وقفات مع كتاب الشيخ علي الحلبي منهج السلف الصالح في ترجيح المصالح وتطويح المفاسد والقبائح في أصول النقد والجرح والنصائح(2)
قضية التفريق بين قبول الجرح والإلزام به، وقضية تمييع مسائل النقد!
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.قضية التفريق بين قبول الجرح والإلزام به، وقضية تمييع مسائل النقد!
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً {70} يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .
فقد كنت وصفت موقع كل السلفيين بأنه موقع ضرار، وذكرت وجه ذلك، ونصحت أصحاب الموقع وهم من طلابي الفلسطينيين، وكذلك المشرف عليه بتنقيته، ومنع أهل الأهواء من الكتابة فيه مثل عماد طارق العراقي ومن على شاكلته، لكني لم أجد منهم آذاناً صاغية، بل تكرر منهم رفض النصيحة عملياً، والعناد، والاستمرار في الغي والانحراف..
وصار موقع كل السلفيين مكاناً للتأصيلات الفاسدة التي تهدم منهج السلف الصالح الذي يدعي طلابي من الفلسطينيين أنهم ينتسبون إليه، وأنهم يدعون إليه..
لكن للأسف الشديد فتحوا موقعاً ينقض منهج السلف الصالح، ويؤصل لقواعد عدنان عرعور، وأبي الحسن المأربي، ونحوهما من أهل الأهواء والبدع.
ومن أواخر ذلك –ولا أقول آخره- ما كتبه عماد طارق العراقي بعنوان : «بين منهجين مبنى الحكم على الرجال هل هو اجتهادي أو نصي» جاء فيه بتأصيلات فاسدة، لا تمت إلى منهج السلف الصالح بصلة..
وقد بنى ذلك الجاهل المتعالم مقاله على كلام نقله الشيخ علي الحلبي في كتابه –كتاب الفتنة- «منهج السلف الصالح في ترجيح المصالح وتطويح المفاسد في أصول النقد والجرح والنصائح»، وزاد من كيسه أشياء تخالف ما كان الشيخ علي الحلبي يقرره قديماً للأسف الشديد..
ونحن نعامل الشيخ عليا الحلبي بما يكرره «من ثمارهم تعرفونهم»، لا سيما وأن المقال المذكور مبني على ما قرره الشيخ علي الحلبي، وفي الموقع الذي تحت إشرافه، وهو مقال مثبت في أعلى مقالات الموقع في المنبر العام ..
كل ذلك حملني على أن أوجه هذا الرد والنقد للشيخ علي الحلبي مبيناً له تناقضه، وما أدى إليه ما قرره في كتابه من تناقض، مدللاً على ذلك من موقعه وتحت ناظريه ...
الجرح المفسر المقنع عند الشيخ الحلبي بين القبول والإلزام المشروط والإلزام المحصور بالإجماع!!
كتب الشيخ الحلبي في كتابه (ص/102) المسألة التاسعة: (الجرح المفسر) ..
وقد اشتمل على عدة أمور تتلخص في الآتي:
1- أن مسألة الجرح المفسر ليست سهلة، ومسألة القبول لتفسير الجرح ولو كان بالكذب فإنه قد لا يقبل ثم ذكر عكرمة مولى ابن عباس مثالاً لذلك مع عدم توضيحه للحق في حاله توضيحا كافياً، بل ذكره للتدليل على أن الجرح قد يكون مفسراً ومع ذلك لا يقبل!! مع الإشارة للدفاع عنه إشارة لا يفهمها إلا من رجع إلى مواضع ما أحال إليه
التعليق:
معلوم أن هذه المسألة ليست يسيرة، وتمثيلك بعكرمة على أن الجرح قد يكون مفسراً ولا يقبل لم يبين الشيخ الحلبي وجهه، مع أن من طالع التهذيب، أو طالع هدي الساري للحافظ ابن حجر علم أن ما رمي به عكرمة رحمه الله من الكذب عنه
جوابان:
الأول: أنه لم يصح تكذيبه في قوله عن ابن عمر رضي الله عنه ولا عن علي بن عبد الله بن عباس لأنه من طريق ضعيف.
الثاني: أن ما صح منه عن سعيد بن المسيب ونحوه فهو على عادة أهل الحجاز من إطلاق الكذب على الخطأ ، أو يكون مرادهم بالكذب في الرأي وليس في الرواية.
وانظر المصدرين المذكورين لبيان بطلان من ضعف رواية عكرمة مولى ابن عباس..
قال أبو جعفر ابن جرير –كما في هدي الساري(ص/429)-: « ولم يكن أحد يدفع عكرمة عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله، وكثرة الرواية للآثار، وأنه كان عالما بمولاه، وفي تقريظ جلة أصحاب ابن عباس إياه ووصفهم له بالتقدم في العلم وأمرهم الناس بالأخذ عنه ما بشهادة بعضهم تثبت عدالة الإنسان، ويستحق جواز الشهادة، ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن، وبقول فلان لمولاه: لا تكذب علي، وما أشبهه من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعان غير الذي وجهه إليه أهل الغباوة، ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب».
والذي استقر عليه عمل أهل الحديث هو قبول حديث عكرمة واعتماده في الصحيح.
ففي هدي الساري(ص/429) : «وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا منهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور ويحيى بن معين، ولقد سألت إسحاق عن الاحتجاج بحديثه، فقال: عكرمة عندنا إمام أهل الدنيا، وتعجب من سؤالي إياه! قال: وحدثنا غير واحد أنهم شهدوا يحيى بن معين وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة فأظهر التعجب. وقال علي بن المديني: كان عكرمة من أهل العلم ولم يكن في موالي بن عباس أغزر علما عنه>>
فليست القضية أن يجرح فلان بالجرح المفسر مع قطع هذا الأمر عن القواعد الأخرى التي قعدها أهل الحديث ومن أهمها هنا: لابد من ثبوت الجرح أو التعديل عمن نقل عنه ذلك.
ومنها: معرفة مراد الأئمة بألفاظهم وحركاتهم وإشاراتهم ونحو ذلك.
وأنا هنا لا أنتقد أصل القضية –وهي أن من الجرح المفسر ما يكون مدخولاً إما بعدم صحته عمن نقل عنه، أو يكون في اشتراك في اللفظ، أو يكون منقوضاً من العدل بناقض صحيح.
ولكن كان لابد من إيضاحها وبيانها دون الاقتصار على الإشارة في الأمور الهامة. فالخلل غالباً ما يأتي كما ذكر الشيخ الحلبي بسبب سوء التصور أو خلل التصرف .. فعدم قبول ما قيل في عكرمة مولى ابن عباس ليس له مدخل في الإلزام بالجرح المفسر على الوجه الذي يشيعه أهل الباطل، بل القضية تتعلق بقبول ذلك الجرح المفسر من عدمه لوجود مانع صحيح من قبوله، أو لا يكون جرحاً أصلاً فضلاً
عن أن يكون جرحاً مفسراً.
وعدم قبول أئمة الحديث ممن احتج بعكرمة لتلك التجريحات المفسرة ليس لكونها لا إجماع عليها، فليس لعدم الإجماع هنا مدخل في رد تلك التجريحات.
والشيخ علي الحلبي قرر أن الجرح المفسر المقنع القناعة الشرعية يجب قبوله، بل ذهب إلى أكثر من ذلك وهو أنه يُلْزَمُ الغير بالأخذ بقول الجارح إذا كان ببينة مقنعة أو بسبب واضح أو بإجماع علمي معتبر!! كما سيأتي بيانه إن شاء الله
[يتبع]