شهادة العدول الصادقين لهم بأنهم على الصراط المستقيم والحق الواضح المبين
للدكتور ربيع بن هادي المدخلي
أستاذ مساعد بالدراسات العليا
- شهادة ابن قتيبة: رحمه الله تعالى
ألف فقيه الأدباء وأديب الفقهاء الإمام أبو محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة المتوفى سنة 276 ه كتابا سماه ( تأويل مختلف الحديث دفاعا عن سنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعن حملتها وناقليها وحفاظها أهل الحديث ).
قال في مطلع الكتاب: ( أما بعد ) أسعدك اللّه تعالى بطاعته وحاطك بكلاءته ووفقك للحق برحمته وجعلك من أهله فإنك كتبت إليَّ تُعْلمني ما وقفت عليه من ثلب أهل الكلام أهل الحديث وامتهانهم وإسهابهم في الكتب بذمهم ورميهم بحمل الكذب ورواية المتناقض حتى وقع الاختلاف وكثرت النحل وتقطعت العصم وتعادى المسلمون وأكفر بعضهم بعضا وتعلق كل فريق منهم لمذهبه بجنس من الحديث ثم ذكر الخوارج وما تعلقت به من الأحاديث في تأييد مذهبها والمرجئة وما تعلقت به كذلك والمفوضة وما تعلقت به من الأحاديث
والرافضة وما تعلقت به من الأحاديث في ضلالتها وتكفيرها الصحابة ومفضلوا الفقر وما تعلقت به، ثم ذكر طعون الزنادقة في أهل الحديث.
ثم قال:
( باب ذكر أصحاب الكلام وأصحاب الرأي) فقال: وقد تدبرت رحِمك اللّه مقالة أهل الكلام فوجدتهم يقولون على اللّه ما لا يعلمون ويفتنون الناس بما يأتون ويبصرون القذى في عيون الناس وعيونهم تُطْرَف على الأجذاع ويتهمون غيرهم في النقل ولا يتهمون آراءهم في التأويل، ومعاني الكتاب والحديث وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة لا يدرك بالطفرة والتولد والعرض والجوهر والكيفية والكمية والآنية ولَو ردُّوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما وضح لهم المنهج واتسع لهم المخرج، ولكن يمنع من ذلك طلب الرياسة وحب الاتباع واعتقاد الإخوان بالمقالات. والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضاً، ولو ظهر لهم من يدعي النبوة مع معرفتهم بأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء أو من يدعي الربوبية لوجد على ذلك أتباعا وأشياعاً.
وقد كان يجب- مع ما يدعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر- أن لا يختلفوا كما لا يختلف الحُسَّابُ والمسَّاح والمهندسون لأن آلتهم لا تدل إلا على عدد واحد وإلا على شكل واحد وكما لا يختلف حذاق الأطباء في الماء ونبض العروق لأن الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد، فما بالهم أكثر الناس اختلافاً لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين.
ثم ذكر تضارب الآراء واختلاف الأهواء والاتجاهات بين زعماء أهل الكلام وانتقدهم أشد النقد ثم قال ذكر أصحاب الحديث.
فأما أصحاب الحديث، فإنهم التمسوا الحق من وجهته وتتبعوه من مظانه وتقربوا من اللّه تعالى باتباعهم سنن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وطلبهم لآثاره وأخباره براً وبحراً وشرقا وغربا يرحل الواحد منهم راجلا مقويا في طلب الخبر الواحد أو السنة الواحدة حتى يأخذها من الناقل لها مشافهة
ثم لا يزالوا في التنقير عن الأخبار والبحث لها حتى فهموا صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها وعرفوا من خالفها من الفقهاء إلى الرأي فنبهوا على ذلك حتى نجم الحق بعد أن كان عافيا وبسق بعد أن كان دارسا واجتمع بعد أن كان متفرقا وانقاد للسنن من كان عنها معرضا وتنبه لها من كان عنها غافلا، وحُكِمَ بقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد أن كان يحكم بقول فلان وفلان، وإن كان فيه خلاف على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد يعيبهم الطاعنون بحملهم الضعيف وطلبهم الغرائب، وفي الغريب الداء.
ولم يحملوا الضعيف والغريب لأنهم رأوهما حقا، بل جمعوا الغث والسمين والصحيح والسقيم ليميزوا بينهما ويدلوا عليهما وقد فعلوا ذلك. ثم ذكر طائفة من الأحاديث الموضوعة
وذكر نقد المحدثين لها وتزييفهم إياها وفضح واضعيها.
رحمه اللّه وجزاه اللّه عن الإسلام والمسلمين خيراً.
- شهادة الإمام ابن حبان: رحمه الله تعالى
قال الإمام الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان بن معاذ بن معبد بن سعيد التميمي المتوفى سنة 354 في مقدمة صحيحه (انظر الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان (1/20-23). بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله:
ثم اختار طائفة لصفوته وهداهم للزوم طاعته من اتباع سبل الأبرار في لزوم السنن والآثار
فزين قلوبهم بالإيمان وأنطق ألسنتهم بالبيان من كشف أعلام دينه واتباع سنن نبيه بالدّؤُب في الرحل والأسفار وفراق الأهل والأوطار في جمع السنن ورفض الأهواء والتفقه فيها بترك الآراء فتجرد القوم للحديث وطلبوه ورحلوا فيه وكتبوه وسألوا عنه وذاكروا به ونشروه وتفقهوا فيه وأصلوه وفرعوا عليه وبذلوه وبينوا المرسل من المتصل والموقوف من المنفصل والناسخ من المنسوخ والمحكم من المفسوخ والمفسر من المجمل والمستعمل من المهمل والمختصر من المتقصىَّ والملزوق من المتفصىَّ والعموم من الخصوص والدليل من المنصوص والمباح من المزجور والغريب من المشهور والغرض من الإرشاد والحتم من الايعاد والعدول من المجروحين والضعفاء من المتروكين وكيفية المعمول من المجهول وما حرف عن المخزول وقلب من المنحول من مخايل التدليس وما فيه التلبيس حتى حفظ اللّه بهم الدين على المسلمين وصانه من ثلب القادحين، جعلهم عند التنازع أئمة الهدى وفي النوازل مصابيح الدجى، فهم ورثة الأنبياء ومأنس الأصفياء
.
ثم بعد الشهادة لرسول اللّه بالرسالة والبلاغ المبين والجهاد وآثار ذلك قال:
وإن في لزوم سنته تمام السلامة وجماع الكرامة لا تطفأ سرجها ولا تدحض حججها من لزمها عصم ومن خالفها ندم إذ هي الحصن الحصين من تمسك به ساد ومن رام خلافه باد، فالمتعلقون به أهل السعادة في الآجل والمغبوطون بين الأنام في العاجل.
وقال: (1/105)
وصف الفرقة الناجية من بين الفرق التي تفترق عليها أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديث العرباض بن سارية وفيه "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".
ثم قال:
في قوله صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي" عند ذكره الاختلاف الذي يكون في أمته بيان واضح أن من واظب على السنن وقال بها ولم يعرج على غيرها من الآراء من الفرقة الناجية في القيامة جعلنا الله منهم بمنة.
ثم قال في: (1/107)
ذكر البيان بأن من أحب اللّه عز وجل وصفيه صلى الله عليه وسلم بإيثار أمرهما وابتغاء مرضاتهما على رضا سواهما يكون في الجنة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ثم قال في: (1/151)
كتاب العلم ذكر إثبات النصرة لأصحاب الحديث إلى قيام الساعة.
ثم أورد حديث معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة".
شهادة الإمام الرامهرمزي: - رحمه الله تعالى .
وقال الإمام أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفى سنة 360 في مقدمة كتابه (المحدث الفاصل) (ص: 1-4):
اعترضت طائفة ممن يشنأ الحديث ويبغض أهله، فقالوا بنقص أصحاب الحديث والإزراء بهم وأسرفوا في ذمهم والتقول عليهم وقد شرف اللّه الحديث وفضل أهله وأعلى منزلته وحكمه على كل نحلة وقدمه على كل علم ورفع من ذكر من حمله وعنى به، فهم بيضة الدين ومنار الحجة وكيف لا يستوجبون الفضيلة ولا يستحقون الرتبة الرفيعة وهم الذين حفظوا على الأمة هذا الدين وأخبروا عن أنباء التنزيل وأثبتوا ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وما عظمه اللّه عز وجل به من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم فنقلوا شرائعه ودونوا مشاهده وصنفوا أعلامه ودلائله وحققوا مناقب عترته ومآثر آبائه وعشيرته وجاءوا بسير الأنبياء ومقامات الأولياء وأخبار الشهداء والصديقين وعبروا عن جميع فعل النبي صلى الله عليه وسلم في سفره وحضره وظعنه وإقامته وسائر أحواله من منام ويقظة وإشارة وتصريح وصمت ونطق ونهوض وقعود ومأكل ومشرب وملبس ومركب وما كان سبيله في حال الرضا والسخط والإنكار والقبول حتى القلامة من ظفره ما كان يصنع بها، والنخاعة من فيه أين كان وجهتها، وما كان يقوله عند كل فعل يحدثه ويفعله، وعند كل موقف ومشهد يشهده تعظيما له صلى الله عليه وسلم ومعرفة بأقدار ما ذكر عنه وأسند إليه
فمن عرف للإسلام حقه وأوجب للرسول حرمته، أكبر أن يحتقر من عظم اللّه شأنه وأعلى مكانه وأظهر حجته وأبان فضيلته ولم يرتق بطبيعته إلى حزب الرسول واتباع الوحي وأوعية الدين، ونقلة الأحكام والقرآن، الذين ذكرهم اللّه عز وجل في التنزيل فقال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}.
فإنك إذا أردت التوصل إلى معرفة هذا القرن لم يذكرهم لك إلا راوي الحديث متحقق به أو داخل في حيز أهله ومن سوى ذلك فربك بهم أعلم.
ثم ذكر كلاما لبعض الحاقدين على أهل الحديث وبين باعث هذا الحقد ثم رد عليه ثم وجه نصيحة لطلاب الحديث فقال:
فتمسكوا – جبركم الله - بحديث نبيكم صلى الله عليه وسلم وتبينوا معانِيَهُ وتفقهوا به وتأدبوا بآدابه ودعوا ما تعيرون به من تتبع الطرق وتكثير الأسانيد وتطلب شواذ الأحاديث وما دلسه المجانين وتبلبل فيه المغفلون واجتهِدوا في أن توفوه حقه من التهذيب والضبط والتقويم، لتشرفوا به في المشاهد وتنطلق ألسنتكم في المجالس
ولا تحفلوا بمن يعترض عليكم حسداً على ما آتاكم الله من فضله، فإن الحديث ذكر لا يحبه إلا الذاكرون ونسب لا يجهل بكل مكان وكفى بالمحدث شرفا أن يكون اسمه مقرونا باسم النبي صلى الله عليه وسلم متصلا بذكره وذكر أهل بيته وأصحابه
.
ولذلك قيل لبعض الأشراف: نراك تشتهي أن تحدث فقال: أولا أحب أن يجتمع اسمي واسم النبي صلى الله عليه وسلم في سطر واحد، وحسبك جمالا عصبة منهم علي ابن الحسن بن علي رضي اللّه عنهم، ومن يليه من ذريته وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبناء المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان وأهل الزهادة والعبادة والفقهاء وأكثر الخلفاء ومن لا يدركه الإحصاء من العلماء والنبلاء والفضلاء والأشراف ذوي الأخطار فكيف بمن يسميهم الحشوية الرعاع ويزعم أنهم أغثار وحملة أسفار واللّه المستعان.
شهادة الحاكم: - رحمه الله تعالى
وقال الإمام الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 في مقدمة كتابه: (معرفة علوم الحديث) (ص: 1-4):
الحمد اللّه ذي المن والإحسان والقدرة والسلطان الذي أنشأ الخلق بربوبيته وجنسهم بمشيئته واصطفى منهم طائفة أصفياء وجعلهم بررة أتقياء فهم خواص عباده وأوتاد بلاده يصرف عنهم البلايا يخصهم بالخيرات والعطايا، فهم القائمون بإظهار دينه والمتمسكون بسنن نبيه وأشهد أن لا إله إلا اللّه الذي زجِر عن اتخاذ الأولياء دون كتابه واتباع الخلق دون نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأن محمدا عبده المصطفى ورسوله المجتبى بلغ عنه رسالته فصلى اللّه عليه آمراً وناهياً ومبيحا وزاجراً وعلى آله الطيبين.
أما بعد-
فإني لما رأيت البدع في زماننا كثرت ومعرفة الناس بأصول السنن قلت مع إمعانهم في كتابة الأخبار وكثرة طلبها على الإهمال والإغفال دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف يشتمل على ذكر أنواع علم الحديث مما يحتاج إليه طلبة الأخبار المواظبون على كتابة الآثار
.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا إبراهيم بن مرزوق البصري بمصر، حدثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال: سمعت أبي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال ناس من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".
سمعت أبا عبد اللّه محمد بن علي بن عبد الحميد الآدمي بمكة يقول سمعت موسى ابن هارون يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول وسئل عن معنى هذا الحديث فقال: إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث، فلا أدري من هم؟. قال أبو عبد اللّه: وفي مثل هذا قيل من أمَّر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحق. فلقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر إن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث.
ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف الماضين ودفعوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله أجمعين من قوم
آثروا قطع المفاوز والقفار على التنعم في الدمن والأوطان وتنعموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة العلم والإخبار وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار بوجود الكسر والأطمار قد تركوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء والزيغ جعلوا المساجد بيوتهم وأساطينها تكاهم وبواريها فرشهم.
حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا محمد بن الحسين بن أبي الحسين ثنا عمر بن حفص بن غياث قال: سمعت أبي وقيل له: ألا تنظر إلى أصحاب الحديث وما هم فيه. قال: هم خير أهل الدنيا.
وحدثني أبو بكر محمد بن جعفر المزكي ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق قال: سمعت علي ابن خشرم يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: إني لأرجو أن يكون أصحاب الحديث خير الناس يقيم أحدهم ببابي وقد كتب عني فلو شاء أن يرجع ويقول: حدثني أبو بكر جميع حديثه فعل ولكنهم لا يكذبون.
قال أبو عبد اللّه:
ولقد صدقا جميعا إن أصحاب الحديث خير الناس وكيف لا يكونون كذلك وقد نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم وجعلوا غذاءهم الكتابة وسمرهم المعارضة واسترواحهم المذاكرة وخلوتهم المداد ونومهم السهاد واصطلاءهم الضياء وتوسدهم الحصى فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس فعقولهم بلذاذة السنة غامرة، قلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة تعلم السنن سرورهم ومجالس العلم حبورهم وأهل السنة قاطبة إخوانهم وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم.
سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول سمعت أبا إسماعيل محمد ابن إسماعيل الترمذي يقول:
كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد اللّه ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء. فقام أبو عبد اللّه وهو ينفض ثوبه فقال: زنديق زنديق زنديق ودخل البيت.
سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سمعت جعفر بن سنان الو اسطي يقول: سمعت أحمد بن سنان القطان يقول: "ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث" وإذا ابتدع الرجل نزع حلاوة الحديث من قلبه. قال أبو عبد اللّه وعلى هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية... اه.
أقول هذه الكراهية والبغضاء والحقد الأرعن مازال أهل البدع والزيغ يتوارثونه جيلا بعد جيل إلى يومنا هذا
فأشد أعدائهم هم أهل الحديث والسنة والتوحيد والحديث، بقال اللّه قال رسول اللّه خصوصا فيما يتعلق بتوحيد اللّه ورد البدع أشد عليهم من وقع السهام وقرع السيوف وصوت القنابل والمدافع.
للدكتور ربيع بن هادي المدخلي
أستاذ مساعد بالدراسات العليا
- شهادة ابن قتيبة: رحمه الله تعالى
ألف فقيه الأدباء وأديب الفقهاء الإمام أبو محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة المتوفى سنة 276 ه كتابا سماه ( تأويل مختلف الحديث دفاعا عن سنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعن حملتها وناقليها وحفاظها أهل الحديث ).
قال في مطلع الكتاب: ( أما بعد ) أسعدك اللّه تعالى بطاعته وحاطك بكلاءته ووفقك للحق برحمته وجعلك من أهله فإنك كتبت إليَّ تُعْلمني ما وقفت عليه من ثلب أهل الكلام أهل الحديث وامتهانهم وإسهابهم في الكتب بذمهم ورميهم بحمل الكذب ورواية المتناقض حتى وقع الاختلاف وكثرت النحل وتقطعت العصم وتعادى المسلمون وأكفر بعضهم بعضا وتعلق كل فريق منهم لمذهبه بجنس من الحديث ثم ذكر الخوارج وما تعلقت به من الأحاديث في تأييد مذهبها والمرجئة وما تعلقت به كذلك والمفوضة وما تعلقت به من الأحاديث
والرافضة وما تعلقت به من الأحاديث في ضلالتها وتكفيرها الصحابة ومفضلوا الفقر وما تعلقت به، ثم ذكر طعون الزنادقة في أهل الحديث.
ثم قال:
( باب ذكر أصحاب الكلام وأصحاب الرأي) فقال: وقد تدبرت رحِمك اللّه مقالة أهل الكلام فوجدتهم يقولون على اللّه ما لا يعلمون ويفتنون الناس بما يأتون ويبصرون القذى في عيون الناس وعيونهم تُطْرَف على الأجذاع ويتهمون غيرهم في النقل ولا يتهمون آراءهم في التأويل، ومعاني الكتاب والحديث وما أودعاه من لطائف الحكمة وغرائب اللغة لا يدرك بالطفرة والتولد والعرض والجوهر والكيفية والكمية والآنية ولَو ردُّوا المشكل منهما إلى أهل العلم بهما وضح لهم المنهج واتسع لهم المخرج، ولكن يمنع من ذلك طلب الرياسة وحب الاتباع واعتقاد الإخوان بالمقالات. والناس أسراب طير يتبع بعضها بعضاً، ولو ظهر لهم من يدعي النبوة مع معرفتهم بأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء أو من يدعي الربوبية لوجد على ذلك أتباعا وأشياعاً.
وقد كان يجب- مع ما يدعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر- أن لا يختلفوا كما لا يختلف الحُسَّابُ والمسَّاح والمهندسون لأن آلتهم لا تدل إلا على عدد واحد وإلا على شكل واحد وكما لا يختلف حذاق الأطباء في الماء ونبض العروق لأن الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد، فما بالهم أكثر الناس اختلافاً لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين.
ثم ذكر تضارب الآراء واختلاف الأهواء والاتجاهات بين زعماء أهل الكلام وانتقدهم أشد النقد ثم قال ذكر أصحاب الحديث.
فأما أصحاب الحديث، فإنهم التمسوا الحق من وجهته وتتبعوه من مظانه وتقربوا من اللّه تعالى باتباعهم سنن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وطلبهم لآثاره وأخباره براً وبحراً وشرقا وغربا يرحل الواحد منهم راجلا مقويا في طلب الخبر الواحد أو السنة الواحدة حتى يأخذها من الناقل لها مشافهة
ثم لا يزالوا في التنقير عن الأخبار والبحث لها حتى فهموا صحيحها وسقيمها وناسخها ومنسوخها وعرفوا من خالفها من الفقهاء إلى الرأي فنبهوا على ذلك حتى نجم الحق بعد أن كان عافيا وبسق بعد أن كان دارسا واجتمع بعد أن كان متفرقا وانقاد للسنن من كان عنها معرضا وتنبه لها من كان عنها غافلا، وحُكِمَ بقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد أن كان يحكم بقول فلان وفلان، وإن كان فيه خلاف على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد يعيبهم الطاعنون بحملهم الضعيف وطلبهم الغرائب، وفي الغريب الداء.
ولم يحملوا الضعيف والغريب لأنهم رأوهما حقا، بل جمعوا الغث والسمين والصحيح والسقيم ليميزوا بينهما ويدلوا عليهما وقد فعلوا ذلك. ثم ذكر طائفة من الأحاديث الموضوعة
وذكر نقد المحدثين لها وتزييفهم إياها وفضح واضعيها.
رحمه اللّه وجزاه اللّه عن الإسلام والمسلمين خيراً.
- شهادة الإمام ابن حبان: رحمه الله تعالى
قال الإمام الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان بن معاذ بن معبد بن سعيد التميمي المتوفى سنة 354 في مقدمة صحيحه (انظر الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان (1/20-23). بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله:
ثم اختار طائفة لصفوته وهداهم للزوم طاعته من اتباع سبل الأبرار في لزوم السنن والآثار
فزين قلوبهم بالإيمان وأنطق ألسنتهم بالبيان من كشف أعلام دينه واتباع سنن نبيه بالدّؤُب في الرحل والأسفار وفراق الأهل والأوطار في جمع السنن ورفض الأهواء والتفقه فيها بترك الآراء فتجرد القوم للحديث وطلبوه ورحلوا فيه وكتبوه وسألوا عنه وذاكروا به ونشروه وتفقهوا فيه وأصلوه وفرعوا عليه وبذلوه وبينوا المرسل من المتصل والموقوف من المنفصل والناسخ من المنسوخ والمحكم من المفسوخ والمفسر من المجمل والمستعمل من المهمل والمختصر من المتقصىَّ والملزوق من المتفصىَّ والعموم من الخصوص والدليل من المنصوص والمباح من المزجور والغريب من المشهور والغرض من الإرشاد والحتم من الايعاد والعدول من المجروحين والضعفاء من المتروكين وكيفية المعمول من المجهول وما حرف عن المخزول وقلب من المنحول من مخايل التدليس وما فيه التلبيس حتى حفظ اللّه بهم الدين على المسلمين وصانه من ثلب القادحين، جعلهم عند التنازع أئمة الهدى وفي النوازل مصابيح الدجى، فهم ورثة الأنبياء ومأنس الأصفياء
.
ثم بعد الشهادة لرسول اللّه بالرسالة والبلاغ المبين والجهاد وآثار ذلك قال:
وإن في لزوم سنته تمام السلامة وجماع الكرامة لا تطفأ سرجها ولا تدحض حججها من لزمها عصم ومن خالفها ندم إذ هي الحصن الحصين من تمسك به ساد ومن رام خلافه باد، فالمتعلقون به أهل السعادة في الآجل والمغبوطون بين الأنام في العاجل.
وقال: (1/105)
وصف الفرقة الناجية من بين الفرق التي تفترق عليها أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديث العرباض بن سارية وفيه "فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".
ثم قال:
في قوله صلى الله عليه وسلم: "فعليكم بسنتي" عند ذكره الاختلاف الذي يكون في أمته بيان واضح أن من واظب على السنن وقال بها ولم يعرج على غيرها من الآراء من الفرقة الناجية في القيامة جعلنا الله منهم بمنة.
ثم قال في: (1/107)
ذكر البيان بأن من أحب اللّه عز وجل وصفيه صلى الله عليه وسلم بإيثار أمرهما وابتغاء مرضاتهما على رضا سواهما يكون في الجنة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ثم قال في: (1/151)
كتاب العلم ذكر إثبات النصرة لأصحاب الحديث إلى قيام الساعة.
ثم أورد حديث معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم خذلان من خذلهم حتى تقوم الساعة".
شهادة الإمام الرامهرمزي: - رحمه الله تعالى .
وقال الإمام أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفى سنة 360 في مقدمة كتابه (المحدث الفاصل) (ص: 1-4):
اعترضت طائفة ممن يشنأ الحديث ويبغض أهله، فقالوا بنقص أصحاب الحديث والإزراء بهم وأسرفوا في ذمهم والتقول عليهم وقد شرف اللّه الحديث وفضل أهله وأعلى منزلته وحكمه على كل نحلة وقدمه على كل علم ورفع من ذكر من حمله وعنى به، فهم بيضة الدين ومنار الحجة وكيف لا يستوجبون الفضيلة ولا يستحقون الرتبة الرفيعة وهم الذين حفظوا على الأمة هذا الدين وأخبروا عن أنباء التنزيل وأثبتوا ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه وما عظمه اللّه عز وجل به من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم فنقلوا شرائعه ودونوا مشاهده وصنفوا أعلامه ودلائله وحققوا مناقب عترته ومآثر آبائه وعشيرته وجاءوا بسير الأنبياء ومقامات الأولياء وأخبار الشهداء والصديقين وعبروا عن جميع فعل النبي صلى الله عليه وسلم في سفره وحضره وظعنه وإقامته وسائر أحواله من منام ويقظة وإشارة وتصريح وصمت ونطق ونهوض وقعود ومأكل ومشرب وملبس ومركب وما كان سبيله في حال الرضا والسخط والإنكار والقبول حتى القلامة من ظفره ما كان يصنع بها، والنخاعة من فيه أين كان وجهتها، وما كان يقوله عند كل فعل يحدثه ويفعله، وعند كل موقف ومشهد يشهده تعظيما له صلى الله عليه وسلم ومعرفة بأقدار ما ذكر عنه وأسند إليه
فمن عرف للإسلام حقه وأوجب للرسول حرمته، أكبر أن يحتقر من عظم اللّه شأنه وأعلى مكانه وأظهر حجته وأبان فضيلته ولم يرتق بطبيعته إلى حزب الرسول واتباع الوحي وأوعية الدين، ونقلة الأحكام والقرآن، الذين ذكرهم اللّه عز وجل في التنزيل فقال: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ}.
فإنك إذا أردت التوصل إلى معرفة هذا القرن لم يذكرهم لك إلا راوي الحديث متحقق به أو داخل في حيز أهله ومن سوى ذلك فربك بهم أعلم.
ثم ذكر كلاما لبعض الحاقدين على أهل الحديث وبين باعث هذا الحقد ثم رد عليه ثم وجه نصيحة لطلاب الحديث فقال:
فتمسكوا – جبركم الله - بحديث نبيكم صلى الله عليه وسلم وتبينوا معانِيَهُ وتفقهوا به وتأدبوا بآدابه ودعوا ما تعيرون به من تتبع الطرق وتكثير الأسانيد وتطلب شواذ الأحاديث وما دلسه المجانين وتبلبل فيه المغفلون واجتهِدوا في أن توفوه حقه من التهذيب والضبط والتقويم، لتشرفوا به في المشاهد وتنطلق ألسنتكم في المجالس
ولا تحفلوا بمن يعترض عليكم حسداً على ما آتاكم الله من فضله، فإن الحديث ذكر لا يحبه إلا الذاكرون ونسب لا يجهل بكل مكان وكفى بالمحدث شرفا أن يكون اسمه مقرونا باسم النبي صلى الله عليه وسلم متصلا بذكره وذكر أهل بيته وأصحابه
.
ولذلك قيل لبعض الأشراف: نراك تشتهي أن تحدث فقال: أولا أحب أن يجتمع اسمي واسم النبي صلى الله عليه وسلم في سطر واحد، وحسبك جمالا عصبة منهم علي ابن الحسن بن علي رضي اللّه عنهم، ومن يليه من ذريته وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبناء المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان وأهل الزهادة والعبادة والفقهاء وأكثر الخلفاء ومن لا يدركه الإحصاء من العلماء والنبلاء والفضلاء والأشراف ذوي الأخطار فكيف بمن يسميهم الحشوية الرعاع ويزعم أنهم أغثار وحملة أسفار واللّه المستعان.
شهادة الحاكم: - رحمه الله تعالى
وقال الإمام الحافظ أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوري المتوفى سنة 405 في مقدمة كتابه: (معرفة علوم الحديث) (ص: 1-4):
الحمد اللّه ذي المن والإحسان والقدرة والسلطان الذي أنشأ الخلق بربوبيته وجنسهم بمشيئته واصطفى منهم طائفة أصفياء وجعلهم بررة أتقياء فهم خواص عباده وأوتاد بلاده يصرف عنهم البلايا يخصهم بالخيرات والعطايا، فهم القائمون بإظهار دينه والمتمسكون بسنن نبيه وأشهد أن لا إله إلا اللّه الذي زجِر عن اتخاذ الأولياء دون كتابه واتباع الخلق دون نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم وأن محمدا عبده المصطفى ورسوله المجتبى بلغ عنه رسالته فصلى اللّه عليه آمراً وناهياً ومبيحا وزاجراً وعلى آله الطيبين.
أما بعد-
فإني لما رأيت البدع في زماننا كثرت ومعرفة الناس بأصول السنن قلت مع إمعانهم في كتابة الأخبار وكثرة طلبها على الإهمال والإغفال دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف يشتمل على ذكر أنواع علم الحديث مما يحتاج إليه طلبة الأخبار المواظبون على كتابة الآثار
.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا إبراهيم بن مرزوق البصري بمصر، حدثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال: سمعت أبي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال ناس من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".
سمعت أبا عبد اللّه محمد بن علي بن عبد الحميد الآدمي بمكة يقول سمعت موسى ابن هارون يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول وسئل عن معنى هذا الحديث فقال: إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث، فلا أدري من هم؟. قال أبو عبد اللّه: وفي مثل هذا قيل من أمَّر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحق. فلقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر إن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث.
ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف الماضين ودفعوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله أجمعين من قوم
آثروا قطع المفاوز والقفار على التنعم في الدمن والأوطان وتنعموا بالبؤس في الأسفار مع مساكنة العلم والإخبار وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار بوجود الكسر والأطمار قد تركوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء والزيغ جعلوا المساجد بيوتهم وأساطينها تكاهم وبواريها فرشهم.
حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ثنا محمد بن الحسين بن أبي الحسين ثنا عمر بن حفص بن غياث قال: سمعت أبي وقيل له: ألا تنظر إلى أصحاب الحديث وما هم فيه. قال: هم خير أهل الدنيا.
وحدثني أبو بكر محمد بن جعفر المزكي ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق قال: سمعت علي ابن خشرم يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: إني لأرجو أن يكون أصحاب الحديث خير الناس يقيم أحدهم ببابي وقد كتب عني فلو شاء أن يرجع ويقول: حدثني أبو بكر جميع حديثه فعل ولكنهم لا يكذبون.
قال أبو عبد اللّه:
ولقد صدقا جميعا إن أصحاب الحديث خير الناس وكيف لا يكونون كذلك وقد نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم وجعلوا غذاءهم الكتابة وسمرهم المعارضة واسترواحهم المذاكرة وخلوتهم المداد ونومهم السهاد واصطلاءهم الضياء وتوسدهم الحصى فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس فعقولهم بلذاذة السنة غامرة، قلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة تعلم السنن سرورهم ومجالس العلم حبورهم وأهل السنة قاطبة إخوانهم وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم.
سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول سمعت أبا إسماعيل محمد ابن إسماعيل الترمذي يقول:
كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد اللّه ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء. فقام أبو عبد اللّه وهو ينفض ثوبه فقال: زنديق زنديق زنديق ودخل البيت.
سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سمعت جعفر بن سنان الو اسطي يقول: سمعت أحمد بن سنان القطان يقول: "ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث" وإذا ابتدع الرجل نزع حلاوة الحديث من قلبه. قال أبو عبد اللّه وعلى هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية... اه.
أقول هذه الكراهية والبغضاء والحقد الأرعن مازال أهل البدع والزيغ يتوارثونه جيلا بعد جيل إلى يومنا هذا
فأشد أعدائهم هم أهل الحديث والسنة والتوحيد والحديث، بقال اللّه قال رسول اللّه خصوصا فيما يتعلق بتوحيد اللّه ورد البدع أشد عليهم من وقع السهام وقرع السيوف وصوت القنابل والمدافع.