خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    شروط توبة المبتدع من خلال كلام العالم المحقق السلفي ابن قيم الجوزية

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية شروط توبة المبتدع من خلال كلام العالم المحقق السلفي ابن قيم الجوزية

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 26.04.09 10:37

    شروط توبة المبتدع من خلال كلام العالم المحقق السلفي ابن قيم الجوزية
    فاصل
    بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

    أما بعد

    فإني أضع بين يدي إخواني كلاما نفيسا لعالم سلفي محقق ألا وهو ابن قيم الجوزية - رحمه الله - من كتابه ( مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين ) .

    هذا الكتاب الذي بيّن فيه مؤلفه سورة الفاتحة - على وجه العموم ، وآية ( إياك نعبد وإياك نستعين ) على وجه الخصوص - بيانا نافعا .

    عدد العلامة ابن القيم منازل العبودية الواردة في الكتاب والسنة والإشارة إلى معرفة حدودها ومراتبها .

    مثل : منزلة التوكل ، ومنزلة الرجاء ، ومنزلة الخوف ، ومنزلة الرغبة والرهبة ، وغيرها من أعمال القلوب ومنازل السالكين السائرين إلى رب العالمين ، مع ذكر الفوائد القيمة ، والأبحاث العلمية الكثيرة المحققة ، والردود السلفية المؤصلة على أصحاب الفرق من الخوارج والمرجئة ، ومن الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ، ومن الجبرية والقدرية النافية ، ولا أنس الباطنية المنحرفة أهل الرفض والمتصوفة ، وغيرهم من أهل الأهواء والمبتدعة .

    ولا أطيل ، فهو كتاب نفيس ، لا يُمِلّ الجليس ، فيه ما ذكرته آنفا وغير ذلك من معرفة التوحيد والعلم النافع المفيد ، من عرفه دراية وقام به رعاية كان من أهل إياك نعبد وإياك نستعين .
    فرحم الله العلامة شمس الدين وشيخه شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم وإخواننا السلفيين من الأولين والآخرين وجمعنا معهم في جناته جنات النعيم .

    الموضوع :

    قال ابن القيم - رحمه الله - ( 1 / 363 ، 364 - طبعة دار الكتب العلمية ) :

    ( في أجناس ما يتاب منه ولا يستحق العبد اسم " التائب " حتى يتخلص منها .

    وهي اثنا عشر جنسا مذكورة في كتاب الله عز وجل . هي أجناس المحرمات :
    الكفر ، والشرك ، والنفاق ، والفسوق ، والعصيان ، والإثم ، والعدوان ، والفحشاء ، والمنكر ، والبغي ، والقول على الله بغير علم ، واتباع غير سبيل المؤمنين .

    فهذه الإثنا عشر جنسا عليها مدار كل ما حرم الله . وإليها انتهاء العالم بأسرهم إلا أتباع الرسل . صلوات الله وسلامه عليهم . وقد يكون في الرجل أكثرها وأقلها ، أو واحدة منها . وقد يعلم ذلك . وقد لا يعلم .

    فالتوبة النصوح : هي بالتخلص منها ، والتحصن والتحرز من مواقعتها . وإنما يمكن التخلص منها لمن عرفها .
    ونحن نذكرها ، ونذكر ما اجتمعت فيه وما افترقت . لتتبين حدودها وحقائقها . والله الموفق لما وراء ذلك ، كما وفق له ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

    وهذا الفصل من أنفع فصول الكتاب . والعبد أحوج شيء إليه ) اهـ .

    قلت : فانظر ماذا قال ابن القيم عن هذا الفصل أنه : ( من أنفع فصول الكتاب . والعبد أحوج شيء إليه ) .
    ثم شرع - رحمه الله - في بيان هذه الأجناس :

    - فبين أولا : ( الكفر ) بنوعيه : الأكبر ، والأصغر ، وحكم كل منهما ، وبين صورا من الكفر الأصغر ، وأنواع الأكفر الأكبر : كفر التكذيب ، وكفر الاستكبار والإباء مع التصديق ، وكفر الإعراض وكفر الشك ، وكفر النفاق ، وكفر الجحود .

    - ثم بين الشرك الأكبر ، وصورا من الشرك الأكبر ، وبين الشرك الأصغر ، وصورا من الشرك الأصغر ، وحكم كل منهما .


    - ثم بين النفاق فقال - رحمه الله - عنه : ( وأما النفاق : فالداء العضال الباطن ، الذي يكون الرجل ممتلئامنه ، وهو لا يشعر . فأنه أمر خفي على الناس . وكثيرا ما يخفى على من تلبس به .
    فيزعم أنه مصلح وهو مفسد ) اهـ .


    ثم قال : ( وقد هتك الله سبحانه أستار المنافقين . وكشف أسرارهم في القرآن . وجلى لعباده أمورهم . ليكونوا منها ومن أهلها على حذر ) اهـ .

    ثم أتى على صفاتهم الواردة في القرآن فبينها بيانا يبهر الواقف عليه . أنصح إخواني بالاطلاع عليه ؛ فإني لم أر له نظير .

    - ثم بين الفسوق ( وهذا هو أصل الموضوع ) فإليكم بيانه بكلامه قال - رحمه الله - :

    ( وأما الفسوق : فهو في كتاب الله نوعان : مفرد مطلق . ومقرون بالعصيان .
    والمفرد نوعان أيضا : فسوق كفر ، يخرج عن الإسلام . وفسوق لا يخرج عن الإسلام .
    ( ثم بين النوعين إلى أن قسّم الفسق الذي لا يخرج عن الإسلام إلى قسمين : فسق من جهة العمل . وفسق من جهة الاعتقاد ، فبين الأول ثم أتى على الثاني فقال ) :

    ( وفسق الاعتقاد : كفسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر ويحرمون ما حرم الله . ويوجبون ما أوجب الله . ولكن ينفون كثيرا مما أثبت الله ورسوله ، جهلا وتأويلا ، وتقليدا للشيوخ . ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله كذلك .

    هؤلاء كالخوارج المارقة ، وكثير من الروافض ، والقدرية ، والمعتزلة ، وكثير من الجهمية الذين ليسوا غلاة في التجهم .

    وأما غالية الجهمية : فكغلاة الرافضة . ليس للطائفتين في الإسلام نصيب . ولذلك أخرجهم جماعة من السلف من الثنتين والسبعين فرقة ، وقالوا : هم مباينون للملة .

    وليس مقصودنا الكلام في أحكام هؤلاء . وإنما المقصود : تحقيق " التوبة " من هذه الأجناس العشرة .

    فالتوبة من هذا الفسوق : بإثبات ما أثبته الله لنفسه ورسوله ، من غير تشبيه ولا تمثيل ، وتنزيهه عما نزه نفسه عنه ونزهه عنه رسوله ، من غير تحريف ولا تعطيل . وتلقي النفي والإثبات من مشكاة الوحي . لا من آراء الرجال ونتائج أفكارهم التي هي منشأ البدعة والضلالة .

    ( شروط توبة الفاسق ) :

    فتوبة هؤلاء الفساق من جهة الاعتقادات الفاسدة : بمحض اتباع السنة . ولا يكتفي منهم بذلك أيضا حتى يبينوا فساد ما كانوا عليه من البدعة . إذ التوبة من الذنب هي بفعل ضده . ولهذا شرط الله تعالى في توبة الكاتمين ما أنزل الله من البيات والهدى : البيان . لأن ذنبهم لما كان بالكتمان ، كانت توبتهم منه بالبيان . قال الله تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم } وذنب المبتدع فوق ذنب الكاتم . لأن ذاك كتم الحق . وهذا كتمه ودعا إلى خلافه . فكل مبتدع كاتم ولا ينعكس .

    وشرط في توبة المنافق : الإخلاص . لأن ذنبه بالرياء فقال تعالى : { إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} - ثم قال - { إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤتي الله المؤمنين أجرا عظيما } ولذلك كان الصحيح من القولين : أن توبة القاذف : إكذابه نفسه . لأنه ضد الذنب الذي ارتكبه ، وهتك به عرض المسلم المحصن . فلا تحصل التوبة منه إلا بإكذابه نفسه ، لينتفي عن المقذوف العار الذي ألحقه به بالقذف . وهو مقصود التوبة .

    وأما من قال : إن توبته أن يقول " أستغفر الله " من القذف . ويعترف بتحريمه . فقول ضعيف لأن هذا لا مصلحة فيه للمقذوف . ولا يحصل له به براءة عرضه مما قذفه به . فلا يحصل به مقصود التوبة من هذا الذنب فإن فيه حقين : حقا لله ، وهو تحريم القذف فتوبته منه : باستغفاره ، واعترافه بتحريم القذف ، وندمه عليه ، وعزمه على أن لا يعود . وحقا للعبد . وهو إلحاق العار به ، فتوبته منه : بتكذيبه نفسه . فالتوبة من هذا الذنب بمجموع الأمرين ) اهـ .

    ثم استطرد في الكلام على توبة القاذف ، ومن ثَم تكلم على توبة السارق ، ثم بين بقية أجناس المحرمات من الإثم والعدوان ، والفحشاء والمنكر إلى أن وصل في بيانه إلى الجنس الحادي عشر من أجناس المحرمات ألا وهو ( القول على الله بلا علم ) فقال - رحمه الله - عنه :

    ( ... فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله منه ، ولا أشد إثما . وهو أصل الشرك والكفر . وعليه أسست البدع والضلالات . فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم .

    ولهذا اشتد نكير السلف والأئمة لها . وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض . وحذروا فتنتهم أشد التحذير . وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش ، والظلم والعدوان . إذ مضرّة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد . وقد أنكر تعالى على من نسب إلى دينه تحليل شيء أو تحريمه من عنده . بلا برهان من الله فقال : { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب } .

    فكيف بمن نسب أوصافه سبحانه وتعالى ما لم يصف به نفسه ؟ أو نفى عنه منها ما وصف نفسه ؟ ... فذنوب أهل البدع كلها داخلة تحت هذا الجنس فلا تتحقق التوبة منه إلا بالتوبة من البدع .

    وأنى بالتوبة منها لمن لم يعلم أنها بدعة ، أو يظنها سنة ، فهو يدعو إليها ، ويحض عليها ، فلا تنكشف لهذا ذنوبه التي تجب التوبة منها إلا بتضلعه من السنة . وكثرة إطلاعه عليها ، ودوام البحث عنها والتفتيش عليها ولا ترى صاحب بدعة كذلك أبدا .

    فإن السنة - بالذات - تمحق البدعة . ولا تقوم لها . وإذا طلعت شمسها في قلب العبد قطعت من قلبه ضباب كل بدعة ، وأزالت ظلمة كل ضلالة . إذ لا سلطان للظلمة مع سلطان الشمس . ولا يرى العبد الفرق بن السنة والبدعة ، ويعينه على الخروج من ظلمتها إلى نور السنة ، إلا المتابعة ، والهجرة بقلبه كل وقت إلى الله ، بالإستعانة والإخلاص ، وصدق اللجإ إلى الله . والهجرة إلى رسوله ، بالحرص على الوصول إلى أقواله وأعماله وهديه وسنته " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله " ومن هاجر إلى غير ذلك فهو حظه ونصيبه في الدنيا والآخرة . والله المستعان ) اهـ .

    فليتأمل هذا الكلام ، ففيه الوضوح والبيان ، والله الهادي إلى الحق والصواب ، وله الحمد والثناء ،

    وعلى نبيه أفضل الصلاة والسلام .

    ===========

    إضافة :

    قال الله تعالى :
    (قرآن إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ،إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم
    [ البقرة : 159 -160 ] )


    وعن الحسن بن شقيق قال :
    كنا عند ابن المبارك إذ جاءه رجل فقال له أنت ذاك الجهمي قال نعم قال إذا خرجت من عندي فلا تعد إليَّ قال الرجل فأنا تائب قال : لا حتى يظهر من توبتك مثل الذي ظهر من بدعتك .

    قال الشيخ أبو عمرو عثمان الداني - رحمه الله - : ( فصل في الواجب على السلاطين والعلماء :
    ومن الواجب على السلاطين ، وعلى العلماء إنكار البدع والضلالات ، وإظهار الحجج ، وبيان الدلائل من الكتاب ، والسنة ، وحجة العقل ، حتى يقطع عذرهم ، وتبطل شبههم ، وتمويهاتهم ثم يؤخذون بالرجوع إلى الحق ، وترك ما هم عليه من الباطل ؛فإن رجعوا وتركوا ذلك ، وأظهروا التوبة منه ، وإلا أذلهم السلطان ، وعاقبهم بما يؤدي الاجتهاد إليه على قدر بدعهم ، وضلالاتهم ...) الرسالة اوافية : ص166.


    وقال شيخ الإسلام - رحمه الله - :
    ( فالمذنب لا يزال يؤذى وينهى ويوعظ ويوبخ ويغلظ له فى الكلام إلى أن يتوب ويطيع الله ، وأدنى ذلك هجره فلا يكلم بالكلام الطيب ، كما هجر النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون الثلاثة الذين خلفوا حتى ظهرت توبتهم وصلاحهم وهذه آية محكمة لا نسخ فيها ، فمن أتى الفاحشة من الرجال والنساء فإنه يجب إيذاؤه بالكلام الزاجر له عن المعصية إلى أن يتوب ، وليس ذلك محدودا بقدر ولا صفة إلا ما يكون زاجرا له داعيا إلى حصول المقصود وهو توبته وصلاحه ، وقد علقه تعالى على هذين الأمرين : التوبة والإصلاح . فإذا لم يوجدا فلا يجوز أن يكون الأمر بالإعراض موجودا فيؤذى ، والآية دلت على وجوب الإعراض عن الأذى فى حق من تاب وأصلح ، فأما من تاب بترك فعل الفاحشة ولم يصلح فقد تنازع الفقهاء هل يشترط فى قبول التوبة صلاح العمل على قولين فى مذهب أحمد وغيره ... وكذلك التائب من الفاحشة يشرع الكف عن أذاه إلى أن يصلح فإن اصلح وجب الإعراض عن أذاه ، وإن لم يصلح لم يجب الكف عن اذاه بل يجوز أو يجب أذاه .

    وهذه الآية مما يستدل بها على التعزير بالأذى ، والأذى وإن كان يستعمل كثيرا فى الكلام فى مرتكب الفاحشة فليس هو مختصا به ، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم لمن بصق فى القبلة : " إنك قد آذيت الله ورسوله " ... فإذا ظهر من العبد الذنب فلابد من ظهور التوبة ، ومع الجحود لا تظهر التوبة ، فإن الجاحد يزعم أنه غير مذنب ؛ ولهذا كان السلف يستعملون ذلك فيمن أظهر بدعة أو فجورا )
    مجموع الفتاوى ( 15 / 300 - 303)

    والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

    والنقل
    لطفــــــاً .. من هنـــــــــــــــا



      الوقت/التاريخ الآن هو 07.05.24 10:50