خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    لماذا نخشى النقد ؟ لفضيلة الشيخ : أبو أسامه سليم بن عيد الهلالى - حفظه الله تعالى

    أبو عبد الرحمن عبد المحسن
    أبو عبد الرحمن عبد المحسن
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 601
    العمر : 41
    البلد : مصر
    العمل : طالب
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية لماذا نخشى النقد ؟ لفضيلة الشيخ : أبو أسامه سليم بن عيد الهلالى - حفظه الله تعالى

    مُساهمة من طرف أبو عبد الرحمن عبد المحسن 16.04.09 23:19

    لماذا نخشى النقد ؟[1]




    إن التواصى بالحقّ والتّواصى بالصّبر والتّواصى بالمرحمة ميثاق إسلامى أخذه الله – جل جلاله – ورسوله صلى الله عليه وسلم على الجيل القدوة الأول وقرن الأسوة الأمثل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ؛ كما فى قوله تعالى :- وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} [2]



    وقوله :- ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ{17} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ{18} [3]

    عن جرير بن عبد الله – رضى الله عنه- قال :- " بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنّصح لكل مسلم " [4]

    ولذلك جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أُسِّ الدين ؛ فعن تميم الدارى رضى الله عنه – أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " الدين النصيحة "- ثلاثا - , قلنا : لمن ؟ قال " لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " [5]

    وما ذلك إلا لأنه مُحَصِّلة لغرض الدين ؛ حيث تبرز من التناصح صور الأمة المسلمة ذات الكيان الخاص , والرابطة المتميزة , والوجهة الموحدة , والتى تشعر بواجبها كما تشعر بوجودها , وتعرف حقيقة ماهو مقدمة عليه من السير بالبشرية على طريق الإيمان والعمل الصالح إلى القمة السامقة فى مقعد صدق عند مليك مقتدر ؛فتتواصى فيما بينها بما يعينها على النهوض بالأمانة الكبرى والإمامة العظمى .

    فمن خلال لفظ ( النصيحة ) المتضمنة كلمة ( التواصى ) – ومعناه , وطبيعته – تبرز صورة الأمة المتضامنة , الخيرة , الواعية , القيمة فى الأرض على الحق والعدل والخير .

    وهى أنصع مظهر وأرفع صورة للأمة المختارة التى أرادها الله أن تكون قائمة على حراسة الحقّ والخير , ومتواصية بالخير والصبر فى مودة وتعاون وتآخ تنضح بها كلمة التواصى .

    إن التواصى بالحق ضرورة للنهوض بالحقّ ؛ لأن المعوقات كثيرة : هوى النفس , ومنطق المصلحة , وتصورات البيئة , وضغط الناس .. الخ.

    والتواصى تذكير , وتشجيع , وإصلاح , وإشعار بالقربى فى الهدف والغاية والأخوة فى العبء والأمانة ؛ فهو حصيلة الإتجاهات الفردية كلها , حيث تتفاعل معا , فتتضاعف أضعافا كثيرة , ويقوى أمرها , وتستغلظ ؛ فتستوى على سوقها ؛ لتؤتى أكلها كل حين بإذن ربها .

    والتواصى بالصبر ضرورة , لتتضاعف المقدرة على الثبات على الحق , بما يبعثه من إحساس بوحدة الهدف , ووحدة المسار , وتعاضد الجميع , وتزويدهم بالحب والعزم والإصرار .والتواصى بالصبر معيار تماسك الأمة المسلمة ؛ فهى أعضاء متجاوبة الحس , تشعر شعورا واحدا ؛ فيوصى بعضها بعضا بالصبر على العبء المشترك ويقبت بعضها بعضا ؛ فلا تتخاذل ويقوى بعضها بعضاً , فلا تتولى يوم الزحف.





    وهذا الصبر هو غير الصبر الفردى , وإن كان قائما عليه , فهو إيحاء جلى بواجب المؤمن فى الأمة المسلمة ؛ فلا يكون عنصر تخذيل وتثبيط , بل عنصر تثبيت وتنشيط , ولا يكون داعية هزيمة وإحجام بل داعية ثبات وإقتحام , ولا يكون مثار هلع وجزع وفزع بل مهبط سكينة وطمأنينة .

    والتواصى بالمرحمة إشاعة الشعور بواجب التراحم والتعاطف والتوادّ فى الصفوف المؤمنة ؛ ليزداد البنيان تماسكا ً , حيث يكون التحاض على المرحمة واجباً فردياً جماعياً فى الوقت نفسه , يتعارف عليه الجميع , ويتعاون عليه الجميع .

    لقد مارس الجيل القدوة الأول النُّصح على أعلى المستويات وأدناها : لله ولرسوله ولكتابة ولأئمة المسلمين وعامتهم .

    ولما كان معلوما بالضرورة فى فقه سنن الله فى التغيير أنه لن يصلح أخر هذه الأمة إلأا بما صلح عليه أولها , لكان لزاما فتح نوافذ النقد والحوار والنصح ؛ لأنه من حق المسلمين جميعا أن يتلقوا الرسالة الإسلامية صحيحة ؛ كما أنزلت على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وأن يكون خطاب التكليف سليما صحيحاً ؛ لتكون الاستجابة صحيحة لأن السلوك السوى ثمرة للفهم السليم الذى يحصل من التلقى السليم .

    ولأن العاملين للإسلام نواة مجتمع إسلامى منشود فهم أحقُّ الناس بذلك .

    فالواجب أن لا يستوحش المسلم من نُصحٍ يسمعه , أو نقد يقرؤه , أو تذكير يبصره سواء أكان موجهاً إلى شخصه أم إلى شيخه أم إلى حزبه وجماعته , فلعل فى ذلك خيراً وإن كرهه ولكنه لم يتبيّنه :


    لعلّ عتبك محمود عواقبه ************ وربما صحت الأجسام بالعلل


    وهذا الأمر غير موجود فى كثير من أفراد الأحزاب الإسلامية " فهؤلاء كلهم محجوبون عن الظفر بالمطلوب الاعلى , ومصدودون عنه , قيّدتهم العوائد والرسوم , والأوضاع والاصطلاحات عن تجريد المتابعة ؛ فأضحوا عنها بمعزل , ومنزلهم منها أبعد منزل , فترى أحدهم يتعبد بالرياضة والخلوة , وتفريغ القلب , ويعد العلم قاطعا له عن الطريق ! فإذا ذكر له الموالاة فى الله , والمعاداة فيه , والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : عدّ ذلك فضولا وشراً , وإذا رأوا بينهم من يقوم بذلك ؛ أخرجوه من بينهم , وعدُّوه غيراً عليهم , فهؤلاء أبعد الناس عن الله , وإن كانوا أكثر إشارة " [6]



    إنها الحزبية التى نهشت بأنيابها الجسم المؤمن فمزقته أيادى سبا[7] , وفرَّقته شذر مذر , وصار كل حزب بما لديهم فرحين , وكلُّ قد نصب له شخصا غير النبى صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى طريقته ويوالى ويعادى عليه , وكتب كلاما غير الكتاب والسنة يتكىء عليه !

    فإذا كشفت النقاب عن الأفراد والجماعات والأحزاب التى أسرتها قيود الحزبية , وكتمت صوتها دهاليز السرية , وجدت هوى متبعاً , وشحاً مطاعاً , ودنيا مؤثرة , وإعجاب كل ذى رأى برأيه , فإذا تقدم مسلم من خارج صفهم بنصيحة لله ولرسوله قالوا : مثبط مشوش متساقط .

    ليعلم هؤلاء الإخوة أن هذا التوهم باب من تلبيس إبليس ؛ استمرارالانحراف , ومتابعة الانزلاق , ولذلك أقول : إن التستر على الخطا وقبوله يُنمٍّى العلل ؛ فنصاب بما يشبه الورم .

    إن الإبقاي على الأخطاء وعدم كشفها – مهما تعددت الإسباب – ألغام موقوتة فَتيلها بيد العدو يفجّرها أنَّى شاء ؛ فيخرّ العمل الإسلامى صريعاً ؛ لأنه جهل سبيل المجرمين .

    إن الأعداء الذين تداعوا علينا كما تداعى الأكَلَةُ إلى قصعتها أعرف منا بأخطائنا , لأنهم كانوا – ولا يزالون – يتسللون منها لواذاً , ويعملون على تثبيتها واستمرارها , وعدم مقدرتنا على إبصارها , وتخويفنا من معالجتها .

    إن الذين لا يريدون معرفة الأخطاء هم نحن , لأننا مصرُّون عليها عاجزون عن تجاوزها .

    إن إخلاص كثير من الذين يحذرون عملية النصح والنقد والتواصى لا يكفى لبلوغ الغاية ؛ لأن هذه الأبواب لا تقل أهمية عن الإخلاص , فالله سبحانه وتعالى – لا يقبل الإخلاص دون الصواب ؛ فإن إلإخلاص والصواب ركنا العمل الصالح الذى يرضاه ربنا .

    إن تسويغ الأخطاء لا يقتصر على إبقائها ونموها إنما يؤدى إلى تكرارها وانشطارها ؛ فالمسلم يتبع الحق إذا اتضح , والدليل إن صحّ.

    وختاما أقول : إن تطهير الجسم من داخله هو الذى يَهَب الصحة ويزيد المناعة , ويرفع المقاومة , لأن العمل تحت ضوء الشمس يقتل العفونة , ويكشف محاضن الجراثيم التى تنخر فى خلايا الجسم , وتمتص دمه , وهو القنطرة التى يمر عليها التغيير الأكيد التأثير

    قال تعالى :{ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }[8]

    إذن .. فلماذا نخشى النقد ؟!



    منقول من كتاب بعنوان : المقالات السلفية فى العقيدة والدعوة والمنهج والواقع
    لفضيلة الشيخ ابو أسامه سليم بن عيد الهلالى - حفظه الله تعالى
    طبعة مكتبة الفرقان

    وكتبه
    أبو عبد الرحمن
    عبد المحسن بن محمد





    [1] المقالات السلفية فى العقيدة والدعوة والمنهج والواقع ص 152


    [2] ( العصر : 1-3)


    [3] ( البلد 17, 18 )


    [4] متفق عليه


    [5] أخرجه البخارى تعليقا , ووصله مسلم


    [6] مدارج السالكين لابن قيم الجوزية (3/176)


    [7] العرب لا تهمزه فى هذا الموضع ؛ لكثرة الاستعمال , انظر لسان العرب (1/94).


    [8] (الرعد 11 )

      الوقت/التاريخ الآن هو 28.04.24 13:34