خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    هل يجوز التوسل بالنبي- صلى الله تعالى عليه وآله وأخوانه وسلم- في الدعاء بعد موته؟

    avatar
    الشيخ أبو مريم العابديني
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 173
    العمر : 49
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 06/08/2008

    الملفات الصوتية هل يجوز التوسل بالنبي- صلى الله تعالى عليه وآله وأخوانه وسلم- في الدعاء بعد موته؟

    مُساهمة من طرف الشيخ أبو مريم العابديني 23.11.08 16:58

    س 9: هل يجوز التوسل بالنبي e في الدعاء بعد موته؟
    قلت: هذا سؤال مهم، فنحب أن نبسط الجواب فيه؛ فأقول وبالله التوفيق:
    أولاً:- حكم التوسل:
    التوسل: مصدر توسل يتوسل: أي اتخذ وسيلة توصله إلى مقصوده؛ فأصله طلب الوصول إلى الغاية المقصودة.
    وينقسم التوسل إلى قسمين:
    القسم الأول:- قسم صحيح وهو:-
    التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى المطلوب؛ وهو على أنواع نذكر منها:
    النوع الأول: التوسل بأسماء الله – تعالى– : وذلك على وجهين:
    الوجه الأول: أن يكون ذلك على سبيل العموم؛ ومثاله ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود t في دعاء الهم والغم قال: "اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي…"الخ؛ فهنا توسل بأسماء الله –تعالى– على سبيل العموم "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك".
    الوجه الثاني: أن يكون ذلك على سبيل الخصوص بأن يتوسل الإنسان باسم خاص لحاجة خاصة تناسب هذا الاسم ، مثل ما جاء في حديث أبي بكر t حيث طلب من النبي e دعاءً يدعو به في صلاته، فقال : "قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك ، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" فطلب المغفرة والرحمة وتوسل إلى الله – تعالى – باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب وهما "الغفور" و "الرحيم" .
    وهذا النوع من التوسل داخل في قوله – تعالى-:} وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{[الأعراف آية: 180] فإن الدعاء هنا يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة.
    النوع الثاني: التوسل إلى الله – تعالى– بصفاته، وهو أيضاً كالتوسل بأسمائه على وجهين:
    الوجه الأول: أن يكون عاماً كأن تقول: "اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا" ثم تذكر مطلوبك.
    الوجه الثاني: أن يكون خاصاً، كأن تتوسل إلى الله – تعالى- بصفة معينة خاصة لمطلوب خاص، مثل ما جاء في الحديث "للهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي" فهنا توسل لله –تعالى– بصفة "العلم" و"القدرة" وهما مناسبتان للمطلوب.
    ومن ذلك أن يتوسل بصفة فعلية مثل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
    النوع الثالث: أن يتوسل الإنسان إلى الله U بالإيمان به، وبرسوله e:
    فيقول: "اللهم إني آمنت بك، وبرسولك فاغفر لي أو وفقني"، أو يقول: "اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا"، ومنه قوله تعالى: } إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193){. [آل عمران]. فتوسلوا إلى الله – تعالى– بالإيمان به أن يغفر لهم الذنوب، ويكفر عنهم السيئات، ويتوفاهم مع الأبرار.
    avatar
    الشيخ أبو مريم العابديني
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 173
    العمر : 49
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 06/08/2008

    الملفات الصوتية رد: هل يجوز التوسل بالنبي- صلى الله تعالى عليه وآله وأخوانه وسلم- في الدعاء بعد موته؟

    مُساهمة من طرف الشيخ أبو مريم العابديني 23.11.08 17:04

    النوع الرابع: أن يتوسل إلى الله - سبحانه وتعالى- بالعمل الصالح:
    ومنه قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غار ليبيتوا فيه، فانطبق عليهم الغار بصخرة لا يستطيعون زحزحتها، فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله؛ فأحدهم توسل إلى الله تعالى ببره بوالديه؛ والثاني بعفته التامة؛ والثالث بوفائه لأجيره، قال كل منهم "اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فافرج عنا ما نحن فيه" فانفرجت الصخرة، فهذا توسل إلى الله بالعمل الصالح.
    النوع الخامس: أن يتوسل إلى الله - تعالى- بذكر حاله يعني أن الداعي يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة:
    ومنه قول موسى u: } رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ {. [القصص آية: 24] يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله أن ينزل إليه الخير. ويقرب من ذلك قول زكريا u: } قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِياًّ { [مريم آية: 4] فهذه أنواع من التوسل كلها جائزة؛ لأنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها.
    النوع السادس: التوسل إلى الله U بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته:
    فإن الصحابة y كانوا يسألون النبي e أن يدعو الله عز وجل لهم بدعاءٍ عام، ودعاءٍ خاص؛ ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك t أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي e يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا، فرفع النبي e يديه وقال: "اللهم أغثنا" ثلاث مرات، فما نزل من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر أسبوعاً كاملاً. وفي الجمعة الأخرى جاء ذلك الرجل أو غيره والنبي e يخطب فقال: يا رسول الله، غرق المال، وتهدم البناء فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع النبي eيديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا" فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، حتى خرج الناس يمشون في الشمس؛ وهناك عدة وقائع سأل الصحابة النبي e أن يدعو لهم على وجه الخصوص ومن ذلك أن النبي e ذكر أن في أمته سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب وهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن وقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال: "أنت منهم" فهذا أيضاً من التوسل الجائز وهو أن يطلب الإنسان من شخص ترجى إجابته أن يدعو الله تعالى له؛ إلا أن الذي ينبغي: أن يكون السائل يريد بذلك نفع نفسه، ونفع أخيه الذي طلب منه الدعاء، حتى لا يتمحض السؤال لنفسه خاصة؛ لأنك إذا أردت نفع أخيك ونفع نفسك صار في هذا إحسان إليه؛ فإن الإنسان إذا دعا لأخيه في ظهر الغيب قال الملك: "آمين ولك بمثل" وهو كذلك يكون من المحسنين بهذا الدعاء والله يحب المحسنين.
    القسم الثاني:- التوسل غير الصحيح وهو:-
    أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بما ليس بوسيلة، أي بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة؛ لأن التوسل بمثل ذلك من اللغو، والباطل المخالف للمعقول، والمنقول؛ ومن ذلك أن يتوسل الإنسان إلى الله تعالى بدعاء ميت يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له؛ لأن هذا ليس وسيلة شرعية صحيحة؛ بل من سفه الإنسان أن يطلب من الميت أن يدعو الله له؛ لأن الميت إذا مات انقطع عمله، ولا يمكن لأحد أن يدعو لأحد بعد موته ، حتى النبي e لا يمكن أن يدعو لأحد بعد موته؛ ولهذا لم يتوسل الصحابة y إلى الله بطلب الدعاء من رسوله e بعد موته؛ فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد عمر t قال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" فقام العباس t فدعا الله U. ولو كان طلب الدعاء من الميت سائغاً، ووسيلة صحيحة لكان عمر ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول اللهe ؛ لأن إجابة دعائه e أقرب من إجابة دعاء العباسt؛ فالمهم أن التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من ميت توسل باطل لا يحل، ولا يجوز.
    ومن التوسل الذي ليس بصحيح:
    أن يتوسل الإنسان بجاه النبي e وذلك أن جاه الرسول e ليس مفيداً بالنسبة إلى الداعي؛ لأنه لا يفيد إلا الرسول e أما بالنسبة للداعي فليس بمفيد حتى يتوسل إلى الله به؛ وقد تقدم أن التوسل اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر. فما فائدتك أنت من كون الرسول e له جاه عند الله؟! وإذا أردت تتوسل إلى الله على وجه صحيح فقل: اللهم بإيماني بك وبرسولك،أو بمحبتي لرسولك، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا الوسيلة الصحيحة النافعة.
    ثانياً:- حكم التوسل بالنبيe: التوسل بالنبي e أقسام:
    الأول: أن يتوسل بالإيمان به فهذا التوسل صحيح:
    مثل أن يقول: "اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي"؛ وهذا لا بأس به؛ وقد ذكره الله -تعالى- في القرآن الكريم في قوله } رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ{. [آل عمران آية: 193]، ولأن الإيمان بالرسول e وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب، وتكفير السيئات؛ فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعاً.
    الثاني: أن يتوسل بدعائه e أي بأن يدعو للمشفوع له:
    وهذا أيضاً جائز وثابت لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول e؛ وقد ثبت عن عمر t أنه قال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا" وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله U بالسقيا؛ فالتوسل في حياة النبي e بدعائه جائز، ولا بأس به.
    الثالث: أن يتوسل بجاه الرسول e سواء في حياته، أو بعد مماته: فهذا توسل بدعي لا يجوز: وذلك لأن جاه الرسول e لا ينتفع به إلا الرسول e؛ وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو ترزقني الشيء الفلاني؛ لأن الوسيلة لا بد أن تكون وسيلة؟ والوسيلة مأخوذة من الوسل بمعنى الوصول إلى الشيء؛ فلا بد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجد، ولا نافع؛ وعلى هذا فنقول: التوسل بالرسول e.
    avatar
    الشيخ أبو مريم العابديني
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 173
    العمر : 49
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 0
    تاريخ التسجيل : 06/08/2008

    الملفات الصوتية رد: هل يجوز التوسل بالنبي- صلى الله تعالى عليه وآله وأخوانه وسلم- في الدعاء بعد موته؟

    مُساهمة من طرف الشيخ أبو مريم العابديني 23.11.08 17:09

    ثلاثة أقسام:
    القسم الأول: أن يتوسل بالإيمان به، واتباعه؛ وهذا جائز في حياته، وبعد مماته.
    القسم الثاني : أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول e أن يدعو له فهذا جائز في حياته لا بعد مماته؛ لأنه بعد مماته متعذر.
    القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه، ومنزلته عند الله؛ فهذا لا يجوز لا في حياته، ولا بعد مماته؛ لأنه ليس وسيلة؛ إذ إنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده؛ لأنه ليس من عمله.
    فإذا قال قائل: جئت إلى الرسول e عند قبره، وسألته أن يستغفر لي، أو أن يشفع لي عند الله فهل يجوز ذلك أولا؟
    قلنا: لا يجوز.
    فإذا قال: أليس الله يقول: } وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ-مُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً {. [النساء: 64].
    قلنا له: بلى إن الله يقول: ذلك، ولكن يقول: [ولو أنهم إذ ظلموا] و[إذ] هذه ظرف لما مضى، وليست ظرفاً للمستقبل؛ لم يقل الله: ولو أنهم إذا ظلموا..، بل قال[إذ ظلموا]. فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول e واستغفار الرسول e بعد مماته أمر متعذر؛ لأنه إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث كما قال الرسولe: "صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". فلا يمكن لإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد؛ بل ولا يستغفر لنفسه أيضاً؛ لأن العمل انقطع.
    ثالثاً: شبهة والرد عليها:
    أن أعمى أتى إلى رسول الله e فقال: يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال: "إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك"، قال: يا رسول الله إنه قد شق عليّ ذهاب بصري، فقال: فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد e نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم شفعه في" ما صحة هذا وما معناه؟
    هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته فمنهم من قال: إنه ضعيف، ومنهم من قال: إنه حسن، ولكن له وجهة ليست كما يتبادر من اللفظ، فإن هذا الحديث معناه أن النبي e أمر هذا الرجل الأعمى أن يتوضأ، ويصلي ركعتين ليكون صادقاً في طلب شفاعة النبي e له، وليكون وضوؤه، وصلاته عنواناً على رغبته في التوسل بالنبي e والتوجه به إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإذا صدقت النية، وصحت، وقويت العزيمة فإن النبي e يشفع له إلى الله عز وجل؛ وذلك بأن يدعو النبي e له. فإن الدعاء نوع من الشفاعة كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي e أنه قال: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه". فيكون معنى هذا الحديث أن هذا الأعمى يطلب من النبي e أن يدعو الله له؛ لأن هذا الدعاء نوع شفاعة. أما الآن وبعد موت النبي e فإن مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون لتعذر دعاء النبي e لأحد بعد الموت، كما قال النبي e: "إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" والدعاء بلا شك من الأعمال التي تنقطع بالموت؛ بل الدعاء عبادة كما قال الله تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{.[غافر: 60]ولهذا لم يلجأ الصحابة y عند الشدائد وعند الحاجة إلى سؤال النبي e أن يدعو الله لهم؛ بل قال عمر ابن الخطاب t حين قحط المطر: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون" وطلب من العباس t أن يدعو الله عز وجل بالسقيا فدعا فسقوا. وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يطلب من رسول الله e بعد موته أن يدعو لأحد؛ لأن ذلك متعذر لانقطاع عمله بموته صلوات الله وسلامه عليه؛ وإذا كان لا يمكن لأحد أن يطلب من النبي e أن يدعو له بعد موت النبي e فإنه لا يمكن ومن باب أولى- أن يدعو أحد النبي e نفسه بشيء من حاجاته أو مصالحه؛ فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله؛ والذي حرم الله على من اتصف به الجنة:
    قال الله تعالى: }وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ{ [ يونس: 106]. وقال تعالى: }فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المُعَذَّبِينَ{ [الشعراء: 213]؛ وقال الله عز وجل: }وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ{ [المؤمنون: 117]؛ وقال تعالى: }إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ{ [المائدة : 72]. فالمهم أن من دعا رسول الله e بعد وفاته أو غيره من الأموات لدفع ضرر أو جلب منفعة فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، وعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يوجه الدعاء إلى العلي الكبير الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء؛ وإني لأعجب من قوم يذهبون إلى قبر فلان وفلان يدعونه أن يفرج عنهم الكربات ويجلب لهم الخيرات وهم يعلمون أن هذا الرجل كان في حال حياته لا يملك ذلك فكيف بعد موته بعد أن كان جثة -وربما يكون رميماً قد أكلته الأرض- فيذهبون يدعونه، ويتركون دعاء الله عز وجل الذي هو كاشف الضر، وجالب النفع، والخير، مع أن الله – تعالى- أمرهم بذلك وحثهم عليه فقال: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [غافر: 60]. وقال الله تعالى: }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ{ [البقرة: 186]. وقال تعالى منكراً على من دعا غيره: }أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ{ [النمل: 62]. أسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم(1).
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) مجموع فتاوى العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- ج 2 / رقم (374 ـ 379 ).

      الوقت/التاريخ الآن هو 02.05.24 23:36