خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ترجمة: العلامة الشنقيطي (صاحب كتاب أضواء البيان) -رحمه الله تعالى-

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية ترجمة: العلامة الشنقيطي (صاحب كتاب أضواء البيان) -رحمه الله تعالى-

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.05.08 19:31


    ترجمة:
    العلامة الشنقيطي (صاحب كتاب أضواء البيان)
    -رحمه الله تعالى-
    (ب)
    في وسط قارة إفريقيا وفي قرية تسمى شنقيط كانت نشأته ، وبين مكة والمدينة كانت شهرته ، وبرع في العلوم كلها حتى فاق أقرانه ، أراد مكة حاجـًا وزائرًا ، وأراده الله معلمـًا ومفسرًا ، إن تحدث في التفسير خِلته الطبري ، وإن أنشأ في الشعر حسبته المتنبي ،وإن جال في الحديث وعلومه ظننته ابن حجر العسقلاني ، مفسرًا ، ومحدثًا ، وشاعرًا ، وأديبًا ، إنه صاحب " أضواء البيان " العالم الولي الزاهد الورع العلامة الشنقيطي

    اسمه ونسبه :
    هو محمد الأمين بن محمد المختار الجنكي الشنقيطي ، ولد رحمه الله بالقطر المسمى شنقيط من دولة موريتانيا ، وكان مولده في عام 1325هـ / 1905م .

    نشأته وطلبه للعلم :
    نشأ رحمه الله يتيمـًا فقد توفي أبوه وهو صغير يقرأ في جزء " عم " فنشأ في بيت أخواله ، وكان بيت علم ، فحفظ القرآن على يد خاله ، وعمره عشر سنوات ، وتعلم رسم المصحف على يد ابن خاله ، وقرأ عليه كذلك التجويد . وأخذ الأدب وعلوم اللغة على يد زوجة خاله ، فكانت مدرسته الأولى بيت خالته ، فنعم البيت كان . أما بقية الفنون فتعلم الفقه المالكي وهو السائد في بلاده ، فدرس مختصر خليل على يد الشيخ محمد بن صالح إلى قسم العبادات ، ثم درس عليه أيضـًا ألفية بن مالك ، ثم أخذ بقية العلوم على مشايخ متعددين ، وكلهم من الجنكيين ، وهي القبيلة التي ينتمي إليها الشيخ ، وكانت معروفة بالعلم حتى قيل:" العلم جنكي " وكانت الطريقة المعهودة في بلاده هي أن يبدأ الطالب بفن واحد من الفنون ، ويبدا بكتابة المتن في اللوح الخشبي فيكتب قدر ما يستطيع حفظه ، ثم يمحوه ثم يكتب قدرًا أخر ، غير أنه ـ رحمه الله ـ تميز في طلب العلم فألزمه بعض مشايخه بأن يقرن بين كل فنين ، حرصـًا على سرعة تحصيله ، وقد انشغل ـ رحمه الله بطلب العلم حتى تأخر في الزواج ، ولما كلمه البعض في أمر الزواج رد عليهم قائلاً : !!

    فقلت لهم دعونـي إن قلبـي ** من الغي الصراع اليوم صاح

    الشيخ والشعـر :
    كان الشيخ ـ رحمه الله ـ ذا قريحة وقادة ، وكانت شاعريته رقراقة ، ومعانيه عذبة فياضة ، وأسلوبه سهل جزل ، وبالرغم من هذا كله فقد كان رحمه الله يتباعد عن قول الشعر . سأله تلميذه الشيخ عطية محمد سالم ـ رحمه الله ـ عن سبب تركه للشعر مع قدرته عليه وإجازته فيه فقال : تذكرت قول الشافعي فيما ينسب إليه :

    ولولا الشعر بالعلماء يزري** لكنت اليوم أشعر من لبيـد

    ومثل هذا قاله ابنه عبد الله ، وقال أيضـًا : وجدت شعرًا لأبي عند أحد الناس فأردت حفظه ، فقال لي : استأذن أباك ، فاستأذنته فزجرني بشدة ، ونهاني عن تعلمه ونسبته إليه . وحدث أن قدم يومـًا ـ رحمه الله ـ وهو في مقتبل شبابه ، ولم يكن يعرفه فسأله من يكون فأجاب الشيخ ـ رحمه الله ـ مرتجلاً :

    هذا فتى من بني جاكاني قد ** نــزلا به الصبا عن لسان العــرب قد عدلا
    رمت به همــــة عليــاء نحــــوكـــم ** إذ شام برق علوم نـــــوره اشتـعـلا
    فجـاء يرجو ركامــــًا من سحائبـــــه ** تكســو لسان الفتـى أزهـــاره حللا
    إذا ضــــاق ذرعـًا بجهل النحو ثم ** أبا ألا يمــــيـز شكل العيـن من فــعــلا
    قد أتـى اليـوم صبـــا مولعـــــًا كلفـا ** بالحـــــمـد للــه لا أبغـي لـــه بــدلا


    أعماله وجهـوده في نشر العلم قبل قدوم المملكة :
    كانت أعماله ـ رحمه الله ـ كعمل غيره من العلماء : الدرس والفتيا ، واشتهر ـ رحمه الله ـ بالقضاء وبالفراسة فيه ، وقد كان الناس يفدون إليه من أماكن بعيدة ، وكان عضوًا في لجنة الدماء التي تعرض عليها أحكام القصاص من القتلى والتي كانت تتكون من عضوين للتصديق على أحكام الحاكم الفرنسي .

    أخلاقــه :
    أما عن أخلاق الشيخ ـ رحمه الله ـ فحدث ولا حرج ، فهو آية في أخلاقه ، كرمه ، وعفته ، وشجاعته ، وزهده ، وترفُّع نفسه ، فهو صاحب ميزة فيها يقول تليمذه الشيخ عطية محمد سالم : فهذا ما يستحق أن يفرد بحديث وإني لا أستطيع إلا تصويره ولا يسعني في هذا الوقت تفصيله . لم تكن الدنيا تساوي شيئـًا عنده ، وكان غير مكترث بها ، على طول فترة إقامته بالمملكة لم يطلب عطاء ولا راتبـًا ولا ترفيعـًا لمرتبه ، ولا حصولاً على مكافأة ، ولكن ما جاء من غير سؤال أخذه ، وما حصل عليه لم يكن ليستبقيه لنسفه ؛ بل يوزعه على غيره كما يقول الشيخ عطية محمد سالم ـ رحمه الله ـ : كان كثير التغاضي عن أمور تخصه هو ، وتتعلق بنفسه فإن سئل عن ذلك تمثل قول الشاعر :

    ليس الغبي بسيد في قومه ** لكن سيد قومه المتغابي

    تواضعــه :
    أما عن تواضعه فقل إنه صاحبه ، كان إذا سئل مسألة في أخريات حياته ، تباعد عن الفتيا ، فإذا اضطر قال : لا أتحمل في ذمتي شيئـًا العلماء يقولون كذا ، وكذا . يقول الشيخ عطية محمد سالم : سألته مرة عن ذلك ـ أي تحفظه في الفتيا ـ فقال : إن الإنسان في عافية ما لم يبتلى ، والسؤال ابتلاء ، لأنك تقول عن الله ولا تدري أتصيب حكم الله أم لا ، فما لم يكن عليه نص قاطع ـ من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وجب التحفظ فيه ويتمثل بقول الشاعر :

    إذا ما قتلت الشيء علمـًا فقل به ** ولا تقل الشيء الذي أنت جاهله
    فمن كان يهوى أن يرى متصــــدرًا ** ويكـــره لا أدري أصيــــب مقاتــله


    ألا ليت شعري ألا يتأمل المتعجلون في الفتوى لمثل هذا ، ألا يرحم ناشئة طلاب العلم أنفسهم والناس من الفتاوى السريعة ، والأجوبة الجاهزة ، والأحكام الجريئة . بل وأعجب من هذا كله أنه كان يردد على مسامع تلامذته " صار أمثالنا علماء لما مات العلماء " وكأنه كان يعلم تلامذته الإقلال من الفتوى ، والتثبت من العلم .

    موقف رائع : على الرغم من أن الشيخ كان جوهرة ثمينة ،وقد ملئ علمـًا من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه ، أو كما يقول عنه الاستاذ محمد المجذوب ـ رحمه الله ـ : " ثقافة موسوعية ، حتى ليخيل إليك وهو يحضر تقريراته منها أنها تخصصه الذي لا يكاد يعدوه ، شأنه في ذلك شأن الأسلاف الكبار " .

    جهود الشيخ الدعوية في المملكة :
    خرج الشيخ في رحلته إلى الحج والتي ألف فيها كتابـًا خاصـًا احتوى على نكات فقهية ودروس علمية ومحاورات أدبية ، وقد كانت نيته الحج ولم يكن في خلده أن يقيم بالمملكة ، ولكنه أراد أمرًا وأراد الله خيرًا وفيرًا ، فمكث الشيخ في المملكة واستقر به المقام في المدينة المنورة ورغب ـ رحمه الله ـ في هذا الجوار الكريم ، وقام بتفسير القرآن مرتين وتوفي ـ رحمه الله ـ ولم يكمل الثالثة . وفي سنة 1317 هـ افتُتح معهد علمي بالرياض وكلية للشريعة وأخرى للغة ، واختير الشيخ للتدريس بالمعهد والكليتين فتولى تدريس التفسير والأصول إلى سنة 1381هـ . ومكث الشيخ بالرياض عشر سنوات وكان يقضي الإجازة بالمدينة ليكمل التفسير ، وكان ـ رحمه الله ـ يدرس في مسجد الشيخ محمد آل الشيخ في الأصول ،كما كان يخص بعض الطلاب بدرس آخر في بيته ، وقد كان بيته أشبه بمدرسة يؤمها الصغير والكبير والقريب والبعيد . ولما أنشئت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة كان الشيخ ـ رحمه الله ـ علمـًا من أعلامها ووتدًا من أوتادها ، يرجع إليه طلابها كما يرجع إليه شيوخها ، وفي سنة 1386هـ افتتح معهد القضاء العالي بالرياض فكان الشيخ يذهب لإلقاء المحاضرات المطلوبة في التفسير والأصول . ولما شكلت هيئة كبار العلماء ، كان ـ رحمه الله ـ عضوًا من أعضائها ، وكان رئيسـًا لإحدى دوراتها . كما كان ـ رحمه الله ـ عضوًا في رابطة العالم الإسلامي .

    مؤلفاته :
    خاض الشيخ ـ رحمه الله ـ غمار التأليف منذ نعومة أظفاره ، فألف وهو في بلاده :
    1- نظمـًا في أنساب العرب .. وكان ذلك قبل البلوغ .
    2- رجزًا في فروع مذهب مالك .
    3- ألفية في المنطق .
    4- نظمـًا في الفرائض .
    ( وهذه المؤلفات الأربعة مازالت مخطوطة)

    وألف في بلاد الحجاز :
    1- منع المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز .
    2- دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب .
    3- مذكرة الأصول على روضة الناظر .
    4- آداب البحث والمناظرة .
    5- أضواء البيان لتفسير القرآن بالقرآن .
    كما أن هناك العديد من المحاضرات .

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: ترجمة: العلامة الشنقيطي (صاحب كتاب أضواء البيان) -رحمه الله تعالى-

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.05.08 19:36

    وفاته :
    توفي ـ رحمه الله ـ ضحىيوم الخميس 17 من ذي الحجة 1393هـ بمكة المكرمة مرجعه من الحج ودفن بمقبرة المعلاةبريع الحجون في مكة ـ رحمه الله ـ وجمعنا به في مستقر رحمته يوم القيامة .

    كتاب "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" :
    يقع هذا الكتاب في سبعةأجزاء ، وصل فيها الشيخ إلى قوله تعالى في سورة المجادلة : ( أولئك حزب الله ألا إنحزب الله هم المفلحون )(المجادلة/22) ووافقه المنية ، فأكمل التفسير من بعده تلميذهالشيخ عطية محمد سالم ـ رحمه الله ـ .المقصود من تأليف الشيخ لهذا التفسير :
    1 -
    بيان القرآن بالقرآن لإجماع العلماء على أن أشرف أنواع التفسير وأجلّهاتفسير كتاب الله بكتاب الله .
    2 -
    بيان الأحكام الفقهية . ومن ثم فإن الكتابيصنف على أنه تفسير القرآن بالمأثور ، فهو تابع فيه لمدرسة التفسير بالأثر ، ويدخلكذلك في مدرسة التفسير الفقهية ، ومن هنا فقد ذكره صاحب كتاب " اتجاهات التفسير فيالقرن الرابع عشر " مرتين ، الأولى في المنهج أهل السنة والجماعة ، والثانية فيالمدرسة الفقهية .
    منهجـه :
    بيّن المؤلف ـ رحمه الله ـ غرضه من تأليف هذا التفسير بقوله : " واعلمأن من أهم المقصود بتأليفه أمران : " أحدهما : بيان القرآن بالقرآن لإجماع العلماءعلى أن أشرف أنواع التفسير وأجلّها تفسير كتاب الله بكتاب الله ، إذ لا أحد أعلمبمعنى كلام الله جلّ وعلا من الله جلّ وعلا ، وقد التزمنا أنا لا نبين القرآن إلاّبالقراءة سبعية سواء كانت قراءة أخرى في الآية المبينة نفسها ، أو آية أخرى غيرها ،ولا نعتمد على البيان بالقراءات الشاذة وربما ذكرنا القراءة الشاذة استشهادًاللبيان بقراءة سبعية ، وقراءة أبي جعفر ويعقوب وخلف ليست من الشاذ عندنا ولا عندالمحققين من أهل العلم بالقراءات . والثاني : بيان الأحكام الفقهية في جميع الآياتالمبينة ـ بالفتح ـ في هذا الكتاب ، فإننا نبين ما فيها من الأحكام وأدلتها منالسنة وأقوال العلماء في ذلك ، ونرجح ما ظهر لنا أنه الراجح بالدليل ، من غير تعصبلمذهب معين ولا لقول قائل ، معين لأننا ننظر إلى ذات القول لا إلى قائله ، لأن كلكلام فيه مقبول ومردود إلاّ كلامه صلى الله عليه وسلم ومعلوم أن الحق حق ولو كانقائله حقيرًا . وقد تضمن هذا الكتاب أمورًا زائدة على ذلك ، كتحقيق بعض المسائل ،اللغوية وما يحتاج إليه من صرف وإعراب والاستشهاد بشعر العرب وتحقيق ما يحتاج إليهفيه من المسائل الأصولية والكلام على أسانيد الأحاديث ، كما سنراه إن شاء اللهتعالى "(أضواء البيان في إيضاح القرآن 1/3ـ4) . وقال أيضـًا في بيان منهجه ، رحمهالله تعالى : " واعلم أن مما التزمنا في هذا الكتاب المبارك أنه إن كان للآيةالكريمة مبين من القرآن غير وافٍ بالمقصود من تمام البيان فإنا نتمم البيان منالسنّة من حيث أنها تفسر للمبين باسم الفاعل "(أضواء البيان1/24) . وقال أيضـًا : " وربما كان في الآية الكريمة أقوال كلها حق وكل واحد منها يشهد له قرآن فإنا نذكرهاونذكر القرآن ، الدال عليها من غير تعرض لترجيح بعضها ؛ لأن كل واحد منها صحيح "(أضواء البيان1/20) .وقد التزم ـ رحمه الله ـ بهذا فالتزم تفسير القرآنبالقرآن معتمدًا على القراءات السبع مبتعدًا عن القراءات الشاذة ومستندًا إلىالسنّة النبوية الطاهرة معتبرًا لأقوال العلماء الثقات ، لا يتعصب الرأي ، ولا يحقرقولاً ، بل ينظر إلى ذات القول لا إلى قائله ، يستوفي الأقوال ويرجح بالدليلوالبرهان ، إن كنت أصوليـًا وجدت في تفسيره دقائقه ، وإن كنت من علماء الحديث وجدتفيه بدائعه ، وإن كنت فقيهـًا وجدت فيه وفاءه ، وإن كنت من علماء العقيدة وجدت فيهصفاءها ونقاءها ، بل عقيدة أهل السنة والجماعة التي لا تشوبها شائبة ، وإن كنت منعلماء كل هذا وجدت فيه رواءك وشفاءك .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: ترجمة: العلامة الشنقيطي (صاحب كتاب أضواء البيان) -رحمه الله تعالى-

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.05.08 19:39

    طرق تفسيره :
    أولاً : تفسير القرآنبالقرآن : وهذا النوع من التفسير هو الذي أبرزه المؤلف في تفسيره وأعتني به عنايةكبيرة ، بل أفرده بدارسة قيّمة في مقدمة تفسيره ، لا أحسبك تجدها بهذا الجمعوالترتيب عند سواه ، ولولا أنه ذكر من أنواع بيان القرآن بالقرآن أكثر من عشريننوعـًا في أكثر من عشرين صفحة لسقتها لك بحذافيرها ، فهي الكنز عليك به من معدنهوتعجب حين تقرأ له بعد أن عدّد هذه الأنواع قوله : " واعلم ـ وفقني الله وإياك لمايحبه ويرضاه ـ أن هذا الكتاب المبارك ـ يعني تفسيره ـ تضمن أنواعـًا كثيرة جدًا منبيان القرآن بالقرآن ، غير ما ذكرنا تركنا ذكر غير هذا منها خوف إطالة الترجمة ،والمقصود بما ذكرنا من الأمثلة مطلق بيان كثرة الأنواع التي تضمنها واختلاف جهاتهاـ وفي البعض تنبيه لطيف على الكل ـ والغرض أن يكون الناظر في الترجمة على بصيرة مايتضمنه الكتاب في الجملة قبل الوقوف على جميع ما فيه "( أضواء البيان1/26) . ولذافلا تثريب عليّ أن ذكرت بعض الأمثلة لبعض الأنواع التي جاءت بعد تفسيره ـ رحمه اللهـ فهي أنواع كثيرة وأمثلة أكثر ، فمن ذلك :بيان الإجمال : وقد ذكر ـ رحمهالله ـ في مقدمة تفسيره أن الإجمال يكون بسبب الاشتراك سواء كان الاشتراك في اسم أوفعل أو حرف . ومن الاشتراك في اسم قوله تعالى : ( وليطوفوا بالبيت العتيق )(الحج/29) ، قال ـ رحمه الله ـ في ذلك : " في المراد بالعتيق هنا للعلماء ثلاثةأقوال : الأول : أن المراد به القديم ، لأنه أقدم مواضع التعبد . الثاني : أن اللهأعتقه من الجبابرة . الثالث : أن المراد بالعتق فيه الكرم ، والعرب تسمي القديمعتيقـًا وعاتقـًا ومنه قول حسان ـ رضي الله عنه ـ :

    كالمسك تخلطـه بمـاء سحـابة ** أو عاتق كـدم الذبيـحمـدام

    لأن مراده بالعاتقالخمر القديم التي طال مكثها في دنها زمنـًا طويلاً وتسمي الكرم عتقـًا ومنه قولكعب بن زهير :

    قنـواء في حرتيهــا للبصير بهـا ** عتق مبين وفي الخدينتسهيــل

    فقـوله عتق مبين : أي كرم ظاهر ومنه قول المتنبي :"ويبين عتــق الخيـل في أصــواتهـا"أيكرمها ، والعتق من الجبابرة كالعتق من الرق ، وهو معروف .وإذا علمت ذلكفاعلم : أنه قد دلت آية من كتاب الله على أن العتيق في الآية بمعنى : القديم الأول، وهي قوله تعالى : ( إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة مباركـًا )(آل عمران/96) معأن المعنيين الآخرين كلاهما حق ، ولكن القرآن دل على ما ذكرنا ، وخير ما يفسر بهالقرآن القرآن "(أضواء البيان5/686ـ687) . وقد يكون الإجمال بسبب إبهام في اسم جنسجمعـًا كان أو مفردًا أو اسم جمع أو صلة موصول أو معنى حرف . ومثال الإجمال بسببالإبهام في اسم جنس مجموع : قوله تعالى : ( فتلقى آدم من ربه كلمات )(البقرة/37) قال ـ رحمه الله ـ في ذلك : " لم يبين هنا ما هذه الكلمات ، ولكنه بيّنها في سورةالأعراف بقوله : ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ منالخاسرين )(الأعراف/23)(أضواء البيان1/63) . ومثال الإجمال بسبب الإبهام في اسم جنسمفرد قوله تعالى : ( وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا )(الأعراف/137) قال ـ رحمه الله ـ في تفسيرها : " لم يبين هنا هذه الكلمة الحسنىالتي تمت عليهم ولكنه بينها في القصص بقوله : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فيالأرض ، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامانوجنودهما منهم ما كانوا يحذرون )(القصص/5 ، 6)(أضواء البيان2/297) . ومن أمثلة هذاالنوع أعني أن يكون الإجمال بسبب الإبهام في اسم جنس مفردًا ، قوله تعالى : ( ولكنحقت كلمة العذاب على الكافرين )(الزمر/71) قال ـ رحمه الله ـ : " فقد بينها بقوله : ( ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين )(السجدة/13) ونحوها منالآيات "(أضواء البيان1/8 ) .ثانيـًا : تفسير القرآن بالسنـَّة : أما تفسيرالقرآن بالسنّة ومن أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أورد ـ رحمه الله ـ عددًاكثيرًا منها وهذه بعضها : فمن ذلك : تفسيره لقوله تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولاالضالين )(الفاتحة/7) ، قال : " قال جماهير من علماء التفسير " المغضوب عليهم " اليهود ، " الضالين " النصارى ، وقد جاء الخبر بذلك عن رسول الله صلى عليه وسلم منحديث عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ "(أضواء البيان1/37) . وقال في تفسير قوله تعالى : ( ثلاثة قروء )(البقرة/228) ، وأما الذين قالوا الأطهار فاحتجوا بقوله تعالى : ( فطلقوهنَّ لعدتهنَّ )( الطلاق/1) قالوا عدتهنَّ المأموربطلاقهنَّ لها الطهر لاالحيض كما هو صريح الآية . ويزيده إيضاحـًا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابنعمر المتفق عليه : [ فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرًا قبل أن يمسها فتلك العدةكما أمره الله ](البخاري 6/67 ، مسلم2/1093) . قالوا أن النبي صلى الله عليه وسلمصرح في هذا الحديث المتفق عليه بأن الطهر هو العدة التي أمر الله أن يطلق لهاالنساء ، مبينـًا أن ذلك هو معنى قوله تعالى : ( فطلقوهنَّ لعدتهنَّ ) وهو نص منكتاب الله وسنّة نبيه في محل النزاع . قال مقيده عفا الله عنه ـ الذي يظهر لي أندليل هؤلاء هذا فصل في محل النزاع ، لأن مدار الخلاف هل القروء الحيضات أو الأطهار؟ وهذه الآية ، وهذا الحديث ، دلا على أنها الأطهار . ولا يوجد في كتاب الله ، ولاسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يقاوم هذا الدليل ، لا من جهة الصحة ، ولا من جهةالصراحة في النزاع ، لأنه حديث متفق عليه مذكور في معرض بيان معنى آية من كتاب اللهتعالى "(أضواء البيان1/130) . ومنها ما هو بيان أحكام زائدة على ما جاء في القرآنومنها ما هو بيان للناسخ والمنسوخ ، ومنها ما هو تأكيد لما جاء في القرآن ، وغيرذلك .ثالثـًا : تفسير القرآن بأقوال الصحابة : والمؤلف ـ رحمه الله ـكثيرًا ما يستشهد بالتفسير الصحيح لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكثيرًا مايذكر لتفاسيرهم شواهد من آيات القرآن الكريم أو من سنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم . ففي تفسير قوله تعالى : ( وضرب الله مثلاً قريةً كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقهارغدًا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوايصنعون )(النحل/112) . قال ـ رحمه الله ـ وقوله : ( فأذاقها الله لباس الجوع والخوفبما كانوا يصنعون ) وقع نظيره قطعـًا لأهل مكة لما لجّوا في الكفر والعناد ودعاعليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلهاعليهم سنين كسنين يوسف "(البخاري كتاب التفسير 6/39 ، مسلم كتاب صفات النافقين 4/2157) . فأصابتهم سنة أذهبت كل شيء حتى أكلوا الجيف والعلهز " وهو وبر البعيريخلط بدمه إذا نحروه " وأصابهم الخوف الشديد بعد الأمن ، وذلك الخوف من جيوش رسولالله صلى الله عليه وسلم وغزواته وبعوثه وسراياه ، وهذا الجوع والخوف أشار لهماالقرآن على بعض التفسيرات فقد فسر ابن مسعود آية " الدخان " بما يدل على ذلك " . ثمذكر ـ رحمه الله ـ بعض الروايات عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وعقب عليها قائلاً : " وفي تفسير ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ لهذه الآية الكريمة ـ ما يدل دلالة واضحةعلى أن ما أذيقت هذه القرية المذكورة في " سورة النحل " من لباس الجوع أذيقه أهلمكة حتى أكلوا العظام وصار الرجل منهم يتخيل له مثل الدخان من شدة الجوع ، وهذاالتفسير من ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ له حكم الرفع لما تقرر في علم الحديث : منأن تفسير الصحابي المتعلق بسبب النزول له حكم الرفع ، كما أشار له صاحب طلعةالأنوار بقوله :تفسير صاحب لـه تعلـق بالسبب الرفــع لــه تحققوكماهو معروف عند أهل العلم "(أضواء البيان1/340ـ342) .

      الوقت/التاريخ الآن هو 28.04.24 19:10