من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 31.05.08 12:06
أولًا : أحكام المريض والمحتضر :
وإذا أُصيبَ الإنسانُ بمرضٍ ، فعليه أن يصبر ويحتسب ولا يجزع ويسخط لقضاء الله وقدره ، ولا بأس أن يُخبر الناس بعلته ونوع مرضه ، مع الرضا بقضاء الله .
والشَّكوى إلى الله تعالى ، وطلب الشفاء (منه) لا ينافي الصبرَ ، بل ذلك مطلوبٌ شرعًا ومستحبٌّ ؛ فأيوب عليه السلام نادى رَّبه وقال : مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
وكذلك لا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة ، بل ذهب بعضُ العلماء إلى تأكُّد ذلك ، حتى قَارَبَ به الوجوب ؛ فقد جاءت الأحاديثُ بإثبات الأسباب والمسبِّبات ، والأمر بالتداوي ، وأنه لا ينافي التوكل ، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالطعام والشراب .
ولا يجوز التداوي بمحرَّم ؛ لما في "الصحيح" عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنه قال : " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " .
وروى أبو داود وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا : " إن الله أنزل الداء والدواء ، وجعل لكل داءٍ دواءً ، فتداووا ولا تداووا بحرام " .
وفي صحيح مسلم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخمِر : " إنه ليس بدواء ولكنَّهُ داءٌ " .
وكذلك يحرْمُ التداوي بما يمسُّ العقيدة : من تعليق التّمائم المشتملة على ألفاظ شركّية ، أو أسماء مجهولة أو طلاسم ، أو خَرزٍ أو خيوط ، أو قلائد أو حلق ، تلبس على العضد أو الذراع ، أو غيره ، يعتقد فيها الشفاء ودفع العين والبلاء ؛ لما فيها من تعلق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر ، وذلك كله من الشرك أو من وسائله الموصلة إليه .
ومن ذلك أيضًا التداوي عند المشعوذين من الكهان والمنجمين والسحرة والمستخدمين للجن ، فعقيدة المسلم أهم عنده من صحته .
وقد جعل الله الشفاء في المباحات النافعة للبدن والعقل والدين ، وعلى رأس ذلك القرآن الكريم ، والرقية به وبالأدعية المشروعة .
قال ابن القيم : (ومن أعظم العلاج فعلُ الخير والإحسان ، والذكر والدعاء والتضرع إلى الله والتوبة ، وتأثيره أعظم من الأدوية ، لكن بحسب استعداد النفس وقبولها) انتهى .
ولا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة على أيدي الأطباء العارفين بتشخيص الأمراض وعلاجها في المستشفيات وغيرها .
وتسن عيادة المرضى ؛ لما في الصحيحين وغيرهما : " خمسٌ تجِبُ للمسلم على أخيه " ، وذكر منها : عيادة المريض .
فإذا زاره ، سأل عن حاله ؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدنو من المريض ، ويسأله عن حاله .
وتكونُ الزيارةُ يومًا بعد يوم ، أو بعدَ يومين ، ما لم يكن المريض يَرْغَبُ الزيارة كلّ يوم ، ولا يطيل الجلوس عنده إلا إذا كان المريض يرغب ذلك .
ويقول للمريض : " لا بأس عليك طهور إن شاء الله " ويُدْخِلُ عليه السرور ويدعو له بالشفاء ، ويرقيه بالقرآن ، لا سيما سورة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين .
ويُسنُّ للمريض : أن يوصيَ بشيءٍ من ماله في أعمال الخير ، ويجبُ أن يُوصِي بماله وما عليه من الدّيون وما عنده من الودائع والأمانات ، وهذا مطلوب حتى من الإنسان الصحيح ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما حقُّ امريء مسلم له شيءٌ يوصي به يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده " متفق عليه .
وذِكرُ الليلتين تأكيدٌ لا تحديد ، فلا ينبغي أن يمضي عليه زمان - وإن كان قليلًا - إلا ووصيته مكتوبة عنده ، لأنه لا يدري متى يدركه الموت .
ويُحَسِّنُ المريض ظنه بالله ، فإن الله عز وجل يقول : " أنا عند ظن عبدي بي " ويتأكد ذلك عند إحساسه بلقاء الله .
ويسن لمن يحضُرُه : تطميعه في رحمة الله ، ويغلب في هذه الحالة جانب الرجاء على جانب الخوف ، وأما في حالة الصحة ، فيكون خوفه ورجاؤه متساويين ؛ لأن من غلب عليه الخوف ، أوقعه في نوع من اليأس ، ومن غلب عليه الرجاء ، أوقعه في نوع من الأمن من مكر الله .
فإذا احتضر المريض : فإنه يسن لمن حضره أن يلقّنَه : لا إله إلا الله ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " رواه مسلم .
وذلك لأجل أن يموت على كلمة الإخلاص ، فتكون ختام كلامه ؛ فعن معاذ مرفوعًا : " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله ، دخل الجنة " ويكون تلقينه إياها برفق ، ولا يُكثر عليه ؛ لئلا يضجره وهو في هذه الحال . ويسن أن يوجه إلى القبلة .
ويقرأ عنده سورة يس ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : " اقرءوا يس على موتاكم " رواه أبو داود وابن ماجه ، وصححه ابن حبان .
والمراد بقوله : "موتاكم" : من حضرته الوفاة .
أما من مات ، فإنه لا يقرأ عليه ، فالقراءة على الميت بعد موته بدعة ، بخلاف القراءة على الذي يحتضر ؛ فإنها سنة .
فالقراءة عند الجنازة أو على القبر أو لروح الميت ، كل هذا من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان ، والواجب على المسلم العمل بالسنة وترك البدعة .