خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    "كيف يتعامل المرء المؤمن مع العصاة؟" لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله تعالى

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية "كيف يتعامل المرء المؤمن مع العصاة؟" لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله تعالى

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 02.08.08 15:45

    كيف يتعامل المرء المؤمن مع العصاة؟

    "كيف يتعامل المرء المؤمن مع العصاة؟" لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله تعالى Dividers107om1

    لمعالي الشيخ :
    صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
    -حفظه الله تعالى-

    ... أما العصاة؛ أعني الظالمين لأنفسهم الذين تسلط عليهم الشيطان فأغراهم بعدم الطاعة أغراهم بأن يكونوا مطيعين لشهواتهم مطيعين لأنفسهم، فهؤلاء في التعامل معهم أحوال.

    والأصل العام في ذلك أن لهم الحق العام الذي للمسلم على المسلم «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله بحسب امرئ من الشر أم يحقر أخاه المسلم».

    هذه حقوق عامة وحق المسلم على المسلم ست كما جاء في الحديث «إذا مرض أن يعوده وحمد الله أن يشمته وإذا دعاك فأجبه» إلى آخر ما جاء في الحديث، هذه حقوق تشمل المطيع وتشمل العاصي؛ لكن كيف يتعامل المسلم، كيف تعامل المرء المؤمن مع العصاة، هل يعاملهم بالاكفهرار في وجوههم؟ هل بعاملهم بالهجر؟ هل يعاملهم بالمخالطة دائما في حال المعصية وفي حال الطاعة؟ ما هي درجات التعامل مع العصاة؟

    من جهة الهجر هجر المسلم إذا كان لحق النفس يعني لحق الدنيا فإنه لا يجوز أن يهجر المسلم أخاه ولو كان عاصيا أن يهجره فوق ثلاث.

    قوله «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» يعني إذا كان في حق من حقوق الدنيا إذا كان في أمر لك في شيء في قلبك تكلم عليك؛ يعني شيء تعدى شخصيا صار بينك وبينه شحناء مرادة في الكلام بغضاء إلى آخره، فهذا هو الذي يجوز أن تهجره إلى ثلاث، أما فوق الثلاث فلا يجوز أن تهجره في ذلك ولو كان عاصيا، وحقه في ذلك الذي به يزول الهِجران أن تسلم عليه، كما قال في هذا الحديث «يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما من يبدأ السلام».

    أما الهجر لحق الله جل وعلا فهو على مرتبتين كما قال شيخ الإسلام بن تيمية وغيره من المحققين من أهل العلم:

    * هجر من جهة الوقاية.
    * وهجر من جهة التأديب.

    يعني بذلك براد منه الوقاية وهجر يراد منه التأديب.

    أما هجر الوقاية -يعني هجر العاصي والمبتدع ونحو ذلك هجر الوقاية- فأن تقي نفسك أن تسمع منه أو أن تخالطه في معصيته حتى تقي نفسك من أن تتأثر به؛ لأن الإنسان يتأثر بطبعه، إما أن يؤثر، وإما أن يتأثر، فإذا خالط العصاة وهم على معاصيهم وظن أنه مخالطته لهم وهم يمارسون المعصية أنه خير فهذا من تسويل الشيطان له، لا يجوز لك أن تخالط معاصيا حال عصيانه، وإنما تخالطه في حال عدم العصيان وتأمره وتنهاه وتحبب إليه الخير أما في حال عصيانه فلا يجوز أن تبقى وهو يعصي الله جل وعلا إلا أن تكون آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر.

    هذا النوع من الهجر هو هجر الوقاية يعني أن تهجر أخاك المسلم أن تهجر هذا العاصي حال ممارسته للمعصية، حال غشيانه لما لا يرضى الله جل وعلا عنه، هذا الهجر يسمى الهجر وقاية.

    وأما النوع الثاني من الهجر فهو هجر التأديب؛ يعني التعزير، أن تهجره لكي تصلحه، والأصل في ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فنزل فيهم قول الله جل وعلا في آخر سورة براءة ?وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ?[التوبة:118]، هؤلاء الثلاثة هجروهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمر الناس بأن يهجروهم فلا يكلموهم ولا يبايعونهم ولا يشاروهم حتى إن هؤلاء ضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه.

    هذا الهجر نوع من أنواع التعزير، قال العلماء: هذا النوع من الهجر يكون في حق من يصلحه الهجر، أما من لا يصلحه الهجر وإنما يزيده طغيانا وإنما يزيده شرا فهذا لا يصلح له الهجر؛ لأن الهجر نوع من التعزير، وهذا إنما يصلح من كان في هجره صلاحا بالهجر والشرع، بعض الناس إذا لقيته فلم تكلمه لذنب فعله أو لفريضة فرط فيها أصلح قلبه وتحرك ذلك في نفسه؛ لأنه لا غنى له عن إخوانه؛ لكن من الناس من إذا هجرته ولم تخالطه وتركت السلام عليه تركت الإتيان له، فإنه يقول هذه أحسن ساعة التي لا أرى فيها فلانا وهذا لاشك أنه مما لا يوافق المقتضى الشرعي؛ لأن الهجر نوع من أنواع الإصلاح نوع من أنواع التأديب والتعزير، وإنما يهجر من يصلح الهجر من شأنه.

    وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله لما تكلم على أنواع الهجر أحكام وأنواع ويختلف الهجر باختلاف الناس وباختلاف أحوالهم وباختلاف بلدانهم، حتى هجر المبتدع يختلف باختلاف الأحوال وباختلاف البلدان، والأصل في الهجر أن يكون للإصلاح، أن يكون لإصلاح النفوس، ولإظهار شعيرة الإسلام، ولإظهار عزة المسلم.

    التعامل مع العاصي بالهجر هذا تفصيل الكلام عليه.

    وخلاصته أن الهجر يكون في حق من يصلحه الهجر، من يجعله يقلع عن المعصية، أما من لا يقلع من تعلمه لا يصلي، من تعلمه لا يزكي، من تعلمه يغشى المحرمات، فإنك تواصله في حال لا يكون فيها مواقعا للمحرمات وتأمره وتنهاه وتحبب له الخير وتقربه من الخير وتباعده من الشر؛ لأن الهجر لا يصلحه، وإذا هجرته ربما كنت عونا للشيطان عليه لأنه قد لا يجد من يرشده ومن يعلمه ومن يأمره وينهاه.

    في الحال الأخرى حال دعوة العصاة، العاصي لا يظن مهما بلغت ولو كان يشرب الخمر ويزني ويسرق ويرابي لو كان على هذه الحال، لا يظن أنه ما دام مسلم أن قلبه خلا من الخير؛ بل لا تزال نفسه تؤنّبه مادام مسلما تؤنبه على فعل تلك المعاصي؛ لأن المسلم بما عليه من الإسلام لا يقر نفسه من المعصية؛ بل تجد في نفسه بغضا من المعصية.

    هذه الخصلة التي في قلب ذاك العاصي هي التي ينبغي أن يُنظر إليها، وأن تعظم في نفسه وأن يحبب إليه الخير من جرّاء تلك، والعبد لا ينبغي بل لا يجوز له أن يتعاظم على العصاة وأن ينظر نفسه فوقهم، وأن أولئك من حالهم كذا وكذا وهو حاله حال أهل الطاعة وينظر إلى نفسه ويجعل نفسه متعاليا على أولئك الذين عصوا، لا؛ بل كما قال الله جل وعلا ?كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ?[النساء:94]

    قد قال ابن القيم رحمه الله في وصف حال المسلم حين ينظر إلى العاصي:
    واجعل لقلبك مقلتين كلاهمـا من خشية الرحمن باكيتان
    لو شاء ربك كنت أيضا مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن

    فتنظر إلى العاصي نظرين:
    النظر الأول نظر رحمة وشفقة ترحمه أن كان من العصاة، ترحمه أن كان أسير لشهوته، أسيرا للشيطان؛ لأن من الذي استعبده الشيطان لأن طاعة الشيطان نوع من العبودية كما قال جل وعلا في سورة يس ?أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ?[يس:60]، عبادة الشيطان بطاعته، فهذا أسره الشيطان فإذا نظرت إليه نظر رحمة كنت ناظرا إليه النظر الصحيح، هذا النظر الأول نظر رحمة، تنظر إليه بنظر القدر، بنظر ما حصل له، فتكون رحيما به مشفقا، وربما بكت عيناك من جرّاء ما عصى ذلك الرجل أو تلك المرأة.

    ثم تنظر إليه نظر آخر بنظر الحكم الشرعي نظر الأمر والنهي فتحمله على الأوامر وتحمله على البعد عن النواهي.

    فالعاصي يُنظر إليه بنظر الرحمة تارة، ويُنظر إليه بنظر الأمر والنهي تارة، فالذي ينظر بنظر الأمر والنهي مستعظما على هذا العاصي ناظرا إلى نفسه ما دام أنه ما دام أنع مطيع فهو أفضل من هذا فهو خير منه وما يدريك، وربما كانت العاقبة لك غير حميدة والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فنظر الرحمة هذا ينتج عند العبد العمل الصالح ينتج عند العبد الدعوة، ينتج عند العبد الخير، والأمر والنهي ينتج عند العبد الدعوة ينتج عند العبد الخير والأمر والنهي ينتج عند العبد التوازن، فإذا نظر نَظر رحمة دعا والأمر والنهي يجعله متوازنا في دعوته؛ لأن من الناس من يدعو من جهة الحرمة جعل حاله مع العصاة أبشع حال، وحتى جعل العاصي كأنه لم يعص، وساوى بين العاصي والمطيع، وهذا من جرّاء مخالفة الأمر والنهي.

    فإذن حالك من جهة الدعوة من جهة النظر إلى العاصي أن تنظر إليه من هذين النظرين، وتتعامل معه على وصفهما:

    أن تنظر إليه تارة رحيما بارا به شفيقا خاصة إذا كان من الأقربين والد أو والدة أو أخ أو أخت.


    شريط مفرغ بعنوان الأصول الشرعية للتعامل مع النّاس مكتبة الشيخ

    نقلاً عن
    "كيف يتعامل المرء المؤمن مع العصاة؟" لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله تعالى Albaidha1

      الوقت/التاريخ الآن هو 20.05.24 17:08