خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    التأويل

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية التأويل

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 23.09.08 19:59

    حكم التأويل
    بسم الله الرحمن الرحيم

    و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالميـن
    ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) سورة البقرة ، الآية 32


    لما كان أهل السنة قد فرقوا بين نوعين من التأويل ـ فسموا الأول بالتأويل المقبول مرة وبالتأويل المنقاد مرة أخرى، وسموا الثاني بالتأويل المردود في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى سموه بالتأويل المستكره أو المذموم ـ فإن حكمهم يختلف باختلاف مجال التأويل، فإذا كان التأويل تتوفر فيه الأسباب الداعية إلى رده وعدم الأخذ به ـ وهي التي فصلنا القول فيها عند كثير من علماء ومفسري أهل السنة، ثم أجملناها في ثمان نقط هي جماع ما نصوا عليه من أسباب نصية ومنهجية تقتضي رد هذا التأويل وعدم الأخذ به - فإننا نجدهم يحرمون هذا النوع من التأويل . يقول ابن تيمية في "مقدمة في أصول القرآن " : " أما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام، حدثنا مؤمل، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله التأويل Sallah ( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ) "(1).

    وأما إذا سلم التأويل من العيوب الثمانية القادحة فيه، فإن أهل السنة حكموا بجوازه بل اعتبروه واجبا يتعين على علماء الأمة القيام به، وذلك لما فيه من إضافة علمية، وتوسيع لمجال البحث عن الحقيقة، فضلا عما فيه من إقرار ضمني بعظمة القرآن الكريم وإعجازه الذي يتفجر جواهره ودرره لطلابه بوما بعد آخر، وجيلا بعد جيل، بحيث يجد فيه كل طالب حقيقة بغيته وكل جيل مراده .

    يقول محيي الدين الكافيجي(1) : " أما التفسير بالرآي فيما يحتاج الناس إلى معرفة ما يتضمنه اللفظ من وجوب الاعتقاد والعمل فأمر ورد الشرع بإيجابه ، فضلا عن الجواز "(2).

    ويبين الزركشي مجال التأويل المقبول والذي حكم العلماء بجوازه ـ بل منهم من اعتبره واجبا كما هو الشأن بالنسبة للكافيجي ـ فيقول : " قالوا وهذا غير محظور على العلماء بالتفسير(3) ، وقد رخص فيه أهل العلم، وذلك مثل قوله تعالى : { ولا تلقوا بايديكم إلى التهلكة }، قيل : الذي يمسك عن النفقة، وقيل : الذي ينفق الخبيث من ماله، وقيل: الذي يتصدق بماله كله ثم يتكفف الناس. ولكل منه مخرج ومعنى ... فهذا وأمثاله ليس محظورا على العلماء استخراجه بل معرفته واجبة، ولهذا، ولهذا قال تعالى : { وابتغاء تأويله }(4)" (5).

    والأمثلة التي ضربها الزركشي لأنواع التأويل الجائزة بل الواجب على العلماء استنباطها، إن هي إلا جزء من اختلاف السلف في التفسير، حيث نجد لهم أقوالا عدة في تفسير آية واحدة، قد يظنها البعض أقوالا مختلفة ومتعارضة ولكن المدقق يكتشف أنه لا تعارض بينها، وكلها مما يتحمله النص، وينتصب له الدليل نقلا أوعقلا .

    أحمد بزوي الضاوي
    أستاذ التعليم العالي - جامعة شعيب الدكالي
    الجديدة - المغرب

    النقل
    لطفــــــاً .. من هنـــــــــا
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: التأويل

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 23.09.08 20:09

    [size=28]التأويل المقبول والتأويل المردود
    بسم الله الرحمن الرحيم

    و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالميـن
    ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) سورة البقرة ، الآية 32


    يكاد أهل السنة يجمعون على قبول التأويل المبني على أصول اجتهادية صحيحة، وقواعد منهجية وعلمية مقررة وثابتة تمكن المفسر من سبر أغوار الخطاب القرآني ورفع الحجب عن معانيه .

    ومن هذا المنطلق نجدهم قد أسهبوا في مناقشة الأحاديث النبوية ورد النهي فيها عن التفسير بالرأي ، منها ما رواه "يحيى بن طلحة اليربوعي، (1) قال حدثنا شريك (2) عن عبد الأعلى(3) عن سعيد بن جبير (4) عن ابن عباس (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :"من قال
    في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)(1) (2) .

    والحديث الذي رواه ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي جاء فيه : (من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)(3).

    وقد لخص الإمام الزركشي آراء العلماء في مناقضة هذه الأحاديث، فحمل النهي فيها على تأويل الخطاب القرآني بمجرد الرأي والهوى، أي من غير أن يكون هناك منهج علمي يقيم الدليل، ويقرع الحجة بالحجة، بل هو مجرد رأي مجتث الجذور لا أصل له ولا قاعدة، مخالف للمنطق والوقع والعلم لأنه نابع عن تعصب أعمى للذات والهوى، مما يحجب عنها الحقيقة التي لا تتجلى إلا لمن أخلص في طلبها من أجل ذاتها لا لأي مقصد او هدف آخر. يقول الزركشي : "ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل لقوله تعالى : {لا تقف ما ليس لك به علم}(4) . وقوله : { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (5). وقوله تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } (6) فأضاف البيان إليهم .

    وعليه حملوا قوله التأويل Sallah : ( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)(1) رواه البيهقي من طرق من حديث ابن عباس. وقوله التأويل Sallah : (من تكلم في القرآن برأيه فاصاب فقد أخطأ)(1) ، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وقال غريب من حديث ابن جندب .

    وقال البيهقي في "شعب الإيمان "هذا إن صح فإنما أراد -والله أعلم- الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل . وكذلك لا يجوز تفسيره القرآن به .

    وأما الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به في النوازل جائز، وهذا معنى قول الصديق : " أي سماء تظللني، وأي أرض تقلني، إذا قلت في كتاب الله برأيي"(2) .
    وقد بحث علماء أهل السنة الأسباب التي تجعل من هذا التأويل تأويلا مقبولا، ومن الآخر تأويلا مردودا، وهي ما يمكن أن نصطلح عليه بمرتكزات التفريق بين التأويل المردود والتأويل المقبول، وسنحاول أن نعرض آراء هؤلاء العلماء وذلك لما تفصح عنه من دقة منهجية وأصالة علمية، وشمولية في التفكير، وفي معالجة القضايا المشكلة، ولما تتضمنه من موضوعية حقة تتحقق في أبحاث كثير من دعاة العلمية والموضوعية .


    أولا : مرتكزات التفريق بين نوعي التأويل عند ابن عطية (ت 671هـ) :
    يرى ابن عطية أن السبب الرئيسي في جعل التأويل مردودا هو سبب منهجي، ذلك أن من يروم تفسير القرآن الكريم لابد أن يزود نفسه بجملة علوم ضرورية تمكنه من سبر أغوار الآيات والسور القرآنية والكشف عن معانيها وإدراك، أحكامها وفقه توجيهاتها، ومن ثم فإنه لا يجوز لكل ذي تخصص معين أن يفسر القرآن الكريم من جانب تخصصه فقط. فصاحب اللغة يفسر لغته، وصاحب النحو يفسر نحوه، وصاحب الفقه يفسر آيات الأحكام، فأصحاب الاختصاص بتعبيرنا اليوم، وأهل الجهة باصطلاح السلف الصالح، هم وحدهم الذين يجوز لهم تفسير ما لم يرد فيه نص من الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة والتابعين.

    وهذا نص كلام ابن عطية في هذه المسألة : " ويروى أن رسول الله التأويل Sallah قال : ( من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقــد أخطأ )(1) ومعنى هذا : أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب الله فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قال العلماء، أواقتضته قوانين العلوم كالنجوم والأصول، وليس يدخل في هذا الحديث أن يفسر اللغويون لغته، والنحاة نحوه، والفقهاء معانيه ، ويقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم ونظر . فإن هذا القائل على هذه الصفة ليس قائلا بمجرد رأيه "(1).

    وهنا تبدو المنهجية العلمية واضحة جلية، ويتضح أن تفسير القرآن الكريم ليس عملا هينا، بل هو عمل علمي جبار يحتاج إلى دراية، وخبرة وتمرس، فضلا عما يحتاجه المفسر من ملكات مبدعة وقدرات فذة، تمكنه من التفاعل مع الخطاب القرآني والتجاوب معه، مما يفتح الباب أمامه للكشف عن بعض حقائق الذكر الحكيم .


    ثانيا: مرتكزات التفريق بين نوعي التأويل عند الإمام الطبري (ت310هـ) :
    والإمام الطبري يحصر الأسباب التي تجعل التأويل مردودا في أسباب نصية داخلية، ذلك أن من النصوص ما لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول التأويل Sallah وهذه النصوص يتعين التوقف عندها، ولا يقال فيها أبدا، لأن ذلك مجازفة علمية خطيرة، قد تفضي إلى تشويش العقيدة الإسلامية، وتحريف الشريعة وإدخال البدع والضلالات، وبالتالي إحلال الفرقة والخلاف بين المسلمين، ومن ثم نص الطبري في تفسـيره على أن : " ما كان من تأويل أي القرآن الذي لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول الله التأويل Sallah أو بنصية الدلالة عليه، فغير جائز لأحد القيل فيه برأيه، بل القائل في ذلك بــرأيه ـ وإن أصاب الحق فيه ـ فمخطئ فيما كان من فعله بقيله فيه برأيه، لأن إصابته ليست إصابة موقن أنه محق، وإنما هو إصابة خارص وظان، والقائل في دين الله بالظن، قائل على الله ما لم يعلم، وقد حرم الله جل ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن. والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا. وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }(1).

    فالقائل في تأويل كتاب الله الذي لا يدرك علمه إلا ببيان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي جعل الله إليه بيانه ، قائل بما لا يعلم، وإن وافق قيله ذلك في تاويله ما أراد الله به من معناه، لأن القائل فيه بغير علم، قائل على الله ما لا علم له به "(2).

    وهذا النص يفصح عن عقلية منضبطة بمنطق علمي، وبمنهج ثابت الأصول والقواعد، قرره الكتاب والسنة، وأكدته أعمال وأبحاث السلف الصالح الذين كانوا يتورعون عن الخوض في ما لا علم لهم به، حتى أثرت عنهم كلمة "لا أدري" في كثير من القضايا والأمور التي استفتوا فيها، بل جعلوا "لا أدري" قاعدة ثابتة من قواعد المنهج الإسلامي في البحث ، فأثر عن الإمام مالك-رحمه الله- قوله : "العلم آية محكمة،
    أو سنة مبينة ثابتة، أو : لا أدري"(3) .

    وليس في هذا حجر على العقول كما يزعم البعض، بل هو السبيل الأمثل للتوظيف الصحيح لكل الطاقات العقلية والفكرية والوجدانية التي حبانا الله بها، وهو التجرد للعلم وللحقيقة بحيث لا يكون الهوى أو الانتصار للمذهب هو الذي يتحكم ويرسم طريق البحث وتحصيل العلم والمعرفة . ومن هنا "دخل الإلتزام بكلمة "والله أعلم" .

    يثبتها علماء الإسلام بعد الذي يقدمون أو يدونون من علم، وتلقانا "والله اعلم" في تراث السلف الصالح ، فيتندر بها من لا يدرون أنها من تحرج العلماء، ولعلها التي تحمي الامة من جرأة من يجسر على ادعاء العلم بكل شيء، وما خشي نبينا التأويل Sallah على الدين إلا من آفته ( آفة الدين ثلاث : فقيه فاجر، وإمام جائر، ومجتهد جاهل )(1) "(2).


    ثالثــا: مرتكـــزات التفـريــق بين نـوعي التأويـل عند الإمـام الغزالي (ت 505هـ) :
    يرى الإمام الغزالي ـ رحمه الله ـ في كتابه الجامع "إحياء علوم الدين" أن النهي عن تأويل القرآن الكريم إنما هو نهي عن نوعين من التأويل وهما :
    1- التأويل المذهبي الذي يحكم الرأي والهوى في تفسير القرآن الكريم بحيث يكون هذا الأخير تابعا لا متبوعا .
    2- التأويل الذي يحمل المعنى فيه على ظاهر اللغة العربية .

    ويفصل الإمام الغزالي القول في ذلك فيقول : "وأما النهي فإنه ينزل على أحد وجهين (أحدهما) : أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه فيتأول له من القرآن ذلك المعنى ، وهذا تارة يكون من العلم كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته، وهو يعلم أنه ليس المراد بالآية ذلك، ولكن يلبس به على خصمه، وتارة يكون مع الجهل برأيه وهواه، فيكون قد فسر برأيه، أي رأيه هو الذي حمله على ذلك التفسير، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه، وتارة قد يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به.

    فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي، ويكون المراد بالرأي الرأي الفاسد الموافق للهوى دون الاجتهاد الصحيح، والرأي يتناول الصحيح والفاسد، والموافق للهوى قد يخصص باسم الرأي.

    والوجه الثاني :
    أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن، وما فيه من الألفاظ المهمة والمبدلة، وما فيه من الاختصار والحذف، والإضمار والتقديم والتأخير، فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه، ودخل في زمرة من يفسر بالرأي" (1).

    وهذه الأسباب التي تحدث عنها الإمام الغزالي كلها أسباب خارجية وليست نصية، أي أنها غير نابعة من النص، بل هي أخطاء منهجية بتجاوزها إلى قواعد منهجية علمية وسليمة قد يصبح التأويل مقبولا من الناحية الشرعية أولا، ومن الناحية العقلية المنطقية ثانيا.

    رابعا: مرتكزات التفريق بين نوعي التأويل عند الراغب الأصفهاني (ت 502هـ) :
    تمشيا مع منهج أهل السنة في قضية التأويل، نجد الراغب الأصفهاني في كتابه " مقدمة التفسير" " لا يرفض التأويل بصفة كلية، بل يبين أن التأويل نوعان منه ماهو مردود مرفوض، ويصطلح عليه بالتأويل المستكره، ومنه ما هو مقبول ويصطلح عليه بالتأويل المنقاد، ويضرب أمثلة للتأويل المستكره، يمكن أن نستخلص منها الأسباب التي جعلته يكون مرفوضا من طرق هذا العالم الجليل ، ويمكن حصرها في أربعة أسباب منهجية خارجية عن النص وهي :
    1- التلفيق بين لفظين كل منهما ورد في سياق مخالف للسياق الذي ورد فيه الآخر .
    2- ما يفسر بحديث موضوع أو ضعيف ، واصطلح عليه بخبر مزور أو كالمزور .
    3- ما يفسر تفسيرا لغويا متعسفا .

    وهذا نص كلامه: " والتأويل نوعان مستكره ومنقاد. فالمستكره ما يستبشع إذا سبر بالحجة ... وذلك على أربعة أضرب.
    الأول
    أن يكون لفظ عام فيخصص في بعض ما يدخل تحته نحو قوله تعالى : {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين}(1) ، حمله بعض الناس على علي بن أبي طالب التأويل Radia فقط.
    والثاني
    أن تلفق بين اثنين نحو قول من زعم أن الحيوانات كلها مكلفة بقوله تعالى : { وإن من أمة إلا خلا فيها نذير }(2). وقد قال تعالى : { وما من دابة في الارض . ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم }(3). فدل بقوله أمم أمثالكم أنهم مكلفون كما نحن مكلفون .
    والثالث
    ما استعين فيه بخبر مزور أو كالمزور كقوله تعالى : { يوم يكشف عن ساق }(4) قال بعضهم عني به الجارحة مستدلا بحديث موضوع .
    والرابع
    ما يستعان فيه باستعارات واشتقاقات بعيدة كما قال بعض الناس في البقر إنه إنسان يبقر عن أسرار العلوم . وفي الهدهد إنه إنسان موصوف بجودة البحث"(1).

    ويبين بعد ذلك الراغب الأصفهاني المجالات العلمية التي يغلب عليها كل ضرب من هذه الأخطاء المنهجية الأربع فيقول : " فالأول أكثر ما يروج على المتفقهة الذين لم يقووا في معرفة الخاص والعام. والثاني على المتكلم الذي لم يقو في معرفة شرائط النظم. والثالث على صاحب الحديث الذي لم يتهذب في شرائط قبول الأخبار. والرابع على الأديب الذي لم يتهذب بشرائط الاستعارات والاشتقاقات"(2) .

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: التأويل

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 23.09.08 20:10

    وأما التأويل المنقاد عند الراغب فهو التأويل المقبول، وهو ما سلم من عيوب التأويل المستكره، وهو مما قد يقع الخلاف فيه بين الراسخين في العلم. وموجبات الخلاف هنا هي غير موجبات الخلاف في التأويل المستكره، ذلك أنها هنا تكون كلها راجعة إلى النص ذاته، في حين نجدها في التأويل المستكره ترجع إلى أسباب منهجية خارجة عن النص، بل تكون مفروضة عليه وليست نابعة منه ولا هو يستدعيها، مما يؤدي إلى مفارقات غريبة في الإستنباط والنتائج .

    وفي ذلك يقول الأصفهاني : " والمنقاد من التأويل مالا يعرض فيه البشاعة المتقدمة، وقد يقع الخلاف فيه بين الراسخين في العلم لاحدى جهات ثلاث، وإما لاشتراك في اللفظ نحو قوله تعالى : { لا تدركه الأبصار }(1) هل هو من بصر العين، أو من بصر القلب، أو لأمر راجع إلى النظم نحو قوله تعالى : { وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا }(2)، هل هذا الإستثناء مقصور على المعطوف، أو مردود إليه وإلى المعطوف عليه معا. وإما لغموض المعنى، ووجازة اللفظ نحو قــوله تعالى : { وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم }(3)" (4) .

    ومن خلال هذه الدراسة المنهجية والتحليل العلمي للقضايا المشكلة، تبدو لنا الدقة المنهجية في البحث، والخبرة بتحليل النصوص وسبر أغوارها، مما يفصح عما كان يتمتع به الراغب الأصفهاني من عقلية علمية ومنهجية نحن أحوج ما نكون إليها اليوم .

    خامسا: مرتكزات التفريق بين نوعي التأويل عند الزركشي (ت 794هـ) :
    ينص الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن " على أن النهي عن التأويل، إنما اقتصر على المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، وهذا هو السبب الداخلي أي النص الوحيد الذي يعتبره من موانع التأويل، أو من موجبات رده وعدم قبوله بل الأخذ به. وفي ذلك يقول :" النهي إنما انصرف إلى المتشابه منه لا إلى جميعه، كما قال تعالى : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه }(1). لأن القرآن إنما نزل حجة على الخلق، فلو لم يجز التفسير لم تكن الحجة بالغة، فإذا كان كذلك جاز لمن عرف لغات العرب، وشأن النزول أن يفسره، وأما من كان من المكلفين ولم يعرف وجوه اللغة فلا يجوز أن يفسره إلا بمقدار ما سمع، فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على سبيل التفسير، فلا بأس به، ولو أنه يعلم التفسير فأراد أن يستخرج من الآية حكمة أو دليلا لحكم فلا بأس به، ولو قال المراد من الآية كذا من غير أن يسمع شيئا فلا يحل، وهو الذي نهى عنه"(2) .

    ويفهم من النص أن من التأويل ـ وهو الذي يصطلح عليه بالتأويل المردود ـ ما يكون محظورا على أهل الاختصاص ـ أو ما يعرف عند السلف الصالح بأهل الجهة ـ الخوض فيه . ومنه ما يجوز لهم الخوض فيه، ولكنه محظور على العوام ويدخل ضمنهم كل من لم يستكمل شروط المقسر العلمية والدينية .

    أما الأسباب المنهجية الخارجية الموجهة لرد التأويل، وعدم الاخذ به فيحصرها الزركشي في سببين:
    1- معارضة القرآن بالرأي والمذهب والهوى. وفيه يقول: فأما التأويل المخالف للآية والشرع فمحظور لأنه تأويل الجاهلين، مثل تأويل الروافض لقوله تعالى :{مرج البحرين يلتقيان}(1) أنهما علي وفاطمة. ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان)(2) يعني الحسن والحسين - رضي الله عنهما - وكذلك قالوا في قوله تعالى : { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل}(3) إنه معاوية وغير ذلك"(4).

    2- الجهل بعلوم اللغة وبعلم أصول الفقه، وفي هذا السبب المنهجي يقول الزركشي : " وإذا تقرر ذلك فينزل قوله التأويل Sallah : ( من تكلم في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)(5) على قسمين من هذه الأربعة :
    أ- أحدهما : تفسير اللفظ لاحتياج المفسر له إلى التبحر في معرفة لسان العرب .
    ب- الثاني : حمل اللفظ المحتمل على أحد معنييه، لاحتياج ذلك إلى معرفة أنواع من العلوم: علم العربية واللغة والتبحر فيهما، ومن علم الأصول ما يدرك به حدود الأشياء، وصيغ الأمر والنهي، والخبر والمجمل والمبين، والعموم والخصوص، والظاهر والمضمر، والمحكم والمتشابه والمؤول، والحقيقة والمجاز، والصريح والكتابة، والمطلق والمقيد"(6) .

    سادسا: مرتكزات التفريق بين نوعي التأويل عند ابن تيمية :
    يرى الإمام ابن تيمية أن الأسباب الرئيسية في رد التأويل، وعدم الأخذ به تكمن في الأدوات المنهجية الموظفة في تفسير القرآن الكريم، والتي تفتقر إلى النزاهة والموضوعية العلمية، ويمكننا أن نجمل الأسباب في نقطتين :
    1- عدم التقيد بمصادر التفسير المتفق عليها عند أهل السنة ، بحيث لا يقال في التفسير بالاجتهاد والرأي، إلا بعد أن يطلب تفسيرها في القرآن ثم في السنة، ثم في أقوال الصحابة، ثم في أقوال التابعين. فإذا استنفدنا البحث واستفرغنا الجهد في هذه المصادر كلها ولم نجد تفسيرا للآية أو السورة التي نروم تفسيرها، عندها فقط يجوز الإجتهاد في تفسيرها لمن توفرت فيه شروط الأهلية، واكتملت لديه وسائل الاجتهاد وأدواته، وهي ما يصطلح عليه السلف الصالح بعلوم الآلة، وهي علوم ضرورية لكل من يريد أن يفسر الذكر الحكيم .

    وابن تيمية ينص في هذا السبب على أنه يتعين على من يشتغل بالتفسير أن لا يقول برأيـه فـي آيــة ثبت تفسيــرها من قبل رسول الله التأويل Sallah " ومما ينبغي أن يعلم أن القرآن والحديث إذ عرف تفسيره من جهة النبي التأويل Sallah لم يحتج في ذلك إلى أقوال أهل اللغة فإنه قد عرف تفسيره، وما أريد بذلك من جهة النبي التأويل Sallah لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم، ولهذا قال الفقهاء " الأسماء ثلاثة أنواع " نوع يعرف حده بالشرع كالصلاة والزكاة، ونوع يعرف حده باللغة كالشمس والقمر، ونوع يعرف حده بالعرف كلفظ القبض، ولفظ المعروف في قوله  وعاشروهن بالمعروف (1) "(2).

    2- معارضة القرآن بالرأي والذوق والوجوه، في حين يتعين على المفسر أن لا يعارض القرآن إلى بالقرآن، أو بما صح من السنة التي تفسره وتوضحه، ولا يجوز إطلاقا ـ وذلك هو مذهب السلف ـ معارضته لا بالمعقول ولا بالقياس، ولا بالرأي ولا بالوجد، ولا بأي شيء من ذلك كله، فقد " كان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله، ولا قياسه ولا وجده. فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات، والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحـق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم...
    فكان القرآن هو الإمام الذي يقتدى به، ولهذا لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا بذوق ووجد ومكاشفة، ولا قال قط قد تعارض في هذا العقل والنقل، فضلا عن أن يقوم فيجب تقديم العقل والنقل ـ يعني القرآن والحديث وأقوال الصحابة والتابعين ـ إما أن يفوض وإما أن يؤول ... ولم يكن السلف يقبلون معارضة الآية إلا بآية أخرى تفسرها وتنسخها، أو بسنة الرسول التأويل Sallah تفسرها، فإن سنة رسول الله التأويل Sallah تبين القرآن وتدل عليه وتعبر عنه" (3) .

    وحتى لا ينخرم ما بنى عليه ابن تيمية حكــمه ـ من أن السلف لم يكن يعرف لديهم معارضة القرآن بالعقل والرأي والذوق، أو الوجد والقياس ـ يناقش كيفية ظهور البدع الأولى، فيبين أن بدعة الخوارج لم تكن نتيجة معارضتهم القرآن الكريم بالرأي أو العقل أو القياس أو الوجد أو شيء من ذلك، بل كانت نتيجة سوء فهمهم للقرآن الكريم لا غير. وفي ذلك يقول ابن تيمية "وكانت البدع الأولى مثل " بدعة الخوارج " إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب ، إذ كان المؤمن هو البر التقي، قالوا : فمن لم يكن برا تقيا فهو كافر، وهو مخلد في النار، ثم قالوا : وعثمان وعلي ومن والاهما ليسوا بمؤمنين لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله "(1).

    وحتى لا تضيع المقاييس أو تلتبس بغيرها، يبين الأصل والقاعدة المنهجية، الفاصلة والمميزة بين منهج أهل السنة في البحث العلمي، وبين منهج أهل البدعة، فأهل السنة لا يتكلمون في شيء من الدين إلا اتباعا لما جاء به أهل الرسول التأويل Sallah فإذا أراد العالم السني معرفة شيء من الدين نظر في الكتاب والسنة، فهما المعين والمصدر الذي لا ينضب، وهما اللذان يمدانه بالمعرفة الحقيقية التي لا يحتاج بعدها إلى أي معرفة أخرى. كيف لا وهي معرفة تفجرت من عرش الرحمن، ورشحت على لسان الرسـول الكـريم التأويل Sallah أما أهل البدعة فهم يجعلون آراءهم ومواجيدهم وعقولهم وأذواقهم، هي الأصل الذي يستمدون منه تصورهم للوجود كله، ثم ينظرون في الكتاب والسنة فإن وجدوا فيهما ما يوافق مذهبهم، أو هواهم أو مواجيدهم، اتخذوه حجة على صحة مذهبهم وسلامة منزعهم، وإن وجدوهما يخالفان ما ذهبوا إليه، أعرضوا عنهما بدعوى تفويض أمره إلى الله تعالى، أو حرفوهما بدعوى التأويل.

    يقول ابن تيمية : " فعلى كل مؤمن أن لا يتكلم في شيء من الدين إلى تبعا لما جاء به الرسول، ولا يتقدم بين يديه، بل ينظر ما قال، فيكون قوله تبعا لقوله، وعلمه تبعا لأمره. فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين، لهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسس دينا غير ما جاء به الرسول، فمنه يتعلم وبه يتكلم، وفيه ينظر ويتفكر وبه يستدل، فهذا أصل أهل السنة .

    وأهل البدع لا يجعلون اعتمادهم في الباطن ونفس الأمر على ما تلقوه عن الرسول، بل على ما رأوه أو ذاقوه، ثم إن وجدوا السنة توافقهم وإلا لم يبالوا بذلك، فإذا وجدوها تخالفه أعرضوا عنها تفويضا، أو حرفوها تأويلا"(1) .

    وابن تيمية إذ يحصر الأسباب التي تجعل التأويل مردودا في المنهجية المتبعة في التفسير - أي أنها كلها أسباب خارجية عن النص، وليست متولدة منه - ينطلق من قاعدة أساسية سطرها عند تحديد موقفه من التأويل، والتي تنص على أن كل ما في القرآن يستطيع أهل العلم وأهل الإختصاص الوقوف على معناه، وأنه ليس في القرآن ما لا يدرك علمه .

    سابعا: مرتكزات التفريق بين نوعي التأويل عند صاحب مقدمة "كتاب المباني " :
    وهذا المؤلف المجهول ـ لذي يتضح لنا من طريقة معالجته لقضية التأويل أنه يتبنى منهج أهل السنة في التفسير ـ يرى أن السبب في رد التأويل هو سبب منهجي، ذلك أن المفسر قد يحمل معنى الآية على حديث معين، أو على معنى لغوي معين ثم يجزم بأن ذلك هو وحده مراد الله . والتعامل مع كتاب الله تعالى بهذه الصورة يعد من قلة الأدب، فضلا عما فيه من بعد عن الموضوعية، وعن البحث العلمي النزيه الذي لا يقر الآراء الشخصية ـ ولو كانت نابعة عن اجتهاد ودراسة وبحث ـ ويجعلها وحدها الصحيحة دون غيرها، فيعطل بذلك المسيرة العلمية التي هي مظنة الخصب الفكري، والنماء العلمي والمنهجي ". وقال بعض العلماء: ما روى في كراهة التفسير فعلى جهات:
    أحداها: أن تفسر ذلك بأحاديث متفردة على الجزم والقطع، لا على أن ذلك كما روى، والآية تحتمل غيره، أو على الجهل بكلام العرب، وحجج العقول.

    فأما على الوجه الآخر من اشتراط معاني لفظة من ألفاظ اللغة وأحكامه من سنن الرسول التأويل Sallah وتعميم خاصه وتخصيص عامه، وإجازة ما احتمل المعاني، ورد ذلك إلى أنه لا يجوز أن يكون أحد تلك المعاني بغير قطع، أو كلها إن كانت جائزة، ورد ذلك إلى الله التأويل Sallah ، إذ لم يصمم على شيء من ذلك، وليس في ظاهر الآية دلالة عليه، فذلك هو الجائز "(1).

    من خلال هذا العرض المفصل للأسباب النصية والمنهجية، أو الداخلية النابعة من النص، والخارجية المفروضة عليه من الخارج، وغير المنسجمة معه، يمكننا حصر أنواع التأويل الباطلة في النقط التالية:
    1- التأويل مع الجهل بالعلوم الضرورية ـ أو ما يعرف بعلوم الآية ـ لكل من يروم تفسير الذكر الحكيم، وهي تبدأ بعلوم اللغة كلها مرورا بالسيرة والفقه وأصول الفقه، وانتهاء بعلوم القرآن كلها.
    2- تأويل المتشابه من غير سند من الكتاب أو السنة .
    3- حمل المعنى القرآني على ظاهر اللغة ، والتعسف في تفسيره تفسيرا لغويا بحتا من غير الرجوع إلى علوم القرآن والسيرة، والفقه وأصول الفقه، وإلى أقوال العلماء .
    4- التفسير المذهبي الذي يحكم الرأي والهوى في تفسير القرآن الكريم، ومعارضته بالرأي أو العقل أو القياس، أو الوجد والذوق وغير ذلك.
    5- تخصيص اللفظ القرآني العام من غير حجة أو دليل، فضلا عن أن السياق لا يحتمل تخصيصه .
    6- التلفيق بين لفظتين كل منهما وردت في سياق مخالف للسياق الذي وردت فيه الأخرى .
    7- عدم التقيد بمصادر التفسير وفق الترتيب المتفق عليه من طرف أهل السنة، حيث يفسر القرآن بالقرآن، فإن لم نجد فسرناه بالسنة، فإن لم نجد فسرناه بأقوال الصحابة، فإن لم نجد فبأقوال التابعين فإن لم نجد جاز الاجتهاد لمن توفرت فيه شروطه.
    8- تفسير الآية من القرآن ثم القطع بأن ذلك هو مراد الله، وفي ذلك غلق لباب الإجتهاد فضلا عما فيه من قلة أدب في التعامل مع كلام الله سبحانه .
    __________________
    أحمد بزوي الضاوي
    أستاذ التعليم العالي
    جامعة شعيب الدكالي



    والنقل
    لطفـــــــاً .. من هنـــــــــــــا

    [/size][/b]
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: التأويل

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 23.09.08 20:22

    [size=28][b]الفرق بين التفسير والتأويل عند أهل السنة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالميـن
    ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) سورة البقرة ، الآية 32

    لاحظ أهل السنة ـ خاصة ابن تيمية ـ أن مشكلة تأويل القرآن الكريم من أخطر المشاكل التي ج رت على الأمة كثيرا من الويلات(1)، فهو أولا حادث في الأمة نتيجة الخلاف والفرقة بين المسلمين عشية مقتل الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان، وهو ما يعرف في التاريخ الإسلامي بالفتنة الكبرى، وبعد ذلك صار التأويل مدخلا أساسيا للبدع التي حلت بالدين الإسلامي. وفي ذلك يقول ابن تيمية :
    " إن السلف كان اعتصامهم بالقرآن والإيمان، فلما حدث في الأمة ما حدث من التفرقة والاختلاف صار أهل التفرق والاختلاف شيعا، صار هؤلاء عمدتهم في الباطن ليست على القرآن والإيمان، ولكن على أصول ابتدعها شيوخهم عليها يعتمدون في التوحيد والصفات والقدر والإيمان بالرسول وغير ذلك، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به، وما خالفها تأولوه. فلهذا تجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يعتنوا بتحرير دلالتهما ولم يستقصوا ما في القرآن من ذلك المعنى، إذ كان اعتمادهم في نفس الأمر على غير ذلك، والآيات التي تخالفهم يشرعون في تأويلها شروع من قصد ردها كيف أمكن، ليس مقصوده أن يفهم مراد الرسول، بل أن يدفع منازعه عن الاحتجاج بها "(2).

    ولما كانت قضية التأويل بذلك الحجم وبتلكم الخطورة، فقد أولاها ابن تيمية قسطا وافيا من الدراسة، متتبعا هذا المشكل من أوله، فلاحظ أن الكلام عموما ينقسم إلى قسمين :
    1- إما أن يكون إنشاء وهو ما تضمن أمرا بالفــعل أو الترك .
    2- وإما أن يكون إخبارا بأمور قد مضت كتاريخ وقصص الأمم السابقة، أو بأمور مستقبلية ستحــدث، أو بأمور غيبية استأثر الله بعلمها، ومن ذلك المعاد والبعث والقيامة، والجنة والنار، وغيرها من الأمور الغيبية التي أخبر بها القرآن الكريم .

    وأما الأول فتأويله هو إتيان ما أمر به المشرع والانتهاء عما نهى عنه، ومن ثم كان السلف يقولـون : " إن السنة هو تأويل الأمر. قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله  يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، يتأول القرآن "(1).

    وأما الإخبار " فتأويله عين الأمر المخبر به إذا وقع، ليس تأويله فهم معناه "(2) ، فتأويل الخبر إذن ليس هو إدراك معناه، بل إدراك الحقيقة الخارجية له، وهو ما لا يستطيعه الإنسان، فهو فوق مستوى إدراكه، إذ إنه لا يمتلك تصورا ذهنيا لحقيقة تلكم الأمور الغيبية على ما هي عليه في واقعها، " فنحن نعلمها إذا خوطبنا بتلك الأسماء من جهة القدر المشترك بينهما، ولكن لتلك الحقائق خاصية لا ندركها في الدنيا، ولا سبيل إلى إدراكنا لها لعدم إدراك عينها، أو نظيرها من كل وجه، وتلك الحقائق علىما هي عليه هي تأويل ما أخـبر الله به "(1).

    وفضلا عن ذلك فهذه الأمور الغيبية قد استأثر الله بعلمها، وحجبها عن الإنسان ـ رحمة به ـ ولن يدركها على ماهي عليه في واقع أمرها، إلا حين يأتي وقت المشاهدة والمعاينة. والحديث عن أنواع الكلام هو بمثابة مدخل ضروري، وتوطئة لازمة لإبراز أنواع التأويل الممكنة. وقد حصرها في ثلاثة أنواع :

    أولا : مفهوم التأويل في القرآن الكريم :

    بين ابن تيمية أن لفظ التأويل ورد كثيرا في القرآن الكريم، وقد حاول أن يبين المعنى الذي ينبغي أن يفهم من لفظ التأويل في القرآن، وذلك من خلال تتبعه لاستعمالها في السياقات المختلفة التي وردت فيها مع التركيز على تفسير قوله تعالى : { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق }(2).

    فالتأويل معناه هنا تحقق هذه الأمور الغيبية التي أخبر بها القرآن الكريم، على ما هي عليه في واقع أمرها، يقول ابن تيمية : ثم قال : { هل ينظرون إلى تأويله } إلى آخر الآية ، إنما ذلك مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها : كالدابة ويأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ومجيء ربك والملك صفا صفا، وغير ذلك، فحينئذ يقولون : { قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل }(1)، وهذا القدر الذي أخبر به القرآن من هذه الأمور لا يعلم وقته وقدره وصفته إلا الله "(2).

    فهذه الحقائق الغيبية الكبرى يتعذر على الإنسان إدراكها، ومن ثم يستحيل تأويل أمثالها مما ورد في القرآن الكريم .
    ثانيا : مفهوم التأويل عند السلف :
    وأما التأويل عند السلف فله معنيان : الأول : هو نفس مفهوم التأويل في القرآن الكريم، وأما المعنى الثاني عندهم فهو مرادف للفظ التفسير. وفي ذلك يقول ابن تيمية : "وأما التأويل في لفظ السلف فله معنيان : "أحدهما " تفسير الكلام وبيان معناه سواء وافق ظاهره أو خالفه فيكون التأويل والتفسير عند هؤلاء متقاربا أو مترادفا .
    وهذا ـ والله أعلم ـ هو الذي عناه مجاهد أن العلماء يعلمون تأويله. ومحمد ابن جرير يقول في تفسيره : القول في تأويل قوله كذا وكذا . واختلف أهل التأويل في هذه الآية ونحو ذلك ومراده التفسير .

    و"المعنى الثاني " في لفظ السلف وهو الثالث من مسمى التأويل مطلقا : هو نفس المراد بالكلام فإن الكلام إن كان طلبا تأويله نفس الفعل المطلوب وإن كان خبرا كان تأويله نفس الشيء المخبر به "(1).

    ثالثا : مفهوم التأويل عند الخلف :
    "التأويل في عرف المتأخرين من المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة ونحوهم، هو صرف اللفظ عن المعنى الراجع إلى المعنى المرجوح لدليل يعترن به، وهذا هو التأويل الذي يتكلمون عليه في أصول الفقه ومسائل الخلاف، فإذا قال أحدهم : هذا الحديث أو هذا النص مؤول أو هو محمول على كذا . قال الآخر : هذا نوع تأويل ، والتأويل يحتاج إلى دليل" (2).

    وهذا المعنى للتأويل معنى مبتدع، وهو يشكل خطورة كبيرة على عقيدة الامة الإسلامية، وعلى كيانها وسيادتها، إذ أخذ مطية من طرف الروافض، وملاحدة الفلاسفة وغلاة الصوفية، وبالأخص من طرف موثوري الشعوب الدخيلة - لمحاربة الدين الإسلامي، وزعزعة الأمن والنظام في البلاد الإسلامية، ومن ثم وجدنا ابن تيمية يرفضه فيقول: " والتأويل المردرد هو صرف الكلام عن ظاهره إلى ما يخالف ظاهره "(1).

    ويعقد ابن تيمية مقارنة بين معنيي التأويل عند السلف فيبين أن التأويل بمعنى التفسير أو المرادف له هو من باب العلم والشرح والإيضاح، والمتكلم فيه يتحدث عن أشياء قد عقلها وأحسها وكون عنها تصورا كافيا يمكنه من التحدث عنها وهو مطمئن إلى سلامة ما يقول. أما المعنى الثاني للتأويل عند السلف وهو المرادف للحقيقة الخارجية على ما هي عليه في واقعها، فهذا مما لا يستطيع الإنسان إدراكه إذ لا يمتلك تصورا ذهنيا كاملا للموضوع، بل كل ما يعرفه في هذا الأمر هو صفاتها وأحوالها التي اخبره بها المخاطب عن طريق التقريب وضرب المثل : " وبين هذا والذي قبله بون، فإن الذي قبله يكون التأويل فيه من باب العلم والكلام، كالتفسير والشرح والإيضاح، ويكون وجود التأويل في القلب واللسان له الوجود الذهني واللفظي والرسمي.
    وأما هذا فالتأويل فيه نفس الأمور الموجودة في الخارج، سواء كانت ماضية أو مستقبلة، فإذا قيل: طلعت الشمس، فتأويل هذا نفس طلوعها، ويكون "التأويل " من باب الوجود العيني الخارجي، فتأويل الكلام هو الحقائق الثابتة في الخارج بما هي عليه من صفاتها وشؤونها وأحوالها، وتلك الحقائق لا تعرف على ما هي عليه بمجرد الكلام والإخبار إلا أن يكونا المستمع قد تصورها أو تصور نظيرها بغير كلام وأخبار، ولكن يعرف من صفاتها وأحوالها قدر ما أفهمه المخاطب : إما بضرب المثل، وإما بالتقريب، وإما بالقدر المشترك بينها وبين غيرها، وإما بغير ذلك"(1).

    وبهذا النص الهام جدا، يضع ابن تيمية أيدينا على نقطتين هامتين، ترفعان ما يمكن أن توصم به نظرية أهل السنة في التفسير من تناقض واضطراب، وهما :
    1- مرتكزات التفريق بين التفسير والتأويل .
    2- الفرق بين تأويل الآية وفهم معناها.
    أولا : مرتكزات التفريق بين التفسير والتأويل :
    بين النص السابق أن أهل السنة حددوا مفهومهم للتفسير والتأويل اعتمادا على مراتب الوجود وهي :
    1- علم اليقين : هو ما أخبر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته مبلغا عن ربه .
    2- عين اليقين : وهو المشاهدة .
    3- حق اليقين : وهو الملامسة .
    فالتفسير يخص النوع الأول من الكلام أي الأمر بفرعيه : الفعل والترك، أي ما يصطلح عليه بأحكام القرآن، كما أنه يخص الجانب الأول من المتشابه وهو ما يتعلق بإدراك الخبر القرآني وحده، دون أن يتعلق الأمر بإدراك عين الحقيقة المخبر بها .

    ومن تم يمكننا القول إن التفسير عند أهل السنة يشمل جوانب ثلاث، وهي :
    1- إدراك الأحكام التكليفية العملية .
    2- إدراك ما أخبر به الحق سبحانه من أمور غيبية تتعلق بالبعث وأهوال يوم القيامة ومشاهد الجنة والنار وغيرها من الأمور الغيبية التي وردت بالقرآن الكريم .
    3- إدراك ما أثبته الله لنفسه من أسماء وصفات .

    وأما التأويل فيتعلق بالجانب الثاني من المتشابه، وهو ما يتعلق بإدراك المخبر به فقط، وهم يلاحظون أن مهمة التأويل خارجة عن القدرة الإنسانية في الفهم والإدراك، ذلك أنه يقوم أساسا على إدراك الحقائق الغيبية على ما هي عليه في عالم المعاينة والمشاهدة، وهذا مما استأثر الله تعالى بعلمه، وهم إذ يفعلون ذلك إنما يتأولون قوله تعـــالى : { ذلك خير وأحسن تأويلا }(1).

    { هل ينظرون إلا تأويله }(2) .
    { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله }(3).

    فهذه الآيات تفيد أن تأويل الأمور الغيبية -بمعنى إدراك الحقيقة التي هي عليها في واقع أمرها -هو من العلم الذي استأثر الله به، وخص به ذاته المقدسة ولم يطلع عليه أحدا من خلقه .
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: التأويل

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 23.09.08 20:23


    ومما سبق يتبين لنا أن التأويل عند أهل السنة لا يخرج عن هذه الأمور الثلاث :
    1- التفسير والبيان، وهو ما درجوا على استعماله في تفاسيرهم، وهو المفهوم من أقوال الرسول صلى الله عليه و سلم وأقوال الصحابة والتابعين .

    2- إدراك الحقيقة الواقعية، وهذا مما استأثر الله بعلمه، وهم لا يخوضون في القضايا الغيبية على طريقة المتكلمين والفلاسفة والروافض وغلاة الصوفية، بل يوجهون كل جهودهم إلى معرفة هذه الحقائق وتمييز بعضها عن بعض، ففي الصفات مثلا لا يحاولون إدراك معنى الصفة على ما هي عليه حقيقة، بل يحاولون التعرف على معنى الصفة كما وردت في القرآن الكريم، وفي الحديث النبوي الشريف، بحيث يفهمون من صفة القدرة غير ما يفهمونه من صفة الكلام والعلم وهكذا(1).

    3- والمعنى الثالث للتأويل استنبطوه من الحديث الذي روته السيدة عائشة : (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي بتأول القرآن )(1) تعني قوله تعالى : {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا }(2).

    والتأويل هنا معناه تنفيذ الأمر الرباني، أمرا كان أم نهيا.

    ثانيا : الفرق بين تأويل الآية وفهم معناها :
    للتفريق بين تأويل الآية وفهم معناها، ناقش علماء أهل السنة ما إذا كان في القرآن شيء لا يدرك معناه، ومن ثم يحرم الخوض فيه.

    ومن خلال مراجعتنا لآراء كل من ابن عطية والطبري، والزركشي، وابن تيمية في هذا الموضوع، تبين لنا أنهم يعترفون بأن في القرآن أشياء استأثر الله تعالى بعلمها، وهي من قبيل الغيبيات كأسماء الله وصفاته، والجنة والنار، ونحو ذلك من الأمور الغيبية المستقبلية كخروج الدابة، والنفخ في الصور، وعدد النفخات، ومن ذلك قول الإمام الطبري : " وأن نمه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار، وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى بن مريم ، وما أشبه ذلك، فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه "(1).

    وعلى هذا المعنى الذي أورده الإمام الطبري حملوا الاحاديث الواردة في النهي عن التفسير القرآني الكريم، يقول الزركشي في " البرهان " : " ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل لقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم }(2) وقوله : { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }(3) . وقوله تعالى: { لتبين للناس ما نزل إليهم }(4) . فأضاف البيان إليهم، وعليه حملوا قوله صلى الله عليه و سلم : ( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار )(5). رواه البيهقي من طرق، من حديث ابن عباس. وقوله صلى الله عليه و سلم : (من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)(6). أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، وقال غريب من حديث ابن جندب .

    وقــال البيـهـقي في "شعـب الإيـمان" هـذا إن صح، فإنـما أراد ـ والله أعلم ـ الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل ، وكذلك لا يجوز تفسير القرآن به.

    وأما الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به في النوازل جائز، وهذا معنى قول الصديق : " أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي"(1).

    وهذا الأمر نفسه دفع القرطبي (ت671هـ) في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن"(2) والإمام ابن عطيـة (ت 546هـ) في تفسيره "الجامع المحرر الوجيز" إلى مناقشة الحديث الذي روته السيدة عائشة والذي بينت فيه أنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يفسر من القرآن إلا بضع آيات وبوحي من الله عز وجل، يقول ابن عطية : " روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت : (ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفسر من كتاب الله إلا آيات بعدد علمه إياهن جبريل)(3).

    قال المؤلف ـ رحمه الله ـ : " ومعنى هذا الحديث في مغيبات القرآن، وتفسير مجمله ونحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوفيق من الله تعالى، ومن جملة مغيباته ما لم يعلم الله به كوقت قيام الساعة ونحوه، ومنها ما يستقرأ من ألفاظه كعدد النفخات في الصور، وكرتبة خلق السموات والأرض"(1) .

    ولا يفهم من كلام هؤلاء العلماء أن في القرآن ما لا يفهم معناه، بحيث يكون بالنسبة لذي العلم باللسان العربي، بمثابة الكلام الأعجمي الذي لا يفقه منه شيئا، بل يستفاد من أقوالهم أن هناك أمورا أخبر بها القرآن، كصفات الله وأسمائه مثلا. فهذه فعلا يستحيل على الإنسان فهمها على ما هي عليه في واقع أمرها. وبتعبير آخر لا يدرك الإنسان حقيقتها الخارجية، ولكنه يدرك حقيقتها العلمية بحيث يفهم من كل صفة غير ما يفهمه من الصفات الاخرى. وفي ذلك يقول ابن تيمـية ـ مبطلا قول من جعل أسماء وصفات الله سبحانه من المتشابه الذي لا يفهم معناه ـ : " أما الدليل على بطلان ذلك فإني لا أعلم عن أحد من سلف الأمة، ولا من الأئمة، لا أحمد بن حنبل ولا غيره، أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية(2)، ونفى أن يعلم أحد معناه وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا قالوا : إن الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه، وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة، قالوا أحاديث الصفات تمر كما جاءت، وينهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه"(1).

    وانطلاقا من هذه النقطة بدأ ابن تيمية يبين الفرق بين تأويل الآية وفهم معناها . وذلك عبر مرحلتين :
    المرحلة الأولى:
    ناقش فيها من يدعون أن القرآن يتضمن ما لا يفهم معناه، ومن ثم يتعين عدم الخوض فيه، وذلك حيث يقول : " قال : ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله )(2). أي كذبوا بالقرآن الذي لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله. وأن الإحاطة بعلم القرآن ليست إتيان تأويله : فإن الإحاطة بعلمه معرفة معاني الكلام على التمام، وإتيان التأويل نفس وقوع المخبر به، وفرق بين معرفة الخبر وبين المخبر به، فمعرفة الخبر هي معرفة تفسير القرآن، ومعرفة المخبر به هي معرفة تأويله .

    ونكتة ذلك أن الخبر لمعناه صورة علمية وجودها في نفس العالم كذهن الإنسان مثلا، ولذلك المعنى حقيقة ثابتة في الخارج عن العلم، واللفظ إنما يدل ابتداء على المعنى الذهني، ثم تتوسط ذلك أو تدل على الحقيقة الخارجة، فالتأويل هو الحقيقة الخارجة، وأما معرفة تفسيره ومعناه فهو معرفة الصورة العلمية، وهذا هو الذي بيناه فيما تقدم أن الله إنما أنزل القرآن ليعلم ويفهم، ويفقه ويتدبر ويتفكر فيه، محكمه ومتشابهه، وإن لم يعلم تأويله "(1).

    وهكذا يبين ابن تيمية أن تأويل الآية هو غير فهم معناها، وبذلك يفند رأي من قالوا بعدم الخوض في آيات الصفات لأنها مما استأثر الله بعلمه، وأنها بمثابة قول أعجمي لا يفقه له معنى ، وهم إنما يفعلون ذلك لأحد أمرين .

    1- إنتصارا للهوى والمذهب، كالمعطلة وغيرهم من الفرق الضالة التي أحدثث في الإسلام أقوالا، وأفعالا غريبة عن طبيعته، وشاذة عن هديه وصراطه المستقيم: " وأما أولئك -كنفاة الصفات من الجهمية ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم، وكالفلاسفة -فيجعلون ما ابتدعوه هم برأيهم هو المحكم الذي يجب اتباعه، وإن لم يكن معهم من الأنبياء والكتاب والسنة ما يوافقه، ويجعلون ما جاءت به الأنبياء وإن كان صريحا قد يعلم معناه بالضرورة، ويجعلونه من المتشابه، ولهذا كان هؤلاء أعظم مخالفة للأنبياء من جميع أهل البدع "(2).

    2- أو خوفا من أن تتسرب بعض المفاهيم البعيدة عن الإسلام إليه إذا فتح باب التأويل على مصراعيه، وذهب إلى ذلك بعض علماء أهل السنة (3) .

    وافحاما لهؤلاء جميعا، وإقامة للحجة عليهم يبين ابن تيمية أن دعواهم -بأن أسماء الله وصفاته من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله- لا أساس لها من الصحة ولا سند لها، ومن ثم فهي محض افتراء، وادعاء باطل وقول مبتدع، وحادث في الملة : "وأما إدخال أسماء الله وصفاته أو بعض ذلك في المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، أو اعتقاد أن ذلك هو المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله ... من قال إن هذا من المتشابه وأنه لا يفهم معناه، فنقول : أما الدليل على بطلان ذلك فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة، ولا من الأئمة لا أحمد ابن حنبل ولا غيره، أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفى أن يعلم أحد معناه، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا قالوا : إن الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه، وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات : تمر كما جاءت ، ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه، ونصوص أحمد والأئمة قبله بينة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها، ويفهمون منها بعض ما دلت عليه، كما يفهمون ذلك في سائر نصوص الوعد والوعيد، والفضائل، وغــير ذلك "(1).

    المرحلة الثانية :

    أما المرحلة الثانية فيرد فيها على من يزعمون أن كل ما تضمنه القرآن يمكن تأويله، معتمدين في ذلك على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يدعو فيه لابن عباس أن يعلمه الله تأويل الكتاب . ون هؤلاء غلاة الشيعة والصوفية والملاحدة وغيرهم من الفرق الباطنية .
    يقول ابن تيمية : "وما أحسن ما يعاد التأويل إلى القرآن كله فإن قيل : فقد قال  لابن عباس  : ( اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل )(1) قيل أما تأويل الأمر والنهي فذاك يعلمه، واللام هنا للتأويل المعهود، لم يقل : تأويل كل القرآن فالتأويل المنفي هو تأويل الأخبار التي لا يعلم حقيقة مخبرها إلى الله.
    والتأويل المعلوم هو الأمر الذي يعلم العباد تأويله، وهذا كقوله : { هل ينظرون إلى تأويله يوم يأتي تأويله }(2) . وقوله : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتـهم تأويله }(3). فإن المراد تأويل الخبر الذي أخبر فيه عن المستقبل، فإنه هو الذي " ينتظر " و " يأتى " و " لما يأتهم "، وأما تأويل الأمر والنهي فذاك في الأمر، وتأويل الخبر عن الله وعمن مضى إن أدخل في التأويل لا ينتظر . والله سبحانه أعلم "(4) .

    وأهل السنة يعترفون أن التفسير يعتمد النقل بالأساس، والتأويل يعتمد الإستدلال والإستنباط أساسا، ومن ثم راحوا يوضحون منهجهم في التأويل حتى لا يلتبس بمفهوم التأويل عند الفرق الضالة التي تلتجىء إليه انتصارا للرأي والمذهب والهوى .

    يقول الزركشي في كتابه "البرهان" : "وكل لفظ احتمل معنيين فصاعدا فهو الذي لا يجوز لغير العلماء الإجتهاد فيه، وعلى العلماء اعتماد الشواهد والدلائل، وليس لهم أن يعتمدوا مجرد رأيهم فيه على ما تقدم بيانه، وكل لفظ احتمل معنيين فهو قسمان :
    أحدهما : أن يكون أحدهما أظهر من الآخر، فيجب الحمل على الظاهر إلا أن يقوم دليل على أن المراد هو الخفي دون الجلي فيحمل عليه .

    الثاني : أن يكونا جليين والإستعمال فيهما حقيقة . وهذا على ضربين :
    أحدهما حقيقة لغوية ، وفي الآخر حقيقة حقيقة شرعية . فالشرعية أولى إلا أن تدل قرينته على إرادة اللغوية نحو قوله تعالى : { وصل عليهم إن صلاتك ســكن لهم }(1). وكذلك إذا دار بين اللغوية والعرفية، فالعرفية أولى لطريانها على اللغة، ولو دار بين الشرعية والعرفية، فالشرعية أولى لأن الشرع ألزم "(2) .

    وهذا النص الهام يبين لنا عنصرين هامين من عناصر المنهج السني :
    أولهما :
    أن أهل السنة لا يتنكرون لحقيقة قائمة كما هو الشأن بالنسبة للتأويل، فرغم أنهم يعلمون خطورته البالغة على عقيدة المسلم، وعلى كيان الدولة المسلمة ككل - إذ هو المدخل الذي تنفذ منه كل الدعاوي الباطلة والمذاهب الهدامة- رغم كل ذلك نجدهم يقررون أهميته، ويعترفون به لا كأمر واقع فحسب، بل كأداة منهجية يستدعى استخدامها النص القرآني، إذ هناك كثير من المواقف التي تتطلب من المفسر أن يستعمل فيها الإستدلال والإستنباط للوقوف على المعنى الحقيقي للآية أو السورة التي يروم تفسيرها.

    الثاني:
    إن قبولهم التأويل واعترافهم به لا يعني التسليم بكل تأويل، بل وضعوا المنهج القويم للتأويل المرتضى، وأسسوه على قاعدة منهجية وعلمية وموضوعية، بحيث يكون النص هو الذي يفرض الأداة المنهجية التي ينبغي أن نتعامل معه بها، وألا نسقط عليه أدوات منهجية غريبة عنه تفضي بنـا ـ في النهاية ـ إلى مفارقات صارخة، وإلى نتائج غريبة عن طبيعة الإسلام العقدية والشرعية .

    فما ينبغي أن يعرف من موقف أهل السنة في قضية التأويل إجمالا أنهم لم يرفضوه بالكلية، وإنما رفضوا المعنى الأخير، الذي قال به متأخروا المتكلمين والفلاسفة والأصوليين وغيرهم، حيث يصرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به، وقد رفضوه لأنه استحدث في الأمة لأغراض غير نزيهة وغير علمية، ذلك أنه المدخل الذي تلج منه البدع والضلالات بعد أن تلبس ثوب الشريعة الإسلامية، وتصبغ بصبغتها في الظاهر، لتجنب نفسها المعارضة الشعبية التي كانت ستواجهها حتما إن هي أسفرت عن باطلها وضلالها.

    في الوقت نفسه نجد علماء أهل السنة يقررون المعنى القرآني للتأويل، وهو رد الشيء المخبر به إلى حقيقته وآماله، وينصون على أن ذلك مما استأثر الله تعالى بعلمه، ومن ثم لم يجوزوا الخوض فيه موضحين أن المنهج السليم هو إثبات المعنى الذي جاء به القرآن الكريم، والقول به من غير زيادة أو نقصان.

    كما أنهم قالوا بمعنى التأويل الذي ورد عن السلف وهو ما يفيد التفسير والبيان من جهة، وتنفيذ الأمر الرباني - أمرا كان أو نهيا - من جهة أخرى، وهذا مما أفاضوا الكلام فيه .
    __________________
    أحمد بزوي الضاوي
    أستاذ التعليم العالي
    جامعة شعيب الدكالي

    والنقل
    لطفـــــــاً .. من هنــــــــــــــــــا
    [/size]

      الوقت/التاريخ الآن هو 20.05.24 19:56