خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    المنهج النبوي في تعليم المرأة

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية المنهج النبوي في تعليم المرأة

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.02.09 13:45

    المنهج النبوي في تعليم المرأة

    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا يوماً من نفسك فوعدهن يوماً لقيهن فيه ، فوعظهن وأمرهن ، فكان فيما قال لهن : ما منكن امرأة تقدم لها ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار فقالت امرأة واثنين ؟ فقال : واثنين. وفي رواية قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ذهب الرجال بحديثك ، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتي فيه تعلمنا مما علمك الله ، فقال اجتمعن في يوم كذا وكذا ، في مكان كذا وكذا فاجتمعن ، فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلمهن مما علمه الله ، ثم قال ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كان لها حجاباً من النار فقالت امرأة منهن : يا رسول الله واثنين ؟ فأعادها مرتين قال : واثنين .

    كلهم من طرق عن شعبة عن عبد الرحمن الأصفهاني ، عن ذكران أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- .


    فقه الحديث :

    هذا الحديث يدل دلالة واضحة على اهتمام الرسول - صلى الله عليه وسلم- بتعليم المرأة ، ويتضح هذا من إلحاح الصحابيات بطلب العلم من الرسول صلى الله عليه وسلم وإجاباتهن إليه ، وتعليم المرأة ذو أهمية عظمى ، في دين الله عز وجل ، جاء التنويه عنه في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة ، ولعلنا نستغل هذه الفرصة للوقوف مع تعليم المرأة في النقاط الآتية :

    الأولى : بين الإسلام فضل العلم والتعليم عامة للرجل والمرأة على حد سواء ، العلم الذي يوصل إلى خشية الله وتقواه والارتباط به ، وقد دل القرآن والسنة على ذلك ، فمن دلالة القرآن : قوله تعالى : }اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿1﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿3﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿4﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿5﴾{ [العلق : 1-5].

    وهذه الآيات هي التي افتتح بها الوحي من الله سبحانه وتعالى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، تنويها بشأن العلم ، وأن هذا الدين قائم على العلم .


    وفي رفعة العلم وأهله يقول تعالى : }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات {[المجادلة: 11] قال القرطبي رحمه الله : أي في الثواب في الآخرة ، وفي الكرامة في الدنيا ، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن ، والعالم على من ليس بعالم(1) .

    ولأهميته فالله تعالى لم يأمر نبيه بطلب الزيادة من شيء إلا من العلم ، قال تعالى: }وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا{ [طه :114]، قال القرطبي رحمه الله : فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل المزيد منه كما أمره أن يستزيد من العلم (2).

    ولذلك كان أهل العلم أكثر الناس خشية لله تعالى ، فهم الذين يقدرون الله حق قدره ، قال تعالى: }إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ{ [فاطر : 28] . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : فكل من كان بالله أعلم كان أكثر له خشية ، وأوجبت له حشية الله : الانكفاف عن المعاصي ، والاستعداد للقاء من يخشاه ، وهذا دليل على فضيلة العلم ، فإنه داع إلى خشية الله(3) .


    أما الدلالة على فضل العلم وأهميته من السنة النبوية فأكثر أن تحصر، وأشير هنا إلى بعضها :

    روى البخاري ومسلم وغيرهما عن معاوية رضي الله عنه : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين(4) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في هذا الحديث : إثبات الخير لمن تفقه في دين الله ، وأن ذلك لا يكون بالاحتساب فقط ، بل لمن يفتح الله عليه به(5) .


    ومن ذلك الحديث المشهور الذي عدد فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم- البشائر العظيمة لطالب العلم ، روى أبو داود الترمذي وصححه : عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال - رسول الله صلى الله عليه وسلم- : من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاُ من طرق الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر.


    ومن فضل العلم أنه يبقى للإنسان ذخراً له بعد مماته بعد أن شرف به في حياته ، روى مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال - رسول الله صلى الله عليه وسلم- : إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : : إلا من صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له ، أو علم ينتفع به (6) . قال النووي رحمه الله : فيه دليل لصحة الوقف وعظيم ثوابه ، وبيان فضيلة العلم والحث على الاستكثار منه ، والترغيب في توريثه بالتعليم والتصنيف والإيضاح ، وأنه ينبغي أن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع (7).


    هذه الفضائل لعامة المتعلمين من الرجال والنساء إذ الخطاب شامل للجميع ، ومع هذا فهناك نصوص خاصة تشير إلى أهمية تعلم النساء التعليم الشرعي ، الذي به يعرفن الحلال من الحرام ، قال تعالى لأمهات المؤمنين : }وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ{ [الأحزاب : 34] .


    ومن ذلكم ما كان يخصصه النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه لهن ، كما ورد أنه إذ خطب في الرجال أتجه إليهن وخصهن بما يناسبهن ، روى الشيخان رحمهما الله تعالى عن جابر - رضي الله عنهما- أنه قال : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم العيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ، ثم قام متوكئاً على بلال ، فأمر بتقوى الله تعالى وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ، ثم مضى وأتى النساء فوعظهن وذكرهن ، وقال يا معشر النساء تصدقن فإنكن أكثر حطب جهنم فقامت امرأة من وسطة النساء سفعاء الخدين ، فقالت : لم يا رسول الله ؟ فقال: لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير قال : فجعلن يتصدقن من حليهن ، ويلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن (8) .

    ويكفي هذا الحديث دلالة على اهتمام الصحابيات الجليلات بالعلم حيث طلبن من النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يخصص لهن درساً خاصاً ليتعلمن فيه ما يهمهن من أمور دينهن ، وما يقربهن إلى مولاهن .


    الثانية : إن لتعليم المرأة خصوصيته في دين الله سبحانه وتعالى ، وتأتي هذه الخصوصية من خصوصية المرأة نفسها ، فالله سبحانه وتعالى خلقها بطبيعة معينة ، وخلق فيها صفات تختلف عن الرجل ، فتحتاج من العلم ما لا يحتاجه الرجال ، قال تعالى: }وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى{ [آل عمران : 36] .

    وإن من أهم معالم تلك الخصوصية ، البعد في تعلمها وتعليمها عن الرجال ، دل على ذلك هذا الحديث الذي طلب فيه النساء درساً خصوصياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجابهن إلى طلبهن ، وكذا ما دل عليه حديث جابر في تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم جزءاً من خطبته للنساء ، هذه النصوص وغيرها تدل دلالة صريحة على أنه يجب أن تبعد المرأة عن الرجل في تعلمها .

    وأمر آخر أن يقال : إن من الظلم للمرأة وضع الرجل والمرأة في مكان واحد ، إذ إن التعليم سيطغى عليه ما يخص الرجال أو المعرفة بعامة ، ومن ثم لن يكون هناك مكان لما يخص المرأة .


    ولهذا يقال: إن من الخطأ أن تكون مناهج التعليم بين الذكور والإناث متماثلة ، بل لابد من الخصوصية حتى يظفر كل جنس بحقه من التعليم الواجب شرعاً .

    ونحن هنا نتحدث عن التعليم للمرأة نشير إلى أن أهم العلوم التي يجب أن تتعلمها ما يزيد من رصيدها الثقافي الشرعي الذي تستطيع به أن تقوم بشؤون حياتها وأسرتها وأطفالها، وما تسهم به من خدمة مجتمعها، وبالأخص بنات جنسها .

    وإذا ألقينا نظرة سريعة على واقع التاريخ الإسلامي المجيد منذ عصر الصحابيات الجليلات إلى يومنا هذا ، نجد أن هذا الأمر هو السائد ، ومن أراد معرفة ذلك فليلطع على سير أمهات المؤمنين وما بعدهن.


    الثالثة : في هذا العصر انتشر العلم والتعليم بجميع فروعه وتخصصاته للرجال والنساء ، ومن الملاحظ أن سلك كثير من الناس في تعلم المرأة أموراً بعيدة عن واقعها ، في الوقت الذي ضعف ما يهمها ، وهنا أشير للمرأة المسلمة أن تركز في تعليمها الرسمي أو ما ينمي ثقافتها بعامة إلى ما يهمها في هذه الحياة ، وما تقوم به وظيفتها الأساس ، وما تجده مدخراً عند ربها سبحانه ، ومن أهم عناصر تلك العلوم :

    1/ ما يقوي عقيدتها وإيمانها بالله سبحانه وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره .

    2/ ما تعرف به الواجب عليها من شعائر دينها كالصلاة والطهارة والزكاة والصيام والحج ، وأمور الطاعات كلها .

    3/ ما يخصها من أحكام دينها كأحكام الحيض والنفاس والدماء بعامة .

    4/ ما تعرف به وظيفتها في هذه الحياة : بنتاً تستعد للدخول في مضمار الحياة ، وأماً مربية للأطفال ، مخرجة لهم ، عابدين طائعين لله سبحانه وتعالى ، نافعين لأسرهم ، ومجتمعهم ، وأمتهم ، فتعرف أصول التربية وطرائقها ، ومنهاج النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، وهكذا ، وزوجة تعرف حقوق زوجها عليها ومكانتها لديه.

    5/ ما يمكن أن تخدم به غيرها ، وبمعنى آخر ، ما يمكن أن تقوم به من مهمة الدعوة إلى الله تعالى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبخاصة لبنات جنسها .

    6/ وبعد ذلك كله ما تحصله من معارف عامة يزيد من رصيد ثقافتها .

    هذا هو الواجب عليها ، فلتستعد ولتتفقه لتأخذ مكانها الحقيقي في هذه الحياة .


    الرابعة : وفي هذا العصر وما سبقه من العصور تنوع تعليم المرأة بأشكال وأنماط مختلفة ، إلا أن تخصيص دروس شرعية لها لم يأخذ الوضع السليم ، وأجدها فرصة لأقول لأهل العلم في الجامعات والوزارات المعنية في الشؤون الإسلامية أن تخصص دروس خاصة للنساء كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولتأخذ المرأة المسلمة حظها الأوفر ، وبخاصة في هذا الوقت الذي تكالب فيه أعداء الإسلام من الشرق والغرب على المرأة المسلمة ، لإبعادها عن وظيفتها التي خلقها الله من أجلها .


    الثانية : مما يدل عليه الحديث كذلك أهمية السؤال والمناقشة للعلم والتعليم ، فهذه المرأة لما أشكل عليه هذا الإشكال بادرت بالسؤال ، فأجابها عليه الصلاة والسلام بما تفضل الله به على عباده ، وأصبح بعد ذلك حكماً سارياً إلى أن تقوم الساعة .

    والسؤال والمناقشة من أهم وسائل العلم والتعليم ، قال تعالى : }فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {[النحل :43]، وقالت عائشة : نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من أن يتفقهن في الدين(9) ويقول مجاهد بن جبر رحمه الله : لا يتعلم العلم مستحِ ولا مستكبر .

    الثالثة: ومما يدل عليه الحديث أيضاً أهمية الولد في الإسلام حياً وميتاً : فقد اهتم الإسلام بالولد حياً وميتاً ، حياً بتربيته ورعايته منذ كونه جنيناً في بطن أمه حتى يصبح كبيراً يأخذ مكانة في المجتمع ، سواء كان ذكراً أو أنثى ، مروراً بمرحلة الطفولة والمراهقة ، وميتاً باحترامه ورعاية حقه .

    ويمكننا هنا إيجاز مظاهر الاهتمام به فيما يلي :

    المظهر الأول : في مرحلة اختيار أمه ، وقد حدد الرسول - صلى الله عليه وسلم- المواصفات التي يجب أن تتصف بها المرأة حتى تصبح أماً تستحق الأمومة والرعاية ، قال عليه الصلاة والسلام ـ فيما رواه البخاري وغيره : تنكح المرأة لأربع : لمالها ولنسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك فأهم المواصفات أن تكون ذات دين ، وقد أشار الله تعالى إلى أهمية الدين بقوله : }فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّه{ [النساء : 34]، فالقانتات هن المطيعات للأزواج ، والحافظات للغيب : أي أنهن يحفظن الأزواج في غيابهم ، وفي أموالهم ، وفي أنفسهم . ولماذا ذات الدين ؟ يجيب عن هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله : إذا نظر إليها سرته ، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله (10)، ثم إن الزوجة هي التي ستربي الأولاد وتقوم علي شؤونهم ورعايتهم ، فإذا كانت صالحة ذات دين ستكون تربيتهم دينية على عبادة الله وطاعته .

    المظهر الثاني : القيام بحقوق الولد في حالة كونه جنيناً مولوداً ، وذلك من خلال رعاية أمه حاملاً ليكون ولدها سليماً ، فمن المعلوم أن الأم خلال حملها تلاقي ما تلاقيه من المعاناة الشديدة لهذا الحمل منذ أشهره الأولى وإلى أن تضعه ، والرعاية تكون بالمحافظة عليه وعلى صحته ، ثم إذا وضعته يقوم الوالدان بحقوقه : مثل الأذان في أذنه اليمنى ، وتحنيكه بتمره ، وتسميته ، والعق عنه ، وختانه إن كان ذكراً ، وإرضاعه . وكل هذه الحقوق وردت بها أثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ، فيختار له الاسم الحسن ، ويحلق رأسه ، ويسمى يوم سابعه ، ويعق عنه ، فيعق عن الذكر شاتين وعن الجارية شاة .


    ولهذه الحقوق أثرها التربوي على المولود حيث إنها من الإحسان إليه ، فإذا عرف أن الوالدين قاما بها فسيحسن إليهما في حال كبره ويقوم بحقوقهم كما قاما بحقه .

    المظهر الثالث : رعايته شاباً مراهقاً ، ويتم هذا برعايته جسمياً وخلقياً وعلمياً ، وحمايته من المؤثرات والانحرافات ، وتكون هذه الرعاية بالتعليم والتلقين والتوجيه المباشر وغير المباشر ، كما تكون بالقدوة والأسوة ، ويحاط ذلك بالدعاء لله سبحانه وتعالى دائماً وأبداً بصلاحه وتوفيقه وتسديده .

    فالمدرسة الأولى للطفل بيته وما يتعلمه من أبيه وأمه وإخوته ، ولذا جاء الاهتمام بهذا البيت وشأنه ، فالطفل يتربى على ما يسمعه وتطلع عيناه عليه قال تعالى منوهاً بأهمية هذه الرعاية عظم شأنها: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ{ [التحريم : 6] .


    وقال عليه الصلاة والسلام ـ فيما صح عنه : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ..... حتى قال والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها (11).

    ولأهمية القدوة قال أحد الآباء لمربي أبنه : ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك ، فإن عيونهم معقودة بعينك ، فالحسن عندهم ما صنعت ، والقبيح عندهم ما تركت .

    ومن الخير للذرية أن يكون الأبوان قدوة صالحة لأبنائهم وبناتهم في الخير وخصال المعروف ، وفي الخلق والسلوك والمعاملة ، وفي المظهر والمخير . ومما يدل على ذلك الالتزام لأبوين بهدي الإسلام وتعاليمه عقيدة وخلقاً وسلوكاً .

    ومن المهم رعاية الجوانب المهمة في شخصية الطفل والمراهق ، ففي الجانب العقدي نجد إشارة ذلك في القرآن واضحة جلية ، قال تعالى حكاية عن لقمان: } وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ{ [ لقمان :13].

    وفي العبادة : }يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ{ [ لقمان:17 ] .

    وفي جانب الأخلاق والسلوك : }وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴿18﴾ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴿19﴾{ . [ لقمان : 18-19] .


    وهكذا نجد العناصر التربوية متكاملة في قصة لقمان لابنه .. فلتكن لنا نبراساً وضياءً .

    المظهر الرابع : حماية الأولاد من المؤثرات السلبية حتى لا ينحرفوا عن الصراط المستقيم فيقعوا في شرك الفساد والمفسدين ، مثل آلات اللهو والفساد ، وصحبة رفقاء السوء ، ونحو ذلك .

    هذه معالم من اهتمام الإسلام بالولد حياً ، وثمرة ذلك أن يكون امتداداً لحسنات أبويه حتى بعد الممات ، قال عليه الصلاة والسلام : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له(12) . أما إذا مات الولد في حياة أبويه فيكون حجاباً لهم عن النار كما هو صريح هذا الحديث .


    الرابعة : ومما يفيده الحديث أهمية الصبر على فقدان الأولاد ، وأن ما من صبر على ذلك نال أحسن الجزاء فكانوا حجاباً له عن النار ، وقد جاء ما يؤيد ذلك ، وهو ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار غلا تحلة القسم(13) وروى أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحنث غلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم (14) .

    لكن هذا الثواب العظيم لمن احتسب وصبر ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وقد عرف من القواعد الشرعية أن الثواب لا يترتب إلا على النية فلابد من قيد الاحتساب ، والأحاديث المطلقة محمولة على المقيدة (15).

    بقلم :
    د. فالح محمد الصغير

    والنقل
    لطفـــــاً .. من هنــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 28.04.24 8:44