خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    التوكل على الله .. حقيقته وفضله ، وهل ينافي العمل ؟

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية التوكل على الله .. حقيقته وفضله ، وهل ينافي العمل ؟

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 06.10.08 11:09

    التوكل على الله .. حقيقته وفضله ، وهل ينافي العمل ؟

    منيرة بنت حمود البدراني


    إن خير ما تعبَّد العبد به ربه التوحيد، ولا شك أن أول مطلوب من العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله؛ لقوله تعالى: ]فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ[ ([1]).

    "فلا إله إلا الله" تجمع أصولاً عظيمة، ومقامات عالية، وعبادات لا تصرف إلا له سبحانه سواء كانت من أعمال القلوب أو أعمال الجوارح.

    ومن أعمال القلوب التي لا يجوز صرفها لغير الله (التوكل) وهو مصاحب للعبد الصادق من أول قدم يضعها في الطريق إلى ربه إلى نهايتها فكلما ازداد قربه من ربه وقوي سيره ازداد توكله ولا بد.

    فالتوكل هو موضوع هذا البحث، وقد اخترته بمحض إرادتي، وإلحاح حاجتي، فهو عبادة عظيمة تسيطر على العبد الصادق في جميع أعماله حتى ولو كانت من أمور الدنيا.

    ولأني رأيت بعض الناس قد ساءت أحوالهم وتخبطت أفهامهم، فمنهم من ركن إلى الأسباب وادعى التوكل، ومنهم من جانبها وادعى التوكل وقليل من دق فهمه، وسلم حاله، واقتفى أثر النبيين والصديقين في هذه العبادة العظيمة.

    ولا شك أني في ذلك عالة على غيري من السابقين، وفضل السلف على الخلف معروف، وما بين أيدينا من أسفارهم العظيمة خير شاهد جعلنا الله خير خلف لخير سلف. آمين.

    وقد حاولت الاستقصاء والإجادة ما استطعت، وعلى ذلك فالقصور يبدو جلياً، وهذه جبلة بني آدم، إلى النقص أقرب منهم إلى التمام.


    وإني بعون الله وتوفيقه قسمت بحثي إلى المواضيع التالية:

    o حقيقة التوكل وأصوله وأقسامه
    § معنى التوكل
    § أصول التوكل
    § أقسام التوكل
    o علل التوكل ودرجاته وفضله
    § علل التوكل
    § درجات التوكل
    § فضل التوكل
    o العلاقة بين التوكل والأخذ بالأسباب عامة
    § التوكل والعمل بالأسباب عامة
    § حكم التداوي وعلاقته بالتوكل
    o وقفة عند حديث: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب"
    o الكي والاكتواء
    o الرقية والاسترقاء
    o الطيرة، وعلاجها



    أولاً: التوكل لغة:


    يقال: توكل بالأمر إذا ضمن القيام به، ووكلت أمري إلى فلان: أي ألجأته واعتمدت عليه فيه.
    ووكل فلان فلاناً إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته، أو عجز عن القيام بأمر نفسه([2]) وأصله الوكول ([3]).
    ويقال: فلان وكلة تُكلَة، أي عاجز يكل أمره إلى غيره ويتكل عليه وواكلت الدابة إذا أساءت السير.

    والوكيل في لغة العرب: هو المسند إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره([4]).
    وفرس واكل يتكل على صاحبه في العدو ويحتاج إلى الضرب ([5]).
    قال الأزهري: الوكيل في صفة الله جل وعز: الذي توكل بالقيام بجميع ما خلق([6]).

    ثانياً: حقيقة التوكل:


    القيام بالأسباب والاعتماد بالقلب على المسبب واعتقاد أنها بيده إن شاء منعها([7]) اقتضاءها، وإن شاء جعلها مقتضية لضد أحكامها ([8])، وإن شاء أقام لها موانع وصوارف تعارض اقتضاءها وتدفعه ([9]).

    ذكر ابن القيم - رحمه الله -: أن التوكل يجمع أصلين علم القلب وعمله فقال: "التوكل يجمع أصلين:
    علم القلب وعمله:

    أما علمه:
    فيقينه بكفاية وكيله، وكمال قيامه بما وكله إيه، وأن غيره لا يقوم مقامه في ذلك.

    وأما عمله:
    فسكونه إلى وكيله وطمأنينته إيه، وتفويضه وتسليمه أمره إليه، ورضاه بتصرفه له فوق رضاه بتصرفه هو لنفسه.

    فبهذين الأصلين يتحقق التوكل، وهما جماعه، وإن كان التوكل دخل في عمل القلب من علمه، كما قال الإمام أحمد: التوكل عمل القلب ولكن لابد فيه من العلم، وهو إما شرط فيه، وإما جزء من ماهيته.

    والمقصود: أن القلب متى كان على الحق كان أعظم لطمأنينته ووثوقه بأن الله وليه وناصره وسكونه إليه" ([10]).
    "التوكل على الله نوعان:

    أحدهما:
    توكل عليه في تحصيل حظ العبد من الرزق والعافية وغيرهما.

    الثاني:
    توكل عليه في تحصيل مرضاته.

    فأما النوع الأول فغايته المطلوبة وإن لم تكن عبادة لأنها محض حظ العبد، فالتوكل على الله في حصوله عبادة، فهو منشأ لمصلحة دينه ودنياه.

    وأما النوع الثاني: فغايته عبادة، وهو في نفسه عبادة، فلا علة فيه بوجه، فإنه استعانة بالله على ما يرضيه، فصاحبه متحقق بإياك نعبد وإياك نستعين" ([11]).

    هذه أقسام التوكل على الله


    أما التوكل على غير الله فهو قسمان أيضاً:

    "أحدهما:
    التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله، كالذين يتوكلون على الأموات والطواغيت في رجاء مطالبهم من النصر والحفظ، والرزق، والشفاعة، فهذا شرك أكبر.

    الثاني:
    التوكل في الأسباب الظاهرة العادية، كمن يتوكل على أمير أو سلطان فيما جعله الله بيده من الرزق أو دفع الأذى، ونحو ذلك، فهذا نوع شرك خفي.

    والوكالة الجائزة هي: توكل الإنسان في فعل مقدور عليه، ولكن ليس له أن يتوكل عليه وإن وكَّله، بل يتوكل على الله ويعتمد عليه في تيسير ما وكله فيه" ([12]).
    ثم إن اعتماده على المخلوق وتوكله عليه يوجب الضرر من جهته، فإنه يُخذل من تلك الجهة، فما علق العبد رجاءه وتوكله بغير الله إلا خاب من تلك الجهة، ولا استنصر بغير الله إلا خذل، قال الله تعالى: ]وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً * كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً[ ([13]).

    "للتوكل ثلاث علل:

    أحدها: أن يترك ما أمر به من الأسباب استغناءً بالتوكل عنها، فهذا توكل عجز وتفريط وإضاعة لا توكل عبودية وتوحيد، كمن يترك الأعمال التي هي سبب النجاة ويتوكل في حصولها.

    قال بعض السلف: "لا تكن ممن يجعل توكله عجزاً ([14])، وعجزه توكلاً ([15]).

    العلة الثانية: أن يتوكل في حظوظه وشهواته دون حقوق ربه، كمن يتوكل في حصول مال أو زوجة أو رياسة.
    أما التوكل في نصرة دين الله وإعلاء كلمته وإظهار سنة رسوله، وجهاد أعدائه فليس فيه علة بل هو مزيلٌ للعلل.

    العلة الثالثة: أن يرى توكله منّة ويغيب بذلك عن مطالعة المنة، وشهود الفضل وإقامة الله له في مقام التوكل.

    وليس مجرد رؤية التوكل علة كما يظنه كثير من الناس، بل رؤية التوكل وأنه من عين الجود ومحض المنة ومجرد التوفيق عبودية وهي أكمل من كونه يغيب عنه ولا يراه.

    فالأكمل أن لا يغيب بفضل ربه عنه، ولا به عن شهود فضله" ([16]).

    ذكر ابن القيم - رحمه الله – للتوكل ثماني درجات:

    "الدرجة الأولى:
    معرفة الرب وصفاته ([17])، من قدرته وكفايته وقيوميته، وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته.
    وهذه المعرفة أول درجة يضع بها العبد قدمه في مقام التوكل.

    قال شيخنا ([18]) - رحمه الله -: ولذلك لا يصح التوكل ولا يُتصور من فيلسوف ولا من القدرية النفاة القائلين بأنه يكون في ملكه ما لا يشاء، ولا يستقيم أيضاً من الجهمية النفاة لصفات الرب جل جلاله، ولا يستقيم التوكل إلا من أهل الإثبات.

    فأي توكل لمن يعتقد أن الله لا يعلم جزئيات العالم: سفلية وعلوية، ولا هو فاعل باختياره، ولا له إرادة ومشيئة ولا يقوم به صفة؟! فكل من كان بالله وصفاته أعلم وأعرف كان توكله أصح وأقوى. والله سبحانه وتعالى أعلم" ([19]).

    "الدرجة الثانية:
    إثبات في الأسباب والمسببات، فإن من نفاها فتوكله مدخول، وهذا عكس ما يظهر في بدوات الرأي أن إثبات الأسباب يقدح في التوكل، وأن نفيها تمام التوكل.

    فليُعلم:
    أن نفاة الأسباب لا يستقيم لهم توكل البتة؛ لأن التوكل أقوى الأسباب في حصول المتوكل فيه، فهو كالدعاء الذي جعله الله سبباً في حصول المدعو به.
    فإذا اعتقد العبد أن توكله لم ينصبه الله سبباً ولا جعل دعاءه سبباً لنيل شيء، فإن المتوكل فيه المدعو بحصوله، إن كان قد قُدّر حصل، توكل أو لم يتوكل، دعا أو لم يدع، وإن لم يقدر لم يحصل توكل أيضاً أو ترك التوكل.

    فالله سبحانه قضى بحصول الشيء عند حصول سببه من التوكل والدعاء، فنصب الدعاء والتوكل سببين لحصول المطلوب، وقضى الله بحصوله إذا فعل العبد سببه، فإذا لم يأت السبب امتنع المسبب، وهذا كما قضى بحصول الشبع إذا أكل والري إذا شرب، فإذا لم يفعل لم يشبع ولم يرو.

    وقضى بحصول الحج والوصول إلى مكة إذا سافر وركب الطرق، فإذا جلس في بيته لم يصل إلى مكة.

    وقضى بدخول الجنة إذا أسلم وأتى بالأعمال الصالحة، فإذا ترك الإسلام ولم يعمل الصالحات لم يدخلها أبداً.

    فوِزان ما قاله منكرو الأسباب: أن يترك كل من هؤلاء السبب الموصل ويقول: إن كان قضي لي وسبق في الأزل حصول الولد والشبع والري والحج ونحوها، فلابد أن يصل إليّ، تحركت أو سكنت، تزوجت أو تركت، سافرت أو قعدت، وإن لم يكن قد قضي لي لم يحصل لي أيضاً فعلت أو تركت.

    فهل يعد أحد هذا من جملة العقلاء؟ وهل البهائم إلا أفقه منه؟ فإن البهيمة تسعى في السبب بالهداية العامة ([20]). هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها حتى تحصل رزقها([21]).

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: التوكل على الله .. حقيقته وفضله ، وهل ينافي العمل ؟

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 06.10.08 11:26

    "فالتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التوكل، ولكن من تمام التوكل عدم الركون إلى الأسباب وقطع علاقة القلب بها فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها" ([22]).

    فتتعلق جوارحه بالأسباب فتباشرها، وأما قلبه فمتعلق بمسبب الأسباب سبحانه وتعالى.

    "الدرجة الثالثة:
    رسوخ القلب في مقام توحيد التوكل: فإنه لا يستقيم توكل العبد حتى يصح توحيده، بل حقيقة التوكل توحيد القلب، فما دامت فيه علائق الشرك فتوكله معلول مدخول وعلى قدر تجريد التوحيد تكون صحة التوكل.

    فإن العبد متى التفت إلى غير الله أخذ ذلك الالتفات شعبة من شعب قلبه، فنقص من توكله على الله بقدر ذهاب تلك الشعبة، ومن ههنا ظن من ظن أن التوكل لا يصح إلا برفض الأسباب.

    وهذا حق، لكن رفضها عن القلب لا عن الجوارح، فالتوكل لا يتم إلا برفض الأسباب عن القلب وتعلق الجوارح بها، فيكون منقطعاً منها متصلاً بها، والله سبحانه أعلم" ([23]).

    "الدرجة الرابعة:
    اعتماد القلب على الله واستناده إليه وسكونه إليه: بحيث لا يبقى فيه اضطراب من تشويش الأسباب، ولا سكون إليها، بل يخلع السكون إليها من قلبه، ويلبسه السكون إلى مسببها

    وعلامة هذا: أنه لا يبالي بإقبالها وإدبارها ولا يضطرب قلبه ويخفق عند إدبار ما يحب منها، وإقبال ما يكره؛ لأن اعتماده على الله وسكونه إليه واستناده إليه قد حصنه من خوفها ورجائها فحاله حال من خرج عليه عدو عظيم لا طاقة له به، فرأى حصناً مفتوحاً فأدخله ربه إليه، وأغلق عليه باب الحصن، فهو يشاهد عدوه خارج الحصن، فاضطراب قلبه وخوفه من عدوه في هذه الحال لا معنى له.

    وكذلك من أعطاه ملك درهماً فسُرق منه، فقال له الملك: عندي أضعافه فلا تهتم، متى جئت إليَّ أعطيتك من خزائني أضعافه، فإذا علم صحة قول الملك ووثق به واطمأن إليه، وعلم أن خزائنه مليئة بذلك؛ لم يحزن على فوته. وقد مثل ذلك بحال الطفل الرضيع في اعتماده وسكونه وطمأنينته بثدي أمه لا يعرف غيره، وليس في قلبه التفات إلى غيره، كما قال بعض العارفين: المتوكل كالطفل، لا يعرف شيئاً يأوي إليه إلا ثدي أمه، كذلك المتوكل لا يأوي إلا إلى ربه سبحانه" ([24]).

    "الدرجة الخامسة:
    حسن الظن بالله عز وجل: فعلى قدر حسن ظن العبد بربه ورجائه له، يكون توكله عليه؛ ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله. والتحقيق: أن حسن الظن به يدعوه إلى التوكل، إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنك به ولا التوكل على من لا ترجوه" ([25]).

    فإذا تيقن العبد أن الله يؤيده ويعينه ويسدده توكل عليه ورجاه.

    "الدرجة السادسة:
    استسلام القلب له وانجذاب دواعيه كلها إليه وقطع منازعاته. وهذا معنى قول بعضهم: التوكل إسقاط التدبير، يعني: الاستسلام لتدبير الرب لك، وهذا في غير باب الأمر والنهي، بل فيما يفعله بك لا فيما أمرك بفعله" ([26]).

    "الدرجة السابعة:
    التفويض: وهو روح التوكل ولبه وحقيقته، وهو إلقاء أموره كلها، وإنزالها به طلباً واختياراً لا كرهاً واضطراراً، بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمره كل أموره إلى أبيه العالم بشفقته عليه ورحمته وتمام كفايته وحسن ولايته له وتدبيره له، فهو يرى أن تدبير أبيه له خير من تدبيره لنفسه، وقيامه بمصالحه وتوليه لها خير من قيامه هو بمصالح نفسه وتوليه لها.

    فلا يجد له أصلح ولا أرفق من تفويضه أموره كلها إلى أبيه، وراحته من حمل كلفها، وثقل حملها مع عجزه عنها وجهله بوجوه المصالح فيها، وعلمه بكمال علم من فوض إليه، وقدرته، وشفقته" ([27]).

    "الدرجة الثامنة:
    درجة الرضا: وهي ثمرة التوكل، ومن فسر التوكل بها فإنما فسره بأجل ثمراته وأعظم فوائده، فإنه إذا توكل حق التوكل رضي بما يفعله وكيله.

    وكان شيخ الإسلام - رحمه الله – يقول: "المقدور يكتنفه أمران: التوكل قبله والرضا بعده، فمن توكل على الله قبل الفعل ورضي بالمقضي له بعد الفعل فقد قام بالعبودية أو معناه" اهـ.

    وباستكمال هذه الدرجات الثمان استكمل العبد مقام التوكل، وثبتت قدمه فيه. وهذا معنى قول بشر الحافي ([28]): يقول أحدهم: توكلت على الله، يكذب على الله، لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به" ([29]).

    "التوكل مصاحب للصادق من أول قدم يضعه في الطريق إلى نهايته، وكلما ازداد قربه به وقوي سيره ازداد توكله.

    فالتوكل مركب السائر الذي لا يتأتى له السير إلا به، ومتى نزل عنه انقطع لوقته، وهو من لوازم الإيمان ومقتضياته.

    قال الله تعالى: ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ ([30]). ففي الآية جعل التوكل شرطاً في الإيمان، فدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل" ([31]).

    (فالتوكل فريضة يجب إخلاصه لله تعالى، لأنه من أفضل العبادات وأعلى مقامات التوحيد، فلا يقوم به على وجه الكمال إلا خواص المؤمنين) ([32]).

    وقال تعالى: ]وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ[ ([33])، فذكر اسم الإيمان ههنا دون سائر أسمائهم دليل على استدعاء الإيمان للتوكل، وأن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه، وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى، وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل، وإذا كان التوكل ضعيفاً فهو دليل على ضعف الإيمان ولابد.

    والله تعالى يجمع بين التوكل والإيمان، وبين التوكل والإسلام، وبين التوكل والتقوى، وبين التوكل والعبادة، وبين التوكل والهداية:

    1- أما الجمع بين التوكل والإيمان، ففي مثل قوله تعالى: ]قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا[ ([34]).

    ونظيره قوله تعالى: ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ ([35]). وفي هذه الآية دليل على أن التوكل على الله عبادة، وعلى أنه فرض وإذا كان كذلك فصرفه لغير الله شرك.

    2- وأما الجمع بين التوكل والإسلام، ففي قوله تعالى: ]وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ[ ([36]).

    3- وأما الجمع بين التوكل والتقوى، ففي مثل قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً[ ([37]).

    4- وأما الجمع بين التوكل والعبادة، فقد جمع الله سبحانه بينهما في سبعة مواضع من كتابه:

    أحدها:
    في سورة أم القرآن: ]إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ[ ([38]).

    الثاني:
    حكاية عن شعيب أنه قال: ]وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ[ ([39]).

    الثالث:
    قوله حكاية عن أوليائه وعباده المؤمنين أنهم قالوا: ] رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ[ ([40]).

    الرابع:
    قوله تعالى لنبيه e: ]وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً[ ([41]).

    الخامس:
    قوله تعالى: ]وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ[ ([42]) .

    السادس:
    ]فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ[ ([43]).

    السابع:
    ]قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ[ ([44]).

    فهذه المواضع السبعة جمعت الأصلين: التوكل: وهو الوسيلة، والإنابة وهي: الغاية. فأشرف غاياته التي لا غاية له أجل منها: عبادة ربه والإنابة إليه. وأعظم وسائله التي لا وسيلة له غيرها البتة: التوكل على الله والاستعانة به، ولا سبيل له إلى هذه الغاية إلا بهذه الوسيلة، فهذه أشرف الغايات، وتلك أشرف الوسائل.

    5- وأما الجمع بين التوكل والهداية ففي مثل قول الرسل لقومهم: ]وَمَا لَنَا أَلاّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا[ ([45]). وقال تعالى: ]فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ[ ([46]).

    فإن كون العبد على الحق يقتضي تحقيق مقام التوكل على الله والاكتفاء به والإيواء إلى ركنه الشديد، فإن الله هو الحق، وهو ولي الحق وناصره ومؤيده، وكافي من قام به.
    والتوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان ولجميع أعمال الإسلام، وإن منزلته منها منزلة الرأس من الجسد، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن، فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل. والله أعلم" ([47]).

    وروى هناد بن السري ([48]) بسنده عن سعيد بن جبير قال: "التوكل على الله جِماع الإيمان" ([49]).

    وسمى الله عز وجل النبي e (المتوكل) كما في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: "قرأت في التوراة صفة النبي e: محمد رسول الله، سميته المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق".

    وفي رواية "أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ…" ([50]).

    وأخبر عن رسله: بأن حولهم كان التوكل، وبه انتصروا على قومهم، وأخبر النبي e عن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب: أنهم أهل مقام التوكل ([51]).

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: التوكل على الله .. حقيقته وفضله ، وهل ينافي العمل ؟

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 06.10.08 11:31

    وقفه عند الآيتين:

    1- ]الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[ ([52]).

    2- ] وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [ ([53]).

    قد تعرضنا في أول هذا المبحث (فضل التوكل) لعلاقة التوكل بالإيمان، والجمع بينهما في القرآن، والجمع بين التوكل والإسلام، والجمع بين التوكل والتقوى، والجمع بين التوكل والعبادة، والجمع بين التوكل والهداية.

    ولكي تتم الفائدة ويكتمل المبحث نختمه بفضله المتعلق بنتائجه، وعاقبة المتوكلين على الله عز وجل على ضوء هاتين الآيتين:

    1- ]حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ[:
    قال ابن جرير - رحمه الله -: "الذين" في موضع خفض مردود على "المؤمنين" وهذه الصفة من صفات الذين استجابوا لله والرسول و"الناس" الأول: هم قوم … كان أبو سفيان سألهم أن يثبطوا رسول الله e وأصحابه الذين خرجوا في طلبه بعد منصرفه عن أحد إلى حمراء الأسد.

    و"الناس" الثاني، هم أبو سفيان وأصحابه من قريش، الذين كانوا معه بأحد.

    ويعني بقوله: "قد جمعوا لكم" قد جمعوا الرجال للقائكم، والكرة إليكم لحربكم.

    "فاخشوهم" فاحذروهم واتقوا لقاءهم فإنه لا طاقة لكم بهم: "فزادهم إيماناً" فزادهم ذلك من تخويف من خوفهم، أمر أبي سفيان وأصحابه من المشركين، يقيناً إلى يقينهم، وتصديقاً لله ولوعده ووعد رسوله إلى تصديقهم، ولم يثنهم ذلك عن وجههم الذي أمرهم رسول الله e بالسير فيه، ولكن ساروا حتى بلغوا رضوان الله منه، وقالوا ثقة بالله وتوكلاً عليه إذ خوفهم من خوفهم أبا سفيان وأصحابه المشركين.

    "حسبنا الله" أي كفانا الله: يعني: يكفينا الله ([54])، كقوله تعالى: ]أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [ ([55])، "ونعم الوكيل" نعم المولى لمن وليه وكفله" ([56]).

    فازدادوا إيماناً بتوكلهم على ربهم وثقتهم به وبما عنده من النصر والتأييد عند تخويف الناس لهم بجمع الناس للقائهم والكرة عليهم لحربهم. ومع هذا العمل الإيماني القلبي قالوا: "حسبنا الله ونعم الوكيل" ولم يلتفتوا إلى تخويف من خوفهم. والله أعلم.

    وروى البخاري بسنده عن ابن عباس "حسبنا الله ونعم الوكيل" قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد e حين قالوا: "إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل" ([57]).

    "وما يروى أن الخليل لما ألقي في المنجنيق قال له جبريل: سل، قال: حسبي من سؤالي علمه بحالي ([58]). ليس له إسناد معروف، وهو باطل، بل الذي ثبت في الصحيح حديث ابن عباس أنه قال: "حسبي الله ونعم الوكيل" قال ابن عباس: قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد حين "قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم".
    وقد روي أن جبريل قال: هل لك حاجة؟ قال: "أما إليك فلا" وقد ذكر هذا الإمام أحمد وغيره.

    وأما سؤال الخليل لربه عز وجل فهذا مذكور في القرآن في غير موضع، فكيف يقول: حسبي من سؤالي علمه بحالي، والله بكل شيء عليم، وقد أمر العباد بأن يعبدوه ويتوكلوا عليه ويسألوه؟! لأنه سبحانه جعل هذه الأمور أسباباً لما يرتبه عليه من إثابة العابدين وإجابة السائلين" ([59]).

    2- ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[:
    "حسبه": أي كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، ولا يضره إلا أذى لابد منه كالحر والبرد والجوع والعطش.

    وأما أن يضره بما يبلغ به مراده فلا يكون أبداً، وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه، وبين الضرر الذي يشتفي به منه.
    قال بعض السلف: جعل الله لكل عمل جزاء من نفسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته، فقال: "من يتوكل على الله فهو حسبه" ولم يقل: فله كذا وكذا من الأجر، كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه، فلو توكل العبد على الله حق توكله، وكادته السماوات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجاً وكفاه ونصره([60]).

    قال الربيع بن خثيم ([61]): إن الله تعالى قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجاه، ومن دعاه أجاب له.

    وتصديق ذلك في كتاب الله:]وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ[ ([62])، ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [ ([63])، ]إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ[ ([64])، ]وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ ([65])، ]وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [ ([66]) …

    وقد قرأ النبي e هذه الآية ([67]) على أبي ذر، وقال له: "لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم" ([68]) يعني لو حققوا التقوى والتوكل لاكتفوا بذلك في مصالح دينهم ودنياهم ([69]).


    تعلق التوكل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى:


    التوكل من أعم المقامات تعلقاً بالأسماء الحسنى والصفات العُلى:

    فله تعلق باسم (الغفار، التواب، العفو، الرؤوف، الرحيم، الفتاح، الوهاب، الرازق، المعطي، المحسن، المعز، المذل، الحافظ، الرافع، المانع).

    وله تعلق بالقدرة والإرادة ولهذا فسره من فسره من الأئمة بأنه المعرفة بالله، فبحسب معرفة العبد لربه يصح له مقام التوكل، وكلما كان بالله أعرف، كان توكله عليه أقوى ([70]).

    قدر الله سبحانه لكمال علمه وحكمته ربط الأسباب بالمسببات، فقد جعل سبحانه لكل شيء سبباً، في أمور الدنيا والآخرة في العبادات والعادات، وندب خلقه إلى مباشرتها، فشمر أهله وخاصته إلى إجابته في كلا الأمرين.

    وهذا هو عمل الأنبياء وأتباعهم الصادقين في طاعتهم وانقيادهم الواقفين مع أوامره أنى استقلت ركائبها جالبة ما جلبت، مقتضية ما اقتضت، جمعتهم أو فرقتهم.

    لكن الصوفية لبَّس عليهم إبليس – عليه لعنة الله – فابتدعوا في دين الله ما ليس منه، وعطلوا من دينه الكثير، فلا أسباب عندهم لا دين ولا دنيا.

    وظنوا أن مباشرة الأسباب المباحة قدح في التوكل، وادعوا أن أهل (الأحوال) لا يباشرون الأسباب ثقة بالله واعتماداً على خوارق العادات.

    ولا شك أنهم حادوا عن الجادة والصراط المستقيم، فقد دل النقل والعقل على وجوب التوكل مع ملابسة الأسباب، أما المنقول: "فإنه قد ظاهر e في الحرب بين درعين، ولبس على رأسه المغفر، وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة وهاجر هو، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوتهم، ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء، وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك" ([71]).

    وكان ادخاره قوت سنة لعياله في آخر عمره وأكمل أحواله مع ربه تعالى، وكان يطوف على القبائل في بداية الدعوة ويقول: من يعصمني حتى أبلغ رسالة ربي. وهو سيد المتوكلين ([72]).

    (والصحابة رضي الله عنهم أجمعين قد حازوا هذه المرتبة واستيقنوها حالاً وعلماً، ولكنه e ندبهم إلى الدخول في الأسباب المقتضية لمصالح الدنيا، كما أمرهم بالأسباب المقتضية لمصالح الآخرة، فدل ذلك على أن الأفضل ما دلهم عليه، وهم لم يتركوا ما دلهم عليه من التسبب تأدباً بآداب رسول الله e مع أنهم هم أهل خوارق العادات) ([73]).

    وعلى نهجهم سار السلف الصالح
    فقد كان عبدالله بن المبارك - رحمه الله – على زهده تاجراً تأتيه البضائع من خراسان إلى البيت الحرام.

    روى البيهقي بسنده إلى الفضيل بن عياض أنه قال لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام؟ كيف ذا وأنت تأمرنا بخلاف ذا؟ فقال ابن المبارك: يا أبا علي، أنا أفعل ذا لأصون بها وجهي وأكرم بها عرضي، واستعين بها على طاعة ربي، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به، فقال له الفضيل: يا ابن المبارك ما أحسن ذا إن تم ذا ([74])…

    وقد رغب النبي e أمته في الكسب وبيَّن لهم أنه من تمام التوكل. عن عمر t قال: سمعت رسول الله e يقول: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً ([75]) وتروح بطانا ([76])" ([77]).

    قال البيهقي في شعب الإيمان: ليس في هذا الحديث دلالة على القعود عن الكسب، بل فيه ما يدل على طلب الرزق، لأن الطير إذا غدت فإنها تغدو وتطلب الرزق، وإنما أراد – والله أعلم – لو توكلوا على الله تعالى في ذهابهم ومجيئهم وتصرفهم، ورأوا أن الخير بيده ومن عنده لم ينصرفوا إلا سالمين قائمين كالطير تغدو خماصا وتروح بطاناً، لكنهم يعتمدون على قوتهم وجلدهم، ويغشون ويكذبون ولا ينصحون، وهذا خلاف التوكل ([78]).

    فالتوكل ليس التبطل والتعطل، بل لابد فيه من التوصل بنوع من السبب لأن الطير ترزق بالسعي والطلب ([79]). كما سيأتي، إن شاء الله تعالى.

    وأما المعقول:
    فهو أن الملك العظيم إذا كانت له جماعة ولهم عوائد في أيام لا يحسن إلا فيها، أو أبواب لا تخرج إلا منها، أو أمكنة لا يدفع إلا فيها فالأدب معه أن لا يطلب منه فعل إلا حيث عوده وأن لا يخالف عوائده، بل يجري عليها، والله تعالى ملك الملوك وأعظم العظماء بل أعظم من ذلك رتب ملكه على عوائد أرادها وأسباب قدرها وربط بها آثار قدرته، ولو شاء لم يربطها، فجعل الري بالشرب والشبع بالأكل والاحتراق بالنار والحياة بالتنفس في الهواء، فمن طلب من الله تعالى حصول هذه الآثار بدون أسبابها فقد أساء الأدب مع الله سبحانه وتعالى بل يلتمس فضله في عوائده ([80]).

    "فمن ظن أن التوكل ترك الكسب بالبدن وترك التدبير بالقلب، والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة فهو جاهل، فإن ذلك حرام في الشرع، والشرع قد أثنى على المتوكلين، فكيف يُنال مقام من مقامات الدين بمحظورات الدين؟!

    وإنما يظهر تأثير التوكل في حركة العبد وسعيه بعلمه إلى مقاصده.

    وسعى العبد باختياره إما أن يكون لأجل جلب نافع هو مفقود عنده كالكسب، أو لحفظ نافع هو موجود عنده كالادخار، أو لدفع ضار لم ينـزل به: كدفع الصائل والسارق والسباع، أو لإزالة ضار قد نزل به كالتداوي من المرض.

    أولاً: جلب النافع:
    الأسباب التي بها يجلب النافع على ثلاث درجات:

    مقطوع به. ومظنون ظناً يوثق به. وموهوم وهماً لا تثق النفس به ثقة تامة ولا تطمئن إليه.

    الدرجة الأولى: المقطوع به:
    وذلك مثل الأسباب التي ارتبطت المسببات بها بتقدير الله ومشيئته ارتباطاً مطرداً لا يختلف، كما أن الطعام إذا كان موضوعاً بين يديك وأنت جائع محتاج ولكنك لست تمد إليه اليد وتقول: أنا متوكل، وشرط التوكل تركي السعي، ومد اليد إليه سعي وحركة.

    وكذلك مضغه بالأسنان وابتلاعه بإطباق أعالي الحنك على أسافله، فهذا جنون محض وليس من التوكل في شيء، فإنك إن انتظرت أن يخلق الله تعالى فيك شبعاً دون الخبز، أو يخلق في الخبز حركة إليك أو يسخر ملكاً ليمضغه لك ويوصله إلى معدتك، فقد جهلت سنة الله تعالى، وكذلك لو لم تزرع الأرض وطمعت أن يخلق الله تعالى نباتاً من غير بذر.

    الدرجة الثانية: الأسباب التي ليست متيقنة،
    ولكن الغالب أن المسببات لا تحصل دونها، وكان احتمال حصولها دونها بعيداً.

    كالذي يفارق الأمصار ويسافر في البوادي التي لا يطرقها الناس إلا نادراً ن ويكون سفره من غير استصحاب زاد، فهذا ليس شرطاً في التوكل، بل استصحاب الزاد في البوادي سنة الأولين. ولا يزول التوكل به بعد أن يكون الاعتماد على فضل الله تعالى لا على الزاد.

    …ولهذا نقول: لو انحاز إلى شعب من الشعاب حيث لا ماء ولا حشيش ولا يطرقه طارق فيه، وجلس متوكلاً فهو آثم ساع في هلاك نفسه.

    إذا: التباعد من الأسباب كلها مراغمة للحكمة، وجهل بسنة الله تعالى، والعمل بموجب سنة الله تعالى مع الاتكال عليه دون الأسباب لا يناقض التوكل.

    الدرجة الثالثة: ملابسة الأسباب التي يتوهم إفضاؤها إلى المسببات من غير ثقة ظاهرة،
    كالذي يستقصي في التدبيرات الدقيقة في تفصيل الاكتساب ووجوهه، وذلك يخرج بالكلية عن درجات التوكل كلها … فهذا غاية الحرص على الدنيا والاتكال على الأسباب" ([81]).

    وهذه أسباب ثلاثة: مقطوع بها، ومظنونة، وموهومة.

    فترك الموهوم فيها شرط في التوكل، وهي التي نسبتها إلى دفع الضرر نسبة الكي والرقية، ورسول الله e لم يصف المتوكلين إلا بترك الكي والرقية والطيرة، ولم يصفهم بأنهم إذا خرجوا إلى موضع بارد لم يلبسوا جبة، والجبة تُلبس دفعاً للبرد المتوقع ([82]).

    روى الترمذي وغيره عن أنس بن مالك قال: "جاء رجل إلى النبي e فقال: يا رسول الله أعقلها وأتوكل أم أطلقها وأتوكل ؟ قال: اعقلها وتوكل ([83]).

    وقال الإمام أبو القاسم القشيري ([84]): "اعلم أن التوكل محله القلب، وأما الحركة بالظاهر فلا تنافي التوكل بالقلب بعدما تحقق العبد أن الثقة من قبل الله تعالى، فإن تعسر شيء فبتقديره وإن تيسر فبتيسيره" ([85]).

    فالسعي في الأسباب بالجوارح طاعة، والتوكل عليه إيمان به ([86]).

    هذا في الأسباب المباحة والاكتساب، كذلك أمور الآخرة وهي الطاعات التي أمر الله عباده بها وجعلها سبباً للنجاة من النار ودخول الجنة فهذا لابد من فعله مع التوكل على الله فيه والاستعانة به عليه فإنه لا حول ولا قوة إلا به، فمن قصر في شيء من ذلك استحق العقوبة في الدنيا والآخرة شرعاً وقدراً.

    قال يوسف بن أسباط: يقال: اعمل عمل رجل لا ينجيه إلا عمله، وتوكل توكل رجل لا يصيبه إلا ما كتب له ([87]).

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: التوكل على الله .. حقيقته وفضله ، وهل ينافي العمل ؟

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 06.10.08 11:42

    الالتفات إلى الأسباب:


    قال بعض أهل العلم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ([88])، ومحو الأسباب – أن تكون أسباباً – تغيير في وجه العقل ([89])، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع([90]).

    والتوكل معنى يلتئم من معنى التوحيد والعقل والشرع ([91]).

    والناس في العمل بالأسباب قسمان: وأصلٌ وسالك.

    فالأول:
    هو الذي لا يلتفت إلى الأسباب ولو تعاطاها.

    والثاني:
    يقع له الالتفات إلى السبب أحياناً، إلا أنه يدفع ذلك عن نفسه بالطرق العلمية والأذواق الحالية إلى أن يرتقي إلى مقام الواصل ([92]).

    التداوي من الأسباب المشروعة التي لا تنافي التوكل ولا تناقضه والدليل على ذلك فعله e وقوله وأمره به.

    أما قوله: فقد قالe: "ما من داء إلا وله دواء عرفه من عرفه وجهله من جهله إلا السام([93]).

    وعند الترمذي: "يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء …".
    وسئل e عن الدواء والرقى هل ترد من قدر الله شيئاً قال: "هي من قدر الله" ([94]).

    وأما أمره e فقد أمر غير واحد من الصحابة بالتداوي وبالحمية وقطع لسعد بن معاذ عرقاً. "أي فصده"، وكوى سعد بن زرارة ([95]).
    (وهو كدفع داء الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً) ([96]).

    حكمه:


    أولاً:
    عند الحنابلة: يباح التداوي بمباح إجماعاً ولا يجب عند جمهور العلماء، ولو ظن نفعه، واختار القاضي وابن عقيل وابن الجوزي وغيرهم من الحنابلة فعله وفاقاً لأكثر الشافعية.

    وتركه أفضل: وهذا هو المشهور في المذهب؛ لخبر السبعين ألفاً يدخلون الجنة، ولأنه أقرب إلى التوكل ([97]).

    وروي عن الإمام أحمد أنه سئل في الرجل يمرض يترك الأدوية أو يشربها؟ قال: إذا توكل فتركها أحب إليّ ([98]).

    ثانياً:
    عند الشافعية: يستحب التداوي لما روي أبو الدرداء أن رسول الله e قال: "إن الله تعالى أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتدواووا ولا تداووا بالحرام" ([99]).
    قال النووي: يستحب التداوي للأحاديث المشهورة في التداوي وإن ترك التداوي توكلاً فهو فضيلة. اهـ كلامه مختصراً ([100]).

    وقال الرافعي منهم: يستحب الصبر على المرض والتداوي ([101]).

    والذي يظهر من كلامه الجمع بينهما.

    ثالثاً:
    المالكية: يرون أن شرب الدواء أو الحمية أو الحجامة أو فصد العروق أو غيرها جائز ([102]) يستوي فعله وتركه ([103]).

    رابعاً:
    الأحناف: مذهب أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب ([104]).

    قال تقي الدين: ليس بواجب عند جماهير الأئمة، إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد ([105]).

    وقد رد ابن تيمية - رحمه الله – على من قال بالوجوب فقال: "التداوي غير واجب، ومن نازع فيه خصمته السنة في المرأة السوداء التي خيرها النبي e بين الصبر على البلاء ودخول الجنة وبين الدعاء بالعافية فاختارت البلاء والجنة ([106])، ولو كان رفع المرض واجباً لم يكن للتخيير موضع كدفع الجوع …

    ولست أعلم سالفاً أوجب التداوي، وإنما كثيراً من أهل الفضل والمعرفة يفضل تركه تفضلاً واختياراً لما اختار الله ورضي به، وتسليماً له، وهذا المنصوص عن أحمد وإن كان من أصحابه من يوجبه.

    ومنهم من يستحبه ويرجحه كطريقة كثير من السلف؛ استمساكاً لما خلقه الله من الأسباب وجعله من سنته في عباده" اهـ كلامه ([107]).

    وقال ابن رجب: "من رجح التداوي قال: إنه حال النبي e الذي كان يداوم عليه وهو لا يفعل إلا الأفضل. وحمل الحديث على الرقي المكروهة التي يخشى منها الشرك بدليل أنه قرنها بالكي والطيرة وكلاهما مكروه ([108]) " اهـ كلامه.

    وفي حمل من حمل الحديث على الرقي التي يخشى منها الشرك نظر حيث إن المقصود بها الرقي المشروعة لكن المتوكل يتورع عنها.

    أما الرقي الشركية فلا يجوز تعاطيها البتة، واستخدامها قادح في التوحيد ([109]) فضلاً عن تمام التوكل والإيمان.

    والذي يترجح في حكم التداوي – والله أعلم – أنه مستحب وفضيلة؛ ففيه رفق بالمريض وأهله ومحبيه، وقوة على الطاعة والعمل، والمؤمن القوي خيرّ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

    علاوة على النصوص الصريحة في الأمر بالتداوي، وفعله e. مع وجوب الاعتماد على الله تعالى لا على الأدوية في حصول الشفاء.

    أما حديث المرأة السوداء: فدليل على عدم الوجوب، وصارف للأحاديث عنه إلى الاستحباب، ولا دليل فيه على فضل ترك التداوي مع القدرة عليه. والله أعلم.

    روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: قال رسول الله e: "عرضت علي الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد، حتى رفع لي سواد عظيم، قلت: ما هذا؟ أمتي هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد يملأ الأفق، ثم قيل لي: انظر ههنا وههنا – في آفاق السماء – فإذا سواد قد ملأ الأفق، وقيل: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفاً بغير حساب، ثم دخل ولم يبين لهم، فأفاض القوم وقالوا: نحن الذين آمنا بالله واتبعنا رسوله فنحن هم، أو أولادنا الذين ولدوا في الإسلام، فإنا وُلدنا في الجاهلية، فبلغ النبي e فخرج فقال: هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون.

    فقال عكاشة بن محصن: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم، فقام آخر فقال: أمنهم أنا؟ قال: سبقك بها عكاشة" ([110]).

    وفي رواية: "عرضت علي الأمم، فأخذ النبي يمر معه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي يمر معه العشرة، والنبي يمر معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرت فإذا سواد كثير، قلت: يا جبريل هؤلاء أمتي؟ قال: لا ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب، قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام إليه عكاشة بن محصن فقال: اُدعُ الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، ثم قام إليه رجل آخر فقال: اُدع الله …" ([111]) إلى آخر الحديث.

    وساق مسلم بسنده عن أبي هريرة أن النبي e قال: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، فقال رجل ([112]): يا رسول الله اُدع الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، ثم قال آخر فقال: يا رسول الله اُدع الله أن يجعلني منهم، قال: سبقك بها عكاشة" ([113]).

    وفي رواية: قالوا: من هم يا رسول الله ؟ قال: "هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون" ([114]).

    وفي رواية: "هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون" ([115]).

    وفي رواية: "هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" ([116]).

    قال شيخ الإسلام: هذه الزيادة وهم من الراوي، لم يقل النبي e: "لا يرقون" لأن الراقي محسن إلى أخيه، وقد قال e حين سئل عن الرقى: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه" ([117]).

    وقالe: "لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً" ([118]).

    وأيضاً فقد رقى جبريل النبي e ([119]).

    قال: والفرق بين الراقي والمسترقي: أن المسترقي سائل مستعط ملتفت إلى غير الله بقلبه، والراقي محسن، وإنما وصفت السبعين ألفاً بتمام التوكل، فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يكويهم ولا يتطيرون" ([120]).

    روى البخاري بسنده عن جابر t عن النبي e قال: "إن كان في شيء من أدويتكم شفاء ففي شرطة محجم، أو لذعة بنار، وما أحب أن أكتوي" ([121]).

    قال ابن حجر: كأنه أراد أن الكي جائز للحاجة، وأن الأولى تركه إذا لم يتعين، وأنه إذا جاز كان أعم من أن يباشر الشخص ذلك بنفسه أو بغيره لنفسه أو لغيره. وعدم الجواز مأخوذ من نسبة الشفاء إليه.

    وفضل تركه من قوله: "وما أحب أن أكتوي".

    وقد أخرج مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر قال: "رمي سعد بن معاذ على أكحله فحسمه رسول الله e" ([122]).

    قال الخطابي: إنما كوى سعداً ليرقأ الدم من جرحه، وخاف عليه أن ينزف فيهلك ([123]).

    ومن طريق أبي سفيان عن جابر أن النبي e بعث إلى أُبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه" ([124]).

    وعند الترمذي عن أنس أن النبي e "كوى أسعد بن زرارة من الشوكة" ([125]).

    وعن عمران بن حصين قال: "نهى رسول الله e عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا" ([126]).

    والنهي فيه محمول على الكراهة، أو على خلاف الأولى؛ لما يقتضيه مجموع الأحاديث. وقيل: إنه خاص بعمران لأنه كان به (الباسور) ([127])، وكان موضعه خطراً فنهاه عن كيه، فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح ([128]).


    الجمع بين أحاديث الفعل والنهي:

    ظاهر هذه الأحاديث تعارض النهي والفعل، والحقيقة أنه لا تعارض بحمد الله، حيث إن الكي جنسان:

    أحدهما:
    كي الصحيح؛ لئلا يعتل كما يفعل كثير من أمم العجم، فإنهم يكوون ولدانهم وشبانهم من غير علة بهم.

    وكانت العرب تذهب هذا المذهب في جاهليتها وتفعل شبيهاً بذلك في الإبل إذا وقعت النقبة فيها – وهي جرب – أو العُرُّ – وهو قروح تكون في وجوهها ومشافرها – فتعمد إلى بعير منها صحيح فتكويه ليبرأ ما به من العر أو النقبة.

    وهذا هو الأمر الذي أبطله رسول الله e وقال فيه: "لم يتوكل من اكتوى" ([129])، لأنه ظن أن اكتواءه وإفزاعه الطبيعة بالنار وهو صحيح يدفع من قدر الله تعالى.

    ولو توكل عليه وعلم أنه لا منجي من قضائه لم يتعالج وهو صحيح، ولم يكو موضعاً لا علة به ليبرأ العليل.

    أما الجنس الآخر:
    فكي الجرح إذا نغل ([130])، وإذا سال دمه فلم ينقطع وهذا هو الكي الذي قال e إن فيه الشفاء.

    وكوى أسعد بن زرارة لعلة كان يجدها في عنقه، وليس هذا بمنزلة الأمر الأول. ولا يقال لمن يعالج عند نزول العلة لم يتوكل، فقد أمر النبي e بالتعالج وقال: "لكل داء دواء" ([131]). لا على أن الدواء شاف لا محالة، وإنما يشرب على رجاء العافية من الله تعالى إذ كان الله جعل لكل شيء سبباً ([132]).

    قال ابن حجر: "وهذا الذي يشرع التداوي به، فإن كان الكي لأمر محتمل فهو خلاف الأولى؛ لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق".

    وحاصل الجمع:
    أن الفعل يدل على الجواز، وعدم الفعل لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أرجح من فعله، وكذا الثناء على تاركه.

    وأما النهي عنه فإما على سبيل الاختيار والتنـزيه، وإما عما لا يتعين طريقاً إلى الشفاء، قال: ولم أر في أثر صحيح أن النبي e اكتوى" ([133]).

    وقد جمع بينها أيضاً ابن القيم – رحمه الله تعالى – جمعاً أرى أنه لزاماً عليَّ ذكره: يقول - رحمه الله -: النهي عن الكي أن يكتوي طلباً للشفاء، وكانوا يعتقدون أنه متى لم يكتو هلك فنهاهم عنه لأجل هذه النية.

    وقد تضمنت أحاديث الكي أربعة أنواع:

    أحدها: فعله.
    الثاني: عدم محبته له.
    الثالث: الثناء على تركه.
    الرابع: النهي عنه.

    ولا تعارض بينها بحمد الله تعالى: ففعله يدل على الجواز.

    وعدم محبته له لا يدل على المنع منه.

    أما الثناء على تاركه فيدل على أن تركه أولى وأفضل.

    وأما النهي عنه فعلى سبيل الاختيار والكراهة، أو عن النوع الذي لا يُحتاج إليه، بل يُفعل خوفاً من حدوث الداء ([134]) والله أعلم.

    وجمع ابن قتيبة وابن حجر وابن القيم – رحمهم الله – متجه، (وحديث السبعين ألف يخص الأولياء المعرضين عن الدنيا المستسلمين لقضاء الله عز وجل فلا يسألون غيرهم أن يكويهم تلذذاً بالبلاء) ([135]).

    ثبت في الحديث أن النبي e رقاه جبريل عليه السلام وقد تقدم ([136]).

    أيضاً ثبت أنه أمر بالاسترقاء: ففي المتفق عليه عن أم سلمة أن رسول الله e قال لجارية في بيتها رأى في وجهها سفعة – يعني صفرة – فقال: "بها نظرة ([137]) فاسترقوا لها" ([138]).

    وعن عائشة قالت: أمرني رسول الله e أن أسترقي من العين ([139]).

    وقد تمسك بحديث السبعين ألفاً من كره الرقى والكي من بين سائر الأدوية وزعم أنهما قادحان في التوكل دون غيرهما.

    وأجاب العلماء عن ذلك بأجوبة:

    أحدها:
    قاله الطبري والمازري وطائفة: أنه محمول على من جانب اعتقاد الطبائعيين في أن الأدوية تنفع بطبعها، كما كان أهل الجاهلية يعتقدون.

    وقال غيرهم: الرقى التي يحمد تركها ما كان من كلام الجاهلية، ومن الذي لا يعقل معناه لاحتمال أن يكون كفراً، بخلاف الرقى بالذكر ونحوه.

    وتعقبه عياض وغيره بأن الحديث يدل على أن للسبعين ألفاً مزية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عمن شاركهم في أصل الفضل والديانة ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رقى الجاهلية ونحوها فليس مسلماً ([140]).

    وهذا تعقب جيد: فالمقصود في الأحاديث الناهية عن الاسترقاء: الرقية المشروعة لا رقى الجاهلية، ولذا صار لمن لا يسترقون حتى الرقية المشروعة فضيلة دخول الجنة بغير حساب.

    (ثانيها:
    ما قاله الداوودي وطائفة: أن المراد بالحديث: الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة؛ خشية وقوع الداء، وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء به فلا. وهذا اختيار ابن عبدالبر.

    وهو معترض: بثبوت الاستعاذة قبل وقوع الداء.

    ثالثها:
    يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث: من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض، فهم لا يعرفون الاكتواء والاسترقاء، وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله والرضا بقضائه) ([141]).

    وهذا أيضاً فيه نظر حيث إن ظاهره أنهم يعطلون الأسباب عدا الدعاء والاعتصام، وهذا خلاف الشرع وفعل الأنبياء والصالحين.

    ثم إن الحديث خص هذه الأمور الثلاثة: الاكتواء والاسترقاء والتطير دون غيرها.

    رابعها:
    أن المراد بترك الرقى والكي: الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره، لا القدح في الجواز؛ لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة وعن السلف الصالح. ولا يرد على هذا وقوع ذلك منه e فعلاً وأمراً؛ لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل، فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز ([142]).

    وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به" ([143]).

    هذا في الرقية، ومع ذلك فلا ينقص ذلك من توكله؛ لأنه كامل التوكل يقيناً فلا يؤثر فيه تعاطي الأسباب شيئاً بخلاف غيره ولو كان كثير التوكل ([144]).


    مسألة:

    هل السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب أفضل من غيرهم مطلقاً؟

    "قال القرطبي: الرقى بأسماء الله تعالى تقتضي التوكل عليه والالتجاء إليه والرغبة فيما عنده والتبرك بأسمائه، فلو كان ذلك قادحاً في التوكل لقدح الدعاء، إذ لا فرق بين الذكر والدعاء، وقد رقى النبي e ورقي وفعله السلف والخلف، فلو كان مانعاً من اللحاق بالسبعين أو قادحاً في التوكل لم يقع من هؤلاء، وفيهم من هو أعلم وأفضل مما عداهم.

    وتُعقب: بأنه بنى كلامه على أن السبعين المذكورين أرفع رتبة من غيرهم مطلقاً وليس كذلك.

    فقد أخرج الإمام أحمد وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان من حديث رفاعة الجهني عن النبي e: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوؤوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة" ([145]).

    فهذا يدل على: أن مزية السبعين بالدخول بغير حساب لا يستلزم أنهم أفضل من غيرهم بل فيمن يحاسب في الجملة من يكون أفضل منهم" ([146]) اهـ كلام الحافظ.

    قلت: ثم إن ممن باشر هذه الأمور (الاسترقاء، الاكتواء) من هو أفضل من السبعين الذين لم يسترقوا ولم يكتووا، ولا يقدح هذا في توكلهم، فقد يصاب المؤمن بمرض ليس له علاج إلا الكي، ويشق مرضه على أهله ومحبيه فيضطر للبر بهم وشفقة عليهم للاكتواء مع تمام توكله على الله تعالى، والله أعلم".

    كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربما كان أحدهم يهيج الطير فيعتمدها، فجاء الشرع بالنهي عن ذلك ([147]).

    روى البخاري بسنده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله e قال: لا عدوى ولا طيرة، والشؤم في ثلاث…" ([148]).

    وروى مسلم من حديث أبي هريرة: "لا عدوى ولا طيرة ولا صَفَر ولا هامة" ([149]).


    وكانوا يسمون الطير السانح والبارح، فالسانح ما ولاك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك.
    والبارح: بالعكس وكانوا يتيمنون بالسانح ويتشاءمون بالبارح.

    قال: الحافظ ابن حجر: وليس في شيء من سنوح الطير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له.

    إذ لا نطق للطير ولا تمييز، فيستدل بفعله على مضمون معنى فيه وطلب العلم من غير مظانه جهل من فاعله.

    وكان أكثرهم يتطيرون ويعتمدون على ذلك ويصح معهم غالباً لتزيين الشيطان ذلك، وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين ([150]) اهـ كلام ابن حجر.

    فبعضهم إذا حصل له في يومه ما يكرهه قال: تصبحت بوجه من هذا اليوم؟ تشاؤماً…

    ومن الأسباب التي توجب وقوع المكروه الطيرة، والطيرة على من تطير ولكن نصب الله سبحانه لها أسباباً يدفع بها موجبها وضررها من التوكل عليه وحسن الظن به وإعراض قلبه عن الطيرة وعدم التفاته إليها وخوفه منها وثقته بالله عز وجل.

    ولسنا ننكر أن هذه الأمور ظنون وتخمين وحدس وخرص، ومن كان هذا سبيله فيصيب تارة ويخطئ تارات، وليس كل ما تطير به المتطيرون وما تشاءموا به وقع جميعه وصدق، بل أكثره كاذب وصادقه نادر.

    [والناس في هذا المقام إنما يقولون وينقلون ما صح ووقع ويعتنون به فيرى كثيراً، والكاذب فيه أكثر من أن ينقل.

    يقول ابن قتيبة: "من شأن النفوس حفظ الصواب للعجب والاستغراب وتناسي الخطأ، ومن ذا الذي يتحدث أنه سأل منجماً فأخطأ وإنما الذي يتحدث به وينقل أنه سأل فأصاب".
    وقد كانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تستحب أن تتزوج المرأة أو يبنى بها في شوال، وتقول: "تزوجني رسول الله e في شوال، فأي نساء رسول الله e كانت أحظى عنده مني" وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال ([151]).

    مع تطير الناس بالنكاح في شوال، وهذا فعل أولي العزم والقوة من المؤمنين الذين صح توكلهم على الله، واطمأنت قلوبهم إلى ربهم، ووثقوا به، وعلموا أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنهم لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم، وأنهم ما أصابهم من مصيبة إلا وهي في كتاب من قبل أن يخلقهم ويوجدهم، وأن تطيرهم لا يرد قضاءه وقدره عنهم، بل قد يكون تطيرهم من أعظم الأسباب التي يجري عليهم بها القضاء والقدر، فيعينون على أنفسهم، وقد جرى لهم القضاء والقدر بأن نفوسهم هي سبب إصابة المكروه لهم فطائرهم معهم.

    أما المتوكلون على الله المفوضون إليه، العالمون بأمره فنفوسهم أشرف من ذلك وهمهم أعلى وثقتهم بالله وحسن ظنهم به عدة لهم وجنة ممايتطير به المتطيرون، ويتشاءم به المتشائمون، عالمون أنه لا طير إلا طيره ولا خير إلا خيره ولا إله غيره] ([152]).

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: التوكل على الله .. حقيقته وفضله ، وهل ينافي العمل ؟

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 06.10.08 11:45

    لا شك أن الطيرة شرك يقدح في التوحيد، وينافي كماله الواجب لمنافاتها التوكل على الله الواجب.

    ولا علاج لمن وجدها في نفسه إلا بالتوكل على الله عز وجل والإعراض عنها، فقد شفى النبي e أمته في الطيرة فيما ثبت عنه، فعن ابن مسعود t رفعه: "الطيرة شرك وما منا إلا تطير ولكن الله يذهبه بالتوكل" ([153]).


    قوله: (وما منا إلا) من كلام ابن مسعود أدرج في الخبر. وإنما جعل ذلك شركاً لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعاً أو يدفع ضراً، فكأنهم أشركوه مع الله تعالى.


    وقوله: "ولكن الله يذهبه بالتوكل" إشارة إلى من وقع له ذلك فسلم الله ولم يعبأ بالطير، أنه لا يؤاخذ بما عرض له من ذلك ([154]). اهـ كلام الحافظ.

    وقال e حين سئل عنها: "ذاك شيء يجده أحدكم فلا يصدنه" ([155]).


    واعلم: أن التطير إنما يضر من أشفق منه وخاف، وأما من لم يبال به ولم يعبأ به شيئاً لم يضره البتة.


    ومن كان معتنياً بها قائلاً بها كانت إليه أسرع من السيل إلى منحدره وتفتحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويُعطاه، ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه، وينكد عليه عيشه ([156]).




    كفارتها:

    روى الإمام أحمد من حديث ابن عمرو: "من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك" قالوا: فما كفارة ذلك ؟ قال: "أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طير ولا إله غيرك"([157]).


    أما قوله في الحديث: "وعلى ربهم يتوكلون" فهو ذكر للأصل الجامع الذي تفرعت عنه هذه الأفعال وهو التوكل على الله وصدق الالتجاء إليه، والاعتماد بالقلب عليه الذي هو خلاصة التفريد.


    ونهاية تحقيق التوحيد الذي يثمر كل مقام شريف من المحبة والخوف والرجاء والرضا به رباً وإلهاً والرضا بقضائه بل ربما أوصل العبد إلى التلذذ بالبلاء وعده من النعماء ([158]).
    التوكل على الله .. حقيقته وفضله ، وهل ينافي العمل ؟ Image001

    ========== الحواشي ===========

    ([1]) سورة محمد، الآية (19).
    ([2]) النهاية، ابن الأثير 5/221، لسان العرب 11/734.
    ([3]) فتح الباري 11/305.
    ([4]) انظر تفسير ابن جرير 7/405.
    ([5]) الصحاح (5/1844، 1845).
    ([6]) تهذيب اللغة (10/371).
    ([7]) كما منع نار إبراهيم أن تحرق، ومنع سكين إبراهيم أن تقطع مع أنه أجراها على حلق إسماعيل.
    ([8]) كما في عصا موسى، جعلها الله سبحانه حية.
    ([9]) مدارج السالكين، ابن القيم 3/522.
    ([10]) طريق الهجرتين، ص257.
    ([11]) طريق الهجرتين، ص262.
    ([12]) تيسير العزيز الحميد، ص497-498.
    ([13]) سورة مريم، الآيتين (81-82).
    ([14]) هو الذي يتوكل ولا يفعل الأسباب، مثل من عنده أرض ويتوكل أن تنمو فيها الثمار من غير عمل ولا زراعة.
    ([15]) من يجعل عجزه توكلاً: عاجز عن فعل الأسباب مثل من عنده عبد أراد أن يعتقه ولكنه تساهل حتى وقع العبد في البئر عندها قال: اعتقتك لوجه الله.
    ([16]) مدارج السالكين (3/500)، وانظر المدارج (2/142).
    ([17]) ملحوظة: أظن المحقق أخطأ فجعل قول الدقاق في درجات التوكل الثلاث (التوكل، التسليم، التفويض) هي الدرجة الأولى، وأدخل (معرفة الله وصفاته) تحت التعريف. وترتيبي هذا هو الذي أراه مناسباً، حسبما فهمت من كلام ابن القيم - رحمه الله – فتكون (معرفة الله وصفاته) الدرجة والله أعلم.
    ([18]) مدارج السالكين (2/122، 123).
    ([19]) المصدر السابق (2/123).
    ([20]) المدارج (2/123-125) بتصرف وحذف يسير.
    ([21]) انظر شفاء العليل (ص117-119).
    ([22]) المدارج (2/125).
    ([23]) المدارج (2/125-126).
    ([24]) المصدر السابق والصفحة.
    ([25]) المدارج 2/126.
    ([26]) المصدر نفسه.
    ([27]) المدارج 2/127.
    ([28]) هو بشر بن الحارث بن عبدالرحمن بن عطاء الحافي، كنيته أبو نصر، اصله من مرو سكن بغداد ومات بها، صحب الفضيل بن عياض، وكان عالماً ورعاً، مات سنة 227هـ. من اقواله: أنا أكره الموت، ولا يكره الموت إلا مريب، انظر ترجمته في طبقات الصوفية/ للسلمي 1/39-47.
    ([29]) المدارج (2/127-128).
    ([30]) سورة المائدة، الآية (23).
    ([31]) طريق الهجرتين، ص258.
    ([32]) تيسير العزيز الحميد ص495-496.
    ([33]) سورة آل عمران، الآية (122).
    ([34]) سورة الملك، الآية (29).
    ([35]) سورة المائدة، الآية (23).
    ([36]) سورة يونس، الآية (84).
    ([37]) سورة الأحزاب، الآيات (1-3).
    ([38]) سورة الفاتحة، الآية (4).
    ([39]) سورة هود، الآية(88).
    ([40]) سورة الممتحنة، الآية (4).
    ([41]) سورة المزمل، الآية (8-9).
    ([42]) سورة هود، الآية (123).
    ([43]) سورة الحج، الآية (78).
    ([44]) سورة الرعد، الآية (30).
    ([45]) سورة إبراهيم، الآية (12).
    ([46]) سورة النمل، الآية (79).
    ([47]) طريق الهجرتين (ص255-258) مع اختصار يسير.
    ([48]) هو هنّاد بن السري بن مصعب الكوفي، مصنف كتاب الزهد وغيره. ولد سنة 152هـ، حدَّث عنه الجماعة، لكن البخار في غير (صحيحه) اتفاقاً لا اجتناباً، كان يقال له: راهب الكوفة. مات – رحمه الله – سنة 243هـ، انظر السير 11/465-466.
    ([49]) الزهد، الهناد بن السري 1/304، باب التوكل، حققه وخرج أحاديثه عبدالرحمن الفريوائي.
    ([50]) رواه البخاري في صحيحه: كتاب البيوع، باب كراهية السخب في الأسواق (4/342، 343) عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قلت: أخبرني عن صفة رسول الله e في التوراة قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة…" الحديث. ورواه أيضاً في كتاب التفسير، تفسير سورة الفتح، باب ]إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً[ (8/585) عن عبدالله بن عمرو.
    ([51]) المدارج (2/144).
    ([52]) سورة آل عمران، الآية (173).
    ([53]) سورة الطلاق، الآية (3).
    ([54]) تفسير الطبري (4/118).
    ([55]) سورة الزمر، الآية (36)؛ انظر تيسير العزيز الحميد ص503.
    ([56]) تفسير الطبري (4/118).
    ([57]) أخرجه البخاري كتاب التفسير، باب "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم" (8/229) عن ابن عباس.
    ([58]) لا أصل له، من الإسرائيليات، انظر السلسلة الضعيفة للألباني (1/28، رقم 21).
    ([59]) فتاوى ابن تيمية (1/183).
    ([60]) تيسير العزيز الحميد ص501.
    ([61]) هو الربيع بن خثيم ابن عائذ، الإمام القدوة العابد، أبو يزيد الثوري الكوفي، أدرك زمان النبي e وأرسل عنه، قال له عبدالله بن مسعود t: يا أبا يزيد، لو رآك رسول الله e لأحبك، ما رأيتك إلا ذكرت المخبتين" مات - رحمه الله – سنة 60هـ، انظر سير أعلام النبلاء 4255-262.
    ([62]) سورة التغابن، الآية (11).
    ([63]) سورة الطلاق، الآية (3).
    ([64]) سورة التغابن، الآية (17).
    ([65]) سورة آل عمران، الآية (101).
    ([66]) سورة البقرة، الآية (186)، انظر تفسير الطبري المجلد التاسع ح18/162.
    ([67]) قوله تعالى: ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ[.
    ([68]) هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك كتاب التفسير، تفسير سورة الطلاق (2/534) عن أبي السليل ضريب بن نقير القيسي قال: قال أبو ذر t: جعل رسول الله e يتلو هذه الآية: ]وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب[ [الطلاق: 2،3] قال: فجعل يرددها حتى نعست فقال: يا أبا ذر لو أن الناس أخذوا بها لكفتهم " قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح.
    ([69]) جامع العلوم والحكم (409).
    ([70]) المدارج (2/130) بتصرف.
    ([71]) فتح الباري (10/212).
    ([72]) انظر: الفروق للقرافي 4/222.
    ([73]) الموافقات، الشاطبي 1/210.
    ([74]) رواه البيهقي في شعب الإيمان (2/95 رقم 1266) باب التوكل والتسليم
    ([75]) خماصاً: ضامرة البطن من الجوع. انظر النهاية في غريب الحديث (2/80).
    ([76]) بطاناً: ممتلئة البطون. انظر النهاية في غريب الحديث (1/136).
    ([77]) رواه الترمذي 4/572، رقم الحديث 2343، وقال حسن صحيح، وأحمد 1/30، وابن ماجه 2/1394، رقم الحديث 4164، كتاب الزهد، باب التوكل والتعين، وابن المبارك ص196-197 رقم الحديث 559، وابن أبي الدنيا ص52-53 وإسناده حسن، وانظر صحيح الجامع الصغير 2/972.
    ([78]) دليل الفالحين 1/272.
    ([79]) تحفة الأحوذي (7/8-9).
    ([80]) الفروق للقرافي، ص222-223.
    ([81]) إحياء علوم الدين (14/228-230) بتصرف واختصار.
    ([82]) المصدر السابق (4/240).
    ([83]) رواه الترمذي في سننه له 4/668، رقم الحديث 2517، قال الألباني: حسن. انظر صحيح الجامع 1/242، رقم الحديث 1068، وابن أبي الدنيا في كتابه "التوكل" بسند حسن ص61-62.
    ([84]) هو عبدالكريم بن هوازن، صاحب الرسالة، صحب أبا علي الدقاق، أخذ الكلام عن ابن فورك، توفي بنيسابور سنة 459، انظر البداية والنهاية (12/107).
    ([85]) شرح النووي لصحيح مسلم 3/91.
    ([86]) جامع العلوم والحكم ص409.
    ([87]) المصدر السابق.
    ([88]) أي اعتقاد أن الأسباب مؤثرة بذاتها كما يقول الطبائعيون "إن الولد ينتج من التفاعل بين المائين". أو الركون إلى الأسباب والاعتماد عليها لا على مسبِّبها.
    ([89]) محو الأسباب وإهمالها: نقص في العقل، لأن الأسباب تدرك بالعقل كالأكل والشرب.
    ([90]) الإعراض عن الأسباب قدح في الشرع: حيث إن الأسباب مأمور بها شرعاً والقدح فيها والإعراض عنها إعراض عن الشرع وقدح في كماله وصلاحه.
    ([91]) المدارج 3/521.
    ([92]) فتح الباري 11/410 بتصرف.
    ([93]) رواه البخاري كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء من حديث أبي هريرة ولفظه: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء" انظر الصحيح مع الفتح (10/134)، ومسلم في الطب والمرض والرقى، باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة من حديث جابر ولفظه: "لكل داء دواء … انظر الصحيح مع شرح النووي (14/190، 191)، والترمذي في أبواب الطب، باب ما جاء في الدواء والحث عليه من حديث أسامة بن شريك (4/383، رقم الحديث 2038 "إلا الهرم")، وابن ماجه مختصراً دون قوله "عرفه …" إسناده حسن أبواب الطب باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء (2/1137) عن أبي هريرة وأسامة بن شريك.
    ([94]) أخرجه الترمذي أبواب الطب، باب ما جاء في الرقي والأدوية (4/399-400)، وابن ماجه في أبواب الطب الباب السابق كلاهما من حديث أبي خزامة (2/1137)، وقيل عن ابي خزامة عن أبيه، قال الترمذي:وهذا أصبح.
    ([95]) سيأتي في الفصل الرابع.
    ([96]) زاد المعاد (4/15).
    ([97]) حاشية الروض المربع، جمع: عبدالرحمن قاسم 3/9-8، وانظر المبدع في شرح المقنع لبرهان الدين إبراهيم بن محمد ابن مفلح الحنبلي 2/213-214.
    ([98]) الآداب الشرعية لابن مفلح (2/358-359).
    ([99]) رواه أبو داود كتاب الطب، باب في الأدوية المكروهة عن أبي الدرداء (انظر السنن (4/7 رقم الحديث 3874). قال النووي: إسناده فيه ضعف انظر المجموع (5/106).
    ([100]) المجموع شرح المهذب (5/106).
    ([101]) الوجيز، للرافعي بهامش المجموع (5/105).
    ([102]) انظر قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية، محمد بن أحمد الغرناطي المالكي (ص485).
    ([103]) الآداب الشرعية (2/359).
    ([104]) المصدر السابق والجزء والصفحة.
    ([105]) المصدر نفسه (2/360).
    ([106]) الحديث رواه البخاري كتاب المرض، باب فضل من يصرع من الريح (10/114) عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي e فقالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوة الله أن يعافيك، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها.
    ([107]) مجموع الفتاوى (21/563-565).
    ([108]) جامع العلوم والحكم، ص411.
    ([109]) مجموع الفتاوى (21/563-565).
    ([110]) رواه البخاري كتاب الطب، باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو من حديث ابن عباس. انظر الصحيح مع الفتح (10/155).
    ([111]) هذه الرواية عند البخاري كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب (11/405).
    ([112]) هو عكاشة كما يوضحه آخر الحديث.
    ([113]) انظر الصحيح مع شرح النووي كتاب الإيمان، باب دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب (3/88).
    ([114]) المصدر السابق والكتاب والباب (3/90) عن عمران بن حصين t.
    ([115]) المصدر السابق والكتاب والباب (3/92) عن عمران.
    ([116]) المصدر السابق والكتاب والباب (3/94) عن ابن عباس.
    ([117]) رواه مسلم في صحيحه في الطب والمرض والرق باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة (14/186) عن جابر قال: لدغت رجلاً منا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله e فقال رجل: يا رسول الله أرقى قال: "نم استطاع منكم أن ينفع أخاه فيفعل" وفي رواية: "فلينفعه" عن جابر أيضاً، ورواه أحمد (3/302).
    ([118]) رواه أبو داود بهذا اللفظ كتاب الطب، باب ما جاء في الرقى عن عوف بن مالك (4/10، 11 رقم 3886).
    ([119]) مما ثبت في ذلك ما رواه مسلم في الطب والمرض والرقى (14/170) عن أبي سعيد أن جبريل أتى النبي e فقال: يا محمد اشتكيت ؟ فقال: نعم

    والنقل
    لطفــــــــــاً .. من هنــــــــــــــــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 03.05.24 4:54