خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    تنوير الطلاب بتحرير أسباب العلم من كلام رب الأرباب

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية تنوير الطلاب بتحرير أسباب العلم من كلام رب الأرباب

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 27.09.09 9:50

    تنوير الطلاب بتحرير أسباب العلم من كلام رب الأرباب
    تنوير الطلاب
    بتحرير أسباب العلم
    من كلام رب الأرباب
    أبو القاسم المقدسي


    تنوير الطلاب بتحرير أسباب العلم من كلام رب الأرباب 470674


    تنوير الطلاب بتحرير أسباب العلم من كلام رب الأرباب 412160
    الحمد لله الذي حكم لأهل العلم علىمن سواهم فقال :
    (( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون))

    والصلاة والسلام علىإمام العلماء القائل :
    (( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ))

    وعلى آله وأصحابهالميامين ، التابعين لهم بإحسان من حملة العلم والمجاهدين .

    أما بعد..

    فهذاسِفر كتبته بعون اللطيف..اقتبسته من نور الكتاب..ورجوت أن ينتفع به إخوتي الطلاب وكتبته من إملاء الفؤاد إلا في مواضع نادرة اقتضتني دقة النقل..وعلى الله في ذلك العماد ، وهوالهادي سبحانه إلى سبيل الرشاد . وقصدت به أن يكون ذخيرة لي قبل إخواني من طلبة العلم -وإن كنت والله عيّلا عليهم-ليكون زاداً لي عند الله تعالى. جمعت فيهبين شرائط العلم وأسبابه ، ولطائف معارف وفرائد فوائد. مقتصراً على مرجع وحيد هوكتاب الله عز وجل في تقرير الأصول مستعيناً بالسنة وكلام السلف..ليكون عمدة فيانتهاج هذا المنحى في استخراج اللآليء من كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بينيديه ولا من خلفه..وعدّة للطالب في المسير..بحيث تكون أمّات هذا المبحث مستحضرة فيذهنه وأضواء الطريق منتشرة من حوله.بمحفوظه من الآيات ..ولم أعز الشواهد من السنةإلى مصادرها في الغالب استغناءً بصحتها عن عزوها والله المستعان وعليهالتكلان

    (( واتقوا الله ويعلمكم الله ))
    رتّب العلم على التقوى..لأن حقيقة العلم نور يقذفهالله في الصدور ، وليس هو مجرد حفظ مدونات السطور. وكرر لفظ الجلالة..مع أنالمعهود في التكرار إذا خلا عن سبب وجيه..خروج عن البلاغة ، وإملالللأذن..فلو قال أحد:واتقوا الله ويعلمكم ؛لم يلحن في ذلك . ولكنه سبحانه كرراسمه الشريف..تنبيهاً على علاقة العلم بالتقوى..

    فكأن الله أراد أن يقول : اتقواالله ؛ لأن من تتقونه هو ذاته الله الذي يعلمكم .فثم من يقول : إن الواو لاتتضمن ترتيباً بحجة أنها للعطف وليس من معانيها الترتيب كالفاء وهذا صحيح من حيثالأصل ، قال شيخ الإسلام في الفتاوى: ((قد يقال: العطف قد يتضمن معنى الاقترانوالتلازم كما يقال:زرني وأزورك ، وسلم علينا ونسلم عليك ونحو ذلك..

    إلى أن يقول رحمهالله تعالى : ( (فقوله : (( واتقوا الله ويعلمكم الله قد يكون من هذا الباب فكل من تعليمالرب وتقوى العبد يقارن ذلك ويلازمه ويقتضيه فمتى علمه الله العلم النافع اقترن بهالتقوى بحسب ذلك ومتى اتقاه زاده من العلم وهلمّ جراً )) انتهى )) . والناظر في علمالصحابة..يعلم أن سببه الأعظم بعد شرف استقائهم من معين المعصوم..الورع والتقوى الفريدان..فلم يكن ابن عباس أو ابن مسعود رضي الله عنهماأو غيرهما من فقهاء السلف يحفظون المتون العلمية والمصنفات الضخمة كما هو حالالمتأخرين سوى ما معهم من كتاب وسنة..وقد قرن الله بين الأمر بالتقوى والأمربالعلم في غير موضع كقوله)) : واتقوا الله واعلمواأن الله بكل شيء عليم )) تأكيداً على المعنى السابق .

    (( إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء )) .قال الإمام أحمد مقتبساً مننور الآية: (( أصل العلم الخشية )) . وقد وصف الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلامفقال: (( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله )) .وثبت عن خاتمهمصلى الله عليهم وسلم أنه قال للثلاثة المتنطعين: (( أما إني أتقاكم لله وأخشاكمله )) فليس غريباً أن تكون الخشية من أخص خصائص ورثتهم الحقيقيين وهم العلماءالربانيون .والمـتأمل في اختصاص ذكر الخشية بالعلماء دون غيرها ؛ يقع علىالسببفلم يقل سبحانه:إنما يرجو الله من عباده العلماء، وما قال:إنما يحب اللهمن عباده ، ولا غير ذلك .لأن الخشية منـزلة تجعل من طالب العلم- لا أقول عاملاًبما يعلم فحسب، بل داعياً غيره .آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، دون مخافةٍ فيالله لومة لائم .وهذه صفة العالم الرباني ؛ ولأن العلم بالخالق ، وأسمائهوصفاته ، يورث مراقبته..وقدره سبحانه حق قدره ، وهذه حقيقة الخشية .وبالعكس..فإنخشيته سبحانه تورث عناية من الله تعالى بعبده يرزق بها مزيداً من العلم .والحبلله تعالى يقتضي الاتباع كما قال : (( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني )) ولايكونالاتباع لأحد في الأصل إلا عن معرفة به ، وهو ما يلزم من الخشية .
    قال الراغب : (( الخشية خوف يشوبه تعظيم وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه)) .
    وهذا دقيق بتأملالسياقات التي ورد فيها ذكر الخشية .والخشية تمنع صاحبها من الكذب..الذي ينافيالعلم..ويناقضه جملة وتفصيلاً..ولهذا ترد رواية الضعيف فضلاً عن الكذاب أوالمتهم .
    ولهذا أيضاً تجد الخوارج لا يقعون في الكذب ، ويروي عنهم البخاريوغيره، برغم بدعتهم المغلظة ..ولا يكفّرون على الصحيح..وبدعتهم على التحقيق : أنهمعبدوا الله بالخوف وحده ثم غلوا فيه حتى عميت أعينهم عن آيات سوى الترهيب ، بخلافالرافضة فهم أكذب الطوائف .
    وأما الرجاء..فالغالب في الناس أنهم يرجون الله وماعنده ؛ لأن النفس مجبولة على حب ذاتها والطمع..دون ارتباط ذلك بالعلم بنفس الوتيرةالذي يرتبط به الخوف أو الخشية بتعبير أدق .فإن قيل قد قدّمت الخوف على منـزلةالحب، والمعلوم أن الحب بمثابة رأس الطائر كما يقول الإمام بن القيم..والخوفوالرجاء جناحاه .قلت: ليست الخشية هي ذات الخوف..بل هي معنىً يلتئم من الخوفوالتوقير والإجلال : (( فلا تخشوهم واخشوني )) .والتعظيم والتوقير المبني على حق يتضمنالرجاء في المعظّم بدليل سيدة السور فإذا قال العبد : (( مالك يوم الدين )) قال اللهمجدني عبدي فدل أنه تعظيم ، وحينئذ..يقول العبد : (( اهدنا الصراط المستقيم )) والدعاءرجاء بدليل سيد الاستغفار؛ فإن العبد يقدم بين يدي حاجته تعظيما فيقول: (( اللهمأنت ربي خلقتني-إلى أن يقول : فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )) .ثم هذاالتوقير والتعظيم..يقتضي الطاعة ، والطاعة علامة المحب كما قال الشاعر:
    لو كانحبك صادقاً لأطعته...إن المحب لمن يحب مطيعكما أن المقصود بيان علاقةالخشية بالعلم علاقة السبب بالمسبب..فهي أوثق من علاقة الحب به ؛ ذلك أن آية حبالله الاتباع ، ولايكون الاتباع حقيقياً بل لا يكون متصوّراً إلا عن خشية..تورثعلماً ، أو عن علم يورث خشيةولهذا تميّز الأئمة والعلماء الصّديقونالربانيون عبر الزمان بقولهم الحق دون أن يخافوا في الله لومة لائم . ولو أدىذلك إلى سجنهم أو قتلهم أو التنكيل بهم..لسبب يسير ألا وهو تقديم خشيتهم لله علىخشية من سواه (( فالله أحق أن تخشوه )) .وكان السلف كما يفهم من كلامهم..يغلبون فيالوعظ جانب الخوف على الرجاء ، إلا من وجدوه قانطاً عالجوه بما ينفعه منالرجاء..والمتتبع لآي القرآن..يجد أن النار مذكورة أكثر بكثير من الجنة ، وهذابميزان العليم القائل : (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )) .
    (( الرحمن* علم القرآن*خلق الإنسان*علمه البيان )) مقدمة هذه السورة الشريفة نبهتعلى أصل العلم وهو الوحي القرآني .فلابد على طالب العلم أن يتقصد البدء بحفظكتاب الله ، وفهم معانيه .ولما كان القرآن عربياً ؛ ألمحت الآية إلى أن علم القرآنمتعلق بالبيان .فيلزم ممن قصد فهم الكتاب ومقاصده وأسراره وإعجازه أن يكونمتضلعاً بالقدر الكافي من العربية ، وهذا جلي في قوله : (( كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون )) وأوحت الآية كذلك - بطريق الإيماء -أن صاحب القرآن قوي الحجة ؛ لأنالبيان اسم مصدر من بيّن .وخير البيان هو القرآن فمن اختلط حبه للقرآن بشحمهودمه أكسبه ذلك قوة في الحجة ، وبراعة في المنطق والبرهان .

    (( اقرأ باسم ربك الذي خلق*خلق الإنسان من علق*اقرأ وربكالأكرم*الذي علم يالقلم*علم الإنسان مالم يعلم )) .تضمنت هذه الآيات علىنفائس ، والسعيد من يوفقه الله بالعمل بها بعد الظفر بفهمها .الأولى-أن اللهتعالى قيّد تعليمه الإنسان بالقلم ؛ فدل أن معالجة آفة نسيان العلم تكون بتقييدهبالقلم بالتلخيص وتدوين الفوائد والنكت والملاحظات .الثانية-أن الأمربالقراءة..جاء معدّى بباء الاستعانة..والمعنى أن فهم القرآن خاصة والوحي بعامة ومايتفرع عنه من علوم .لابد أن يصحبه من الاستعانة بالله والافتقار إليه والتوكلعليه..والتنصّل من الحول الذاتي إلى حول الله وقوته ما على مثله تتحقق معية اللهتعالى وعنايته وفتحه على السالك في مدراج العلم ، ولا يخفى مافي التوسل باسم الرب منالتوفيق والتسديد والإلهام ؛ لأن الربوبية مصدر جامع لمعاني أسماء الله تعالىوصفاته ؛ وهي حجة الله على عباده في إلزامهم بتأليهه : (( ولئن سألتهم من خلق السماواتوالأرض ليقولن الله )) .وسير أكابر أئمة أهل العلم..ملأى بما يدل على عنايتهم بهذاالشرط، ومن أبرز ذلك ما كان من أمر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى فلطالما عفّروجهه بالتراب في المساجد المهجورة..وهو ساجد يقول: اللهم يا معلم إبراهيم علمني ويامفهم سليمان فهمني..ولهذا قال الملائكة : (( سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا )) .الثالثة:-تكرار لفظ فعل الأمر(( اقرأ )) مرتين ، ويقارنها تكرير لفظالفعل الماضي(( علّم )) .وفي ذلك إشارة إلى أن القراءة مرة بعد مرة، والمراجعة تلوالأخرى، وترديد المحفوظ بعد الترديد.شرط في ثبوت العلم وازدياد الفهمللمعلوم .وليس عبثاً أن يأتي فعل التعليم، بصيغة الماضي الدال على التحقيق ، فيحين جاء فعل القراءة بصيغة الأمر .كأن الله تعالى يقرر أنه كما خلق وهو أمر لايجادل فيه أحد ؛ فإنه سبحانه هو من علّم ، وما عليك ياابن آدم ، سوى القراءة بتحقيقالشروط .
    (( وعلم آدم الأسماء كلها )) .يستشف منها ضرورة اهتمام طالب العلم بمفرداتاللغة، ومعرفة لسان العربفقد عبر بلفظ العموم ( كل )..والراجح في أصل اللغة أنهاتعليم من الله بالإلهام .ولا ينافي هذا أن تكون تطورت مع الزمان ، لكن أن يقالإن مجموعة من العقلاء اصطلحوا على تسمية الأشياء فبعيد وليس عليه دليل قط .

    (( قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ))التفصيل هو الإسهاب في ذكر ماأوجز وأحكم .فعلى طالب العلم أن يعتني بتقسيم المباحث وتفصيل إشكالاتهاوفروعها ، حتى تكون حاضرة، في ذهنه وقت الحاجة إليها .ومن سمات بحور العلم اتضاحالفروق بين دقائق المسائل ، وتفريعاتها .ونضرب على هذا مثالاًيسيراً بالتوحيد .فهو في مجمله إذا لخص بجملة :شهادة أن لا إله إلا الله، وأنمحمداً رسول اللهفإذا أردت استقراء التوحيد وجدته منقسما إلى ثلاثةأنواع:-
    توحيد الألوهية..وتوحيد الربوبية..وتوحيد الأسماء والصفات . وكل واحدمن هذه الأقسام يتفرع عنه شعب ومقتضيات ولوازم ، وهكذا
    (( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم )) .هذه قاعدة جليلة..وهي على صغرها ,يندرج تحتها من الفوائد واللطائف علمجمّ وأسوق إليك طرفاً من ذلك ، وبالله التوفيق ومنه السداد:-
    -
    قدّم العلم علىالعمل..ولذلك بوّب البخاري باب العلم قبل العمل.
    -
    ذكر من العلم أخصّه ، وهوالتوحيد الخالص الذي يطهر القلب من الشرك ، والشبهاتوذكر من العمل الذكر ، وخصّالاستغفار ؛ لأنه يطهر القلب من الغفلة ، والشهواتواجتناب البدع والمعاصي صفةطريق المسلم الحق ، مثلما أن تحقيق الاعتقاد مقدم على معرفة تفاصيل الحلال والحرامفي طريق طالب العلم .وخص الاستغفار كذلك تلويحاً على : (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء )) .

    -
    وجمع بين طلب العلم والاستغفار تطهيراًلطالب العلم من العُجب ، وحبه محمدة الناس ، والتفاته لحظوظ نفسه.
    -
    ذكر سبحانهالمعمول في فعل : (( اعلم )) وحذفه في فعل : (( استغفر )) لأن من عَلِم اللهَ وأنه لا إله إلاهو حق المعرفة استغفره ولابد ، والقرآن جاء بأبلغ عبارة دالة علىالمقصود ، والاختصار من طرائق الطلبة الأذكياء..إذا استشرحوا أو قرؤواالمطوّلات ، وقد حذف سبحانه من شهادة التوحيد ههنا الأمر بعلم أن محمداً رسولالله ؛ لأن الخطاب له عليه الصلاة والسلام ، فاكتفى بذلك عن ذكرها ؛ ولأن الأصل أنالعلم بالله سبب للعلم برسله ، وأنهم واسطة الحق إلى الخلق في التبليغ.
    -
    نصّعلى الذنب في حق الرسول صلى الله عليه وسلم..فقال : (( لذنبك )) وحذفه في حق المؤمنينوالمؤمنات ؛ لأن الأصل أن يستغفر الإنسان لذنبه هو فلا يتكل على غير ربه؛ ولأنالمؤمنين والمؤمنات أولى بثبوت الذنوب في حقهم سداً لذريعة أن يداخل أحدهم كبر كماصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : (( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته )) ؛ ولأنهصلى الله عليه وسلم أسوة لنا..فاستغفاره ربه سبب لأن يقتفي المؤمنون أثره فيذلك.
    -
    ختم بقوله : (( والله يعلم متقلبكم ومثواكم)) فقابل تحقيق التوحيدبالمثوى ، وقابل الاستغفار بالتقلّب ؛ لأن الجنة مثوى كل موحد ، وإن وقع فيالكبائر، والمعاصي سبب لتقلب القلوب والاستغفار سبب لثباتها..ومنه دعاء النبي صلىالله عليه وسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها : (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )) .

    (( وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين )) .هذهإشارة أن المبالغة في الاشتغال بالشعر؛ يصرف عن العلم النافع .ولهذا قالالشافعي:
    ولولا الشعر بالعلماء يزري...لكنت الآن أشعر من لبيدِ
    وكثير منالطلبة يقضي الأوقات الطوال في حفظ الأشعار على حساب السنة ، وربماالقرآنفيقال لمثلهم: إنما يستعان بدواوين العرب طلباً لفهم اللغةوالقرآن .أما صرف الهمم للإحاطة بأشعار العرب ، أو الإكثار من النظم .فثم ماهو أولى منه، وإني لأعجب من اشتغال فئام من أهل العلم بوضع المنظومات إلى يومناهذا ، مع كون القدامى لم يتركوا فنّا إلا كتبوا فيه عشرات المنظومات .فألئكضوّعوا العلم ، وبعض هؤلاء ضيّعوه..وإن كان قد يلتمس العذر لبعضهم ، ومن باب الترفهذا أن يجرد أحد علماء النحو وقته لإعراب ألفية ابن مالك .
    : (( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوعليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) وقال تعالى : (( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهمالكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) وقال تعالى : (( كما أرسلنا فيكمرسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم مالم تكونواتعلمون )) البقرة 151 وقال تعالى : (( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهمالكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم )) .
    وههنا هناملحوظات ، وبإزائها تعليقات
    -
    يلاحظ من تدبر هذه الآيات أن الله سبحانه وتعالىقدم التزكية على تعليم الكتاب والحكمة ما خلا آية ، فتقدم تعليم الكتاب والحكمةعلى التزكية ، والسر في ذلك أن الآية التي تقدّم فيها ذكر التعليم علىالتزكية هي حكاية على لسان الخليل عليه السلام ، والمقام مقام دعاء والأليقبالدعاء أن يقدّم العلم كما علم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم : (( وقل رب زدنيعلماً )) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لابن عباس فقال : (( اللهم فقهه فيالدين )) وفي لفظ : (( وعلمه التأويل )) .وأنه دعا لمعاوية فقال : (( اللهم علمه الكتاب )) لأنَّالدعاء بذكر السبب غالباً ما يكون أصدق من الدعاء بالغاية.فهناك من يقول: اللهمأدخلني الجنة ، وثم من يقول : ارزقني الشهادة في سبيلك فالأول قد لا يلتفتللعمل..والثاني لحظ معنى ثمن الجنة..وأنها محفوفة بالمكاره..فإبراهيم عليهالسلام..قد قدم علم الكتاب على التزكية ، باعتبار أن الاستنارة بالوحي ، سبب لتزكيةالنفس ورفعتها فهو عليه الصلاة والسلام لحظ هذا المعنى وفيه قوله تعالى : (( وننـزل منالقرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين )) .وحرف الخفض ( من ) للجنس وليست للتبعيضقطعاً..وكذلك قوله سبحانه (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) والقرآن خير الذكر والنفسالمطمئنة نفس زكيّة.أما في الآيات الثلاث الأخر فهي من كلام اللهابتداءً ، وهي في مقام الامتنان، فناسب كرمه سبحانه أن يقدم الغاية التي أرادهاإبراهيم .وهي التزكية بمنـزلة من سأل الله شيئاً فأعطاه الله خيراً مماسأل .وأيضاً فإنَّ تزكية النفس وتهذيبها بالإيمان ومكارم الأخلاق وأدب الطلب يجبأنْ يتقدم على العلم البحت .ويدل عليه ما ورد عن ابن مسعود وابن عمر من تعلمالإيمان قبل القرآنوكذلك ما نقل عن غير واحد من السلف كسفيان الثوري : (( تعلمناالعلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله )) .فلو أنه تزكى في البدء لما قالذلك لكنّ الله تكرّم عليه ولطف به فصرف توجهه إليه ، وزكى قلبه بحرصه علىالعلم .والحاصل أن العلم سبب لرفعة النفس في مقام التزكية ، والاهتمام بتزكيةالنفس عن الرزايا شرط للعلم الذي ينفع صاحبه فالنسبة بينهما مطردة

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنوير الطلاب بتحرير أسباب العلم من كلام رب الأرباب

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 27.09.09 10:49

    -كلالآيات اشتركت في البداءة بذكر وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها تلاوةالآيات ؛ لأنَّ هذا هو الأصل ولكن بشرط الفهم والتدبر والعمل كما نقل عن أبي عبد الرحمنالسلمي: (( حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن أنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لميجاوزهن حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قال فتعلمنا القرآن والعلم والعملجميعا )) .فيجب على طالب العلم دونما أدنى ريب أن يقدم حفظ الكتاب..وتدبره..وفهمهما استشكل عليه..ولو بتفسير صغير الحجم .ثم يشرع بعد ذلك في التوسع في المتونوغيرها..مع الأخذ بحظ وافر من القرآن ؛ لأنَّ الله قدم الكتاب على الحكمة التي هيالسنة ، وكما قال الشافعي: (( كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهه منالقرآن مستدلاً بقول الله : (( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزّلإليهم )) .
    -
    ثلاث آيات منهن اختتمت ببيان حال الأمة قبل البعثة من التيهوالانحراف لمناسبة ذلك في معرض الامتنان ( ثنتان منها نصت على الضلالالمبين وواحدة أشارت إلى تفسير هذا الضلال وأنه الجهل السابق بقوله تعالى : (( ويعلمكممالم تكونوا تعلمون )) وآية اختتمت بالثناء على الله تعالى وذكر اسمين من أسمائهالحسنى : (( العزيز الحكيم )) لأنَّ مقام الدعاء يلائمه الثناء .وأما اختصاصذكر هذين الاسمين ههنا فهو أدب الأنبياء فنبّه على العزة لأنَّ هداية الضلّال ..لاينفع الله بشيء ..كما أنَّ معصيتهم..لا تضره..وثنى بـذكر اسم الله ( الحكيم ) لأنَّإرسال الرسل بالكتب المشتملة على الحجة البالغة والرحمة الهادية..هو من لازم حكمةالله تعالى..وهذا نظير قول عيسى عليه السلام : (( إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهمفإنك أنت العزيز الحكيم ))
    ((وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون)) .من ثمارالعلم الصحيح..أن يعقل أهل العلم الأمثال التي يضربها الله عز وجل..
    ويضربهانبيه صلى الله عليه وسلم..
    كذلك من أسباب الإعانة على الفهم والتمكن في العقل عنالله..أن يعتني الطالب بأمثال القرآن..
    وإن كان المطلوب بالطبع أن يعتني بكلآية..لكن المقصود..أن العناية بالأمثال خاصة..من أسرار الدربة على الفهم..ولهذا قالسبحانه عقيب مثل البعوضة (( فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم )) .
    (( إن في ذلك لآيات للعالِمين )) .التفكر في ملكوت الله ومخلوقاته..والوقوف على دلائلجبروته ورحموته..
    وجلاله وعظمته..ما انفك صفةً أصيلة في كل مؤمن..وهي في حقالعالم أوجب منها في حق عامة الناس..وقد نبه الإمام الجهبذ ابن القيّم ، وأفاض في ذكربعض عجائب ما خلق الله عن متابعة دقيقة منه ، وليس نقلاَ عن غيره كحديثه عن النحلمثلاً .
    (( أأنتم أعلم أم الله )) هذا سؤال استنكاري من الله تعالى..والجواب:بل اللهأعلم .وهذا الجواب الحتم سر من أسرار التواضع..فإنَّك لا تجد عالماً نحريراً مخلصاًإلا أكثر من هذه الإحالة إلى علم الله المطلق..ولا تجد متطفلاً على العلم أو معجباًبعلمه..إلا أقلّ منها..دفعا لتوهم الناس –في ظنه-أنْ يقولوا لو كان (( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا )) .هذا علىقراءة الوقف عند قوله : (( وما يعلم تأويله إلا الله )) .وفرق بين العالم..والراسخ فيالعلم..فكلاهما قد يشترك في حفظ ذات الأشياءأما الراسخ..فهو كالجبل لا تهزهعواصف الشبهات التي يوردها المبطلون..وإن لم يهتد لبيان مشكلها أو ما ظاهرهالتعارض..فتراه مسلّماً بأنه الحق..كما لو كان يراه رأي العين أو أزيد من ذلك..وقدأسدى الإمام بن تيمية..لتلميذه ابن القيم نصيحة نفيسة احتفى بها فقال له : (( لا تجعلقلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها ولكن اجعلهكالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها )) .فتكسوه هذه الخصلة منكرامة الله له والعناية به باستعماله في مرضاته والذب عن دينهفي المواطن التييعز فيها الرجال..مع ما يصحب ذلك من الثبات في المحن والصبر علىاللأواءوأما على الوقف على قوله : (( والراسخون في العلم )) فيكون الراسخونمشمولين في علم تأويل المتشابهات .ودخولهم في علم ذلك بواو العطف مع اللهتعالى شرف لا يدانيه شرفوالله أعلم
    راسخاً لجزم فيالمسألة .
    (( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيابينهم )) فالاختلاف من بعد مجيء العلم دليل على البغي ..والتعصب..والظلم ، وليسهو من باب اختلاف التنوع، إذا كان في المسألة دليل شرعي واضح ليس معارَضاًبغيره .ولهذا قال الشافعي : (( إذا صح الحديث فهو مذهبي )) وقال أحمد : (( من ترك حديثرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلكة )) وقال أبو حنيفة: (( إذا أتاك الحديث منرسول الله فاضرب بقولي عرض الحائط )) وقال مالك: ((كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحبهذا القبر )) فمن وجد نفسه يختار قول إمام يبجله..مع كون حجة غيره أقوى..فليتهمعلمَه وقلبه
    (( قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً )) .لابد علىطالب العلم مهما بلغ شأنه ..أن يظل مستحضرا أن ما أوتيه من العلم قليل..
    فلايغتر بما معه..فيعاقب بالحرمان والطغيان..وقسوة القلب وفساد النيةوقد قيل فيمراتب طالب العلم في ذلك:-
    -
    المبتدي..وهو يتوهم بحفظه لبعض المتون وإتقانه لبعضالمسائل..أنه غدا في عداد الراسخين أو من يحق لهم الفتوى..والجسارة على ما ليس منحقه
    -
    والمتوسط..وهو من فجأته كثرة العلوم والكتب واطلاعه على علم العلماء ..فأكسبه ذلك تواضعاً وانكسار نفس.
    -
    والمنتهي..وهو من إذا سألته عن حجم علمه..قاللك:لا أعلم شيئاً!
    ثم اعلم أن استذكار المرء لكون علمه قليلاً جداً..يحفزه لمواصلةالمسير..بقدر ما يتيقن من هذه الحقيقة..
    (( إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً )) . وإنك لن تجدعالماً ربانياً صادقاً..إلا وجدت الله قد جمّله بحسن عبادته والإنابة إليهوالإخبات..والانكسار بين يديه سبحانه ما بين قيام ليل وغيره..وقد أرشد النبي صلىالله عليه وسلم إمام العلماء معاذ لأنْ يقول دبر كل صلاة: (( اللهم أعني على ذكرك وشكركوحسن عبادتك)) .ومن تتبع سير أكابر أهل العلم..يلحظ ذلك خصيصة فيهم..
    وقد راقبابن القيم شيخه ابن تيمية..فنقل أنه كان يجلس بعد الفجر حتى ينتصف النهار..
    فقالله مرة:هذه غدوتي ولم لم أتغدَّ سقطت قواي.وعند الترمذي من حديث عليموقوفاً..قال في صفة القرآن: (( ولا يشبع منه العلماء )) .ونحو ذلك عن عثمان رضي اللهعنهما..فقال: لو صحت قلوبنا لما شبعت من كلام الله .وقد وصف حالة الذين أوتواالعلم..وأثنى على خشوعهم ..وبيّن ما يحرصون هم على إخفائه..رفعاً لذكرهم..
    وصوّرحالاً من أحوالهم..وهو الخر للأذقان بالسجود ..عند تلاوة الآيات عليهم .مع أنَّأهل العلم تطرق أسماعهم آيات الله كثيراً..فلا يعتادون عليها..وهم في خشوعمستمر .يتعاظم مع تعاظم علمهم..بخلاف الضلّال الظالمين..فلا يزيدهم القرآن إلاخساراًوالآية عامة في الذين أوتوا العلم ولا وجه لتخصيصها
    (( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم )) .وهذا دليلالحفظ..وقد وجدت شاعر النيل-رحمه الله- في كتابه النظرات يسخر من حفظةالمتون..ككتاب كالبخاري ونحوه..قائلاً إن هؤلاء الحفظة..لم يزيدوا على أن زاد عددالنسخ!..وهذه نظرة قاصرة وقع فيها جماعة من المعاصرين..من الفقهاء ونحوهم..منالمغترين بفهمهم أو الفرحين بما عندهم من العلم .ووضوح بطلانها أظهر من أنْ يردعليه.وقوله ( بينات ) بيان لشرف محفوظهم .وتأكيد على أنَّ حفظهم قارنهالفهم .فليس ما استودعوه صدروهم حروفاً مجردة..لا تجاوز حناجرهم..
    بل آياتبينات..تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم .
    (( يرفعِ الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)) .قال ترجمان القرآن :أييرفع الله الذين أوتوا العلم من الذين آمنوا على الذين آمنوا ولم يؤتواالعلم .وفرق بين (( الذين أوتوا العلم )) وبين طلبة العلم..أو العلماء..
    لأنَّ اللهتعالى هو من آتاهم العلم وإن كان بنى الفعل على مالم يسم فاعله..
    فهذه النسبةتدل على شرفهم..بخلاف مطلق طلبة العلم..فلا يلزم أنْ يكونوا أرفع درجة من الذينآمنوا..حتى يحققوا ما تعلموه ويدعوا إليه ويصبروا على الأذى فيه ولا يتنكبواالطريق..فإنْ خالفوا مجاملة لسلطان أو طمعاً في منصب أو رياسة أو تقديماً لخشية أحدوملامته على خشية الله تعالى..إلخ..فإنما يتبعون أهواءهم..وهم حيئنذ من شرارالخلق..فعلم أن هناك علماء ربانيين..وعلماء سوء..في كل زمان ومكان .قال ابنالمبارك رحمه الله تعالى ورضي عنه :وهل أفسد الدين إلا الملوك ..وأحبار سوءورهبانها .
    (( ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما )) .دلّت الآية أن الفهمأخص من العلم..
    فعلى طالب العلم أن يحرص على الفهم العميق لأنه نادر حتى في ذكرهفي الكتاب العزيز فلم ترد مادة "فهم" في القرآن العظيم..إلا في هذا الموضع..فذلكمما تتفاوت فيه مراتب العلماء والمجتهدينوإسناد التفهيم لله تعالى..يتضمنالتذكير بعدم الاغترار ..على طريقة من قال"إنما أوتيته على علم عندي"
    فهناك منطلبة العلم من لسان حاله كذلك..وإن لم يتفوه بلسان المقالولهذا أحسن كثير منالعلماء..في السنة التي درجوا عليها بتسمية كتبهم..بالفتح..
    كفتح الباري..وفتحالمبدي..وفتح المغيث..اعترافا منهم وإقرارا بأن الله هو من منّ عليهم بالفتوحاتوعلمهم .
    وقل رب زدني علما"
    هذا الأمر الرباني في حق أعلم الخلق..فتعينعلى سالك طريق العلم..
    أن يتخذ له زادا من هذا الدعاء ونظائره..يعينه على بلوغمرامه من التوقيع عن رب العالمينوالقيام بمهمة المرسلين..والدعوة إلى اللهتعالى..
    ولم يرد طلب الاستزادة من شيء بلفظ اشتق من "الزيادة " في كتابالله..إلا العلم..
    فتدبر!
    ((قلالحمد للهبل أكثرهم لايعلمون)) لعلالحمد مما يمتاز به أهل العلم..وكما في الآية الأخرى""هل يستويان مثلاالحمدللهبل أكثرهم لايعلمون"
    فتجد أحدهم إذا استفتي بدأ جوابهبالحمدلة..شكرا لله أنه علمه هذا الذي سيجيبهوعندما علم الله تعالى سليمان عليهالسلام منطق الطير والدواب..وسمع كلام النملة قال"رب أوزعني أن أشكر نعمتك التيأنعمت علي"
    والآية تربط بين العلم والحمد من طرف خفي ..فكان لزاما على الطالب أنيستحضر نعمة الله وشكره في كل شيء فهمه وحفظه..ويستودع الله تعالى بهذا الحمد أنيبارك في علمه..

    وأختم باستنباط الفوائد من أشهر قصة علمية ..وهي رحلة موسى عليهالسلام لطلب علم الخضر..وفيها جماع ما تفرق في الآيات من شروط وأسباب لطلب العلموالترقي فيه..

    - أول شيء- الإخلاص..وهذا الشرط جامع مانع..وذِكره علىالتحقيق..يقود إلى ما سواه..وهو شرط في كل عمل..وشطر لقبوله...عند الله سبحانهوتعالى ويظهر إخلاص موسى عليه السلام منذ مطلع القصة حيث قال"لا أبرح حتى أبلغ مجمعالبحرين "
    فهذا الإصرار بهذا النفي المقيد بانتهاء غايته..وهي لقاء الخضر عليهالسلام..ليتعلم منه..
    والحق أن كل آيات القصة تنضح ببيان إخلاص موسى عليهالسلام
    ثانيا-الغربة والعزلة..في طلب العلم....فكل من ألف خلطة الناس..وأكثر من تندرهمع الخلان والأصحاب والأهل..لايمكن أن يصبح عالما..
    ولهذا سافر موسى عليه السلاممع فتاه لطلب العلم وقال"أو أمضي حقبا"..أي مهما سرت من أحقاب الزمان فلن أبرح..حتىبلوغ غايتي وهي الخضر..ليعلمني..ولهذا لاتجد في سيرة العلماء ..من لم يرتحل أوينعزل في طلبه ..كل بحسبه..وليس معنى هذا الانقطاع الكلي عن الأبوينوالزوج..ونحوهم..ولكن أدنى الكمال في ذلك..أن يقتطع الإنسان من وقته جزءامعلومافي بيته يداوم عليه..يكون فيه منكبا على العلم والنهم به..ولايزاحمه فيوقته هذا أحد..وقد سئل مالك عن رجل محكوم بالقتل..ماذا يفعل إلى حينقتله..قال:يتعلم علما!
    وترك الشافعي قيام الليل ليلة مبيته عند أحمد حتىاستعظمته فاطمة بنته على سبيل الإنكار..فلما سأل الإمام أحمد في صبيحة اليوم عللذلك بأنه كان يتفكر في قضية فقهية فرع عليها نحو سبعين مسألة وهو مضطج!
    ثالثا-الكفاف في الطعام والمتاع والتقلل منه بما يقيمالصلب..
    واستمع إلى موسى عليه السلام وهو يقول"آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرناهذا نصبا"فجاع في سبيل العلم..وعند هذا الموطن خاصة أي لما بلغ به النصب في طلببغيته العلمية حد الجوع..اهتدى إلى الأمارة التي أوصلته للخضر..فتأمل!..وكما عندمسلم عن يحيى بن أبي كثير مقطوعا:لا يستطاع العلم براحة البدنوليس معنى هذا أنيحرم الإنسان نفسه الطعام"قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات منالرزق"..ولكن يتقلل من المتاع..ولا يملأ بطنه..ولايسد شهوته بكل ما اشتهى..بل يعيشكفافا ما أمكن..
    ولما رأى الإمام الشافعي..الإمام محمد بن الحسن الشيباني(أحدكبار تلامذة أبي حنيفة )..قال له:ما رأيت سمينا عقل قط غيرك..وصدق من قال:البطنةتذهب الفطنة
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تنوير الطلاب بتحرير أسباب العلم من كلام رب الأرباب

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 27.09.09 10:49

    رابعا-التواضع..وهو من أعظم الشروط وأبرز معالم طالب العلمالحقيقي الذي طلب العلم ابتغاء مرضاة الله..ونفع الأمة,,وإعزازها..
    فتأمل كيفقال موسى عليه السلام وهو كليم الله تعالى وذو المقام الرفيع ومن أولي العزم"هلأتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا"
    1
    - فأتاه بصيغة السؤال..لا بصيغة الجزم..وفيهذا من التواضع والأدب ما لايخفى..فلم يقل له:أريد أن تعلمني..ولكن تلطف تواضعافقال:هل..وعلاقة الأدب بالتواضع.. من علاقة الصفة بلازمها..وهي كعلاقة الرجولةبالشجاعة..أو الشهامة بالكرم
    2
    - ثم قال "أتبعك"..فهو تابع..ومن يأنف اتباع أهلالعلم الراسخين ..فاته المقصود..حتى لو كانوا أصغر منه سنا ..وقديما قالالسلف:اثنان لا يتعلمان المستحي والمتكبر
    3
    - وأيضا قوله"تعلمن"..ولم يقلتذاكرني..أو تدارسني..أو تبادلني النقاش العلمي...كأنه ند له وصاحب..(مع كونه أفضلمنه قطعا!)..ولكن نسب العلم إليه
    4
    - ثم قال"من ما علمت رشدا"..أي أريدبعض ما عندك فحسب..لا كل ما لديك من علمولاشك أن من تكبر من العلماء ففيه شبهمن إبليس ..الذي غره علمه..فاستحق اللعنةوفيه شبه باليهود..الذين استحقوا غضبالله ولعنتهفتدبر كيف اختزلت جملته القصيرة..كل إشارات التواضع لله والذلة علىأخيه..كما قال تعالى في صفة الأبدال"أذلة على المؤمنين "..فما ظنك بطلبة العلممنهم..كيف ينبغي أن يكون؟
    خامسا- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..وهي من زكاة العلمالواجبةوالنصاب فيها مبلغ كل واحد من العلم..فيما يعرف وينكر..بشرط إعمالالحكمةوقد اشتملت القصة على إنكار موسى على الخضر في ثلاثة مواقف..
    فكان أولما أنكر عليه"أخرقتها لتغرق أهلها"؟ولم يحتمل أن يرى ما يظنه منكرا دون السكوتعليه..حتى مع من له فضل عليهوفي هذا أدب الشفافية والصدق والعدل..وعدم التعصبللمشايخ..بنفي أي خطأ عنهم..وإنزالهم منزلة المعصومين بلسان الحالبل نصحهموتبيين خطئهم بأدب الإسلام..
    والعالم الذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عنالمنكر..عالم سوء..بحسب انتفاء ذلك عنهوقد وصف الله خسة كثير من علماء بنيإسرائيل واستحقاقهم اللعنة على لسان داود وعيسى بن مريم أنهم "كانوا لا يتناهون عنمنكر فعلوه"
    سادسا-التضحية ..فتهون على الإنسان نفسه في سبيل طلبالعلم..
    وذلك جلي في فعل موسى حيث ركب السفينة وهي مخروقة..وخاطربحياته..وأرخصها في سبيل العلم الشرعي المفضي إلى مرضاة الله عز وجلوقد ارتحلجابربن عبد الله رضي الله عنه من البصرة للمدينة..في طلب حديث واحد!
    وعبدالله بن أنيس..رضي الله عنه كذلكمن المدينة إلى الشام..في طلب حديثواحدويدل عليه أيضا مجاهدة موسى في الوصول للخضر وفرحه بظهور الآية فقال "ذلكما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا"..وقطعه المفاوز الطوال دونما يأس
    سابعا-معصية الشيطان..الذي يوحي بالأهواءفإن تسلطه على المرءسبب للنسيان وانعدام البركة في العلمولذك عزا فتى موسى النسيان إليه..فقال"وماأنسانيه إلا الشيطان أن أذكره"
    ومن أعظم ما يعين على طرده وكبح وساوسه ذكر اللهتعالىففي مسند أحمد بسند صحيح"أنا مع عبدي ما تحركت بي شفتاه"
    ومن أشهر ماقيل في ذلك..قول الإمام الشافعي:-

    شكوت إلى وكيع سوء حفظي..فأرشدني إلى تركالمعاصيوأخبرني بأن العلم نور..ونور الله لا يؤتى لعاصووكيع بنالجراح..من أكابر أهل العلم..وفي طبقة شيوخ الشافعي
    ثامنا- الرحمة.. واقترانها بالعلم..سبب للبركة فيه ووضع القبولفي الأرضفإن طالب العلم إذا كان قاسيا زهد في علمه الكثير..وكما قال تعالى فيأعلم الخلق صلى الله عليه وسلم "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوامن حولك".. وانتزاع الرحمة منه آفة تورث العجب بنفسه وغمط الناس حقهم..وجحد ما عند الآخرين منصوابيدل عليه من قصة موسى "فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناهمن لدنّا علما"
    وهذه الرحمة في الأصل خاصة بما سوى الكافرين..من مؤمنين..وتشملالمخلوقات من دواب ونحوهاأما الكفار..فكما قال تعالى في صفة الصحابة"أشداء علىالكفار رحماء بينهم"

    وقد كان أبو بكر أعلم الصحابة..وكان مع ذلك أرحمهم..كماتدل سيرته ومناقبهأما حديث الأوسمة..وفيه "أرحم أمتي بأمتي"..فأعله السخاوي ..فهو ضعيفوالله أعلم
    تاسعا-الصبر..حتى كان أول ما سجله الله تعالى على لسان الخضر أنقال لموسى"إنك لن تستطيع معي صبرا"..
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم اللهموسى لو كان صبر لقصّ الله علينا من أمرهمافدل أن الصبر والمصابرة..التيهي الصبر على الصبر..سبب للعلم الكثير..كما أن نقصه سبب للحرمانثم إن الإحاطةبالعلم..والتوسع فيه..سبب رئيس للصبر..كما أن الصبر شرط للتعلميدل عليه قولالخضر"وكيف تصبر على مالم تحط به خبرا"
    واختتمت القصة بقول الخضر"ذلك تأويل مالمتسطع عليه صبرا"..
    فمعرفة مآلات الأمور وتفسيرها واستنباط الأحكام واستكناهالدلائل..كل ذلك وثيق الصلة بصبر العالم والمتعلم..والمبتدي والمنتهي..إذا جاز أننقول :منعاشرا-الأدب-يبدو جليا في جواب موسى عليه السلام"ستجدني إن شاءالله صابرا ولا أعصي لك أمرا"
    وههنا أدب مع الله..بقوله"إن شاء الله"..وأدب معشيخه..بوعده بالصبر..وعدم عصيان أي أمر..
    لأن النكرة جاءت في سياق النفي فيقوله"ولا أعصي لك أمرا"..وذلك يعمّوالعجيب أن موسى عليه الصلاة والسلام..معاستثنائه بقوله " إن شاء الله".. لم يصبرفالله تعالى لم يشأ لحكمةبالغة..
    وقد منع موسى من ذلك غضبُه وحدته..
    ولو صبر وتحلّم..لتعلم وتعلمناكثيرا..
    تهٍ .
    الحادي عشر-الحفظ....وعدم الركون إلى المخزون في المكتبة..فماالعلم إلا ما حواه الصدريقول الإمام الشافعيعلمي معي حيثما يممتيتبعني..قلبي وعاء له لا جوف صندوق ِإن كنت في البيت كان العلم فيه معي..أو كنتفي السوق كان العلم في السوق ِوقال الإمام ابن حزم بعد تعرضه لفتنة حرقكتبهفإن يحرقوا القرطاس لا يحرقوا الذيتضمنه القرطاس بل هو فيصدرييسير معي حيث استقلت ركائبيويمكث إن أمكث ويدفن في قبري..
    وقد أجادابن حزم فيما يبدو لي فوق إجادة الشافعي في وصف ذات الأمر..
    وعدا جماعة منالشطار على قافلة كان فيهم أبو حامد الغزّالي فترجّاهم وقال..:خذوا كل شيء ودعوا ليكتبي..فنظر إليه الله اللص شزرا..وقال ما معناه:بئس طالب العلم أنت!
    لو كنتَعالما لحفظتها..فتأثر الغزالي من يومها وعزم أن يحفظ ما يتعلمهوهذا الشرط يهملهكثير من طلبة العلم بحجة أن الفهم يكفي وهو باطل..فعود نفسك أن تحفظ كلما وقعت عينكعلى فائدة..بحسب تيسير الله لك..بدءا بالكتاب ثم السنة..وغير ذلكويشير إلى هذابالتلميح قول الله تعالى"نسيا حوتهما"..وقول يوشع بن نون"وما أنسانيه إلا الشيطانأن أذكره"
    فلما نسيا..استدركا وعادا أدراجهما..وهكذا النسيان يعالج بالعود علىبدء مع كل محفوظ..لترسيخه في الذهن
    الثاني عشر-العدل..من القيم العزيزة ..التي تلبس طالب العلم تاجالقبولوتزين علمه بالصدق والاعتبار والبركة..
    وقد برز عدل موسى عليه السلامجليا..فحين أنكر على الخضر في الحادثتين الأوليين كان شديدا لأن ظاهر الأمر الفسادالبالغ..فشدد عليه في النكير..بخلاف الحادثة الثالثة..فتلطف في الإنكار..لأن ظاهرعمله الإحسان فقال"لو شئت لاتخذت عليه أجرا"..بصيغة "لو"..الدالة على التحبيذثم الحادثة الأولى..عبر عن المنكر بقوله"لقد جئت شيئا إمرا"..في خرقالسفينة..
    وفي الثانية اختلف توصيفه فقال "لقد جئت شيئا نكرا".على خلاف بينالعلماء..أيهما أشد وأبلغ النكر أم الإمر؟قيل الإمر لأن حاصل خرق السفينة.. إغراق جماعة كثيرة..
    وقيل بل النّكر.. لأنه ذكره عقيب سفك دم ظاهر العمد في حقغلاموليس المقام مقام ترجيح..ولكن عدل موسى ظاهر حتى حين أخطأ التقدير وظن أنما قام به الخضر من المنكراتبخلاف بعض المنتسبين لطلب العلم..فتجدهم إذا ناظرواأشعريا أو رافضيا..لم تشعر من كلامهم سوى أنهما على نفس الدرجة من الضلال..مع أنالفرق بينهما..كالفرق بين السماء والأرض..
    وكذلك يخلط الكثير بين المبتدع القحالمصر على بدعته الداعية إليها..وبين المجتهد الذي يُعذر..أو حتى المبتدع الذييحتفظ ببدعته دون دعوة غيره إليها..والبون بينهما كبير شرعا وعقلاوقس على ذلكعامة الأحكام.. يصدرها بعض طلبة العلم الذين لم يتخذوا منهج العدلضابطا..
    فيسقطون بالكلية..من يخطيء في مسألة هنا أو هناك..أو يجردون أقلامهمكأشد السيوف الصوارم..في مقارعة من يخطّيء عالما يتعصبون له ويحبونه..
    وذلك آفةالحيدة عن العدل..فهو بين إفراط وتفريط .
    واعلم أرشدك الله للعلم النافع..أن جماع الإمامة في الدين ملخّص في قول الله تعالى"وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون"
    فالصبر بأنواعه..سبب للترقي في العلم المبثوث في السطور..كما أنه سبب للسلامة من الشهوات والمعاصي..وفضول المباحات
    واليقين في حقيقته..سبب للترقي في إدراك نور العلم المقذوف في الصدور..كما أنه سبب للسلامة من الشبهات والبدع..وفضول الجدالات
    وهذه الإمامة..تكون تارة لأئمة العلم..وتارة لأئمة الجهاد..

    وأختم بلطيفة..
    قال الله تعالى"قال الذين أوتوا العلم إن الخزياليوم والسوء على الكافرين"
    وهذا تشريف لأهل العلم عجيب..فإن لهم -حتى يومالقيامة- مقاما كمقامهم في الدنيا من الحكم في القضايا والإفتاء فيما أشكل..فهذاالذي سجل الله أنهم يقولونه..هو رديف قوله سبحانه عن الكافرين"ثم يو القيامة يخزيهمويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم"..وههنا..عقّب الله تعالى بذكر قولهم الذييشبه الفتوى "قال الذين أوتوا العلم :إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين"..فهويستشهد سبحانه بكلامهم..وما أعظمه من تشريف..!
    وأظهر من ذلك في بيان شرفهمأنه استشهدهم على أعظم شهادة ,وحدانيتٍه سبحانه فقال عز من قائل"شهد الله أنه لاإله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط"
    ومن بديع هذه الآية..أن اللهتعالى لم يخص الأنبياء-صلوات الله وسلامه عليهم- بذكر..فدخلوا هم وورثتهم فيمدلول"أولو العلم"
    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    والنقل
    لطفـــاً .. من هنــــــــــــا
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=108678

      الوقت/التاريخ الآن هو 27.04.24 18:24