خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    الذب عن شيخ الإسلام من أكذوبة ابن بطوطة في رحلته

    avatar
    أبو عبد الله أحمد بن نبيل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 2798
    العمر : 47
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 19
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية الذب عن شيخ الإسلام من أكذوبة ابن بطوطة في رحلته

    مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 31.01.09 22:13

    أكذوبة ابن بطوطة في رحلته عن شيخ الإسلام :
    ( فقداستدل كثير من خصوم ابن تيمية للنيل منه بقصة ذكرها ابن بطوطة في رحلته المشهورة، حيث زعم أنه شاهد ابن تيمية على منبر الجامع بدمشق يعظ بالناس ويشبع نزول الله إلى السماء الدنيا بنزوله هو من درجة المنبر!
    ما صحة هذه الرواية؟
    وما هي حقيقتها؟
    وهل كان ابن تيمية حقاً يعتقد بالتشبيه ؟)
    ( والحقيقة أن ما ذكره ابن بطوطة - غفر الله له - عن شيخ الإسلام ابن تيمية لا قيمة له ولا وزن في الميزان العلمي والبحثي)، وقد قرر كبار الباحثين المختصين في تراث ابن بطوطة وابن تيمية بأن هذه القصة مختلقة ولا سند يدعهما أو يصححها، والسبب في ذلك .. فيما يلي :
    (*) أولاً : ثبوت عدم دقة وأمانة ابن بطوطة في رحلة.
    تكلم كثير من العلماء عن رحلة ابن بطوطة، وتناولوها بالنقد والتحليل والدراسة، وخلصوا أنها مجرد مذكرات كتبها المؤلف، ولا تعد توثيقاً أميناً يمكن الاعتماد عليه.
    فهذه الرحلة ليست من كتب التاريخ المعتبرة والمعتمدة، فضلاً عن مؤلفها الذي لم يكن معروفاً أنه من أهل الدراية والخبرة والعلم، وقد أثبت المحقق "حسن السائح" في تقديمه لكتاب (تاج المفرق في تحلية علماء المشرق) للشيخ خالد بن عيسى البلوي، أن ابن بطوطة ربما سمع باسم عالم من علماء البلد التي زارها، فيذكر اسمه في رحلته ولو لم يتصل به اتصالاً شخصياً، أو يقابله حقيقة، بل يستفيد مما سمعه ويضمنه رحلته وكأنه قابله أو شاهده، كما فعل في تونس حين ذكر علماً من أعلامها وهو ابن الغماز.
    ومما يزيد الأمر وضوحاً .. أن رحلة ابن بطوطة تضمنت أموراً يقطع العلم بكذبها، كما قال إنه زار بعض الجزر والبلدان التي فيها نساء ذوات ثديِ واحدة!!!
    وبعض العجائب والخرافات التي حكاها في رحلته يقطع الإنسان بأنها مختلقة ومجرد أساطير يتناقلها الناس، ويسجلها ابن بطوطة وكأنه شاهدها أو اتصل بها!
    (*) ثانياً : تحقيق ما نسبه ابن بطوطة لابن تيمية رحمهما الله.
    من يحقق ويدقق فيما نقله ابن بطوطة عن ابن تيمية يقطع بكذبه، وذلك لأن ابن بطوطة ذكر أنه حضر يوم الجمعة وابن تيمية يعظ الناس على منبر الجامع ونزل من درجة المنبر وهو يقول إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا.. إلخ.
    وهنا لنا وقفات نقدية علمية .. أهمها :
    (1) أن ابن بطوطة -غفر الله له- كذب ولم يسمع من ابن تيمية ولم يجتمع به، إذا كان وصوله إلى دمشق يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المبارك عام ست وعشرين وسبعمائة هجرية، وكان سجن ابن تيمية في قلعة دمشق أوائل شعبان من
    ذلك العام، إلى أن توفاه الله تعالى ليلة الأثنين لعشرين من ذي القعدة عام ثمان وعشرين وسبعمائة هجرية!!
    والسؤال الجوهري : كيف رآه ابن بطوطة يعظ على منبر الجامع وسمع منه ؟؟!
    (2) أن كل من ترجم لشيخ الإسلام ابن تيمية لم يذكر أبداً أنه كان يخطب أو يعظ على منبر الجمعة، ولو كان ذلك كذلك لذكره من ترجم له لأهميته، وإنما كان شيخ الإسلام يجلس على كرسي يعظ الناس، ويكون له مجلساً غاصاً بأهله.
    (3) أن حادثة مشهورة جداً جداً مثل هذه الحادثة، فهي أمام الناس، وعلى منبر في مكان مشهور، ومن عالم مشهور ومحسود وله أعداء كثر، ويقول مالا يسع الناس السكوت عنه، ثم ينفرد بنقل هذه الحادثة -التي تتوافر جميع أسباب نقلها وتواترها فيها- ابن بطوطة !!!
    (*) ثالثاً : حقيقة كتاب رحلة ابن بطوطة.
    وإذا حققنا القول في ذات كتاب الرحلة، وأنصفنا مؤلفه، فإننا قد نخلص إلى أن الكذب والتلفيق والخرافات الموجودة في هذا الكتاب ليست من صنع ابن بطوطة نفسه، بل من النسّاخ، وهذا كثير ما يحصل، حتى الكتب السماوية السابقة قد دخلها من النسّاخ التحريف الكثير.
    وقد نبه الحافظ الإمام ابن حجر إلى أن ابن بطوطة -رحمه الله- لم يكتب تفاصيل رحلته وإنما الذي كتبها وجمعها هو أبو عبدالله بن جزي الكلبي وهو من نمقها، وكان العلامة البلفيقي يتهمه بالكذب والوضع !!
    وبالرجوع إلى نفس الرحلة نجد أن ابن جزي الكلبي يقول في المقدمة:
    ( ونقلت معاني كلام الشيخ أبي عبدالله بألفاظ موفية للمقاصد التي قصدها، موضحة للمعاني التي اعتمدها)!!!
    ويقول في آخر الكتاب : ( انتهى ما لخضته من تقييد الشيخ أبي عبدالله محمد بن بطوطة).
    وهذا يدل صراحة أن كتاب رحلة ابن بطوطة لم يصلنا بألفاظ مؤلفه، بل الناقل نص على تدخله في الألفاظ والكلمات.
    (*) رابعاً: عقيدة شيخ الإسلام المتواترة عنه تثبت اختلاق هذه القصة.
    من كان له إلمام سطحي أو بسيط في تراث شيخ الإسلام ابن تيمية يقطع جازماً أن هذه القصة مختلقة، وليراجع من يشاء مجموع الفتاوى، أو درء التعارض ليعلم أن ابن تيمية يحارب هذا الفكر، ولا يؤمن إلا بما آمن به سلف الأمة رضوان الله عليهم.
    بل فليراجع من يشاء كتاب "شرح حديث النزل" لابن تيمية ليتعرف عن قرب على عقيدته في نزول الرب سبحانه، وصفاته تعالى.
    (*) خامساً: شهادة أهل الإنصاف من العلماء.
    إذا كان هناك من يستجيز الكذب والبهتان لينصر مذهبه، أو ليهزم خصمه، فإن كثيراً من العلماء وفي شتى المذاهب لا يبيعون دينهم فيكذبون لنصرته.
    فهذا الشيخ العلامة "إبراهيم الكوراني الشافعي الأشعري" يقول في حاشيته المسماة ( مجلى المعاني على شرح عقائد الدواني) ما نصه : (ابن تيمية ليس قائلاً بالتجسيم، فقد صرح بأن الله تعالى ليس جسماً في رسالة تكلم فيها على حديث النزول كل ليلة إلى السماء الدنيا، وقال في رسالة أخرى: "من قال إن الله تعالى مثل بدن الإنسان أو أن الله تعالى يماثل شيئاً من المخلوقات فهو مفتر على الله سبحانه" ).
    ثم قال الشيخ العلامة إبراهيم الكوراني: ( بل هو على مذهب السلف من الإيمان بالمتشابهات مع التنزيه بليس كمثله شيء).
    وهذا المحقق الدكتور "علي المنتصر الكتاني" الذي حقق كتاب ( رحلة ابن
    بطوطة) يقول عن هذه القصة : ( هذا محض افتراء على الشيخ رحمه الله، فإنه كان قد سجن بقلعة دمشق قبل مجيء ابن بطوطة إليها بأكثر من شهر، فقد اتفق المؤرخون أنه اعتقل بقلعة دمشق لآخر مرة في اليوم السادس من شعبان سنة
    726هـ ولم يخرج من السجن إلا ميتاً، بينما ذكر المؤلف -ابن بطوطة- في الصفحة 102 من كتابه أنه وصل دمشق في التاسع من رمضان)!!
    وهذا "محمد سعيد رمضان البوطي"!! يقول :
    ( ونحن نعجب عندما نجد غلاة يكفرون ابن تيمية رحمه الله ويقولون إنه كان مجسماً، ولقد بحثت طويلاً كي أجد الفكرة أو الكلمة التي كتبها أو قالها ابن تيمية والتي تدل على تجسيده فيما نقله عنه السبكي أو غيره فلم أجد كلاماً في هذا قط .. ورجعت إلى آخر ما كتبه أبو الحسن الأشعري وهو كتاب الإبانة فرأيته هو الآخر يقول كما يقول ابن تيمية، إذن فلماذا نحاول أن نعظم وهماً لا وجود له؟ ولماذا نحاول أن ننفخ في نار شقاق؟)
    (**) إضافة يسيرة :
    ( 1 ) قال فضيلة الشيخ عبدالعزيز الراجحي - حفظه المولى - :
    ( ابن بطوطة معروف أنه ليس بمحقق وأنه كذب على شيخ الإسلام ابن تيمية كما
    ذكر في الحاشية أنه قال: إن شيخ الإسلام ابن تيمية مشبه، وأنه كذب عليه،
    وأنه قال: إني وافقت ابن تيمية وأنه قال: إن الله ينزل مثل نزولي عن هذا
    المنبر، هو كذب، ما أدرك شيخ الإسلام ابن تيمية وإنما لما دخل بغداد -لما
    دخل البلاد- كان شيخ الإسلام مسجونًا في ذلك الوقت.)
    من شرح الشيخ لكتاب تطهير الاعتقاد .
    ( 2 ) تكلم عن قصة ابن بطوطة الشيخ العلامة أحمد بن إبراهيم بن عيسى رحمه
    الله – وهو من أعلام الدعوة النجدية – قال رحمه الله تعالى : ((...وذكر
    ابن بطوطة في رحلته المشهورة . قال : " وكان دخولي لبعلبك عشية النهار ،
    وخرجت منها بالغدو لفرط اشتياقي إلى دمشق ، وصلت يوم الخميس ، التاسع من
    شهر رمضان المعظم ، عام ستةٍ وعشرين وسبع مئة إلى مدينة دمشق الشام ،
    فنزلت فيها بمدرسة المالكية المعروفة بالشرابيشية " . إلى أن قال : "...
    وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة ، تقي الدين بن تيمية كبير الشام .
    يتكلم في الفنون .." وإلى أن قال : ".. فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس
    على منبر الجامع ، ويذكرهم ، فكان من جملة كلامه أن قال : إن الله ينزل
    إلى الشماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من المنبر ، فعارضه فقيه مالكي
    يعرف بابن الزهراء "... إلى آخر ما هذى به ابن بطوطة .
    أقول واغوثاه بالله من هذا المكذب .الذي لم يخف الله كاذبه ، ولم يستحي
    مفتريه ، وفي الحديث ( إذا لم تستحي فصنع ما شئت ) ووضوح هذا الكذب ، أظهر
    من أن يحتاج إلى الإطناب ، والله حسيب هذا المفتري الكذاب ، فإنه ذكر أنه
    دخل دمشق في 9 رمضان سنة 726 وشيخ الإسلام ابن تيمية إذ ذاك قد حبس في
    القلعة ، كما ذكر ذلك العلماء الثقات ، كتلميذه الحافظ محمد بن أحمد بن
    عبد الهادي .
    والحافظ أبي الفرج عبدالرحمن بن أحمد بن رجب في (( طبقات الحنابلة )) قال
    في ترجمة الشيخ من ((طبقاته)) المذكورة : (( مكث الشيخ في القلعة من شعبان
    سنة ست وعشرين ، إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين ، وزاد ابن عبدالهادي أنه
    دخل في سادس شعبان . فانظر إلى هذا المفتري ، يذكر أنه حضره وهو يعظ الناس
    على منبر الجامع . فياليت شعري ، هل انتقل منبر الجامع إلى داخل قلعة دمشق
    ، والحال أن الشيخ رحمه الله لما دخل القلعة المذكورة في التاريخ المذكور
    لم يخرج منها إلا على النعش .
    وكذا ذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير في ((تاريخه )) قال : وفي يوم
    الاثنين بعد العصر ، السادس من شعبان سنة 726 اعتقل الشيخ تقي الدين بن
    تيمية بقلعة دمشق ، حضر إليه من جهة نائب السلطنة مشد الأوقاف ، وابن
    الخطير أحد الحجاب ، وأخبراه أن مرسوم السلطان حضر بذلك ، وأحضرا إليه
    معهما مركوباً ، وأظهرا السرور بذلك ، وقال : أنا كنت منتظر لذلك ، وفيه
    خير كثير ، وركبوا جميعاً من داره إلى باب القلعة ، وأخليت له قاعة ،
    وأجري إليه الماء ، ورسم له بالإقامة فيها . وكان معه أخوه زين الدين
    يخدمه بإذن السلطان ، ورسم بما يقوم بكفايته . انتهى كلامه . فأنظر كلام
    تلامذته وغيرهم ، من العارفين بحاله ، أهل الورع والأمانة والديانة ، يتضح
    لك كذب ، هذا المغربي عامله الله بما يستحق ، والله أعلم . وكم كذبوا عليه
    ، وبهتوه وقولوه أشياء هو برئ منها ، والأمر كما قال تلميذه الناظم :
    فـالبهت عنــدكم رخيص ســعره . . . حثــوا بلا كيل ولا مــيزان . أ . هـ
    من شرح قصيدة ابن القيم للعلامة أحمد بن عيسى
    والله من وراء القصد
    منقول من سحاب السلفية بتصريف
    avatar
    أبو عبد الله أحمد بن نبيل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 2798
    العمر : 47
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 19
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: الذب عن شيخ الإسلام من أكذوبة ابن بطوطة في رحلته

    مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 03.09.09 19:38

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    إنَّ الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في الله حق جهاده وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، فصلى الله عليه وعلى آله الطبين الطاهرين وصحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .

    نص التهمة
    قال ابن بطوطة (57/1):"
    فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس - أي ابن تيمية - على المنبر ...ونزل درجة من درج المنبر وقال - أي ابن تيمية - هكذا ينزل الله إلى السماء الدنيا ونزل درجة " , يقول أبو ناصر : وحاشاه أن يقول ذلك شيخ الإسلام
    .

    أتهم شيخ الإسلام ابن تيمية بتشبيه الله تعالى بخلقه أو التجسيم على كثرة ردوده على المشبهة والمجسمة كما كان يرد على القدرية والجهمية والمعتزلة
    وغيرهم من المؤولة والمعطلة وهو لا يزيد على ما وصف الله تعالى به نفسه في قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} فقط ,
    أثبت في هذه الآية لنفسه ذاتا وصفاتا وفيهما التنزيه عن المماثلة وهو سبحانه كما وصف نفسه سبحا نه بقوله :{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ}وكل شيء محتاج إليه وهو مستغني عما عداه وهو مالك العرش ومدبره فهو مستول على عالم الأجسام وأعظمها العرش كما هو مستول على عالم الروحانيات وهي مسخرة له .
    لقد صدق كثير من العلماء والأدباء في مختلف العصور هذه الرواية الآتية في رحلة ابن بطوطة الشهير وجعلوها قضية مسلمة يروونها ويتوارثونها إلى عصرنا هذا حتى أن دائرة المعارف الإسلامية التي تنقل الآن إلى العربية في مصر قد ترجمت لإبن تيمية ترجمة بقلم الأستاذ محمد بن شنب فيها أغاليط كثيرة ونقلت عبارة ابن بطوطة هذه .

    إن ابن بطوطة رحمه الله لم يسمع من ابن تيمية ولم يجتمع به إذ كان وصوله إلى دمشق يوم الخميس من شهر رمضان عام ست وعشرين وسبعمائة هجرية وكان سجن شيخ الإسلام في قلعة دمشق أوائل شعبان من ذلك العام إلى أن توفاه الله تعالى ليلة الإثنين لعشرين من ذي القعدة عام ثمان وعشرين وسبعمائة هجرية فكيف رآه ابن بطوطة يعظ على منبر الجامع وسمعه .
    لم يكن ابن تيمية يعظ الناس على منبر الجامع كما زعم ابن بطوطة ( 57/1)" فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع " بل لم يكن يخطب أو يعظ على منبر الجمعة كما يوهمه قوله :" ونزل درجة من درج المنبر" وإنما كان يجلس على كرسي يعظ الناس ويكون الناس غاصا بأهله
    على إن ابن بطوطة لم يكتب رحلته بقلمه وإنما أملاها على ابن جزي الكلبي وقال هذا في المقدمة( ونقلت معاني كلام الشيخ أبي عبد الله بألفاظ موفية
    للمقاصد التي قصدها موضحة للمعاني التي اعتمدها ), فيجوز أن يكون ذلك من تحريف النساخ أو وسوسة بعض الخصوم والله أعلم .

    وقال ابن خزي الكلبي في آخرها :" انتهى ما لخصته من تقييد الشيخ ابن بطوطة " وهذا دليل واضح على أن الرحلة لم تصلنا بألفاظ مؤلفها .

    يقول زين العابدين : ولو قال ذلك شيخ الإسلام لطار بها ألد أعداء ابن تيمية ولم يتفرد بالإخبار عنها رحاله وهو ابن بطوطة .

    المراجع
    تحقيق شرح حديث النزول لإبن تيمية لمحمد الخميس , ترجمة شيخ الإسلام لبهجت البيطار عليه رحمة الله .
    منقول
    avatar
    أبو عبد الله أحمد بن نبيل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 2798
    العمر : 47
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 19
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: الذب عن شيخ الإسلام من أكذوبة ابن بطوطة في رحلته

    مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 03.09.09 19:44

    ابن بطوطة يفتري الكذب على ابن تيمية
    للشيخ عبد الرحمن الوكيل رحمه الله
    مما افتراه الخراصون على شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه أنه كان يوما يعظ الناس على منبر جامع دمشق، فكان من جملة كلامه أنه قال: ((إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر))، ومن العجب المقنع بالأعاجيب أن هذه الفرية المفتراة وجدت من يصدقها ويذيعها، ويدب بها صِلَّا غداراً جباناً ينفث بها سمومه.
    فليس في كتب الإمام ابن تيمية، ولا في فتاويه التي خلفها شية من ذلك البهتان، ولا آثاره تنم عن هذه الفرية في ظنونها الآثمة، فابن تيمية المؤمن الصادق الموحد من أعلم الناس بربه، وما ينبغي لجلاله، إن ابن تيمية كان نداء الإيمان القوي الذي دوى، فأيقظ المسلمين من سبات الغفلة الجاهلة، كان نورا شعاعاً يمزق عن العقول أسداف التقليد.
    إن ابن تيمية وجد القلوب يتنازع هواها جيفٌُ فهم فيها الضالون الربوبية من دون الله، فحاول جمعها على محبة الله الحي القيوم، وجد المسلمين قد لوثت عقولهم الفلسفة الحيرى، ومزق اعتقادهم علم الكلام المضطرب، وأضلت قلوبهم الصوفية الزنديقة، وشتت دينهم الفقهاء المتنابذون، فأعلن في جرأة الحق وصولة الإيمان القوي، غير هياب ولا وجل، أن كلمة الله هي العليا ، وأن الدين نبعٌ من كتاب الله وإشراقٌ من سنة رسول الله، أعلن أن الدين ليس فلسفة ولا كلاماً ولا صوفية ، ولا ((فقهنة)) بل إن الدين هدي يستهل إشراقاً من الذكر الحكيم، ومن سنة النبي الكريم، فأنّى لابن تيمية الخاضع الضارع الخشوع لله أن يشبه نزول ربه بنزوله هو من على منبره ؟! .. آه لو تجردت العقول من الهوى، ولو رفع عنها حجب التقليد العمياء الصماء، لرأت الحق أبلج البرهان، ولشهدت الهدى علوي البيان !!.

    بدهتني هذه الفرية منذ زمن، فطالعت من كتب شيخ الإسلام ما ثبّت يقيني أن الشيخ بريء من هذه الفرية؛ ولكني ساءلت نفسي: أيقنا بكذب الفرية ، ولكن أين ؟ ومن هو المفتري ؟! ومن ذا الذي تسرب بها في ثنايا التاريخ أفعواناً يدب على ختل وغدر ؟ وما زلت تصرفني الصوارف ، ثم يعود بي الفكر كلما جادلني مجادل مقلد، ومضى يُرجف بهذه الفرية، ويبدهني بهُجره: حسبكم ضلالاً يا أنصار السنة قولكم وقول ابن تيمية: إن الله ينزل من فوق عرشه كنزولكم من على منابركم. ثم أحيله إلى كتب شيخ الإسلام فينفر مذعوراً غبي الجوف قائلاً: أأقرأ في كتب ابن تيمية ليهدم عقيدتي ؟! كلا !! إنها سم زعاف !!.

    نعم يا رجل: سم زعاف لطاغوتك، وصاعقة تدمر على رءوسها أصنامك !!

    وما زلت حتى أعثرني الله على المفتري الكذوب، وبدهي أن أشنع الكذب ما كانت الماديات المحسة تكذبه، وما كانت حقائق التاريخ الجلية ترميه بالبهتان
    ..

    ها هو كتاب ((مهذب رحلة ابن بطوطة)) في يدي، وهأنذا أطالع من جزئه الأول ما يأتي: (( وصلت يوم الخميس التاسع من شهر رمضان المعظم عام ستة وعشرين إلى مدينة دمشق الشام)) (1) ، ثم أطالع بعدها فأجد ابن بطوطة يقول: ((وكان بدمشق من كبار فقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً (2) ، وكان أهل الشام يعظمونه أشد التعظيم ويعظهم على المنبر)) ثم يقول: ((حضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر)) (3) ...

    هذا هو بيت القصيد كما يعبرون، فابن بطوطة الحقود على الإمام يريد رميه بما ابتدعه المبتدعة: بالتجسيم، يريد رميه بأنه يشبه صفات الخالق بصفات المخلوق، وأن هناك حركة متجسدة محسة يتحركها الإله، وبأن هنالك مسافات تطوى وتجشه جهدا كالإنسان، سبحان ربنا وتعالى

    تلك هي فرية الحقد وبهتان الحسد ، ويقيني أنها المصدر الأول لكل حاقد مبغض لابن تيمية ولمقدريه، ولكن الله الذي يؤيد بالنصر أولياءه، ويقيم بالحق أود الحق، ويشيع نور العدل في حوالك الجور، أقول: إن الله العدل الخبير جعل لنا من الحقائق المادية التي يكاد يلمسها الحس حجة على ابن بطوطة تدمغه بالإفك ، وتجعل من بهتانه فرية ((مُسَيلميّة)) النسب ، ((بهائية)) الدعوى ...

    يقول ابن بطوطة: إنه وصل دمشق في يوم الخميس التاسع من شهر رمضان عام ستة وعشرين وسبعمائة هجرية، فهو يحدد تحديدا دقيقا باليوم، وبالشهر وبالسنة، وقت دخوله دمشق ، ولا ريب أنه سمع ابن تيمية –كما يفتري- بعد ذلك، لأنه سمعه يوم الجمعة، فلا ريب يكون مراده أنه سمعه يوم العاشر من رمضان، إن لم يكن بعد ذلك، وإنه بهذا التحديد الدقيق أقام الحجة على كذبه الكذوب، وإليك الدليل:


    هاهو كتاب العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (4) بيدي ، وهأنذا أقرأ فيه: ((فلما كان في سنة ست وعشرين وسبعمائة وقع الكلام في مسألة شد الرحال وإعمال المطي إلى قبور الأنبياء والصالحين، وظفروا للشيخ بجواب سؤال في ذلك كان قد كتبه من سنين كثيرة يتضمن حكاية قولين في المسألة وحجة كل قول منهما، وكان للشيخ في هذه المسألة كلام متقدم أقدم من الجواب المذكور بكثير ذكره في كتاب ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (5) وغيره وفيه ما هو أبلغ من هذا الجواب الذي ظفروا به))
    .

    ويقول في صفحة تسع وعشرين وثلاثمائة: ((ولما كان يوم الإثنين بعد العصر السادس من شعبان من السنة المذكورة ((726 هـ)) حضر إلى الشيخ من جهة نائب السطلنة بدمشق مِشَدُّ الأوقاف، وابن خطير، أحد الحجاب، وأخبراه: أن مرسوم السلطان ورد بأن يكون في القلعة، وأحضرا معهما مركوباً، فأظهر الشيخ السرور بذلك، وقال: أنا كنت منتظراً ذلك، وهذا فيه خير عظيم، وركبوا جميعاً من داره إلى باب القلعة، وأخليت له قاعة حسنة، وأجرى إليها الماء، ورسم له بالإقامة فيها، وأقام معه أخوه زين الدين يخدمه بإذن السلطان، ورسم له بما يقوم بكفايته وفي يوم الجمعة عاشر الشهر المذكور قرئ بجامع دمشق الكتاب السلطاني الوارد بذلك وبمنعه من الفتيا، وفي يوم الأربعاء منتصف شعبان أمر القاضي الشافعي بحبس جماعة من أصحاب الشيخ بسجن الحكم، وذلك بمرسوم النائب له، في فعل ما يقتضيه الشرع في أمرهم، وأوذي جماعة من أصحابه، واختفى آخرون، وعزر جماعة، ونودي عليهم، ثم أطلقوا، سوى الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر إمام الجوزية فإنه حبسبالقلعة وسكنت القضية)) ، ويقول ابن عبد الهادي بعد ذلك: ((ثم إن الشيخ رحمه الله بقي مقيماً بالقلعة سنتين وثلاثة أشهر وأياماً، ثم توفي إلى رحمة الله ورضوانه، وما برح في هذه المدة مكباً على العبادة والتلاوة وتصنيف الكتب والرد على المخالفين)) (6)
    .

    ويقول ابن عبد الهادي –راوياً عن الشيخ علم الدين- ما يأتي: (( وفي ليلة الإثنين لعشرين من ذي القعدة من سنة ثمان وعشرين وسبعمائة توفي الشيخ الإمام العلامة الفقيه، الحافظ ، الزاهد ،القدوة، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس، أحمد بن شيخنا الإمام المفتي شهاب الدين، أبي المحاسن عبد الحليم، بن الشيخ الإمام شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات، عبد السلام بن عبد الله، بن أبي القاسم، بن محمد بن تيمية الحراني ثم الدمشقي، بقلعة دمشق، التي كان محبوساً (7) فيها ))
    .

    ومن هذه النصوص نفهم أن ابن تيمية سجن في شعبان سنة 726 ، ونفهم أنه دخل سجنه بالقلعة في دمشق ، ومكث فيها عامين لم يخرج فيهما مطلقاً حتى توفي رضي الله عنه في ذي القعدة سنة 728، والذي يقص لنا كل هذا تلميذه الصدوق ابن عبد الهادي، ومن أرخوا لابن تيمية حدودا هذه التواريخ المذكورة من قبل.

    بعد تقرير هذا نعود لمناقشة ابن بطوطة على ضوء مشرق من هذه الحقائق التاريخية الثابتة اليقين
    .

    يقول ابن بطوطة: إنه دخل دمشق في تسع خلت من رمضان عام 726 هـ وأنه سمع يوم الجمعة بنفسه وأذنه ابن تيمية يخاطب على المنبر في الجامع بدمشق مشبهاً نزول الله-جل الله سبحانه- بنزوله من على منبره.
    والثابت من تاريخ ابن تيمية أنه سجن في 6 شعبان سنة 726 هـ بالقلعة وأنه ظل في سجنه حتى مات ، لم يخرج منه بعد عامية وثلاثة أشهر وأيام سنة 728 هـ
    .

    يثبت من هذا أن ابن بطوطة دخل دمشق بعد أن سجن ابن تيمية بشهر يزيد قليلا فابن تيمية سجن في 6 شعبان بعد أن مضى على سجنه أربعة وثلاثون يوماً، ياللكذب الفاضح المفضوح ؟؟!!
    ابن تيمية سجين القلعة حين دخل ابن بطوطة دمشق !. فمتى سمع ابن بطوطة خطبة ابن تيمية ؟! إن ابن تيمية ما كان يغادر محبسه مطلقاً، لعل شيطان ابن بطوطة تمثل بابن تيمية فخطب على الجامع فسمعه ابن بطوطة !!! من هذا التحقيق الجلي لواقع التاريخ يعلن التاريخ في قوة وجلاء، بل يصرخ في وجه ابن بطوطة راميا إياه بالافتراء والكذب على ابن تيمية ، فمن المستحيل المادي المحس الواقعي أن يكون ابن بطوطة قد سمع ابن تيمية

    بقى أن نعرف سر حقد ابن بطوطة على شيخ الإسلام ابن تيمية وافترائه عليه هذه الفرية، لو قرأت رحلة ابن بطوطة لفهمت السر ... إن ابن بطوطة كان ممن يعبدون من يسميهم أولياء، ويستشفع بقبورهم ، ويثبت لأولياءه علم الغيب ، والقدرة على التصرف، وكتابه مشحون بأمثال هذه الوثنيات وما من بلد نزل فيها إلا ويثبت لقبر فيها كرامة وتصريفاً، وأنه استشفع بالقبر فأجيبت شفاعته ولو نقلنا عنه بعض ما ذكر لطال بنا المقام فحسبنا الإشارة إلى ذلك،

    وابن تيمية كان في عصره المعول القوي الذي دك هياكل الأصنام والطواغيت على سدنتها وعبادها ، لقد أشعلها لظى تمور على البدع والأساطير والخرافات، وابن بطوطة من السدنة العباد، فلم لا يشنع على ابن تيمية بهذا ؟!!!

    ها نحن كذبنا من الناحية التاريخية تلك الفرية ، بقي أن نكذبها من الناحية الموضوعية ، ولو ذهبنا نتقصى كتب ابن تيمية عن النزول وسواه من صفات الله وأسمائه في كتبه لطال بنا الوقت، ولطال المقام كثيراً، والسطر اليوم في المجلة بقدر وحساب فنكتفي بذكر ما يأتي وأمرنا إلى الله
    .
    يقول شيخ الإسلام: (( مذهب السلف والأئمة اثبات الصفات ونفي مماثلتها لصفات المخلوق، فالله تعالى موصوف بصفات الكمال الذي لا نقص فيه، منزه عن صفات النقص مطلقاً، ومنزه عن أن يماثله غيره في صفات كماله، فهذان المعنيان جمعا التنزيه، وقد دل عليهما قول الله تعالى: ((قل هو الله أحد ، الله الصمد)) فالأسم ((الصمد)) يتضمن صفات الكمال، والأسم ((الأحد))، يتضمن نفي المثل، .... فالقول في صفاته كالقول في ذاته، والله تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله)).

    أفمن يقول هذا يشبه نزول الله إلى سماء الدنيا بنزوله هو ؟ أم هو الحقد الحقود من ابن بطوطة وعبد الطاغوت على شيخ الإسلام ابن تيمية ؟!

    ولعلنا لا نجد بعد ذلك من قوم يبغضون كل حق على لسان عربي، ويقدسون كل باطل على لسان أعجمي.

    عبد الرحمن الوكيل.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) ص 68 من مهذب رحلة ابن بطوطة ج1 ص 939.

    (2) تأمل حقد ابن بطوطة علىشيخ الإسلام ابن تيمية حيث يفتري عليه
    هذه الفرية، ولست أدري كيف يكون ابن تيمية مخبولا ثم يعظمه أهل الشام هذا
    التعظيم ؟ إلا أن يكونوا جميعا مخبولين، وكيف يخلف من "في عقله شيء" هذا
    التراث الأدبي الفكري الرائع الذي يسمو به العقل البشري إلى الآفاق
    العلوية الذرى في العقيدة الناصعة والعمل الصالح ؟
    (3) ص 77 ج 1 المرجع السابق

    (4) تأليف الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد ابن عبد الهادي تلميذ ابن
    تيمية ، بتحقيق فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمد حامد الفقي ط 1938 ، ص
    327.
    (5) طبعت مطبعة السنة المحمدية هذا الكتاب القيم الجليل بتحقيق العالم
    المحقق محمد حامد الفقي، طبعة متقنة فخمة بفهارس جيدة ، والكتاب كله علم
    وحق وحكمة ، فانظر فيه الحجة والدليل على ما يذكر ابن عبد الهادي في أكثر
    من صفحة
    (6) ص 361 من كتاب العقود الدرية.
    (7) ص 369 من كتاب العقود الدرية

    منقول
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: الذب عن شيخ الإسلام من أكذوبة ابن بطوطة في رحلته

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 29.11.09 10:17

    دفــــــاعـاً عن ابن تـيـمـيـة

    ( إذا بلغ المـاء قـلتـيـن لم ينجـسـه شيء )

    بقلم :
    خالد بن عبد الرحمن الشايع
    الذب عن شيخ الإسلام من أكذوبة ابن بطوطة في رحلته 470674

    الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين

    أما بعد :

    فمما ابتُليت به أمة الإسلام اليوم ما وجد لدى بعض من ينتسب إليها من أنواع العقوق لأئمتها وفضلائها ، حيث وُجِد منهم من يتنقص السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسانٍ إلى يومنا هذا .

    ومما يؤسف له ما وقع من بعض الجاهلين بفضائل الأئمة ، حيث تهجَّموا على عددٍ من علماء الأمة المشهود لهم بالفضل والإمامة ، ففي الأمس القريب تهور أحد الكتاب في جريدة الوطن لينسب أعمال التفجير الآثمة إلى أنها نتاج خليط من الأفكار التي وصفها بقوله : ( الفكر الوهابي في وجهه الغالي والاتجاه التيمي ) إلى آخر ما ذكر في لَتِّه وعجنه .

    وقد دخل في هذه الزوبعة بعض الكتاب الأغرار الذين تهجموا على أئمة الدعوة الإصلاحية ، ثم راح أحدهم يهذي في حق علمائنا ومشايخنا في زمننا هذا ، بل وراح بعضهم يتهم مواطن الخير والإصلاح في بلاد الحرمين ، من أمثال حلقات تحفيظ القرآن الكريم والمراكز الصيفية التابعة لوزارة التربية والتعليم ، وبعضهم بدأ يتهم المناهج الدراسية الدينية ويشكك فيها ، إلى غير ذلك من أنواع الهجوم على مقومات مجتمعنا وثوابته .

    ومن أنواع التشويش كذلك ما حصل من البعض ( بجريدة الرياض العدد 12855 الصادر في 7/7/1424هـ )

    حين حاول أحد الكتاب الصحفيين أن يشكك في قامة شامخة وطودٍ عظيم من قامات العلم والحكمة في تاريخ الإسلام والمسلمين .

    فقد عمد أحد صغار الكتاب الصحفيين لاتهام شيخ الإسلام تقي الدين أبا العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني ، الإمام
    العلامة ، والحافظ الناقد الفقيه المجتهد المفسر ، علم الزهاد ونادرة عصره علماً ومعرفةً وشجاعةً وذكاءً وكرماً ونصحاً للأمة ، أحد بحور العلم

    وممن أثنى عليه الموافق والمخالف

    ومن سارت الركبان بتصانيفه العظام

    ومن لا تستغنِ أيُّ مكتبه أو باحثٍ عن تصانيفه ، المتوفَّى في العشرين من ذي القعدة عام 728 للهجرة رحمه الله .

    قال ابن الزملكاني الشافعي يصف ابن تيمية :

    ماذا يقول الواصفون له وصفاتُه جلَّت عن الحصرِ

    هو حجةٌ لله قــاهرةٌ هو بيننـا أُعجُوبة العصر

    هو آيةٌ في الخلقِ ظاهرةٌ أنـوارُها أربَت عن الفجر


    وأقول كما قال ابن دقيق العيد : وهو أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته ، فلو حلفتُ بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعينيَّ مثله ، ولا رأى هو مثل نفسه في العلم .

    هكذا نحسبه في العلم والفضل ولا نزكيه على الله ، ومع حبنا له رحمه الله فهو كغيره من العلماء يصيب ويخطئ ، غير أن بحار فضائله وكريم شمائله مما لا مراء فيه .

    هذا الإمام العلم تهور أحد الصحفيين في وصفه فنسب إليه رحمه الله من صفات الكذب والبهتان ما أعلم أنه لا يؤثر في ذلك الإمام ولا بمقدار ذرة ، وأنها بهذا الكاتب الصحفي المتهجم ألصق وأليق ، وخاصةً ما يتعلق بالتقلبات النفسية والحيرة المرضية

    ولولا أني أردت أن أَشرف بما جاء من الوعد الكريم في الذب عن أهل الإسلام ، وخاصة أئمتهم لما كان مهماً أن أتوقف عند هذه التشويشات التي يصدق عليها قول الشاعر :

    كناطحٍ صخرةً يوماً ليُوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته ، إلا نصره الله في موطن يحب نصرته " رواه أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث جابر بن عبدالله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري رضي الله عنهم .

    وابن تيمية رحمه الله إمامٌ مشهود بفضله وسعة علمه ومناقبه الجَمَّة ، وقد استطرد المؤلفون في ذكر مناقبه وفضائله منذ كان حياً إلى يومنا هذا في مؤلفات مطولة ومختصرة ، بل لا زالت الدراسات الأكاديمية ورسائل الماجستير والدكتوراة في الجامعات في العالم الإسلامي وغيره تُخصص لدراسة جوانب النبوغ والتميز في حياته وعبقريته وآثاره العلمية وغيرها ، ولهذا فلا يعدو المقال المشار إليه أن يكون ( تهويشاً وتهريجاً ) أكثر من كونه مقال نقد أو تمحيص ، وأنَّى للكاتب ذلك .

    وابن تيمية كان له من المخالفين الذين شهدت الدنيا بذكائهم وسعة علومهم وقوة حججهم ، ممن لا يدانيهم الكاتب المشار إليه ولو قيد شعرة ، ومع ذلك لم يملكوا إلا أن يصرحوا بما كان عليه ابن تيمية من الملكات العلمية والقوة العقلية والفضائل الجمة ، فما أصعبه من مرتقى !! .

    وفي ضوء ذلك : فإن ما جاء في المقال هو في الواقع تهافتٌ ومغالطات واضحة ، وإساءةٌ لهذه الجريدة قبل أن يكون إساءةً لأي أحد ، فابن تيمية آثاره في الدنيا منذ حياته إلى يومنا كمسير الشمس في فلكها ، فأنَّى لأحدٍ أن يبدل هذه الحقيقة التي اختصه الله بها ، ولو كان حيَّاً لتندر بها مخالفوه قبل محبيه .

    وما أحسن قول الشاعر : وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ إذا احتاجَ النهارُ إلى دليلِ

    وقوله أيضاً : وكم من عائبٍ قولاً صحيحاً وآفتُهُ مِنَ الفَهم السَّقيم

    وما هذه الكتابات إلا كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " مقالاتُ من بُخِسَ حظُّه من معرفة الرحمن ، وقلَّ نصيبه من ذوق حقائق الإيمان ، وفرح بما عنده من زبد الأفكار وزبالة الأذهان " ( إغاثة اللهفان 1/31 ) .

    وقد نسب الصحفي المشار إليه لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عدداً من الدعاوى ، منها :

    1ـ ما ادعاه من حكاية تلاميذ ابن تيمية أنه رحمه الله كان إذا أشكل عليه فهم آية قرأ كل ما وقع بيده من كتب التفسير فإن فتح له شيء وإلا لجأ إلى مسجدٍ خرب أو عتيق وتمرغ فيه كما تتمرغ الدابة (!!) ودعا قائلاً : يا معلم إبراهيم علمني ، ويامفهم سليمان فهمني .

    ثم افترى الكاتب المذكور على الشيخ بأن هذه القصة تعكس حالةً من الحيرة والقلق إزاء مسائل كبرى .. إلخ.

    وهذه دعوى مردودة على قائلها ، فلم يكن ابن تيمية يتمرغ كما ذكر ، بل كان يكثر الإخبات والتضرع في السجود ، ولم يكن لديه حيرة ولا قلق ، بل إنه كان صادق التوجه إلى الله واللجأ إليه ، معروفاً بما أكرمه الله من إجابة دعوته ، وكان ثابت القلب منشرح الصدر متنعماً في الطمأنينة الإيمانية والسعادة القلبية ، ومن قوته القلبية أنه كان ما كان عليه من شجاعة وإقدام ، حتى إنَّ الجنَّ كانوا يخضعون له ويهابونه ، وفي هذا يقول ابن دقيق العيد : " وكم عوفي من الصراع الجني إنسانٌ بمجرد تهديده للجني ، وجرت له في ذلك فصول ، ولم يفعل أكثر من أن يتلو آياتٍ ويقول : إن لم تنقطع عن هذا المصروع ، وإلا عملنا معك حكم الشرع ، وإلا عملنا ما يرضي الله ورسوله " ( تاريخ ابن الوردي 2/406ـ413).

    ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله ( إعلام الموقعين 4/257 ) : " وكان شيخنا كثير الدعاء بذلك ، وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول : يا معلم إبراهيم علمني . ويكثر الاستعانة بذلك اقتداء بمعاذ بن جبل رضى الله عنه … إلخ " . ويقول بعض تلاميذه : كانت تصيبنا الظنون وتضيق بنا الأمور حتى إذا ما التقينا به أحسسنا بالسكينة .

    فأين تمرغ الدابة ؟ وأين الحيرة ؟ وأين القلق ؟ إلا عند من ادعاها


    . 2ـ زعم المذكور بأن ابن تيمية كانت عاصفة الشكوك تُلم به بين حين وآخر ، حتى تنعكس على حالته النفسية والصحية (!!) ثم زعم أن ابن تيمية لم تكفِهِ الأدعية والرقى النبوية فراح يجتهد باستخدام آيات القرآن … إلخ .

    أقول : أما أثر الآيات القرآنية في الشفاء فنحيل الكاتب المذكور على ما وضحه ابن تيمية ( مجموع الفتاوى 4/37 ) حيث قال : " وكذلك إذا كان النظر في الدليل الهادي وهو القرآن ، فقد يضع الكلم مواضعه ويفهم مقصود الدليل فيهتدي بالقرآن ، وقد لا يفهمه ، أو يحرف الكلم عن مواضعه فيضل به ، ويكون ذلك من الشيطان ، كما قال تعالى : ونُنَزِّلُ من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً وقال : فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وقال : قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى فالناظر في الدليل بمنزلة المترائي للهلال ، قد يراه، وقد لا يراه لعشي في بصره ، وكذلك أعمى القلب".

    ويقول العلامة ابن القيم : " وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدَّس الله روحه يقول : إنَّ في الدنيا جَنَّةً من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة . وقال لي مرةً : ما يصنع أعدائي بي ؟! أنا جَنتي وبستاني في صدري ، أنَّى رحت فهي معي لا تفارقني ، إنَّ حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة . وكان يقول في محبسه في القلعة : لو بذلت ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هده النعمة ، أو قال : ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ، ونحو هذا .

    وكان يقول في سجوده وهو محبوس : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك . ما شاء الله . وقال لي مرة : المحبوس من حُبس قلبه عن ربه تعالى ، والمأسور من أسره هواه .

    ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال : فضُرِبَ بينهم بِسُورٍ له بابٌ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَلِه العذاب .

    وعَلِمَ الله ما رأيتُ أحداً أطيب عيشاً منه قط ، مع كل ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق ، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً وأشرحهم صدراً وأقواهم قلباً وأسرِّهم نفساً ، تلوح نضرة النعيم على وجهه.

    وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه ، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله ، وينقلب انشراحاً وقوةً ويقيناً وطمأنينة .

    فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه ، وفتح لهم أبوابها في دار العمل فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها " . ( الوابل الصيب ص 70 ) .

    3ـ قال الكاتب ( بل أكاد أجزم أن تسرب خبر مرضه ( الروحي الغامض ) إلى خصومه شكل فرصةً سانحةً لاتهامه بالصرع ، مع العلم أن عدداً من العباقرة والمبدعين كانوا يعانون منه.

    وهذه دعوى نشأت من رأس مدعيها،فسمو روح ابن تيمية كانت على نحو ما تقدم وصفه من البهجة والسكينة والحياة الطيبة، وهؤلاء خصوم ابن تيمية فإنهم مع خلافهم معه ما كانوا يجرؤن على هذيان هذا الكاتب ، بل كانوا يعلمون القوة الروحية التي كان يتمتع بها ويشهدون له بها .

    وفي هذا يقول الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي ( ت 1033هـ ) ( الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية 1/83 ) : " لم ينقل عن ابن تيمية كلام يقتضي كفراً ولا فسقاً ولا ما يشينه في دينه ، وقد كتبت في زمنه محاضر بجماعة من العلماء العدول اطلعنا عليها بأنه لم يقع منه شيء مما يشينه في دينه ، ووصفوه في تلك المحاضر بأعظم مما قلناه من أوصافه المتقدمة ، وإنما قام عليه بعض العلماء في مسألتي الزيارة والطلاق ، وقضية من قام عليه مشهورة " .

    وبالمناسبة فابن تيمية كما يقول ابن القيم : كان شيخنا ابن تيمية يأتي إلى المصروع ويتكلم في أذنه بكلمات ، فيخرج الجني منه فلا يعود إليه بعد ذلك ، فليت هؤلاء الكتاب أدركوه وتكلم في آذانهم لعلهم ينتفعون .

    4ـ زعم الكاتب بأن ابن تيمية كان يذهب للقول بفناء نار الكافرين والمشركين ، وأن فرعون وسائر الكافرين مصيرهم الجنة مهما طال عذابهم في النار .

    وهذه دعوى كاذبة لا تصح عن ابن تيمية ، ولا عن أحدٍ ممن يعتد بقوله ، بل حتى من قال بفناء النار لم يقولوا : إن الكافرين حتى فرعون مصيرهم الجنة ، وإلا فأين قول الله تعالى : إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار .

    وإنما كان محل البحث بين من خاض في هذه المسألة هو القول بفناء النار أو بقائها ، ولم يقولوا : إن الكفار يكون مصيرهم إلى النار ، فهي إذاً دعوى مردودة لا تصح . وأما ابن تيمية فإنما حكى الخلاف ولا يعرف له رأي صريح في القول بفناء النار ، بل عامة المحققين ينقلون عنه القول ببقائها ، وفي هذه المسألة يقول العلامة ابن القيم ( ينظر : شفاء العليل 1/264 ) : " وكنت سألت عنها شيخ الإسلام قدس الله روحه ، فقال لي : هذه المسألة عظيمة كبيرة ولم يُجِب فيها بشيء ، فمضى على ذلك زمن … فكتب فيها مصنفه المشهور رحمة الله عليه " .

    وهذا المصنف حققه شيخنا العلامة د. محمد السمهري ووشَّاه بدراسة نفيسة يجدر مطالعتها.

    5ـ نقم الكاتب المذكور على ابن تيمية أنه " يخضع لنسق ديني سلفي سُنيٍّ " وهذا كله حقٌّ ومحل إشادة وتميزٍ من هذا الإمام ، فماذا بعد الحق إلا الضلال .

    6ـ يقول الكاتب عن ابن تيمية " وينتمي لمدرسة حنبلية كانت تحتاج منه على الدوام إلى نصرة المذهب وأقوال إمامه وتأييد مذهب أهل الحديث " .

    يقول العلامة كمال الدين ابن الزملكاني أحد أعلام الشافعية عن ابن تيمية : " وله باعٌ طويلٌ في معرفة مذاهب الصحابة والتابعين ، قلَّ أن يتكلم في مسألة إلا ويذكر فيها المذاهب الأربعة ، وقد خالف الأربعة في مسائل معروفة ، وصنَّف فيها واحتجَّ لها بالكتاب والسنة " وقال : " كانت الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا في مذهبهم من أشياء " .

    7ـ ثم استنكر الكاتب على ابن تيمية ( الدخول في صراعات شرسة مع الأشاعرة والصوفية … ) لكن الكاتب تناقض مع نفسه ووصف آراء ابن تيمية بأنها ( ذات منزعٍ صوفي خالص لا تنسجم مع النسق السلفي الحنبلي ) (!!) .

    وهكذا دعوى الكاتب أن ابن تيمية ابن القيم تغاضيا عن أبي إسماعيل الهروي ، كيف هذا وابن القيم يقوم مقام الإنصاف ويقول مستنكراً أحد أخطاء الهروي فيقول : " شيخ الإسلام حبيبنا ـ يعني الهروي ـ ولكن الحق أحب إلينا منه ، وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول : عمله خير من علمه ، وصدق رحمه الله ، فسيرته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد أهل البدع لا يشق له فيها غبار ، وله المقامات المشهورة في نصرة الله ورسوله ، وأبى الله أن يكسو ثوب العصمة لغير الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم ". ( مدارج السالكين 3/394 )

    8ـ زعم الكاتب أن ابن تيمية كانت عنده ( نزعة عرفانية ) ثم ساق شواهد ذلك ، وأراد أن يبتعد الكاتب عن بيان حقيقتها ، والتي بينها ابن القيم ووضح أنها لا تعدوا أن تكون نوعاً من الفراسة ، وهذا معروفٌ لدى البشر .

    9ـ وقد لام الكاتب المذكور ابن تيمية على صفاء عقيدته وقوة إيمانه الذي كان يتابع فيه السلف من الصحابة والتابعين ووصفها بـ ( الشدة والحموضة في جانبها الكلامي العقدي ) وهذه الأوصاف من الكاتب تنم عن سوء أدب وجرأة فاحشة ، حيث يصف اعتقاد أهل السنة والجماعة الذي كان ابن تيمية يقرره وينافح عنه بهذه الأوصاف البذيئة .

    10ـ ثم كان الإسقاط الفاحش من هذا الكاتب عندما قرن بين لوثر النصراني وضلاله ، وبين ابن تيمية الإمام المسلم ، وجعل أزمة لوثر الروحية التي قادته لكراهية الله ( تعالى الله وتقدس ) شبيهةً بما ادعاه في حق ابن تيمية وأنه كان ( شخصيةً قلقة ) وأن لوثر خرج من أزمته الروحية من خلال ( كشف في المسيح الرمز الكامل لحالتنا الإنسانية ) ويزعم أن ابن تيمية خرج من هذه الأزمة المزعومة من خلال ( القول بفناء النار ) .

    وسفسطة هذا الكلام وفحشه يغني عن ردِّه لو كان في حق عوام المسلمين،فكيف بشيخ الإسلام ابن تيمية ، والذي هو ( أُمَّةٌ في رَجُل ) كما يصفه أ.د. محمد الأحمد الصالح الأستاذ في كلية الشريعة بالرياض في مصنفه الجليل والماتع .

    وفي ختام هذا التعقيب أؤكد أنه يزداد إعجابي بتلك الشخصية الفذة لابن تيمية ، في جوانب شتى من الحياة ، ومن عجيب ما قرره هذا الإمام ومن خلال ما استقرأه هو في أقوال المبطلين : أن الله يجعل في كلام المبطل نفسه ما ينقضه ، وهذا ما وقع في كلام من عنيناهم في هذا المقال .

    فكنموذج على ذلك : هذا الكاتب المشار إليه الذي جازف باتهامه لابن تيمية بأنه يعاني حيرةً وقلقاً ، قد كتب في أول سطرين من مقاله يتحدث عن نفسه ويقول : ( في سن السادسة عشرة عصفت بي شكوك وتساؤلات وحيرة استمرت مع شهوراً )!!!!

    فهل ترانا سنقبل نقداً في هذا الإمام من شخصٍ هذه بداياته ، التي عكستها أفعاله وأقواله اللاحقة ؟!! .

    فهذا المقال وأمثاله يوضح لنا أن الشكوك والحيرة لم تقف لديه عند شهور ، بل إلى يومنا هذا !! ثم ماذا يريد الكاتب أن يصل إليه ؟ أنه كما تحيَّر وقلق فقد تحير المشاهير وقلقوا ؟! لا ، ثم لا …!!!.

    ولا أجد لهذا الكاتب وأمثاله ممن وقعوا في أئمة الهدى وأعلام التقى أصدق ولا أدق في الوصف لحالته كمثل ما جاء في مقالة هذا الكاتب الذي يمثل تيارهم العقلي السقيم ، وكأنما يشخص لنا سبب حيرتهم وتهافتهم : " حقاً إن هذا الازدواج حيث يخضع الإنسان لنظامين فكريين متنافرين يتطلبان على الدوام توفيقاً وتكاملاً ، لتبدو الشخصية والبناء الفكري للإنسان متماسكاً ، يتحول عند الوعي إلى زلزال مدمر " .

    وهذا ما يعيشه أمثال هؤلاء الكتاب الذين تهجموا على علماء الأمة الراسخين وتوجهوا نحو مبادئها وأصولها بالتنقص والعيب ، كما صنع صاحب كتاب " الأغلال " في تحولاته وتقلباته ، وكما صنع صاحب كتاب " تحريم البيبسي " وكتاب " تحريم الراديو " وكتاب " الرد على من حرم البيبسي والراديو " وصاحب " دعوى الإرجاء وتعميمها "، وصاحب رواية " أولاد الحارة " وصاحب مقال " الألباني وما أثاره من الزوبعة " وغيرهم من ممن لفَّ لفهم وسار على مزالقهم وسفسطاتهم ، وفقني الله وأحياءهم للهدى وختم لنا به ، وجنبني وإياهم الزيغ والضلال .

    وما حال هؤلاء المتنقصين للعلماء الذين خنعت أنفسهم لأقوال السوء إلا كما قال العلامة ابن القيم : احتال عليهم الشيطان وكادهم فأتوا بـ " الكلام الباطل ، والآراء المتهافتة ، والخيالات المتناقضة ، التي هي زبالة الأذهان ونحاتة الأفكار ، والزبد الذي تقذف به القلوب المظلمة المتحيرة ، التي تعدل الحق بالباطل والخطأ بالصواب ، قد تقاذفت بها أمواج الشبهات ، وزانت عليها غيوم الخيالات ، فمركبها القيل والقال والشك والتشكيك وكثرة الجدال ، ليس لها حاصل من اليقين يعول عليه ، ولا معتقد مطابق للحق يرجع إليه ، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ، فقد اتخذوا لأجل ذلك القرآن مهجوراً ، وقالوا من عند أنفسهم فقالوا منكراً من القول وزوراً فهم في شكهم يعمهون وفي حيرتهم يترددون ، نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، واتبعوا ما تلته الشياطين على ألسنة أسلافهم من أهل الضلال ، فهم إليه يحاكمون وبه يتخاصمون ، فارقوا الدليل واتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل " ( إغاثة اللهفان 1/118 ).

    وبكل حال :

    فنحن لا نبغض هؤلاء الشانئين لأئمة المسلمين لذواتهم ، ولكن نبغض تهجمهم على الحق وأهله ويسوءنا كثيراً ، ولو أنهم وقعوا فينا لكان أهون علينا من أن ينالوا ابن تيمية ومن إخوانه علماء المسلمين ، فذلك ما لا يسعنا السكوت عنه مهما تكررت وقيعتهم أو زاد سفههم ، فذلك ما نستطيعه ، وأما كف أيديهم عن بغيهم فذلك إلى أهل الحل والعقد من الناس .

    والله على كل شيء قدير ، وهو سبحانه المستعان ، وسلام على عباده الذين اصطفى .

    حرر في 9/7/1424هـ

    والنقل
    لطفــاً .. من هنــــــــــــا
    http://forum.lahaonline.com/archive/index.php/t-779.html

      الوقت/التاريخ الآن هو 06.05.24 16:59