الهمم الشامخات من سير الأئمة السادات
في بذلهم للعلم أنفس الأشياء و الأوقات
لأبي جهاد سمير الجزائري
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله
هذا بحث انتقيته من كتاب "المشوق الى القراءة وطلب العلم" سائلا المولى جل وعلا أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
أموت ويبقى ما كتبته ... فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني ... ويغفر لي سوء فعاليا
قال أبو الوليد الباجي: إذا كنتُ أعلمُ عِلْمًا يقينًا فَلِمْ لا أكُون ضَنِْنًا بِها بأنَّ جميعَ حياتي كَساعَهْ وأَجْعَلُها في صلاحٍ وطاعَهْ
( ترييب المدارك: 8/125)
الحمد لله اللهم صلِّ وسلِّم على محمد عبدك ورسولك.
أما بعد فلا أظن قارئ هذا الكتاب قد فرغ من قراءته إلا وهو يردِّد بصدق قول العلامة المقريزي:
وقد أعْرضَتْ نفسي عن اللهوِ جُملةً وصارَ بحمد الله شُغلي وشاغلي
فطورًا يراعي كاتبٌ لفوائدٍ ... وآونةً للعلمِ صدريَ جامعٌ
ومَلَّتْ لقاءَ الناسٍ حتَّى وإن جلُّوا ... فوائد علمٍ لستُ من شُغْلِها أخْلُو
بصحَّتِها قد جاءنا العقلُ والنقْلُ ... فتزكو به نفسي وعن همِّها تسْلُو
تكشف لنا هذه الرسالة عن صورةٍ مُشْرِقةٍ من حياة العلماء ضربوا فيها أروعَ الأمثلة وأصدقَ البراهين وأجلى الدلالات على حبهم للعلم وشَغَفِهم به وتفانيهم من أجل تحصيله وطلبه هذه الأمثلة والبراهين كثيرة ومتنوِّعة اصطفيتُ منها ما يتعلَّق بحياة العلماء مع الكتب في اهتمامهم بها قراءةً وإقراءً في تحصيلهم لها شراءً واستنساخًا في شغفهم بها وحرصهم عليها واصطحابها معهم سَفَرًا وحضرًا في مواقف عجيبة وصورٍ مُعْجِبة ولا عجبَ!!.
قال ابن القيم (وأما عُشَّاق العلم فأعظم شغفًا به وعِشْقًا له من كلِّ عاشقٍ بمعشوقه وكثيرٌ منهم لا يَشْغَلُه عنه أجملُ صورةٍ من البشر) وقال:(ولو صُوِّر العلمُ صورةً لكانت أجملَ من صورة الشمس والقمر) اهـ أقول: فكيف يُلام إذًا من عَشِقَ العلمَ وكيف يُتعجَّب ممن كَلِفَ به وانقطعَ له؟!!.
شيء مما جاء عن السَّلف
1 - تلاميذ ابن مسعود في الكوفة علقمة والأسود وغيرهم كانوا إذا سمعوا الحديث والعلم من شيخهم لم يشف ذلك ما في صدورهم من النهمة فيرحلون إلى المدينة طَلبًا للعلوِّ وزيادة في التثبت وإمعانًا في الطلب والتلقي من أفواه العلماء
2 - قال يحيى بن سعيد القطان: ما رأيتُ أحفظَ منه أي سفيان الثوري كنتُ إذا سألته عن مسألةٍ أو عن حديثٍ ليس عنده اشتدَّ عليه.
3 - قال الأعمش: كان مجاهد (104) لا يسمع بأُعجوبة إلا ذهب لينظر إليها ذهب إلى حَضْرَمَوْت ليرى بئر برهوت وذهب إلى باب وعليه والٍ فقال له مجاهد: تعرض عَلَيَّ هاروت وماروت؟
4 - وذكر ابن حَزم عن يحيى بن مجاهد الزاهد قال: كنتُ آخذ من كلِّ علم طَرفًا فإن سماع الإنسان قومًا يتحدثون وهو لا يدري ما يقول غُمَّة عظيمة أو كلامًا هذا معناه قال أبو محمد ابن حزم: ولقد صدق
5- الدارقطني (385) وهو من هو تضلُّعًا في علوم الحديث والفقه والقراءات إلا أنه كان حُفَظَةً للأخبار والنوادر والحكايات قال الأزهري: كان الدارقطني ذكيًّا إذا ذكر شيئًا من العلم أيّ نوع كان وجد عنده منه نصيب وافِر لقد حدّثني محمد بن طلحة النعالي أنه حضر مع الدارقطني دعوةً فجرى ذِكْر الأَكَلَة فاندفعَ الدارقطني يورد نوادر الأَكَلَة حتى قطع أكثر ليلته بذلك .
6- قال الإمام محمد بن عبد الباقي الأنصاري (535) عن نفسه:(حفظتُ القرآن ولي سبع سنين وما من علمٍ في عالم الله إلا وقد نظرتُ فيه وحصَّلتُ منه بعضه أو كله) ولما أُسِر في أيدي الروم قيَّدوه وجعلوا الغل في عنقه وأرادوا منه أن ينطق بكلمة الكفر فلم يفعل وتعلَّم منها الخطَّ الرومي.
علماء يعرفون علومًا لا يعرفها أهل عصرهم
1- كان ابن الخشَّاب النحوي الحنبلي (567) يقول: إني متقنٌ في ثمانية علوم ما يسألني أحدٌ عن علم منها ولا أجد لها أهلاً
2- كان أبو البقاء السُّبْكي (777) يقول: أعرف عشرين علمًا لم يسألني عنها بالقاهرة أحد. 3- قال محمد بن أبي بكر بن جَمَاعة (819): أعرف خمسة عشر علمًا لا يعرف علماء عصري أسماءها.
4- يُروى أن محمد بن أحمد بن عثمان بن عليم المالكي (842) قال: أعرف عشرين علمًا ما سُئلْتُ عن مسألةٍ منها
5- كان أحمد أبُو نافع الفاسي (1260) يقول: عندي أربعة وعشرون علمًا لم يسألني عنها أحدٌ.
6- في ترجمة أبي الطيب عبد المنعم الكندي (435) حكى بعضُهم أَنَّه دخلَ عليه فوجَدَه ينظر في 12 علمًا وكان له حظ من الحسابِ والهندسةِ والعلوم القديمةِ
7- انظر ما ذكره الجبرتي المؤرِّخ عن والده العلامة حسن الجبرتي الكبير (118 من تفنُّنه في علوم الشرع ثم اعتكافه عشر سنوات (1144- 1154) لدراسة العلوم التجريبية من الهندسة والكيمياء والفلك والصنائع الحضارية كلِّها حتى النِّجارة والخِراطة والحِدادة والسَّمكرة والتجليد والنقش والموازين حتى صار بيته زاخِرًا بكلِّ أداةٍ في صناعةٍ وكلِّ آلةٍ فتزوَّد من العلم والْحَق بالرَّكب.
الاستزادة من العلم حتى في ساعة الاحتضار ساعة الاحتضار
* خبر أبي يوسف القاضي (182)
ذكر القرشي في الجواهر المُضِيَّة والمولى تقي الدين التميمي في الطبقات السنية في ترجمة إبراهيم بن الجراح التميمي مولاهم تلميذ أبي يوسف وآخر من روى عنه قال: (أتيته أعوده فوجدته مغمًى عليه فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم أيُّهما أفضل في رمي الجمار أن يَرْميَها الرجلُ راجلاً أو راكبًا؟ فقلت: راكبًا. فقال: أخطأتَ! قلتُ: ماشيًا. قال: أخطأتَ! قلت: قل فيها يرضى الله عنك قال: أما ما يوقف عنده للدعاء فالأفضل أن يرميه راجلاً وأما ما كان لا يوقف عنده فالأفضل أن يرميه راكبًا ثم قمت من عنده فما بلغتُ بابَ داره حتى سمعتُ الصُّرَاخَ عليه وإذا هو قد مات رحمه الله تعالى).
• خبر أبي زُرْعة الرازي (266)
قال ابنُ أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل: سمعتُ أبي يقول: مات أبو زُرعة مطعونًا مبطونًا يعرق جبينُه في النزع فقلت لمحمد بن مسلم ابن وَارَة: ما تحفظ في تلقين الموتى: لا إله إلا الله؟ فقال محمد بن مسلم: يروى عن معاذ بن جبل فمن قبلِ أن يَسْتتم رفع أبو زرعة رأسه وهو في النزع فقال: روى عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرَّة عن معاذ عن النبي : (من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخلَ الجنة) فصار البيت ضجَّة ببكاءِ من حضرَ.
* خبر أبي حاتم الرازي (277)
قال ابنه عبد الرحمن في تقدمة الجرح والتعديل: حضرتُ أبي رحمه الله وكان في النزع وأنا لا أعلم فسألته عن عُقبة بن عبد الغافر يروي عن النبي له صحبة؟ فقال برأسه: لا فلم أقنع منه فقلتُ: فهمتَ عني؟ له صحبة؟ قال: هو تابعي قلت (ابن أبي حاتم) فكان سيد عمله معرفة الحديث وناقِلَة الأخبار فكان في عمره يُقتَبَس منه ذلك فأراد الله أن يُظهر عند وفاته ما كان عليه في حياته)
* خبر ابن جرير الطبري (310)
قال المعافى النَّهْرَواني في الجليس الصالح: (وحكى لي بعض بني الفرات عن رجلٍ منهم أو من غيرهم أنه كان بحضرة أبي جعفر الطبري قبل موته وتوفي بعد ساعة أو أقلّ منها فذُكِرَ له هذا الدعاء عن جعفر بن محمد فاستدعى محبرة وصحيفةً فكتبها فقيل له: أفي هذه الحال؟! فقال: ينبغي للإنسان أن لا يدع اقتباس العلمِ حتى يموت) اهـ.
* خبر ابن سعدون (352)
ذكر القاضي عِياض في ترتيب المدارك في ترجمة أبي بكر محمد بن وسيم بن سعدون الطُّليطلي أنه كان رأسًا في كلِّ فن مُتقدِّمًا فيه قال: (ودَخَل عليه وهو في النزع بعضُ أصحابه فناداه فلم يُجِبْه فقال الآخر: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ) فقال له أبو بكر حين ذلك: نزلت في الكفار وفيها: (إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ)
* خبر مسرَّة الحضرمي (373)
وذكر عياضٌ في المدارك أيضًا في ترجمة مسرَّة بن مسلم الحَضْرمي ت (373) وكان من أهل العلم والزهد التام أنه لما احْتُضِرَ ابتدأ القرآن فانتهى في سورة طه إلى قوله تعالى: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) ففاضت نفسه.
وفي ترجمة المُسْنِد أحمد بن عبد الله بن معطي الجزائري ت (666) في ذيل التقييد للفاسي أنه سَمعَ صحيح البخاري عَلَى علِيِّ بن أبي بكر بن رُوْزبة في أربعة عشر مجلسًا وأنه قال لهم يوم الخَتْم: اجتهدوا في إكمال هذا الكتاب فإنه والله ما بقي غيركم يسمعه عليَّ وتوفي في الليلة المتصلةِ بذلك اليوم.
* خبر ابن مالك صاحب الألفية (672)
وفي كتاب الفَلاَكة والمفلوكون للدَّلَجي في ترجمة الإمام أبي عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك النحوي العلامة قال : (كان كثير الإشْغَال والاشتغال حتى أنه حفظ في اليوم الذي مات فيه خمسة شواهد).
وهذا المعمّر الأعجوبة شهاب الدين أبو العبَّاس أحمد بن أبي طالب الحجَّار مُسْند الدنيا ت (730) فقد ذكر الفاسيُّ أن الطلاب قد قرءوا عليه في يومِ موته وله مئة سنة وعشر سنين تقريبًا
أقول: فاتعظ بهذه الهِمم العَلِيَّة وابْكِ على تقصيرك ودُنُوِّ هِمَّتك واستدرك ما فرط من أمرك بالجدِّ والعمل ومداومة الدرس والنظر فمن سار على الدرب وصل وعند الصباح يَحْمَد القوم السُرَى وقريب من هذا ما جاء في سِيَر بعض العلماء فهم مع شدة تطلُّبهم للعلم من بادئ أمرهم حتى أوفوا فيه إلى الغاية فاستكثروا ما شاءوا ومع تقدُّم أعمارِهم ودنوِّ آجالهم هم مع ذلك يَجِدون من الرغبة في العلم والشغف به أكثر مما يجده الشَّاب اليافِع الممتلئ قُوَّةً ونشاطًا!!.
* خبر ابن عقيل الحنبلي (513)
ففي ترجمة أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي ت (513) أنه قال: (إني لأجد من حِرْصي على العلم، وأنا في عَشْرِ الثمانين أشدّ مما كنت أجده وأنا ابنُ عشرين سنة).
* خبر ابن الجوزي (597)
وهذا العلامة المتفنِّن صاحب التصانيف أبو الفرج ابن الجوزي (567) يقرأ في آخر عمره وهو في الثمانين القراءات العشر على ابن الباقلاني مع ابنه يوسف قال الذهبي معلِّقًا: (فانظر إلى هذه الهمة العالية!) اهـ.
حِرْص العلماء وشغفهم بالكتب قراءةً وتحصيلاً
وذكر الإمام أبو محمد بن حزم (456) في رسالة مراتب العلوم دَعَائِمَ العلم، فعدَّ منها الاستكثارُ من الكتب فلن يخلوَ كتابٌ من فائدة وزيادة علمٍ يجدَها فيه إذا احتاجَ إليه ولا سبيل إلى حفظ المرء لجميع علمِه الذي يختصّ به فإذ لا سبيل إلى ذلك فالكتب نِعْم الخِزانة له إذا طُلِب ولولا الكتب لضاعت العلوم ولم توجَد وهذا خطأٌ ممن ذمَّ الإكثار منها ولو أُخِذَ برأيه لتَلِفَت العلوم ولجاذبهم الجهَّال فيها وادَّعوا ما شاءوا فلولا شهادة الكتب لاستوت دعوى العالم والجاهل) اهـ.
وعُذِلَ بعضُ العلماء في كثرة شراء الكتب فقال:
وقائلةٍ أنفقتَ في الكُتْبِ ما حَوَت يمينُك من مالٍ فقلتُ: دعيني لعلِّي أرى فيها كتابًا يَدُلُّني لأخْذِ كتابي آمِنًا بيميني
وفي كلِّ ما سيأتي من الأخبار والقصص لسانٌ ناطق وبيانٌ مُشرق لقيمة الكتب ومكانتها في نفوس هؤلاءِ العلماء وهي بذلك غنيَّة عن أيِّ تعليق.
* ولع ابن دُرَيْد (321) بالعلم والكتب
قال أبو نصر الميكالي: تذاكرنا المنتزهات يومًا وابن دُرَيْد حاضر فقال بعضُهم: أنزه الأماكن غُوطة دمشق وقال آخرون: بل نهر الأُبلَّة وقال آخرون: بل سُغْد سمرقند وقال بعضُهم: نهروان بغداد وقال بعضُهم: شِعب بوَّان وقال بعضُهم: نوبهار بلخ فقال(أي ابن دريد): هذه منتزهات العيون فأين أنتم عن متنزهات القلوب؟ قلنا: وما هي يا أبا بكر؟ قال: عيون الأخبار للقتبي والزهرة لابن داود وقلق المشتاق لابن أبي طاهر ثم أنشأ يقول:
ومَن تكُ نزهتَهُ قينةٌ فنزهتُنا واستراحَتُنا
وكأسٌ تحثُّ وكأس تُصَبْ تلاقي العيون ودَرْس الكتبْ
* ولع شيخ الإسلام ابن تيمية (72 بالمطالعة وشغفه بالبحث
قال ابن عبد الهادي (744) تلميذه في مختصر طبقات علماء الحديث وذكر طرفًا من صفاته: (لا تكاد نفسُه تشبع من العلم ولا تروى من المطالعة ولا تملُّ من الاشتغال ولا تكلُّ من البحث وقَلَّ أن يدخل في علمٍ من العلوم في بابٍ من أبوابه إلا ويُفتح له من ذلك الباب أبواب ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حُذَّاق أهله) وقال الشيخ محمد خليل الهراس: (كان لابن تيمية بصر نافذ ونفس طُلَعَة لا تكاد تشبع من العلم ولا تكل من البحث ولا تروى من المطالعة مع التوفر على ذلك وقطع النفس له وصرف الهمة نحوه حتى إنه لم ينقطع عن البحث والتأليف طيلة حياته في الشام أو في مصر في السجن أو في البيت بل إنه كان يتوجَّع ألمًا وحسرة حينما أخرجوا الكتب والأوراق من عنده في أُخْرَيات أيامه) اهـ.
* قراءة شيخ الإسلام وهو مريض
قال ابن القيم في روضة المحبِّين: وحدَّثني شيخنا يعني ابنَ تيمية قال: ابتدأني مرضٌ فقال لي الطبيب: إن مُطالعتك وكلامك في العلم يزيد المرض فقلت له: لا أصبر على ذلك وأنا أحاكمك إلى علمك أليست النفس إذا فرحت وسُرَّت وقَوِيت الطبيعةُ فدفعت المرضَ؟ فقال: بلى فقلت له:فإن نفسي تُسرُّ بالعلم فتقوى به الطبيعةُ فأجدُ راحةً فقال: هذا خارجٌ عن علاجنا) اهـ وقال ابنُ القيم أيضًا: (وأعرف من أصابه مرض من صداعٍ وحُمَّى وكان الكتاب عند رأسه فإذا وجد إفاقةً قرأ فيه فإذا غُلِبَ وضعَه فدخل عليه الطبيبُ يومًا وهو كذلك فقال: إن هذا لا يحلُّ لك فإنك تُعين على نفسك وتكون سببًا لِفَوْت مطلوبك) اهـ.
* قراءة ابن الجوزي (597) (20 ألف) مجلدًا وهو بَعْدُ في الطلب قال ابن الجوزي عن نفسِه في صيد الخاطر:أثناء حديثه عن المطالعة والإكثار منها: ولو قلت: إني طالعتُ عشرين ألف مجلد كان أكثر وأنا بعدُ في الطَّلب) اهـ ثمَّ ذَكَر ما استفاده من المطالعة وهذا ابنُ الجوزي أيضًا يوصي العالمَ وطالبَ العلم بقوله: (ليكن لك مكان في بيتك تخلو فيه وتحادث سطور كتبك وتجري في حلبات فكرك) اهـ.
* حرص ابن عقيل (513) على الوقت وشغله بالمطالعة والعلم
نقلَ ابنُ رجب من الفنون لابن عقيل أنه قال عن نفسِه: (أنا أقصر بغاية جهدي أوقات أكلي حتى أختار سفَّ الكعك وتحسيه بالماء على الخبز لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ توفّرًا على مطالعةٍ أو تسطير فائدة لم أدركها فيه) اهـ.
* إذا لم اشتغل بالعلم ماذا أصنع؟!. ذكر الإمام المقريزيّ في المقفَّى الكبير العلامةَ ابنَ صدقة الحموي (599) أنه كان كثيرَ الاشتغال بالعلم دائم التحصيل له وذكر عن المنذري أنه قال: (دخلتُ عليه يومًا وهو في سَرَبٍ تحت الأرض لأجل شدَّة الحر وهو مشتغل فقلتُ له: في هذا المكان وعلى هذه الحال؟ فقال: إذا لم أشتغل بالعلم ماذا أصنع قال المنذري: إنه وُجِدَ في تَرِكَته محابر ثلاث أحدها تَسَعُ عَشَرة أرطال والأخرى تسعة والثالثة ثمانية).
* كتبه أحب إليه من وزنها ذهبًا
وفي ترجمة الحافظ أبي طاهر بن أبي الصَّقر (476) في المنتظم لابن الجوزي أنه قال عنه:(كان من الجوَّالين في الآفاق والمكثرين من شيوخ الأمصار وكان يقول: هذه كتبي أحب إليّ من وزنها ذهبًا) ولقد أُصِيْبَ ببعضها كما ذكر الذهبي في تاريخ الإسلام أعظمَ اللهُ أجرَه في مصيبته بها.
* أُعجوبة في حفظ الوقت والحرص على المطالعة
قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة أحمد بن سليمان بن نَصْر الله البُلْقاسي ثم القاهري الشافعي المتوفى سنة (852) في ريعان شبابه وكان إمامًا علاَّمة قوي الحافظةِ حسنَ الفاهمة مُشاركًا في فنونٍ طلْقَ اللسان محبًّا في العلم والمذاكرة والمباحثة غير مُنفك عن التحصيل بحيث إنه كان يُطالع في مشيه ويقرئ القراءات في حال أكله خوفًا من ضياع وقته في غيره أُعجوبة في هذا المعنى لا أعلمُ في وقته من يُوازيه فيه طارحًا للتكلُّف كثير التواضع مع الفقراء سهمًا على غيرهم سريع القراءة جدًّا) اهـ.
* أعرفه أكثر من (50) سنة إمَّا يُطالع أو يكتب قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة محمد بن أحمد ابن محمد العُمَري الصَّغَاني ت (854): (كان إمامًا علاَّمةً متقدمًا في الفقه والأصْلَين والعربية مشاركًا في فنونٍ حسن التقييد عظيم الرغبة في المطالعة والانتقاء بحيث بلغني عن أبي الخير بن عبد القوي أنه قال: أعرفه أزْيَد من خمسين سنة وما دخلتُ إليه قطُّ إلا ووجدته يُطالع أو يكتب) اهـ.
* كان لا ينفكُ من القراءة حتى وهو في الحمام
قال ابن القيم في روضة المحبين وهو يتكلم عن عِشْق العلم: (وحدثني أخو شيخنا يعني أحمد ابن تيمية عبد الرحمن ابن تيمية عن أبيه عبد الحليم قال: كان الجَدُّ أبو البركات إذا دخل الخلاء يقول لي: اقرأْ في هذا الكتاب وارْفَعْ صوتكم حتى اسمعُ) أقول: وهذا سندٌ كالشمس رحم الله الجميع.
* كان لا يَمَلُّ من المطالعة مع مزيد السَّهَر
قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة أحمد بن علي ابن إبراهيم الهيتي الشافعي ت (853):(برع في الفقه وكثُرَ استحضارُه له بل وللكثير من شرح مسلم للنووي لإدمان نظره فيه وكان لا يملّ من المطالعة والاشتغال مع الخير والدين والتواضع والجد المَحْض والتقلُّل الزائد والاقتدار على مَزِيْد السَّهر) اهـ.
* كان لا يُسافر إلا وأحمال الكتب معه يقرأ وينظر
قال السخاوي في الضوء اللامع في ترجمة الإمام اللغوي محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ت (817) أنه اقتنى كتبًا نفيسَة حتى سمعَه بعضهم يقول: (اشتريتُ بخمسين ألف مثقالٍ ذهبًا كتبًا وكان لا يُسافر إلا وصحبته منها عدة أحمال ويُخرج أكثَرَها في كل منزلةٍ فينظر فيها ثم يعيدها إذا ارتحل) اهـ ومثله السيد صلاح بن أحمد المؤيدي اليماني ت (104 قال عنه الشوكاني في البدر الطالع:(كان من عجائب الدهر وغرائبه فإن مجموع عمره 29 سنة وقد فاز من كل فنٍّ بنصيبٍ وافر وصنَّف في هذا العصر القصير التصانيف المفيدة والفوائد الفريدة العديدة وذكر عددًا منها ثم قال: وإذا سافر أول ما تُضْرَب خيمةُ الكتب وإذا ضُرِبت دخلَ إليها ونَشَرَ الكتبَ والخدمُ يصلحون الخِيَم الأُخرى ولا يزال ليله جميعه ينظر في العلم ويُحرر ويُقرِّر مع سلامة ذوقه) اهـ.
* لا يوجد إلا وعنده كتاب ينظر فيه وقلم يُصْلح به
قال الجَنَدِي السكسكي في السلوك في طبقات العلماء والملوك في ترجمة أبي الخير بن منصور الشماخي السعدي ت (680) بعد ثنائه عليه: (ولم يكن له في آخر عمره نظير بجودة العلم وضبط الكتب بحيثُ لا يوجد لكتبه نظير في الضبط أخبرني جماعةٌ ممن أدركه أنه كان لا يوجد إلا وعنده كتابٌ ينظر فيه ومحبرة وأقلام يصلح بهما ما وجَدَ في الكتاب (مات سنة 680) بعدَ أن جَمَعت خزانتُه من الكتب ما لم تجمعه خزانة غيره ممن هو نظير له) اهـ.