خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    كيف نجمع بين حديث الذباب وبين قوله صلى الله عليه وسلم "أنتم أعلم بأمور دنياكم" ؟

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية كيف نجمع بين حديث الذباب وبين قوله صلى الله عليه وسلم "أنتم أعلم بأمور دنياكم" ؟

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 14.07.08 16:40

    الشيخ العلامة : عبد الرزاق عفيفي
    -رحمه الله تعالى-


    نص السؤال: كيف نجمع بين حديث الذباب وبين قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم ((أنتم أعلم بأمور دنياكم)).

    الجواب: كان الرسول صلى الله عليه وسلم في أرض عربية، والبلاد بلاد نخيل، وهو يعرف شيئًا عن هذا في الجملة، ولا أقول أنه يعرف كمعرفة الزراع أو أرباب النخيل والثمار، لكنه مطلع على ذلك في الجملة، والرسول عليه الصلاة والسلام ما قال أنا أعلم بأمور دنياكم، بل نفى أنه أعلم بأمور الدنيا منهم نفى هذا في مسألة النخيل وغيرها، فالشؤون التي تتصل بالدنيا هم فيها أعلم وإنما يعلم منها ما أوحى الله به إليه .

    وحيث إن الشيء الذي قاله الرسول عليه الصلاة والسلام وأشباهه مما رجع عنه هو الأمور الاجتهادية، فهذا يدلنا على أنه قال فيها باجتهاده، ولهذا رجع عنها، أما الذي لا مدخل للاجتهاد فيه مثل حديث الذباب إنما قاله عن طريق الوحي، بدليل التعليم الذي أشعر بذلك كما تقدم في السؤال السابق .

    وحيث إنه لم يقل فيه صلى الله عليه وسلم: ((أنتم أعلم بأمور دنياكم)) ولم يرجع عنه، ولم يعارضه أحد فهذا محمول على أنه وحي من الله .

    أما ما كان في مسألة النخيل فهو من الأمور التي تُؤخَذ بالتجارب ... وكذلك مسألة النزول على غير ماء بدر، حين قال الصحابة رضي الله عنهم: أهو الرأي أو هو من الله ؟ فقال: هذا هو الرأي . قالوا: لا . الرأي أن ننزل على الماء، وهذا يبين أنه أمر اجتهادي .

    فالأمور التي فيها مجال للاجتهاد ومنها تأبير النخل يمكن أن يقول فيها باجتهاده، فإذا أخطأ قال أنتم أعلم بأمور دنياكم، والأمور التي لا مجال لمثله للاجتهاد فيها يتبين لنا أنها وحي من الله، ويؤيد هذا التعليل أنه صلى الله عليه وسلم أمي ولا عهد لأمته بالطب الذي من هذا الجنس ولا تجارب عندهم في هذا، وخوضه فيه لا يليق برسالته لأنه يكون مجازفًا بنى شيئًا على غير تجربة، ولا مجال لأمثاله في أن يجرب في مثل هذا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء)) وهذا أمر لا يُعلم إلا عن طريق تحليل جناح الذباب، فمن أجل هذا قلت إن هذا وحي من السماء .

    أما مسألة تأبير النخل في الحديث المذكور، ففيها نوع من الاجتهاد قد أخطأ فيه صلى الله عليه وسلم، فهو قد يخطئ في الأمور الاجتهادية من شئون الدنيا، ويهيئ الله له من يتكلم معه ويناقشه فيرجع عن خطئه إلى ما هم عليه من صواب، فمن أجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((أنتم أعلم بأمور دنياكم )) وهذا في الأمور التي تكتسب بالخبرة وغيرها .

    ومن جهة أخرى مسألة الذباب لم ينته الأطباء وأهل الاختصاص فيها إلى رأي واحد، بل ما زالت إلى اليوم محل بحث ومحل تجربة، وأكثر ما فيها الاستقذار، سقوط الذباب على الأوساخ وعلى الأذى، وأن النفس تعاف الطعام والشراب الذي سقط فيه وقد قلنا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمر المسلم أن يأكل أو يشرب ما وقع فيه الذباب، وعلى ذلك فهو حر إن شاء أكله أو شربه وإن شاء أعطاه غيره . فلا إشكال في الأمر، وكل ما أمره به أن يغمسه؛ لأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء .

    ***




    نص السؤال :ما حكم من يقول إن بعض الأحاديث تنكر بعضها ؟



    الجواب :الرسول عليه الصلاة والسلام ليس برجل بدوي يخبط خبطًا عشوائيًا وهو أمي وأمته أمية فلا يمكن أن يتكلم بتخمين؛ فكونه يخبر بأن الذباب ((في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء)) لا يمكن أن يتكلم به عن طريق اجتهاد في أمر لا يعنيه وليس من شأنه، وإنما يتكلم فيه عن وحي ولذلك علل وقال: ((في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء)) فالمسألة ليست مسألة اجتهاد، إنما هو وحي من الله، فمثله لا يمكن أن يدخل فيه باجتهاده، وهو أمي في أمة أمية يقول في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر دواء، وليس هناك من أمته العرب من يدري عن خواص الذباب ولا خواص ما في أجنحته، هذا لا يمكن أن يقوله رسول من عند نفسه في شأن من شؤونه إنما هو وحي من الله أوحى به إلى رسوله فتكلم به.

    أما موضوع التلقيح, فهم رجال نخل في بلاد العرب ـ وهم رجال التمور، وقد يدخل في مثل هذا باجتهاده، كما دخل في مسألة النزول في ميدان القتال واجتهد، ولما أراد أن يصطلح مع قريش والأحزاب لما جاءت إلى المدينة في غزوة الأحزاب وأن يبرم معهم صلحًا, وأن ينزل لهم عن بعض الشيء من ثمار المدينة فأبى الأنصار فرجع إلى رأي الأنصار الذي أشاروا به, وكانت الحرب، هذا فيه مجال للاجتهاد, فيمكن أن يقول فيه برأيه، ويمكن أن يظهر له خطؤه وأن يرجع عنه .

    أما الذي لا يحق لمثله الدخول فيه أصلاً هي الأمور الغيبية التي لا تدرك بالنظر والخبرة والاجتهاد وذلك مثل قوله: ((في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء)) هذا لا يمكن أن يكون مما يدرك ويقال بالظن والاجتهاد، ولا يجترئ عليه وهو أمي، بل لا بد أن يكون بوحي من الله .

    فالذين يقولون: هذا الكلام ينظرون إلى كلمات المشوشين في الموضوع .

    الذين يقولون إنما بُعِث للتشريع وهذا صحيح، ولكنه أيضًا أحيانًا يخبر بأمور غيبية فيها مصلحة المسلمين وفيها علاج, مثل العلاج بالرقية هذا لا يقول به الأطباء، فالأطباء لا يقولون بالكي وهم يكوون . أي يعالجون بالكي وهم ينكرون الكي ويسجنون من كوى وسلم نفسه للكي، وهم يعالجون بعض الأدواء بالكي لكنه لا يسلخ الجلد وذلك بالكهرباء، والعرب يعالجونه بالكي، فهم يعالجون بالكي وهو أسرع – من جهة السبب – في العلاج، والعلاج بالكهرباء بطيء, وذلك مثل الشلل فهو يعالج بالكي وهم يعالجونه بالكهرباء، فهذا فقط نوع من العلاج لا يسلخ الجلد ولا يوجد جرح، وذلك نوع من العلاج البدائي أخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ((إن كان الشفاء في شيء ففي ثلاث)) وذكر منها الكي, هل أتبع أولئك وأقول هذا ليس من فنه ؟ أم إن التجربة أيضًا أثبتت أن هذا يعالج به، فأتخير الشخص الذي يكوي.

    كذلك الرقية هل يؤمن بها الأطباء ؟ ! هم يتبعون الفرنجة الكفرة فلا يعملون بالرقية، والرقية ثابتة شرعًا، وهي نوع من العلاج، نوع من التشريع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاء للتشريع . ولا يقال: ما الذي أدخله في الرقية والعلاج ؟ وما الذي يدخله في حل السحر؟ وما الذي يدخله في الإثمد وأنه خير أنواعه العلاج للعين ؟ فهذه الأمور دخل فيها بحالتين:

    أ - منها ما يرجع إلى التجربة في قومه .

    ب – ومنها ما يرجع إلى الوحي .

    فالأحاديث التي قامت القرائن على أنها من الوحي نؤمن بها ونكذب الأطباء لأن الأطباء يجهلون سبب وعلاج كثير من الأمراض الموجودة ولم يصلوا إلى شيء يشفي منها كالسرطان وغيره، ويوجد كثير من الأشياء ما وصلوا إليها في الوقت الحاضر، وآفات كثيرة ما وصلوا إلى علاجها، وقد يكشف طبيب أو جملة من الأطباء ويشخّصون مرضًا ويتبين أن المرض على خلاف ما شخصوا، وهم جملة، فهم يخطئون .

    القصد أنني أتهم الأطباء، ولا أتهم الله، ولا أتهم رسوله، ولا أتهم علماء المسلمين العدول، الذين ضبطوا ما نقلوا بسند متصل، ولم ينقض كلام بعضهم بعضًا، وليس هناك تعارض بينهم، وبين القرآن، فأنا أثق بهم أكثر من ثقتي بالأطباء مهما كانوا أقوياء ونابهين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله صحبه أجمعين .

    ***




    نص السؤال:سألت الشيخ عن وجه الجمع بين الأحاديث التي فيها تسمية يد الله تعالى الأخرى شمالاً، وحديث ((كلتا يدي ربي يمين مباركة)) ؟



    الجواب:فقال الشيخ رحمه الله: حديث: ((كلتا يدي ربي يمين)) من باب التغليب لنفي الضعف عن يده تعالى الأخرى؛ لأن عادة بني آدم أن تكون يده اليمنى أقوى من يده الشمال والله تعالى منزه عن ذلك وفي مثل هذه الأحاديث التي تحتاج إلى الجمع خاصة في العقائد يرجع إلى كتاب تأويل مختلف الحديث للإمام بن قتيبة، وكذلك من الكتب القيمة في هذا لموضوع كتاب (مشكلات الحديث) لعبد الله القصيمي، وكان تأليفه لهذا الكتاب قبل مروقه وتلاعبه بالدين .

      الوقت/التاريخ الآن هو 28.04.24 8:38