( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
معان ، وفوائد ، وأحكام
تأليف
إسلام منصور عبد الحميد
المقدمة
الحمد لله ـ والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وبعد .
معان ، وفوائد ، وأحكام
تأليف
إسلام منصور عبد الحميد
المقدمة
الحمد لله ـ والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وبعد .
هذه هي رسالة في معان وفوائد وأحكام الاستعاذة ، وهي جزء من مشروع كتاب في التفسير سميته
( فتح الوهاب بمعان وفوائد وأحكام كلام رب العباد ) .
وسأبذل جهدي بإذن الله – سبحانه وتعالى - أن تتابع هذه الرسائل الواحدة ردف الأخرى حتى يكتمل الكتاب بأخر سورة في القرآن ، سورة الناس .
ومنهجي في هذا الكتاب يفهم من خلال عنوانه ، فسأعرض فيه الآية ، ثم معاني المفردات ، ثم المعني الإجمالي ، ثم الفوائد والعبر ، ثم الأحكام الشرعية المتعلقة بالآية .
وقد يقول قارئ هذه الرسالة بعد قراءتها : أنك لم تتعرض لمباحث كثيرة في الاستعاذة ، كأوقات الاستعاذة وأنواعها ، أو أنني لم أذكر بعض الأحكام العقدية كالاستعاذة من الجن .
فأقول :- أن المقصود بالاستعاذة التي في أول القراءة هي قولك " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وهذا ليس له علاقة بأنواع الاستعاذة وأوقاتها ، ومما يدل على ذلك أنني ما وجدت أحداً ذكر هذه المباحث في كتب التفسير مما وقفت عليه في هذا الموطن ، وإنما ذكروه في مكانه ، كما في سورة الأحقاف ، والجن وغيرها من المواطن .
وأخيراً :
فأسأل الرحمن – سبحانه وتعالى – أن ينفعني بهذا العمل ، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
وأسأل الرحمن أن يجعله
خالصا له وأن يقبله
وأسأل كل مشايخي وإخواني ، إذا رأوا تصويباً في أيِّ عمل أعمله ألا يتباطئوا في نصحي وإرشادي ، فلن يجدوا بإذن الله سبحانه وتعالى إلا قبول النصح ، وتصويب الخطأ ، والاتفاق في وجهات النظر ، طالما توفر الإخلاص عند كل من الطرفين ، والحرص على مشاعر كل طرف للطرف الآخر ، وعدم التعصب بالرأي ، وعدم اتهام النيات ، إلى آخر الآداب التي ذكرتها في كتاب النصيحة .
إذا وجدت عيبا فسد الخللا قلَّ من لا عيب فيه وعلا
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .
أولا : معاني المفردات
تأويل قوله: (أَعُوذُ).
(عوذ) [ العين والواو والذال أصلٌ صحيح يدلُّ على .... الالتجاء إلى الشَّيء، ثم يُحمَل عليه كلُّ شيء لصق بشيءٍ أو لازَمَه.]
[ فقوله: «أعوذ» مشتق من العَوْذ، وله معنيان] :
• أحدهما : [الالتجاء والاستجارة ] ، و[التحيز إلى الشيء، على معنى الامتناع به من المكروه ]
ومن الأمثلة العربية التي تشهد لهذا المعنى :
1- [ يقال: عذت بفلان واستعذت به؛ أي لجأت إليه ، وهو عياذي؛ أي ملجئي] .
2- وفي حديث حذيفة: [ تُعْرَضُ الفتنُ على القلوب عَرْضَ الحصير عُوداً ، عُوداً ] بالدال ، قال ابن الأَثير: وروي [ بالذال المعجمة ] كأَنه استعاذ من الفتن .
• والثاني: [ الالتصاق ] .
ومن الأمثلة العربية التي تشهد لهذا المعنى :
1- [ يقال: «أطيب اللحم عوذه» وهو ما التصق منه بالعظم ] ، [ قال ثعلب: قلت لأَعرابي: ما أَطيب اللحم؟ قال: عُوَّذُه ] .
2- ويقولون لكلِّ أنثى إذا وضعت: عائذ. وتكون كذا سبعةَ أيّام ، وإنّما سمِّيت لما ذكرناه من ملازمة ولِدها إيّاها، أو ملازمتها إيّاه .
3- وناقة عائذ: عاذ بها ولدها .
4- ومُعَوَّذُ الفرس: موضع القلادة .
تأويل قوله: مِنَ الشَّيْطَانِ
الشيطان واحد الشياطين
وله ثلاثة معان :
• أولها وهو أصحها : البعيد .
مُشْتَقّ مِنْ شَطَنَ إِذَا بَعُدَ فَهُوَ بَعِيدٌ بِطَبْعِهِ عَنْ طِبَاع الْبَشَر وَبَعِيد بِفِسْقِهِ عَنْ كُلّ خَيْر .
ومما يدل على ذلك من كلام العرب
1- شَطَنَتْ دَاري من دارك - يريد بذلك: بَعُدت.
2- ومن ذلك قول نابغة بني ذبيان :
نــأتْ بِسُـعَادَ عَنْـك نَـوًى شَـطُونُ فبــانَت, والفــؤادُ بهـا رَهِينُ
3- وبئر شطون . أي : بعيدة القعر .
4- والشطن: الحبل؛ سمي به لبعد طرفيه وامتداده .
• الثاني : المتمرد ، وهو قريب من الأول ، بل إن البعض يقرن بينهما
قال الطبري : والشيطان، في كلام العرب: كل متمرِّد من الجن والإنس والدوابِّ وكل شيء ، وإنما سُمي المتمرِّد من كل شيء شيطانًا، لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاقَ سائر جنسه وأفعاله، وبُعدِه من الخير .
ومما يستدل به على هذا المعنى :
1- قول الله تَعَالَى(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)(الأنعام: من الآية112) ، فجعل من الإنس شياطينَ ، مثلُ الذي جعل من الجنّ .
2- وَفِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد عَنْ أَبِي ذَرّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ يَا أَبَا ذَرّ تَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ " فَقُلْت أَوَلِلْإِنْسِ شَيَاطِين ؟ قَالَ " نَعَمْ ] .
3- وعن عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ [ أنه رَكِبَ بِرْذَوْنًا فَجَعَلَ يَتَبَخْتَر بِهِ فَجَعَلَ يَضْرِبهُ فَلَا يَزْدَاد إِلَّا تَبَخْتُرًا فَنَزَلَ عَنْهُ وَقَالَ مَا حَمَلْتُمُونِي إِلَّا عَلَى شَيْطَان مَا نَزَلْت عَنْهُ حَتَّى أَنْكَرْت نَفْسِي ] إِسْنَاده صَحِيح .
[ فقولك "من الشيطان" أي: من كل عات متمرد من الجن والإنس، يصرفني عن طاعة ربي، وتلاوة كتابه] .
• الثالث : من الاحتراق
مُشْتَقّ مِنْ شَاطَ لِأَنَّهُ مَخْلُوق مِنْ نَار .
أو مأخوذ من شاط يشيط إذا هلك، وشاط إذا احترق ، وشيطت اللحم إذا دخنت ولم تنضج ، واشتاط الرجل إذا احتد غضبا ، واشتاط إذا هلك ؛ قال الأعشى:
قد نخضب العير من مكنون فائله وقد يشيط على أرماحنا البطل .
الرد على من قال أنه من الاحتراق :
1- قولُ أميّة ابن أبي الصّلت:
أَيُّمـا شــاطِن عَصَــاه عَكــاهُ ثُـــم يُلْقَى في الســِّجْن والأكْبَالِ
ولو كان فَعلان، من شاطَ يشيط، لقال أيُّما شائط، ولكنه قال: أيما شاطنٍ، لأنه من "شَطَن يَشْطُنُ، فهو شاطن" .
2- وَقَالَ سِيبَوَيْهِ الْعَرَب : تَقُول تَشَيْطَنَ فُلَان إِذَا فَعَلَ فِعْل الشَّيَاطِين وَلَوْ كَانَ مِنْ شَاطَ لَقَالُوا تَشَيَّطَ .
فَالشَّيْطَان مُشْتَقّ مِنْ الْبُعْد عَلَى الصَّحِيح وَلِهَذَا يُسَمُّونَ كُلّ مَنْ تَمَرَّدَ مِنْ جِنِّيّ وَإِنْسِيّ وَحَيَوَان شَيْطَانًا .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول أن الكل صَحِيح فِي الْمَعْنَى .
تأويل قوله: (الرَّجِيمِ).
الرجيم : فَعيل بمعنى مفعول، كقول القائل: كَفٌّ خضيبٌ، ولحيةٌ دهين، ورجل لَعينٌ، يريد بذلك: مخضوبة ومدهونة وملعون .
وله ثلاثة معان
• الأول : الرمي ، وهو أصحها ، فـ[ أصل الرجم الرَّميُ، بقول كان أو بفعل. ومن الرجم بالقول قول أبي إبراهيم لإبراهيم صلوات الله عليه وسلامه : ( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ ) ( مريم: 46) ] ، ومن الرجم بالفعل قول قوم نوح قوله تعالى: ( لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ)(الشعراء: من الآية116)
• الثاني : الملعون والمشتوم : [ وكل مشتوم بقولٍ رديء أو سبٍّ فهو مَرْجُوم ] .
• الثالث : الطرد : فـ[الرجيم : أي: المطرود من رحمة الله ] ، و [ عَنْ الْخَيْر كُلّه ] ، [ لأن الله جل ثناؤه طرَده من سَمواته ، ورجمه بالشُّهب الثَّواقِب ] .. [ كَمَا قَالَ تَعَالَى ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ)(الملك: من الآية5) وَقَالَ تَعَالَى ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ) * لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ) (الصافات:6- 9) وَقَالَ تَعَالَى ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ) (الحجر:16 - 17)، إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات] . وقريب منه ما ذكره القرطبي في المعنى الرابع [ وَالْأَوَّل أَشْهَر وَأَصَحّ ] .