خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع

    avatar
    أبو عبد الله أحمد بن نبيل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 2798
    العمر : 47
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 19
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع

    مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 05.09.08 22:31

    الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلي الله عليه وسلم وبعد:
    فإن الهدف من هذا
    البحث هو بيان مدى مشروعية ما يفعله كثير من الناس ، من الاجتماع في البيوت
    والمساجد في أوقات معينة ، أو مناسبات معينة ، أو بعد الصلوات المكتوبة لذكر الله
    تعالى بشكل جماعي ، أو يردد أحدهم ويرددون خلفه هذه الأذكار .
    ولأن هذا الفعل
    قد كثر وشاع بين الناس في كثير من بلدان المسلمين (أي ظاهرة الذكر الجماعي ) في
    المساجد والبيوت، والمنتديات وغيرها ، وذلك في كثير من البلدان الإسلامية ، حتى
    عمت بها البلوى .
    تمهيد : مشروعية الذكر ووجوب الإتباع في العبادة
    من المعلوم أن
    الذكر من أفضل العبادات ، وهو مأمور به شرعاً كما قال تعالى : { يا أيها الذين
    آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً . وسبحوه بكرةً وأصيلاً } [ الأحزاب : 41 ، 42 ] .
    فالمسلم مطالب بذكر الله تعالى في كل وقت ، بقلبه ،
    وبلسانه ، وبجوارحه ، وهذا الذكر من أعظم مظاهر وبراهين التعلق بالله تعالى ،
    ولاسيما أذكار ما بعد الصلاة ، وطرفي النهار ، والأذكار عند العوارض والأسباب ،
    فإن الذكر عبادة ترفع درجات صاحبها عند الله ، وينال بها الأجر العظيم دون مشقة أو
    تعب وجهد .
    لكن ينبغي للمسلم
    أن يكون في ذكره لله تعالى ملتزماً بحدود الشريعة ونصوصها ، وهدي النبي صلي الله عليه وسلم، وصحابته وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وذلك
    لأن الإتباع شرط لصحة العمل ، وقبوله عند الله تعالى ، كما قال صلي الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد
    )) أي باطل مردود على صاحبه
    ومما هو معلوم أن
    العبادات - ومنها الذكر - كلها توقيفية ، أي : لا مجال فيها للاجتهاد ، بل لابد من
    لزوم سنة النبي صلي الله عليه وسلم وشريعته
    فيها ، لأنها شرع من عند الله تعالى ، فلا يجوز التقرب إلى الله بتشريع شيء لم
    يشرعه الله تعالى ، وإلا كان هذا اعتداءً على حق الله تعالى في التشريع ، ومنازعة
    لله تعالى في حكمه ، وقد قال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم
    يأذن به الله } [ الشورى : 21 ] .
    قال السعدي في
    تفسير هذه الآية : ({ شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } من الشرك والبدع
    وتحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله ، ونحو ذلك ، مما اقتضته أهواؤهم مع أن
    الدين لا يكون إلا ما شرعه الله تعالى ، ليدين به العباد ويتقربوا به إليه . فالأصل : الحجر على كل أحد أن يشرع شيئاً ما
    جاء عن الله ولا عن رسوله ... )) أهـ . فلا ينبغي، بل ولا يجوز التقرب إلى الله
    تعالى إلا بما شرع، وبما بيَّن على لسان رسوله صلي الله عليه وسلم. ومن هنا
    كان لازماً على المسلم أن يلزم السنة في كل عباداته، وألا يحيد عنها قيد أنملة،
    وإلا أحبط عمله وأبطله إذا كان مخالفاً هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم في العمل.
    ولهذا فإن المسلم
    ينبغي له ألا يحدث في ذكره لله شيئاً مخالفاً لما كان عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم هو وأصحابه، وإلا كان مبتدعاً في الدين، محدثاً في
    العبادة ما ليس منها.
    ومهما استحسن
    الإنسان بعقله شيئاً في العبادة ، فإنه - أي الاستحسان - ليس دليلاً على مشروعية
    تلك العبادة ، بل إن هذا الاستحسان قد يكون مصادماً لحكم الله تعالى ، فلا ينبغي
    أبداً أن يتعبد الإنسان لله تعالى إلا بما شرع الله على لسان رسوله صلي الله عليه
    وسلم .
    تعريف الذكر الجماعي

    الذكر الجماعي يتركب من كلمتين ، وإليك بيان معنى كل منهما :
    أولاً ( الذِّكر ): بالكسر: الشيء الذي يجري على اللسان، وتارة يقصد به
    الحفظ للشيء.
    قال الراغب في المفردات: (( الذكر: تارة يقال ويراد به: هيئة للنفس بها
    يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتباراً
    باحترازه، والذكر يقال اعتباراً باستحضاره، وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول. ولذلك قيل منهما ضربان : ذكر عن نسيان . وذكر لا عن نسيان ، بل عن إدامة الحفظ ))
    وأما معنى الذكر في الشرع فهو كل قول سيق للثناء والدعاء. أي ما تعبدنا الشارع بلفظ منا يتعلق بتعظيم الله
    والثناء عليه، بأسمائه وصفاته، وتمجيده وتوحيده، وشكره وتعظيمه، أو بتلاوة كتابه،
    أو بمسألته ودعائه.
    ثانياً: معنى ( الجماعي ): هو ما ينطق به المجتمعون للذكر بصوت واحد، يوافق
    فيه بعضهم بعضاً.
    والمقصود بكلامنا وقولنا : الذكر الجماعي هو ما يفعله بعض الناس من
    الاجتماع أدبار الصلوات المكتوبة ، أو في غيرها من الأوقات والأحوال ليرددوا بصوت
    جماعي أذكاراً وأدعية وأوراداً وراء شخص معين ، أو دون قائد ، لكنهم يأتون بهذه
    الأذكار في صيغة جماعية وبصوت واحد ، فهذا هو المقصود من وراء هذا البحث
    الأدلة علي بدعية

    الذكر الجماعي:
    أولاً: أن الذكر الجماعي لم يأمر به النبي صلي الله عليه وسلم ولا حث الناس عليه، ولو أمر به أو حث عليه لنُقل
    ذلك عنه عليه الصلاة والسلام. وكذلك لم
    يُنقل عنه الاجتماع للدعاء بعد الصلاة مع أصحابه .
    قال الشاطبي:(
    الدعاء بهيئة الاجتماع دائماً لم يكن من فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم ) الاعتصام ( 1 / 219 ).
    وقال شيخ الإسلام
    ابن تيمية : (( لم ينقل أحد أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا صلى بالناس يدعو بعد الخروج من الصلاة هو
    والمأمومون جميعاً ، لا في الفجر ، ولا في العصر ، ولا في غيرهما من الصلوات ، بل
    قد ثبت عنه أنه كان يستقبل أصحابه ويذكر
    الله ويعلمهم ذكر الله عقب الخروج من الصلاة ) الفتاوى الكبرى ( 2 / 467 ) .
    ثانياً : فعل السلف من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان ، فإنهم قد أنكروا على من
    فعل هذه البدعة ، كما سيأتي ذلك في النصوص الآتية
    عن عمر وابن مسعود وخباب رضي الله عنهم ، ولو لم يكونوا يعدون هذا العمل شيئاً
    مخالفاً للسنة ما أنكروا على فاعله ، ولا اشتدوا في الإنكار عليه ، فممَّن أنكر من
    الصحابة هذا العمل :
    1 - عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فقد روى ابن وضاح بسنده إلى أبي عثمان النهدي
    قال : (( كتب عامل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إليه : أن ها هنا قوماً يجتمعون،
    فيدعون للمسلمين وللأمير . فكتب إليه عمر
    : أقبل وأقبل بهم معك فأقبل . فقال عمر ،
    للبواب : أعِدَّ سوطاً ، فلما دخلوا على عمر ، أقبل على أميرهم ضرباً بالسوط
    . فقلت: يا أمير المؤمنين إننا لسنا أولئك
    الذي يعني، أولئك قوم يأتون من قبل المشرق )) ما جاء في البدع لابن وضاح (54
    ). وابن أبي شيبة في المصنف ( 8 / 558
    ) . وسنده حسن
    2 - وممن أنكر من الصحابة كذلك الاجتماع للذكر:
    عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وذلك في الكوفة.
    فعن أبي البختري قال : أخبر رجل ابن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في
    المسجد بعد المغرب ، فيهم رجل يقول : كبروا الله كذا ، وسبحوا الله كذا وكذا ،
    واحمدوه كذا وكذا ، واحمدوه كذا وكذا .
    قال عبد الله : فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني ، فأخبرني بمجلسهم . فلما جلسوا، أتاه الرجل ، فأخبره . فجاء عبد
    الله بن مسعود، فقال: والذي لا إله إلا غيره ، لقد جئتم ببدعة ظلماً ، أو قد فضلتم
    أصحاب محمد علماً . فقال عمرو بن عتبة :
    نستغفر الله . فقال: (( عليكم الطريق فالزموه،
    ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً ))(61) الدرامي ( 1 / 68 - 69 ) بإسناد جيد. وأورده السيوطي في الأمر بالإتباع
    ( ص 83 - 84 )
    3 - وممن أنكر عليهم من الصحابة : خباب بن الأرت ، فقد
    روى ابن وضاح بسند صحيح عن عبد الله بن أبي هذيل العنزي عن عبد الله بن الخباب قال
    : (( بينما نحن في المسجد ، ونحن جلوس مع قوم نقرأ السجدة ونبكي . فأرسل إليَّ أبي . فوجدته قد احتجز معه هراوة له . فأقبل عليَّ .
    فقلت: يا أبت ! مالي مالي ؟! قال: ألم أرك جالساً مع العمالقة (والعملقة:
    التعمق في الكلام. فشبَّه القصاص بهم لما
    في بعضهم من الكبر والاستطالة على الناس.
    أو بالذين يخدعونهم بكلامهم. وهو
    أشبه) ؟ ثم قال : هذا قرن خارجٌ الآن )) ) ابن وضاح في البدع
    والنهي عنها ( ص 32 رقم 32 ) ، وابن أبي شيبة في المصنف ( 8 / 559 ) ، كما أنكر عامة التابعين رحمهم الله تعالى كذلك
    هذه البدع ومن جملة ذلك : كراهية الإمام مالك الاجتماع لختم القرآن في ليلة من
    ليالي رمضان . وكراهيته الدعاء عقب الفراغ من قراءة القرآن بصورة جماعية كتاب الحوادث والبدع للطرطوشي( ص 62 ، 63 - )68 . وقد نقل الشاطبي
    في فتاواه ص ( 206 - 208 ) كراهية مالك الاجتماع لقراءة الحزب، وقوله: إنه شيء أُحدث،
    وإن السلف كانوا أرغب للخير، فلو كان خيراً لسبقونا إليه )
    فهذه النقول ،
    التي أوردناها في هذا الباب ، كلها توضح أن السلف - رضي الله عنهم - كانوا لا يرون
    مشروعية الاجتماع للذكر بالصورة التي أحدثها الخلف . ولله در السلف ! ما كان خير إلا سبقوا إليه ،
    ولا كانت بدعة منكرة إلا كانوا أبعد الناس عنها ، محذرين منها . فما من إنسان يخالف هديهم إلا كان تاركاً لسبل
    الخير ، معرضاً عنها ، مقتحماً أبواب الضلال .
    فلو كان الذكر
    الجماعي مشروعاً أو مستحباً لفعله السلف، ولو فعلوه لنُقل عنهم، ولَوَرَدَ إلينا. فلما لم يُنقل ذلك عنهم، بل نُقل عنهم ما يخالف
    من الإنكار على فاعله، كما حدث من ابن عمر، وابن مسعود، وغيرهما. دل ذلك على أن هذا العمل غير مشروع أصلاً.
    ثالثاً : النصوص العامة التي فيها المنع من الابتداع
    في الدين ، كحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس
    منه فهو رد )) متفق عليه . ومعلوم أن الذكر الجماعي لم يأمر به النبي صلي الله عليه وسلم ولم يدل عليه ، فلو شرعه النبي صلي الله عليه وسلم لأمر به وحث الناس عليه ، ولشاع ذلك عنه صلي الله عليه وسلم بينهم مع قيام المقتضى .
    رابعاً : أن في القول باستحباب الذكر الجماعي استدراكاً
    على شريعة النبي صلي الله عليه وسلم بحيث إن
    المبتدعين له شرعوا أحكاماً لم يشرعها النبي صلي الله عليه وسلم
    ، قال تعالى : { أم لهم شركاء شرعوا لهم من
    الدين ما لم يأذن به الله } [ الشورى : 21 ] . فلما لم يشرع النبي صلي الله عليه وسلم لأمته هذا العمل، دل ذلك على بدعيته .
    خامساً : مفاسد الذكر الجماعي فمن هذه المفاسد :
    الأولى: مخالفة هدي النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فإنهم لم ينقل عنهم شيء من ذلك. ولا شك أن ما خالف هدي النبي صلي الله عليه وسلم وهدي أصحابه الكرام رضي الله عنهم، فهو بدعة ضلالة. ولو كان خيراً لفعله صلي الله عليه وسلم، ولتبعه في ذلك الصحابة الكرام، ولنقل ذلك عنهم ولا
    شك. فلما لم ينقل ذلك عنهم دل على أنهم لم
    يفعلوه. وما لم يكن ديناً في زمانهم فليس
    بدين اليوم الثانية : الخروج عن السمت والوقار ، فإن الذكر الجماعي قد يتسبب في التمايل
    ، ثم الرقص ، ونحو ذلك ، وهذا لا يجوز بحال ، بل هو منافٍ للوقار الواجب عند ذكر
    الله تعالى ، وحال أهل الطرق الصوفية معروف في هذا الباب .
    الثالثة: التشويش على المصلين، والتالين للقرآن،
    وذلك إذا كان الذكر الجماعي في المساجد.
    ولاشك أن المجيزين له يعدون المساجد أعظم الأماكن التي يتم الالتقاء فيها
    للذكر الجماعي.
    الرابعة : أنه قد
    يحصل من الذاكرين تقطيع في الآيات، أو إخلال بها وبأحكام تلاوتها، أو بأذكار مما
    يجتمع عليها ، كما لو أن أحدهم قد انقطع نَفَسُه ثم أراد إكمال الآية فوجد الجماعة
    قد سبقوه ، فيضطر لترك ما فاته واللحاق بالجماعة فيما يقرأون . أو أن يكون بعض القارئين مخلاً بالأحكام فيضطر
    المجيد للأحكام إلى مجاراتهم حتى لا يحصل نشاز وتعارض ، ونحو ذلك .
    الخامسة: أن في الذكر الجماعي تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في
    كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية جماعة وبصوت واحد. وهذا التشبه بأهل الكتاب مع ورود النهي الشديد
    عن موافقتهم في دينهم دليل واضح على عدم جواز الذكر الجماعي .
    السادسة : أن فتح باب الذكر الجماعي قد يؤدي إلى أن تتبع كل طائفة شيخاً
    معيناً يجارونه فيما يذكر ، وفيما يقول ، ولو أدى ذلك إلى ظهور أذكار مبتدعة ،
    ويزداد التباعد بين أرباب هذه الطرق يوماً بعد يوم ؛ لأن السنة تجمع ، والبدعة
    تفرق
    السابعة : أن اعتياد الذكر الجماعي قد يؤدي ببعض
    الجهال والعامة إلى الانقطاع عن ذكر الله إذا لم يجد من يشاركه ، وذلك لاعتياده
    الذكر الجماعي دون غيره .
    ولاشك أن للذكر الجماعي
    مفاسد أخرى، وفيما ذكرت كفاية،،،، ولله
    الحمد .


    عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في 07.09.08 5:14 عدل 4 مرات
    avatar
    أبو عبد الله أحمد بن نبيل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 2798
    العمر : 47
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 19
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية رد: الذكر الجماعي بين الاتباع والابتداع

    مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 05.09.08 22:34

    شبهات والرد
    عليها:

    احتج المجيزون
    للذكر الجماعي بحجج
    أولاً : النصوص الشرعية الواردة في الثناء على أهل
    الذكر بصيغة الجمع بما يدل على استحباب الاجتماع على ذكر الله وللجواب
    على هؤلاء يقال : إن الحث على الذكر بصيغة
    الجمع ومدح الذاكرين بصيغة الجمع لا يقتضي الدلالة على استحباب أو جواز الذكر
    الجماعي ولا يلزم منه ذلك . بل غاية ما في هذه النصوص الدلالة على استحباب
    الذكر لجميع المسلمين ، والحث عليه ، وسواء كان ذلك على وجه الانفراد ، أو الاجتماع
    ، ظاهراً ، أو خفياً .
    ثانياً : الجواب على استدلالهم بعموم الأحاديث الدالة على فضل
    الاجتماع على ذكر الله ومجالس الذكر .
    فالجواب على هذا
    الدليل من وجهين :
    الوجه الأول : أن
    ذكر الله ليس مقصوراً على التسبيحات والدعوات ، وما يقال باللسان ، بل إن ذكر الله
    سبحانه وتعالى يشمل كل قول وفعل يرضي الله تعالى ومنه مجالس العلم والفقه ، والقرآن
    ، ولذلك فإن ما ورد في فضل مجالس الذكر ليس المقصود منها فقط ما ذكروه ، بل وغير
    ذلك .
    ويدل على ذلك ما
    ورد في كتاب الحلية لأبي نعيم الأصبهاني ، بسنده إلى أبي هزان قال : سمعت عطاء بن
    أبي رباح يقول : من جلس مجلس ذكر كفر الله عنه بذلك المجلس عشرة مجالس من مجالس
    الباطل . قال أبو هزان : قلت لعطاء : ما
    مجلس الذكر ؟ قال : مجلس الحلال والحرام ، وكيف تصلي ، وكيف تصوم ، وكيف تنكح ،
    وكيف تطلق وتبيع وتشتري ) الحلية ( 3 / 313 )
    وقال الحافظ ابن حجر:
    والمراد بالذكر: الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها، مثل:
    الباقيات الصالحات وهي: (( سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ))،
    ونحو ذلك. والدعاء بخيري الدنيا والآخرة ويطلق ذكر الله أيضاً ، ويراد به : المواظبة على
    العمل بما أوجبه ، أو ندب إليه : كتلاوة القرآن ، وقراءة الحديث ، ومدارسة العلم
    والتنفل بالصلاة) الفتح ( 11 / 250 ) .
    قال العلامة
    المباركفوري ) تحفة الأحوذي ( 9 / 314 ):
    (( المراد بالذكر - هنا - : الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها، والإكثار
    منها مثل الباقيات الصالحات ، وهي: سبحان الله ، والحمد لله، ولا إله إلا الله،
    والله أكبر ، وما يلتحق بها من الحوقلة ، والبسملة ، والحسبلة ، والاستغفار، ونحو
    ذلك ، والدعاء بخيري الدنيا والآخرة .
    ويُطلق ذكر الله أيضاً ويُراد به المواظبة على العمل بما أوجبه ، أو ندب
    إليه ، كتلاوة القرآن ، وقراءة الحديث ، ومدارسة العلم ، والتنفل بالصلاة )) .
    فإن قال قائل من هؤلاء:
    إن الذكر بالألفاظ الواردة نوع من أنواع الذكر اللساني يشمله أحاديث فضل مجالس
    الذكر فدل ذلك على استحباب الاجتماع لأجل هذا الذكر اللساني.
    فالرد عليه
    بالوجه الثاني: أن هذه الأحاديث لم تدل على الذكر الجماعي واستحبابه، وإنما هي
    دالة على استحباب الاجتماع على ذكر الله.
    وهناك فرق كبير بين هذا وذاك .
    فالاجتماع على
    ذكر الله مستحب مندوب إليه بمقتضى الأحاديث الواردة في فضله ، ولكن على الوجه
    المشروع الذي فهمه الصحابة وعملوا به ، فقد كانوا يجتمعون للذكر كما ذكر شيخ
    الإسلام ابن تيمية : (( كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحداً منهم يقرأ ، والناس
    يستمعون . وكان عمر يقول لأبي موسى :
    ذكرنا ربنا . فيقرأ وهم يستمعون لقراءته
    )) مجمع الفتاوى ( 11 / 533 ).
    وقال الطرطوشي :
    (( هذه الآثار تقتضي جواز الاجتماع لقراءة
    القرآن الكريم على معنى الدرس له والتعلم والمذاكرة وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم ، أو
    يقرأ المعلم على المتعلم ، أو يتساويا في العلم ، فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه
    المذاكرة والمدارسة هكذا يكون التعليم والتعلم ، دون القراءة معاً .
    وجملة الأمر أن
    هذه الآثار عامة في قراءة الجماعة معاً على مذهب الإدارة ، وفي قراءة الجماعة على
    المقرئ ... ومعلوم من لسان العرب أنهم لو رأوا جماعة قد اجتمعوا لقراءة القرآن على
    أستاذهم . ورجل واحد يقرأ القرآن ، لجاز أن يقولوا : هؤلاء جماعة يدرسون العلم ،
    ويقرؤون العلم والحديث . وإن كان القارئ
    واحد) كتاب الحوادث والبدع ص 166 .
    ثالثاً: وأما الآثار التي استدلوا بها عن عمر رضي الله
    عنه ، وميمونة رضي الله عنها . فيجاب عنها
    من ثلاثة وجوه :
    الأول : أنها غير صريحة في التكبير الجماعي بالشكل الذي
    يدعو إليه من يقولون بمشروعية الذكر الجماعي ، بل غاية ما فيها أن الناس تأسَّوا
    بعمر رضي الله عنه فكبروا مثله وبأصوات مرتفعة ، وبسبب تداخل واختلاط الأصوات مع
    كثرة الحجيج فقد ارتجت منى بالتكبير . ولا
    يفهم منه أن عمر رضي الله عنه كان يكبر ثم يسكت حتى يرددوا خلفه بصوت رجل واحد
    . وإلا فإن أئمة المذاهب المتبوعة لم ينقل
    عنهم الإقرار للذكر والتسبيح والتكبير بصوت واحد فلو فهموا منه ما فهمه دعاة الذكر
    الجماعي لقالوا به . ولكنهم فهموا هذه
    الآثار - والله أعلم - على ما سبق ذكره في أول هذا الوجه .
    الثانيً: وأما أثر ميمونة فيقال فيه ما قيل في أثر عمر . وليس فيه إلا تكبير النسوة مع الرجال في المسجد
    .
    الثاني : أن عمر
    رضي الله عنه قد ثبت عنه أنه عاقب من اجتمعوا للدعاء والذكر وغيره كما في الأثر
    الذي رواه ابن وضاح . وقد سبق إيراده في بيان حجج المانعين من الذكر
    الجماعي وأدلتهم .
    الثالث: أن مثل هذا التكبير من عمر والترديد من الناس لم
    ينقل في غير أيام منى ، ووقت الحج . ولو
    جاز تعميم الحكم ، والقول بجواز الذكر الجماعي في المساجد والبيوت، وبعد الصلوات
    وفي الأوقات المختلفة ، لكان في هذا مخالفة واضحة للآثار السابقة عن عمر ، وابن
    مسعود ، وخباب ، وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً .
    رابعاً : وأما الأمر الرابع الذي استدلوا به : وهو
    دعواهم أن للذكر الجماعي مصالح عديدة ، فيجاب عنه بما يأتي انظر : الاعتصام للشاطبي ( 1 / 461 ) بتصرف :
    1 - قولهم إن فيه
    تعاوناً على البر والتقوى باطل، يرده فعل النبي صلي الله عليه وسلم. فإن النبي
    صلي الله
    عليه وسلم هو الذي أنزل عليه {
    وتعانوا على البر والتقوى } وكذلك فعله عليه السلام، ولو كان الاجتماع للدعاء
    والذكر بعد الصلاة جهراً لمن شهد الصلاة، وفي غير ذلك من الأوقات. لو كان هذا كله من باب التعاون على البر
    والتقوى لكان أول سابق إليه هو النبي عليه السلام
    ولفاز بالسبق إليه أصحابه رضوان الله عليهم ، ومن المعلوم أنهم لم ينقل
    عنهم ذلك قطعاً . وكذب من ادعى عليهم
    شيئاً من ذلك .
    2 - وأما قولهم
    إن الذكر الجماعي أقرب للإجابة . فيجاب
    عليهم بأن هذه العلة كانت موجودة في زمانه عليه السلام بل هو صلي الله عليه وسلم أعظم من تجاب دعوته ولا شك في ذلك ، فهو عليه
    السلام كان أحق بأن يفعل ذلك ويدعو مع أصحابه - جماعة - خمس مرات في اليوم والليلة
    . ولكن رغم ذلك لم ينقل عنه أنه فعل ذلك. وبالتالي يصبح من الواجب الحكم على هذا الفعل
    بأنه بدعة بناء على ما ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام ، وبناء على الأدلة
    الكثيرة في بيان وجوب طاعته والاهتداء
    بهديه ، والاقتداء بسنته .
    3 - وأما قولهم
    إن الذكر الجماعي أبعد عن اللحن في الدعاء والذكر ولاسيما للعوام، فيجاب عليهم بما
    يلي:
    أ - أنه ليس من
    شروط صحة الدعاء عدم اللحن فيه، بل يشترط الإخلاص وصدق التوجه ومتابعة النبي صلي الله عليه وسلم في ذلك.
    وقد كان الصحابة
    متوافرين بعد انتشار الفتوحات ، وظهور العجمة في الألسنة بعد أن كثر العجم
    الداخلون في الإسلام وشاع بين الناس اللحن
    في الكلام ، ومع ذلك لم ينقل عن الصحابة شيء من هذا الذكر الجماعي .
    ب - أن هذا اللحن
    الذي زعموه ، والموجود في الدعاء ، يوجد أيضاً من هؤلاء العوام في قراءة القرآن ،
    وفي الصلاة وفي غيرها من شعائر الدين ،
    وكان الجدير بهؤلاء أن يعلموهم بعد الصلوات تلك الأحكام ، لأنها أمور واجب تعلمها
    على المسلم ، أما الدعاء فهو أمر مستحب .
    خامساً : قولهم : إن هذا عمل الناس ، وعليه الجماعة ، وقد اجتمع عليه
    أكثر الناس .
    فيجاب عليهم بأن
    هذا احتجاج بالناس على الشرع ، وهذا باطل .
    بل يحتج بالشرع وبالدليل على الناس، وعلى الرجال، وأما إتباع عامة الناس
    وأغلبهم في أمور الدين فهذا باب ضلال، وقد ذمه الله عز وجل في كتابه فقال: { وإن
    تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } [ الأنعام: 116 ]. ولسنا متعبَّدين بطاعة الناس وإتباعهم، بل
    بطاعة النبي صلي
    الله عليه وسلم وإتباعه.
    وقد جاء عن أبي
    علي بن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبد الله بن إسحاق الجعفري قال : (( كان عبد الله
    بن الحسن - يعني ابن الحسن بن علي بن أبي طالب يكثر الجلوس إلى ربيعة فتذاكروا
    يوماً . فقال رجل كان في المجلس: ليس
    العمل على هذا ( أي أن عمل العوام يخالف ذلك ).
    فقال عبد الله : أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام ، أفهم الحجة
    على السنة ؟ فقال ربيعة : أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء ) الاعتصام ( 1 / 460 )
    . فبيَّن عبد الله ابن الحسن أن كثرة الجهال
    والمبتدعين ، وتسلطهم على الناس ، ونشرهم لبدعتهم ، ليس حجة على السنة وعلى الشرع
    ، ولا ينبغي ولا يجوز أن يعارض شرع الله، وسنة الرسول صلي الله عليه وسلم بفعل أحد من الناس ، كائناً من كان .
    سادساً: دعواهم أن الذكر الجماعي وسيلة لها حكم غايتها ، وغاية الذكر
    الجماعي عبادة الله .
    فيجاب عليهم بما
    يلي :
    1 - أن هذه
    القاعدة ليست قاعدة مطردة على الدوام، بل إن لها موارد مقصورة عليها، فهذه القاعدة
    مقصورة على ما ورد في الشرع سواء كان وسيلة أم غاية. ومما يدل على ذلك أن الشيء قد يكون مباحاً، بل واجباً،
    ومع ذلك تكون وسيلته مكروهة أو محرمة. كمن
    يتوصل إلى تحصيل ماء الوضوء عن طريق الغصب أو السرقة.
    2 - يدلك على هذا
    كذلك فعل السلف الصالح ، فإنهم - رضي الله عنهم - كانوا يتحرون في أمور العبادات
    كلها تحرياً شديداً من غير التفات إلى الفرق بين ما يسمى
    (( وسائل )) و((
    غايات )) انظر علم أصول البدع (ص 246).
    سابعاً : وأما قولهم : إن الآثار المانعة للذكر
    الجماعي تعارض الأحاديث الكثيرة التي تثـبت مشروعية الذكر الجماعي ( كذا زعموا ) ،
    فتُقدَّم الأحاديث عليها .
    فيجاب عليهم بأنه
    لا تعارض بين هذه الآثار وتلك الأحاديث كما سبق، بل إن تلك الأحاديث ينبغي أن تفهم
    وتفسر في ضوء فهم السلف الصالح لها ، وهذه الآثار الواردة عن السلف تفسر جانباً من
    هذه الأحاديث ، كما سبق وأن ذكرناه .
    وأما ما رد به
    السيوطي أثر ابن مسعود بأنه لا يعرف له سند ، فمردود بأنه أثر صحيح بمجموع طرقه
    رواه الدرامي في سننه ، وابن وضاح في البدع (ص 400) .
    والعجب أن الإمام السيوطي - رحمه الله - ذكر هذا في كتابه (( الأمر بالإتباع
    والنهي عن الابتداع ))( ص 83)
    وأما قول الدكتور
    الزحيلي البدع المنكرة ( ص 47 ): (( فلا يصح القول بتبديع الدعاء الجماعي بعد
    الصلاة ... )) إلخ .
    فيقال : قوله : (
    لا يصح ) . هذه كلمة شرعية ، وإطلاق لحكم
    شرعي ، وهذا يقتضي عدم الجواز . فمن أين
    أتى بهذا الحكم ؟ ومَنْ سبقه بهذا من أهل العلم المعتبرين ؟ ولا دليل عليه لا من
    كتاب ولا من سنة.
    ثم قوله: (( وجرى
    العمل بين المتأخرين بالاجتماع على الدعاء )) أهـ .
    فيقال له: ومتى
    كان اجتماع الناس على عملٍ ما قاضياً على شرع الله عز وجل ؟ فالحجة إنما هي في
    النصوص وفي عمل الرسول صلي الله عليه وسلم، والصحابة الكرام،
    لا في عمل المتأخرين.
    ثم قوله في إنكار
    ابن مسعود على المجتمعين على الذكر: (( والواقع أن هذا الإنكار ليس بسبب اجتماعهم
    على الذكر. وإنما لشذوذهم وادعائهم أنهم
    أشد اجتهاداً في الدين من غيرهم )) أهـ .
    فيقال له : ما
    دليلك على هذا الكلام ؟! وكل من روى هذه الواقعة فهم منها إنكار ابن مسعود للذكر
    الجماعي ، ومثله إنكار خباب بن الأرت على ولده ، وهل كان هناك شذوذ عند هؤلاء
    المذكورين غير اجتماعهم على الذكر الجماعي ؟ إذ لا يمكن أن يقال إن شذوذهم كان
    بسبب أنهم يذكرون الله كثيراً .
    ومن هنا يتبين لك
    ضعف استدلال المجيزين للذكر الجماعي بالأدلة التي استدلوا بها، وأنها لا تنهض لهم
    بما أرادوا ، وأن الحجة قائمة عليهم بحمد الله تعالى . [
    هذا الموضوع مختصر من كتاب ( الذكر الجماعي بين الإتباع والابتداع) د. محمد بن عبد الرحمن الخميس
    وللتحميل الكتاب
    من هنا

      الوقت/التاريخ الآن هو 06.05.24 16:17