خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    "أصول في التفسير " للعلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية "أصول في التفسير " للعلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 15.05.08 19:36

    القرآن الكريم
    القرآن في اللغة‏:‏ مصدر قرأ بمعني تلا، أو بمعني جمع، تقول قرأ قرءًا وقرآنًا، كما تقول‏:‏ غفر غَفْرًا وغٌفرانًا، فعلى المعني الأول ‏(‏تلا‏)‏ يكون مصدرًا بمعنى اسم المفعول؛ أي بمعني متلوّ، وعلى المعني الثاني‏:‏ ‏(‏جَمَعَ‏)‏ يكون مصدرًا بمعني اسم الفاعل؛ أي بمعني جامع لجمعه الأخبار والأحكام ‏[‏ويمكن أن يكون بمعني اسم المفعول أيضًا، أي بمعني مجموع؛لأنه جٌمع في المصاحف والصدور‏.‏‏]‏‏.‏

    والقرآن في الشرع‏:‏ كلام الله تعالى المنزل على رسوله وخاتم أنبيائه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ المبدوء بسورة الفاتحة، المختوم بسورة الناي‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ القرآن تَنْزِيلًا‏}‏ ‏[‏الانسان‏:‏23‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏2‏]‏‏.‏ وقد حمى الله تعالى هذا القرآن العظيم من التغيير والزيادة والنقص والتبديل، حيث تكفل عز وجل بحفظه فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏9‏]‏ ولذلك مضت القرون الكثيرة ولم يحاول أحد من أعدائه أن يغير فيه، أو يزيد، أو ينقص، أو يبدل، إلا هتك الله ستره، وفضح أمره‏.‏

    وقد وصفه الله تعالى بأوصاف كثيرة، تدل على عظمته وبركته وتأثيره وشموله، وأنه حاكم على ما قبله من الكتب‏.‏

    قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالقرآن الْعَظِيمَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏87‏]‏‏.‏ ‏{‏وَالقرآن الْمَجِيدِ‏}‏‏[‏ق‏:‏ من الآية 1‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ‏}‏ ‏[‏صّ‏:‏29‏]‏ ‏{‏وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏155‏]‏ ‏{‏إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏77‏]‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا القرآن يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ من الآية 9‏]‏‏.‏

    وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا القرآن عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏21‏]‏ ‏{‏وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُون‏‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 124-125‏]‏ ‏{‏وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا القرآن لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ من الآية 19‏]‏ ‏{‏فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏52‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ من الآية 89‏]‏ ‏{‏وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ من الآية 48‏]‏‏.‏

    والقرآن الكريم مصدر الشريعة الإسلامية التي بعث بها محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى كافة الناس، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏1‏]‏ ‏{‏الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ‏}‏ ‏[‏إبراهيم‏:‏ 1-2‏]‏‏.‏

    وسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مصدر تشريع أيضًا كما قرره القرآن، قال الله تعالى‏:‏‏{‏مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏80‏]‏ ‏{‏وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏من الآية 36‏]‏ ‏{‏وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏ ‏[‏الحشر‏:‏من الآية 7‏]‏ ‏{‏قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌرَحِيمٌ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏31‏]‏

    1- نزول القرآن
    نزل القرآن أول ما نزل على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ليلة القدر في رمضان، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏}‏ ‏[‏القدر‏:‏1‏]‏ ‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ‏}‏ ‏[‏الدخان‏:‏3-4‏]‏‏.‏ ‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية 185‏]‏‏.‏

    وكان عمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أول ما نزل عليه القرآن أربعين سنة على المشهور عند أهل العلم، وقد روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وعطاء وسعيد بن المسيِّب وغيرهم‏.‏ وهذه السِّن هي التي يكون بها بلوغ الرشد وكمال العقل وتمام الإدراك‏.‏

    والذي نزل القرآن من عند الله تعالى إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جبريل أحد الملائكة المقربين الكرام، قال الله تعالى عن القرآن‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏الشعراء‏:‏192- 195‏]‏‏.‏

    وقد كان لجبريل عليه السلام من الصفات الحميدة العظيمة، من الكرم والقوة والقرب من الله تعالى والمكانة والاحترام بين الملائكة والأمانة والحسن والطهارة؛ ما جعله أهلًا لأن يكون رسول الله تعالى بوحيه إلى رسوله قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏19- 21‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى} ‏[‏لنجم‏:‏5-7‏]‏‏.‏

    وقال‏:‏ ‏{‏قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏102‏]

    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: "أصول في التفسير " للعلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 15.05.08 19:41

    2- أول ما نزل من القرآن

    أول ما نزل القرآن على وجه الإطلاق قطعاً الآيات الخمس الأولي من سورة العلق، وهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏1- 5‏]‏‏.‏ ثم فتر الوحي مدة، ثم نزلت الآيات الخمس الأولى من سورة المدثر، وزهي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏1-5‏]‏‏.‏ ففي ‏(‏‏(‏الصحيحين‏)‏‏)‏‏:‏ صحيح البخاري ومسلم ‏[‏أخرجه البخاري، كتاب ب دء الوحي، باب 1‏:‏ كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم‏.‏‏.‏‏.‏، أصول في التفسير، حديث رقم 3؛ ومسلم كتاب الإيمان باب 73‏:‏ بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، حديث رقم 403 ‏[‏ 252‏]‏ 160‏.‏‏]‏‏.‏ عن عائشة رضي الله عنها في بدء الوحي قالت‏:‏ حتى جاءه الحقٌّ، وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال اقرأ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما أنا بقارئ ‏(‏يعني لست أعرف القراءة‏)‏ فذكر الحديث، وفيه ثم قال‏:‏‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏ إلى قوله‏:‏‏{‏عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏ 5‏]‏‏.‏ وفيهما ‏[‏أخرجه البخاري، كتاب ب دء الوحي، باب 1‏:‏ كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم‏.‏‏.‏‏.‏، أصول في التفسير، حديث رقم 3؛ ومسلم كتاب الإيمان باب 73‏:‏ بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، حديث رقم 403 ‏[‏ 252‏] 160‏.‏‏]‏ عن جابر رضي الله عنه، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال وهو يحدث عن فترة الوحي‏:‏ ‏(‏بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ )‏ فذكر الحديث، وفيه، فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏1-5‏]‏‏.‏

    وثمت آيات يقال فيها‏:‏ أول ما نزل، والمراد أول ما نزل باعتبار شيء معين، فتكون أولية مقيدة مثل‏:‏ حديث جابر رضي الله عنه في ‏(‏‏(‏الصحيحين ‏)‏‏)‏ ‏[‏ أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب 3 قوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ‏}‏ حديث رقم4924؛ ومسلم كتاب الإيمان باب 73‏:‏ بدء الوحي إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، حديث رقم 409 ‏[‏257‏]‏ 161‏]‏‏.‏ إن أبا سلمة بن عبد الرحمن سأله‏:‏ أي القرآن أنزل أول‏؟‏ قال جابر‏:‏‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏1‏]‏ قال أبو سلمة‏:‏ أنبئت أنه

    ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏ ‏[‏العلق‏:‏1‏]‏ فقال جابر‏:‏ لا أخبرك إلا بما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏جاورت في حراء فلما قضيت جواري هبطت‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ فذكر الحديث وفيه‏:‏ ‏(‏ فأتيت خديجة فقلت‏:‏ دثروني، وصبوا علي ماء باردًا، وأنزل علي‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏1‏]‏ إلى قوله‏:‏

    ‏{‏وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:5‏]‏ ‏)‏‏.‏

    فهذه الأولية التي ذكرها جابر ـ رضي الله عنه ـ باعتبار أول ما نزل بعد فترة الوحي، أو أول ما نزل في شأن الرسالة؛ لأن ما نزل من سورة اقرأ ثبتت نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما نزل من سورة المدثر ثبتت به الرسالة في قوله‏:‏ ‏{‏قُمْ فَأَنْذِرْ‏}‏ ‏[‏المدثر‏:‏2‏]‏

    ولهذا قال أهل العلم‏:‏ إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبئ بـ ‏(‏اقْرَأْ‏)‏ ‏[‏العلق‏:‏1‏]‏ وأرسل بـ الْمُدَّثِّرُ‏)‏ ‏[‏المدثر‏:‏1‏]‏‏.‏
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: "أصول في التفسير " للعلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 15.05.08 19:43

    3- نزول القرآن ابتدائي وسببي

    ينقسم نزول القرآن إلى قسمين‏:‏
    الأول‏:‏ ابتدائي‏:‏

    ابتدائي‏:‏ وهو ما لم يتقدم نزوله سبب يقتضيه، وهو غالب آيات القرآن، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏75‏]‏

    الآيات فإنها نزلت ابتداء في بيان حال بعض المنافقين، وأما ما اشتهر من أنها نزلت في ثعلبة ابن حاطب في قصة طويلة، ذكرها كثير من المفسرين، وروجها كثير من الوعاظ، فضعيف لا صحة له‏.‏ ‏[‏رواه الطبراني، وفيه على بن يزيد الألهاني وهو متروك‏.‏‏]‏ ‏.‏

    القسم الثاني‏:‏ سببي‏:‏ وهو ما تقدم نزوله سبب يقتضيه‏.‏ والسبب‏:‏
    أ‌- أ‌- إما سؤال يجيب الله عنه مثل ‏{‏يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية 189‏]‏‏.‏

    ب‌- ب‌- أو حادثة وقعت تحتاج إلى بيان وتحذير مثل‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ من الآية 65‏]‏ الآيتين نزلتا في رجل من المنافقين قال في غزوة تبوك في مجلس‏:‏ ما رأينا مثل قران هؤلاء أقرب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء، يعني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ـ فبلغ ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونزل القرآن فجاء الرجل يعتذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيجيبه ‏{‏أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ من الآية 65‏]‏ ‏[‏ذكر هذه الحادثة ابن كثير في تفسيره ‏(‏2/368‏)‏، والطبري أيضًا ‏(‏10/172‏)‏‏]‏‏.‏

    ج- أو فعل واقع يحتاج إلى معرفة حكمه مثل‏:‏ ‏{‏قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏1‏]‏
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: "أصول في التفسير " للعلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 15.05.08 19:46

    فوائد معرفة أسباب النزول

    1- معرفة أسباب النزول مهمة جدا، لأنها تؤدي على فوائد كثيرة منها‏:

    بيان أن القرآن نزل من الله تعالى، وذلك لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسأل عن الشيء، فيتوقف عن الجواب أحيانا، حتى ينزل عليه الوحي، أو يخفي الأمر الواقع، فينزل الوحي مبينًا له‏.‏ مثال الأول‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏85‏]‏‏.‏ ففي صحيح البخاري ‏"‏ ‏[‏أخرجه البخاري كتاب العلم باب قوله تعالي ‏{‏وما أؤتيتم من العلم إلا قليلا}‏حديث رقم ‏(‏125‏)‏ ومسلم كتاب صفات المنافقين وأحكامهم باب سؤال اليهود النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الروح، وقوله ‏{‏ويسألونك عن الروح‏.‏‏.‏‏.}‏ الآية‏.‏ حديث رقم ‏(‏2794‏)‏‏.‏

    ‏]‏ عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه‏:‏ أن رجلاً من اليهود قال‏:‏ يا أبا القاسم ما الروح‏؟‏ فسكت، وفي لفظ‏:‏ فأمسك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلم يرد عليهم شيئًا، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقامي، فلما نزل الوحي قال ‏{‏وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏85‏]‏ الآية مثال الثاني قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلّ‏}‏ ‏[‏المنافقون‏:‏ من الآية 8‏]‏ وفي صحيح البخاري ‏[‏أخرجه البخاري كتاب التفسير سورة المنافقون باب قوله ‏{‏إذا جاءك المنافقون قالوا إنك لرسول الله }‏ الآية ‏.‏ حديث رقم ‏(‏4900‏)‏ ومسلم كتاب صفات المنافقين وأحكامهم باب صفات المنافقين وأحكامهم ‏.‏حديث رقم ‏(‏367‏)‏‏.‏

    ‏]‏ أن زيد ابن أرقم ـ رضي الله عنه ـ سمع عبد الله ابن أبى رأس المنافقين يقول ذلك، يريد أنه الأعز ورسوله الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه الأزل، فأخبر زيد عمه بذلك، فأخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فدعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيدًا فأخبره بما سمع ثم أرسل إلى عبد الله ابن أبيه وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فصدقهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأنزل الله تصديق زيد في هذه الآية؛ فاستبان الأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

    2- بيان عناية الله تعالى برسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الدفاع عنه

    مثال ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏32‏]‏ وكذلك آيات الإفك؛ فإنها دفاع عن فراش النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتطهير له عن ما دنسه به الأفاكون‏.‏

    3- بيان عناية الله تعالى بعباده في تفريج كرباتهم وإزالة غموضهم‏.‏

    مثال ذلك آية التيمم، ففي ‏"‏ صحيح البخاري ‏"‏ ‏[‏‏(‏3 ‏)‏ أخرجه البخاري كتاب التيمم قوله تعالي ‏{فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} حديث رقم ‏(‏334‏)‏ ومسلم كتاب الحيض باب التيمم حديث رقم ‏(‏367‏)‏‏]‏ أنه ضاع عقد لعائشة رضي الله عنها، وهي مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بعض أسفاره فأقام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لطلبه، وأقام الناس على غير ماء، فشكوا ذلك إلى أبي بكر، فذكر الحديث وفيه‏:‏ فأنزل الله آية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن حضير‏:‏ ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر‏.‏ والحديث في البخاري مطولًا‏.‏

    4- فهم الآية على الوجه الصحيح ‏.‏

    مثال ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية 158‏]‏ أي يسعى بينهما، فإن ظاهر قوله‏:‏ ‏{‏فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية 158‏]‏ أن غاية أمر السعي بينهما، أن يكون من قسم المباح، وفي صحيح البخاري ‏"‏‏[‏أحرجه البخاري كتاب الحج باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة، ومسلم كتاب الحج باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به حديث رقم ‏(‏1278‏)‏‏]‏ عن عاصم بن سليمان قال‏:‏ سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن الصفا والمروة، قال‏:‏ كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية 158‏]‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية 158‏]‏ وبهذا عرف أن نفي الجناح ليس المراد به بيان أصل السعي، وإنما المراد نفي تحرجهم بإمساكهم عنه، حيث كانوا يرون أنهما من أمر الجاهلية، أما أصل حكم السعي فقد تبين بقوله‏:‏ ‏{‏مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ‏}‏

    ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية 158‏]‏
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    أبو محمد عبدالحميد الأثري
    المدير العام .. وفقه الله تعالى


    ذكر عدد الرسائل : 3581
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 25/04/2008

    الملفات الصوتية رد: "أصول في التفسير " للعلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى

    مُساهمة من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 15.05.08 22:04

    لتحميل الكتاب

    "أصول في التفسير " للعلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى Bullet_book أصول في التفسير
    المصدر: شبكة التفسير والدراسات القرآنية
    [أخبرنا عن رابط لا يعمل] [اكتب نبذة]
    لفضيلة الشيخ
    محمد بن صالح بن عثيمين
    رحمه الله تعالى

      الوقت/التاريخ الآن هو 10.05.24 7:19