خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    فواتح ذي الملكوت في بيان معنى الطاغوت

    avatar
    أبو عمر عادل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 363
    العمر : 67
    البلد : مصر السنية
    العمل : أخصائي اجتماعي
    شكر : 1
    تاريخ التسجيل : 29/06/2008

    الملفات الصوتية فواتح ذي الملكوت في بيان معنى الطاغوت

    مُساهمة من طرف أبو عمر عادل 16.04.10 15:36


    فواتح ذي الملكوت في بيان معنى الطاغوت
    إعداد :
    أبي عبد الرحمن رائد بن عبد الجبارالمهداوي



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهاده، أما بعد:

    الطاغوت: مشتق في اللغة من (الطغيان)، وهو: مجاوزة الحد، لذا فإنّه في الشرع يطلق على (كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع) كما عرّفه بذلك العلّامة ابن القيّم: في "أعلام الموقعين".
    قال الإمام ابن عثيمين في "القول المفيد على كتاب التوحيد" معلقاً على كلام ابن القيم السابق: "ومراده من كان راضياً بذلك، أو يقال: هو طاغوت باعتبار عابده، وتابعه، ومطيعه؛ لأنه تجاوز به حده حيث نَزَّله فوق منزلته التي جعلها الله له، فتكون عبادته لهذا المعبود، واتباعه لمتبوعه، وطاعته لمطاعه طغياناً؛ لمجاوزته الحد بذلك".
    وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة : في الفتاوى (16/565) معرّفاً (الطاغوت): "وهو اسم جنس يدخل فيه: الشيطان، والوثن، والكهان، والدرهم، والدينار، وغير ذلك".

    ويطلق بعض أهل العلم لفظ (الطاغوت) على كل رأس في الضلالة، وعلى الداعي إلى البدع، وعلى علماء السوء الذين يدعون إلى الضلال والكفر، وعلى كل مَن صَرف عن طريق الخير. وانظر: "تفسير القرطبي" (10/104)، و"القاموس المحيط" (مادة:طغى)، و"مفردات القرآن" للراغب الأصفهاني (ص:305 ـ مادة: طغى)، و"شرح الأصول الثلاثة" للإمام ابن عثيمين (ص:151).
    وفي بعض كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب : ما يدل على انه يطلق لفظ (الطاغوت) على بعض أهل الذنوب غير المكفِّرة مثل قوله: في "الدرر السنية" (1/137): "والطواغيت كثيرة والمتبين لنا منهم خمسة: أولهم الشيطان، وحاكم الجور، وآكل الرشوة، ومن عُبد فرضي، والعامل بغير علم".
    وهل يلزم تكفير من اتصف بأنه (طاغوت)؟
    الجواب: لا يلزم ذلك؛ فإن من الطغيان ما هو كفر، ومنه ما هو بدعة وضلالة، ومنه ما هو ظلم وجوْر، ومنه ما هو معصية وذنب، كما تبين من خلال النقول السابقة.
    فما يقوم به التكفيريون ـ الخوارج الجدد ـ وأنصارهم ـ الحزبيون ـ في هذا الزمان من إطلاق مصطلح (الطاغوت) على حكام المسلمين، مريدين بذلك تكفيرهم مطلقاً، بدعوى عدم حكمهم بما أنزل الله، هو جهل بحقيقة ومعنى ذلك المصطلح (الطاغوت)، واتباع للهوى، وخروج على ما قرَّره أهل العلم الكبار ـ قديماً وحديثاً ـ في مسائل التكفير من قواعد وضوابط.
    فكلمة (الطاغوت) مصطلح شرعيٌّ، ورد ذكره في الكتاب العزيز والسنة الصحيحة، وما كان شرعياً فإنّ مردَّ فهمه وتأويله إلى أهل الشريعة الراسخة فهومهم، لا إلى أهل الحماسات والعواطف والتهييج، ولا إلى العوامّ الذين لا يفقهون أبجديات العلوم، وهم عالة على أهل العلم في الفهم؛ لأنّ حقيقتهم الشرعية (التقليد)، ولا إلى من تحزّب وتعصّب فرمى بهذا المصطلح ـ الخطير ـ على غيره، ولربما كان هو به أجدر وأليق. ولا إلى أدعياء الجهاد (المزعوم) ممن أفسدوا باسم (الجهاد) ـ وهو مصطلح شرعي كذلك ـ أيما إفساد.
    وينبغي التأكيد على أنَّ قصر مصطلح (الطاغوت) على صنف من (حكم بغير ما أنزل الله) دون غيره من الأصناف التي يشملها هذا المصطلح ضلالة عمياء، من بنات أفكار الخوارج الجدد وأنصارهم، وهذا الصنيع الجائر عن سواء السبيل ينُمُّ عن فساد طوية أولئك القوم، واتباعهم الهوى في قبول ما يشتهون، ونبذ ما لا يريدون، وإن وافق الحق وأصابه.
    كما أنّ ادعاء التكفير ـ مطلقاً من غير تفصيل ـ لمن استحق وصف (الطاغوت) فكرة طاغوتية خارجية، تأباها نصوص الشرع وفتاوى العلماء الأكابر؛ فإن من الطغيان ما هو كفر، ومنه ما هو بدعة وضلالة، ومنه ما هو ظلم وجوْر، ومنه ما هو معصية وذنب، كما سيتبين ـ إن شاء الله ـ من خلال النقول التالية.
    ولو أنَّ هؤلاء التكفيريين وأنصارهم من الحزبيين الإخوانيين تحلّوا بالعدل والإنصاف ـ في هذه المسألة ـ فتحاكموا إلى الكتاب والسنة ـ حقاً لا زعماً ـ ووقفوا عند تقريرات العلماء الربانيين وِقفة المتأمل المتأني المنصف، لوجدوا أنّ وصفهم ـ أنفسهم ـ بالطواغيت أليق وأجدر؛ لأنهم تجاوزوا حدود الشرع في التكفير والإرهاب، والحزبية والتعصب، والكذب والتلبيس، والابتداع في الدين، والتزوير وقلب الحقائق، والجور وعدم الإنصاف في معاملة المخالف.

    والنقول عن أهل العلم في بيان معنى الطاغوت ـ وأنّه يشمل أصنافاً عديدة خلافاً لمن قصره على الحاكم بغير ما أنزل الله ـ كثيرة منها:

    أولاً: من كتب اللغة:
    * قال في "لسان العرب" (مادة: طوغ):
    "الطاغوتُ ما عُبِدَ من دون الله ـ عز وجل ـ، وكلُّ رأْسٍ في الضلالِ طاغوتٌ، وقيل: الطاغوتُ: الأَصْنامُ، وقيل: الشيطانُ، وقيل: الكَهَنةُ، وقيل مَرَدةُ أَهل الكتاب..."

    * ونقل صاحب "تاج العروس" تحت مادة (طوغ) كلام ابن منظور في "اللسان" السابق، وقال: "وزادَ الراغب: ويراد به الساحر، والمارد من الجن، والصارف عن طريق الخير".

    * وقال الجوهري في "مختار الصحاح" (مادة: طغى):
    "الطَّاغُوتُ: الكاهن، والشيطان، وكل رأس في الضلال".

    ثانياً: من كتب التفسير:
    * قال الإمام الطبري في تفسيره (جامع البيان عن تأويل آي القرآن) (5/419 ط: الرسالة، تحقيق: شاكر): "والصواب من القول عندي في"الطاغوت" أنه كل ذي طغيان على الله، فعبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، وإنساناً كان ذلك المعبود، أو شيطاناً، أو وثناً، أو صنماً، أو كائناً ما كان من شيء. وأرى أن أصل"الطاغوت"،"الطغووت" من قول القائل:"طغى فلان يطغوا"، إذا عدا قدره، فتجاوز حده، كـ"الجبروت"من التجبر، و"الخلبوت" من الخلب [قلت: وهوالخداع والكذب]، ونحو ذلك من الأسماء التي تأتي على تقدير"فعلوت" بزيادة الواو والتاء. ثم نقلت لامه ـ أعني لام"الطغووت" ـ فجعلت له عيناً، وحولت عينه فجعلت مكان لامه، كما قيل:"جذب وجبذ"، و"جاذب وجابذ"، و"صاعقة وصاقعه"، وما أشبه ذلك من الأسماء التي على هذا المثال".

    * وقال أيضاً في "الجامع" (8/465):
    "والصواب من القول في تأويل:"يؤمنون بالجبت والطاغوت"، أن يقال: يصدِّقون بمعبودَين من دون الله، يعبدونهما من دون الله، ويتخذونهما إلهين.
    وذلك أن"الجبت" و"الطاغوت": اسمان لكل معظَّم بعبادةٍ من دون الله، أو طاعة، أو خضوع له، كائنًا ما كان ذلك المعظَّم، من حجر أو إنسان أو شيطان. وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها، كانت معظمة بالعبادة من دون الله فقد كانت جُبوتًا وطواغيت. وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولا منهما ما قالا في أهل الشرك بالله. وكذلك حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، لأنهما كانا مطاعين في أهل ملّتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله، فكانا جبتين وطاغوتين".
    وقيل: هو [الطاغوت] كل معبود من دون الله، أو مطاع في معصية الله، وهذا حسن.
    وقيل: الجبت كل ما حرم الله، والطاغوت كل ما يطغي الإنسان. والله أعلم"

    * وقال القرطبيُّ في "الجامع لأحكام القرآن" (5/248ـ249):
    "... وقيل: هو [الطاغوت] كل معبود من دون الله، أو مطاع في معصية الله، وهذا حسن... وقيل: الجبت كل ما حرم الله، والطاغوت كل ما يطغي الإنسان. والله أعلم"

    * وقال أيضاً في "الجامع لأحكام القرآن " (10/103) عند تفسير قوله ـ تعالى ـ: (واجتنبوا الطاغوت):
    " أي: اتركوا كل معبود دون الله؛ كالشيطان، والكاهن، والصنم، وكل من دعا إلى الضلال".

    * وقال الألوسي في "روح المعاني" عند تفسير قوله تعالى: (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت) [البقرة: 257]:
    " الطاغوت؛ أي: الشياطين، أو الأصنام، أو سائر المضلين عن طرق الحق".

    * وقال أبو حيان الأندلسي في "البحر المحيط" عند تفسير قوله ـ تعالى ـ: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) [البقرة/256]:
    "الطاغوت: الشيطان. قاله عمر، ومجاهد، والشعبي، والضحاك ، وقتادة ، والسدّي. أو: الساحر، قاله ابن سيرين، وأبو العالية. أو: الكاهن ، قاله جابر ، وابن جبير ، ورفيع ، وابن جريح . أو: ما عبد من دون الله ممن يرضى ذلك: كفرعون، ونمرود، قاله الطبري. أو: الأصنام، قاله بعضهم.
    وينبغي أن تجعل هذه الأقوال كلها تمثيلاً، لأن الطاغوت محصور في كل واحد منها".

    * وقال ابن عادل الحنبلي في "اللباب" (4/330 ـ 331 ط:العلمية):
    "واختلف في الطَّاغوت فقال عمر ، ومجاهدٌ ، وقتادة : هو الشَّيطان . وقال سعيد بن جبير : هو الكاهن . وقال أبو العالية : هو الساحر . وقال بعضهم: الأَصنام. وقيل مردة الجنّ والإنس، وكلُّ ما يطغى الإِنسان. وقيل : الطَّاغُوتُ هو كلّ ما عُبِدَ مِنْ دون الله ، وكان راضياً بكونه معبُوداً ، فعلى هذا يكُونُ الشَّيطان والكهنة ، والسَّحرة، وفرعون والنمرود كلُّ واحد منهم طاغوتاً؛ لأنهم راضون بكونهم معبودين وتكونُ الملائكة ، وعزير ، وعيسى ليسوا بطواغيت ، لأنهم لم يرضوا بأن يكونوا معبودين".

    ومن كلام بعض أهل العلم:
    * قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "قاعدة في المحبة" (187) ط: محمد رشاد سالم:
    "والطاغوت كل معظم ومتعظم بغير طاعة الله ورسوله؛ من إنسان، أو شيطان، أو شيء من الأوثان".

    * وقال أيضاً [مجموع الفتاوى، رسالة في الموالاة والمعاداة، (28/201)]:
    "والطاغوت فعلوت من الطغيان كما أن الملكوت فعلوت من الملك والرحموت والرهبوت والرغبوت فعلوت من الرحمة والرهبة والرغبة، والطغيان مجاوزة الحد وهو الظلم والبغي، فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارها لذلك سمي طاغوتاً، ولهذا سمى النبي الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت. والمطاع في معصية الله والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق سواء كان مقبولاً خبره المخالف لكتاب الله أو مطاعاً أمره المخالف لأمر الله هو طاغوت، ولهذا سمى مَن تحوكم إليه مِن حاكم بغير كتاب الله طاغوت، وسمى الله فرعون وعادا طغاة، وقال في صيحة ثمود فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية..."

    *وقال ـ أيضاً ـ في مجموع الفتاوى (16/565):
    (وهو [أي: الطاغوت] اسم جنس يدخل فيه: الشيطان، والوثن، والكهان، والدرهم، والدينار، وغير ذلك).

    * وقال ابن القيم في "أعلام الموقعين" [(1/50) ط: دار الجيل، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد]:
    "والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده؛ من معبود، أو متبوع، أو مطاع".

    * قال الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ مبيناً معنى الطاغوت في قوله ـ تعالى ـ: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36]:
    "أي: وحدوا الله واجتنبوا الطاغوت، أي: اتركوا عبادة الطاغوت، وابتعدوا عنها.
    والطاغوت : كل ما عُبد من دون الله من الإنس والجن والملائكة، وغير ذلك من الجمادات، ما لم يكن يكره ذلك ولا يرضى به. والمقصود: أن الطاغوت: كل ما عبد من دون الله من الجمادات وغيرها ، ممن يرضى بذلك ، أما من لا يرضى بذلك؛ كالملائكة، والأنبياء، والصالحين فالطاغوت: هو الشيطان الذي دعا إلى عبادتهم، وزينها للناس. فالرسل والأنبياء والملائكة ، وكل صالح لا يرضى أن يعبد من دون الله أبدًا، بل ينكر ذلك ويحاربه، فليس بطاغوت، وإنما الطاغوت: كل ما عبد من دون الله ممن يرضى بذلك كفرعون ، وإبليس وأشباههما ممن يدعو إلى ذلك، أو يرضى به. وهكذا الجمادات من الأشجار والأحجار والأصنام المعبودة من دون الله، كلها تسمى : طاغوتا ؛ بسبب عبادتها من دون الله". [بيان التوحيد الذي بعث الله به الرسل جميعا وبعث به خاتمهم محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ]

    * وفي "الدرر السنية" (1/137) يطلق شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب لفظ الطاغوت على أصناف من الناس تجاوزوا الحد في المعصية ولكن دون الكفر كحاكم الجور، وآكل الرشوة، والعامل بغير علم مما يدلّ على أنّ مصطلح (الطاغوت) لا يعني التكفير مطلقاً. فقال:
    "والطواغيت كثيرة والمتبين لنا منهم خمسة : أولهم الشيطان، وحاكم الجور، وآكل الرشوة، ومن عُبد فرضي، والعامل بغير علم".

    * وكذلك الإمام ابن باز ـ رحمه الله ـ فسّر الطاغوت على انّ منه ما هو معصية وذلك بقوله:
    "... وهذا هو معنى العبادة التي أمر الله بها الناس جميعا وخلقهم لها قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21]، أمرهم بهذه العبادة التي خلقوا لها وأرسل بها الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ قال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36]، ومعنى قوله سبحانه : (اُعْبُدُوا اللَّهَ) يعني وحدوا الله وأطيعوا أوامره. (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) يعني : اجتنبوا الشرك والمعاصي". [مجموع فتاوى ابن باز (9/48)]
    وهكذا صنيع الإمام محمد بن أبي نصر فتوح الأزدي الحميدي:
    "وكل متجاوز الحد في عصيانه أو العصيان به إذا جاوز ما جرت العادة به فإنه يسمى باسم مأخوذ من الطغيان؛ يقال طغى طغيانا فهو طاغ ويقال طغى السيل إذا جاء بماء كثير يجاوز بما جرت العادة به وطغى البحر هاجت أمواجه كذلك وطغى الدم تبيغ وثار..." [تفسير غريب ما في الصحيحين ص(132)].

    * ويقرّر العلاَّمة ابن القيّم في "أعلام الموقعين" (1/244) أنّ من التحاكم إلى الطاغوت ردّ الأمر المتنازع فيه إلى غير الكتاب والسنة، وهو يعني بذلك أصالة طوائف من المتفقهة المقلّدة، والمتصوّفة الضالّة، والمتكلّمة والمتفلسفة المعطّلة، فيقول ـ رحمه الله ـ:
    "وقد أمرنا الله برد ما تنازعنا فيه إليه وإلى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يبح لنا قط أن نرد ذلك إلى رأي، ولا قياس، ولا تقليد إمام، ولا منام، ولا كشوف، ولا إلهام، ولا حديث قلب، ولا استحسان، ولا معقول، ولا شريعة الديوان، ولا سياسة الملوك، ولا عوائد الناس التي ليس على شرائع المسلمين أضر منها، فكل هذه طواغيت؛ من تحاكم إليها، أو دعا ـ منازعةً ـ إلى التحاكم إليها، فقد حاكم إلى الطاغوت".

    * ويطلق العلّامة ابن القيّم ـ أيضاً ـ على أصول المتكلمين الأربعة التي بنوْا عليها باطلهم في التأويل الفاسد لفظ (طواغيت)، قال في "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة" [(2/632) ط:دار العاصمة، الرياض، تحقيق: د. علي بن محمد الدخيل الله]:
    "الفصل الرابع والعشرون في ذكر الطواغيت الأربع التي هدم بها أصحاب التأويل الباطل معاقل الدين وانتهكوا بها حرمة القرآن ومحوا بها رسوم الإيمان وهي:
    - قولهم إنَّ كلام الله وكلام رسوله أدلة لفظية لا تفيد علماً ولا يحصل منها يقين.
    - وقولهم إن آيات الصفات وأحاديث الصفات مجازات لا حقيقة لها.
    - وقولهم إن أخبار رسول الله الصحيحة التي رواها العدول وتلقتها الأمة بالقبول لا تفيد العلم وغايتها أن تفيد الظن.
    - وقولهم إذا تعارض العقل ونصوص الوحي أخذنا بالعقل ولم نلتفت إلى الوحي.
    فهذه الطواغيت الأربع هي التي فعلت بالإسلام ما فعلت، وهي التي محت رسومه، وأزالت معالمه، وهدمت قواعده، وأسقطت حرمة النصوص من القلوب، ونهجت طريق الطعن فيها لكل زنديق وملحد، فلا يحتج عليها لمحتج بحجة من كتاب الله أو سنة رسوله إلا لجأ إلى طاغوت من هذه الطواغيت واعتصم به واتخذه جنة يصد به عن سبيل الله، والله تعالى بحوله وقوته ومنه وفضله قد كسر هذه الطواغيت طاغوتاً طاغوتاً، على ألسنة خلفاء رسله وورثة أنبيائه، فلم يزل أنصار الله ورسوله يصيحون بأهلها من أقطار الأرض ويرجمونهم بشهب الوحي وأدلة المعقول... " اهـ.

    ** فليسأل أتباع حزب التحرير أنفسهم هل هم يتحاكمون إلى الكتاب والسنة في مسألة رد خبر الواحد وأنه يفيد الظن ولا تثبت به عقيدة، ومسألة تقديم العقل على النقل، واعتقاد أن آيات الصفات مجازات...
    أم أنهم تحاكموا بذلك إلى هذه الطواغيت؟!
    فانظر ـ رحمك الله ـ كيف رموْا غيرهم بهذا اللفظ (الطاغوت) ـ وأقصد الحكام ـ وكانوا بعقيدتهم الزائغة واقعين تحت مسماه ومضمونه.

    * وعقد شيخ الإسلام ابن تيميّة ـ رحمه الله ـ في "الحموية" مقارنة بين (نفاة صفات الله ومعطليها من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم) والمنافقين الذين يريدون ـ إرادة قصد ورضاً ومحبة ـ أن يتحاكموا إلى الطاغوت، فكانت تلك المقارنة فيها مشابهة بين الفريقين من وجوه:
    الأول: أن كل واحد من الفريقين يزعم أنه مؤمن بما أنزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أنهم لا يقبلون كل ما جاء به.
    الثاني: أن هؤلاء النفاة إذا دعوا إلى ما جاء به الكتاب والسنة من إثبات صفات الكمال لله أعرضوا وامتنعوا، كما أن أولئك المنافقين إذا قيل لهم : تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا.
    الثالث: أن هؤلاء النفاة لهم طواغيت يقلدونهم ويقدمونهم على ما جاءت به الرسل ويريدون أن يكون التحاكم عند النزاع إليهم لا إلى الكتاب والسنة، كما أن أولئك المنافقين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به.
    الرابع: أن هؤلاء النفاة زعموا أنهم أرادوا بطريقتهم هذه عملاً حسناً وتوفيقاً بين العقل والسمع، كما أن أولئك المنافقين يحلفون أنهم ما أرادوا إلا إحساناً وتوفيقاً. [فتح رب البرية بتلخيص الحموية للشيخ العثيمين].

    وعليه فإنّ تعطيل صفات الله، وتحريفها، أو تأويلها ـ كما تزعم الأشاعرة بدعة طاغوتية لأن التحاكم في فهم تلك الصفات كان إلى من أسماهم شيخ الإسلام بـ (طواغيت يقلدونهم ويقدمونهم على ما جاءت به الرسل ويريدون أن يكون التحاكم عند النزاع إليهم لا إلى الكتاب والسنة...).

    وبذا يتبيّن انّ (الطاغوت) اسم جنس يقع على مسميات عديدة ممن طغى وتجاوز الحد والشرع، وعُدّ منهم:
    - الشيطان.
    - الكاهن.
    - الساحر.
    - رؤوس الضلالة والابتداع والزيغ عن السنة.
    - علماء السوء الذين يدعون إلى الكفر، أو الضلال والابتداع.
    - نفاة الصفات ومعطلوها ومؤوّلوها.
    - من عُبد فرضي.
    - من دعا إلى عبادة نفسه.

    أما من حكم بغير الكتاب والسنة، فهل يطلق عليه وصف (الطاغوت) مطلقاً؟
    فالجواب: أنّ من حكم بغير الكتاب والسنة ليس له حكم واحد، بل يُفصّل في الحكم عليه وفق الحالات التالية:
    - حالة يكون فيها الحكم بغير الكتاب والسنة كفراً أكبر مخرجاً من الملّة؛ وذلك إذا استحلّ الحاكم بغير الكتاب والسنة حكمه ذاك استحلالاً قلبياً، أو فضّل حكمه على حكم الله، أو حكم بذلك عن رضىً ومحبة.
    وليس من سبيل لمعرفة ذلك إلا إذا أفصح بلسانه عن خبيئة قلبه، إذ لا يعمل في مسائل التكفير بالقرائن مهما كثرت. وفي هذه الحالة يصح أن يطلق عليه وصف (الطاغوت).
    - وحالة يكون فيها الحكم بغير الكتاب والسنة كفراً أصغر غير مخرج من الملّة ولكنّه معصية عظيمة يخشى على صاحبها أن توبقه بالكفر الأكبر. وهذه الحالة عندما يحكم بغير الكتاب والسنة لا استحلالاً لحكمه، ولا تفضيلاً له على حكم الله، ولكن لشهوة ما، كالمال، أو المنصب، أو لخوفٍ من عدوٍّ أو غير ذلك من الأعذار. ولا يجوز في هذه الحالة إطلاق وصف (الطاغوت) عليه.
    - وحالة يكون فيها مخطئاً، وذلك إذا جهل حكم الله أو أخطأه مع تحرّيه له. وهو بذلك مأجور مثاب على اجتهاده وتحريه الحق.
    ويدخل في هذه الحالات كل حاكم سواء كان فقيهاً، أم قاضياً، أم معلماً، أم أباً، أم أميراً، وكل من له ولاية على شيء. وكل محكوم به سواء كان مسألة فقهية، أم عقدية، أم سياسية ...
    وكذلك المتحاكم إلى غير الكتاب والسنة فإنه تنطبق عليه أحكام الحالات الثلاث السابقة.
    * قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان في تفسير قوله ـ تعالى ـ: (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ):
    "...وكلّ من حكم بغير كتاب الله وسنّة رسوله مستحلاً لذلك فإنه طاغوت يجب الكُفر به. ولهذا قال: (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)، وكذلك في قوله ـ تعالى ـ: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا)..." [إعانة المستفيد شرح كتاب التوحيد]

    والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.


      الوقت/التاريخ الآن هو 11.05.24 18:58