خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ما هو موقف السلفية من الإمامة والبيعة وموقف الدعوات الحزبية الأخرى ؟ (الحلقة الثانية)

    avatar
    الشيخ أبو مريم العابديني
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 173
    العمر : 49
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 06/08/2008

    الملفات الصوتية ما هو موقف السلفية من الإمامة والبيعة وموقف الدعوات الحزبية الأخرى ؟ (الحلقة الثانية)

    مُساهمة من طرف الشيخ أبو مريم العابديني 22.12.08 15:08

    ثالثاً:لفظ (الإمام) في الكتاب والسنة :
    أولاً:في القرآن: هذا وقد ورد لفظ (الإمام) في القرآن الكريم بصيغة الإفراد في عدة مواضع منها قوله تعالى لإبراهيم u:﴿ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴾([1]).قال شيخ المفسرين الإمام الطبري-رحمه الله- والمعنى :(أني مُصَيِّرُك للناس إمامًا يؤتم به ، ويقتدى به )([2]).

    كما ورد في قوله تعالى عن دعاء المؤمنين :﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ ([3]) أي :(أئمة يقتدي بنا من بعدنا ) ([4]) وقال الإمام البخاري-رحمه الله-:( أئمة نقتدي بمن قبلنا ، ويقتدي بنا من بعدنا ) ([5]).

    وورد اللفظ بصيغة الجمع في قوله تعالى:﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ ([6]). أي : ( أئمة يؤتم بهم في الخير في طاعة الله في إتباع أمره ونهيه ، ويقتدى بهم ، ويتبعون عليه) ([7]).

    وفي قوله تعالى:﴿ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ ([8]) أي : ولاة وملوكًا ([9]) .

    كما ورد اللفظ بمعنى : من يؤتم بهم في الشر . فقال تعالى:﴿ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ ﴾ ([10]) أي : ( رؤساء الكفر بالله ) ([11]) وقوله : ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ﴾ ([12]) أي : ( جعلنا فرعون وقومه أئمة يأتم بهم أهل العتو على الله والكفر به ) ([13]) .قلت: لكن إذا أطلق لفظ ( الإمام ) فإنه لا ينصرف إلى أئمة الباطل ، لأنه ورد ذكرهم في القرآن بهذه الكلمة مقيدة . كما في هذه الآيات .

    ثانياً: في السنة: وورد اللفظ أيضًا في مواطن كثيرة من الحديث النبوي الشريف منها قوله e:« فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه.. » الحديث ([14])، وقوله e:« الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ » ([15]) . والمراد : الحاكم أو الخليفة .

    إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة .

    وهكذا أخذت الإمامة معنى اصطلاحيًا إسلاميًا ، فقصد بالإمام : خليفة المسلمين وحاكمهم ، وتوصف الإمامة أحيانًا بالإمامة العظمى أو الكبرى تمييزًا لها عن الإمامة في الصلاة ، على أن الإمامة إذا أطلقت فإنها توجه إلى الإمامة الكبرى أو العامة ، كما أوضح ذلك ابن حزم-رحمه الله ([16]) .

    رابعاً:الترادف بين ألفاظ:الإمام والخليفة وأمير المؤمنين ([17]):والذي يبدو من استعراض الأحاديث الواردة في باب الخلافة والإمامة أن الرسول e والصحابة والتابعين الذين رووها لم يفرقوا بين لفظ خليفة وإمام ، ومن بعد تولية عمر بن الخطاب t أضافوا إليها لفظ:أمير المؤمنين - وإلى ذلك ذهب العلماء فجعلوها من الكلمات المترادفة المؤدية إلى معنى واحد فيقول الإمام النووي-رحمه الله-:( يجوز أن يقال للإمام : الخليفة ، والإمام ، وأمير المؤمنين )([18]).

    ويقول ابن خلدون-رحمه الله-:(وإذ قد بيَّنَّا حقيقة هذا المنصف وأنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به تسمى خلافة وإمامة والقائم به خليفة وإمام ) أ.هـ ([19]) ويعرف ابن منظور-رحمه الله- الخلافة بأنها الإمارة ([20]).

    خامساً:استعمالات لفظي الخلافة والإمامة:ومن الملاحظ أن لفظ (الإمامة) يغلب استعمالهم عادة عند أهل السنة في مباحثهم العقدية والفقهية ، بينما الغالب استعمالهم لفظ ( الخلافة ) في كتاباتهم التاريخية ، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن هذه المباحث - خاصة العقدية - قد كتبت للرد على المبتدعة في هذا الباب كالشيعة والخوارج .
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ([1]) سورة البقرة آية 124 .
    ([2]) تفسير الطبري المسمى ( جامع البيان عن تأويل آي القرآن )(1/529) ط .ثالثة . 1388 هـ . ن . مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي القاهرة .
    ([3]) سورة الفرقان آية 74 .
    (]4] ) تفسير الطبري (19/52) .
    ([5]) صحيح البخاري : ك : الاعتصام ب : الإقتداء بسنن الرسول e فتح الباري (13/248) .
    ([6]) سورة الأنبياء آية 73 .
    ([7]) تفسير الطبري (17/49) .
    ([8]) سورة القصص آية 5 .
    ([9]) تفسير الطبري (20/28) .
    ([10]) سورة التوبة آية 12 .
    ([11]) تفسير الطبري (10/87) .
    ([12]) سورة القصص آية 41 .
    ([13]) تفسير الطبري (20/79) .
    ([14]) متفق عليه: رواه الأئمة البخاري - واللفظ له - ك . الأحكام ب : 1، انظر : فتح الباري (13/111) ، ورواه مسلم أيضًا في ك : الإمارة ، ح 1829 (3/1459) ، وأبو داود في ك : الإمارة ب : 1 ، عون (8/146) ، والترمذي ك : الجهاد ب : 7 ، ح 1705 (4/208) ، ورواه أحمد في مسنده (2/54) .
    ([15]) صحيح: رواه الإمام أحمد-رحمه الله- في مسنده (3/183) ،قلت:وصححه العلامة الألباني-رحمه الله- في "الإرواء" ح (520)(2/298)، وقال-رحمه الله- ورد من حديث جماعة من الصحابة منهم أنس بن مالك وعلي ابن أبي طالب وأبو برزة الأسلمي y وذكر العلامة القاري في شرحه ل ( شرح النخبة ) أن الحافظ قال في هذا الحديث إنه متواتر . ولا يشك في ذلك من وقف على بعض الطرق التي جمعها الحافظ-رحمه الله.
    ([16]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/90) ط . ثانية 1395 هـ . ن . دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان .
    ([17]) هذا الترادف من قبيل دلالتها وإطلاقها على ذات واحدة ، أما من حيث معانيها فلكل واحدة منها معناها الخاص بها . مثل القرآن والفرقان والهدى والنور فهي مترادفة من حيث دلالتها على القرآن ، ومتباينة من حيث معانيها .
    ([18]) روضة الطالبين ليحيى بن شرف الدين النووي (10/49) . ن : المكتب الإسلامي . وانظر : نحوه في مغنى المحتاج للشربيني (4/132) .
    ([19]) المقدمة (ص 190) .
    ([20]) لسان العرب (9/83) .
    avatar
    الشيخ أبو مريم العابديني
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 173
    العمر : 49
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 06/08/2008

    الملفات الصوتية رد: ما هو موقف السلفية من الإمامة والبيعة وموقف الدعوات الحزبية الأخرى ؟ (الحلقة الثانية)

    مُساهمة من طرف الشيخ أبو مريم العابديني 22.12.08 15:17

    فالشيعة يستخدمون لفظ الإمامة دون الخلافة ، ويعتبرونها إحدى أركان الإيمان عندهم ، ويفرقون بين الإمامة والخلافة ، فهم يعتبرون الإمامة رئاسة دين، والخلافة رئاسة دولة ([1])، ويريدون من ذلك إثبات أن عليًا tكان إمامًا زمن خلافة الثلاثة الذين سبقوه . وفي ذلك فصل للدين عن الدولة . وهذا لا يقره الإسلام .

    وممن ذهب إلى التفريق بينهما أيضًا الرافضة الباطنية ([2]) ، وبعض المعتزلة ([3]) .

    ويرى بعضهم أن هذه التسمية من اختراعات الشيعة ([4]) وهذا غير صحيح لاستعمال المسلمين هذا اللفظ قبل انشقاق الشيعة عن الجماعة ، ولوروده في بعض الآيات والأحاديث كما سبق ، ولاستعمال الصحابةُ رضوان الله عليهم له .

    ومما سبق في تعريف الإمامة يتضح لنا أن العلماء الذين تصدوا لتعريفها قدَّموا أمور الدين والعناية به وحفظه على أمور الدنيا ، بمعنى جعل الثانية تابعة للأولى ، وبيان أن سياسة الدنيا يجب أن تكون بالدين وشرائعه وتعاليمه ، وأن فصل الدين عن السياسة مخالفة صريحة لتعاليم الإسلام ولشريعته الربانية.

    سادساً: الفرق بين الخلافة والملك:ولهذا فرق العلماء بين الخلافة والملك، فيقول العلامة ابن خلدون-رحمه الله-في ذلك:(إن الملك الطبيعي:هو حمل الكافة على مقتضى الغرض والشهوة ، والسياسي: هو حمل الكاف على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار، والخلافة هي:حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها)أ.هـ ([5]) .

    والفرق بين الخلافة والملك ثابت في الأحاديث الصحيحة الصريحة عن النبي e من ذلك :

    (1) قول حذيفة t:(قال النبي e:" تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُون، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا([6] فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ" ثُمَّ سَكَتَ)([7]) .
    ــــــــــــــــــــــ
    ([1]) انظر : الإمامة لمحمد حسين آل ياسين (ص 19) ط . ثانية ن . المكتب العلمي بيروت . وانظر : نظرية الإمامة لدى الشيعة الإثنى عشرية د . أحمد محمود صبحي (ص 24) ط . بدون ن . دار المعارف .
    ([2]) انظر : الإمامة وقائم القيامة د . مصطفى غالب (ص 19) ط . 1981 م . ن . مكتبة الهلال .
    ([3]) المغني في أبواب التوحيد والعدل (ج 20) ق : 1 (ص 129) .
    ([4]) المجتمع الإسلامي وأصول الحكم د . محمد الصادق عفيفي (ص 123) ط . أولى 1400 هـ . ن . دار الاعتصام .
    ([5]) المقدمة (ص 190) .
    ([6]) وفي بعض الروايات ملكًا عضوضًا ، وملك عضوض : شديد فيه عسف وعنف . ومعنى الحديث : يصيب الرعية فيه عسف وظلم كأنهم يُعَضُّون فيه عضًا . لسان العرب مادة ( عضض ) (7/191) .
    ([7]) الحديث رواه أحمد (4/273) ، والطيالسي رقم (438) ، وفيه : داود بن إبراهيم الواسطي ( وثَّقه الطيالسي وحدَّث عنه ميزان الاعتدال (3/203) وفيه حبيب بن سالم : مولى النعمان وكاتبه وثقه أبو حاتم ، وقال البخاري : فيه نظر ، وقال ابن عدي : في إسناده اضطراب ميزان الاعتدال (1/455) والحديث قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد (5/189) : ( رواه أحمد ، والبزار أتم منه والطبراني ببعضه في الأوسط ورجاله ثقات ) وحسَّنه العلامة الألباني . انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (5) (1/8
    ) .
    avatar
    الشيخ أبو مريم العابديني
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 173
    العمر : 49
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 06/08/2008

    الملفات الصوتية رد: ما هو موقف السلفية من الإمامة والبيعة وموقف الدعوات الحزبية الأخرى ؟ (الحلقة الثانية)

    مُساهمة من طرف الشيخ أبو مريم العابديني 22.12.08 15:22

    (2) ومنها الحديث الذي رواه أصحاب السنن وغيرهم عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ مولى رسول الله e عن النبي قال : « خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُلْكَ أَوْ-مُلْكَهُ- مَنْ يَشَاءُ » . وفي رواية : « ستكون الخلافة ثلاثون عامًا ثم يكون الملك » ([1]) .

    (3) ومن الآثار ما روي عن سليمان رضي الله تعالى عنه سأل عن الفرقُ بين الخليفة والملك ، فقال سلمان : إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهمًا أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملك ، وأما الخليفة فهو الذي يعدل في الرعية ، ويقسم بينهم بالسوية ، ويشفق عليهم شفقة الرجل على أهل بيته ، والوالد على ولده ، ويقضي بينهم بكتاب الله . فقال كعب : ما كنت أحسب في هذا المجلس من يفرق بين الملك والخليفة ، ولكن الله ألهم سلمان الإجابة ) ([2]) .

    فهذا من الفروق في نوعية سياسة الرعية ، ومن الفروق أيضًا الطريق التي يتم بها الملك أو الخلافة ، فالملك يتم عادة عن طريق القهر والغلبة والعهد من الآباء للأبناء ونحو ذلك ، دون الرجوع إلى أهل الحل والعقد ، أما الخلافة فلا تكون إلا بإقرار أهل الحل والعقد ، سواء عن طريق الاختيار أو عن طريق الاستخلاف كما سيأتي :لكن مما يجب التنبيه له أن كلامنا هنا لا يشمل الملك الذي ذكره الله لبعض أنبيائه كداود وسليمان وغيرهما عليهما السلام، فقد قال الله تعالى عن داودu:﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ﴾([3])قال عن سليمانu:﴿ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ ﴾([4]).وغيرهم من الأنبياء ممن سُمُّا ملوكًا فهؤلاء أنبياء معصومين، ولا شك أن ملكهم على نهج الحق قطعًا ، لذلك لا يرد عليه الذم الوارد في الأحاديث السابقة لعصمتهم عليهم السلام.

    ثامناً:جواز إطلاق لفظ ( خليفة ) على من سوى الراشدين:قال أبو عبد الله ابن الأزرق-رحمه الله-:( قال الإمام البغوي-رحمه الله-: لا بأس أن يسمى القائم بأمر المسلمين أمير المؤمنين والخليفة وإن كان مخالفًا لسيرة أئمة العدل، لقيامه بأمر المؤمنين وتسمع المسلمين له)([5])وذلك بشرط إقامة معالم الدين وإن قَصَّرُوا هم في أعمال أنفسهم أو ظلموا أو جاروا في الأموال ونحوها. والله أعلم ([6]).


    تاسعاً:حكمها: اتفق السواد الأعظم من المسلمين على وجوب نصب الإمام ([7]) ، ولم يشذ عن هذا الإجماع إلا النجدات من الخوارج ([8])، والأصم ([9]) ، والفوطي ([10]) من المعتزلة ([11]) . وفي هذا يقول الإمام ابن حزم-رحمه الله-:( اتفق جميع أهل السنة ، وجميع المرجئة ، وجميع الشيعة ، وجميع الخوارج على وجوب الإمامة ، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل ، يقيم فيهم أحكام الله ، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله e حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا : لا يلزم الناس فرض الإمامة ، وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم) أ.هـ ([12]).

    وقال الإمام القرطبي:( ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة ولا بين الأئمة ، إلا ما روي عن الأصم ، حيث كان عن الشريعة أصم . وكذلك كل من قال بقوله واتبعه على رأيه ومذهبه) ([13]) .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ([1]) هذا الحديث رواه أبو داود ك : السنة . ب : 8 . عون (12/397) ورواه الترمذي ك : الفتن . ب : 48 ح2226 ، (4/503) وقال : حديث حسن ، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان ولا نعرفه إلا من حديث سعيد ، ورواه أحمد (4/372) وصححه ، قال الخلال : ( أخبرنا المروزي قال : ذكرت لأبي عبد الله حديث سفينة فصححه ، وقال هو صحيح ، قلت : إنهم يطعنون في سعيد بن جمهان . فقال : سعيد بن جمهان ثقة ، روى عنه غير واحد ، منهم حماد وحشرج والعوام وغير واحد . قلت لأبي عبد الله : إن عياش بن صالح حكى عن علي بن المديني ذكر عن يحيى بن القطان أنه تكلم في سعيد بن جمهان ، فغضب وقال : باطل ما سمعت يحيى تكلم فيه فقد روى عن سعيد بن جمهان غير واحد ) . انظر : المسند من مسائل الإمام أحمد للخلال مخطوط - ورقة (64) .
    والحديث صححه العلامة الألباني-رحمه الله- وقد أفاض في تخريجه . انظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم (460) ، (1/198) وذكر له طرقًا كثيرة غير طريق سعيد بن جمهان .
    ([2]) الطبقات الكبرى لابن سعد (3/306) . وانظر : تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص 140) ط . أولى 1371 هـ ن . المكتبة التجارية الكبرى بمصر .
    ([3]) سورة البقرة آية 251 .
    ([4]) سورة البقرة آية 102 .
    ([5]) بدائع السلك (1/92) .
    5)) نقلاً عن "الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة "(ص27ـ42) لعبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي بتصرف وزيادة.
    ([7]) انظر على سبيل المثال : الجامع لأحكام القرآن (1/264) ، وكشاف القناع (6/158) ، ومنتهى الإرادات لابن النجار (2/494) ، وحاشية القليوبي على شرح المنهاج (4/173) ، ومغني المحتاج (4/129) ، والدر المختار (1/115) ، والمسامرة (ص 254) ، والأحكام السلطانية للماوردي (ص 5) ، ولأبي يعلى (ص 19) ، والفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (4/87) ، ومراتب الإجماع له (ص 124) ، والسياسة الشرعية لابن تيمية (ص 161) ، ومقدمة ابن خلدون (ص 191) ، وبدائع السلك لابن الأزرق (1/71) ، وغيرها من كتب الفقه .
    ([8]) انظر : مقالات الإسلاميين (1/205) ط . الثانية 1389 هـ . ن . مكتبة النهضة المصرية . تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد . وممن يذكر عنه عدم وجوب الإمامة من الخوارج أيضًا المحكمة ، لكنهم تراجعوا عن ذلك ، ويُنسب هذا القول إلى الإباضية أيضًا لكنهم ينفون ذلك . انظر بتوسع : رسالة ( الخوارج تاريخهم وآراؤهم الإعتقادية وموقف الإسلام منها ) للطالب : غالب بن علي عواجي ، إشراف د . عثمان عبد المنعم عيش (ص 362) لنيل الماجستير جامعة الملك عبد العزيز بمكة . 98 /1399 هـ
    ([9]) أبو بكر عبد الرحمن بن كيسان الأصم من كبار المعتزلة من الطبقة السادسة ، فرق وطبقات المعتزلة (ص 65) .
    ([10]) هو هشام بن عمرو الفوطي شيباني من أهل البصرة من الطبقة السادسة ، طبقات المعتزلة (ص 69) ، وإليه تنسب فرق الهاشمية من المعتزلة ، الفرق بين الفرق (ص 159) .
    ([11]) أصول الدين للبغدادي (ص 272) . ط . الثانية 1400 هـ . ن . دار الكتب العلمية بيروت .
    ([12]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/87) .
    ([13]) الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي (1/264) ط . الثالثة 1386 هـ . ن . دار القلم .

      الوقت/التاريخ الآن هو 10.05.24 0:05