من سفاهتها الصبيـان والمجانين!؟..، إلى متى هذا التستر.. وصدق فيكم من قال :

    وغرهـم من داهنـوا في دينهـم
    وارتضـوا في سيرهم " ذو الرماد "

    إلى متى وأنتم تلمزون علماء التوحيد وتتبعون زلاتـهم.. إلى متى هذا الكـذب والإفـك والبهتان.. إلى متى وأنتم تتهمون علماء السنة والتوحيد بـتكفير المسلمين!!! { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا }[الكهف:5].. أما آن لكم أن تكفوا ألسنتكم وأفواهكم عن علماء الأمة... والقول عليهم بهتانا وزورا... ألم تطعنـوا في كتب العلماء التي تصدع بالتوحيد والسنة والإصلاح؟!!.. ألم تقولوا بأنها كتب محرفة وفيها كذا وكذا!!..{ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }[يوسف:18]..، ألم تطعنوا في ابن تيمية وابن عبد الوهاب وفي مشايخ الدعوة السلفية!!... ألم تطعنوا في ابن باز وابن عـثيمين والألباني وابن باديس.. ألم تقولوا عنهم أنـهم غيروا وبدلوا وحرفوا الدين.. وأنهم كـذا وكذا!!!... إعلم أنكم ستحاسبون على ما قلتم يوم القيامة والله الموعد..، أليس هذا من السب ومن الطعن في العلماء؟!!...، وما نقمتم منهم إلا أنهم قالوا ربنا الله.

    ألم تر أن الحق تلقـاه أبلجــا
    وإنك تلقى باطل القـول لـجلجـا

    والله ما عرفنــا السنة إلا منهم ومن أمثالهم وممن أخذوا عنهم... هـؤلاء هم أئـمة التوحيد والإصلاح ورؤوس السنة.
    أم هو الغرور وإتباع الهوى :

    وكيف يؤمـل الإنسان رشـدا
    ظـن بنفسـه شرفـا وقـدرا
    مــا ينفــك متبعــا هــواه؟
    كــأن الله لـم يـخلـق سـواه!

    أم هو الجهل والتعالم قال الله تعالى: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }[الإسراء36].
    ألم تهون من سنة القبض.. وجلسة الإستراحة و..، ألم تلبسـوا على الناس في أحـاديث النهي عن البدع والمـحدثات.. ، قال الله تعالى:{ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }[البقرة:42]،.. ما بالكم ألم تتصفحـوا كتب ابن تيمية وابن القيم،.. ألم تطلعـوا على كتاب " البدع والحوادث " للإمام الطرطوشي المالكي، وكتاب المدخل للشيخ ابن الحاج المالكي، وكتاب الإعتصام للإمام الحجة الشاطبي المالكي..ألم تسمعوا لصريح قول الإمام مالك - رحمه الله -: " من ابتدع قي الإسلام بدعة يرها حسنة فقد زعم أن محمد صلى الله عليه وسلم خان الرسالة، لأن الله يقول:{ الْيَـوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فما لم يكن يومئذ دينا، فلا يكون اليوم دينا " انتهى، ألم تسمعوا لقول الصحابي الجليل حذيفة - رضي الله عنه -: " كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقال "، وروى الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب"السنة" بإسنادٍ صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة"،... عجبا لكم.. ثم عجبا لكم .. أتبررون للبدع بالنصوص العامة تارة، وبالأحاديث الموضوعة والواهية تارة أخرى، وتتركون السنة بحجج واهية!؟، مالكم كيف تحكمون؟..، ألم تسمع بـباب المصالح المرسلة..؟ ألم تفرق بينها وبين البدع..!! ألم تسمع بـباب سد الـذرائع!؟... أم هو التغالي في تعظيم الشيوخ!؟، ولو على حساب الحق.. أم هو كتمان السنة وردكم للأحاديث الصحيحة التي لا توافق أهوائكم وبدعكم..، روى الإمام أحمد بسند جيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما ابتدع قوم بدعة إلا نزع الله عنهم من السنة مثلها "، وصدق فيكم صلى الله عليه وسلم، فهأنتم على سبيل المثال حريصون كل الحرص ومـواظبين كل المواظبة على بدعة ذكر الحديث الصحيـح في فضل قيام رمضان وذلك قبل كل صلاة تراويح من شهر رمضان وكـأن هذا العمل من السنة، وفي المقابل رفع الله عنكم سنة الأمر بتسوية الصفوف قبل الصلوات، ولا حـول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وها هو حسان بن عطية - رحمه الله- يقول: " ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها عليهم إلى يوم القيامة ".
    { يـَا أَيُّهـَا الَّـذِينَ آَمَنُـوا اتَّقُـوا اللَّهَ وَكُـونُـوا مَعَ الصَّـادِقِـينَ }[التوبة:119]...ولكن :

    أوردهـا سعـد وسعـد مشتمـل
    مـا هكـذا يا سعـد تـورد الإبـل

    أم هو الحسد من ظهور الحق:

    إذا أراد الله نشــر فضيلــة
    طويت أتاح لـها لسان حسـود

    والله الهادي إلى سواء السبيل :

    فحسبكم هذا التفـاوت بيننــا
    وكل إنـاء بـما فيه ينضـح

    أم هو الغرور وحب الظهور وقديما قيل: " حب الظهور يقطع الظهور "...

    أما قولكم دون تبين في كل مـوسم من مواسم الحج في مسجد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأمام العوام بأن شيخ الإسلام ابن تيمية لا يرى استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهذا من الإفتراء فشيخ الإسلام - رحمه الله تعالى - يقول بمشروعية زيارة قبر النبي بالضـوابط الشرعية وزيارة قبور البقيع وشهداء أحد وغيرها من القبور ولكنه لا يجيز السفر إليها كما يدل عليه حديث شد الرحل، ومن ذلك كتابه ( الرد على الأخنائي )، والأخنائي من الذين ردوا على شيخ الإسلام بظلم مقرونا بالافتراء عليه ومنها هذه التهمة التي تلقفها من تلقفها عنه أو عن أمثاله من المفترين دون أن يرجع إلى بعض كتب الشيخ ليتبين حقيقة الأمر، فقد قال الشيخ رحمه الله في أول ( الرد على الأخنائي ) بعد أن ذكر الفريـة المذكورة عليه: " والمجيب - يعني نفسه - قد عرفت كتبه وفتاويه مشحونة باستحباب زيارة القبور، وفي جميع مناسكه يذكر استحباب زيارة قبور أهل البقيع وشهداء أحد ويذكر زيارة قبـر النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مسجـده والأدب في ذلك "، وقـال في أول كتابـه ( الجـواب الباهـر في زوار المقابر ) ( ص: 14 ): " قد ذكرت فيما كتبت من المناسك أن السفر إلى مسجده وزيارة قبره كما يذكره أئمة المسلمين في مناسك الحج عمل صالح مستحب وذكرت السنة في ذلك وكيف يسلم عليه فهل يستقبل الحجرة أم القبلة على قولين.."، فها هي كتبه رحمه الله طافحة مصرحة بمشروعية زيارة قبور المسلمين عامة وزيارة قبره عليه الصلاة والسلام خاصة كما يعلم ذلك كل من اطلع على شيء منها، وقد شرح هذا الحافظ ابن عبد الهادي في كتابه الصارم المنكي فليراجعه من شاء الزيادة ، وكذلك فعل الشيخ الألباني في كتابه القيم " دفاع عن الحديث النبوي والسيرة " ردا على الدكتور البوطي،.. فإنه من لا يستحي أن يقول على الله بغير علم لا يعز عليه أن يقول على المخلوق بغير فهم.
    وأما الدفاع عن الشيخ المجدد العلامة عبد الحميد بن باديس- رحمه الله - فأترك المجال للشيخ حماني - رحمه الله - نقلا عن جريدة الشعب [ يوم 18/11/1991 ص: 09 ]: ".. ففعل هؤلاء القـوم مع هؤلاء المشـايخ يشبه فعل الجاهلية مع هبل واللات والعـزى، وخصوصا إقامة الزردة حولها والذبح لها والتمسح بالقبور، أفترانا نحيي آثار الشرك ونحن الموحدون ؟. وتقول إن هذه الذبائح قد ذكر اسم الله عليها، فأقول: ولو ذكر إسم الله، فإن النية الأولى وهي تقديمها إلى صاحب المقام يجعلها لغير الله، برهان ذلك فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع والد الفرزدق وسحيم..، فلحم الزردة حرام، وطعامها حرام لأنه صنع بذلك اللحم والحضور في الزردة حرام، لأنه تكثير لأهل الباطل.. فكل من أحيا فينا الغفلة التي كنا فيها بالأمس ليس بناصح لنا، بل غاش ولن يفلح في مقصده.. وهذا وعد من الله صادق ولن يخلف وعده... فالحق أن ابن باديس وأصحابه إنما دقوا الجرس فاستيقظ الشعب.. ولم يأت ابن باديس بدين جديد ولا بطريقة جديدة وإنـما تلا كتاب الله وحدث بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار بسيرة السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين، وكفى ابن باديس أن أيقظ المسلمين.. ".
    أما مسألة التثـويب في الأذان التي أطلـت فيها الكـلام وكذكذت كعادتك، وزعمت بهتانا وزورا، أن الشيخ الألباني شذ وانفرد على أهل العلم، ثم من خلال هذا استرسلت بالطعن في علم الشيخ ثم الطعن في علماء السلفية.
    فأقول وبالله التوفيق إعلم أن الشيخ الألباني لم ينفرد بهذا القول، وسلفه في هذا هو الإمام أبو حنيفة وأبو يوسف والطحاوي وابن رسلان الرملي الشافعي والصنعاني وغيرهم، وقد ذهب الإمام الشافعي إلى عدم التثويب في الأذانين مطلقا، هذه واحدة.
    والثانيـة ذهب الشيخ ابن باز وابن عثيمين - وهـم من روؤس علماء السلفية في هذا العصر - إلى خلاف قول الشيخ الألباني، والمسألة فقهية يصغوا فيها الخلاف وأهل العلم فيها بين الأجر والأجرين، كما أن العلماء قديما وحديثا متفقون على أصل المسألة، حيث أجمعوا بلا خلاف قولا واحدا على أن دخول الوقت لصلاة الفجر يكون بالأذان الثاني ولله الحمد من قبل ومن بعد والحمد لله رب العالمين.

    أما مسألة السبحة، فقد اختلف فيها الفقهاء قديما وحديثا...، ولكن العجب أن تجعل من الحبة قبة، وأن تستشهد بالأحاديث الموضوعة والمكذوبة..، قال صلى الله عليه وسلم: " من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار " متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: " سيكون في آخر الزمان ناس من أمتي يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم وآباؤكم، فإياكم وإياهم " رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " رواه مسلم ، أما استشهادك بالإمام السيوطي فلا حجة لك فيما ذهب.. إلا التلبيس على عامة المسلمين كعادتكم..، قال الإمام مالك رحمه الله: " كل رجل يؤخذ من قوله ويرد، إلا صاحب هذا القبر "... أم هو لمز العلماء الذي عهدناه في لحن قولكم.. تقصدون من وراء هذا كله الشيخ العلامة المحدث الفقيه البحـاثة محمد ناصر الدين الألباني الذي كسر قبابكم بالدليل ومحق بدعكم بالبرهان..، لك الله يا ألباني..، ما ظنكم برجل قد :

    أبـى الله إلا رفـعـه وعلـوه وليـس لما يعليه ذو العرش واضع

    وأنت أمام هذا الحبر الجهبذ إلا كالهر تحكي انتفاخا صولة الأسد، ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه ونعوذ بالله من الكبر والغرور.

    فما عسى أن يقول الشعر في رجل
    وأي خير إذا فرد تجاهلَه
    يدعوه حتى عداه ناصرَ الدين!
    وقد فشا فضله بين الملايين!

    أما مـسألة وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة فالأمـر واضح لمن ابتعد قليـلا عن الجمـود والتعصب، والمسألة جلية وكتب الحديث والفقه تتلألأ بها كالشمس في رائعة النهار، وها هو القرآن الكريم يرشدنا في حالة التنازع بالرجوع إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }[النساء:59]
    فإذا رجعنا إلى القرآن الكريم في المسألة، نجد أنه روى الـدارقطني والحاكم عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عنه أنه فسر قوله تعالى { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }[الكوثر:2] بوضع اليمنى على الشمال في الصلاة، وروى البيهقي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مثله، وقال الحاكم: "إنه أحسن ما روي في تأويل الآية" أهـ. والتفسير هذا مناسب لحديث وائل بن حجر - رضي الله عنه -.
    وإذا رجعنا إلى السنـة المطهرة وجدنا أن وضع اليمنى على اليسرى رواه البخـاري ومـسلم ومـالك وأبوداود والترمذي والنسائي وأحـمد وابن حبان والضياء والدارقطني وابن خزيمة والبزار وغيرهم، كل هـؤلاء يرويه قـولا وفعلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأحاديث الواردة في ذلك نحو عـشرين حديثا عن نحو ثمانية عشر صحابيا، أكثرها صحـاح وحسان، وما قصر عن تلك الدرجة يرتفع بشواهده ومتابعاته كما يعرفه أهل فنه، والعمدة على صحاحها. عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: " كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة " رواه البخاري ومالك وأحمد
    عن وائل ابن حجر- رضي الله عنه -: " أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة، كبر- وصف همام حيال أذنيه- ثم التحف بثوبه، ثم وضع اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبر فركع، فلما قال: " سمع الله لمن حمده "، رفع يديه، فلم سجد، سجد بين كفيه " رواه مسلم والنسائي وأحمد وابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنا مـعشر الأنبيـاء، أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا، ووضع أيماننا على شـمائلنا " رواه الطيالسي وغيره وصححه ابن حبان وقال الألباني سنده صحيح على شرط مسلم.
    قال ابن عبد البر في التمهيد: لم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين "
    - من المرجحات على ذلك رواية الإمام مالك - رحمه الله - في الموطأ وقد بوب عليها بقوله: " باب وضع اليدين إحدهما على الأخرى في الصلاة "، ومن المعلوم بأن رواية الإمام مالك في الموطإ مقدمة على رواية غيره عنه في غير الموطإ.
    - وكذلك من المرجحات رواية أشهب ومطرف وابن الماجشون كلهم عن مالك، وهو قول المدنين من أصحابنا، ورواية ابن وهب عن سفيان الثوري عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن وهب هو من هو في المذهب، واختاره غير واحد من المحققين منهم: اللخمي وابن عبد البر وأبو بكر بن العربي وابن رشد ومحمد بن عبد السـلام والقاضي عياض وغيرهم...، والكثير من متأخـري الـمالكية كالعدوي والخرشي والأمير والقاضي عبد الوهاب وابن الحاجب وابن الحاج والشبرخيتي وسالم السنهوري والدسـوقي والصاوي وغيرهم كثير من الذين اعتمدوا سنية القبض في الصلاة مذهبيا بلا شبهة، وقال الباجي " إنه صحيح وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث وائل بن حجر "، وقال الحافظ ابن عبد البر: " لم يزل مالك يقبض حتى لقي الله تعالى "، ورويت هذه السنة عن الإمام مالك في أمهات دواوين كتب المالكية، وكل رواة الموطأ اتفقوا على إثباته.
    - ومن المرجحات أيضا كون حديث سهل بن سعد المذكور في الموطإ أمرا مسموعا، ولم يسمع عنه صلى الله عليه وسلم أمرا في الإرسال. وكذلك الرواية المثبتة مقدمة لأنها زيادة علما وهذا معلـوم. وأختم هذه المسألة بقول ابن القيم في زاد المعاد: " وضع اليمنى على اليسرى من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم وهدي الأنبياء قبله ".

    أما مسألة الإستواء قاعدا في ركعات الوتر من الصلاة - جلسة الإستراحة - التي أردت التشكيك في مشروعيتها، فلم يسعفك الحظ، فأتمم القول في المسألة بالأمور التالية:
    - مـما يدل على مشروعيتها حديث مالك بن الحويرث - رضي الله عنه -، حيث قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فإذا كان في الوتر من صلاته، لم ينهض حتى يستوي قاعدا " رواه البخاري، ووجه الإستدلال: أن مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - يقول في نفس الحديث: " أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة "، وكان مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلوا كما رأيتموني أصلي"، فحكاية مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - لصفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت هذا الأمر، ولو كان فعله صلى الله عليه وسلم - أعني: جلسة الإستراحة - لـعلة، لبين ذلك لهم، لأنه كان عليه الصلاة والسلام في مقام التعليـم، ولا يـجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وخاصة وأن مالكا ورفقتـه - رضي الله عنهم أجمعين - كانوا شببة متقاربون، إضافة إلى أن الأصل عدم العلة.
    - كما ذكرت جلسة الإستراحة في حديث أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه -، بسند صحيح في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي وافقه عليها عشرة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم أجمعين -، فإنه لما ذكر صفة الركعة، فذكر القيام، ثم الركوع، ثم السجدة الأولى، ثم السجدة الثانية، قال: " ثم يقول الله أكبر، ويرفع رأسه، ثم يثني رجله اليسرى فيقعد حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، " ثم ينهض "، وفي رواية صحيحة عند ابن حـبان وابن ماجة: " ثم يكبر ويجلس على رجله اليسرى "، وفي رواية عند البيهقي صحيحة: " فيقعد عليها معتدلا ".
    - أنها وردت في رواية لحديث المسيء صلاته بسند صحيح، ومحل الشاهد منه قوله صلى الله عليه وسلم: " ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا، ثم افعل ذلك في كل ركعة ". انظر فتح الباري، والسنن الكبرى للبيهقي.
    - كما ذكرت هذه الجلسة في صفة صلاة التسبيح، ومحل الشاهد فيها: قال صلى الله عليه وسلم: " ثم ترفع رأسك - يعني: من السجدة الثانية - فاستو جالسا، ولا تقم حتى تسبح عشرا وتحمد عشر وتكبر عشر وتهلل عشر، ثم تصنع ذلك في الأربع ركعات " صحيح لغيره.
    - وقد بوب الإمام البخاري على حديث مالك بن الحويرث: " باب من استوى قاعدا في وتر من صلاته ثم نهض "، وكما لا يخفى فقه البخاري في تراجمه.
    - وقد ذب الحافظ ابن حجر في الفتح عن مشروعية هذه القعدة، ورد على كل التعللات التي تعلق بها من لم يقل بمشروعيتها، فليراجعه من أرد التوسع.
    - وقال بمشروعيتها الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: " المحافظة على جلسة الإستراحة، وهي جلسة لطيفة عقب السجدتين في كل ركعة لا يتشهد عقبها، وقد ثبت حديثا في صحيح البخاري وثبت في سنن أبي داود والترمذي من طرق أخرى بأسانيد صحيحة، وهو الصحيح في مذهب الشافعي باتفاق المصنفين ولا تستحب عقب سجدة التلاوة " فتاوي الإمام النووي.
    وأما الإحتجاج بعدم مشروعيتها ببعض ألفاظ حديث أبي حميد - رضي الله عنه - و بحديث وائل - رضي الله عنه - عند البزار، فهذا الإحتجاج يرد به على من قال بالوجوب لا على من قال بالإستحباب كما هو مـعروف، على أنه لم تتفق الروايات عن أبي حـميد - رضي الله عنه - في نفي هذه الجلسة بل على العـكس جاءت روايات صحيحة في إثباتها، وكـذلك حديث معاذ - رضي الله عنه - عند الطبراني بلفظ: " كان يقوم كأنه السهم " لا ينفي الإستحبـاب على أن في إسنـاده منه متهم بالكذب، والإستدلال على نفي كـونها سنة مستحبة بأنها لو كانت كذلك لذكرها كل من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم، وهذا القول مـتعقب بأن السنة المتفق عليها لم يستـوعبها كل واحد ممن وصف صلاته صلى الله عليه وسلم إنما أخذ مجموعها عن مجموعهم وهذا من بديهيات الفقه.
    وخلاصة القول أن هذه الجلسة الواردة في الأحاديث الصحيحة وخاصـة حديث مالك بن الحويرث وحديث أبي حميد، وقد قال بمشروعيتها الإمام الشافعي، وعن الإمام أحمد نحوه كما في تحقيق ابن الجوزي، ومن علماء المالكية القاضي أبو بكر بن العربي(عارضة الأحوذي: 2/82)، أما حمل هذه السنة على أنها كانت منه صلى الله عليه وسلم للحاجة فالأمر مـحجوج بالأدلـة السابقـة. ويكفي في إبطال ذلك أن عشرة من الصحابة مجتمعين أقروا أنها من صلاته رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تقدم في حديث أبي حميد الساعدي.

    وأما مسألة تحسين الصوت بـقراءة القرآن فالسنة أن يرتل القرآن ترتيلا لا هذا ولا عجلة، بل قراءة مفسرة حرفا حرفا، ويزين القرآن بصوته ويتغنى به في حدود الأحكام المعروفة عند أهل العلم بالتجويد، ولا يتغنى به على الألحان المبتدعة ولا على القوانين الموسيقية.
    قال الله تعالى: { وَرَتِّـلِ الْقـُرْآَنَ تَرْتِيـلًا }[المزمل:4].
    - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به " وفي لفظ: " حسن الترنم " رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
    - وعن البـراء بن عـازب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
    " زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا " رواه البخاري وأحمد .
    - قال صلى الله عليه وسلم لـأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -: " لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيت مزمار من مزامير آل داود " قال أبو موسى: " لو علمت مكانك لحبرته لك تحبرا " رواه البخاري ومسلم.
    - وعن عثمان النهدي قال: " دخلت دار أبي موسى الأشعري فما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا ناي أحسن من صوته " أخرجه أبو نعيم في الحلية بسند صحيح.
    - وعن أبي مليكة قال عبيد الله بن أبي يزيد - رضي الله عنهما - مر بنا أبو لبابة، فاتبعناه حتى دخل بيته، فدخلنا عليه، فإذا رجل رث الهيئة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس منا من لم يتغن بالقرآن " قال: فقلت لأبي مليكة، يا أبا محمد أرأيت إن لم يكن حسن الصوت، قال: يحسنه ما استطاع. رواه أبو داود بسند صحيح.
    قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح(10/88): " والحاصل أنه يمكن الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة، وهو أنه يحسن به صوته جاهرا به مترنما على طريق التحزن، مستغنيا به عن غيره من الأخبار، طالبا به غنى النفس راجيا به غنى اليد، وقد نظمت في ذلك بيتين :

    تغـن بالقـرآن حسن به الصـو ت حزينـا جـاهـرا رنــم
    واستغـن عن كتب الألى طالبـا غـنى يـد والنفـس ثم الـزم

    وسيأتي ما يتعلق بحسن الصوت بالقرآن في ترجمة مفردة، ولا شك أن النفوس تـميل إلى سماع القراءة بالترنم أكثر من ميلها لمن لا يترنـم، لأن للتطريب تأثير في رقة القلب وإجراء الدمع، وكان السلف بينهم اختلاف في جواز القراءة بالألحان، أمــا تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره فلا نزاع في ذلك ".
    واخرج ابن أبي داود من طريق ابن أبي مسجعة قال: " كان عمر يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم ".
    قـال الإمام النووي - رحمه الله - في التبيان(ص: 93): " أجمـع العلمـاء رضـي الله عنهـم مـن السـلف والخـلف من الصحـابة والتابعين، ومن بعدهم من علمـاء الأمصار أئـمة المسلمين علـى استحبــاب تحسيـن الصـوت بالقـرآن، وأقـوالهم وأفعـالهم مشهـورة نهــاية الشهـرة، فـنحن مستغنـون على نقـل شيء من أفرادهـا ".

    وأما مـسألة قراءة القرآن على الأموات فقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله عز وجل: { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى }[النجم:39]: " أي كما لا يحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه، ومن هذه الآية الكريمة اسـتنبط الشافعي - رحمه الله - ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء "، وما ذكره ابن كثير عن الشافعي رحمه الله تعالى هو قول أكثر العلماء وجماعة من الحنفية كما نقله الزبيدي في (شرح الإحياء) ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (الاختيارات العلمية): " ولم يكن من عادة السلف إذا صلـوا تطوعا أو صامـوا تطوعا أو حجوا تطوعا، أو قرؤوا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل "، وللشيخ رحمه الله تعالى قول آخر في المسألة خالف فيه ما ذكره آنفا عن السلف، فذهب إلى أن الميت ينتفع بجميع العبادات من غيره!...، وتبنى هذا القول وانتصر له ابن القيم - رحمه الله - في كتابه (الروح) ونقل فيه آثار ضعيفة، وقد أورد خلاصة كلامه العلامة السيد محمد رشيد رضا في (تفسير المنار) (8 / 254 - 270) ثم رد عليه ردا طيبا قويا، فليراجعه من شاء أن يتوسع في المسألة... وقد استغل هذا القول كثير من المخالفين، واتخذوه ذريعة في محاربة السنة، واحتجوا بالشيخ وتلميذه على أنصار السنة وأتباعها، وجهل أولئك المخالفين أو تجاهلوا أن أنصار السنة، لا يقلدون في دين الله تعالى رجلا بعينة، ولا يؤثرون على الحق الذي تبين لهم قول أحد من العلماء مهما كان اعتقادهم حسنا في علمه وصلاحه، وأنهم إنما ينظرون إلى القول لا إلى القائل، وإلى الدليل وليس إلى التقليد، جاعلين نصب أعينهم قول إمام دار الهجرة " ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر "، وقاله أيضا: " كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر".

    وأما قراءة القرآن عند زيارتها، فمما لا أصل له في السنة، بل الأحاديث الواردة في زيارة القبور تشعر بعدم مشروعيتها، إذ لو كانت مشروعة، لفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها أصحابه، لا سيما وقد سألته عائشة - رضي الله عنها - وهي من أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم - عما تقول إذا زارت القبور؟ فعلمها السلام والدعاء، ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن، فلو أن القراءة كانت مشروعة لما كتم ذلك عنها، كيف وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في علم الأصول، فكيف بالكتمان، ولو أنه صلى الله عليه وسلم علمهم شيئا من ذلك لنقل إلينا، فإذ لم ينقل بالسند الثابت دل على أنه لم يقع، ومما يقوي عدم المشروعية قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تجعلوا بيوتكم مقابر، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة " أخرجه مسلم والترمذي وأحمد.
    والعجب منكم، فإنـكم تتلونون ولا تستقرون على حال أبداً، فتارة تدعون أنـكم مقلدون للإمام مالك - رحمه الله -، وترون من خالف مذهبه كمن خالف القرآن والسنة الثابتة المحكمة، وتغلون في ذلك إلى أن جعلتم البسملة والتعوذ والجهر بالتأمين ووضع اليمنى على اليسرى ورفع اليدين عند الركوع والرفع منه، والسلام بتسليمتين ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) ومـا أشبه ذلك من السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي يراها من له أدنى إلمام بالفقه في الدين كالشمس في رائعة النهار، كأنه يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها لا يشك في ذلك ولا يرتاب فيه، تجعلون ذلك من المنكرات التي يجب أن تغير، مع أن الإمـام مالك في الحقيقـة قـائل ببعضهـا تفصيـلاً وبـسائرها إجمـالاً، ثم تخالفون فيما ينهى عنه ويكرهه كراهة تحريم من البدع التي لا تسند إلى أي دليل كعبادة القبور وزيارتـها زيارة

      الوقت/التاريخ الآن هو 11.05.24 16:51