خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    بين الامامين ابن الجوزى وابن عبد البر

    avatar
    ام محمد زينب محمد
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    انثى عدد الرسائل : 445
    العمر : 44
    البلد : مصر
    العمل : طالبة علم
    شكر : 4
    تاريخ التسجيل : 22/05/2009

    الملفات الصوتية بين الامامين ابن الجوزى وابن عبد البر

    مُساهمة من طرف ام محمد زينب محمد 20.02.10 11:01

    بين الامامين ابن الجوزى وابن عبد البر 7


    بين الإمامين : ابن الجوزي وابن عبد البر في حديث النزول


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه ..
    أما بعد :
    فإن من نعم الله علينا - نحن صغار طلبة العلم في الوقت الحاضر - أن رأينا مذهب أهل السنة والجماعة منقولا محررا ، ومشتهرا مقررا ، في أسفار لائحة الضوء مسفرة ، هائلة في جمعها مكثرة ، محكمة التأليف والجودة ، لم تترك شاردة أو واردة إلا ألف فيها سفر منير يزيل الإلباس ويقتل الشكوك وينفي الحيرة ، وذلك كله بجهود العلماء الأثبات من دعاة السلفية الحقة - بعد فضل الله وتوفيقه لهم – فكانوا يجاهدون في السر والعلن ، بين الخواص والملأ ، وقاموا فزعين ليس لهم هم إلا تعليم الناس ما درس من دين ربهم وعودتهم إلى سنة نبيهم ونشر مذهب ومنهج الأصحاب البررة الكرام وأتباعم رضوان الله عليهم ، وتحملوا في ذلك الشدائد والمحن فكانوا كالراسيات في ثباتها وعلوها لا يلين لهم جانب في الحق ولا يفرطون في قليل من السنة ولا كثير محاباة لسلطان أو خليفة أو من دونهما ..
    فرضي الله عن هذا الجيل المبارك ، وعن الأجيال التي تلته مرورا بشيخ الإسلام وتلميذه وأمثالهما ، إلى علماء عصرنا الذين فقدناهم من قريب كابن باز والألباني وابن عثيمين والوادعي ومن حذا حذوهم وسار على منهجهم من علماء عصرنا السلفيين الربانيين نسأل الله أن يطيل أعمارهم في الدعوة وأن يخلف بعدهم من يرفع راية الحق والعدل إنه سميع قريب ..
    وهذا المقال الذي بين يدي القراء الكرام – والذي أستفتح به تواجدي في هذا المنتدى الطيب – ما هو إلا بيان عن كشف اتهام باطل من إمام كبير الشأن ولكن الحق أكبر منه وأجل ، وهو الإمام أبي الفرج بن الجوزي ( 508-597 هـ ) رحمه الله وعفا عنه ..
    وهذا الاتهام منه كان لإمام له قدره وقيمته في الوسط السني السلفي ألا وهو الإمام المبجل أبي عمر ابن عبد البر النمري القرطبي ( 368-463 هـ ) رحمه الله وأجزل له المثوبة ..
    وقد يحتاج بعض القراء إلى ترجمة عن هذين العلمين ، وأظن من يدخل لقراءة هذا المقال في غنية عن أن أنقل له ترجمتيهما لعلو كعبهما وشهرتهما ..
    وكذلك ليس بخاف على أصغر طلاب العلم أن هناك فرقا شاسعا بين معتقد الشيخين – ابن الجوزي وابن عبد البر – يراه كل مطلع لكتبهما عالم بآرائهما ..
    ومن نافلة القول أن نبين على عجل أن ابن الجوزي رحمه الله لم يكن على الجادة من ناحية معتقد السلف في باب الأسماء والصفات ، أو على الأقل أنه مضطرب إن لم نقل مفوض ، ومن قرأ له كتاب دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه ، قرأ باطلا كثيرا مشوبا بحق قليل ، ورأى تهجما وتسفيها لجمهور السلف ، بل يرى بوضوح أنه يلبس على القراء ويوهم أن مذهب السلف التفويض وليس كما هو معلوم يقوم على الإثبات أولا ثم التنزيه بلا تشبيه أو تكييف ..
    والكلام عن هذا الكتيب يطول ولعل الله يهيئ لنا وقفة مع هذه الرسالة التي اغتر بها قليلي العلم الذين يجهلون حقيقة مذهب السلف ، ويقطع يد من قام بتحقيقها ناقلا أكثر حواشيه عن الرازي والزمخشري ومحمد عبده وأضرابهم ..
    [ أقصد طبعة دار الهجرة الشامية عام 1410هـ 1990م بعناية المفسد لها المدعو طارق السعود ، وأسوأ منها الطبعتين التي قام على تحقيقهما أو بالأحرى تشويههما كل من : الكوثري الجهمي والسقاف الصوفي المنحرف عن الجادة ]
    ولابن الجوزي في تلبيس إبليس هنات في الأسماء والصفات حتى وصفه ابن تيمية وابن رجب وموفق الدين المقدسي بأنه مضطرب في هذا الباب ..
    تخبط ابن الجوزي في باب الأسماء والصفات

    وقد ناصحه جمع من العلماء المعاصرين له كما راسله الإمام العلثي ( نسبة إلى بلده علث ) وهو : إسحاق بن أحمد بن محمد بن غانم العلثي ، الزاهد القدوة ، أبو الفضل ، ويقال : أبو محمد ( ت634هـ) ..
    وهو شيخ العراق في زمانه وقد أرسل لابن الجوزي رسالة ينكر تأويلاته في باب الصفات ..
    وليراجعها من شاء في ذيل طبقات الحنابلة (1/266) لابن رجب .. وسنضعها قريبا في مقال مفرد بإذن الله تعالى ..
    وهذا لا يمنع أنه إمام جليل القدر حاز قصب السبق في تصانيفه الكثيرة وله بالقلوب تعلق لكتاباته وتواليفه ، ولكنه كثر عنده الوهم والغلط الكثير ..
    كما نقل الذهبي عن الحافظ سيف الدين ابن المجد بن موفق الدين المقدسي قال : هو كثير الوهم جدا ..
    وقال السيف : سمعت ابن نقطة يقول : قيل لابن الأخضر : ألا تجيب عن بعض أوهام ابن الجوزي ؟ قال : إنما يتتبع على من قل غلطه ، فأما هذا ، فأوهامه كثيرة .
    وقال الذهبي في ترجمته من السير : وعظ الناس وهو صبي ، ثم ما زال نافق السوق معظما متغاليا فيه ، مزدحما عليه ، مضروبا برونق وعظه المثل ، كماله في ازدياد واشتهار ، إلى أن مات رحمه الله وسامحه ، فليته لم يخض في التأويل ، ولا خالف إمامه .
    وقال الموفق عبد اللطيف : وكان كثير الغلط فيما يصنفه ، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره .
    وكتب إليَّ أبو بكر بن طرخان ، أخبرنا الإمام موفق الدين ، قال : ابن الجوزي إمام أهل عصره في الوعظ ، وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة ، وكان صاحب فنون ، كان يصنف في الفقه ، ويدرس ، وكان حافظا للحديث ، إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة ، ولا طريقته فيها ، وكانت العامة يعظمونه ، وكانت تنفلت منه في بعض الأوقات كلمات تنكر عليه في السنة ، فيستفتي عليه فيها ، ويضيق صدره من أجلها .
    انتهى من سير النبلاء بتصرف .
    فرحم الله الإمام ابن الجوزي وعفا عنه ..
    والاتهام المشار إليه جاء في كتاب ابن الجوزي " صيد الخاطر "
    وقد عنون المحققون لهذه الفقرة أو الفصل بعناوين شتى في كل طبعة للكتاب ..
    فسميت في طبعة منها " فصل : أدعياء العلم " وسميت في أخرى " الرد على المشبهة " وسميت في طبعة محمد الغزالي على ما أذكر " سلفيون جهال " وذلك لأن الأخير كان بينه وبين السلفيين خاصة حقد دفين دعاه كثيرا إلى التهجم عليهم بقلمه وتسفيههم في كل ورقة يضع عليها مداده ، نسأل الله نصرة الحق وأهله .
    نص كلامه في صيد الخاطر
    قال ابن الجوزي في صيد الخاطر :
    عجبت من أقوام يدعون العلم ، ويميلون إلى التشبيه بحملهم الأحاديث على ظواهرها ، فلو أنهم أمروها كما جاءت سلموا ، لأن من أمر ما جاء ومر من غير اعتراض ولا تعرض فما قال شيئاً لا له ولا عليه .
    ولكن أقواماً قصرت علومهم ، فرأت أن حمل الكلام على غير ظاهره نوع تعطيل ، ولو فهموا سعة اللغة لم يظنوا هذا .
    وما هم إلا بمثابة قول الحجاج لكاتبه وقد مدحته الخنساء فقالت :
    إذا هبط الحجاج أرضاً مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها

    شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة شفاها

    فلما أتمت القصيدة ، قال لكاتبه : اقطع لسانها ، فجاء ذاك الكاتب المغفل بالموسي .
    فقالت له : ويلك إنما قال أجزل لها العطاء .
    ثم ذهبت إلى الحجاج فقالت : كاد والله يقطع مقولي .
    فكذلك الظاهرية الذين لم يسلموا بالتسليم ، فإنه من قرأ الآيات والأحاديث ولم يزد ، لم أَلُمهُ ، وهذه طريقة السلف .
    فأما من قال : الحديث يقتضي كذا ، ويحمل على كذا ، مثل أن يقول : استوى على العرش بذاته ، وينزل إلى السماء الدنيا بذاته ، فهذه زيادة فهمها قائلها من الحس لا من النقل .
    ولقد عجبت لرجل أندلسي يقال له ابن عبد البر !! صنف كتاب التمهيد ، فذكر فيه حديث النزول إلى السماء الدنيا فقال : [ هذا يدل على أن الله تعالى على العرش ، لأنه لولا ذلك لما كان لقوله ينزل معنى ] .
    وهذا كلام جاهل !! بمعرفة الله عز وجل لأن هذا استسلف من حسه ما يعرفه من نزول الأجسام ، فقاس صفة الحق عليه .
    فأين هؤلاء وأتباع الأثر ؟ ولقد تكلموا بأقبح ما يتكلم به المتأولون ، ثم عابوا المتكلمين .
    واعلم أيها الطالب للرشاد ، أنه سبق إلينا من العقل والنقل أصلان راسخان ، عليهما مر الأحاديث كلها .
    أما النقل فقوله سبحانه وتعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " . ومن فهم هذا لم يحمل وصفاً له على ما يوجبه الحس .
    وأما العقل فإنه قد علم مباينة الصانع للمصنوعات ، واستدل على حدوثها بتغيرها ، ودخول الانفعال عليها ، فثبت له قدم الصانع .
    واعجباً كل العجب من راد لم يفهم طبيعة الكلام ؟.
    أوليس في الحديث الصحيح أن الموت يذبح بين الجنة والنار.
    أوليس العقل إذا استغنى في هذا صرف الأمر عن حقيقته . لما ثبت عند من يفهم ماهية الموت ؟ .
    فقال : الموت عرض يوجب بطلان الحياة فكيف يُمات الموت ؟ .
    فإذا قيل له : فما تصنع بالحديث ؟ .
    قال : هذا ضرب مثل بإقامة صورة ليعلم بتلك الصورة الحسية فوات ذلك المعنى .
    قلنا له : فقد روي في الصحيح : تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان .
    فقال الكلام لا يكون غمامة ، ولا يتشبه بها .
    قلنا له أفتعطل النقل ؟ قال : لا ، ولكن أقول يأتي ثوابهما .
    قلنا : فما الدليل الصارف لك عن هذه الحقائق ؟ .
    فقال : علمي بأن الكلام لا يتشبه بالأجسام ، والموت لا يذبح ذبح الأنعام ، ولقد علمتم سعة لغة العرب . ما ضاقت أعطانكم من سماع مثل هذا .
    فقال العلماء صدقت : هكذا نقول في تفسير مجيء البقرة ، وفي ذبح الموت .
    فقال : واعجبا لكم ، صرفتم عن الموت والكلام ما لا يليق بهما ، حفظاً لما علمتم من حقائقهما ، فكيف لم تصرفوا عن الإله القديم ما يوجب التشبيه له بخلقه ، بما قد دل الدليل على تنزيهه عنه ؟ .
    فما زال يجادل الخصوم بهذه الأدلة . ويقول : لا أقطع حتى أقطع ، فما قطع حتى قطع . اهـ
    انتهى من صيد الخاطر ...
    ويهمنا من فصله هذا أمران :
    الأول : تجاهله لأبي عمر ابن عبد البر ووصفه إياه بقوله " رجل " وهو الإمام الجليل حافظ الأندلس وفقيهها ومؤرخها .. وكان يكفيه معرفة قدره من كتاب التمهيد الذي لا شك في أنه اطلع عليه ونقل منه ما نقل ..
    الثاني : تجهيله إياه في مسألة هي من أهم مسائل أهل السنة ، بل هي عنوان من عناوين السلف الصالح ، ومن مهام العقيدة السلفية ، ألا وهي استواء الله على العرش ..
    وفي الجملة التي نقلها عنه وهي قوله في حديث النزول في آخر الليل : [ هذا يدل على أن الله تعالى على العرش ، لأنه لولا ذلك لما كان لقوله ينزل معنى ] .
    وسيأتي لفظ ابن عبد البر في التمهيد من قوله هو ..
    وشبهة ابن الجوزي في هذا النقل : هي استدلال ابن عبد البر بحديث النزول على الاستواء على العرش ..
    وابن الجوزي يرد الاستواء على العرش بفلسفة بغيضة في كتابه دفع شبه التشبيه ..
    وكذا يرد فيه صفة النزول ، ويعيب على المثبتين من أهل السنة أنهم مشبهة ومجسمة ..
    وللإنصاف نذكر كلام الإمام ابن عبد البر في هذه المسالة إذ انه متبع في هذا منهج السلف ..
    كما أن ما ننقله عنه يغنينا عن بيان عقيدته إذ إن مشربه هو عين مشرب أهل السنة من السلف الصالح إلا أشياء طفيفة ليس هذا هو موضع ذكرها ..
    كلام ابن عبد البر في التمهيد :
    جاء فيه :
    الحديث الخامس والعشرون ... حديث ثامن لابن شهاب عن أبي سلمة يشارك فيه أبا سلمة أبو عبد الله الأغر واسمه سلمان ثقة رضي.
    مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر جميعا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له "
    هذا حديث ثابت من جهة النقل صحيح الإسناد لا يختلف أهل الحديث في صحته رواه أكثر الرواة عن مالك هكذا كما رواه يحيى ومن رواة الموطأ من يرويه عن مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر لا يذكر أبا سلمة وهو حديث منقول من طرق متواترة ووجوه كثيرة من أخبار العدول عن النبي صلى الله عليه وسلم ......................................
    وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن الله عز وجل في كل مكان وليس على العرش ..
    والدليل على صحة ما قالوه أهل الحق في ذلك قول الله عز وجل { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]
    وقوله عز وجل { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} [السجدة:4]
    وقوله { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:11]
    وقوله { إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} [الإسراء:42]
    وقوله تبارك اسمه { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10]
    وقوله تعالى { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} الأعراف: 143]
    وقال { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [الملك: 16]
    وقال جل ذكره { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى:1] وهذا من العلو
    وكذلك قوله { الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} و { الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} و { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} [غافر:15] { ويَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:50] والجهمي يزعم أنه أسفل !!
    وقال جل ذكره { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة: من الآية5]
    وقوله { تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4]
    وقال لعيسى { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:55]
    وقال { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:158]
    وقال { فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [فصلت:38]
    وقال { وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء:19]
    وقال { لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} [المعارج:2-3] والعروج هو الصعود ..
    وأما قوله تعالى { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ} [الملك:16] فمعناه من على السماء يعني على العرش وقد يكون في بمعنى على ألا ترى إلى قوله تعالى { فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة:2] أي على الأرض وكذلك قوله { وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:71)] وهذا كله يعضده قوله تعالى { تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4] وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب ..
    وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة ..
    وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى استولى فلا معنى له لأنه غير ظاهر في اللغة ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد وهو الواحد الصمد ..
    ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز إذ لا سبيل إلى إتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك وإنما يوجه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات وجل الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين ..
    والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه قال أبو عبيدة في قوله تعالى: { اسْتَوَى } قال : علا ، قال : وتقول العرب استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت وقال غيره استوى أي انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد ..
    قال أبو عمر:
    الاستواء الاستقرار في العلو وبهذا خاطبنا الله عز وجل وقال :{ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِا} [الزخرف:13]
    وقال :{ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود:44]
    وقال { فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون:28]
    وقال الشاعر :
    فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى
    وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد استولى لأن النجم لا يستولي ..
    وقد ذكر النضر بن شميل وكان ثقة مأمونا جليلا في علم الديانة واللغة قال : حدثني الخليل - وحسبك بالخليل - قال أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم من رأيت فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام وقال لنا استووا فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال ، قال فقال لنا أعرابي إلى جنبه أنه أمركم أن ترتفعوا قال الخليل هو من قول الله عز وجل { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} [فصلت:11] فصعدنا إليه فقال هل لكم في خبز فطير ولبن هجير وماء نمير فقلنا الساعة فارقناه فقال سلاما فلم ندر ما قال فقال الأعرابي أنه سالمكم متاركة لا خير فيها ولا شر قال الخليل هو من قول الله عز وجل { وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63].
    وأما نزع من نزع منهم بحديث يرويه عبد الله بن واقد الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] على جميع بريته فلا يخلو منه مكان ..
    فالجواب عن هذا : أن هذا حديث منكر عن ابن عباس ونقلته مجهولون ضعفاء فأما عبد الله بن داود الواسطي وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا من الحديث لو عقلوا أو أنصفوا ..
    أما سمعوا الله عز وجل حيث يقول { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً} [سورة غافر: الآية36-37] فدل على أن موسى عليه السلام كان يقول الهي في السماء وفرعون يظنه كاذبا ..
    فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ... ومن هو فوق العرش فرد موحد
    مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تعنو الوجوه وتسجد
    وهذا الشعر لأمية بن أبي الصلت وفيه يقول في وصف الملائكة :
    فمن حامل إحدى قوائم عرشه ... ولولا إله الخلق كلوا وأبلدوا
    قيام على الأقدام عانون تحته ... فرائصهم من شدة الخوف ترعد
    قال أبو عمر :
    فإن احتجوا بقول الله عز وجل { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ } [الزخرف:84} وبقوله { وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ } [الأنعام:3] وبقوله { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ } [المجادلة:7] الآية ..
    وزعموا أن الله تبارك وتعالى في كل مكان بنفسه وذاته تبارك وتعالى ..
    قيل لهم : لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجتمع عليه وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض وكذلك قال أهل العلم بالتفسير فظاهر التنزيل يشهد أنه على العرش والاختلاف في ذلك بيننا فقط وأسعد الناس به من ساعده الظاهر ..
    وأما قوله في الآية الأخرى { وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ } [الزخرف:84)] فالإجماع والاتفاق قد بين المراد بأنه معبود من أهل الأرض فتدبر هذا فإنه قاطع إن شاء الله ..
    ومن الحجة أيضا في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم ..
    وقد قال صلى الله عليه وسلم للأمة التي أراد مولاها عتقها إن كانت مؤمنة فاختبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قال لها أين الله ؟ فأشارت إلى السماء ثم قال لها من أنا ؟ قالت رسول الله قال " أعتقها فإنها مؤمنة " فاكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها برفعها رأسها إلى السماء واستغنى بذلك عما سواه ..
    أخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال : أطلقت غنيمة لي ترعاها جارية لي في ناحية أحد فوجدت الذئب قد أصاب شاة منها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون فصككتها صكة ثم انصرفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعظم علي قال فقلت يا رسول الله فهلا أعتقها قال " فأتني بها " قال فجئت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها أين الله ؟ فقالت في السماء فقال من أنا . قالت أنت رسول الله قال " إنها مؤمنة فأعتقها " . مختصر أنا اختصرته من حديثه الطويل من رواية الأوزاعي وهو من حديث مالك أيضا وسيأتي في موضعه من كتابنا إن شاء الله .
    وأما احتجاجهم لو كان في مكان لأشبه المخلوقات لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوق فشيء لا يلزم ولا معنى له لأنه عز وجل ليس كمثله شيء من خلقه ولا يقاس بشيء من بريته لا يدرك بقياس ولا يقاس بالناس لا إله إلا هو كان قبل كل شيء ثم خلق الأمكنة والسموات والأرض وما بينهما وهو الباقي بعد كل شيء وخالق كل شيء لا شريك له وقد قال المسلمون وكل ذي عقل أنه لا يعقل كائن لا في مكان منا وما ليس في مكان فهو عدم وقد صح في المعقول وثبت بالواضح من الدليل أنه كان في الأزل لا في مكان وليس بمعدوم فكيف يقاس على شيء من خلقه أو يجري بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا الذي لا يبلغ من وصفه إلا إلى ما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه ورسوله أو اجتمعت عليه الأمة الحنيفية عنه ..
    فإن قال قائل منهم إنا وصفنا ربنا أنه كان لا في مكان ثم خلق الأماكن فصار في مكان وفي ذلك إقرار منا بالتغيير والانتقال إذ زال عن صفته في الأزل وصار في مكان دون مكان قيل له وكذلك زعمت أنت أنه كان لا في مكان وانتقل إلى صفة هي الكون في كل مكان فقد تغير عندك معبودك وانتقل من لا مكان إلى كل مكان وهذا لا ينفك منه لأنه إن زعم أنه في الأزل في كل مكان كما هو الآن فقد أوجب الأماكن والأشياء موجودة معه في أزله وهذا فاسد فإن قيل فهل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان قيل له أما الانتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا وكذلك نقله لا يوجب مكانا وليس في ذلك كالخلق لأن كون ما كونه يوجب مكانا من الخلق ونقلته توجب مكانا ويصير منتقلا من مكان إلى مكان والله عز وجل ليس كذلك لأنه في الأزل غير كائن في مكان وكذلك نقلته لا توجب مكانا وهذا ما لا تقدر العقول على دفعه ولكنا نقول استوى من لا مكان إلى مكان ولا نقول انتقل وإن كان المعنى في ذلك واحدا ألا ترى أنا نقول له عرش ولا نقول له سرير ومعناهما واحد ونقول هو الحكيم ولا نقول هو العاقل ونقول خليل إبراهيم ولا نقول صديق إبراهيم وإن كان المعنى في ذلك كله واحدا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه على ما تقدم ذكرنا له من وصفه لنفسه لا شريك له ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن وقد قال الله عز وجل {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] وليس مجيئه حركة ولا زوالا ولا انتقالا لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا فلما ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر لم يجب أن يكون مجيئه حركة ولا نقلة ولو اعتبرت ذلك بقولهم جاءت فلانا قيامته وجاءه الموت وجاءه المرض وشبه ذلك مما هو موجود نازل به ولا مجيء لبان لك وبالله العصمة والتوفيق فإن قال إنه لا يكون مستويا على مكان إلا مقرونا بالتكييف قيل قد يكون الاستواء واجبا والتكييف مرتفع وليس رفع التكييف يوجب رفع الاستواء ولو لزم هذا لزم التكييف في الأزل لأنه لا يكون كائن في لا مكان إلا مقرونا بالتكييف وقد عقلنا وأدركنا بحواسنا أن لنا أرواحا في أبداننا ولا نعلم كيفية ذلك وليس جهلنا بكيفية الأرواح يوجب أن ليس لنا أرواح وكذلك ليس جهلنا بكيفية على عرشه يوجب أنه ليس على عرشه .
    أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخزاعي قال حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع ابن حرس عن عمه أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماء والأرض ؟ قال " كان ما فوقه هواء وما تحته هواء ثم خلق عرشه على الماء "
    قال أبو عمر :
    قال غيره في هذا الحديث كان في عماء فوقه هواء وتحته هواء والهاء في قوله فوقه وتحته راجعة إلى العماء .
    وقال أبو عبيد العماء هو الغمام وهو ممدود وقال ثعلب هو عما مقصور أي في عما عن خلقه والمقصود الظلم ومن عمى عن شيء فقد أظلم عليه
    أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا سريج بن النعمان قال حدثنا عبد الله بن نافع قال قال مالك بن أنس الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان قال وقيل لمالك الرحمن على العرش استوى كيف استوى ؟ فقال مالك رحمه الله استواؤه معقول وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء .
    وقد روينا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال في قول الله عز وجل { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] مثل قول مالك هذا سواء .
    وأما احتجاجهم بقوله عز { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:7]
    فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التأويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله .
    ذكر سنيد عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم في قوله { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:7] الآية قال هو على عرشه وعلمه معهم أين ما كانوا .
    قال وبلغني عن سفيان الثوري مثله قال سنيد وحدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال الله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم .
    قال سنيد وحدثنا هشيم عن أبي بشر عن مجاهد قال إن بين العرش وبين الملائكة سبعين حجابا حجاب من نور وحجاب من ظلمة .
    وأخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد ابن عثمان قال حدثنا سعيد بن جبير وسعيد بن عثمان قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا يزيد بن هرون عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله بن مسعود قال ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة والعرش على الماء والله تبارك وتعالى على العرش يعلم أعمالكم .
    قال أبو عمر:
    لا أعلم في هذا الباب حديثا مرفوعا إلا حديث عبد الله بن عميرة وهو حديث مشهور بهذا الإسناد رواه عن سماك جماعة منهم أبو خالد الدالاني وعمرو بن أبي عمرو بن أبي قيس وشعيب بن أبي خالد وابن أبي المقدام وإبراهيم بن طهمان والوليد بن أبي ثور وهو حديث كوفي .
    أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وأنبأنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن إسماعيل قالا حدثنا محمد بن الصباح الدولابي البزار قال حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى سحابة مرت فقال ما تسمون هذه ؟ قالوا السحاب قال "والمزن" قالوا والمزن قال " والعنان" قالوا نعم قال "كم ترون بينكم وبين السماء" قالوا لا ندري قال "بينكم وبينها إما واحدة أو اثنتين أو ثلاث وسبعون سنة والسماء فوقها كذلك بينهما مثل ذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله فوق ذلك" .
    وفي رواية فروة بن أبي المغراء هذا الحديث عن الوليد بن أبي ثور قال في الأوعال "ما بين رؤوسهم إلى أظلافهم مثل ذلك"
    " يعني ما بين سماء إلى سماء ثم فوقهم العرش ما بين أعلاه وأسفله مثل ذلك ثم الله فوق ذلك" وفيه حديث جبير بن مطعم مرفوعا أيضا وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاع العيال ونهكت الأموال فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ويحك أتدري ما تقول" وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال "ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك ويحك وتدري ما الله إن الله على عرشه على سمواته وأرضه لهكذا" وأشار بأصابعه الخمس مثل القبة وأشار يحيى بن معين بأصابعه كهيئة القبة " وإنه ليئط أطيط الرحل بالراكب" .
    أخبرني أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق بن واضح قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال حدثنا عبد الله بن موسى الضبي قال سألت سفيان الثوري عن قوله تعالى { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } قال علمه .
    قال علي بن الحسن وسمعت ابن المبارك يقول إن كان بخراسان أحد من الأبدال فهو معدان.
    قال أبو داود وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن موسى وعلي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال الرب تبارك وتعالى على السماء السابعة على العرش قيل له بحد ذلك قال نعم هو على العرش فوق سبع سموات .
    قال وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثني محمد بن عمرو الكلابي قال سمعت وكيعا يقول كفر بشر بن المريسي في صفته هذه قال هو في كل شيء قيل له وفي قلنسوتك هذه قال نعم قيل له وفي جوف حمار قال نعم وقال عبد الله بن المبارك إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية.

    يتبع

    avatar
    ام محمد زينب محمد
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    انثى عدد الرسائل : 445
    العمر : 44
    البلد : مصر
    العمل : طالبة علم
    شكر : 4
    تاريخ التسجيل : 22/05/2009

    الملفات الصوتية رد: بين الامامين ابن الجوزى وابن عبد البر

    مُساهمة من طرف ام محمد زينب محمد 20.02.10 11:02

    بين الامامين ابن الجوزى وابن عبد البر 7


    [ قال أبو عمر ]
    وأما قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث "ينزل تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا" فقد أكثر الناس التنازع فيه والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون ينزل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويصدقون بهذا الحديث ولا يكيفون والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء والمجيء والحجة في ذلك واحدة .
    وقد قال قوم من أهل الأثر أيضا أنه ينزل أمره وتنزل رحمته وروى ذلك عن حبيب كاتب مالك وغيره وأنكره منهم آخرون وقالوا هذا ليس بشيء لأن أمره ورحمته لا يزالان ينزلان أبدا في الليل والنهار وتعالى الملك الجبار الذي إذا أراد أمرا قال له كن فيكون في أي وقت شاء ويختص برحمته من يشاء متى شاء لا إله إلا هو الكبير المتعال .
    وقد روى محمد بن علي الجبلي وكان من ثقات المسلمين بالقيروان قال حدثنا جامع بن سوادة بمصر قال حدثنا مطرف عن مالك بن أنس أنه سئل عن الحديث " إن الله ينزل في الليل إلى سماء الدنيا " فقال مالك يتنزل أمره وقد يحتمل أن يكون كما قال مالك رحمه الله على معنى أنه تتنزل رحمته وقضاؤه بالعفو والاستجابة وذلك من أمره أي أكثر ما يكون ذلك في ذلك الوقت والله أعلم ..
    ولذلك ما جاء فيه الترغيب في الدعاء وقد روي من حديث أبي ذر أنه قال يا رسول الله أي الليل أسمع قال جوف الليل الغابر يعني الآخر وهذا على معنى ما ذكرنا ويكون ذلك الوقت مندوبا فيه إلى الدعاء كما ندب إلى الدعاء عند الزوال وعند النداء وعند نزول غيث السماء وما كان مثله من الساعات المستجاب فيها الدعاء والله أعلم .
    وقال آخرون ينزل بذاته : أخبرنا أحمد بن عبد الله أن أباه أخبره قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح بمصر قال سمعت نعيم بن حماد يقول حديث النزول يرد على الجهمية قولهم قال وقال نعيم : ينزل بذاته وهو على كرسيه
    قال أبو عمر:
    ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة لأن هذا كيفية وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عيانا وقد جل الله وتعالى عن ذلك وما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر ولا خبر في صفات الله إلا ما وصف نفسه به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فلا نتعدى ذلك إلى تشبيه أو قياس أو تمثيل أو تنظير فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
    قال أبو عمر:
    أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقر بها مشبه وهم عند من أثبتها نافون للمعبود .
    والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله .
    روى حرملة بن يحيى قال سمعت عبد الله بن وهب يقول سمعت مالك بن أنس يقول من وصف شيئا من ذات الله مثل قوله { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] وأشار بيده إلى عنقه ومثل قوله {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فأشار إلى عينيه أو أذنه أو شيئا من بدنه قطع ذلك منه لأنه شبه الله بنفسه ثم قال مالك أما سمعت قول البراء حين حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يضحى بأربع من الضحايا" وأشار البراء بيده كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم بيده قال البراء ويدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره البراء أن يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له وهو مخلوق فكيف الخالق الذي ليس كمثله شيء .
    أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا هرون بن معروف حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله ؟ فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله" .
    وأخبرنا عبد الله حدثنا محمد حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن عمرو حدثنا سلمة بن الفضل حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه قال " فإذا قالوا ذلك فقولوا الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثا ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم"
    وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال لا تقوم الساعة حتى تكون خصومة الناس في ربهم .
    وقد روي ذلك مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال سحنون من العلم بالله الجهل بما لم يخبر به عن نفسه وهذا الكلام أخذه سحنون عن ابن الماجشون قال أخبرني الثقة عن الثقة عن الحسن بن أبي الحسن قال لقد تكلم مطرف بن عبد الله بن الشخير على هذه الأعواد بكلام ما قيل قبله ولا يقال بعده قالوا وما هو يا أبا سعيد ؟ قال قال الحمد لله الذي من الإيمان به الجهل بغير ما وصف من نفسه .
    أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا الحسن بن سلمة قال حدثنا ابن الجارود قال حدثنا سحنون بن منصور قال قلت لأحمد بن حنبل ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث ويرى أهل الجنة ربهم وبحديث " لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورته " واشتكت النار إلى ربها حتى يضع الله فيها قدمه وأن موسى عليه السلام لطم ملك الموت صلوات الله عليه ؟ قال أحمد : كل هذا صحيح .
    وقال إسحاق كل هذا صحيح ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي
    قال أبو عمر:
    الذي عليه أهل السنة وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها الإيمان بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها والتصديق بذلك وترك التحديد والكيفية في شيء منه .
    أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال حديث عبد الله " إن الله عز وجل يجعل السماء على أصبع" وحديث "إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن" "وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق" وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث فقال هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف .
    قال أبو داود وحدثنا الحسن بن محمد قال سمعت الهيثم بن خارجة قال حدثني الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في الصفات فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيف .
    وذكر عباس الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول شهدت زكريا بن عدي سأل وكيع بن الجراح فقال يا أبا سفيان هذه الأحاديث يعني مثل الكرسي موضع القدمين ونحو هذا فقال أدركت إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون شيئا .
    قال عباس بن محمد الدوري وسمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر له عن رجل من أهل السنة أنه كان يقول هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية والكرسي موضع القدمين وضحك ربنا من قنوط عباده وأن جهنم لتمتلئ وأشباه هذه الأحاديث وقالوا أن فلانا يقول يقع في قلوبنا أن هذه الأحاديث حق فقال ضعفتم عندي أمره هذه الأحاديث حق لا شك فيها رواها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسير هذه الأحاديث لم نفسرها ولم نذكر أحدا يفسرها وقد كان مالك ينكر على من حدث بمثل هذه الأحاديث ذكره أصبغ وعيسى عن ابن القاسم قال سألت مالكا عمن يحدث الحديث "إن الله خلق آدم على صورته" والحديث "إن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة" وأنه يدخل في النار يده حتى يخرج من أراد فأنكر ذلك إنكارا شديدا ونهى أن يحدث به أحدا وإنما كره ذلك مالك خشية الخوض في التشبيه بكيف هاهنا .
    وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا أحمد بن خالد قال سمعت ابن وضاح سألت يحيى بن معين عن التنزل فقال أقر به ولا تحد فيه بقول كل من لقيت من أهل السنة يصدق بحديث التنزل قال وقال لي ابن معين صدق به ولا تصفه .
    وحدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال سألت يحيى بن معين عن التنزل فقال أقر به ولا تحد فيه
    وأخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا بكار بن عبد الله القرشي قال حدثنا مهدي بن جعفر عن مالك بن أنس أنه سأله عن قول الله عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] كيف استوى ؟ قال فأطرق مالك ثم قال استواؤه مجهول والفعل منه غير معقول والمسألة عن هذا بدعة .
    قال بقي وحدثنا أيوب بن صلاح المخزومي بالرملة قال كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له يا أبا عبد الله مسألة أريد أن أسألك عنها فطأطأ مالك رأسه فقال له يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى قال سألت عن غير مجهول وتكلمت في غير معقول إنك امرؤ سوء أخرجوه فأخذوا بضبعيه فأخرجوه .
    وقال يحيى بن إبراهيم بن مزين إنما كره مالك أن يتحدث بتلك الأحاديث لأن فيها حدا وصفة وتشبيها والنجاة في هذا الانتهاء إلى ما قال الله عز وجل ووصف به نفسه بوجه ويدين وبسط واستواء وكلام فقال {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: الآية115] وقال {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] وقال ) {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] وقال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فليقل قائل بما قال الله ولينته إليه ولا يعدوه ولا يفسره ولا يقل كيف فإن في ذلك الهلاك لأن الله كلف عبيده الإيمان بالتنزيل ولم يكلفهم الخوض في التأويل الذي لا يعلمه غيره .
    وقد بلغني عن ابن القاسم أنه لم ير بأسا برواية الحديث أن الله ضحك وذلك لأن الضحك من الله والتنزل والملالة والتعجب منه ليس على جهة ما يكون من عباده.
    قال أبو عمر:
    الذي أقول أنه من نظر إلى إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وعبد الرحمن وسائر المهاجرين والأنصار وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجا علم أن الله عز وجل لم يعرفه واحد منهم إلا بتصديق النبيين بأعلام النبوة ودلائل الرسالة لا من قبل حركة ولا من باب الكل والبعض ولا من باب كان ويكون ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبا وفي الجسم ونفيه والتشبيه ونفيه لازما ما أضاعوه ولو أضاعوا الواجب ما نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم ولو كان ذلك من عملهم مشهورا أو من أخلاقهم معروفا لاستفاض عنهم ولشهروا به كما شهروا بالقرآن والروايات .
    وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" عندهم مثل قول الله عز وجل {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} [الأعراف:143] ومثل قوله {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:22] "كلهم يقول ينزل ويتجلى ويجيء بلا كيف لا يقولون كيف يجيء وكيف يتجلى وكيف ينزل ولا من أين جاء ولا من أين تجلى ولا من أين ينزل لأنه ليس كشيء من خلقه وتعالى عن الأشياء ولا شريك له وفي قول الله عز وجل {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجليا للجبل وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التنزيل ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عز وجل {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} فلينظر في تفسير بقي بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق .
    وفي قول الله عز وجل {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143] دلالة واضحة لمن أراد الله هداه أنه يرى إذا شاء ولم يشأ ذلك في الدنيا بقوله {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام:103] وقد شاء ذلك في الجنة بقوله :{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22-23] ولو كان لا يراه أهل الجنة لما قال {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} وفي هذا بيان أنه لا يرى في الدنيا لأن أبصار الخلائق لم تعط في الدنيا تلك القوة والدليل على أنه ممكن أن يرى في الآخرة بشرطه في الرؤية ما يمكن من استقرار الجبل ولا يستحيل وقوعه ولو كان محالا كون الرؤية لقيدها بما يستحيل وجوده كما فعل بدخول الكافرين الجنة قيد قبل ذلك بما يستحيل من دخول الجمل في سم الخياط ولا يشك مسلم أن موسى كان عارفا بربه وما يجوز عليه فلو كان عنده مستحيلا لم يسأله ذلك ولكان بسؤاله إياه كافرا كما لو سأله أن يتخذ شريكا أو صاحبة وإذا امتنع أن يرى في الدنيا بما ذكرنا لم يكن لقوله {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23] وجه إلا النظر إليه في القيامة على ما جاء في الآثار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل اللسان وجعل الله عز وجل الرؤية لأوليائه يوم القيامة ومنعها من أعدائه ألم تسمع إلى قوله عز وجل {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] وإنما يحتجب الله عن أعدائه المكذبين ويتجلى لأوليائه المؤمنين وهذا معنى قول مالك في تفسير هذه الآية .
    وأما قوله في تأويل قول الله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: الآية22-23] فإن أشهب روى عن مالك أنه سمعه وسئل عن قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23] قال ينظرون إلى الله عز وجل قال موسى {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] وعلى هذا التأويل في هذه الآية جماعة أهل السنة وأئمة الحديث والرأي ذكر أسد بن موسى قال حدثنا جرير عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط في قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} قال من النعمة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال تنظر إلى الله .
    قال وحدثنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبيه قال صلى بنا عمار بن ياسر وكان في دعائه اللهم إني أسألك النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك.
    وقد جاء أن موسى قال له ربه حينئذ لن تراني عين إلا ماتت إنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم وجاء عن الحسن أنه قال لما كلم موسى ربه دخل قلبه من السرور بكلامه ما لم يدخل قلبه مثله فدعته نفسه إلى أن يريه نفسه .
    وعن قتادة وأبي بكر بن أبي شيبة وجماعة مثل ذلك وذكر سنيد عن حجاج عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله {تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} قال أول من آمن بك أنه لا يراك أحد إلا يوم القيامة ولو كان فيها عهد إلى موسى قبل ذلك أنه لا يرى لم يسأل ربه ما يعلم أنه لا يعطيه إياه ولو كان ذلك عنده غير ممكن لما سأله ما لا يمكن عنده.
    وأهل البدع المخالفون لنا في هذا التأويل يقولون إن من جوز مثل هذا وأمكن عنده فقد كفر فيلزمهم تكفير موسى نبي الله صلى الله عليه وسلم وكفى بتكفيره كفرا وجهلا .
    حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال حدثنا وكيع قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال "أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته" وذكر الحديث .
    قال حدثنا وكيع قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} قال الجنة {وَزِيَادَةٌ} قال هو النظر إلى وجه الله عز وجل . ورواه الثوري عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن سعيد بن يمان عن أبي بكر الصديق مثله .
    وحدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن جبير وسعيد بن عثمان قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا يزيد بن هارون وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا عفان وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن قال حدثنا عفان بن مسلم وعبيد الله بن عائشة قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن ابن أبي علي عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة لكم عند الله موعد يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويجرنا من النار ويدخلنا الجنة فيكشف الحجاب فينظرون إليه" وقال إبراهيم وقال الآخر "فينظرون إلى الله تعالى" قال " فوالله ما أعطاهم الله شيئا أقر لأعينهم ولا أحب إليه من النظر إليه"
    ثم تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] واللفظ لحديث عبد الوارث .
    والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا فإن قيل فقد روى سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد في قول الله عز وجل{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} قال حسنة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال تنظر الثواب ذكره وكيع وغيره عن سفيان .
    فالجواب أنا لم ندع الإجماع في هذه المسألة ولو كانت إجماعا ما احتجنا فيها إلى قول ولكن قول مجاهد هذا مردود بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأقاويل الصحابة وجمهور السلف وهو قول عند أهل السنة مهجور والذي عليه جماعتهم ما ثبت في ذلك عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وليس من العلماء أحد إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجاهد وإن كان أحد المقدمين في العلم بتأويل القرآن فإن له قولين في تأويلين اثنين هما مهجوران عند العلماء مرغوب عنهما أحدهما هذا والآخر قوله في قول الله عز وجل {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79] حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا أبو أمية الطرسوسي حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً} قال يوسع له على العرش فيجلسه معه .
    وهذا قول مخالف للجماعة من الصحابة ومن بعدهم فالذي عليه العلماء في تأويل هذه الآية أن المقام المحمود الشفاعة والكلام في هذه المسألة من جهة النظر يطول وله موضع غير كتابنا هذا وبالله التوفيق.
    حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا القاسم بن خارجة قال حدثنا الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس وليث بن سعد غير مرة عن الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية فقال أمروها كيف جاءت بلا كيف .
    انتهى باختصار من التمهيد ..
    خاتمة في كلام نفيس لابن القيم وابن عثيمين
    قال ابن القيم في مختصر الصواعق أثناء كلامه على حديث النزول :
    الحادي عشر : أن الخبر وقع عن نفس ذات الله تعالى لا عن غيره فإنه قال : إن الله ينزل إلى السماء الدنيا ، فهذا خبر عن معنى لا عن لفظ، والمخبر عنه هو مسمى هذا الاسم العظيم، فإن الخبر يكون عن اللفظ تارة وهو قليل ويكون عن مسماه ومعناه وهو الأكثر.
    فإذا قلت : زيد عندك وعمرو قائم فإنما أخبرت عن الذات لا عن الاسم فقوله تعالى: { الله خالق كل شيء } هو خبر عن ذات الرب تعالى فلا يحتاج المخبر أن يقول : خالق كل شيء بذاته، وقوله: { الله ربكم } قد علم أن الخبر عن ذاته نفسها. وقوله: { الله أعلم حيث يجعل رسالته } وكذلك جميع ما أخبر الله به عن نفسه إنما هو خبر عن ذاته لا يجوز أن يخص من ذلك إخبار واحد البتة، فالسامع قد أحاط علماً بأن الخبر إنما هو عن ذات المخبر عنه ويعلم المتكلم بذلك لم يحتج أن يقول : إنه بذاته فعل وخلق واستوى ، فإن الخبر عن مسمى اسمه وذاته وهذا حقيقة الكلام ولا ينصرف إلى غير ذلك إلا بقرينة ظاهرة تزيل اللبس وتعين المراد، فلا حاجة بنا أن نقول: استوى على العرش بذاته وينزل إلى السماء بذاته، كما لا يحتاج أن نقول : خلق بذاته وقدر بذاته وسمع وتكلم بذاته، وإنما قال الأئمة ذلك إبطالاً لقول المعطلة . أهـ
    وقال ابن عثيمين ضمن موسوعته كتب ورسائل للعثيمين (88/19) :
    حديث النزول : هو قوله صلى الله عليه وسلم : " ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له " .
    ومعنى النزول عند أهل السنة أنه ينزل بنفسه سبحانه نزولاً حقيقياً يليق بجلاله ولا يعلم كيفيته إلا هو.
    ومعناه عند أهل التأويل نزول أمره، ونرد عليهم بما يأتي:
    1- أنه خلاف ظاهر النص وإجماع السلف.
    2- أن أمر الله ينزل كل وقت وليس خاصاً بثلث الليل الآخر.
    3- أن الأمر لا يمكن أن يقول: من يدعوني فأستجيب له.. إلخ.
    ونزوله سبحانه إلى السماء الدنيا لا ينافي علوه لأن الله سبحانه ليس كمثله شيء ولا يقاس نزوله بنزول مخلوقاته. اهـ
    وقال في (86/15) :
    فإن قيل : ما الجواب عما قاله الإمام أحمد في حديث النزول وشبهه : " نؤمن بها ونصدق ، لا كيف، ولا معنى ".
    قلنا : الجواب على ذلك: أن المعنى الذي نفاه الإمام أحمد في كلامه هو المعنى الذي ابتكره المعطلة من الجهمية وغيرهم، وحرفوا به نصوص الكتاب والسنة عن ظاهرها إلى معانٍ تخالفه.
    ويدل على ما ذكرنا أنه نفى المعنى، ونفى الكيفية، ليتضمن كلامه الرد على كلتا الطائفتين المبتدعتين: طائفة المعطلة، وطائفة المشبهة.
    ويدل عليه أيضاً ما قاله المؤلف في قول محمد بن الحسن:" اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن، والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير،ولا وصف،ولا تشبيه".أ هـ. .
    قال المؤلف : أراد به تفسير الجهمية المعطلة الذين ابتدعوا تفسير الصفات بخلاف ما كان عليه الصحابة، والتابعون من الإثبات. أ هـ.

    هذا والله أعلى وأعلم ، ونستغفر الله من الخطأ والزلل ..
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


      الوقت/التاريخ الآن هو 07.05.24 4:21