خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

3 مشترك

    مجموع ما كتب في علم الكلام

    avatar
    أبو عبد الله أحمد بن نبيل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 2798
    العمر : 47
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 19
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية مجموع ما كتب في علم الكلام

    مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 04.06.08 22:09

    من الخلف أضاعوا السنة النبوية وأهملوها بسبب أصول تبناها بعض علماء الكلام

    للشيخ الامام
    محمد ناصر الدين الألباني
    -رحمه الله تعالى-

    من هنـــــــــــــا
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية ذو صلة

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 04.08.08 16:31


    علم الكلام وأهل الكلام


    بقلم / الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد
    مجموع ما كتب في علم الكلام Dividers107om1
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :

    فيرد في كتب العقائد كثيراً مصطلح علم الكلام، وأهل الكلام والمتكلمين، وما جرى مجرى ذلك.

    وفيما يلي نبذة عن تعريف علم الكلام، وسبب تسميته بذلك، وأهل الكلام، وأشهر المتكلمين

    أولاً : تعريف علم الكلام: عرف علم الكلام بعدة تعريفات منها:

    1- قال أبو حيان التوحيدي -رحمه الله-: (وأما علم الكلام فإنه من باب الاعتبار في أصول الدين يدور النظر فيه على محض العقل في التحسين والتقبيح، والإحالة والتصحيح، والإيجاب والتجويز، والاقتدار والتعجيز، والتعديل والتجوير، والتوحيد والتكفير.

    والاعتبارُ فيه ينقسم بين دقيق يتفرد العقل به، وجليل يُفْزَع إلى كتاب الله -تعالى- فيه).[ رسالة أبي حيان في العلوم ص 21]

    2- وعرفه ابن خلدون -رحمه الله- بقوله: (علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية)[ تاريخ ابن خلدون ص 350].

    3- وعرفه الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- بقوله: (هو ما أحدثه المتكلمون في أصول الدين من إثبات العقائد بالطرق التي ابتكروها، وأعرضوا بها عما جاء بالكتاب والسنة)[ فتح رب البرية ص 76].

    ثانياً : سبب تسمية علم الكلام بهذا الاسم : أما سبب تسميته بهذا الاسم فذلك مما تضاربت به الأقوال ، ومما قيل في ذلك ما يلي :

    1- أن عنوان مباحث المتكلمين في العقائد كان: (الكلام في كذا وكذا...).

    2- لأنه يورث قدرةً على الكلام في تحقيق الشرعيات، وإلزام الخصوم؛ فهو كالمنطق للفلسفةِ؛ والمنطقُ مرادفٌ للكلام.

    3- لأن هذا العلم لا يتحقق إلا بالمباحثة، و إدارة الكلام من الجانبين على حين أن غيره من العلوم قد يتحقق بالتأمل، ومطالعة الكتب.

    4- لأنه أكثر العلم خلافاً، ونزاعاً؛ فيشتد افتقاره إلى الكلام مع المخالفين، والرد عليهم.

    5- لأنه؛ لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه من الكلام.

    6- أنه؛ نظراً لقيامه على الأدلة القطعية المؤيد أكثرها بالأدلة السمعية كان أكثر العلوم تأثيراً بالقلب؛ فسمي الكلام بذلك مشتقاً من الكَلْم وهو الجرح.

    7- أنه سمي بذلك؛ لأن أول خلاف وقع في الدين كان في كلام الله -عز وجل- أمخلوق هو أم غير مخلوق؟ فتكلَّم الناس فيه؛ فسمي هذا النوع من العلم كلاماً، واختص به.

    8- لأن هذا العلم كلام صِرْفٌ، وليس تحته عمل[انظر العقائد النسفية للنسفي ص 6، وتاريخ ابن خلدون ص 350-375، والمعتزلة لزهدي جارالله ص 346].

    ثالثاً : أهل الكلام : أهل الكلام هم الذين يخوضون في مسائل أصول الدين كالوحدانية، والمعاد، وإثبات النبوات، والوعد، والوعيد، والإيجاب على الله -عز وجل- والتجويز وهو قولهم: لو عذبنا الله على ما خلقه فينا لكان جائزاً،وإنما يعذبنا على ما نخلقه نحن.

    وأنه يجوز على الله تعذيب ملائكته وأنبيائه، وأهل طاعته، وإكرام إبليس وجنوده، وجعلهم فوق أوليائه في النعيم المقيم.

    ولا ريب أن هذا قولٌ باطل صار عن نفي الحكمة والتعليل؛ ذلك أن حكمة الله -عز وجل- تأبى ذلك قال -تبارك وتعالى-: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ).

    ويخوضون - كذلك - في القدر ويقولون بنفيه ويسمون ذلك عدلاً، ويبحثون كذلك في التوحيد، ويعنون به نفي الصفات عن الله -عز وجل- إلى غير ذلك ممن يخوض به أهل الكلام.

    رابعاً: أشهر المتكلمين: المتكلمون كثير، وليسوا على درجةٍ واحدة، ويدخل في مفهوم المتكلمين كثير من الطوائف كالجهمية أتباع الجهم بن صفوان، والمعتزلة أتباع عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وغيرهم
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية الإمام ابن حجر

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 04.08.08 18:25

    مجموع ما كتب في علم الكلام Bsm


    قرأت في "فتح الباري" كلام للإمام ابن حجر فيه إشارة إلى ذم علم الكلام، عندما شرح حديث إرسال سيدنا معاذ إلى اليمن.

    وإليكم النص:
    " ... وقال الغزالي : أسرفت طائفة فكفروا عوام المسلمين , وزعموا أن من لم يعرف العقائد الشرعية بالأدلة التي حرروها فهو كافر , فضيقوا رحمة الله الواسعة وجعلوا الجنة مختصة بشرذمة يسيرة من المتكلمين , وذكر نحوه أبو المظفر بن السمعاني وأطال في الرد على قائله , ونقل عن أكثر أئمة الفتوى أنهم قالوا : لا يجوز أن تكلف العوام اعتقاد الأصول بدلائلها ; لأن في ذلك من المشقة أشد من المشقة في تعلم الفروع الفقهية . ‏
    ‏وأما المذهب المتوسط فذكره وسأذكره ملخصا بعد هذا .

    وقال القرطبي في "المفهم" في شرح حديث : "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" الذي تقدم شرحه في أثناء " كتاب الأحكام " وهو في أوائل " كتاب العلم " من صحيح مسلم : هذا الشخص الذي يبغضه الله هو الذي يقصد بخصومته مدافعة الحق ورده بالأوجه الفاسدة والشبه الموهمة

    (((وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين , كما يقع لأكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسلف أمته , إلى طرق مبتدعة واصطلاحات مخترعة وقوانين جدلية وأمور صناعية مدار أكثرها على آراء سوفسطائية ))) أو مناقضات لفظية ينشأ بسببها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها , وشكوك يذهب الإيمان معها .

    وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم لا أعلمهم , فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها , وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها ثم إن هؤلاء قد ارتكبوا أنواعا من المحال لا يرتضيها البله ولا الأطفال ((( لما بحثوا عن تحيز الجواهر والألوان والأحوال , فأخذوا فيما أمسك عنه السلف الصالح من كيفيات تعلقات صفات الله تعالى وتعديدها واتحادها في نفسها , وهل هي الذات أو غيرها وفي الكلام : هل هو متحد أو منقسم , وعلى الثاني : هل ينقسم بالنوع أو الوصف , وكيف تعلق في الأزل بالمأمور مع كونه حادثا , ثم إذا انعدم المأمور هل يبقى التعلق , وهل الأمر لزيد بالصلاة مثلا هو نفس الأمر لعمرو بالزكاة إلى غير ذلك مما ابتدعوه )))

    مما لم يأمر به الشارع وسكت عنه الصحابة ومن سلك سبيلهم , بل نهوا عن الخوض فيها لعلمهم بأنه بحث عن كيفية ما لا تعلم كيفيته بالعقل ; لكون العقول لها حد تقف عنده , ولا فرق بين البحث عن كيفية الذات وكيفية الصفات , ومن توقف في هذا فليعلم أنه إذا كان حجب عن كيفية نفسه مع وجودها .

    وعن كيفية إدراك ما يدرك به فهو عن إدراك غيره أعجز ((( وغاية علم العالم أن يقطع بوجود فاعل لهذه المصنوعات منزه عن الشبيه مقدس عن النظير متصف بصفات الكمال , ثم متى ثبت النقل عنه بشيء من أوصافه وأسمائه قبلناه واعتقدناه وسكتنا عما عداه , كما هو طريق السلف , وما عداه لا يأمن صاحبه من الزلل ( ويكفي في ) الردع عن الخوض في طرق المتكلمين ما ثبت عن الأئمة المتقدمين كعمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس والشافعي , وقد قطع بعض الأئمة بأن الصحابة لم يخوضوا في الجوهر والعرض وما يتعلق بذلك من مباحث المتكلمين , فمن رغب عن طريقهم فكفاه ضلالا )))

    قال : وأفضى الكلام بكثير من أهله إلى الشك , وببعضهم إلى الإلحاد وببعضهم إلى التهاون بوظائف العبادات .

    وسبب ذلك إعراضهم عن نصوص الشارع وتطلبهم حقائق الأمور من غيره , وليس في قوة العقل ما يدرك ما في نصوص الشارع من الحكم التي استأثر بها ((( وقد رجع كثير من أئمتهم عن طريقهم , حتى جاء عن إمام الحرمين أنه قال " ركبت البحر الأعظم , وغصت في كل شيء نهى عنه أهل العلم في طلب الحق فرارا من التقليد والآن فقد رجعت واعتقدت مذهب السلف " هذا كلامه أو معناه وعنه أنه قال عند موته " يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام , فلو عرفت أنه يبلغ بي ما بلغت ما تشاغلت به )))

    إلى أن قال القرطبي : ولو لم يكن في الكلام إلا مسألتان هما من مبادئه لكان حقيقا بالذم : إحداهما قول بعضهم إن أول واجب الشك إذ هو اللازم عن وجوب النظر أو القصد إلى النظر .

    وإليه أشار الإمام بقوله : ركبت البحر. ثانيتهما قول جماعة منهم إن من لم يعرف الله بالطرق التي رتبوها والأبحاث التي حرروها لم يصح إيمانه , حتى لقد أورد على بعضهم أن هذا يلزم منه تكفير أبيك وأسلافك وجيرانك , فقال لا تشنع علي بكثرة أهل النار .

    قال وقد رد بعض من لم يقل بهما على من قال بهما بطريق من الرد النظري وهو خطأ منه , فإن القائل بالمسألتين كافر شرعا , لجعله الشك في الله واجبا , ومعظم المسلمين كفارا حتى يدخل في عموم كلامه السلف الصالح من الصحابة والتابعين , وهذا معلوم الفساد من الدين بالضرورة .

    وإلا فلا يوجد في الشرعيات ضروري .

    وختم القرطبي كلامه بالاعتذار عن إطالة النفس في هذا الموضع لما شاع بين الناس من هذه البدعة حتى اغتر بها كثير من الأغمار فوجب بذل النصيحة , والله يهدي من يشاء انتهى .

    إلى أن قال : " وهذا مستند السلف قاطبة في الأخذ بما ثبت عندهم من آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بهذا الباب , فآمنوا بالمحكم من ذلك وفوضوا أمر المتشابه منه إلى ربهم ... إلخ )

    منقول من هنــــــــــــا


    عدل سابقا من قبل أبو محمد عبدالحميد الأثري في 04.08.08 18:38 عدل 1 مرات
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية ذو صلة

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 04.08.08 18:36

    مجموع ما كتب في علم الكلام Bsm

    اسم الكتاب : ذم الكلام وأهله
    المؤلف : أبو إسماعيل الهروي الأنصاري


    المحقق : أبو جابر عبد الله بن محمد بن عثمان الأنصاري


    الناشر : مكتبة الغرباء الأثرية
    عدد المجلدات : 5
    الحجم الإجمالي تقريباً : 18 ميجا

    تقرأ في هذا الكتاب :


    الجزء الأول
    الباب الأول : باب البيان أن الأمم السالفة إنما استقاموا على الطريقة ما اعتصموا بالتسليم والاتباع وأنهم لما تكلفوا خاصموا ضلوا وهلكوا
    الباب الثاني : ذكر شدة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف على هذه الأمة من الأئمة المضلين والمجادلين في الدين وخطباء المنافقين
    الباب الثالث : باب كراهية تشقيق الخطب وترقيق الكلام والتكلم بالأغاليط

    الجزء الثاني
    الباب الرابع : باب ذم الجدال والتغليظ فيه وذكر شؤمه
    الباب الخامس : باب فضل ترك المراء وإن كان المماري محقاً
    الباب السادس : باب تغليظ المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجدال في القرآن وتحذيره أهله
    الباب السابع : باب في تعظيم المصطفى صلى الله عليه وسلم الجدال في القرآن ونهيه عنه
    الباب الثامن : باب إقامة الدليل على بطلان قول من زعم أن القرآن يستغنى به عن السنة
    الباب التاسع : باب التغليظ في معارضة الحديث بالرأي

    الجزء الثالث
    الباب الحادي عشر : باب كراهية التنطع في الدين والتكلف فيه والبحث عن الحقائق وإيجاب التسليم
    الباب الثاني عشر : باب مخافة المصطفى صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح على من اشتغل بأقاويل أهل الكتاب وعلى من أكب على كتاب سوى كتاب الله تعالى علماً منه صلى الله عليه وسلم بما هو كائن فيهم من الكتب المضلة بعده
    الباب الثالث عشر : باب ذكر إعلام المصطفى صلى الله عليه وسلم أمته كون المتكلم فيهم
    الباب الرابع عشر : باب في ذكر أشياء من هذا الباب ظهرت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
    الباب الخامس عشر : باب ذكر إنكار أئمة الإسلام ما أحدثه المتكلمون في الدين من الأغاليط وصعاب الكلام والشبه والمجادلة وزايغ التأويل والمهازلة وآرائهم فيهم على الطبقات

    الجزء الرابع
    تابع الباب الخامس عشر

    الجزء الخامس
    الباب السادس عشر : باب لعن المحدثين والمتكلمين والمخالفين
    الباب السابع عشر : باب كراهية أخذ العلم عن المتكلمين وأهل البدع
    الباب الثامن عشر : باب تعظيم إثم من سن سنة سيئة أو دعى إليها
    الباب التاسع عشر : باب في ذكر كلام الأشعري

    المجلد الأول :
    اضغط هنا على بركة الله
    المجلد الثاني : اضغط هنا على بركة الله
    المجلد الثالث : اضغط هنا على بركة الله
    المجلد الرابع : اضغط هنا على بركة الله
    المجلد الخامس : اضغط هنا على بركة الله
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية ذو صلة

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 04.08.08 18:53

    مجموع ما كتب في علم الكلام Bsm
    فهذا كتاب آخر في ذم علم الكلام
    وهذا الكتاب موسوم بـ :
    "أحاديث في ذم علم الكلام وأهله"
    لمؤلفه : أبو الفضل المقرىء

    والكتاب مجزء إلى ستة أجزاء :
    الــــجزء الأول
    الـــجزء الثاني
    الـــجزء الثالث
    الـــجزء الرابع
    الجزء الخامس
    الجزء السادس
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية شيخ الإسلام

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 04.08.08 19:18


    كتاب المنطق

    لشيخ الإسلام‏ عن المنطق


    سُئل شيخ الإسلام‏:‏ أحمد بن تيمية ـ قدس الله روحه‏:‏ ما تقولون في ‏[‏المنطق‏]‏، وهل من قال‏:‏ إنه فرض كفاية، مصيب أم مخطئ‏؟‏



    فأجاب‏:‏ الحمد للّه، أما المنطق‏:‏ فمن قال‏:‏ إنه فرض كفاية، وأن من ليس له به خبرة فليس له ثقة بشىء من علومه، فهذا القول في غاية الفساد من وجوه كثيرة التعداد، مشتمل على أمور فاسدة، ودعاوى باطلة كثيرة، لا يتسع هذا الموضع لاستقصائها‏.‏


    بل الواقع ـ قديمًا وحديثًا ـ‏:‏ أنك لا تجد من يلزم نفسه أن ينظر في علومه به، ويناظر به إلا وهو فاسد النظر والمناظرة، كثير العجز عن تحقيق علمه وبيانه‏.‏



    فأحسن ما يحمل عليه كلام المتكلم في هذا، أن يكون قد كان هو وأمثاله في غاية الجهالة والضلالة، وقد فقدوا أسباب الهدى كلها، فلم يجدوا ما يردهم عن تلك الجهالات إلا بعض ما في المنطق من الأمور التي هي صحيحة، فإنه بسبب بعض ذلك رجع كثير من هؤلاء عن بعض باطلهم، وإن لم يحصل لهم حق ينفعهم، وإن وقعوا في باطل آخر‏.‏ ومع هذا، فلا يصح نسبة وجوبه إلى شريعة الإسلام بوجه من الوجوه؛ إذ من هذه حاله فإنما أتى من نفسه بترك ما أمر اللّه به من الحق، حتى احتاج إلى الباطل‏.



    ومن المعلوم أن القول بوجوبه قول غلاته وجهال أصحابه‏.‏ ونفس الحذاق منهم لا يلتزمون قوانينه في كل علومهم، بل يعرضون عنها‏.‏ إما لطولها، وإما لعدم فائدتها، وإما لفسادها، وإما لعدم تميزها وما فيها من الإجمال والاشتباه‏.‏ فإن فيه مواضع كثيرة هي لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل‏.‏

    ولهذا مازال علماء المسلمين وأئمة الدين يذمونه ويذمون أهله، وينهون عنه وعن أهله حتى رأيت للمتأخرين فتيا فيها خطوط جماعة من أعيان زمانهم من أئمة الشافعية والحنفية وغيرهم، فيها كلام عظيم في تحريمه وعقوبة أهله، حتى إن من الحكايات المشهورة التى بلغتنا‏:‏ أن الشيخ أبا عمرو بن الصلاح أمر بانتزاع مدرسة معروفة من أبي الحسن الآمدي، وقال‏:‏ أخذها منه أفضل من أخذ عكا، مع أن الآمدي لم يكن أحد في وقته أكثر تبحرًا في العلوم الكلامية والفلسفية منه، وكان من أحسنهم إسلاما، وأمثلهم اعتقادًا‏.‏

    ومن المعلوم أن الأمور الدقيقة - سواء كانت حقا أو باطلًا، إيمانًا أو كفرًا ـ لا تعلم إلا بذكاء وفطنة، فكذلك أهله قد يستجهلون من لم يشركهم في علمهم، وإن كان إيمانه أحسن من إيمانهم، إذا كان فيه قصور في الذكاء والبيان، وهم كما قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ‏.‏ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ‏.‏ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ‏.‏ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ّ‏.‏ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ‏.‏ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ‏.‏ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ‏.‏ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏المطففين‏:‏ 29-36‏]‏‏.‏
    فإذا تقلدوا عن طواغيتهم أن كل ما لم يحصل بهذه الطريق القياسية فليس يعلم، وقد لا يحصل لكثير منهم من هذه الطريق القياسية ما يستفيد به الإيمان الواجب، فيكون كافرا زنديقًا منافقًا جاهلًا ضالًا مضلا، ظلوما كفورا، ويكون من أكابر أعداء الرسل، الذين قال اللّه فيهم‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا‏.‏ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا‏.‏ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا‏}‏ ‏[‏الفرقان ‏:‏ 31-33‏]‏‏.‏
    وربما حصل لبعضهم إيمان، إما من هذه الطريق أو من غيرها‏.‏ ويحصل له ـ أيضا ـ منها نفاق، فيكون فيه إيمان ونفاق، ويكون في حال مؤمنًا وفي حال منافقا، ويكون مرتدًا، إما عن أصل الدين، أو عن بعض شرائعه، إما ردة نفاق، وإما ردة كفر‏.‏ وهذا كثير غالب، لاسيما في الأعصار والأمصار التي تغلب فيها الجاهلية والكفر والنفاق‏.‏
    فلهؤلاء من عجائب الجهل والظلم والكذب والكفر والنفاق والضلال ما لا يتسع لذكره المقام‏.‏
    ولهذا لما تفطن كثير منهم لما في هذا النفي من الجهل والضلال، صاروا يقولون‏:‏ النفوس القدسية ـ كنفوس الأنبياء والأولياء ـ تفيض عليها المعارف بدون الطريق القياسية‏.‏
    وهم متفقون جميعهم على أن من النفوس من تستغني عن وزن علومها بالموازين الصناعية في المنطق، لكن قد يقولون‏:‏ هو حكيم بالطبع‏.‏
    والقياس ينعقد في نفسه بدون تعلم هذه الصناعة، كما ينطق العربي بالعربية بدون النحو، وكما يقرض الشاعر الشعر بدون معرفة العروض‏.‏ لكن استغناء بعض الناس عن هذه الموازين لا يوجب استغناء الآخرين، فاستغناء كثير من النفوس عن هذه الصناعة لا ينازع فيه أحد منهم‏.‏
    والكلام هنا‏:‏ هل تستغني النفوس في علومها بالكلية عن نفس القياس المذكور، ومواده المعينة‏؟‏ فالاستغناء عن جنس هذا القياس شيء، وعن الصناعة القانونية التي يوزن بها القياس شيء آخر، فإنهم يزعمون أنه آلة قانونية تمنع مراعاتها الذهن أن يزل في فكره، وفساد هذا مبسوط مذكور في موضع غير هذا‏.‏
    ونحن بعد أن تبينا عدم فائدته، وإن كان قد يتضمن من العلم ما يحصل بدونه، ثم تبينا أنا لو قدرنا أنه قد يفيد بعض الناس من العلم ما يفيده هو، فلا يجوز أن يقال‏:‏ ليس إلى ذلك العلم لذلك الشخص، ولسائر بني آدم طريق إلا بمثل القياس المنطقي؛ فإن هذا قول بلا علم، وهو كذب محقق؛ ولهذا مازال متكلمو المسلمين ـ وإن كان فيهم نوع من البدعة ـ لهم من الرد عليه وعلى أهله وبيان الاستغناء عنه، وحصول الضرر والجهل به والكفر، ما ليس هذا موضعه؛ دع غيرهم من طوائف المسلمين وعلمائهم وأئمتهم، كما ذكره القاضي أبو بكر ابن الباقلاني في كتاب ‏]‏الدقائق‏[‏‏.‏
    فأما الشعري ـ وهو ما يفيد مجرد التخييل وتحريك النفس، وذلك يظهر بأنهم جعلوا الأقيسة خمسة‏:‏ البرهاني، والخطابي، والجدلي، والشعري، والمغلطي السوفسطائي، وهو ما يشبه الحق وهو باطل، وهو الحكمة المموهة ـ فلا غرض لنا فيه هنا، ولكن غرضنا تلك الثلاثة‏.‏
    قالوا‏:‏ ‏[‏الجدلي‏]‏ ما سلم المخاطب مقدماته‏.‏ والخطابي‏:‏ ما كانت مقدماته مشهورة بين الناس، والبرهاني‏:‏ ما كانت مقدماته معلومة‏.‏
    وكثير من المقدمات تكون ـ مع كونها خطابية أو جدلية ـ يقينية برهانية، بل وكذلك مع كونها شعرية، ولكن هي من جهة التيقن بها تسمى‏:‏ برهانية، ومن جهة شهرتها عند عموم الناس وقبولهم لها تسمى‏:‏ خطابية، ومن جهة تسليم الشخص المعين لها تسمي‏:‏ جدلية‏.‏
    وهذا كلام أولئك المبتدعة من الصابئة الذين لم يذكروا النبوات، ولا تعرضوا لها بنفي ولا إثبات‏.‏ وعدم التصديق للرسل واتباعهم كفر وضلال، وإن لم يعتقد تكذيبهم فالكفر والضلال أعم من التكذيب‏.‏
    وأما قول بعض المتأخرين في المشهورات‏:‏ هي المقبولات لكون صاحبها مؤيدًا بأمر يوجب قبول قوله ونحو ذلك ـ فهذه من الزيادات التي ألزمتهم إياها الحجة، ورأوا وجوب قبولها على طريقة الأولين؛ ولهذا كان غالب صابئة المتأخرين الذين هم الفلاسفة ممتزجين بالحنيفية، كما أن غالب من دخل في الفلسفة من الحنفاء مزج الحنيفية بالصبء، ولبس الحق بالباطل‏.‏ أعني بالصبء‏:‏ المبتدع الذي ليس فيه إيمان بالنبوات، كصبء صاحب المنطق وأتباعه‏.‏
    وأما الصبء القديم، فذاك أصحابه منهم المؤمنون باللّه واليوم الآخر، الذين آمنوا وعملوا الصالحات‏.‏ فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، كما أن التهود والتنصر منه ما أهله مبتدعون ضلال قبل إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه ما كان أهله متبعين للحق، وهم الذين آمنوا باللّه واليوم الآخر وعملوا الصالحات، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏.‏
    ومن قال من العلماء المصنفين في المنطق‏:‏ إن القياس الخطابي هو ما يفيد الظن، كما أن البرهاني ما يفيد العلم، فلم يعرف مقصود القوم، ولا قال حقا‏.‏ فإن كل واحد من الخطابي والجدلي قد يفيد الظن، كما أن البرهاني قد تكون مقدماته مشهورة ومسلمة‏.‏
    فالتقسيم لمواد القياس وقع باعتبار الجهات التي يقبل منها، فتارة يقبل القول؛ لأنه معلوم؛ إذ العلم يوجب القبول‏.‏ وأما كونه لا يفيد العلم فلا يوجب قبوله إلا لسبب؛ فإن كان لشهرته، فهو خطابي، ولو لم يفد علمًا ولا ظنًا‏.‏ وهو ـ أيضًا ـ خطابي إذا كانت قضيته مشهورة، وإن أفاد علما أو ظنا‏.‏ والقول في الجدلي كذلك‏.‏
    ثم إنهم قد يمثلون المشهورات المقبولات التي ليست علمية بقولنا‏:‏ العلم حسن، والجهل قبيح، والعدل حسن، والظلم قبيح، ونحو ذلك من الأحكام العملية العقلية التي يثبتها من يقول بالتحسين والتقبيح، ويزعمون أنا إذا رجعنا إلى محض العقل لم نجد فيه حكما بذلك‏.‏ وقد يمثلونها بأن الموجود لابد أن يكون مباينا للموجود الآخر أو محايثا له، أو أن الموجود لابد أن يكون بجهة من الجهات، أو يكون جائز الرؤية ويزعمون أن هذا من أحكام الوهم لا الفطرة العقلية‏.‏
    قالوا‏:‏ لأن العقل يسلم مقدمات يعلم بها فساد الحكم الأول‏.‏
    وهذا كله تخليط ظاهر لمن تدبره‏.‏
    فأما تلك القضايا التي سموها مشهورات غير معلومة، فهي من العلوم العقلية البديهية التي جزم العقول بها أعظم من جزمها بكثير من العلوم الحسابية والطبيعية، وهي كما قال أكثر المتكلمين من أهل الإسلام، بل أكثر متكلمي أهل الأرض من جميع الطوائف‏:‏ أنها قضايا بديهية عقلية، لكن قد لا يحسنون تفسير ذلك؛ فإن حسن ذلك وقبحه هو حسن الأفعال وقبحها، وحسن الفعل هو كونه مقتضيا لما يطلبه الحي لذاته ويريده من المقاصد، وقبحه بالعكس، والأمر كذلك‏.‏
    فإن العلم والصدق والعدل هي كذلك محصلة لما يطلب لذاته ويراد لنفسه من المقاصد، فحسن الفعل وقبحه هو لكونه محصلا للمقصود المراد بذاته أو منافيا لذلك‏.‏
    ولهذا كان الحق يطلق تارة بمعنى النفي والإثبات فيقال‏:‏ هذا حق، أي ثابت، وهذا باطل، أي‏:‏ منتف‏.‏ وفي الأفعال بمعنى‏:‏ التحصيل للمقصود، فيقال‏:‏ هذا الفعل حق، أي‏:‏ نافع، أو محصل للمقصود، ويقال‏:‏ باطل، أي‏:‏ لا فائدة فيه ونحو ذلك‏.‏
    وأما زعمهم‏:‏ أن البديهة والفطرة قد تحكم بما يتبين لها بالقياس فساده، فهذا غلط؛ لأن القياس لابد له من مقدمات بديهية فطرية؛ فإن جوز أن تكون المقدمات الفطرية البديهية غلطًا من غير تبيين غلطها إلا بالقياس، لكان قد تعارضت المقدمات الفطرية بنفسها، ومقتضى القياس الذي مقدماته فطرية‏.‏ فليس رد هذه المقدمات الفطرية لأجل تلك بأولى من العكس، بل الغلط فيما تقل مقدماته أولى، فما يعلم بالقياس وبمقدمات فطرية أقرب إلى الغلط مما يعلم بمجرد الفطرة‏.‏
    وهذا يذكرونه في نفي علو الله على العرش ونحو ذلك من أباطيلهم‏.‏
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية تتمة

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 04.08.08 19:19



    والمقصود هنا أن متقدميهم لم يذكروا المقدمات المتلقاة من الأنبياء، ولكن المتأخرون رتبوه على ذلك؛ إما بطريق الصابئة الذين لبسوا الحنيفية بالصابئة، كابن سينا ونحوه، وإما بطريق المتكلمين الذين أحسنوا الظن بما ذكره المنطقيون، وقرروا إثبات العلم بموجب النبوات به‏.‏


    أما الأول، فإنه جعل علوم الأنبياء من العلوم الحدسية؛ لقوة صفاء تلك النفوس القدسية وطهارتها، وأن قوى النفوس في الحدس لا تقف عند حد، ولابد للعالم من نظام ينصبه حكيم، فيعطي النفوس المؤيدة من القوة ما تعلم به ما لا يعلمه غيرها بطريق الحدس، ويتمثل لها ما تسمعه وتراه في نفسها من الكلام ومن الملائكة ما لا يسمعه غيرها، ويكون لها من القوة العملية التي تطيعها بها هيولي العالم ما ليس لغيرها‏.‏ فهذه الخوارق في قوى العلم مع السمع والبصر، وقوة العمل والقدرة، هي النبوة عندهم‏.‏



    ومعلوم أن الحدس راجع إلى قياس التمثيل ـ كما تقدم ـ وأما ما يسمع ويرى في نفسه، فهو من جنس الرؤيا، وهذا القدر يحصل مثله لكثير من عوام الناس وكفارهم، فضلا عن أولياء الله وأنبيائه، فكيف يجعل ذلك هو غاية النبوة‏؟‏ وإن كان الذي يثبتونه للأنبياء أكمل وأشرف، فهو كملك أقوى من ملك؛ ولهذا صاروا يقولون‏:‏ النبوة مكتسبة، ولم يثبتوا نزول ملائكة من عند اللّه إلى من يختاره ويصطفيه من عباده، ولا قصد إلى تكليم شخص معين من رسله؛ كما يذكر عن بعض قدمائهم أنه قال لموسى بن عمران‏:‏ أنا أصدقك في كل شيء إلا في أن علة العلل كلمك، ما أقدر أن أصدقك في هذا؛ ولهذا صار من ضل بمثل هذا الكلام يدعي مساواة الأنبياء والمرسلين أو التقدم عليهم، وهذا كثير فى كثير من الناس الذين يعتقدون في أنفسهم أنهم أكمل النوع، وهم من أجهل الناس وأظلمهم وأكفرهم وأعظمهم نفاقا‏.‏



    وأما المتكلمون المنطقيون فيقولون‏:‏ يعلم بهذا القياس ثبوت الصانع وقدرته وجواز إرسال الرسل، وتأييد الله لهم بما يوجب تصديقهم فيما يقولونه‏.‏ وهذه الطريقة أقرب إلى طريقة العلماء المؤمنين، وإن كان قد يكون فيها أنواع من الباطل، تارة من جهة ما تقلدوه عن المنطقيين، وتارة من جهة ما ابتدعوه هم، مما ليس هذا موضعه‏.‏



    ومنطقية اليهود والنصارى كذلك، لكن الهدى والعلم والبيان في فلاسفة المسلمين ومتكلميهم أعظم منه في أهل الكتابين؛ لما في تينك الملتين من الفساد‏.‏



    ولكن الغرض تقرير جنس النبوات؛ فإن أهل الملل متفقون عليها، لكن اليهود والنصارى آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، والصابئة الفلاسفة ونحوهم آمنوا ببعض صفات الرسالة دون بعض، فإذا اتفق متفلسف من أهل الكتاب جمع الكفرين؛ الكفر بخاتم المرسلين، والكفر بحقائق صفات الرسالة في جميع المرسلين، فهذا هذا‏.‏
    فيقال لهم ـ مع علمهم بتفاوت قوى بني آدم في الإدراك ـ‏:‏ ما المانع من أن يخرق سمع أحدهم وبصره، حتى يسمع ويرى من الأمور الموجودة في الخارج ما لا يراه غيره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء ـ وحق لها أن تئط ـ ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك قائم أو قاعد أو راكع أو ساجد‏)‏، فهذا إحساس بالظاهر أو الباطن لما هو في الخارج‏.‏
    وكذلك العلوم الكلية البديهية، قد علمتم أنها ليس لها حد في بني آدم، فمن أين لكم أن بعض النفوس يكون لها من العلوم البديهية ما يختص بها وحدها أو بها وبأمثالها ما لا يكون من البديهيات عندكم‏؟‏ وإذا كان هذا ممكنا ـ وعامة أهل الأرض على أنه واقع لغير الأنبياء ـ دع الأنبياء ـ فمثل هذه العلوم ليس في منطقكم طريق إليها؛ إذ ليست من المشهورات ولا الجدليات، ولا موادها عندكم يقينية، وأنتم لا تعلمون نفيها، وجمهور أهل الأرض من الأولين والآخرين على إثباتها، فإن كذبتم بها، كنتم ـ مع الكفر والتكذيب بالحق وخسارة الدنيا والآخرة ـ تاركين لمنطقكم أيضا، وخارجين عما أوجبتموه على أنفسكم؛ أنكم لا تقولون إلا بموجب القياس، إذ ليس لكم بهذا النفي قياس ولا حجة تذكر؛ ولهذا لم تذكروا عليه حجة؛ وإنما اندرج هذا النفي في كلامكم بغير حجة‏.‏
    وإن قلتم‏:‏ بل هي حق، اعترفتم بأن من الحق ما لا يوزن بميزان منطقكم‏.‏ وإن قلتم‏:‏ لا ندري أحق هي أم باطل‏؟‏ اعترفتم بأن أعظم المطالب وأجلها لا يوزن بميزان المنطق‏.‏
    فإن صدقتم لم يوافقكم المنطق، وإن كذبتم لم يوافقكم المنطق، وإن ارتبتم لم ينفعكم المنطق‏.‏
    ومن المعلوم أن موازين الأموال لا يقصد أن يوزن بها الحطب والرصاص دون الذهب والفضة‏.‏ وأمر النبوات وما جاءت به الرسل أعظم في العلوم من الذهب في الأموال‏.‏ فإذا لم يكن في منطقكم ميزان له، كان الميزان ـ مع أنه ميزان ـ عائلا جائرًا، وهو أيضا عاجز‏.‏ فهو ميزان جاهل ظالم؛ إذ هو إما أن يرد الحق ويدفعه فيكون ظالما، أو لا يزنه ولا يبين أمره فيكون جاهلا، أو يجتمع فيه الأمران فيرد الحق ويدفعه ـ وهو الحق الذي ليس للنفوس عنه عوض، ولا لها عنه مندوحة، وليست سعادتها إلا فيه ولا هلاكها إلا بتركه ـ فكيف يستقيم ـ مع هذا ـ أن تقولوا‏:‏ إنه وما وزنتموه به من المتاع الخسيس الذي أنتم في وزنكم إياه به ظالمون عائلون، لم تزنوا بالقسطاس المستقيم، و لم تستدلوا بالآيات البينات‏:‏ هو معيار العلوم الحقيقية، والحكمة اليقينية، التي فاز بالسعادة عالمها، وخاب بالشقاوة جاهلها، ورأس مال السادة، وغاية العالم المنصف منكم أن يعترف بعجز ميزانكم عنه‏.‏
    وأما عوام علمائكم فيكذبون به ويردونه، وإن كان منطقكم يرد عليهم، فلستم بتحريف أمر منطقكم أحسن حالا من اليهود والنصارى في تحريف كتاب اللّه، الذي هو في الأصل حق هاد، لا ريب فيه، فهذا هذا، ولا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏
    وأيضًا، هم متفقون على أنه لا يفيد إلا أمورًا كلية مقدرة في الذهن، لا يفيد العلم بشيء موجود محقق في الخارج إلا بتوسط شىء آخر غيره‏.‏ والأمور الكلية الذهنية ليست هي الحقائق الخارجية، ولا هي ـ أيضًا ـ علما بالحقائق الخارجية؛ إذ لكل موجود حقيقة يتميز بها عن غيره، هو بها هو، وتلك ليست كلية، فالعلم بالأمر المشترك لا يكون علما بها، فلا يكون في القياس المنطقي علم تحقيق شىء من الأشياء وهو المطلوب‏.‏
    وأيضًا، هم يطعنون في قياس التمثيل، إنه لا يفيد إلا الظن، وربما تكلموا على بعض الأقيسة الفرعية، أو الأصلية التي تكون مقدماتها ضعيفة أو مظنونة، مثل كلام السهروردى المقتول على الزندقة صاحب ‏[‏التلويحات‏]‏ و‏[‏الألواح‏]‏ و ‏[‏حكمة الإشراق‏]‏‏.‏ وكان في فلسفته مستمدًا من الروم الصابئين والفرس المجوس‏.‏ وهاتان المادتان هما مادتا القرامطة الباطنية، ومن دخل ويدخل فيهم من الإسماعيلية والنصيرية وأمثالهم، وهم ممن دخل في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏لتأخذن مأخذ الأمم قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه‏)‏، قالوا‏:‏ فارس والروم‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏فمن‏؟‏‏!‏‏)‏‏.‏
    والمقصود أن ذكر كلام السهروردي هذا على قياس ضربه، وهو أن يقال‏:‏ السماء محدثة، قياسًا على البيت، بجامع ما يشتركان فيه من التأليف، فيحتاج أن يثبت أن علة حدوث البناء هو التأليف، وأنه موجود في الفرع‏.‏
    والتحقيق‏:‏ أن ‏[‏قياس التمثيل‏]‏ أبلغ في إفادة العلم واليقين من ‏[‏قياس الشمول‏]‏، وإن كان علم قياس الشمول أكثر فذاك أكبر، فقياس التمثيل في القياس العقلي كالبصر في العلم الحسي، وقياس الشمول كالسمع في العلم الحسي‏.‏ ولا ريب أن البصر أعظم وأكمل، والسمع أوسع وأشمل، فقياس التمثيل بمنزلة البصر، كما قيل‏:‏ من قاس ما لم يره بما رأى‏.‏ وقياس الشمول يشابه السمع من جهة العموم‏.‏
    ثم إن كل واحد من القياسين ـ في كونه علميًا أو ظنيًا ـ يتبع مقدماته، فقياس التمثيل في الحسيات وكل شيء؛ إذا علمنا أن هذا مثل هذا، علمنا أن حكمه حكمه، وإن لم نعلم علة الحكم، وإن علمنا علة الحكم استدللنا بثبوتها على ثبوت الحكم، فبكل واحد من العلم بقياس التمثيل وقياس التعليل يعلم الحكم‏.‏
    وقياس التعليل هو في الحقيقة من نوع قياس الشمول، لكنه امتاز عنه بأن الحد الأوسط ـ الذي هو الدليل فيه ـ هو علة الحكم، ويسمى قياس العلة، وبرهان العلة‏.‏ وذلك يسمى قياس الدلالة وبرهان الدلالة، وإن لم نعلم التماثل والعلة، بل ظنناها ظنًا كان الحكم كذلك‏.‏
    وهكذا الأمر في قياس الشمول، إن كانت المقدمتان معلومتين كانت النتيجة معلومة، وإلا فالنتيجة تتبع أضعف المقدمات‏.‏
    فأما دعواهم‏:‏ أن هذا لا يفيد العلم، فهو غلط محض محسوس، بل عامة علوم بني آدم العقلية المحضة هي من قياس التمثيل‏.‏
    وأيضًا، فإن علومهم التي جعلوا هذه الصناعة ميزانًا لها بالقصد الأول، لا يكاد ينتفع بهذه الصناعة المنطقية في هذه العلوم إلا قليلا‏.‏ فإن العلوم الرياضية ـ من حساب العدد، وحساب المقدار الذهني والخارجي ـ قد علم أن الخائضين فيها من الأولين والآخرين مستقلون بها من غير التفات إلى هذه الصناعة المنطقية واصطلاح أهلها‏.‏ وكذلك ما يصح من العلوم الطبيعية الكلية والطبية، تجد الحاذقين فيها لم يستعينوا عليها بشىء من صناعة المنطق، بل إمام صناعة الطب بقراط له فيها من الكلام الذي تلقاه أهل الطب بالقبول ووجدوا مصداقه بالتجارب، وله فيها من القضايا الكلية التي هي عند عقلاء بني آدم من أعظم الأمور، ومع هذا فليس هو مستعينًا بشيء من هذه الصناعة، بل كان قبل واضعها‏.‏
    وهم وإن كان العلم الطبيعي عندهم أعلم وأعلى من علم الطب، فلا ريب أنه متصل به‏.‏ فبالعلم بطبائع الأجسام المعينة المحسوسة تعلم طبائع سائر الأجسام، ومبدأ الحركة والسكون الذي في الجسم، ويستدل بالجزء على الكل؛ ولهذا كثيرًا ما يتناظرون في مسائل، ويتنازع فيها هؤلاء وهؤلاء، كتناظر الفقهاء والمتكلمين في مسائل كثيرة تتفق فيها الصناعتان، وأولئك يدعون عموم النظر، ولكن الخطأ والغلط عند المتكلمين والمتفلسفة أكثر مما هو عند الفقهاء والأطباء، وكلامهم وعلمهم أنفع، وأولئك أكثر ضلالا وأقل نفعًا؛ لأنهم طلبوا بالقياس ما لا يعلم بالقياس، وزاحموا الفطرة والنبوة مزاحمة أوجبت من مخالفتهم للفطرة والنبوة ما صاروا به من شياطين الإنس والجن الذين يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، بخلاف الطب المحض، فإنه علم نافع، وكذلك الفقه المحض‏.‏
    وأما علم ما بعد الطبيعة ـ وإن كانوا يعظمونه، ويقولون‏:‏ هو الفلسفة الأولى، وهو العلم الكلي الناظر في الوجود ولواحقه، ويسميه متأخروهم العلم الإلهي، وزعم المعلم الأول لهم أنه غاية فلسفتهم ونهاية حكمتهم ـ فالحق فيه من المسائل قليل نزر، وغالبه علم بأحكام ذهنية لا حقائق خارجية‏.‏ وليس على أكثرهم قياس منطقي؛ فإن الوجود المجرد والوجوب والإمكان والعلة المجردة والمعلول، وانقسام ذلك إلى جزء الماهية، وهو المادة والصورة، وإلى علتي وجودها‏.‏ وهما الفاعل والغاية، والكلام في انقسام الوجود إلى الجواهر والأعراض التسعة؛ التي هي‏:‏ الكم والكيف والإضافة والأين ومتى والوضع والملك، وأن يفعل وأن ينفعل، كما أنشد بعضهم فيها ‏:‏

    زيد الطويل الأسود بن مالك ** في داره بالأمس كــان يتكي
    في يده سيف نضاه فانتضـى ** فهذه عشر مقــولات ســواء


    ليس عليها ولا على أقسامها قياس منطقي، بل غالبها مجرد استقراء، قد نوزع صاحبه في كثير منه‏.‏

    فإذا كانت صناعتهم بين علوم لا يحتاج فيها إلى القياس المنطقي، وبين ما لا يمكنهم أن يستعملوا فيه القياس المنطقي، كان عديم الفائدة في علومهم، بل كان فيه من شغل القلب عن العلوم والأعمال النافعة ما ضر كثيرًا من الناس، كما سد على كثير منهم طريق العلم، وأوقعهم في أودية الضلال والجهل‏.‏ فما الظن بغير علومهم من العلوم التي لا تحد للأولين والآخرين‏.‏

    وأيضًا، لا تجد أحدًا من أهل الأرض حقق علمًا من العلوم وصار إمامًا فيه مستعينًا بصناعة المنطق، لا من العلوم الدينية ولا غيرها، فالأطباء والحساب والكتاب ونحوهم يحققون ما يحققون من علومهم وصناعاتهم بغير صناعة المنطق‏.‏
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية تتمة

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 04.08.08 19:20



    وقد صنف في الإسلام علوم النحو واللغة والعروض والفقه وأصوله والكلام وغير ذلك، وليس في أئمة هذه الفنون من كان يلتفت إلى المنطق، بل عامتهم كانوا قبل أن يعرب هذا المنطق اليوناني‏.‏


    وأما العلوم الموروثة عن الأنبياء صرفًا، وإن كان الفقه وأصوله متصلا بذلك، فهي أجل وأعظم من أن يظن أن لأهلها التفاتًا إلى المنطق؛ إذ ليس في القرون الثلاثة من هذه الأمة ـ التي هي خير أمة أخرجت للناس ـ وأفضلها القرون الثلاثة، من كان يلتفت إلى المنطق أو يعرج عليه، مع أنهم في تحقيق العلوم وكمالها بالغاية التي لا يدرك أحد شأوها، كانوا أعمق الناس علمًا، وأقلهم تكلفا، وأبرهم قلوبًا‏.‏ ولا يوجد لغيرهم كلام فيما تكلموا فيه إلا وجدت بين الكلامين من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق، بل الذي وجدناه بالاستقراء أن من المعلوم أن من الخائضين في العلوم من أهل هذه الصناعة أكثر الناس شكا واضطرابًا، وأقلهم علمًا وتحقيقًا، وأبعدهم عن تحقيق علم موزون، وإن كان فيهم من قد يحقق شيئًا من العلم‏.‏ فذلك لصحة المادة والأدلة التي ينظر فيها، وصحة ذهنه وإدراكه، لا لأجل المنطق، بل إدخال صناعة المنطق في العلوم الصحيحة يطول العبارة ويبعد الإشارة، ويجعل القريب من العلم بعيدًا، واليسير منه عسيرًا‏.‏ ولهذا تجد من أدخله في الخلاف والكلام وأصول الفقه وغير ذلك، لم يفد إلا كثرة الكلام والتشقيق، مع قلة العلم والتحقيق‏.‏



    فعلم أنه من أعظم حشو الكلام، وأبعد الأشياء عن طريقة ذوي الأحلام‏.‏



    نعم لا ينكر أن في المنطق ما قد يستفيد ببعضه من كان في كفر وضلال، وتقليد، ممن نشأ بينهم من الجهال، كعوام النصارى واليهود والرافضة ونحوهم، فأورثهم المنطق ترك ما عليه أولئك من تلك العقائد، ولكن يصير غالب هؤلاء مداهنين لعوامهم، مضلين لهم عن سبيل اللّه، أو يصيرون منافقين زنادقة، لا يقرون بحق ولا بباطل، بل يتركون الحق كما تركوا الباطل‏.‏



    فأذكياء طوائف الضلال إما مضللون مداهنون، وإما زنادقة منافقون، لا يكاد يخلو أحد منهم عن هذين، فأما أن يكون المنطق وقفهم على حق يهتدون به، فهذا لا يقع بالمنطق‏.‏



    ففي الجملة، ما يحصل به لبعض الناس من شحذ ذهن، أو رجوع عن باطل أو تعبير عن حق، فإنما هو لكونه كان في أسوأ حال، لا لما في صناعة المنطق من الكمال‏.‏



    ومن المعلوم أن المشرك إذا تمجس، والمجوسي إذا تهود، حسنت حاله بالنسبة إلى ما كان فيه قبل ذلك، لكن لا يصلح أن يجعل ذلك عمدة لأهل الحق المبين‏.‏



    وهذا ليس مختصًا به، بل هذا شأن كل من نظر في الأمور التي فيها دقة ولها نوع إحاطة، كما تجد ذلك في علم النحو؛ فإنه من المعلوم أن لأهله من التحقيق والتدقيق والتقسيم والتحديد ما ليس لأهل المنطق، وأن أهله يتكلمون في صورة المعاني المعقولة على أكمل القواعد‏.‏ فالمعاني فطرية عقلية لا تحتاج إلى وضع خاص، بخلاف قوالبها التي هي الألفاظ، فإنها تتنوع، فمتى تعلموا أكمل الصور والقوالب للمعاني مع الفطرة الصحيحة، كان ذلك أكمل وأنفع وأعون على تحقيق العلوم من صناعة اصطلاحية في أمور فطرية عقلية لا يحتاج فيها إلى اصطلاح خاص‏.‏
    هذا لعمري عن منفعته في سائر العلوم‏.‏



    وأما منفعته في علم الإسلام ـ خصوصًا ـ فهذا أبين من أن يحتاج إلى بيان؛ ولهذا تجد الذين اتصلت إليهم علوم الأوائل، فصاغوها بالصيغة العربية بعقول المسلمين، جاء فيها من الكمال والتحقيق والإحاطة والاختصار ما لا يوجد في كلام الأوائل، وإن كان في هؤلاء المتأخرين من فيه نفاق وضلال، لكن عادت عليهم في الجملة بركة ما بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم وما أوتيته أمته من العلم والبيان الذي لم يشركها فيه أحد‏.‏



    وأيضًا، فإن صناعة المنطق وضعها معلمهم الأول أرسطو، صاحب التعاليم التي لمبتدعة الصابئة، يزن بها ما كان هو وأمثاله يتكلمون فيه من حكمتهم وفلسفتهم، التي هي غاية كمالهم‏.‏ وهي قسمان‏:‏ نظرية وعملية‏.‏



    فأصح النظرية ـ وهي المدخل إلى الحق ـ هي الأمور الحسابية الرياضية‏.‏



    وأما العملية‏:‏ فإصلاح الخلق والمنزل والمدينة‏.‏ ولا ريب أن في ذلك من نوع العلوم والأعمال الذي يتميزون بها عن جهال بني آدم، الذين ليس لهم كتاب منزل ولا نبي مرسل ما يستحقون به التقدم على ذلك‏.‏ وفيه من منفعة صلاح الدنيا وعمارتها ما هو داخل في ضمن ما جاءت به الرسل‏.‏



    وفيها ـ أيضًا ـ من قول الحق واتباعه والأمر بالعدل والنهي عن الفساد، ما هو داخل في ضمن ما جاءت به الرسل‏.‏
    فهم بالنسبة إلى جهال الأمم ـ كبادية الترك ونحوهم ـ أمثل إذا خلوا عن ضلالهم، فأما مع ضلالهم فقد يكون الباقون على الفطرة من جهال بني آدم أمثل منهم‏.‏



    فأما أضل أهل الملل ـ مثل جهال النصارى وسامرة اليهود ـ فهم أعلم منهم وأهدى وأحكم وأتبع للحق‏.‏ وهذا قد بسطته بسطًا كثيرًا في غير هذا الموضع‏.‏



    وإنما المقصود هنا‏:‏ بيان أن هذه الصناعة قليلة المنفعة عظيمة الحشو‏.‏
    وذلك أن الأمور العملية الخلقية قل أن ينتفع فيها بصناعة المنطق؛ إذ القضايا الكلية الموجبة ـ وإن كانت توجد في الأمور العملية ـ لكن أهل السياسة لنفوسهم ولأهلهم ولملكهم، إنما ينالون تلك الآراء الكلية من أمور لا يحتاجون فيها إلى المنطق، ومتى حصل ذلك الرأي كان الانتفاع به بالعمل‏.‏



    ثم الأمور العملية لا تقف على رأى كلي، بل متى علم الإنسان انتفاعه بعمل، عمله، وأي عمل تضرر به، تركه‏.‏ وهذا قد يعلمه بالحس الظاهر أو الباطن لا يقف ذلك على رأي كلي‏.‏



    فعلم أن أكثر الأمور العملية لا يصح استعمال المنطق فيها؛ ولهذا كان المؤدبون لنفوسهم ولأهلهم، السائسون لملكهم، لا يَزِنُون آراءهم بالصناعة المنطقية، إلا أن يكون شيئًا يسيرًا، والغالب على من يسلكه التوقف والتعطيل‏.‏
    ولو كان أصحاب هذه الآراء تقف معرفتهم بها واستعمالهم لها على وزنها بهذه الصناعة، لكان تضررهم بذلك أضعاف انتفاعهم به، مع أن جميع ما يأمرون به من العلوم والأخلاق والأعمال لا تكفي في النجاة من عذاب الله، فضلا عن أن يكون محصلا لنعيم الآخرة قال تعالى‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف ‏:‏ 38‏]‏، كذلك قال‏:‏ ‏{‏أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏الْكَافِرُونَ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 82- 85‏]‏‏.‏



    فأخبر هنا بمثل ما أخبر به في الأعراف، أن هؤلاء المعرضين عما جاءت به الرسل لما رأوا بأس الله وحدوا الله، وتركوا الشرك فلم ينفعهم ذلك‏.‏



    وكذلك أخبر عن فرعون ـ وهو كافر بالتوحيد وبالرسالة ـ أنه لمَّا أدركه الغرق قال‏:‏ ‏{‏آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ قال الله‏:‏ ‏{‏أَلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 91‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ‏.‏ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 172، 173‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ‏.‏ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 9، 10‏]‏‏.‏



    وهذا في القرآن في مواضع أخر، يبين فيها أن الرسل كلهم أمروا بالتوحيد بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة شىء من المخلوقات سواه، أو اتخاذه إلهًا، ويخبر أن أهل السعادة هم أهل التوحيد، وأن المشركين هم أهل الشقاوة، وذكر هذا عن عامة الرسل، ويبين أن الذين لم يؤمنوا بالرسل مشركون‏.‏
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية تتمة

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 04.08.08 19:22



    فعلم أن التوحيد والإيمان بالرسل متلازمان، وكذلك الإيمان باليوم الآخر هو والإيمان بالرسل متلازمان فالثلاثة متلازمة؛ ولهذا يجمع بينها في مثل قوله‏:‏ ‏{‏وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 150‏]‏؛ ولهذا أخبر أن الذين لا يؤمنون بالآخرة مشركون، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ‏}‏ ‏[‏الزمر‏:‏ 45‏]‏‏.‏


    وأخبر عن جميع الأشقياء‏:‏ أن الرسل أنذرتهم باليوم الآخر، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ‏.‏ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 8، 9‏]‏ فأخبر أن الرسل أنذرتهم، وأنهم كذبوا بالرسالة‏.‏



    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا‏}‏ الآية ‏[‏الزمر‏:‏ 71‏]‏‏.‏ فأخبر عن أهل النار أنهم قد جاءتهم الرسالة، وأنذروا باليوم الآخر‏.‏



    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدْ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الْإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‏.‏ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏.‏ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ‏}‏ الآية ‏[‏الأنعام‏:‏ 128ـ130‏]‏‏.‏



    فأخبر عن جميع الجن والإنس أن الرسل بلغتهم رسالة الله، وهي آياته وأنهم أنذروهم اليوم الآخر، وكذلك قال‏:‏ ‏{‏قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا‏.‏ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 103ـ105‏]‏‏.‏ فأخبر أنهم كفروا بآياته، وهي رسالته، وبلقائه وهو اليوم الآخر‏.‏



    وقد أخبر ـ أيضًا ـ في غير موضع - بأن الرسالة عمت بني آدم، وأن الرسل جاؤوا مبشرين ومنذرين، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 24‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ‏}‏ إلى قوله ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 163ـ165‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏.‏ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمْ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 48، 49‏]‏‏.‏ فأخبر أن من آمن بالرسل وأصلح من الأولين والآخرين فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏.‏



    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 38‏]‏ ومثل ذلك قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏}‏ الآية ‏[‏البقرة‏:‏ 62‏]‏‏.‏



    فذكر أن المؤمنين بالله وباليوم الآخر من هؤلاء هم أهل النجاة والسعادة، وذكر في تلك الآية الإيمان بالرسل، وفي هذه الإيمان باليوم الآخر؛ لأنهما متلازمان، وكذلك الإيمان بالرسل كلهم متلازم‏.‏ فمن آمن بواحد منهم فقد آمن بهم كلهم، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم كلهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا‏}‏ الآية والتي بعدها ‏[‏النساء‏:‏ 150، 151‏]‏‏.‏ فأخبر أن المؤمنين بجميع الرسل هم أهل السعادة، وأن المفرقين بينهم بالإيمان ببعضهم دون بعض هم الكافرون حقًا‏.‏



    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا‏.‏ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا‏.‏ مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 13ـ 15‏]‏‏.‏



    فهذه الأصول الثلاثة‏:‏ توحيد الله، والإيمان برسله، وباليوم الآخرـ هي أمور متلازمة‏.‏



    والحاصل‏:‏ أن توحيد الله والإيمان برسله واليوم الآخر هي أمور متلازمة مع العمل الصالح، فأهل هذا الإيمان والعمل الصالح هم أهل السعادة من الأولين والآخرين، والخارجون عن هذا الإيمان مشركون أشقياء، فكل من كذب الرسل فلن يكون إلا مشركًا، وكل مشرك مكذب للرسل، وكل مشرك وكافر بالرسل، فهو كافر باليوم الآخر، وكل من كفر باليوم الآخر فهو كافر بالرسل وهو مشرك؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ‏.‏ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 112، 113‏]‏‏.‏
    فأخبر أن جميع الأنبياء لهم أعداء، وهم شياطين الإنس والجن، يوحي بعضهم إلى بعض القول المزخرف، وهو المزين المحسن، يغررون به‏.‏ والغرور‏:‏ هو التلبيس والتمويه‏.‏ وهذا شأن كل كلام وكل عمل يخالف ما جاءت به الرسل، من أمر المتفلسفة والمتكلمة وغيرهم من الأولين والآخرين، ثم قال‏:‏ ‏{‏وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ‏}‏ فأخبر أن كلام أعداء الرسل تصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة‏.‏



    فعلم أن مخالفة الرسل وترك الإيمان بالآخرة متلازمان، فمن لم يؤمن بالآخرة أصغى إلى زخرف أعدائهم، فخالف الرسل، كما هو موجود في أصناف الكفار والمنافقين في هذه الأمة‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ‏.‏ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا‏}‏ الآية ‏[‏الأعراف‏:‏ 52، 53‏]‏‏.‏ فأخبر أن الذين تركوا اتباع الكتاب ـ وهو الرسالة ـ يقولون إذا جاء تأويله ـ وهو ما أخبر به ـ‏:‏ جاءت رسل ربنا بالحق، وهذا كقوله‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى‏.‏ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا‏.‏ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 124ـ 126‏]‏ أخبر أن الذين تركوا اتباع آياته يصيبهم ما ذكرنا‏.‏



    فقد تبين أن أصل السعادة، وأصل النجاة من العذاب، هو توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له، والإيمان برسله واليوم الآخر، والعمل الصالح‏.‏



    وهذه الأمور ليست في حكمتهم وفلسفتهم المبتدعة، ليس فيها الأمر بعبادة الله وحده والنهي عن عبادة المخلوقات، بل كل شرك في العالم إنما حدث برأي جنسهم، إذ بنوه على ما في الأرواح والأجسام من القوى والطبائع، وأن صناعة الطلاسم والأصنام والتعبد لها يورث منافع ويدفع مضار‏.‏ فهم الآمرون بالشرك والفاعلون له، ومن لم يأمر بالشرك منهم فلم ينه عنه، بل يقر هؤلاء وهؤلاء، وإن رجح الموحدين ترجيحًا ما، فقد يرجح غيره المشركين، وقد يعرض عن الأمرين جميعًا‏.‏ فتدبر هذا، فإنه نافع جدًا‏.‏



    ولهذا كان رؤوسهم ـ المتقدمون والمتأخرون ـ يأمرون بالشرك‏.‏ فالأولون يسمون الكواكب الآلهة الصغرى، ويعبدونها بأصناف العبادات، كذلك كانوا في ملة الإسلام لا ينهون عن الشرك ويوجبون التوحيد، بل يسوغون الشرك أو يأمرون به، أو لا يوجبون التوحيد‏.‏



    وقد رأيت من مصنفاتهم في عبادة الكواكب والملائكة وعبادة الأنفس المفارقةـ أنفس الأنبياء وغيرهم ـ ما هو أصل الشرك‏.‏



    وهم إذا ادعوا التوحيد فإنما توحيدهم بالقول، لا بالعبادة والعمل‏.‏ والتوحيد الذي جاءت به الرسل لابد فيه من التوحيد بإخلاص الدين لله، وعبادته وحده لا شريك له، وهذا شىء لا يعرفونه‏.‏ والتوحيد الذي يدعونه إنما هو تعطيل حقائق الأسماء والصفات، وفيه من الكفر والضلال ما هو من أعظم أسباب الإشراك‏.‏



    فلو كانوا موحدين بالقول والكلام ـ وهو أن يصفوا اللّه بما وصفته به رسله ـ لكان معهم التوحيد دون العمل، وذلك لا يكفي في السعادة والنجاة، بل لابد من أن يعبد الله وحده ويتخذ إلهًا، دون ما سواه، وهو معني قول‏:‏ لا إله إلا الله، فكيف وهم في القول والكلام معطلون جاحدون، لا موحدون ولا مخلصون ‏؟‏‏!‏



    وأما الإيمان بالرسل، فليس فيه للمعلم الأول وذويه كلام معروف، والذين دخلوا في الملل منهم آمنوا ببعض صفات الرسل وكفروا ببعض‏.‏



    وأما اليوم الآخر، فأحسنهم حالًا من يقر بمعاد الأرواح دون الأجساد‏.‏ ومنهم من ينكر المعادين جميعًا‏.‏ ومنهم من يقر بمعاد الأرواح العالمة دون الجاهلة‏.‏ وهذه الأقوال الثلاثة لمعلمهم الثاني أبي نصر الفارابي، ولهم فيه من الاضطراب ما يعلم به أنهم لم يهتدوا فيه إلى الصواب‏.‏



    وقد أضلوا بشبهاتهم من المنتسبين إلى الملل من لا يحصى عدده إلا الله‏.‏



    فإذا كان ما به تحصل السعادة والنجاة من الشقاوة ليس عندهم أصلا، كان ما يأمرون به من الأخلاق والأعمال والسياسات، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ‏}‏ ‏[‏الروم ‏:‏ 7‏]‏‏.‏
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية تتمة

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 04.08.08 19:38



    وأما ما يذكرونه من العلوم النظرية، فالصواب منها منفعته في الدنيا‏.‏ وأما ‏"‏العلم الإلهي‏"‏ فليس عندهم منه ما تحصل به النجاة والسعادة، بل وغالب ما عندهم منه ليس بمتيقن معلوم، بل قد صرح أساطين الفلسفة أن العلوم الإلهية لا سبيل فيها إلى اليقين، وإنما يتكلم فيها بالأحرى والأخلق، فليس معهم فيها إلا الظن‏{‏وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا‏}‏ ‏[‏ النجم‏:‏ 28 ‏]‏؛ ولهذا يوجد عندهم من المخالفة للرسل أمر عظيم باهر، حتى قيل مرة لبعض الأشياخ الكبار ـ ممن يعرف الكلام والفلسفة والحديث وغير ذلك ـ‏:‏ ما الفرق الذي بين الأنبياء والفلاسفة‏؟‏ فقال‏:‏ السيف الأحمر‏.‏ يريد أن الذي يسلك طريقتهم يريد أن يوفق بين ما يقولونه وبين ما جاءت به الرسل، فيدخل من السفسطة والقرمطة في أنواع من المحال الذي لا يرضاه عاقل، كما فعل أصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثالهم‏.‏ ومن هنا ضلت القرامطة والباطنية ومن شاركهم في بعض ذلك‏.‏ وهذا باب يطول وصفه ليس الغرض هنا ذكره‏.‏

    وإنما الغرض أن معلمهم وضع منطقهم ليزن به ما يقولونه من هذه الأمور التي يخوضون فيها، والتي هي قليلة المنفعة، وأكثر منفعتها إنما هي في الأمور الدنيوية، وقد يستغنى عنها في الأمور الدنيوية أيضًا‏.‏

    فأما أن يوزن بهذه الصناعة ما ليس من علومهم وما هو فوق قدرهم، أو يوزن بها ما يوجب السعادة والنعيم والنجاة من العذاب الأليم، فهذا أمر ليس هو فيها، و‏{‏قَّدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِ شَيءٍ قَدْرًا‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 3‏]‏‏.‏ والقوم وإن كان لهم ذكاء وفطنة، وفيهم زهد وأخلاق، فهذا القدر لا يوجب السعادة والنجاة من العذاب، إلا بالأصول المتقدمة‏:‏ من الإيمان باللّه وتوحيده، وإخلاص عبادته، والإيمان برسله واليوم الآخر، والعمل الصالح‏.‏

    وإنما قوة الذكاء بمنزلة قوة البدن وقوة الإرادة، فالذي يؤتي فضائل علمية وإرادية بدون هذه الأصول، يكون بمنزلة من يؤتي قوة في جسمه وبدنه بدون هذه الأصول‏.‏

    وأهل الرأي والعلم بمنزلة أهل الملك والإمارة، وكل من هؤلاء وهؤلاء لا ينفعه ذلك شيئًا إلا أن يعبد الله وحده لا شريك له، ويؤمن برسله وباليوم الآخر‏.‏


    وهذه الأمور متلازمة، فمن عبد الله وحده لزم أن يؤمن برسله ويؤمن باليوم الآخر، فيستحق الثواب وإلا كان من أهل الوعيد يخلد في العذاب، هذا إذا قامت عليه الحجة بالرسل‏.‏



    ولما كان كل واحد من أهل الملك والعلم قد يعارضون الرسل وقد يتابعونهم، ذكر الله ذلك في كتابه في غير موضع‏.‏ فذكر فرعون، والذي حاج إبراهيم في ربه لما آتاه الله الملك، والملأ من قوم نوح، وعاد وغيرهم من المستكبرين المكذبين للرسل، وذكر قول علمائهم، كقوله‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ‏.‏ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ ‏.‏ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ‏}‏


    [‏غافر‏:‏ 83 ـ 85‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ ‏.‏ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 4ـ 35‏]‏، والسلطان هو الوحي المنزل من عند الله، كما ذكر ذلك في غير موضع، كقوله‏:‏ ‏{‏أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 35‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏ 71، النجم‏:‏ 23‏]‏، وقال ابن عباس‏:‏ كل سلطان في القرآن فهو الحجة‏.‏ ذكره البخاري في صحيحه‏.‏



    وقد ذكر في هذه السورة ‏[‏سورة حم غافر‏]‏ من حال مخالفي الرسل من الملوك والعلماء مثل مقول الفلاسفة وعلمائهم ومجادلتهم واستكبارهم ما فيه عبرة، مثل قوله‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 56‏]‏، ومثل قوله‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ‏.‏ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ‏.‏ إِذْ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ ‏.‏ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 69ـ 75‏]‏، وختم السورة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 83‏]‏‏.‏


    وكذلك في سورة الأنعام والأعراف وعامة السور المكية، وطائفة من السور المدنية، فإنها تشتمل على خطاب هؤلاء وضرب الأمثال والمقاييس لهم، وذكر قصصهم وقصص الأنبياء وأتباعهم معهم‏.‏ فقال سبحانه‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 26‏]‏‏.‏



    فأخبر بما مكنهم فيه من أصناف الإدراكات و الحركات‏.‏ وأخبر أن ذلك لم يغن عنهم حيث جحدوا بآيات الله، وهي الرسالة التي بعث بها رسله؛ ولهذا حدثني ابن الشيخ الحصيري عن والده الشيخ الحصيري ـ شيخ الحنفية في زمنه ـ قال‏:‏ كان فقهاء بخارى يقولون في ابن سينا‏:‏ كان كافرًا ذكيًا‏.‏



    وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ‏}‏ الآية ‏[‏غافر‏:‏ 21‏]‏، والقوة تعم قوة الإدراك النظرية وقوة الحركة العملية، وقال في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 82‏]‏، فأخبر بفضلهم في الكم والكيف، وأنهم أشد في أنفسهم وفي آثارهم في الأرض، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ‏.‏ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون‏}‏‏[‏غافر‏:‏ 82، 83‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ‏.‏ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 6ـ 11‏]‏،



    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 5‏]‏ وقد قال ـ سبحانه ـ عن أتباع هؤلاء الأئمة من أهل الملك والعلم المخالفين للرسل‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ ‏.‏ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ‏.‏ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 66ـ 68‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 47، 48‏]‏‏.‏



    ومثل هذا في القرآن كثير، يذكر فيه من أقوال أعداء الرسل وأفعالهم وما أوتوه من قوى الإدراكات والحركات التي لم تنفعهم لما خالفوا الرسل‏.‏
    وقد ذكر الله ـ سبحانه ـ ما في المنتسبين إلى أتباع الرسل، من العلماء والعباد والملوك من النفاق والضلال في مثل قوله‏:‏ ‏{‏يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 34‏]‏‏.‏



    ‏{‏وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏}‏ يستعمل لازما، يقال‏:‏ صد صدودًا، أي‏:‏ أعرض، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 16‏]‏، ويقال‏:‏ صد غيره يصده، والوصفان يجتمعان فيهم، ومثل قوله‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 51‏]‏‏.‏


    وفي الصحيحين‏:‏ عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة؛ طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة؛ طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة؛ ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة؛ طعمها مر، ولا ريح له‏)‏، فبين أن في الذين يقرؤون القرآن مؤمنين ومنافقين‏
    .

    انتهى المتيسر هنــا من كلامه رحمه الله تعالى
    ومن رام متابعة روعة البيان فلينظر الجزء الخاص به من "مجموع الفتواى"
    المجلد السابع الجزئين الثامن والتاسع ( القدر والمنطق )
    والنقل عن مجموع فتاويه -رحمه الله تعالى- الإلكترونية


    مجموع ما كتب في علم الكلام 59705996de0
    .....مجموع ما كتب في علم الكلام 52561923hk9
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في علم الكلام

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 09.10.08 13:50

    نقولات قيمة عن الشافعي في ذم الكلام


    قال رضي الله عنه: بعد مناظرة حفص الفرد: لقد اطلعت من أهل الكلام على شئ والله ما توهمته قط، ولأن يبتلى المرء بجميع ما نهى الله عنه ما خلا الشرك بالله خير من أن يبتليه الله بالكلام. 1/ 453-454




    قال الشافعي للمزني بعد أن رد عليه في مسائل في الكلام باحضر جواب:
    هذا علم إن أنت أصبت فيه لم تؤجر وإن أخطأت فيه كفرت، فهل لك في علم إن أصبت فيه أجرت، وإن أخطأت لم تأثم؟ قلت: وما هو؟ قال: الفقه. فلزَمْه، فتعلمت منه الفقه، ودرست عليه.


    قال المزني: وكنت يوما عنده إذ دخل عليه حفص الفرد، فسأله عن سؤالات كثيرة، فبينما الكلام يجري بينهما، وقد دق حتى لا أفهمه، إذ التفت إلي الشافعي مسرعا، فقال: يا مزني، قلت: لبيك. قال: تدري ما قال حفص؟ قلت: لا، قال: خير لك أن لا تدري

    طبقات الشافعية الكبري

    للسبكي
    ( 2/98 )
    دار هجر الطبعة الثانية، 1992.2


    ===============


    لعل هذا الموضوع يفيدك :


    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...C7%DD%DA%ED%C9




    والنقل
    لطفــــــاً .. من هنــــــــــــــا
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: مجموع ما كتب في علم الكلام

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 18.10.08 16:17

    بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة

    تأليف :
    شيخ الإسلام ابن تيمية
    -رحمه الله تعالى-


    / رداً على سؤال ورد إلى شيخ الإسلام رحمه الله تعالى /

    لحفظ البحث اضغط هنا

    مجموع ما كتب في علم الكلام Logo

      الوقت/التاريخ الآن هو 03.05.24 0:39